
واشنطن.. بين الوجود الإسرائيلي والبقاء الإيراني
2025-06-25
Editor
اياد العناز
عندما نقرأ الأحداث التي مرت خلال اثنا عشر يوميًا هي الفترة الزمنية بكل لحظانها ودقائقها التي ايقظت دول العالم جميعها على وقع الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية داخل العمق الإيراني فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025 مستهدفة القيادات السياسية والعسكرية والأمنية للمنظومة الحاكمة في طهران وعديد من العلماء المختصين في الشأن النووي الإيراني ومواقع لمنشأت نووية وقواعد لإطلاق الصواريخ البالستية ومخازن للطائرات المسيرة ومنظمومات للدفاع الجوي، في ضربة استباقية وعسكرية فاعلة سعت فيها قيادة الأركان الإسرائيلية وتوابعها التنفيذية من أحداث ارباك في الدفاعات الإيرانية وقياداتها الميدانية وشلل في هيئات الإدارة والتحكم ضمن المؤسسة العسكرية والأمنية الإيرانية، وبعد أن استفاقت إيران من وقع هذه الضربات المتلاحقة والتي أدت إلى اغتيال أكثر من (20) شخصية قيادية عسكرية و (12) عشر عالميًا نوويًا واصابات بليغة في الدفاعات الجوية ومحتوياتها من الصواريخ البالستية مختلفة الأنواع، جاء الرد الإيراني عبر المئات من الصواريخ المؤثرة بعيدة المدى والطائرات المسيرة مختلفة الاحجام والانواع نحو العمق الإسرائيلي مستهدفة مراكز المدن المهمة والمواقع الاستراتيجية الاقتصادية منها والعسكرية والمقررات الأمنية. احدثت المواجهة بين تل أبيب وطهران العديد من التأثيرات والابعاد الميدانية التي كان لها أثارها الواضحة في الميدان العسكري لكلا الطرفين من تبعات سياسية واقتصادية شملت المرافق الحياتية والاماكن الحيوية والمواقع الاستراتيجية وانتهت إلى تدخل الولايات المتحدة الأمريكية بكل ثقلها وامداداتها وتأثيراتها العسكري عبر قوتها الجوية المقاتلة وصواريخها البالستية عندما نفذت عملية واسعة في صباح يوم الثاني والعشرين من حزيران 2025 استهدفت فيها المنشآت النووية في ( نطنز وفوردو أصفهان) وهي التي تمثل أعمدة البرنامج النووي الإيراني وركائزه العلمية والتقنية وأسس فعاليته ومقدار القوة الفعالة التي تم فيها وصول إيران إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60٪ وامتلاكها إلى (408.6) كيلوغرام من هذا النوع من اليورانيوم، وجاء الرد الإيراني مساء يوم الثالث والعشرين من حزيران 2025 باستهداف القاعدة الجوية في منطقة العديد بدولة قطر والتي يتم ادراتها من قبل الجيش الأمريكي في إجراء عسكري اعتبرته إيران ردًا على استهداف منشأتها النووية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. أدى تطور الأحداث واتساع رقعة الوقائع والتأثيرات الميدانية وانعكاساتها المؤثرة في المنطقة العربية على التدخل الفوري من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي فاجأ العالم بإعلانه عن اتفاق لوقف إطلاق النار وإيقاف جميع الهجمات الصاروخية والجوية بين إسرائيل وإيران واللجوء إلى معالجة الأزمة عبر الحوار السياسي والمفاوضات السلمية في انعطافة كبيرة شهدها النزاع القائم بين البلدين. وافقت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان على الامتثال لقرار الإدارة الأميركية والذي تحقق عبر وساطة عربية من قبل دولة قطر بالتنسيق المباشر مع الإدارة الأمريكية والاتصال بطرفي النزاع من أجل تثبيت موعد وفق إطلاق النار والاتفاق عليه وهو ما حصل بالفعل في ساعات الصباح الأولى من يوم الرابع والعشرين من حزيران 2025. أتى قرار وقف العمليات العسكرية وتبعياتها السياسية الميدانية عبر العديد من الوقائع التي رأت فيه إسرائيل أنها حققت أهدافها الرئيسية في استهداف المنشآت النووية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وتوجيه