
بين أقصى المعرفة وأقصى الجهل.. قفزةٌ في المجهول
للتكنولوجيا
، بل يلزم أيضاً تبنّي رؤية قاتمة ومروّعة لماهية الكائن البشري". بهذه الكلمات يستهلّ الباحث الإيطالي–السويسري جيوليانو دا أمبولي كتاب "إمبراطورية الظلّ: الحرب والأرض في زمن الذكاء الاصطناعي"، الصادر عن دار غاليمار الباريسية، وهو عمل لا يختزل العلاقة بين الإنسان والآلة فحسب، بل يتناول كذلك علاقة
المجتمعات البشرية
بعضها ببعض.
لم يكن العالم على حافة هاوية كما الحال الآن، ونحن في مرحلة مفصليّة من التاريخ
الإنساني
، تضعنا بين نوازع عنف آتية من أزمنة سحيقة، وتطوُّر تكنولوجي هائل يرسم خريطة جديدة لم يعرفها الجنس البشري من قبل. الذكاء الاصطناعي هو المحطة الرابعة ضمن تحوُّل كبير تَجسَّد في ثورات تكنولوجيّة ثلاث، في الزراعة والصناعة والمعلوماتيّة. وستكون الثورة الرابعة التي بدأت تتحقّق أكثر أهمية وأعمق أثراً من جميع ما تحقّق منذ اكتشاف النار والكهرباء والمحرّكات البخاريّة حتى اليوم. وهي تُنذر بتغيُّر في طبيعة العمل، التعليم، الثقافة، الاقتصاد، الحرب، الإدراك، حتى في تعريف "الإنسان" نفسه.
كيف لا وحاسوب "نيكسوس" الفائق القدرة، الذي سينطلق ربيع العام المقبل، سيُجري حسابات بسرعة تفوق ما يتمكّن منه 8 مليارات شخص مجتمعين، ما يكفي لإحداث ثورة في العلم على المستوى العالمي. وسيوفّر هذا الحاسوب إمكانية الوصول إلى أقوى أدوات الحَوسَبة على هذا الكوكب. ذلك كلّه يستدعي تحضيراً لاستيعاب هذا التحوُّل، وللتعامل مع هذه الوسائط المعقّدة، حتى لا يصبح المتلقّي، على غفلة منه، كأنه داخل لعبة مرايا ضخمة أشبه بالمتاهات.
نقف على عتبة ثورة رابعة تعيد تعريف الإنسان نفسه
تقتضي الإشارة، هنا، إلى أنّ مقاربة عالم الذكاء الاصطناعي تختلف عن التعامل مع الفضاء الأزرق (مثل فيسبوك وغيرها من منصّات التواصل الاجتماعي)، حيث الأفكار المتداولة لا تتحاور في ما بينها، بل تتقاطع وتتصادم، ويمضي كلّ منها في سبيله، كأمواج ترتفع عالياً، ثمّ تخبط في الماء وتتلاشى. الفضاء الأزرق مملكة الزبد، وإن ادّعى أنه مكان للتفاعل والتواصل. نلمح فيه الأشياء التي سرعان ما تختفي وفقَ معادلة بسيطة: تقليب الصفحات لا قراءتها، تمرير الصور لا التبحُّر فيها. كأنّ تيّاراً غامضاً هو الذي يحدّد مسارنا ويجرفنا في الاتجاهات كلّها في آن واحد، ونحن في ما يشبه الدُّوار. نُسرع ولا نعرف إلى أين!
