
رئيس الوزراء الكندي والورقة الرابحة
رئيس الوزراء الكندي مارك كارني نفذ بمهارة، ما يعرف في لغة الصحافة عن السياسة الدولية، «بانقلاب ناجح» في «وقت حرج»، فبلاده تواجه «تحديات كبيرة»، أهمها تكرار الرئيس دونالد ترمب رغبته في «ضم» كندا كالولاية الـ51 في الفيدرالية الأميركية.
كارني، الذي عرفه العالم، خصوصاً البريطانيين، كاقتصادي وخبير مالي عندما كان محافظاً للبنك المركزي (بنك إنجلترا 2008 - 2013) لعب ورقة سياسية بارعة؛ فبعد فوز حزبه الليبرالي بالأغلبية البرلمانية في الانتخابات قبل خمسة أسابيع، وظّف «القوة الناعمة»، أو ما يعرف (في لغة الصحافة البريطانية) بالسحر الخاص للتاج. فبدهاء سياسي، طلب من الملك تشارلز الثالث، بوصفه الرئيس الدستوري للدولة الكندية، الحضور إلى العاصمة أوتاوا ليفتتح الدورة البرلمانية، ويلقي «الخطاب من العرش»، أي البرنامج السياسي للحكومة الكندية، بلا أي دور للحكومة البريطانية.
تم ترتيب البرنامج والبروتوكول بالتنسيق بين القصر في لندن والسيدة ماري سايمون، الحاكم العام لكندا منذ 2021، التي تمثل الملك هناك. سايمون، الحاكم الثلاثون للفيدرالية الكندية، من الجماعات الإثنية «الأينوت» (أينوك) من السكان الأصليين لشمال كندا، هي عادة من تتولى افتتاح البرلمان - الذي يماثل شكلاً وتركيباً وستمنستر بمجلسيه.
العلاقة بين التاج البريطاني والنظام البرلماني في الدول التي لا تزال تتبعه (15 دولة كانت 17 عند رحيل الملكة إليزابيث في 2022) علاقة دستورية أساسية، فالشعب ينتخب حكومة تحكم باسم الملك.
في المملكة المتحدة خطاب الملك يعني تقديم مشروع الحكومة للدورة البرلمانية، وله إجراءات وتقاليد وطقوس قد تبدو مسرحية، بإعادة تمثيل مشاهد من القرن السابع عشر، كالاحتلال الرمزي للجيش (الحرس الملكي) لمبنى البرلمان، وإغلاق باب قاعة مجلس العموم في وجه حارس مجلس اللوردات، ليطرقه باسم الملك ليستدعي النواب لسماع الخطاب، لأن التقاليد والالتزام بها هي ممارسة الدستور غير المكتوب. والمجلسان، اللوردات والعموم، يجتمعان باسم الملك؛ ولذلك فوضع الصولجان على الطاولة أمام رئيس البرلمان يشهر افتتاح الجلسة ورفعه يتمم إغلاقها. وكندا، التي استقلت عن المملكة المتحدة بحكومتها الذاتية في 1931، تتبع تقاليد مشابهة، وأهم ركيزة دستورية «القانون الدستوري لعام 1867»، وكان صدر عن برلمان وستمنستر باسم «قانون شمال أميركا البريطانية». فكندا حتى استقلالها كانت أراضي بريطانية، تعرضت أجزاء منها لعدوان واحتلال من الولايات المتحدة في 1813، ورد الجيش البريطاني في صيف العام التالي، باحتلال العاصمة واشنطن، وقصف وحرق البيت الأبيض. وكان الرئيس الأسبق باراك أوباما ذكّر الصحافيين «بقصف البريطانيين»، وحرقهم البيت الأبيض في أثناء زيارة رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون الرسمية لواشنطن في 2012، ليسبق ترمب في تقليب صفحات الماضي عن دور «الاستعمار الأوروبي» في رسم حدود أميركا الشمالية.
مستشارو كارني مع مستشاري الملك صاغوا «خطاب العرش» بعبارات منتقاة، ألقاها تشارلز بالإنجليزية والفرنسية أمام مشرعين وسيناتورات بأزيائهم الممثلة للولايات والعرقيات الكندية.
شدد تشارلز على التحديات والأزمات التي تواجه كندا. كما ذكر برنامج الحكومة سياسات كحراسة الحدود، والتشديد على المهربين وعلى مكافحة المخدرات (وكلها من السياسات التي يسوقها الرئيس ترمب مزايا تفيد الشعبين إذا انضمت كندا للولايات المتحدة).
