logo
الحكومات الناجحة

الحكومات الناجحة

جريدة الرؤية١٢-٠٥-٢٠٢٥

جابر حسين العُماني **
jaber.alomani14@gmail.com
الحكومات الناجحة لا تقتصر جهودها على تشييد المباني الإدارية والتجارية والصناعية، ولا على تزيين الطرقات بالأشجار الباسقة، واللافتات الإعلانية الواضحة، وهي لا تكتفي بالشعارات الرنانة في الإعلام ووسائل التواصل؛ بل تضع احتياجات مواطنيها فوق كل اعتبار، والحكومة الناجحة يجب أن تشرك المواطن في برامجها؛ فهو حجر الأساس في بناء الوطن وصناعة القرار.
وهي من يجب أن يُدير موارد البلاد بعقول نزيهة وقلوب مخلصة، فتؤدي واجباتها بروح من النزاهة والوفاء والإخلاص، وتسعى جاهدة لترسيخ العدل، واعتماد الكفاءات بعيدًا عن المحسوبيات والمُحاباة، لذا ينبغي أن تتسلح بمبادئها وقيمها الإنسانية الموروثة والأصيلة، ويجب أن يراها الجميع مستمعة لمواطنيها بإنصات، وشعور عميق بالمسؤولية قبل إصدار أي قرار يعلن على رؤوس الأشهاد.
الحكومة الناجحة يجب أن تراقب عن كثب احتياجات الناس لتلبيتها، حتى ترفع بذلك همومهم، وتخفف آلامهم وأحزانهم، وإذا فشلت؛ لا يجب أن تُبرر فشلها للجميع؛ بل تعترف وتصلح وتنظم وتسعى وتجتهد لتنهض من جديد من أجل خدمة مواطنيها.
وعندما يحظى المواطن بحكومة ناجحة، سيشعر حتمًا بأن صوته أصبح مسموعًا، وحقه بات محفوظًا، وطريقه نحو المستقبل يسير نحو حياة أفضل وأجمل، وبالتالي لن يضطر المرضى في وجودها للانتظار طويلًا؛ بل سيستمتعون بخدمات سريعة، ولن يُهمَّش المبدعون والمعلمون والمهندسون والمفكرون؛ بل سيكون لكل منهم شأن عظيم يجعلهم يفخرون ويفاخرون بوطنهم وقادتهم وحكومتهم الناجحة.
إنَّ المتأمل في التاريخ الإسلامي يجده يخبرنا عن حكومات ناجحة أدت ما عليها من مسؤوليات عظيمة تجاه مواطنيها، لذا ينبغي اتخاذ تلك الحكومات قدوة حسنة لصناعة الحكومات النزيهة والعادلة في العالم، ومن أعظم تلك الحكومات الناجحة والمتألقة حكومة خليفة المُسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب، والتي كانت تعد من أنجح الحكومات الإسلامية في التاريخ البشري، كما اعترف لها بذلك حتى من خالفه في الرأي والموقف والدين والمعتقد؛ حيث قامت حكومته على مبدأ العدل والحق والمساواة بين الناس، وتميزت بمميزات فريدة وواعية رغم التحديات والصعوبات الكثيرة التي واجهتها.