في رواية "البطء"، ينتقد ميلان كونديرا تَسارع الحياة المعاصرة التي تُفرغ التجربة من عمقها وتُحوّل كلّ شيء إلى سطح زَلِق وعابر. أما التعامل مع الذكاء الاصطناعي فهو من طبيعة أخرى. الذكاء الاصطناعي يُحاكي الذكاء البشري ويتطلّب نماذج معقّدة للتعلّم الآلي، والرؤية الحاسوبية، وعلوم بيانات عميقة. تَعامُلنا معه هو تَعامُل مع تقنية ذكية قادرة على التطوير، وبإمكانها التأثير على بنية المجتمع كلّه. لذلك هو شريك معرفي عملي دائم التعلّم. وجود الذكاء الاصطناعي محرّض على أسئلة لم نطرحها من قبل، منها مثلًا ما يتعلّق بحدود إمكاناته، وبما يبقى للإنسان أن يحتفظ به لنفسه. قد يبقى الخلاف الأساسي بيننا أنه لا يشعر بالقلق ولا يخاف الموت.
بين طَرَفَي نقيض، يعيش البشر اليوم. بين الانغلاق وصعود التطرّف والعودة إلى العنف الخالص، وكذلك الحروب بما هي ظاهرة بدائيّة متوحّشة وقديمة، من جهة، وآلة مُبَرمَجة تتطوّر يومًا بعد آخر، تخترق الزمان وتفوق التصوُّر، من جهة أُخرى. بين هذه وتلك، نبحث عن ضفاف ترسو فيها مراسينا.
الذكاء الاصطناعي، بحسب مبتكريه ومهندسيه، سيكون أكبر قوّة يصنعها الإنسان منذ أن وُجدَ على الأرض، وأنّ طاقات هذا الذكاء ستتضاعف آلاف المرّات خلال السنوات المقبلة. لكن، ما معنى هذا التطوّر الخارق إذا لم يكن في خدمة البشرية جمعاء، لا في خدمة فريق واحد يستعمله من أجل المزيد من السلطة والهيمنة والاستئثار، ضمن أفق تتواصل فيه الحروب ويستمرّ الظلم إلى ما لا نهاية؟ ما معناه في هذه اللحظة بالذات، والمستفيد الأوّل منه هي الدول المتقدّمة علميًّا وسلطتها السياسيّة، ومعها، بالطّبع، السلطة الاقتصادية.
هذا ما نشره سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI للذكاء الاصطناعي، في مدوّنته الشخصيّة (في 16 مارس/ آذار 2021): "ستكون البرامج المعلوماتيّة قادرة على القيام بكلّ شيء تقريبًا، بما في ذلك اكتشافات علمية جديدة توسّع مفهومنا للعالم. الثورة التكنولوجية لا يمكن إيقافها. وستتسارع وتيرتها فتساعدنا الآلات الذكية بنفسها على صنع آلات أكثر ذكاءً، وسينتج عن هذه التغيّرات ثروات هائلة ممّا سيغيّر مستوى عيش البشر".
بين آلة لا تموت وعالم بلا كهرباء، يولد اضطراب المستقبل
يحقّ لألتمان أن يحلم، إلّا أنّ الواقع يقتضي تغيُّراً جذريّاً في عالم السياسة يواكب الثورة التكنولوجية التي سيتبدّل معها العالم. هذا العالم الذي لا تزال في جنوبه مناطق لم تصل إليها الكهرباء بعد. لذلك، لا بدّ من رؤية مستقبلية إنسانية تساهم في تشكيل علاقة جديدة بين البشر والذكاء الاصطناعي. ثمّة من يراهن على التوصُّل إلى سياسات تكون قادرة على مرافقة التقدّم العلمي. لكن، هل يمكن ذلك بدون إفساح المجال أمام العلماء والعُقَلاء، وبدون بناء هيئات دولية مستقلّة تُعنى بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وتضمّ ممثلين من مجتمعات متنوّعة، ثقافيّاً وجغرافيّاً؟
من المعروف أنّ السياسة، منذ القِدم، قلّما تُشرك الفلاسفة والمفكرين في صنع القرار، فما الذي يضمن إشراكهم الآن؟ هنا تكمن المفارقة التاريخية العميقة التي يعيشها العالم اليوم: كيف يمكن أن نطالب السلطة السياسية بأن تتخلّى عمّا اعتادت عليه منذ آلاف السنين؟ السياسة التقليدية لم تكن يوماً صديقة الفلاسفة والمفكّرين المتنوّرين، بل كثيراً ما رأت فيهم مصدر قلق بدل أن يكونوا فرصة للنجاة. من سقراط الذي حُكم عليه بالموت بتهمة "إفساد عقول الشباب" وتشجيعهم على التفكير النقدي بأسلوب مختلف عن التعاليم السائدة، إلى غاليليو الذي حوكم لأنه فكّر خارج النصّ المكرَّس، إلى كلّ مفكّر تمّ تجاهله أو تهميشه أو توظيفه.