ضربات نوعية للعديد من المواقع والمقرات والمطارات العسكرية منظومات الدفاع الجوي ومخازن الصواريخ الاستراتيجية مصانع للطائرات المسيرة ومقتل العديد من القيادات العسكرية والعلماء النوويين الخبراء العسكريين وتمكنت من اختراق الداخل الإيراني أمنيًّا واستخباريًا، في حين ترى القيادة الإيرانية أنها تمكنت من إصابة الأهداف الحيوية والمناطق الصناعية والاقتصادية ومقرات الأجهزة الأمنية واستطاعت الوصول بأهدافها إلى معظم المدن الرئيسية داخل العمق الإسرائيلي. أن كل من القيادات السياسية والعسكرية في إسرائيل وإيران أعلنت الانتصار في المواجهة المباشرة بينهما وحرب المدن التي امتدت لايام عديدة، فاسرائيل ووفق المفهوم العقائدي التي تتمسك به في فكرة البقاء والدفاع عن وجودها، ترى أنها حققت غايتها في الحياة ولم تتمكن الضربات الصاروخية الإيرانية من التأثير عليها وأنها تميزت بسياسة الردع المتكامل الذي لم تتمكن فيه إيران من تحقيق الردع المقابل له وعملت على تنفيذ سياسة الحسم في الميدان، وإما القيادة الإيرانية فإنها ترى أن صمودها ومواجهتها للعمليات العسكرية الإسرائيلية وتلقيها للضربات الجوية والصاروخية بسبب السيطرة الفعلية على المجال الجوي الإيراني من قبل القوة الجوية الإسرائيلية، أنها استطاعت من التماسك والتلاحم بين جميع مؤسساتها العسكرية والأمنية من تحقيق انسجامًا وتأييدًا شعبويًا داخليًا واستمرار وجودها كنظام قائم على التمسك بثوابته عبر سياسة قبضة النظام وديمومة مشروعه الإقليمي والحفاظ على مبادئه وافكاره التي احتوها الدستور الإيراني بعد مجئ الخميني وتسلمه الحكم في شباط 1979 ثم بقاء المرشد الأعلى علي خامنئي وعدم تعرضه لأي اذى أو استهداف خلال المواجهة المباشرة مع إسرائيل.
تبقى عملية استمرار وقف إطلاق النار مرهونة بمدى التزام إسرائيل وإيران بشروطها وبنودها والتي لم يعلن عنها بصورة واضحة، بل اعتمد الجميع على اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وما تلاه من وقف للعمليات العسكرية المباشرة، وإذا ما استمر الحال عليه، فإن من الممكن أن تباشر الإدارة الأميركية دورها في إعادة الحياة للجولة السادسة من المفاوضات مع إيران والتي توقفت بعد أن اطلقت إسرائيل صواريخها وعملياتها الجوية في الثالث عشر من حزيران 2025.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


المدينة
منذ 2 ساعات
- المدينة
تقرير أمريكي: المباني أزيلت.. والمخصب في الجبال
اعتبر الجيش الإسرائيلي الأربعاء، أنَّه «من المبكِّر» تقييم الأضرار التي لحقت بالبرنامج النووي الإيراني، جرَّاء الحرب مع الدولة العبريَّة، والضربات الأمريكيَّة.وقال المتحدث باسم الجيش إيفي ديفرين في مؤتمر صحافي متلفز: «ما زال من المبكِّر تقييم نتائج العمليَّة، مضيفًا: «أعتقد أنَّنا وجَّهنا ضربة موجعة للبرنامج النووي، يمكنني القول أيضًا إنَّنا أعدناه أعوامًا» إلى الوراء.يأتي ذلك في ظل تواتر أخبار عن أنَّ الضربات الأمريكيَّة أعادت البرنامج بضعة أشهر فقط إلى الوراء ولم تدمِّره كما قال الرئيس دونالد ترامب.ويؤكد الرئيس الأمريكي أنَّ البرنامج النووي الإيراني عاد «عقودًا» إلى الوراء، وأنَّ الضربات التي نفذتها بلاده ألحقت «دمارًا شاملًا» بالمواقع المستهدفة،وغداة بدء سريان وقف إطلاق النار الذي أعلنه ترامب، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي ايفي ديفرين أنَّ بلاده وجَّهت «ضربة موجعة» للبرنامج النووي الإيراني خلال الحرب التي بدأتها في 13 يونيو، واستمرت 12 يومًا.لكنَّه أوضح أنَّه «ما زال من المبكِّر تقييم نتائج العمليَّة».وأكد الرئيس الأمريكي الذي أعلن التوصل لوقف اطلاق النار، أنَّ الضربات الأمريكيَّة ألحقت «دمارًا شاملًا» بالقدرات النوويَّة للجمهوريَّة الإسلاميَّة، وأعادت برنامجها «عقودًا» إلى الوراء.