
مستقبل منظمة التجارة العالمية فى ظل الحمائية
هل انتهى دور منظمة التجارة العالمية بعد الإجراءات الحمائية الدولية؟ هذا هو التساؤل المطروح الآن على الساحة العالمية بعد ان قام الرئيس ترامب بتشديد الرسوم الجمركية على جميع الواردات الأمريكية، وأعلن يوم الأربعاء 2 ابريل 2025 عن رسومه الجمركية الجديدة فيما وصفه بـ«يوم التحرير»، والقاضية بفرض تعريفات جمركية على العديد من البلدان وهى خطوة كبيرة نحو عصر جديد قديم من الحماية التجارية .وإذا ما تم تنفيذ هذه السياسة فإنها تُعد محاولة لإعادة تشكيل الاقتصاد الأمريكى والنظام التجارى العالمى ككل.
فالولايات المتحدة كانت تقود النظام التجارى العالمى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث لعبت دور الحارس للأسواق المفتوحة، وهو دور بدأ بعد الحرب العالمية الثانية، حين خرجت أمريكا كالمشرفة الرئيسية على الأسواق المفتوحة، وبلغ ذروته فى عام 1995 مع إنشاء منظمة التجارة العالمية، وقد صعدت الصين داخل هذا النظام، مكتفية بإبداء الالتزام الشكلى بالقواعد بعد انضمامها فى 2001، رغم انتهاكها العديد منها. وطالما اتُّهمت بتشويه النظام التجارى العالمى من خلال تقديم إعانات ضخمة وقروض منخفضة التكلفة من البنوك الحكومية لصناعات مفضلة. لكن الآن، مع فرض هذه الرسوم الجمركية، فإن واشنطن تنتهك بوضوح المبادئ الأساسية للمنظمة، خاصة عدم التمييز والمعاملة بالمثل، مما يضعف مصداقيتها على الساحة الدولية ويفتح المجال أمام إعادة تشكيل النظام الاقتصادى العالمى بعيدًا عن الهيمنة الأمريكية.
وتعد هذه السياسة بمثابة الإعلان الرسمى عن نهاية النظام التجارى القائم حاليا، والمعتمد أساسا على ضمان تدفق التجارة الدولية دون اللجوء إلى ممارسات تمييزية فى التجارة أو أسعار الصرف تحاشيا للعودة إلى فترة الكساد الكبير «1929 – 1932»، التى اصطلح على تسميتها سياسة «إفقار الجار» عبر التخفيض التنافسى للعملات الوطنية مع ما أثارته من ردود أفعال انتقامية عنيفة من جانب البلدان الشريكة فى التجارة وأدت إلى إصابة الاقتصاد العالمى بالوهن والضعف وأدت الى الكساد الكبير.
وقد سار هذا النظام سيرا حسنا حتى بدايات القرن الحالي، فى إطار منظمة التجارة العالمية رغم أن تأسيسها لم يكن سهلا، حيث كان قد تقرر تشكيلها فى عام 1947 خلال مؤتمر «هافانا»، إلا أن الكونجرس الأمريكى رفض توقيع الاتفاقية آنذاك انطلاقا من رغبته فى الحفاظ على السيادة الوطنية للدولة، حيث تخوف الأعضاء من أن يؤدى إنشاء المنظمة إلى التخلى عن القوانين المحلية، التى تسمح بفرض عقوبات تجارية على شركائها التجاريين، ولم يتم التصديق على الاتفاقية إلا بعد أن تأكد الأعضاء من أنها لا تغير الوضع القائم لأى دولة من الدول الأعضاء.
أما الآن، فإن الرسوم الجمركية الأمريكية تنتهك عمدًا المبدأ الجوهرى لعدم التمييز كما هو منصوص عليه فى المادة الأولى من المعاهدة التأسيسية لمنظمة التجارة العالمية. ونتيجة لذلك، فإن الدول لم تعد تحاول إنقاذ النظام الحالي، بل تسعى لتبنى نظام جديد أقل اعتمادًا على الطلب الأمريكى وأكثر حماية من فائض الطاقة الإنتاجية الصيني.
عموما فإن السياسة الراهنة، مع ما أثارته من ردود أفعال انتقامية من جانب البلدان الأخرى الشريكة فى التجارة ستؤدى إلى انهيار الضلع الثالث الباقى من نظام «بريتون وودز» القائم على حرية التجارة وفتح الأسواق عبر تخفيض التعريفات الجمركية، بحيث يصير البشر فى شتى أنحاء العالم جزءا من سوق استهلاكية عالمية موحدة.لذلك فإن استمرار فرض تعريفات جمركية جديدة من قبل الاقتصادات الكبرى يضع النظام التجارى العالمى أمام مرحلة حرجة تهدد مسارات النمو والاستثمار والتقدم التنموي، خصوصا فى الدول الأقل نموا، ويزيد من حالة عدم اليقين التى تعيق التخطيط الاقتصادى وتضر بثقة الأسواق.