لن يتحقق إذاً حلم سام ألتمان، وهو حلم علماء التكنولوجيا الحديثة، ما لم يتجاوب معه وعي سياسي جديد، يُشرك الفكر والفلسفة والإنسانيّات، ويأخذ في الاعتبار قيمة الأفراد، واختلاف الثقافات، وهشاشة الكوكب، وإلّا فإنّ الذكاء الاصطناعي، بدل أن يحرّر الإنسان، يصبح أداة استعمارية جديدة، ومرآة لسلطة غير مرئية تُعيد إنتاج القهر بأدوات أخرى.
يقول الكاتب الفرنسي فرانسوا رابليه، أحد أعلام الحركة الإنسانية في فرنسا: "العِلم بلا وعي أخلاقي ومعرفي ليس سوى هلاكٍ للروح". لذلك، فإنّ التحدّي التكنولوجي لا ينحصر في السياسة والاقتصاد فحسب، بل هو أيضاً تحدٍّ فلسفي وثقافي. أخيراً، إنّ التقدّم المذهل للتكنولوجيا لا يكفي وحده؛ ولكي يكون له معنى حقيقي، تنقصه دقّاتُ قلبٍ بشريّ.
* كاتب وشاعر لبناني مقيم في باريس
آداب
التحديثات الحية
"غيبة مي" لنجوى بركات.. رحلة في مجاهل الشيخوخة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العربي الجديد
منذ 4 أيام
- العربي الجديد
بين أقصى المعرفة وأقصى الجهل.. قفزةٌ في المجهول
"لإثبات تفوّق الآلة على الإنسان، لا تكفي الإنجازات المذهلة للتكنولوجيا ، بل يلزم أيضاً تبنّي رؤية قاتمة ومروّعة لماهية الكائن البشري". بهذه الكلمات يستهلّ الباحث الإيطالي–السويسري جيوليانو دا أمبولي كتاب "إمبراطورية الظلّ: الحرب والأرض في زمن الذكاء الاصطناعي"، الصادر عن دار غاليمار الباريسية، وهو عمل لا يختزل العلاقة بين الإنسان والآلة فحسب، بل يتناول كذلك علاقة المجتمعات البشرية بعضها ببعض. لم يكن العالم على حافة هاوية كما الحال الآن، ونحن في مرحلة مفصليّة من التاريخ الإنساني ، تضعنا بين نوازع عنف آتية من أزمنة سحيقة، وتطوُّر تكنولوجي هائل يرسم خريطة جديدة لم يعرفها الجنس البشري من قبل. الذكاء الاصطناعي هو المحطة الرابعة ضمن تحوُّل كبير تَجسَّد في ثورات تكنولوجيّة ثلاث، في الزراعة والصناعة والمعلوماتيّة. وستكون الثورة الرابعة التي بدأت تتحقّق أكثر أهمية وأعمق أثراً من جميع ما تحقّق منذ اكتشاف النار والكهرباء والمحرّكات البخاريّة حتى اليوم. وهي تُنذر بتغيُّر في طبيعة العمل، التعليم، الثقافة، الاقتصاد، الحرب، الإدراك، حتى في تعريف "الإنسان" نفسه. كيف لا وحاسوب "نيكسوس" الفائق القدرة، الذي سينطلق ربيع العام المقبل، سيُجري حسابات بسرعة تفوق ما يتمكّن منه 8 مليارات شخص مجتمعين، ما يكفي لإحداث ثورة في العلم على المستوى العالمي. وسيوفّر هذا الحاسوب إمكانية الوصول إلى أقوى أدوات الحَوسَبة على هذا الكوكب. ذلك كلّه يستدعي تحضيراً لاستيعاب هذا التحوُّل، وللتعامل مع هذه الوسائط المعقّدة، حتى لا يصبح المتلقّي، على غفلة منه، كأنه داخل لعبة مرايا ضخمة أشبه بالمتاهات. نقف على عتبة ثورة رابعة تعيد تعريف الإنسان نفسه تقتضي الإشارة، هنا، إلى أنّ مقاربة عالم الذكاء الاصطناعي تختلف عن التعامل مع الفضاء الأزرق (مثل