
الناتو يسعى إلى قمة "موجزة واضحة" وسط مخاوف بشأن ترمب وزيلينسكي
يسعى الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، مارك روته، إلى أن تكون القمة السنوية للحلف المقررة في يونيو المقبل "موجزة وواضحة"، في محاولة لتجنب حالة الانقسام العلني بشأن أوكرانيا، التي طغت على أعمال القمة قبل عامين، كما أعلن لأول مرة أن الحلفاء يتجهون نحو إقرار مستهدف جديد للإنفاق الدفاعي يبلغ 5% من الناتج المحلي الإجمالي لدول الحلف.
وحسبما أفاد مسؤولون ودبلوماسيون أوروبيون لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن عاملين قد يجعلان روته أمام اجتماع أكثر تعقيداً، أولهما الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يُتوقع أن يحضر القمة ويخالف حلفاءه في الرأي بشأن مستقبل أوكرانيا، وثانيهما أوكرانيا نفسها التي تسعى للانضمام إلى الناتو، وهو هدف يعارضه ترمب.
وقالت "نيويورك تايمز"، إن "قمة الناتو، المقررة يومي 24 و25 يونيو المقبل في هولندا، تأتي فيما تتراجع الولايات المتحدة عن تحمل المسؤولية الأساسية في حماية أوروبا، مما يثير حالة من الغموض العميق بشأن أمن القارة.
وقد حذر مسؤولون في إدارة ترمب، نظراءهم الأوروبيين، من أن تغييرات كبيرة وشيكة ستطرأ على آليات تناوب القوات الأميركية، وذلك رغم سعيهم إلى طمأنة الحلفاء بشأن استمرار التزام واشنطن تجاه الناتو.
ترمب وزيلينسكي
وفي الوقت ذاته، يعمل ترمب على تقليص الدعم العسكري لأوكرانيا، وتخلى عن جهود التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب، ويسعى إلى تطبيع العلاقات مع روسيا.
وفي ضوء كل ذلك، يبقى دور أوكرانيا في القمة غير محسوم، لا سيما في ظل موقف ترمب المتحفظ تجاه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي يُتوقع أيضاً أن يشارك في القمة. وحتى الآن، لم يتضح ما إذا كان زيلينسكي سيتلقى دعوة لحضور العشاء الافتتاحي للقمة، وفق "نيويورك تايمز".
وقال ماثيو جي. ويتاكر، السفير الأميركي الجديد لدى الناتو، خلال مؤتمر عُقد هذا الشهر في العاصمة الإستونية تالين: "أتوقع تماماً حضور زيلينسكي في لاهاي. أما بخصوص صفته، فما زلنا في طور النقاش".
ورجح مسؤولون، ألا تتضمن القمة هذا العام اجتماعاً لمجلس "الناتو-أوكرانيا"، الذي يجمع الطرفين، كما حدث في الأعوام السابقة.
وأفاد بعضهم بأن زعماء الحلف سيجتمعون لبضع ساعات فقط في اليوم التالي للعشاء الافتتاحي، وذلك لإقرار أهداف إنفاق جديدة تتيح للدول الأوروبية أن تحل تدريجياً محل الولايات المتحدة كضامن رئيسي للدفاع التقليدي عن القارة.
ويخطط الحلف أيضاً لعقد منتدى موازٍ لصناعة الدفاع، قد يشارك فيه زيلينسكي، بحسب "نيويورك تايمز".
وكان زيلينسكي، قد أدى أدواراً بارزة في قمتي الناتو السابقتين خلال عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن. ففي قمة ليتوانيا قبل عامين، سارت الأمور بشكل سيء حين طالب زيلينسكي وحلفاؤه بتحديد جدول زمني لانضمام أوكرانيا إلى الحلف، بينما كانت قمة العام الماضي في واشنطن أكثر هدوءاً، وطغت عليها تساؤلات حول القدرات الذهنية لبايدن.