إذ إن فقدان الولايات المتحدة مكانتها كقوة اقتصادية منفتحة، وتخليها عن دورها كضامن للنظام التجارى العالمى متعدد الأطراف، سيؤدى ذلك إلى إعادة تشكيل النظام التجارى العالمي. لذلك أصبحنا على شفا مرحلة جديدة تقوم على أسس مختلفة تماما فى ظل وجود لاعبين جدد وتقنيات جديدة وقواعد تعمل على إيجاد اقتصاد عالمى مختلف. بل إن فكرة «المزايا النسبية» التى اعتمدت عليها التجارة الدولية ، فيما مضي، قد أصبحت محل شك كبير، بعد أن أدت التطورات التكنولوجية الهائلة إلى ازدياد قدرات الدول على إيجاد قدرات تكنولوجية تمكنها من تطوير طاقتها الإنتاجية وتحولت المجتمعات من « المزايا النسبية» إلى «القدرة التنافسية»، وهى تقوم بالأساس على الانتقال من النظرة الاستاتيكية إلى النظرة الديناميكية، وبالتالى لا ضرورة أن تكون الميزة الوطنية موروثة، إذ يمكن اكتسابها عبر الابتكار التكنولوجي، اى الانتقال من المدخلات المادية إلى المدخلات التكنولوجية. وهو ما أدى إلى التغييرات فى الأهمية النسبية لعوامل الإنتاج، مما يعنى الابتعاد عن التجارة ذات الكثافة فى اليد العاملة غير الماهرة إلى منتجات كثيفة المعرفة.
وهكذا يبدو ان التجارة العالمية تتجه نحو التعددية القطبية، حيث لم يعد النظام التجارى يدار من قبل أمريكا والصين وحدهما، بل باتت قوى أخرى مثل الاتحاد الأوروبى والهند والبرازيل تلعب دورًا فى صياغة القواعد الجديدة.هذا التحول يعكس عالماً أكثر انقسامًا لكنه أيضًا أكثر توازنًا تجاريًا وهكذا أعادت الازمة الاعتبار للدولة القومية والتحالفات الإقليمية بدلاً من السوق العالمية.وبالتالى أصبح من غير المحتمل العودة مرة اخرى للحديث عن العولمة المفيدة للأطراف، والتى بنى على أساسها النظام الاقتصادى الحالي، وتم تقويض المبادئ الأساسية للتصنيع العالمى من خلال سلاسل القيمة المرتبطة بعدة دول، ووضعت كل دولة مصلحتها الوطنية أولا.
إن هذه الأحداث، قد كتبت النهاية لحقبة ما بعد الحرب الباردة وتعد بمثابة الإعلان عن انهيار النظام الحالي، والقائم على أساس «توافق واشنطن» بآلياته ومؤسساته، وبدء البحث عن نظام جديد أكثر إنسانية واقل وحشية.
الامر الذى يشير الى ان الفرصة سانحة للدول النامية وعلى رأسها الدول العربية ومن ضمنها مصر، للدخول الى الحلبة من جديد شريطة امتلاك الرؤية الكاملة للمصالح العربية وأولوياتها، الأمر الذى يمكنها من إصلاح أوضاعها الداخلية، بحيث تصبح قادرة على الوقوف فى وجه المنافسة العاتية القادمة على رياح التجارة الدولية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


البورصة
منذ 38 دقائق
- البورصة
ارتفاع عوائد السندات الأمريكية وسط مخاوف من تفاقم العجز الفيدرالي
ارتفعت عوائد السندات الأمريكية خلال تعاملات اليوم الأربعاء، وسط حالة عدم يقين بشأن السياسات الضريبية في الولايات المتحدة، الأمر الذي يزيد من مخاوف اتساع العجز الفيدرالي خاصة بعد خفض 'موديز' التصنيف الائتماني الأمريكي. وارتفعت عوائد السندات لأجل عامين –الأكثر حساسية لتغيرات السياسة النقدية– بمقدار 2.4 نقطة أساس إلى 3.994%. فيما صعدت عوائد السندات لأجل 10 سنوات بمقدار 5.6 نقطة أساس إلى 4.537%، وزادت عوائد السندات الثلاثينية بمقدار 6.2 نقطة إلى 5.029%. يُراقب المستثمرون المناقشات حول مشروع قانون ميزانية الرئيس 'دونالد ترامب'، حيث صرّح بعض الجمهوريين بأنهم لن يدعموا قانون خفض الضرائب، قبل التصويت المقرر هذا الأسبوع، وفق ما نقلت 'سي إن بي سي'. وقال محللو 'دويتشه بنك' في مذكرة: تتجه الأنظار إلى مشروع قانون خفض الضرائب الذي تسعى إدارة 'ترامب' لإقراره، إذ سيُسهم الاتفاق النهائي بشكل كبير في تحديد حجم العجز الأمريكي في السنوات المقبلة.


