
كندا على مفترق الطرق.. تحديات اقتصادية ودبلوماسية
في عام 2025، تجد كندا نفسها في مفترق طرق حرجة، حيث تتأرجح بين قوتين عالميتين؛ الولايات المتحدة والصين. هذا الوضع لا يعكس فقط التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، بل يمثل اختبارًا حقيقيًّا لمرونة السياسة الخارجية الكندية، وقدرتها على التكيف مع المتغيرات العالمية.
شهدت العلاقات الكندية الأميركية تدهورًا ملحوظًا بعد فرض إدارة ترامب تعريفات جمركية مرتفعة على الواردات الكندية، وردت أوتاوا بتدابير مماثلة، ما أدى إلى فترة طويلة من التوتر والشكوك في العلاقات الثنائية. هذا النزاع التجاري المتصاعد يسلط الضوء على هشاشة الروابط الاقتصادية بين الجارين، ويثير تساؤلات حول مستقبل التعاون بينهما.
التحديات مع الصين
في الوقت نفسه، فرضت الصين رسومًا انتقامية على صادرات كندا الزراعية، ما زاد من تعقيد الوضع. رغم ذلك، أبدى الطرفان استعدادًا للحوار، ما يعكس إدراكًا مشتركًا لأهمية التعاون الاقتصادي رغم الخلافات. هذه الديناميكية تشير إلى إستراتيجية كندية واضحة لتوسيع شراكاتها، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على السوق الأميركية.
قطاع الطاقة كأداة إستراتيجية
برز قطاع الطاقة كنقطة محورية في إعادة رسم العلاقات، حيث أظهرت كندا مرونة عملية عبر زيادة صادرات النفط إلى الصين عبر خط أنابيب "ترانس ماونتن". هذه الخطوة تمثل محاولة محسوبة لتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على شريك اقتصادي واحد، وسط تصاعد حالة عدم اليقين الدولية.
رغم هذه الجهود، لا تزال التحديات قائمة، سواء من القيود الصينية على بعض الصادرات الكندية، أو التوتر المستمر مع واشنطن. هذه المعادلة المعقدة تتطلب من كندا موازنة دقيقة بين مصالحها الاقتصادية والسياسية؛ للحفاظ على سيادتها واستقرارها الاقتصادي.
دروس للشرق الأوسط
ورغم أن هذا الصراع الاقتصادي يبدو بعيدًا عن منطقة الشرق الأوسط، فإن تداعياته قد تمتد بشكل غير مباشر إلى التوازنات الإقليمية. التقلبات في سوق الطاقة العالمي، والتحولات في تدفق الاستثمارات والتجارة، تؤثر على اقتصادات تعتمد بشكل كبير على التصدير النفطي، كما أن إعادة تشكيل التحالفات الاقتصادية قد تفتح الباب أمام فرص جديدة أو تهديدات إضافية، ما يضع دول المنطقة أمام تحدي إعادة تقييم تموضعها الإستراتيجي في ظل عالم تتغير فيه موازين القوى بسرعة.
التكيف مع التحولات العالمية
في مواجهة هذه الظروف، تسعى كندا إلى تطوير سياسات اقتصادية أكثر تنوعًا، تشمل تعزيز الابتكار والتكنولوجيا، لتعزيز قدرتها التنافسية على المستوى الدولي. تعتمد الحكومة على دعم القطاعات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة، لتقليل الاعتماد على صادرات المواد الخام، وهي خطوة مهمة لضمان استدامة النمو الاقتصادي في المستقبل.
كما تعمل أوتاوا على توسيع شبكة اتفاقيات التجارة الحرة مع دول أخرى، خصوصًا في أوروبا وآسيا، لتقليل التأثر بالصراعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. هذا التوجه يعكس رغبة في بناء جبهات اقتصادية متعددة تدعم الاقتصاد الوطني في مواجهة الصدمات الخارجية.
التوازن السياسي والدبلوماسي
على الصعيد الدبلوماسي، تتبع كندا سياسة متوازنة تحاول من خلالها الحفاظ على علاقات جيدة مع كلا القوتين العالميتين، دون الانحياز الواضح لإحداهما. هذا الأمر يتطلب مهارات تفاوضية عالية، حيث تحاول كندا أن تلعب دور الوسيط في بعض النزاعات، مستغلة سمعتها كدولة محايدة نسبيًّا وملتزمة بالقوانين الدولية.
كما تعزز كندا دورها في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، محاولةً التأثير إيجابًا على القرارات التي قد تدعم استقرار النظام الاقتصادي العالمي. ويُنظر إلى هذه الإستراتيجية على أنها سبيل لكندا لتعزيز صوتها على الساحة الدولية رغم حجمها النسبي.