غياب الوضوح
وفي عام 2008، أقر الناتو بأن أوكرانيا وجورجيا "ستصبحان عضوين في الحلف"، لكنه لم يحدد موعداً أو آلية واضحة لذلك.
ولم يرَ بايدن وبعض القادة الآخرين، أن أوكرانيا مؤهلة للانضمام ما دامت تخوض حرباً مع روسيا، ورفضوا تحديد موعد أو مسار للعضوية.
وقد تضمن البيان الختامي لقمة العام الماضي، وعداً بمواصلة دعم كييف، لكنه اكتفى بالإشارة إلى أن أوكرانيا تسير على "طريق لا رجعة فيه نحو التكامل الأوروبي-الأطلسي الكامل، بما يشمل عضوية الناتو".
وقال مسؤولون إن بيان هذا العام سيكون "قصيراً وموجزاً"، وما زال قيد الصياغة.
وتعهد الحلفاء الأوروبيون، بمواصلة دعم أوكرانيا، من أجل التوصل إلى تسوية سلمية عادلة، ثم تقديم ضمانات أمنية تحول دون أي توغلات روسية جديدة. ورغم تطلعهم إلى دعم أميركي موازٍ، فإنهم لا يتوقعون أن يوافق ترمب والكونجرس على تقديم أي مساعدات مالية إضافية لأوكرانيا.
ومع ذلك، لم يُقدم ترمب حتى الآن على تعطيل شحنات الأسلحة الأميركية المشمولة بحزمة المساعدات البالغة 61 مليار دولار، والتي أُقرت خلال ولاية بايدن. كما أنه لم يعاود وقف تزويد أوكرانيا بالمعلومات الاستخباراتية والأقمار الاصطناعية الأميركية، كما فعل لفترة وجيزة حين عبر عن استيائه من رفض زيلينسكي المبدئي لدعم وقف إطلاق نار مؤقت.
ورغم أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أوضح أنه لا يستعجل إنهاء الحرب، فإن ترمب لم يُنفذ تهديداته بزيادة الضغوط الاقتصادية على موسكو، بل صرح الأسبوع الماضي قائلاً: "روسيا تريد إقامة تجارة واسعة النطاق مع الولايات المتحدة عندما تنتهي هذه المجزرة الكارثية، وأنا أوافق على ذلك".
وأضاف ترمب: "هناك فرصة هائلة لروسيا لخلق وظائف وثروات ضخمة. إمكانياتها لا حدود لها".
دور أميركا في أمن أوروبا
وفي تالين، بذل السفير ويتاكر، جهوداً كبيرة لطمأنة الحلفاء بأن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بالتحالف، وبالدفاع الجماعي، وبمظلتها النووية فوق أوروبا. وقال: "سنبقى في هذا التحالف، وسنظل شريكاً عظيماً وحليفاً موثوقاً".
لكنه حذر في الوقت نفسه من أن المراجعة الجارية لوضع القوات الأميركية، والمقرر الانتهاء منها في وقت لاحق من العام الجاري، قد تسفر عن سحب أو إعادة تمركز بعض الجنود الأميركيين المتمركزين في أوروبا، والبالغ عددهم 84 ألفاً.
وأكد ويتاكر للمسؤولين، أن "واشنطن لن تسمح بوجود أي فجوات أمنية" في الحلف قبل أن تتمكن القوات الأوروبية من تعويض القدرات الأميركية الأساسية. لكنه شدد على أن الولايات المتحدة تريد تنفيذ ذلك بسرعة. وقال: "لا تخطئوا التقدير.. لن يكون هذا نقاشاً يمتد لعقد من الزمن".
ورأت توري تاوسيج، الزميلة البارزة في "المجلس الأطلسي"، أن الغموض الذي يكتنف مستقبل القوات الأميركية في أوروبا سيعقد جهود الناتو في مراجعة متطلبات القدرات العسكرية للدول الأعضاء، كما سيعرقل التخطيط الأوروبي لاستبدال الدعم الأميركي الموجه إلى كل من الحلف وأوكرانيا.