وبجانب البريق الجذاب للتاج، وكرابط دستوري لعرقيات وولايات كندا، والإعجاب والتقدير الشعبي للمؤسسة الملكية البريطانية في الولايات المتحدة، فإن المؤسسة نفسها لها موقع متميز في قلب ترمب (كانت أمه اسكوتلندية ومن أشد المتحمسين للملكة إليزابيث). رسالة من الملك حملها الزعيم البريطاني كير ستارمر تدعو ترمب إلى «زيارة دولة» ثانية عدّها سابقة تاريخية، فرئيس أي دولة له «زيارة دولة» مرة واحدة في حياته.
أما خطاب تشارلز من العرش في برلمان أوتاوا فيتبع سابقتين. في 1977 ضمن احتفالات اليوبيل الفضي لتوليها العرش، ألقت إليزابيث الثانية الخطاب في افتتاح البرلمان. وقبلها في 1957، كانت تاريخية، ليس فقط لأنها الأولى التي تفتتح فيها إليزابيث الثانية برلمان كندا، أو لأنها أول جلسة ينقلها التلفزيون القومي CBC مباشرة؛ بل لأنها كانت دعماً كبيراً لرئيس الوزراء الكندي وقتها جون ديفينبيكر الذي تزعم حكومة أقلية محافظة. خطاب تشارلز الثالث للبرلمان الكندي كان أيضاً دعماً لرئيس الحكومة كارني في أقوى ورقة رابحة يلعبها مع الرئيس ترمب.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


رؤيا
منذ ساعة واحدة
- رؤيا
ترمب: "لن نتسامح" مع الهجوم على المسيرة في كولورادو
ترمب: لن نتسامح مع الهجوم المروع الذي وقع أمس في بولدر بولاية كولورادو علق الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حول الهجوم بزجاجة حارقة على مسيرة في كولورادو، محملا المسؤولية لسياسات الهجرة التي انتهجها سلفه جو بايدن، ووصفه بأنه "مأساة مروعة". وأضاف ترمب عبر منصة "تروث سوشال" أن "الهجوم المروع الذي وقع أمس في بولدر بولاية كولورادو لن يتم التسامح معه في الولايات المتحدة الأمريكية". دان الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاثنين هجوما بزجاجة حارقة على مسيرة في كولورادو لدعم الرهائن الإسرائيليين، وحمل مسؤوليته لسياسات الهجرة التي انتهجها سلفه جو بايدن. وأضاف ترمب أن المشتبه به محمد صبري سليمان دخل البلاد بفضل "سياسة الحدود المفتوحة" التي انتهجها بايدن. وكان مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي (إف بي آي) قد أعلن أمس الأحد أن الوكالة تحقق في "هجوم إرهابي مستهدف" في بولدر بولاية كولورادو وسط تقارير عن هجوم على تظاهرة مؤيدة للاحتلال الإسرائيلي في المدينة. وقال كاش باتيل عبر منصة إكس "نحن على علم بهجوم إرهابي مستهدف في بولدر بولاية كولورادو ونحقق فيه بشكل كامل".


جو 24
منذ 5 ساعات
- جو 24
من هو المواطن المصري المشتبه به في هجوم كولورادو؟
جو 24 : كشفت مصادر أمنية أمريكية أن المشتبه به في الهجوم الذي استهدف مجموعة مؤيدة لإسرائيل في بولدر بولاية كولورادو كان مقيما بشكل غير قانوني في الولايات المتحدة. ووفقاً لشبكة "فوكس نيوز"، فإن محمد صبري سليمان (45 عاما) المصري الجنسية دخل الولايات المتحدة بتأشيرة سياحية عام 2022 خلال إدارة الرئيس بايدن، لكنه بقي بعد انتهاء صلاحية التأشيرة. وتفيد التقارير أن سليمان وصل إلى مطار لوس أنجلوس الدولي في أغسطس 2022، وكان مسموحاً له بالبقاء حتى فبراير 2023، لكنه قدم طلباً للهجرة في سبتمبر 2022 وحصل على تصريح عمل في مارس 2023 انتهت صلاحيته الشهر الماضي. وقالت الشرطة إن سليمان هاجم مجموعة "اركض من أجل حياتهم" التي تنظم فعاليات للمطالبة بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى حركة حماس، حيث كان يصرخ "حرية لفلسطين" أثناء الهجوم بالقرب من