
اعتداءات غير مسبوقة للمستوطنين تهدد فلسطينيي الضفة بالعطش
وهذا الاعتداء كان الأوسع والأكثر ضررا مما سبق، إذ أدى لانقطاع المياه عن حوالي 4 آلاف فلسطيني يسكنون البلدة.
وتعتمد قرية كفر مالك بالكامل على مياه هذه العين، وفق ما يؤكد ماجد معدي نائب رئيس مجلسها المحلي، كما تغيب البدائل لديهم في حال استمر انقطاع المياه لفترة طويلة، وهو ما ينذر بكارثة "فهي مسألة حياة أو موت" كما يوضح معدي للجزيرة نت.
ولا يقتصر الضرر الواقع فقط على قرية كفر مالك، إذ إن أكثر من 19 قرية فلسطينية تقع شمال شرق رام الله تعتمد بشكل كلي على هذه المياه، إلى جانب 14 قرية تعتمد عليها بشكل جزئي، مما يرفع عدد المتضررين إلى أكثر من 100 ألف فلسطيني تعتبر عين سامية المغذي الرئيسي لهم.
وتعتبر هذه الآبار شريان الحياة للمنطقة الممتدة من قرية كفر مالك (شمال شرق رام الله) وحتى منطقة الأغوار التي تشكل 29% من أراضي الضفة الغربية ، والتي تسعى إسرائيل من خلال المخططات الاستيطانية للسيطرة عليها.
اعتداءات متصاعدة
وفي تفاصيل ما جرى، أوضح معدي أن مستوطنين من مستوطنة "كوكبة الصباح القريبة" يقومون باستمرار بالاعتداء على محطة آبار عين سامية على أراضي القرية، ويتعمدون تخريب أنابيبها، وقطع الكهرباء، وإتلاف كاميرات المراقبة، وقطع الاتصال مع محطات التحكم الآلي التي تم تركيبها عوضا عن العمل اليدوي الممنوع على الفلسطينيين.
ويضيف أن هذه المحطات تبعد أقل من 400 متر عن قرية كفر مالك، ولكن الوصول إليها أصبح صعبا بعد أن أغلق الاحتلال والمستوطنون الطريق، وهو ما يعني الحاجة لسلوك طريق تتجاوز طولها 35 كيلومترا للوصول إليها من الجهة المقابلة للقرية.
فبعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تحولت اعتداءات المستوطنين المتكررة إلى هدف منع كل أصحاب الأراضي من الوصول إليها، إلى جانب تهجير البدو المقيمين في المنطقة، والتحكم الكامل فيها. ولذا أصبح من غير الممكن الوصول إلى العين دون تنسيق أمني مع "الارتباط الإسرائيلي" التابع لـ جيش الاحتلال.
محاولات الإصلاح
تعمل طواقم مصلحة مياه محافظة القدس ، وهي الشركة التي تقوم بضخ المياه من هذه الآبار وتوزيعها على القرى، على إصلاح الأعطال التي يتسبب بها المستوطنون، إلا أن كل مرة يكون الاعتداء أكبر ويحتاج لوقت وأدوات أحدث.
ويقول مدير الإعلام بمصلحة المياه فارس المالكي إن "هذا الاعتداء يأتي بعد أيام من الاعتداء السابق، ولكن هذه المرة بشكل أوسع، ومما حصل هذه المرة هو قطع كل خطوط الاتصالات والإنترنت عن المحطة المركزية، وأوقف المضخات الموجودة في الآبار بشكل تام".
وعن البدائل الموجودة في حال استمر العطل، يقول المالكي للجزيرة نت إنه لا يوجد بديل للقرى التي تعتمد بشكل كلي على هذه المياه في حال استمرت هذه الاعتداءات، وأضاف "نحن نتحدث عن كارثة إنسانية حقيقية وتعطيش لكل هذه القرى".
ولكن الخطط البديلة إستراتيجيا -كما يقول المالكي- هي مد خطوط مياه تخرج من هذه القرى مباشرة، الأمر الذي يتطلب سنوات من العمل وموافقات إسرائيلية مسبقة.
بيئات طاردة
تاريخيا، تعد هذه الآبار ملكا لمصلحة مياه القدس، والتي تقدم خدماتها لمدينتي رام الله والبيرة و10 مدن وبلديات أخرى، بالإضافة لأكثر من 43 قرية، و5 مخيمات للاجئين، وتغطي الجزء الشمالي للمدينة الفلسطينية المقدسة.