وقالت إن "مناقشة أهداف القدرات الجديدة للناتو دون معرفة موقف الولايات المتحدة أو احتياجات أوكرانيا وتأثيرها على تلك القدرات، ينذر بفراغ محتمل في المستقبل".
أما مايكل كوفمان، الخبير في الشؤون العسكرية والأوكرانية لدى مؤسسة "كارنيجي"، فقال إنه من الصعب على الأوروبيين أن يحققوا في الوقت نفسه أهداف الناتو المتعلقة بدفاعاتهم الذاتية، ويواصلوا دعم أوكرانيا إلى أجل غير مسمى. وأضاف: "الأمر سيتطلب تقديم تنازلات".
ويبدو أن مسؤولي إدارة ترمب لا يولون اهتماماً كبيراً لكيفية إنفاق الحلفاء الآخرين لموازناتهم الدفاعية، طالما أن إجمالي هذا الإنفاق يبلغ 5% من ناتجهم الاقتصادي السنوي.
معيار جديد للإنفاق الدفاعي
ولأول مرة، صرح الأمين العام لحلف الناتو بأن الحلفاء يتجهون نحو معيار جديد للإنفاق الدفاعي يبلغ 5% من الناتج المحلي الإجمالي للدول جالأعضاء في الحلف، حسبما نقلت مجلة "بوليتيكو".
وقال روته خلال جلسة أسئلة وأجوبة في الجمعية البرلمانية لحلف الناتو في الولايات المتحدة: "أفترض أننا سنتفق في لاهاي على هدف أعلى للإنفاق الدفاعي يبلغ 5% إجمالاً".
وطوال أشهر، ضغط ترمب وطالب قادة دول الناتو، بزيادة ميزانياتهم الدفاعية بشكل كبير، في ذلك الوقت، رفض العديد من الحلفاء الفكرة واعتبروها مجرد كلام سياسي، لكن تصاعد التوترات مع روسيا وتجدد الاهتمام بالتأهب العسكري لأوروبا غيّر مسار النقاش.
وصرح رئيس الوزراء الهولندي، ديك شوف، في وقت سابق من الشهر الجاري، أن روته وجّه رسالة إلى قادة الناتو يدعوهم فيها إلى الوصول إلى نسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري، و1.5% من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق على البنية التحتية والأمن السيبراني وغيرها من المجالات خلال السنوات السبع المقبلة.
في حين لم يُحدّد روته، التركيبة الدقيقة لهدف الـ 5%، قال إن خط الأساس للإنفاق العسكري التقليدي سيكون "أعلى بكثير من 3%"، مع توقع تخصيص أموال إضافية لدعم البنية التحتية والخدمات اللوجستية.
تُشير أحدث أرقام حلف الناتو إلى أن 23 من أصل 32 عضوًا فيه في طريقهم لإنفاق 2% على الأقل بحلول هذا الصيف - وهي قفزة كبيرة مقارنةً بالدول الثلاث التي أنفقت هذا القدر عند تحديد الهدف عام 2014 في أعقاب العدوان الروسي الأول على أوكرانيا.