تمثل وضعية كندا في عام 2025 نموذجًا للتحديات التي تواجه الدول المتوسطة في عالم يتزايد فيه التنافس الإستراتيجي بين القوى العظمى؛ وستحدد قدرة كندا على تحقيق التوازن بين المصالح المتضاربة مسارها الاقتصادي ومكانتها السياسية في السنوات المقبلة.
بالنسبة للشرق الأوسط، فإن هذه التجربة تقدم دروسًا قيمة حول أهمية المرونة والتكيف في مواجهة التحديات العالمية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
الصين على وشك الكشف عن 100 نموذج مماثل لـ"ديب سيك"
تستعد الصين للكشف خلال الـ18 شهرا القادمة عن نماذج للذكاء الاصطناعي والمنتجات التقنية الثورية على مستوى يماثل " ديب سيك"، بحسب تصريحات مسؤول صيني لوكالة "بلومبيرغ". كما نقلت الوكالة في تقريرها على لسان تشو مين، الذي كان نائبًا لمحافظ بنك الشعب الصيني، أن هذه الابتكارات تغير طبيعة الاقتصاد الصيني، فضلا عن تغيير طبيعة الابتكارات التقنية في الصين، إذ وضح تشو مين هذا الأمر خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في تيانجين. ويذكر أن تقديم نموذج الذكاء الاصطناعي "ديب سيك" كان مفاجئا لكافة الفئات في العالم، إذ استطاعت الشركة تقديم نموذج ذكاء اصطناعي يحاكي النماذج الأميركية، ولكن بنصف التكلفة، وهو ما أحدث ضجة عالمية وخفض من قيمة أسهم الشركات كثيرا في الوقت ذاته، بحسب تقرير نشرته "ذا غارديان" في الوقت ذاته. وأكد تشو أيضا الذي شغل منصب المدير العام لصندوق النقد الدولي سابقا، أن الحكومة الصينية والعامل البشري فضلا عن قاعدة المستخدمين الواسعة تدعم هذا التحول وتزيد من أثر المنتجات التقنية على الاقتصاد الصيني، ولكنها تؤكد أن العقوبات التجارية على الشركات الصينية لن تهدأ قريبا. إذ تواجه الشركات الصينية صعوبات عديدة في الوصول إلى الشرائح والمنتجات الضرورية لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، عقب مجموعة من العقوبات التي تطبقها الحكومة الأميركية على الشركات الصينية ونتج عنها منع الشركات الصينية من الوصول إلى بطاقات "نفيديا" الرائدة لذلك تتعلق آمال الشركات الصينية على "هواوي" والشرائح الخاصة بها. وأشار تقرير "بلومبيرغ" إلى أثر ظهور "ديب سيك" الإيجابي على الاقتصاد الصيني، إذ عززت الثقة في الأسهم الصينية وشجعت المستثمرين والشركات الأخرى على العمل في تطوير منتجات الذكاء الاصطناعي والمنتجات التي تعتمد عليها كثيرا. ووضح تقرير "بلومبيرغ الاقتصادية" نسبة مشاركة الشركات التقنية في الاقتصاد الصيني والناتج القومي، إذ وصل في عام 2024 إلى 15%، بينما كان 14% في العام السابق، ويتوقع التقرير أن تصل هذه المساهمة إلى 18% بحلول عام 2026، وأضاف تشو أن التعريفات الجمركية الأميركية أحدثت نموا سلبيا في التجارة العالمية هذا العام، إضافة إلى كون سلاسل التجارة العالمية أبطأ من العام الماضي، مضيفا إلى أن المواطن الأميركي سيشعر بالتضخم مع حلول أغسطس/آب المقبل.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
إدارة الصين 31 ميناء بأميركا اللاتينية والكاريبي تشعل مخاوف واشنطن