وقد تم حفر عين سامية بالتزامن مع بدء تأسيس الشركة عام 1966، أي قبل سيطرة إسرائيل على الضفة واحتلالها عام 1967. ويستخرج منها ما نسبته 12 ألف متر مكعب من المياه، أي ما نسبته 12% من المياه التي يتم توريدها للشركة.
ويعتبر المتابعون للشؤون الاستيطانية أن مشهد تخريب أنابيب المياه في آبار عين سامية لا ينفصل عن المشهد العام لمساعي المستوطنين من أجل السيطرة على الأراضي في الضفة وتحويلها إلى بيئة طاردة للفلسطينيين.
وبحسب مدير عام معهد الأبحاث التطبيقية بالقدس جاد إسحاق، فقد سيطر المستوطنون على 45 عين مياه في المنطقة الممتدة ما بين شرق رام الله حتى الاغوار، وهي الينابيع التي كانت تتيح للمزارعين العيش في تلك المناطق.
ويؤكد في حديثه للجزيرة نت أن "قضية عين سامية تعد أكثر خطورة، إذ إن قرى كاملة أصبحت في دائرة التهديد بالتعطيش".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
انطلاق المؤتمر التأسيسي للتحالف العالمي من أجل فلسطين في لندن
عُقد اليوم السبت في العاصمة البريطانية لندن المؤتمر التأسيسي للتحالف العالمي من أجل فلسطين ، بحضور نخبة من الشخصيات الدولية المرموقة المؤيدة للحق الفلسطيني. وشارك في المؤتمر أكثر من 70 منظمة تضامنية من 25 دولة حول العالم تمثل قطاعات المجتمع المدني والنقابات والحركات الطلابية والمبادرات الإعلامية والحقوقية، إلى جانب وفود من فلسطين والشتات. وافتُتحت أعمال المؤتمر بجلسة تحت عنوان "تأطير اللحظة" تناولت أهمية المرحلة الراهنة بعد تصاعد الزخم الجماهيري العالمي الداعم لفلسطين، وأكد المتحدثون على الحاجة لتوحيد الجهود وبناء مشروع تحالفي طويل الأمد. وشهدت الجلسة مداخلات للنائب البريطاني جيرمي كوربن والزعيم الأيرلندي جيري آدامز ورئيس حركة المبادرة الفلسطينية مصطفى البرغوثي ووزير المالية اليوناني الأسبق يانيس فاروفاكيس والمناضل الجنوب أفريقي روني كاسريلز والنائب الإيطالي أنجليو بونيلي. وقال كوربن في مداخلته "نحن لا نبني تحالفا عابرا، بل نؤسس لحركة عالمية ثابتة تتحدى الظلم وتعيد لفلسطين مكانتها في ضمير الإنسانية، هذه لحظة تاريخية ونقطة تحول في النضال من أجل العدالة". وركزت الجلسة الثانية على تحويل الحراك الشعبي إلى تأثير سياسي ملموس، واستعرضت نماذج ناجحة من حملات المقاطعة الدولية وضغوط على صناع القرار وبناء أدوات قانونية داعمة للقضية الفلسطينية. أما الجلسة الثالثة فقد ناقشت سبل بناء الهيكل التنظيمي للتحالف، وتشكيل لجان العمل، ووضع خريطة طريق لصياغة "الميثاق التأسيسي" بإشراف أكاديميين ومناضلين من البرازيل ونيوزيلندا والنرويج وبريطانيا. بيان ختامي واختتم المؤتمر التأسيسي للتحالف العالمي من أجل فلسطين أعماله بإعلان البيان الختامي الأول للتحالف، وتضمّن نقاطا عدة، أبرزها: إعلان دعم حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. رفض نظام الفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي. بناء تحالف عالمي متعدد المستويات والمجالات. دعم الحق في التضامن والعمل المدني غير العنيف. كما أكد البيان على أهمية مواصلة الزخم الجماهيري العالمي الذي تصاعد بعد 2023 عبر تنسيق الجهود القانونية والإعلامية والسياسية، لبناء رأي عام ضاغط، خاصة في دول الشمال العالمي. وأعلن المنظمون أن المؤتمر المقبل سيُعقد خلال العام 2026 في بلد آخر استمرارا في بناء هذا التحالف العالمي. ما "التحالف العالمي من أجل فلسطين"؟ يهدف التحالف العالمي من أجل فلسطين إلى تعزيز الدعم الدولي للقضية الفلسطينية في ظل الظروف المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في غزة و الضفة الغربية. ويعد التحالف مبادرة دولية ناشئة تهدف إلى تنظيم جهود التضامن مع فلسطين على نحو إستراتيجي ومستدام من خلال تنسيق العمل بين النقابات ومنظمات المجتمع المدني والمبادرات الإعلامية والثقافية والحركات الطلابية، والبرلمانيين حول العالم، ولا سيما من خارج العالمين العربي والإسلامي. وينطلق التحالف من مبدأ واضح "التضامن مع فلسطين يجب أن يكون منظما، موحدا، ومؤثرا"، وهو ما تطمح هذه المبادرة إلى تحقيقه عبر بناء جبهة دولية قادرة على مواجهة الاحتلال، وتفنيد روايات التضليل الإعلامي، والدفاع عن الحق في التضامن.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
فرنسا والاعتراف بالدولة الفلسطينية: تحول إستراتيجي أم التفاف على الكارثة؟
في خضم المجازر اليومية والكارثة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، ومع التوسع الاستيطاني غير المسبوق في الضفة الغربية، جاء تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول نية فرنسا الاعتراف بـ"دولة فلسطينية قابلة للحياة" في شهر سبتمبر/ أيلول 2025 كحدث لافت. هذا الإعلان، الذي يحمل طابعًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا حساسًا، يثير تساؤلات عديدة حول دوافع فرنسا، وتوقيت الخطوة، ومدى جديتها، وكذلك حول تأثيرها على القضية الفلسطينية، وعلى موازين القوى في المنطقة، وعلى العلاقات الأوروبية الإسرائيلية. السياق العام للإعلان يأتي هذا التصريح في وقت حرج؛ فمنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشهد فلسطين عدوانًا إسرائيليًّا مدمرًا، وصل في قطاع غزة إلى مستويات من التجويع والتدمير لا يمكن تبريرها بأي منطق. العالم يشاهد، وتتوالى التقارير عن مجاعة في الشمال، وانهيار النظام الصحي، وفقدان مئات الآلاف لمنازلهم.. كل هذا يجري وسط تواطؤ دولي وصمت رسمي من قوى غربية عديدة، بما فيها فرنسا، التي اكتفت منذ بداية الحرب بتصريحات عامة تدين "الإرهاب" وتدعو لـ"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها". لكن مع تصاعد الغضب الشعبي في الشارع الأوروبي، وازدياد الضغوط الداخلية في فرنسا تحديدًا، حيث تعيش أكبر جالية مسلمة في أوروبا الغربية، لم يعد ممكنًا لباريس الاستمرار في التواطؤ الصامت. هنا جاء تصريح ماكرون في محاولة لإعادة التوازن لموقفه السياسي، وتقديم "حل وسط" يُظهر فرنسا كداعم للعدالة، دون التصادم المباشر مع إسرائيل أو الولايات المتحدة. مفهوم "الدولة القابلة للحياة" إن إعلان فرنسا لا يتحدث عن "الاعتراف بدولة فلسطينية" بشكل مباشر أو غير مشروط، بل يربط ذلك بما أسماه ماكرون "دولة قابلة للحياة". هذا المصطلح الفضفاض كثيرًا ما استُخدم في الخطاب الغربي للتهرب من الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. "قابلة للحياة" بحسب التفسير الغربي تعني دولة: لا تشكل "تهديدًا أمنيًّا" لإسرائيل. تقبل نزع سلاح المقاومة. تقبل وجود قوات مراقبة دولية. لا تكون لها سيطرة على المعابر والحدود والمجال الجوي. هذا التعريف في جوهره ينزع من الدولة سيادتها ويُبقيها كيانًا وظيفيًّا خاضعًا للرقابة الدولية والإسرائيلية. فهل هذا ما تريده فلسطين؟ وهل هذه الدولة تمثل طموحات الشعب الفلسطيني الذي يناضل منذ أكثر من قرن من أجل تقرير مصيره؟ دوافع فرنسا الحقيقية رغم أهمية هذا الإعلان على المستوى الرمزي، فإنه لا يمكن فصله عن الحسابات السياسية البحتة التي تحرك السياسة الخارجية الفرنسية، وتشمل: محاولة استعادة النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط، خاصة بعد تراجع دور فرنسا في الملفين؛ اللبناني والسوري. امتصاص الغضب الداخلي الناتج عن تزايد حملات التضامن مع غزة داخل المجتمع الفرنسي. محاولة ضبط التوازن بين العلاقات التاريخية مع إسرائيل والعلاقات المتوترة مع الجاليات المسلمة. الرد على التحركات الأوروبية (مثل أيرلندا، إسبانيا، النرويج) التي اعترفت رسميًّا بدولة فلسطين في مايو/ أيار 2025. وبالتالي، فإن ماكرون لا يتحرك بدافع إنساني أو قانوني بحت، بل تحت ضغط مركب من السياسة الداخلية والواقع الدولي. التأثير السياسي والإقليمي للقرار على الصعيد الفلسطيني: قد يمنح هذا الاعتراف دفعة معنوية للموقف الفلسطيني في الساحة الدولية، وخاصة إذا تبعه اعتراف دول أوروبية أخرى كألمانيا أو بلجيكا أو السويد، كما قد يعزز موقف السلطة الفلسطينية في المنظمات الدولية، ويزيد الضغوط على الاحتلال. ولكن، هناك خطر أن يُستخدم هذا الاعتراف كوسيلة للضغط على القيادة الفلسطينية للعودة إلى طاولة المفاوضات بشروط مجحفة، تحت عنوان "نحن نعترف بدولتكم، وعليكم الآن القبول بالتسوية". على إسرائيل: سترفض إسرائيل بشدة هذا الاعتراف، كما فعلت سابقًا مع أيرلندا وإسبانيا، وستعتبره "مكافأة للإرهاب"، وقد ترد بتشديد عدوانها وفرض مزيد من العقوبات على السلطة الفلسطينية، كما قد تحرك اللوبيات الصهيونية في فرنسا لإضعاف ماكرون سياسيًّا. على الدول العربية: قد يحفّز هذا الاعتراف بعض الدول العربية "المترددة" للعودة إلى دعم فلسطين بشكل علني، وخاصة في ظل تصاعد الأصوات الشعبية ضد التطبيع. لكن في المقابل، قد تستخدم بعض الأنظمة هذا الاعتراف لتبرير صمتها قائلة: "دعوا الأوروبيين يتكفلون". على الرأي العام الدولي: سيُعتبر هذا الإعلان، إن حدث فعليًّا، إنجازًا لحركات التضامن العالمي، وإثباتًا أن الضغط الشعبي يمكن أن يغيّر مواقف الحكومات. وقد يفتح الباب لمزيد من المحاكمات والمساءلات القانونية، خاصة في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. ما هو المطلوب فلسطينيًّا؟ لكي لا يكون هذا الاعتراف مجرد ورقة رمزية، على القيادة الفلسطينية والقوى الوطنية الفلسطينية أن: ترفض أي صيغة "منقوصة" للدولة، لا تشمل السيادة الكاملة على الأراضي المحتلة عام 1967. – تطالب باعتراف صريح بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين. تربط الاعتراف بوقف الحرب والحصار فورًا. تستثمر الاعتراف لتوسيع التحرك القانوني والدبلوماسي في المنظمات الدولية. ترفض أي ضغوط لفرض تسوية جديدة تنكر حق العودة، وتبقي الاحتلال بأشكال أخرى. في النهاية، فإن خطوة فرنسا- رغم تأخرها الكبير- تمثل علامة تحوّل مهمة إن تم تنفيذها بجدية، وبما ينسجم مع القانون الدولي وحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة. أما إذا كانت مجرد محاولة لتخفيف الضغط الداخلي والتغطية على العجز الغربي تجاه غزة، فستتحول إلى صفعة أخرى مغطاة بالحرير. الشعوب العربية، والجاليات الفلسطينية، وحركات التضامن العالمية، مطالبة بالبقاء يقظة ومواصلة الضغط على الحكومات الغربية، ليس فقط للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بل لمحاسبة الاحتلال، وإنهاء نظام الفصل العنصري الإسرائيلي برمّته.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
صوت غزة حين تُبكي الكلمات