ومع ذلك، لم يصل أيٌّ منها إلى نسبة الـ 5% بعد. وتتصدر بولندا هذه القائمة بنحو 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أعلنت ليتوانيا ولاتفيا عن خطط للوصول إلى أو تجاوز 5% خلال العامين المقبلين.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 15 دقائق
- الشرق الأوسط
«الفساد عبر التاريخ» من بلاد الرافدين حتى العصر الحديث
يقدم لنا الباحثون المتخصصون في التاريخ: رونالد كروزي، وجي. غيلتنر (هولنديان)، وزميلهما البرتغالي أندريه فيتوريا، عرضاً مثيراً للفساد في تاريخ العالمَين القديم والحديث، في كتاب «مكافحة الفساد عبر التاريخ». ترجم الكتاب إيهاب عبد الرحيم، ونشرته سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية في جزأين، يقع كل منهما في أكثر من 300 صفحة من القطع المتوسط. يتعرض الكتابان بالأرقام والتواريخ والحقائق لظاهرة الفساد في العالم، والإجراءات المتخذة في كل عصر لمكافحة هذه الآفة الاقتصادية الاجتماعية السياسية الموغلة في القدم. ويقدمون بعد كل عرض استنتاجاتهم وتقييمهم لكل حالة، ويقارنون بعضها ببعض، وبالعصر الحديث. وما أكثر حالات الفساد العالمية المعروفة التي تمتد بين الإسكندر المقدوني، وأثينا وروما القديمتين، وبلاد الرافدين، والإمبراطورية العثمانية، وصولاً إلى العصر الحديث في بريطانيا وهولندا. يُعرِّف العلماء الفساد حسب المفاهيم القديمة في العصر الغابر، ثم حسب معايير العالم الجديد والمعاصر، ويتوصلون إلى أن الفساد تأصل أكثر في العالم، فانتقل من «الرِّشى الصغيرة» في بلدان العالم الصغيرة إلى عصر الرِّشى الكبيرة في عصر «الإنترنت» و«البتكوين». ويعتقد المؤلفون أن الفساد لا يزول بوجود النظام الاقتصادي القائم في العالم؛ ما دام الفصل يتعذر هذه الأيام بين السياسي والتاجر اللذين ما زالا يمتلكان ما يكفي من أسباب جيدة للتعاون، من أجل تحقيق أقصى الأرباح. تعريف مختلف للفساد وتعريف الفساد يختلف من عصر إلى آخر، ومن حزب إلى آخر، ومن سياسي إلى آخر. فهو: التحايل الضريبي، والدعارة، والرشوة، بالنسبة للمسيحي المتشدد. وهو: الكحول، والسفور، والمثلية، والسينما، والمسرح، بالنسبة للإسلامي المتشدد. ومن هنا، لم تنفع طرق مكافحة الفساد القديمة والحديثة في درء الفساد في العالم بسبب تنوعه. وسواء في الدويلات البريطانية في القرون الوسطى، أو في الدولة العثمانية «الرشيدة»، كان عدم الفصل بين خزينة الدولة وخزينة «الوالي العثماني» مصدر الفساد الكبير على مستوى الدولة. وكان الولاة وعائلاتهم وزمراتهم هم مصدر الاختلاس والرشى على أعلى المستويات، وكانوا فوق القانون (عدم الفصل بين الجهازين القضائي والسياسي). وإذا كانت روما تسمي الرشوة باسمها، فإن الدولة العثمانية لا تسمي الرشوة فساداً (Fessad)؛ لأن «الله لعن الراشي والمرتشي»، وتسمِّيها استغلال المنصب أو المنافع المتبادلة. ويرى الباحث مارك نايتز، في تقريره عن الفساد في بريطانيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر، أن الاستعمار نفسه نوع من الفساد ترعاه الدولة. ويقول إن كلمة «الوطني» (Patriot) كانت تطلق في ذلك الزمن على السياسيين النزيهين الذين يكافحون