في تقرير جديد أثار قلق المؤسسات الأمنية في واشنطن، كشف مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية أن الشركات الصينية تبني وتدير حاليا 31 ميناء نشطا في أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، وهو رقم يفوق التقديرات السابقة بأكثر من الضعف، ويفتح بابا واسعا على أسئلة تتعلق بالأمن القومي الأميركي وتأثير النفوذ الصيني المتصاعد في البنى التحتية الإستراتيجية جنوب القارة. أخطر ميناء في نصف الكرة الغربي وفقا لتقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، فإن أخطر ميناء على الأمن القومي الأميركي هو ميناء كينغستون في جامايكا، الذي يُدار من قبل مجموعة "تشاينا ميرتشنتس بورت"، وهي شركة صينية مملوكة للدولة. هذا الميناء يتمتع بموقع حيوي، ويشكّل نقطة عبور رئيسية للتجارة الأميركية، ويقع في بلد يُعد حليفا إستراتيجيا لواشنطن. وفي المرتبة التالية، صنّف التقرير موانئ مانزانيو وفيراكروز في المكسيك -وكلاهما تحت إدارة شركة "سي كي هتشيسون"- بأنهما يمثلان تهديدا مباشرا لتدفق التجارة الأميركية. وفي حال تعطُّل ميناء مانزانيو، يُقدّر الأثر الاقتصادي على الاقتصاد الأميركي بنحو 134 مليون دولار يوميا، أما ميناء فيراكروز فقد يُسبب خسائر يومية تقارب 63 مليون دولار. دوافع تجارية أم تمركز إستراتيجي؟ ورغم الطابع التجاري المُعلن لمشاريع البنى التحتية الصينية، حذّر خبراء أميركيون من أن الجيش الصيني ينظر إلى هذه الموانئ بوصفها امتدادات إستراتيجية يمكن استخدامها لإعادة تموين السفن الحربية الصينية أو لحرمان القوات الأميركية من الوصول إلى ممرات بحرية حساسة إن نشب نزاع عسكري. واعتبر الباحث في كلية الحرب التابعة للجيش الأميركي، إيفان إليس، أن بكين تعتمد سياسة توسعية أعمق من مجرد شراكات لوجيستية، قائلا: "كل شركة صينية في الموانئ لديها دوافع تجارية، لكن الجيش يرى فيها بنية تحتية جاهزة للاستخدام في حال نشوب حرب ضد الولايات المتحدة". وتتشارك هذه الرؤية أيضا مع تصريحات لورا ريتشاردسون، القائدة السابقة للقيادة الجنوبية الأميركية، والتي كانت قد حذرت من الميناء الصيني الجديد في تشانكاي-البيرو، واصفة إياه بأنه قد يتحوّل إلى نقطة تموضع بحرية للصين في المحيط الهادي. اختراق صيني القلق الأميركي من تمدد النفوذ الصيني في أميركا اللاتينية ليس وليد اليوم، فقد سبق أن حذّرت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، عبر وزارة الخزانة الأميركية، من الاستثمارات الصينية في قطاعات الطاقة والنقل والاتصالات في دول الحزام الجنوبي، بحسب ما نشرته الجزيرة نت. كما نُشرت تحليلات موسّعة حول "حزام بكين البحري" الذي يمتد عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادي، مهددا هيمنة واشنطن في مجال اللوجيستيات الإقليمية. وفي تقرير آخر نشرته الجزيرة في ديسمبر/كانون الأول 2024، اعتُبر التنافس الصيني-الأميركي في أميركا اللاتينية أحد محاور التوتر الجيوسياسي الكبرى لعام 2025، خصوصا مع إقدام بكين على شراء شبكات كهرباء ومناجم ومعابر بحرية ذات طابع مزدوج تجاري وعسكري. غضب صيني ومواجهة مفتوحة في السياق ذاته، أعربت بكين عن استيائها الشديد من صفقة بيع شركة "سي كي هتشيسون" لموانئها العالمية إلى تحالف أميركي أوروبي تقوده بلاك روك وإم إس سي، ووصفت إحدى الصحف المدعومة من الحزب الشيوعي الصيني الصفقة بأنها "خيانة وطنية". وأمرت هيئة مكافحة الاحتكار الصينية بمراجعة الصفقة، معتبرة أن التخلي عن الموانئ يتعارض مع مصالح بكين الإستراتيجية. وقال هنري زيمر، الباحث الرئيسي في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، في تصريحات لفايننشال تايمز إن "الطريقة التي عبّرت بها الصين عن غضبها من صفقة هتشيسون تُظهر بوضوح أهمية الموانئ في إستراتيجيتها"، مضيفا أن "الموانئ تمنح بكين أيضا ثروة من البيانات حول حركة الشحن والتجارة العالمية".