محكمة المقاطعة. وأسفر الهجوم عن إصابة 6 أشخاص تتراوح أعمارهم بين 67 و88 عاماً، بينهم حالة حرجة، حيث أفادت التقارير أن المهاجم استخدم مواد حارقة. ويواجه سليمان اتهامات بتنفيذ "هجوم إرهابي مستهدف" حسب وصف السلطات الأمريكية، حيث تم احتجازه في سجن مقاطعة بولدر. من جهته، انتقد ستيفن ميلر نائب رئيس موظفي البيت الأبيض سياسة الهجرة الحالية، واصفا إياها بـ"الانتحارية"، في إشارة إلى منح المهاجم تصريح عمل رغم وضعه غير القانوني. ويجري مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) تحقيقات موسعة في الحادث، الذي صنفه كعمل "عنف بدوافع أيديولوجية"، بينما لم تُعلن بعد التهم الرسمية الموجهة للمشتبه به. يذكر أن مجموعة "اركض من أجل حياتهم" تنظم فعاليات أسبوعية في مختلف أنحاء العالم للضغط من أجل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وكان الضحايا ينتمون للفرع المحلي للمجموعة في كولورادو. المصدر: "فوكس نيوز" تابعو الأردن 24 على


العرب اليوم
منذ 9 ساعات
- العرب اليوم
الرهان الخاسر لترامب على بوتين…
ترامب لا يدرك أن بوتين عاجز عن التعاطي مع الواقع بدل العيش في أوهام الحنين إلى أيام الاتحاد السوفياتي والأمجاد التي لا وجود لها سوى لدى أصحاب مخيلة خصبة ومريضة في آن. خيّب فلاديمير بوتين آمال دونالد ترامب. كان رهانا خاسرا. كلّ ما في الأمر أنّ الرئيس الأميركي الجديد – القديم رجل متسرّع. لا يعرف ترامب الرئيس الروسي جيدا كما كان يعرفه وليم بيرنز المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إي) الذي توقع، في عهد جو بايدن، غزو روسيا لأوكرانيا وحدّد يوم بداية الغزو. لا يعرف ترامب، خصوصا، مدى تمسّك فلاديمير بوتين بالحرب الأوكرانية التي خسرها منذ اليوم الأوّل الذي بدأت فيه. سيكون على دونالد ترامب إعادة اكتشاف فلاديمير بوتين الحقيقي على الرغم من العلاقة القديمة التي تربطه به. جعلته هذه العلاقة يظنّ أن الرئيس الروسي سيكون مستعدا لوقف الحرب الأوكرانية بمجرّد أن يطلب منه ذلك وبمجرّد أنّه وبّخ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اللقاء الذي انعقد بينهما في البيت الأبيض. تبيّن، مع مرور الوقت، أنّ ما فعله ترامب بمشاركة نائبه جي. دي. فانس أظهر أنّه لا يعرف الكثير عن أوكرانيا وعن شخص فلاديمير بوتين الذي ربط مستقبله السياسي بحرب يريد من خلالها استعادة أمجاد وهميّة للأمّة الروسية وللاتحاد السوفياتي، السعيد الذكر. في الواقع، لا يزال فلاديمير بوتين، الضابط السابق في جهاز المخابرات، يعاني من انهيار ما كان في الماضي القوّة العظمى الثانية في العالم. لا يدرك ترامب أنّ بوتين عاجز عن التعاطي مع الواقع بدل العيش في أوهام الحنين إلى أيّام الاتحاد السوفياتي والأمجاد التي لا وجود لها سوى لدى أصحاب مخيلة خصبة ومريضة في آن. تعكس الحرب الأوكرانيّة، أوّل ما تعكس، قصر نظر فلاديمير بوتين من جهة وجهله بأوكرانيا والعالم من جهة أخرى. أكثر من ذلك، تعكس الحرب الأوكرانيّة جهل فلاديمير بوتين بالقدرات العسكريّة لروسيا التي انكشف جيشها منذ الأسبوع الأوّل لبدء الهجوم على أوكرانيا في 24 شباط – فبراير 2022. لم ينكشف الجيش الروسي فحسب، بل انكشف تخلّف السلاح الذي تنتجه روسيا والذي لا يصلح في واقع الحال سوى لقمع أنظمة دكتاتورية لشعوب مسالمة لا حول لها ولا قوّة. عندما استطاع الجيش الأوكراني صدّ الهجوم الروسي على كييف في الأسبوع الأوّل من الحرب، ظهر بوضوح أن الجيش الروسي يعيش في