لقد تميَّز حكم خليفة المسلمين علي بن أبي طالب بالعدل بين النَّاس؛ حيث كان العدل من أهم الركائز الأساسية في إدارته وحكومته، كما يروى عنه قوله: "اَلْعَدْلُ يَضَعُ اَلْأُمُورَ مَوَاضِعَهَا" في كتاب "نهج البلاغة"، فقد كان لا يُفرِّق بين القريب والبعيد، وبين الأبيض والأسود، وهو من كان يقول لقائد جيشه مالك الأشتر "وَلْيَكُنْ أَحَبُّ اَلْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطَهَا فِي اَلْحَقِّ، وَأَعَمَّهَا فِي اَلْعَدْلِ، وَأَجْمَعَهَا لِرِضَى اَلرَّعِيَّةِ."
ومن أجل إعداد الحكومات الناجحة التي تؤمن بالسعادة لشعوبها لابد من توفير الرؤية الواضحة، وإعداد الكفاءات الوطنية المناسبة، التي تقوم على مبدأ الشفافية والمشاركة المجتمعية، وهنا نذكر أهم ما ينبغي توفره في صناعة الحكومات الناجحة وهي كالآتي:
أولًا:
القيادة الحكيمة التي تضع المصلحة العامة فوق مصالحها الشخصية، بل وتملك القدرة الكافية على اتخاذ القرارات المناسبة في صالح الشأن العام.
ثانيًا:
إعداد وبناء المؤسسات القوية والمستقلة والفاعلة في البلاد بحيث تعتمد على الكفاءات الوطنية، والابتعاد عن المحسوبيات بحيث تكون قادرة على مراقبة الأداء في الحكومة وخارجها.
ثالثًا:
احترام القانون، والحث على تطبيقه، والعمل به من قبل الجميع، والحد من الفساد، فلا يمكن للحكومات أن تكون ناجحة إذا استحوذ الفساد في أروقتها.
لا استثمار التعليم، وهو من أفضل ما ينبغي التركيز عليه في الحياة الاجتماعية والأسرية، لما له من أهمية بالغة في خدمة البشرية جمعاء.
خامسًا:
الانصات والاستماع للناس، وذلك من خلال التفاعل الحكومي الجاد مع ما يحتاج إليه المواطن ومشاركته في صناعة القرار.
سادسًا:
توفير فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة، وإدارة البلاد بالشكل المتوازن والمستدام.
سابعًا:
الاستقرار السياسي في البلاد وهو توفير المناخ المستقر والمشجع لجذب المستثمرين الحقيقيين، مما يزيد في ازدهار التجارة الوطنية ويرفع من معدلات الإنتاج المحلي.
إنَّ العالم العربي والإسلامي اليوم بحاجة إلى صناعة دول ناجحة على غرار تلك الدول التي اجتهدت فنجحت ووصلت إلى أهدافها المنشودة، ومنها على سبيل المثال سنغافورة التي عرفت بكفاءتها الاقتصادية والإدارية، أو النرويج والدنمارك اللتان عرفتا بنظام الرفاه الاجتماعي في المجتمع، أو كندا وألمانيا اللتان تقدمان الخدمات بكفاءة عالية لمواطنيهما.
وأخيرًا.. إنَّ تشكيل الحكومات الناجحة لا يتحقق إلّا من خلال المسؤول الناجح، الذي لا يرى من كرسيه ومنصبه كسُلطة؛ بل مسؤولية عظيمة، وخدمة جليلة يجب أن يُقدِّمها كتكليف شرعي واجتماعي وليس مجرد تشريف.
** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحكومات الناجحة
الحكومات الناجحة