فيسبوك وغيرها من منصّات التواصل الاجتماعي)، حيث الأفكار المتداولة لا تتحاور في ما بينها، بل تتقاطع وتتصادم، ويمضي كلّ منها في سبيله، كأمواج ترتفع عالياً، ثمّ تخبط في الماء وتتلاشى. الفضاء الأزرق مملكة الزبد، وإن ادّعى أنه مكان للتفاعل والتواصل. نلمح فيه الأشياء التي سرعان ما تختفي وفقَ معادلة بسيطة: تقليب الصفحات لا قراءتها، تمرير الصور لا التبحُّر فيها. كأنّ تيّاراً غامضاً هو الذي يحدّد مسارنا ويجرفنا في الاتجاهات كلّها في آن واحد، ونحن في ما يشبه الدُّوار. نُسرع ولا نعرف إلى أين! في رواية "البطء"، ينتقد ميلان كونديرا تَسارع الحياة المعاصرة التي تُفرغ التجربة من عمقها وتُحوّل كلّ شيء إلى سطح زَلِق وعابر. أما التعامل مع الذكاء الاصطناعي فهو من طبيعة أخرى. الذكاء الاصطناعي يُحاكي الذكاء البشري ويتطلّب نماذج معقّدة للتعلّم الآلي، والرؤية الحاسوبية، وعلوم بيانات عميقة. تَعامُلنا معه هو تَعامُل مع تقنية ذكية قادرة على التطوير، وبإمكانها التأثير على بنية المجتمع كلّه. لذلك هو شريك معرفي عملي دائم التعلّم. وجود الذكاء الاصطناعي محرّض على أسئلة لم نطرحها من قبل، منها مثلًا ما يتعلّق بحدود إمكاناته، وبما يبقى للإنسان أن يحتفظ به لنفسه. قد يبقى الخلاف الأساسي بيننا أنه لا يشعر بالقلق ولا يخاف الموت. بين طَرَفَي نقيض، يعيش البشر اليوم. بين الانغلاق وصعود التطرّف والعودة إلى العنف الخالص، وكذلك الحروب بما هي ظاهرة بدائيّة متوحّشة وقديمة، من جهة، وآلة مُبَرمَجة تتطوّر يومًا بعد آخر، تخترق الزمان وتفوق التصوُّر، من جهة أُخرى. بين هذه وتلك، نبحث عن ضفاف ترسو فيها مراسينا. الذكاء الاصطناعي، بحسب مبتكريه ومهندسيه، سيكون أكبر قوّة يصنعها الإنسان منذ أن وُجدَ على الأرض، وأنّ طاقات هذا الذكاء ستتضاعف آلاف المرّات خلال السنوات المقبلة. لكن، ما معنى هذا التطوّر الخارق إذا لم يكن في خدمة البشرية جمعاء، لا في خدمة فريق واحد يستعمله من أجل المزيد من السلطة والهيمنة والاستئثار، ضمن أفق تتواصل فيه الحروب ويستمرّ الظلم إلى ما لا نهاية؟ ما معناه في هذه اللحظة بالذات، والمستفيد الأوّل منه هي الدول المتقدّمة علميًّا وسلطتها السياسيّة، ومعها، بالطّبع، السلطة الاقتصادية. هذا ما نشره سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI للذكاء الاصطناعي، في مدوّنته الشخصيّة (في 16 مارس/ آذار 2021): "ستكون البرامج المعلوماتيّة قادرة على القيام بكلّ شيء تقريبًا، بما في ذلك اكتشافات علمية جديدة توسّع مفهومنا للعالم. الثورة التكنولوجية لا يمكن إيقافها. وستتسارع وتيرتها فتساعدنا الآلات الذكية بنفسها على صنع آلات أكثر ذكاءً، وسينتج عن هذه التغيّرات ثروات هائلة ممّا سيغيّر مستوى عيش البشر". بين آلة لا تموت وعالم بلا كهرباء، يولد اضطراب المستقبل يحقّ لألتمان أن يحلم، إلّا أنّ الواقع يقتضي تغيُّراً جذريّاً في عالم