الفساد، واستُخدمت لأول مرة في إنجلترا في القرن السادس عشر. النبيل هاربالوس يهرب بخزينة الإسكندر قصة النبيل المقدوني هاربالوس هي من أطرف القصص التي يسردها الكتابان عن الفساد في العصور القديمة؛ إذ استغل هاربالوس، النبيل في بلاط الإسكندر، غياب سيده في حروبه في الشرق سنة 323 قبل الميلاد، وهرب بالخزينة إلى أثينا. وما اختلسه هاربالوس يبلغ 700 ألف طالن، أي ما يعادل نصف خزينة أثينا في ذلك الزمان. اعتُقل هاربالوس بعد عدة خطب عصماء، هاجمه فيها النبيل الأثيني ديموثينيس، ودعا أثينا إلى عدم التعامل معه. بعد أيام نجح هاربالوس في الهروب من السجن ومعه 350 ألف طالن، أي نصف المبلغ. واتضح بعد التحقيق أن النصف الثاني من المبلغ ناله النبيل ديموثينيس وحفنة من أصدقائه، بمثابة رشوة «دورودوكيا» لقاء تهريب السجين. وكانت أثينا الديمقراطية (30 ألف نسمة) يحكمها مجلس يحضره من 6 آلاف إلى 13500 مواطن من عامة الشعب ونبلائه كل مرة، قبل أن يتحول لاحقاً إلى مجلس للميسورين فقط. وهذا المجلس دان ديموثينيس وزملاءه بالخزي والعار والعزلة عن الشعب؛ إذ كان الخزي الاجتماعي واعتبار الفاسد غير أثيني من أهم وسائل ردع الفساد في أثينا. مَلِك يتلقى رشوة من «لوكهيد» يأخذ الباحث رونالد كروزي الأمير بيرنهارد (زوج الملكة جوليانا في هولندا) مثلاً على مستوى الفساد في العصر الحديث. وهي فضيحة تم الكشف عنها سنة 1977، وتورط فيها الأمير الذي يعدُّ ملكاً بحكم زواجه من ملكة هولندا. اضطلع الأمير بيرنهارد بكثير من الوظائف الشرفية والبروتوكولية، من ضمنها «المفتش العام في الجيش الهولندي»، وسفير الشركات الهولندية الكبرى في الخارج، وكان سفيراً لمنظمات إنسانية عدَّة. ووقعت بين أيدي لجنة التحقيق رسالة من الأمير إلى شركة «لوكهيد» يشكو من تسلُّمه مبلغاً يقل عن 4- 6 ملايين دولار، وهو الذي وعدته الشركة به لقاء رفض عرض شركة فرنسية، وقبول عرض شركة «لوكهيد» لشراء طائرات «ستار فايتر» لتعزيز الدفاع الجوي الهولندي. واتضح لاحقاً أنها المرة الثالثة التي يتلقى فيها الأمير رشى من «لوكهيد» بين 1968 و1977. واكتفى القضاء الهولندي بعزل الأمير عن وظائفه السياسية والأمنية، بعد أن هددت الملكة بالتخلي عن العرش. ونزلت الصحافة عند طلب العرش والحكومة بالكف عن إثارة الموضوع.ويصل الباحث كروزي إلى استنتاج مهم، مفاده أن الاعتقاد بأن الديمقراطية تؤدي إلى اختفاء الفساد ليس أكثر من وهم وخرافة. فالفساد تمت عولمته، حاله حال الأمراض والاتصالات والسياحة، وليست الديمقراطية برادعةٍ له. ويطلق الباحث على فساد العالم الرأسمالي اسم «فساد سوق النفوذ»، أسوة بفساد السوق الحرة، وفساد سوق المعلوماتية. وفساد سوق النفوذ يعني استخدام الثروة للتأثير في المؤسسات السياسية والإدارية، وتغذية مسعى السياسيين لتنمية ثرواتهم. وهو أيضاً تمويل حملات انتخابية وتسهيلات ضرائبية، والتغاضي عن الفساد، وفتح حسابات مصرفية سرية... إلخ. العراق في الفترة المظلمة ليست هناك مؤلفات أو سجلات رسمية توثِّق الفساد وحالاته وطرق مكافحته في بلدان الشرق الأوسط قبل سنة 1500 ميلادية. وربما هناك مؤلفات الوزير البويهي مسكويه (توفي 1030م) الذي