جريدة الرؤية

time١٢-٠٥-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

الحكومات الناجحة

جابر حسين العُماني ** الحكومات الناجحة لا تقتصر جهودها على تشييد المباني الإدارية والتجارية والصناعية، ولا على تزيين الطرقات بالأشجار الباسقة، واللافتات الإعلانية الواضحة، وهي لا تكتفي بالشعارات الرنانة في الإعلام ووسائل التواصل؛ بل تضع احتياجات مواطنيها فوق كل اعتبار، والحكومة الناجحة يجب أن تشرك المواطن في برامجها؛ فهو حجر الأساس في بناء الوطن وصناعة القرار. وهي من يجب أن يُدير موارد البلاد بعقول نزيهة وقلوب مخلصة، فتؤدي واجباتها بروح من النزاهة والوفاء والإخلاص، وتسعى جاهدة لترسيخ العدل، واعتماد الكفاءات بعيدًا عن المحسوبيات والمُحاباة، لذا ينبغي أن تتسلح بمبادئها وقيمها الإنسانية الموروثة والأصيلة، ويجب أن يراها الجميع مستمعة لمواطنيها بإنصات، وشعور عميق بالمسؤولية قبل إصدار أي قرار يعلن على رؤوس الأشهاد. الحكومة الناجحة يجب أن تراقب عن كثب احتياجات الناس لتلبيتها، حتى ترفع بذلك همومهم، وتخفف آلامهم وأحزانهم، وإذا فشلت؛ لا يجب أن تُبرر فشلها للجميع؛ بل تعترف وتصلح وتنظم وتسعى وتجتهد لتنهض من جديد من أجل خدمة مواطنيها. وعندما يحظى المواطن بحكومة ناجحة، سيشعر حتمًا بأن صوته أصبح مسموعًا، وحقه بات محفوظًا، وطريقه نحو المستقبل يسير نحو حياة أفضل وأجمل، وبالتالي لن يضطر المرضى في وجودها للانتظار طويلًا؛ بل سيستمتعون بخدمات سريعة، ولن يُهمَّش المبدعون والمعلمون والمهندسون والمفكرون؛ بل سيكون لكل منهم شأن عظيم يجعلهم يفخرون ويفاخرون بوطنهم وقادتهم وحكومتهم الناجحة. إنَّ المتأمل في التاريخ الإسلامي يجده يخبرنا عن حكومات ناجحة أدت ما عليها من مسؤوليات عظيمة تجاه مواطنيها، لذا ينبغي اتخاذ تلك الحكومات قدوة حسنة لصناعة الحكومات النزيهة والعادلة في العالم، ومن أعظم تلك الحكومات الناجحة والمتألقة حكومة خليفة المُسلمين العادل الإمام علي بن أبي طالب، والتي كانت تعد من أنجح الحكومات الإسلامية في التاريخ البشري، كما اعترف لها بذلك حتى من خالفه في الرأي والموقف والدين والمعتقد؛ حيث قامت حكومته على مبدأ العدل والحق والمساواة بين الناس، وتميزت بمميزات فريدة وواعية رغم التحديات والصعوبات الكثيرة التي واجهتها. لقد تميَّز حكم خليفة المسلمين علي بن أبي طالب بالعدل بين النَّاس؛ حيث كان العدل من أهم الركائز الأساسية في إدارته وحكومته، كما يروى عنه قوله: "اَلْعَدْلُ يَضَعُ اَلْأُمُورَ مَوَاضِعَهَا" في كتاب "نهج البلاغة"، فقد كان لا يُفرِّق بين القريب والبعيد، وبين الأبيض والأسود، وهو من كان يقول لقائد جيشه مالك الأشتر "وَلْيَكُنْ أَحَبُّ اَلْأُمُورِ إِلَيْكَ أَوْسَطَهَا فِي اَلْحَقِّ، وَأَعَمَّهَا فِي اَلْعَدْلِ، وَأَجْمَعَهَا لِرِضَى اَلرَّعِيَّةِ." ومن أجل إعداد الحكومات الناجحة التي تؤمن بالسعادة لشعوبها لابد من توفير الرؤية الواضحة، وإعداد الكفاءات الوطنية المناسبة، التي تقوم على مبدأ الشفافية والمشاركة المجتمعية، وهنا نذكر أهم ما ينبغي توفره في صناعة الحكومات الناجحة وهي كالآتي: أولًا: القيادة الحكيمة التي تضع المصلحة العامة فوق مصالحها الشخصية، بل وتملك القدرة الكافية على اتخاذ القرارات المناسبة في صالح الشأن العام. ثانيًا: إعداد وبناء المؤسسات القوية والمستقلة والفاعلة في البلاد بحيث تعتمد على الكفاءات الوطنية، والابتعاد عن المحسوبيات بحيث تكون قادرة على مراقبة الأداء في الحكومة وخارجها. ثالثًا: احترام القانون، والحث على تطبيقه، والعمل به من قبل الجميع، والحد من الفساد، فلا يمكن للحكومات أن تكون ناجحة إذا استحوذ الفساد في أروقتها. لا استثمار التعليم، وهو من أفضل ما ينبغي التركيز عليه في الحياة الاجتماعية والأسرية، لما له من أهمية بالغة في خدمة البشرية جمعاء. خامسًا: الانصات والاستماع للناس، وذلك من خلال التفاعل الحكومي الجاد مع ما يحتاج إليه المواطن ومشاركته في صناعة القرار. سادسًا: توفير فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة، والقضاء على البطالة، وإدارة البلاد بالشكل المتوازن والمستدام. سابعًا: الاستقرار السياسي في البلاد وهو توفير المناخ المستقر والمشجع لجذب المستثمرين الحقيقيين، مما يزيد في ازدهار التجارة الوطنية ويرفع من معدلات الإنتاج المحلي. إنَّ العالم العربي والإسلامي اليوم بحاجة إلى صناعة دول ناجحة على غرار تلك الدول التي اجتهدت فنجحت ووصلت إلى أهدافها المنشودة، ومنها على سبيل المثال سنغافورة التي عرفت بكفاءتها الاقتصادية والإدارية، أو النرويج والدنمارك اللتان عرفتا بنظام الرفاه الاجتماعي في المجتمع، أو كندا وألمانيا اللتان تقدمان الخدمات بكفاءة عالية لمواطنيهما. وأخيرًا.. إنَّ تشكيل الحكومات الناجحة لا يتحقق إلّا من خلال المسؤول الناجح، الذي لا يرى من كرسيه ومنصبه كسُلطة؛ بل مسؤولية عظيمة، وخدمة جليلة يجب أن يُقدِّمها كتكليف شرعي واجتماعي وليس مجرد تشريف. ** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