اليوم السابع
منذ 41 دقائق
- اليوم السابع
سعر الذهب اليوم يواصل الصعود بعد ارتفاع الأونصة.. وعيار 21 يسجل 4460 جنيها
ارتفع سعر الذهب في مصر في التعاملات الصباحية بحوالي 20 جنيها عقب قفزة كبيرة في الأونصة العالمية عند 3309 دولارات مما انعكس على سعر عيار 21 وهو الأكثر مبيعا في مصر. أسعار الذهب اليوم: - سعر الذهب عيار 24 يسجل 5326 جنيه - سعر الذهب عيار 21 يسجل 4460 جنيهاً - سعر الذهب عيار 18 يسجل 3994 جنيهاً - سعر الجنيه الذهب 37256 جنيها . أونصة الذهب ارتفعت أسعار الذهب العالمي خلال تداولات اليوم لتسجل أعلى مستوى في أسبوع وذلك في ظل تراجع الدولار الأمريكي، مع استمرار الإضرابات في الأسواق بشأن مشروع قانون الضرائب الجديد في الولايات المتحدة وهو الأمر الذي زاد من الطلب على الملاذ الآمن. سجل سعر أونصة الذهب العالمي ارتفاع اليوم بنسبة 0.6% ليسجل أعلى مستوى في أسبوع عند 3320 دولار للأونصة بعد أن افتتح تداولات اليوم عند المستوى 3292 دولار للأونصة ليتداول حالياً عند المستوى 3309 دولار للأونصة. ويأتي هذا بعد أن ارتفع الذهب أمس بنسبة 1.8% ليعود الطلب على الملاذ الآمن إلى التزايد تدريجياً منذ بداية الأسبوع، وذلك بعد الانخفاض الكبير الذي سجله الذهب خلال الأسبوع الماضي. تراجع الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوياته في أسبوعين خلال تداولات اليوم حيث استمر تخفيض وكالة التصنيف الائتماني موديز لتصنيف الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة إلى الشكوك حول مشروع قانون ضرائب ترامب في اضعاف مستويات الدولار وهو أمر إيجابي للذهب. ويواجه مشروع قانون ترامب للتخفيضات الضريبية والإنفاق اعتراضات في مجلس النواب الأمريكي سواء من أعضاء الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، حيث يرى العديدين أنه سيعمل على زيادة الضغط على التمويل الحكومي ويزيد من غموض الوضع المالية، وفق جولد بيليون. ساعدت هذه الأوضاع على عودة ارتفاع الذهب منذ بداية هذا الأسبوع وعلى المدى المتوسط والطويل تبقى التوقعات لصالح المزيد من الارتفاع في الذهب، إلا أن أي أخبار إيجابية بشأن الاتفاقات التجارية الأمريكية قد تمثل عقبات قوية أمام الذهب الذي يسعى للعودة إلى المستوى التاريخي 3500 دولار للأونصة.

مصرس
منذ ساعة واحدة
- مصرس
بوتين: نخوض حرباً ضد النازيين الجدد
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن تدمير القوات الأوكرانية لنصب تذكاري ل الحرب العالمية الثانية، يؤكد أن روسيا تخوض حربًا ضد النازيين الجدد، حسبما أفادت قناة "القاهرة الإخبارية". اقرأ أيضا|الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات ضد روسيا «لاستخدامها أسلحة كيميائية في حرب أوكرانيا»في نفس السياق، أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الأمريكي دونالد ترامب، خلال مكالمة هاتفية، بأن أوكرانيا لم تحترم وقف إطلاق النار أثناء الاحتفال بعيد النصر.جاء ذلك وفق ما صرّح به يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، خلال مؤتمر صحفي، حيث أوضح أن الرئيس بوتين لم يتناول هذا الموضوع بشكل عابر، بل أشار إليه بشكل مباشر نظرًا لما وصفه بتهديدات أطلقته أوكرانيا ضد الوفود الأجنبية المشاركة في فعاليات الذكرى الثمانين للنصر على النازية.وقال أوشاكوف إن "أوكرانيا حاولت ثني القادة الأجانب عن حضور الاحتفالات في موسكو من خلال تهديدات مباشرة، إضافة إلى شن هجوم جوي كبير بطائرات مسيرة استهدف العاصمة قبيل المناسبة"، مؤكداً أن موسكو اعتبرت هذه التحركات محاولة لترهيب المجتمع الدولي ومنع المشاركة في الفعاليات الرمزية.اقرأ أيضا|أبو شمسية: بريطانيا تفرض عقوبات على إسرائيل وتعلق اتفاقيات التجارة