يتردّد صوت غزة الخارج من تحت الركام في أرجاء الكون فلا يجيب صداه أحد! ويستغيث شعب مسلم يئن تحت وطأة الحصار والقهر، يفترسه شبح الجوع، وتنشب فيه المصائب أظفارها، فلا يجد في أمته أُذنًا واعية تصغي إليه. ما أعظم المأساة، وما أشد القهر!. إنها مأساة أمة، فقدت الإحساس بالشعور، وتخلت عن المسؤولية، وتاهت في دروب الضياع والغثائية والكسل وبلادة الضمير، وتسويغ العجز بالأعذار الواهية. في خطابه الأخير، الذي جاء بعد صمت طويل، كانت كلمات الناطق الرسمي باسم كتائب عز الدين القسام "أبو عبيدة" تقطر أسًى وحزنًا، تُبكي الحجر وتُذيب القلوب، تحسّر فيها ما على ما وصل إليه حال أمته. لم تكن رسائله هذه المرة سياسية وعسكرية- كما عودنا- فحسب، بل كانت نفثة مصدور، وصيحة مخذول، تقرع كلماتها آذاننا الصماء وضمائرنا الميتة. لقد كان عتابه هذه المرة لاذعًا، يحمل في طياته مرارة الخذلان، وخيبة الأمل، وكان وقع كلماته شديدًا على القلوب. وضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية، ولم يعفِ أحدًا من تلك المسؤولية حين قال: " إننا نقول وبكل مرارة وألم: يا قادة هذه الأمة الإسلامية والعربية، ويا نخبها وأحزابها الكبيرة، ويا علماءها، أنتم خصومنا أمام الله عز وجل، أنتم خصوم كل طفل يتيم، وكل ثكلى، وكل نازح ومشرد، ومكلوم وجريح ومجوع.. إن رقابكم مثقلة بدماء عشرات الآلاف من الأبرياء الذين خُذلوا بصمتكم". كم كانت تلك الكلمات مفعمة باللوم والعتب، ومثقلة بالحزن والأسى! وكم كانت أسئلته مريرة حين تساءل ولا جواب: "كيف لأمة عظيمة، يبلغ تعداد أفرادها مليارَي نسمة، وتمتلك من المقدرات والإمكانات ما تمتلك، كيف لها أن تعجز عن إدخال شربة ماء أو كسرة خبز أو حبة دواء لأشقائها في الدين والعروبة، وهم يُقتلون ويُجوعوَّن على مرأى ومسمع من الجميع"! لقد أسـمعـت لو ناديت حيــًّا ولـكـن لا حيــاة لمـن تنادي إعلان ولو نارًا نفخت بها أضاءت ولـكـن أنت تنـفـخ في رمـاد آن الأوان للخروج من منطقة الراحة والأماني إلى ساحة البذل والعطاء والنصرة الحقيقية؛ إعذارًا إلى الله، ودفاعًا عن مقدساتنا المستباحة، وانسجامًا مع إنسانيتنا المهدورة أين نحن من نخوة أهل الجاهلية وأنفتهم، حين تحدوا تلك الصحيفة الظالمة فمزقوها وقالوا: "والله لا نأكل الطعام وبنو هاشم جوعى في الشِّعب"؟! كم يستغيث بنا المستضعفون وهم قتـلى وأســرى فما يهـتـز إنـسـان ما ذا التقــاطع في الإسـلام بيـنكم وأنــــتــم يـــا عبــاد الله إخــــوان ألا نفـــوس أبيــــّات لهـــا هِــمــم أما على الـخيـــر أنصار وأعـوان إن صمتنا وعجزنا وتقصيرنا هو ما شجع الكيان المجرم- كما يقول أبو عبيدة- على القيام بإبادة شعب بأكمله؛ لأنه أمن العقاب، واطمأن للصمت، واستند إلى الخذلان. إن مما ميز خطاب "أبو عبيدة" الأخير هو الإحساس بخيبة الأمل، والشعور بمرارة العجز والخذلان.. لقد كانت كلماته شديدة الوقع على القلوب، جديرة بأن توقظ نيام الضمائر. ليست صرخة "أبو عبيدة" في وجه أمته صرخة فرد، بل هي صرخة كل أرملة وثكلى، وكل يتيم وجائع على ثرى غزة، وثغور عسقلان، يشعر أنه تُرك وحيدًا يواجه آلة القتل ويقاسي ألم الجوع. هي صرخة في وجه أمة خلعت كرامتها وألِفت الذل، واستغرقت في سباتها، متغاضية عن شلال الدماء الذي ينزف على ثرى أرض الرباط الطاهرة.. إنها صرخة تترك غصة في حلق كل مؤمن صادق. وتشعل نار الغضب في قلوب المخلصين. إن صمتنا وعجزنا أمام هذه المأساة سيبقى وصمة عار في جبيننا، ولن يغسلنا منه إلا تحرك عاجل لإغاثة الملهوفين، والاستجابة لصرخاتهم. إنه آن الأوان للخروج من منطقة الراحة والأماني إلى ساحة البذل والعطاء والنصرة الحقيقية؛ إعذارًا إلى الله، ودفاعًا عن مقدساتنا المستباحة، وانسجامًا مع إنسانيتنا المهدورة.