المواطن والمسؤول بين بابين
المواطن والمسؤول بين بابين

جريدة الرؤية

time١٤-٠٤-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

المواطن والمسؤول بين بابين

جابر حسين العُماني من المبادئ الإنسانية والاجتماعية التي تعزز روح التفاهم بين أفراد المجتمع الواحد ما يسمى بثقافة الباب المفتوح، سواء أكان ذلك الباب في المؤسسات الحكومية أو الأسرية أو بين الجيران، ونقصد من ذلك توفير مساحة كافية للحوار البناء، وحسن الاستماع والإصغاء إلى الآخرين من دون حواجز رسمية أو نفسية، وهو ما يعزز الثقة الكاملة والمتبادلة، ويبنيها بشكل أفضل وأجمل خصوصا بين الحاكم والمحكومين، والمسؤول والمرؤوسين، والآباء والأبناء، والمعلمين وتلامذتهم، بهدف الحد من المشكلات وتفاقمها في المجتمع. وعندما يكون باب المسؤول مُغلقًا أو لا يُفتح للناس إلّا للضرورة، خصوصًا في المؤسسات التي تُعنى بخدمة الوطن والمواطنين، فإن المشكلات ستتفاقم حتما بسبب تلك الحواجز الإدارية، وسيواجه المواطن صعوبة في إيجاد من يسمعه ويحل مشاكله وقضاياه. ومن خلال رحلتي إلى إحدى الدول الإسلامية، زرت أحد البنوك لإنجاز معاملة، وقد لفت انتباهي تصميم مكاتب الموظفين؛ حيث كان مكتب المدير مفتوحًا من دون أبواب أو نوافذ، ومرتفعًا عن مكاتب الموظفين بمقدار متر تقريبًا، مما يُمكِّن المدير من الاطلاع بشكل مباشر على تعاملات الموظفين مع المراجعين من المواطنين والوافدين، وفي المقابل هناك دول تضم مؤسسات كثيرة الأبواب، ومديروها لا يمكن الدخول إليهم إلّا بمواعيد مسبقة وطويلة وكأنهم لم يخلقوا لخدمة الناس. بيئة العمل تتطلب أحيانًا إيجاد الأبواب المفتوحة وذلك لأنها تخلق الكثير من الشعور بالأمان الوظيفي، بل وتعزز وتحفز العاملين من الموظفين والموظفات على العطاء والإخلاص في العمل، وتجعل من المسؤولين والموظفين أكثر إخلاصا لوظائفهم المناطة إليهم. ومن أبرز السمات الإيجابية الواجب التحلي بها للمسؤول الناجح هي: قربه من الناس والعيش بينهم، وليس الانعزال عنهم داخل المكاتب الفارهة والنظيفة والفاخرة، والمسؤول الناجح هو من يرى الناس دائما ويسمع لهم، ويعيش بينهم الواقع كما هو، بعيدًا عن الكلام المعسول الذي يصله من هنا وهناك، فقد ورد عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب أنه قال لبعض عمّاله: "وَإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَلَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ وَأَنْتَ مُسْتَرْعًى لِمَنْ فَوْقَك" [نهج البلاغة: 366]. ويعد التواصل المباشر للمسؤولين مع الناس والتواضع لهم من أهم الواجبات الأخلاقية والوطنية التي ينبغي العمل بها على أكمل وجه، بما يعكس مدى إخلاص المسؤولين في خدمة مجتمعاتهم وأوطانهم، وحرصهم الدائم على معالجة هموم الناس ومشاكلهم، بما يحقق المصلحة العامة، وذلك من خلال السعي الجاد لإيجاد الحلول العملية والمناسبة لتخفيف معاناة الناس، لا مجرد قرارات ورقية تكتب على الورق وتنتهي بتوقيع مزخرف بلا فائدة، وقد قال أمير المؤمنين وخليفة المسلمين العادل علي بن أبي طالب لبعض الموظفين في دولته: "فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ، وَوُكَلاَءُ الأُمَّةِ، وَلاَ تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ، وَلاَ تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ" [كتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي: 33/472)، وهنا يوجه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الموظفين والعاملين في دولته على الاهتمام الكامل بخدمة الناس وتلبية طلباتهم المشروعة، وعدم رد أحد من المراجعين والمطالبين بتحسين وضعه الحياتي، مؤكدا على أهمية تحسين وتقييم الأداء الحكومي بشكل مستمر بما يخدم الناس ويعلي من شأنهم ومكانتهم الاجتماعية في الوطن. وأخيرًا.. فإنَّ إغلاق المسؤول لأبوابه، واعتماده على البروتوكولات كحواجز بينه وبين المواطنين، يؤدي إلى خلق الفجوة الكبيرة التي تعيق تقديم الخدمات المطلوبة للناس؛ مما قد يعيق التنمية ويخل بميزان العدالة الاجتماعية المنشودة والمطلوبة في المجتمع، والتي يتوجب عليه تطبيقها على الوجه الأكمل والأجمل من أجل حياة أفضل. ** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