عالم خاص به في غياب المعلومات الدقيقة التي تسمح له بدخول العاصمة الأوكرانيّة. وقتذاك، كان الجنرالات الروس يلمّعون الميداليات والأوسمة التي على صدورهم في الطريق إلى كييف للمشاركة في عرض عسكري بمناسبة تحقيق انتصار عسكري على أوكرانيا! لم تستسلم أوكرانيا بعد على الرغم من احتلال روسيا لمساحات كبيرة من أراضيها. استطاع زيلينسكي استيعاب الرئيس الأميركي والحملة التي شنّها عليه منذ اليوم الأوّل لعودته إلى البيت الأبيض. سجّل الرئيس الأوكراني، في ضوء اعتماده الصبر في تعاطيه مع دونالد ترامب، نقاطا سياسيّة مهمّة في الأشهر القليلة الماضية. انتقل الرئيس الأميركي من توجيه اللوم إلى أوكرانيا إلى بدء مهاجمة الرئيس الروسي بالاسم. من الواضح أنّ فلاديمير بوتين عاجز عن وقف الحرب التي يشنّها على أوكرانيا. يشبه الرئيس الروسي إلى حدّ كبير رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يبحث في كلّ ساعة عن أعذار بغية متابعة الحرب على غزّة. ليس لدى بوتين ما يقوله للشعب الروسي في حال توقفت الحرب… حتّى لو استطاع ضمّ أراض أوكرانيّة لروسيا الاتحادية. ليس لدى نتنياهو ما يبرّر به للإسرائيليين استمرار حرب غزّة حتى لو بقي مقاتل واحد من 'حماس' حيّا يرزق يطلق الرصاص من نفق لجأ إليه. وضع بوتين هدفا مستحيلا يتمثل في إسقاط زيلينسكي. وضع نتنياهو هدفا مستحيلا آخر يتمثل في القضاء نهائيا على 'حماس'. تزداد صعوبة مهمّة رئيس الوزراء الإسرائيلي في وقت لا يهمّ 'حماس' هل يبقى مواطن غزّاوي واحد على قيد الحياة. أهل غزّة آخر همّ لدى 'حماس'، كذلك الدمار الذي لحق بالقطاع والذي ستظهر الأيام الآتية حجمه الذي يفوق كلّ تصوّر! وجد ترامب نفسه في وضع لا يحسد عليه. الأهمّ من فشله في جعل فلاديمير بوتين يتجاوب مع رغبته في وقف الحرب الأوكرانيّة، أنّه بات يجد نفسه مضطرا إلى الاعتراف بأن كلّ المخاوف الأوروبيّة من شخص بوتين كانت في محلّها. ليست حرب أوكرانيا مجرّد حرب مثلها مثل أي حرب تدور في هذه المنطقة من العالم أو تلك. في النهاية، إنّ حرب أوكرانيا الدائرة منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات، تهديد لأوروبا كلّها. ليس في أوروبا دولة واحدة لا تشعر بأنّ فلاديمير بوتين، الذي يريد العودة إلى ما قبل سقوط جدران برلين في العام 1989، يشكل تهديدا لها. يتجاوز فشل ترامب في أوكرانيا حدود هذا البلد المهمّ الذي يلعب دورا على صعيد تزويد دول عدّة بمنتوجاته الزراعيّة. إنّه فشل للرئيس الأميركي في فهم ما يدور في هذا العالم، بما في ذلك أهمّية الأمن الأوروبي. توجد أسئلة عدّة لا أجوبة عنها. من بين هذه الأسئلة: كيف يمكن لدونالد ترامب الوثوق بشخص مثل فلاديمير بوتين خاض إلى جانب بشّار الأسد الحرب التي شنّها على الشعب السوري طوال ما يزيد عن ثلاثة عشر عاما، بين 2011 وآخر 2024؟ منذ خريف العام 2015، تحوّل سلاح الجو الروسي إلى لاعب أساسي في المعادلة السوريّة إلى جانب النظام العلوي الذي كان يحكم ذلك البلد. كان كافيا طلب 'الجمهوريّة الإسلاميّة' من موسكو الانضمام إلى الحرب، من أجل إنقاذ بشّار، كي يرسل بوتين عددا لا بأس به من القاذفات الروسيّة إلى قاعدة حميميم قرب اللاذقية تمهيدا لارتكاب المجزرة تلو الأخرى في حق الشعب السوري. هل يتعلّم دونالد ترامب شيئا من تجربة تعاطيه مع فلاديمير بوتين ويكتشف حقيقة الرئيس الروسي… أم يستمرّ في ارتكاب الأخطاء السياسية التي جعلت الرئيس الروسي يتلاعب به ويستخدمه لكسب الوقت في أوكرانيا ليس إلّا؟