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
هل يصمد وقف إطلاق النار الهشّ بين إسرائيل وإيران؟
بعد سُويعات قليلة، من الهجوم الإيراني على قاعدة العديد القطرية، فاجأ ترامب العالم ـ بشكل دراماتيكي وعلى غير المتوقع ـ بالإعلان عن اتفاق لوقف الحرب، بين إسرائيل وإيران، وأنه سينفذ خلال ساعات، وفي مشهد عاطفي نادر، تضرع ترامب إلى الله بأن "يحفظ تل أبيب وطهران"! كانت إيران قد أطلقت ـ مساء الاثنين 23 يونيو/ حزيران ـ 19 صاروخًا، على قاعدة العديد، قالت إنه ردٌ على قصف الولايات المتحدة، ثلاث منشآت لبرنامجها النووي مساء السبت، وذلك بعد أيام من "عدم اليقين" بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنضم إلى العمل العسكري الإسرائيلي ضد إيران، والذي بدأ في 13 يونيو/ حزيران الجاري. وقد دانت قطر بشدة هذا الهجوم، معربةً عن استنكارها هذا التصعيد الخطير الذي يهدد أمن المنطقة، وسط تضامن عربي ودولي واسع معها. وعلى إثر ذلك، أجرى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان اتصالًا هاتفيًا بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يعرب فيه عن أسفه إزاء الهجوم الذي نفّذه الحرس الثوري الإيراني على قاعدة العديد الجوية مساء الاثنين، مؤكدًا أن الهجوم لم يكن موجهًا ضد قطر أو شعبها، بحسب ما أفاد الديوان الأميري القطري. وأشار الديوان الأميري إلى أن الشيخ تميم جدد، خلال الاتصال، إدانة بلاده القوية هذا الاعتداءَ، معتبرًا إياه انتهاكًا سافرًا للسيادة القطرية ومجالها الجوي، ومخالفة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. كما أكد أمير قطر أن هذا التصرف يتعارض تمامًا مع مبدأ حسن الجوار والعلاقات الوثيقة التي تربط البلدين، مذكرًا بأن قطر لطالما دعت إلى الحوار مع إيران، وبذلت جهودًا دبلوماسية كبيرة في هذا الإطار. وبينما سادت أجواء التوتر والترقب، تحدث ترامب بثقة، من خلال تقديم "تهنئته للبلدين" على "امتلاكهما القدرة على التحمل والشجاعة والذكاء لإنهاء ما ينبغي أن يسمى "حرب الـ12 يومًا"، وذلك كما كتب على موقع تورث سوشيال، وكأنه علّق قُفلًا على الطرفين، ودس مفتاحه في جيبه هو وحده. واتفقت إسرائيل وإيران، على الالتزام بوقف إطلاق النار، على الرغم من أنهما قالتا إنهما ستردان بقوة على أي خرق. وإذا صمد وقف إطلاق النار ــ وهو أمر غير مؤكد إلى حد كبير ــ فإن السؤال الرئيسي سيكون: ما إذا كان هذا يشير إلى بداية سلام دائم، أم إنه مجرد هدنة قصيرة قد يتجدد القتال بعدها؟ حتى الآن، لم يصدر من أية جهة ـ واشنطن، طهران وتل أبيب ـ أي تفاصيل بشأن فحوى ما اتفق عليه لوقف الحرب، غير أن وكالة أسوشيتد برس نقلت عمن وصفتهم بـ"المسؤولين" قولهم، إن النتيجة التي تفضلها إسرائيل، هي موافقة إيران على وقف إطلاق النار، واستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة، بشأن برنامجها النووي. ومع ذلك، فإن إسرائيل مستعدة أيضًا للبديل: صراع طويل الأمد، ومنخفض الحدة، أو فترة "هدوء مقابل هدوء"، حيث ستواصل مراقبة النشاط الإيراني من كثب، والرد بقوة إذا ظهرت تهديدات جديدة. من الواضح ـ إذن ـ أن الاتفاق تم إنجازه، بالقفز على التفاصيل، لهفة من الأطراف الثلاثة، على الخروج من الأزمة، وحفظ ماء الوجه"، وعلى أن يبدأ بعدها في اليوم التالي، غلق صفحة الحرب بالتراضي، وفتح صفحة للسلام، لا سيما أن البلدين، استنزفا بشكل، يهدد قدرتهما على التماسك، ومواصلة الحرب بدون سقف زمني. والحال أنه ـ حتى الآن ـ فإن إيران لم تنكسر كما أن إسرائيل لم تنتصر، ما يشجع إيران "المجروحة" ـ تحديدًا ـ على قبول إنهاء الحرب، بدون أضرار كبيرة تخصم من شرعية نظامها السياسي. ولعل ذلك مع حمل الجميع، على تعليق التفاصيل، إلى وقت لاحق لم يحدد بعد، فوقف