معالي الوزير
معالي الوزير

جريدة الرؤية

time١٠-٠٣-٢٠٢٥

  • جريدة الرؤية

معالي الوزير

جابر حسين العُماني ** لا توجد دولة في العالم إلا ولديها وزراء يعملون لخدمة مصالحها ومصالح مواطنيها، وهو عمل واجب لا مجال فيه للتراخي أو التكاسل أو التخاذل، ولتحقيق ازدهار الأوطان لا بد من اختيار الوزراء الناجحين، القادرين على إيجاد التوازن بين العمل الحكومي وخدمة المواطنين، في شتى الظروف الاجتماعية، والسعي الدائم لتلبية مطالب الناس، واتخاذ القرارات الحكيمة والصائبة والرشيدة المدعومة بالرؤية المستقبلية الثاقبة بما يسهم في بناء الوطن وخدمة أفراد المجتمع. ولا تقتصر مهام الوزير على تحقيق الأهداف الحكومية المطلوبة فحسب؛ بل ينبغي العمل الجاد على تطوير وتحسين الحياة الاجتماعية والأسرية للمواطنين، ووضع مصلحة الوطن والمواطن في عين الاعتبار، ولتحقيق ذلك النجاح، لا بد أن تتوفر في الوزير صفات معينة لبناء وطن خال من المنغصات والمعكرات، ومن أهم تلك الصفات التي ينبغي أن تتوفر في الوزير الناجح ما يلي: أولًا: تقوى الله؛ وهي من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها، لأنها تجعله يراقب الله في كل شيء بإخلاص وتفانٍ، قال تعالى: { فَاتَّقُوا اَلنّٰارَ اَلَّتِي وَقُودُهَا اَلنّٰاسُ وَاَلْحِجٰارَةُ } [البقرة: 24]. ثانيًا: القيادة الحكيمة، وهي أن يتمتع الوزير بقدرات كافية ومناسبة، وأن يكون قدوة صالحة لمن يرأسهم، قادرًا على إعدادهم وتشجيعهم على التفاني والإخلاص، والحفاظ على الأمانة، وتكريس الجهود، والعمل بروح الفريق الواحد، الذي يستطيع من خلاله خلق الكثير من التغيرات الإيجابية في بيئة العمل، بل ويلعب دورا أساسيا للوصول إلى نجاح وازدهار البلاد والعباد. قال تعالى: { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } [القصص: 26]. ثالثًا: أن يكون مستمعًا متمكنًا ومبتسمًا لبقًا، قريبًا من الناس، ملبيًا احتياجاتهم، مستأنسًا باقتراحاتهم وأفكارهم وآرائهم، متطلعًا لمستقبلهم، فاتحًا لهم قلبه ومكتبه وجوارحه. قال الإمام علي بن أبي طالب: (مَنْ أَحْسَنَ اَلاِسْتِمَاعَ تَعَجَّلَ اَلاِنْتِفَاعَ). رابعًا: أن يكون قادرًا على إدارة وحل الأزمات والمشكلات المجتمعية، فلا يصح لمن حصل على منصب الوزير أن يكون فاشلًا أو متكاسلًا أو متخاذلًا في إدارة الأزمات، بل يجب أن تكون له القدرة الكافية على اتخاذ قرارات صحيحة ومدروسة بشكل منطقي وحيادي، مبنية على الحقائق والوقائع الواضحة التي تصب في مصلحة الجميع. خامسًا: أن يكون من أهل الخبرة في الإدارة، لضمان تحقيق الأهداف الوطنية المنشودة وتفادي الوقوع في الأخطاء والخسائر التي قد تضر بالمصلحة العامة للوطن والمواطنين. سادسًا: أن يتحلى بالنزاهة والشفافية ليكون بذلك قدوة حسنة في الحفاظ على الأمانة والاستقامة، محاربًا للفساد بيد من حديد، ساعيًا لتعزيز الثقة بين الحكومة وأفراد المجتمع. سابعًا: أن يكون عادلًا وشجاعًا في قول الحق، وأن يساعد الحاكم على تحقيق العدل وليس على تثبيت السلطة فقط. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: (أَلاَ وَإِنَّ مَنْ لاَ يَنْفَعُهُ اَلْحَقُّ يَضُرُّهُ اَلْبَاطِلُ). وعندما تتوفر هذه الصفات والمعايير في الوزير ستكون قيادته قيادة ناجحة، قادرة على تحقيق التغيير الإيجابي والملموس في وزارته ومحل عمله، بما يخدم الوطن والمواطنين، ويسهم في بناء دولة مباركة وقوية، تطبق العدل والإنصاف على الجميع. وفي حال عدم توافر تلك الصفات والمعايير، من المتوقع أن يُلحق الوزير ضررًا بالغًا بالمصلحة العامة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومن أبرز تلك الأضرار، إهدار الموارد المالية والبشرية، وتأخير التنمية المستدامة، وعدم تحسين معيشة الناس، وضعف تنفيذ السياسات والخطط الحكومية المنشودة والمرجوة، كما يؤثر على الخدمات العامة التي ينبغي أن تقدم للمواطنين، مما يؤثر ذلك سلبًا على سمعة ومكانة البلاد والعباد. ختامًا.. إنَّ منصب الوزير- أيًّا كانت درجته ومكانته الاجتماعية في المجتمع- يُعد تكليفًا لا تشريفًا، وعلى من يحظى بهذا المنصب أن يدرك جيدًا دوره في خدمة الشعب وإدارة شؤونه وشؤون الدولة، وأن يكون عند حسن ظن من أوصله لهذا المنصب، مراعيًا بذلك رضا الله تعالى والناس أجمعين. ** عضو الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store