يكشف مدى ضعف الدولة وانتشار الفساد. واستخدم البويهيون أساليب الدولة العباسية نفسها، ولكن بشكل أضعف، وهو ما فعله السلاجقة أيضاً. وإذا وُجدت بعض الوثائق التي تؤرخ وضع الفساد في الدولة والمجتمع، فهي وثائق كُتبت بتعليمات من قبل الفاسدين أنفسهم. ولم تُستخدم كلمة الفساد في القرنين العاشر والحادي عشر في بلاد الرافدين، وإنما «الشر الأخلاقي» وإساءة استخدام السلطة. وكان الاختلاس والتلاعب يتركز بأيدي الولاة والحكام والوزراء وأبنائهم، في حين تنتشر الرشوة والمحسوبية بين موظفي الدولة الصغار. مثلاً: ابن الفرات الذي صوره مسكويه على أنه «الإداري القوي والماكر»، أمر بتحويل مبلغ 70 ألف دينار مباشرة من خزينة الدولة إلى محفظته الخاصة، بعد أن سجلها كمدفوعات خاصة للجيش. ويضيف مسكويه أن ابن الفرات جمع دخلاً غير قانوني، بلغ 1.2 مليون دينار خلال فترة استيزاره. وهو مبلغ هائل مقارنة بمجموع ميزانية الدولة البالغ 14 مليوناً. ويسرد أمين سر البويهيين ورئيس دائرة المحفوظات، هلال الصابئ، حكاية مسلية تكشف علاقة الحاكم بالفساد، وتعامله مع خزينة الدولة كخزينة له؛ إذ منح الخليفة العباسي السادس عشر، المعتضد، واحدة من محظياته قطعة من الأرض، وحينما ماطل مدير دائرة التدقيق في التنفيذ، نصح المعتضد محظيته بدفع رشوة للمدير. وهو ما حصل، ووقَّع المدير الوثيقة على الفور. وبقي النظام المالي على حاله في «الفترة المظلمة»، وكانت خزينة الدولة هي نفسها خزينة الوالي. وكانت الرشوة ومحاباة الأقارب والمحسوبية والمنسوبية شائعة في العهدين البويهي والسلجوقي؛ بل لجأ الحكام والوزراء إلى إلغاء معظم الدوائر التي قد تراقب تصرفهم في مالية الدولة. مع ذلك، كانت الدولة في ذلك الزمان تكافح استغلال المناصب و«المظالم» بطرق عدة. بين هذه الطرق إنشاء «ديوان المظالم» للنظر في شكاوى المواطنين ضد ظُلَّامهم. وإذا كان الخليفة العباسي ينظر بنفسه في مظالم الناس بمجلسه، فإن المهمة أوكلت إلى وزراء أو موظفين ثانويين في العهدين البويهي والسلجوقي. الطريقة الثانية هي «المصادرة والمناظرة» التي تُستخدم لقسر موظفي الدولة المختلسين على إرجاع ما اختلسوه أو إرجاع جزء منه. وكان الفاسد يُزج به في السجن، ليس كإجراء قضائي عقابي، وإنما كإجراء لقسره على رد ما اختلسه ثم يُطلق سراحه. وعموماً كانت الغرامة لا تتناسب أبداً مع المبلغ المختلَس. ومن الأمثلة على ذلك، أن الدولة أجبرت ابن الفرات وموظفيه على إعادة مبلغ 4.4 مليون دينار إلى خزينة الدولة، ويمكن تصور حجم المبلغ الذي اختلسوه إذا كانت الغرامة لا تعادل سوى ربع المبلغ المختلَس. يمكن تعريف الفساد في هذه الفترة من تاريخ بلاد ما بين النهرين، على أنه عكس مفهوم الحكم الرشيد في أيام تألق الدولة العباسية. ويبدو أن اختلاس أموال الدولة كان مصدر القلق الرئيس للمجتمع، أما الرشوة والمحسوبية والمنسوبية فكانت ممارسة يومية لم تُثِر أي مخاوف على الإطلاق. يخلص القارئ إلى نتيجة واضحة من قراءة هذا الفصل، وهي أن الفساد في عراق اليوم أكبر من فساد الفترة المظلمة، أو ربما يعادله؛ وكذلك كانت أساليب مكافحة الفساد أفضل أيضاً من ناحية العقوبات الجزائية والمالية.