إطلاق النار جاء على شرط واحد، أن تتوقف العمليات العدائية بين الطرفين، ولم يشر إلى متن الأزمة وصلبها "المشروع النووي الإيراني"، وماذا بشأنه؟! لا سيما أن تقارير متواترة، ترجح أن إيران، تحتفظ فعليًا بكميات من اليورانيوم عالي التخصيب، ما يمنحها القدرة على صنع أسلحة نووية في أي وقت تراه مناسبًا، إن لم تكن صنعتها فعليًا، رغم الأضرار التي لحقت بمنشآتها النووية. فبعد وقت قصير، من سريان وقف إطلاق النار، اتهم وزير الدفاع الإسرائيلي، إيران بشن هجمات صاروخية، وأمر إسرائيل بالرد عسكريًا. ونفى منشور على قناة تليغرام التابعة للتلفزيون الرسمي الإيراني إصدار أمر الإطلاق. ويكاد يجمع المراقبون، على أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار بين طرفين، يظل هشًا ما لم يستوفِ الشروط، التي خلصت إليها دراسات الحرب المعاصرة، إذ يميل السلام إلى الصمود في ظلّ أحد شرطين: إما الهزيمة الكاملة لأحد الطرفين، أو إرساء ردع متبادل. وهذا يعني امتناع الطرفين عن العدوان؛ لأنّ التكاليف المتوقعة للردّ تفوق بكثير أيّ مكاسب محتملة، كما يقول تقرير لـ the conversation كتبه علي المعموري. كما تتطلب عمليات وقف إطلاق النار المستقرة عادة، قدرًا كبيرًا من التحضير، حتى يعرف الجميع على الجانبين، ما يفترض أن يحدث، والأهم من ذلك، متى يحدث. وبدون مثل هذه الاستعدادات، وأحيانًا حتى معها، فإن وقف إطلاق النار، سوف يميل إلى الاختراق؛ ربما عن طريق الصدفة، أو ربما لأن أحد الجانبين لا يمارس السيطرة الكاملة على قواته، أو ربما نتيجة للإنذارات الكاذبة، أو حتى لأن طرفًا ثالثًا ــ جماعة حرب عصابات أو مليشيا، على سبيل المثال ــ اختار تلك اللحظة لشن هجوم من جانبه. السؤال المهم هو: ما إذا كان خرق وقف إطلاق النار، مجرد أمر عشوائي ومؤسف، أم إنه متعمد ومنهجي؟ – حيث يحاول شخص ما انتهاكه بنشاط. وفي كل الأحوال، لا بد من تعزيز وقف إطلاق النار، سياسيًا طوال الوقت، إذا أردنا له أن يصمد. وعادة ما يتفقون على كيفية مراقبته حتى لا يتمكن أحد الجانبين من انتزاع ميزة سريعة عن طريق كسره فجأة، على حد تعبير المحلل العسكري والأستاذ في كلية كينغز لندن، مايكل كلارك. وفي السياق، فقد أعادت الحرب تشكيل الطريقة التي تنظر بها كل من إيران وإسرائيل إلى الردع، وكيف تخططان لتأمينه في المستقبل. بالنسبة لإيران، عزز الصراع الاعتقاد بأن بقاءها على المحك. ومع مناقشة تغيير النظام علنًا خلال الحرب، بدا قادة إيران أكثر اقتناعًا من أي وقت مضى بأن الردع الحقيقي يتطلب ركيزتين أساسيتين: القدرة على امتلاك الأسلحة النووية، وتعميق التحالف الإستراتيجي مع الصين، وروسيا. ونتيجة لهذا، فمن المتوقع أن تتحرك إيران بسرعة لاستعادة وتطوير برنامجها النووي، وربما تتحرك نحو التسلح الفعلي، وهي الخطوة التي تجنبتها منذ فترة طويلة، رسميًا. وفي السياق فمن المرجح أن تُسرّع طهران تعاونها العسكري والاقتصادي مع بكين وموسكو تحسبًا لعزلتها. وقد أكّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي هذا التعاون الوثيق مع روسيا خلال زيارته إلى موسكو هذا الأسبوع، لا سيما في المسائل النووية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى ترى إسرائيل أن الردع يتطلب يقظةً دائمةً، وتهديدًا حقيقيًا بردٍّ ساحق. وفي غياب أي اختراقات دبلوماسية، قد تتبنى إسرائيل سياسةَ توجيه ضربات استباقية فورية للمنشآت الإيرانية، أو الشخصيات القيادية إذا رصدت أي تصعيد جديد، لا سيما فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. ويعتقد على نطاق واسع أن الردع المتبادل قد يمنع حربًا أطول أمدًا في الوقت الراهن، ولكن التوازن يظل هشًا وقد ينهار دون سابق إنذار، كما يقول تفصيلًا تقرير Ali Al-Amouri في conversationtd the.