السياسة يواكب الثورة التكنولوجية التي سيتبدّل معها العالم. هذا العالم الذي لا تزال في جنوبه مناطق لم تصل إليها الكهرباء بعد. لذلك، لا بدّ من رؤية مستقبلية إنسانية تساهم في تشكيل علاقة جديدة بين البشر والذكاء الاصطناعي. ثمّة من يراهن على التوصُّل إلى سياسات تكون قادرة على مرافقة التقدّم العلمي. لكن، هل يمكن ذلك بدون إفساح المجال أمام العلماء والعُقَلاء، وبدون بناء هيئات دولية مستقلّة تُعنى بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وتضمّ ممثلين من مجتمعات متنوّعة، ثقافيّاً وجغرافيّاً؟ من المعروف أنّ السياسة، منذ القِدم، قلّما تُشرك الفلاسفة والمفكرين في صنع القرار، فما الذي يضمن إشراكهم الآن؟ هنا تكمن المفارقة التاريخية العميقة التي يعيشها العالم اليوم: كيف يمكن أن نطالب السلطة السياسية بأن تتخلّى عمّا اعتادت عليه منذ آلاف السنين؟ السياسة التقليدية لم تكن يوماً صديقة الفلاسفة والمفكّرين المتنوّرين، بل كثيراً ما رأت فيهم مصدر قلق بدل أن يكونوا فرصة للنجاة. من سقراط الذي حُكم عليه بالموت بتهمة "إفساد عقول الشباب" وتشجيعهم على التفكير النقدي بأسلوب مختلف عن التعاليم السائدة، إلى غاليليو الذي حوكم لأنه فكّر خارج النصّ المكرَّس، إلى كلّ مفكّر تمّ تجاهله أو تهميشه أو توظيفه. لن يتحقق إذاً حلم سام ألتمان، وهو حلم علماء التكنولوجيا الحديثة، ما لم يتجاوب معه وعي سياسي جديد، يُشرك الفكر والفلسفة والإنسانيّات، ويأخذ في الاعتبار قيمة الأفراد، واختلاف الثقافات، وهشاشة الكوكب، وإلّا فإنّ الذكاء الاصطناعي، بدل أن يحرّر الإنسان، يصبح أداة استعمارية جديدة، ومرآة لسلطة غير مرئية تُعيد إنتاج القهر بأدوات أخرى. يقول الكاتب الفرنسي فرانسوا رابليه، أحد أعلام الحركة الإنسانية في فرنسا: "العِلم بلا وعي أخلاقي ومعرفي ليس سوى هلاكٍ للروح". لذلك، فإنّ التحدّي التكنولوجي لا ينحصر في السياسة والاقتصاد فحسب، بل هو أيضاً تحدٍّ فلسفي وثقافي. أخيراً، إنّ التقدّم المذهل للتكنولوجيا لا يكفي وحده؛ ولكي يكون له معنى حقيقي، تنقصه دقّاتُ قلبٍ بشريّ. * كاتب وشاعر لبناني مقيم في باريس آداب التحديثات الحية "غيبة مي" لنجوى بركات.. رحلة في مجاهل الشيخوخة


العربي الجديد
منذ 7 أيام
- العربي الجديد
"واتساب" تستحدث أدوات لحماية مستخدميها من محاولات الاحتيال
أكدت خدمة المحادثة واتساب أنها رصدت وحظرت هذه السنة نحو سبعة ملايين حساب مُصممة للاحتيال على مستخدميها، وستستحدث أدوات حماية منها. وقالت المسؤولة في "واتساب" التابعة لمجموعة " ميتا " التي تضم أيضاً "فيسبوك" و"إنستغرام"، كلير ديفي، في إيجاز صحافي: "لقد رصد فريقنا الحسابات وأوقفها قبل أن تتمكن المنظمات الإجرامية التي أنشأتها من استخدامها". وأكدت أن هذه الحسابات البالغ عددها 6.8 ملايين والتي حُجبت خلال النصف الأول من السنة الجارية "لم تُرسل أي رسائل بعد". وتجتهد "ميتا" منذ سنوات لحماية مستخدميها من احتمالات تعرّضهم للتلاعب والاحتيال، وخصوصاً منذ فضيحة " كامبريدج أناليتكا ". وجمعت هذه الشركة الاستشارية البريطانية بيانات شخصية لعشرات الملايين من مستخدمي "فيسبوك" من دون علمهم ومن دون إذن، واستُخدمت لاحقاً للاستهداف السياسي خلال حملة الانتخابات الأميركية عام 2016. وأفادت "واتساب" بأن رسائل الاحتيال التي تتضمن وعوداً بكسب المال بسهولة من خلال استثمارات في العملات المشفرة أو وظائف وهمية ، تأتي غالباً من معسكرات العمل القسري التي تديرها جماعات إجرامية في جنوب شرق آسيا. وتُرصَد الحسابات المشبوهة من خلال التعاون خصوصاً مع جهات أخرى، إذ تظهر على تطبيقات وشبكات تواصل اجتماعي مختلفة في الوقت نفسه. تكنولوجيا التحديثات الحية "واتساب" يلخّص المحادثات السابقة بالذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" يدعم احتيال "واتساب" أشارت ديفي على سبيل المثال إلى عملية نُفذت من كمبوديا، وأوقفتها "ميتا" و"أوبن إيه آي"، مبتكرة "تشات جي بي تي". يستخدم المحتالون "تشات جي بي تي" لإعداد رسالة أولية تحتوي على رابط لمحادثة "واتساب". ثم سرعان ما يُعاد توجيه الضحايا إلى خدمة الرسائل المشفرة "تلغرام"، حيث يُطلب منهم وضع علامة الإعجاب "لايك" على مقاطع فيديو على "تيك توك"، على ما شَرَحت. ويسعى المجرمون لبناء الثقة مع ضحاياهم قبل الانتقال إلى المهمة التالية، وهي إيداع الأموال في حسابات بالعملات المشفرة. ومكّن صعود الذكاء الاصطناعي فِرَق الأمن السيبراني من أتمتة الكشف عن التهديدات على نطاق واسع. لكنّ الأدوات المساعِدَة القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل "تشات جي بي تي" وسواه، باتت تتيح للمحتالين شنّ عمليات احتيال أكثر إقناعاً وتعقيداً. هذا وأعلنت "ميتا" من جهة أخرى إضافة ميزة لتنبيه المستخدمين عند إضافتهم إلى مجموعة "واتساب" تضم أشخاصاً لا يعرفونهم، وقد تكون تالياً احتيالية. وأوضحت "ميتا" أن في استطاعة المستخدم المعنيّ "مغادرة المجموعة من دون حتى الاطلاع على المحادثة". (فرانس برس، العربي الجديد)


العربي الجديد
٠١-٠٨-٢٠٢٥
- العربي الجديد
عمالقة التكنولوجيا الخمسة يحصدون أرباحاً تفوق التوقعات رغم الرسوم الجمركية
حقق عمالقة التكنولوجيا الخمسة، غوغل وميتا التي تضم فيسبوك وإنستغرام، ومايكروسوفت وأمازون وآبل، أرباحاً فاقت التوقعات في الربع الثاني من العام الجاري رغم النفقات الضخمة التي خصصتها هذه الشركات على الذكاء الاصطناعي وحال عدم اليقين الاقتصادي على خلفية الرسوم الجمركية للرئيس الأميركي دونالد ترامب الصورة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولد دونالد ترامب في 14 حزيران/ يونيو 1946 في مدينة نيويورك، لأبوين من أصول ألمانية واسكتلندية، تلقى تعليمه الأولي في مدرسة كيو فورست بمنطقة كوينز في مدينة نيويورك. التحق بالأكاديمية