الشرق السعودية
منذ 27 دقائق
- الشرق السعودية
"وصمة عار".. تصريح صادم من بوتي عن فترة لعبه مع برشلونة
كشف الدولي الفرنسي السابق إيمانويل بوتي عن مشاكل واجهته عندما لعب في صفوف برشلونة، في موسم 2000-2001. قال إيمانويل بوتي في سيرته الذاتية إن هذا العام "وصمة عام" في مسيرته لأنه لم يجد مكاناً في النادي، ولا في المجتمع الكتالوني. وتابع بوتي في سيرته الذاتية التي نقلت صحيفة SPORT مقتطفات منها، أنه كان منزعجاً للغاية بعدما طُلب منه تعلم اللغة الكتالونية، وهو أمر لم يفهمه اللاعب، وقال: "شعرت وكأنه تصرف عنصري". وقال الفرنسي الذي لعب أيضاً في صفوف أرسنال وتشيلسي، إنه في ذلك الوقت كانت غرفة الملابس في برشلونة مقسمة إلى ثلاث مجموعات: الكتالونيون والهولنديون وبقية الجنسيات. وأكد بوتي أن الضغط الذي تعرض له بسبب عدم إجادته اللغة الكتالونية تسبب في تراجع مستواه الفني.


العربية
منذ 40 دقائق
- العربية
غترة وعقال
كانت بدايات ظهور النفط في الجزيرة العربية والخليج العربي. ومع النفط ظهرت ثرواته، تغيَّرت بالضرورة أشياء كثيرة: عمَّت الكهرباء، وحلّت الطرقات محل الكثبان، وامتلأت الدنيا سيارات فارهة بألوان برّاقة تلمع تحت شمس الصحراء. وظهر في أوروبا سياح من نوع جديد. يرتدون الثوب العربي، ويعتمرون الكوفية والعقال والشماغ. رفض الرجال أن تغير الثروة هويتهم، أو صورتهم التاريخية. ارتفعت الثروات، واتسعت المدن، وتقدمت الجامعات، وانتشرت المدارس، وظل الثوب الصحراوي البسيط علامة من علامات الهوية. نفرٌ قليل جداً، رأى أن الأفضل له ارتداء الثياب الإفرنجية. وكان بين هؤلاء مجموعة من السياسيين الكويتيين، وقلة أخرى في البحرين. لكن ظلت على حجمها في كل مكان. وعندما غاب أهلها، لم يوصوا بأن يُقلّدوا. جاء رئيس أميركا، كبرى الدول المتقدمة في العالم، إلى الخليج، ليجد أن شركاءه في حداثة العالم، والانفتاح على الحضارات، لا يزالون في الهوية نفسها. بورصاتهم تتداول كل يوم مليارات الدولارات، وجيوشهم تستخدم أكثر الآلات تقدماً، والجميع تحت «شماغ» واحد، يظهر عالياً في قمة العشرين، أو السبع، أو مهما كان عدد الحضور. لقد انتقلت مراكز القوة والاقتصاد في العالم في تطور طبيعي تلقائي. وأهم ملامح التطور كان، مستوى العلم، ونسبته في عموم الخليج. جزء كبير من الشراكة التي حققتها جولة ترمب، غير مسبوقة النتائج، كان في مستوى التبادل ونوعيته. وجزء آخر في الطرائق المستقبلية التي غيرت، وتغير، مصادر ومستويات المعيشة والتقدم. والتحدي الكبير في أصالة الحياة، كان المحافظة عليه، لا في البحث عن سواه. يقول شباب الجزيرة اليوم «حافظ أهلنا على تراثهم بكل إباء، وكبِروا به، ولم يَكبروا عليه».