العسكرية في المدينة نفسها، وحصل عام 1964 على درجة الشرف منها، ثم انضم إلى جامعة فوردهام بنيويورك لمدة عامين، ثم التحق بجامعة بنسلفانيا، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد 1968 . وكتب المحلل في "ويدبوش سيكيوريتيز" دان آيفز، أمس الخميس، يقول: "ثمة لحظات ستبقى محفورة في تاريخ الأسواق المالية مدة طويلة، وكان مساء الأربعاء واحداً من هذه اللحظات مع النتائج المذهلة التي أعلنتها مايكروسوفت وميتا". وتجاوزت القيمة السوقية لشركة مايكروسوفت يوم الخميس، وللمرة الأولى، عتبة أربعة آلاف مليار دولار أي 4 تريليونات دولار، وباتت ثاني شركة تتجاوز هذه العتبة الرمزية بعد "نفيديا" الرائدة في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي. وجاء ذلك غداة إعلان "مايكروسوفت"، الأربعاء، أنّ صافي دخلها بلغ 27.2 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من إبريل/ نيسان إلى يونيو/ حزيران، بزيادة قدرها 24% على أساس سنوي، فيما بلغت الإيرادات 76.4 مليار دولار، بزيادة قدرها 18% على أساس سنوي. وتجاوزت إيرادات أعمالها السحابية، أي الحوسبة عن بُعد وخدمات الذكاء الاصطناعي للشركات، مئة مليار دولار للسنة المالية، أي أكثر من إجمالي إيراداتها قبل عشر سنوات. اقتصاد دولي التحديثات الحية شركات التكنولوجيا الأميركية ورقة ضغط في يد الصين لكبح ترامب كذلك، فاجأت "ميتا" وول ستريت، الأربعاء، بصافي أرباحها الذي بلغ 18.34 مليار دولار، أي بزيادة 36%، في حين بلغت إيراداتها 47.5 مليار دولار في الربع الثاني من السنة الحالية، بزيادة قدرها 22% على أساس سنوي. وفسر الرئيس التنفيذي للمجموعة مارك زوكربيرغ أداءها بفضل دمج الذكاء الاصطناعي في أدواتها الإعلانية. وأشار خلال مؤتمر المحللين إلى قدرة الذكاء الاصطناعي مثلاً على اقتراح مواضع الإعلانات للمعلنين، ما يُحسّن معدلات تحويل الإعلانات، أي عدد الزوار الذين أكملوا إجراءً فعلياً على أساسها، وقدرته كذلك على اقتراح المحتوى للمستخدمين، ما يعزّز الوقت الذي يمضونه على منصات التواصل الاجتماعي. وبالتالي، حققت ميتا التي تحتل المرتبة الثانية عالمياً من حيث القدرة على جذب الإعلانات الرقمية هوامش ربح قوية رغم الزيادة المطردة في إنفاقها على الذكاء الاصطناعي. موجة النمو ومن شأن هذه النتائج أن ترضي زوكربيرغ الذي يتطلع إلى تقنية "الذكاء الخارق" الافتراضية ذات القدرات المعرفية المتفوقة على قدرات البشر. واستقطب زوكربيرغ في الآونة الأخيرة مسؤولين بارزين في "أوبن إيه آي" و"أنثروبيك" و"غوغل" بمبالغ كبيرة لترك وظائفهم والانتقال إلى صفوف مجموعته، ويعتزم استثمار "مئات المليارات من الدولارات" في مراكز بيانات جديدة مزودة برقائق متطورة وموارد طاقة هائلة. تكنولوجيا التحديثات الحية "غوغل" ستوقّع على مدونة قواعد السلوك الأوروبية للذكاء الاصطناعي كذلك، أعلنت "غوغل" أن استثماراتها ستزداد أكثر. ومن المتوقع أن تصل نفقاتها الاستثمارية إلى نحو 85 مليار دولار هذه السنة، بزيادة قدرها عشرة مليارات دولار عن المخطط له، مقارنةً بـ52.5 مليار دولار عام 2024. وهذه الاستثمارات ضرورية خصوصاً لأعمالها السحابية، إذ حققت "غوغل كلاود" مجدداً نمواً قوياً مع زيادة مبيعاتها بنسبة 32% لتتجاوز 13 مليار دولار، لكنها تواجه صعوبة في تلبية الطلب. ويمكن للمجموعة العملاقة في مجال الإنترنت الاعتماد على أرباحها، إذ ارتفعت إيراداتها بنسبة 14% على أساس سنوي لتصل إلى أكثر من 96 مليار دولار، من بينها 28.2 مليارا صافي دخل في الربع الثاني. ولا يبدو إلى اليوم أن محرّك البحث يعاني من مشاكل بسبب المنافسة المتزايدة من الأدوات المساعِدة العامة القائمة على الذكاء الاصطناعي، على غرار "تشات جي بي تي" (من شركة "أوبن إيه آي")، والأدوات المتخصصة في البحث الإلكتروني على غرار "بربليكسيتي"، إذ سارع هو نفسه إلى دمج أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية. ولاحظ دان آيفز أن "السوق لم تستوعب بعد موجة النمو المقبلة، التي تغذيها خطط إنفاق تبلغ قيمتها نحو تريليوني دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة من قبل الشركات والحكومات لنشر تقنيات الذكاء الاصطناعي". آثار الرسوم الجمركية وكان المستثمرون مهتمين أيضاً برصد الآثار المحتملة للحروب التجارية. ويبدو أن ميتا وأمازون تستفيدان من سياسات إدارة دونالد ترامب في الوقت الراهن. ففي ظل المناخ الضبابي السائد، تحصّن المعلنون بمنصات مجموعة وسائل التواصل الاجتماعي الموثوق بها. تكنولوجيا التحديثات الحية "أمازون" تنافس إيلون ماسك في إنترنت الأقمار الاصطناعية وأفادت "أمازون.كوم"، من جانبها، من تراجع المنافسة الصينية في الولايات المتحدة، إذ فقدت شركتا شين وتيمو الإعفاء الجمركي الذي كانت تتمتع به الطرود الصغيرة. كذلك، حققت الشركة التي تتخذ من سياتل مقراً لها نتائج أفضل من المتوقع، وخصوصاً بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي المخصصة للمستهلكين والشركات عبر منصة "إيه دبليو إس" السحابية. لكنها تنمو بوتيرة أبطأ من منافستيها مايكروسوفت وغوغل. وجاءت توقعات أمازون للربع الحالي مخيبة للآمال. وانخفض سعر سهمها بأكثر من 6% في التداول الإلكتروني بعد إغلاق بورصة نيويورك الخميس. أما نتائج شركة آبل الربعية، فقوبلت بارتياح في السوق رغم ارتفاع تكلفة الرسوم الجمركية وتأخرها في مجال الذكاء الاصطناعي. وأعلنت المجموعة التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها، الخميس، عن صافي ربح بلغ 23.4 مليار دولار، بزيادة 9%، بفضل مبيعات هواتف آيفون. وتجاوزت نتائج "آبل" بشكل كبير التوقعات على الرغم من فاتورة بقيمة 800 مليون دولار تتعلق بالرسوم الإضافية الأميركية. ومن المتوقع أن تتجاوز تكلفة هذه الرسوم الجمركية مليار دولار خلال الربع الحالي. (فرانس برس)