وقال ترامب على هامش مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي في لاهاي «لن يصنعوا قنابل لوقت طويل»، مضيفًا إنَّ وقف إطلاق النار يمضي «بشكل جيد جدًّا».وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أشاد مساء الثلاثاء، بتحقيق «انتصار تاريخي»، مؤكدًا أنَّ الضربات الجويَّة الإسرائيليَّة والأمريكيَّة «أحبطت مشروع إيران النووي»، مضيفًا «لن تحصل إيران أبدًا على سلاح نووي».من جهتها، أعلنت ايران أنَّها «انتصرت» في الحرب، مؤكدة استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات بشأن ملفها النووي، مع تمسُّكها بـ»حقوقها المشروعة» بالاستخدام السلمي للطاقة الذريَّة.وخلص تقرير استخباري أوَّلي أمريكي سرِّي أوردته وسائل اعلام نقلًا عن أشخاص مطَّلعين إلى أنَّ الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان، لم تُدمِّر بالكامل أجهزة الطرد، أو مخزون اليورانيوم المخصَّب، خصوصًا في منشأة فوردو المحفورة في جوف الجبال. ووفق التقرير فقد أغلقت الضربات مداخل بعض من المنشآت من دون تدمير المباني المقامة تحت الأرض، وبالتالي أعادت برنامج طهران النووي بضعة أشهر فقط إلى الوراء ولم تدمِّره. ولطالما اشتبهت الدول الغربيَّة وإسرائيل بأن إيران تسعى إلى تصنيع قنبلة نوويَّة، وهو ما تنفيه طهران وتتمسك بحقها في تطوير برنامج نووي مدني. وتتمسك إسرائيل بالغموض بشأن امتلاكها السلاح النووي، إلَّا أنَّ معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام يقول إنَّها تملك 90 رأسًا نوويًّا. والأربعاء، صوَّت النواب الإيرانيون لصالح تعليق التعاون مع الوكالة الأمميَّة. ونقل التلفزيون الرسمي عن رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف قوله إنَّ «الوكالة الدوليَّة للطاقة الذريَّة التي رفضت إصدار حتى إدانة محدودة للهجوم على منشآت إيران النوويَّة، باعت مصداقيتها الدوليَّة بأبخس الأثمان». وأضاف إنَّ «منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ستعلق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذريَّة إلى حين ضمان أمن المنشآت النوويَّة». وفي ظل ثبات وقف إطلاق النار، رفع الجيش الإسرائيلي مساء الثلاثاء، القيود المفروضة على السكان خلال الحرب، لكن رئيس الأركان إيال زامير حذَّر من أنَّ «الحملة ضد إيران لم تنتهِ». وذكرت وكالة الأنباء الإيرانيَّة «إرنا» أنَّ جنازة رسميَّة ستنظم السبت، في طهران لكبار القادة العسكريِّين والعلماء الذين قتلوا في الحرب، على أنْ تُقام الخميس مراسم جنازة في وسط البلاد لحسين سلامي، قائد الحرس الثوري الذي قُتل في اليوم الأول من الحرب. وأفادت السلطات الإيرانيَّة الأربعاء، أنَّ القيود على الإنترنت التي فرضت أثناء الحرب ستُرفع تدريجًا بعد وقف النار. وأودت الحرب بحياة 610 أشخاص على الأقل وأسفرت عن إصابة أكثر من 4700 شخص في إيران، بحسب حصيلة رسميَّة لوزارة الصحة تشمل فقط الضحايا المدنيين. في إسرائيل، قضى 28 شخصًا من جرَّاء الحرب، بحسب السلطات.


الحدث
منذ 2 ساعات
- الحدث
"ترامب" يعلن "الحرب على المسربين" ويقيّد المعلومات عن الكونغرس
كشفت أربعة مصادر أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعتزم تقييد مشاركة المعلومات السرية مع الكونغرس، عقب تسريب تقييم استخباراتي يشير إلى أن الضربات التي استهدفت منشآت إيران النووية لم تكن ناجحة كما ادعى الرئيس ترامب. وبحسب موقع "أكسيوس"، فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) تحقيقًا رسميًا في واقعة التسريب التي أثارت غضب ترامب وكبار المسؤولين، إذ اعتبروا أن التقرير غير مكتمل وتسريبه محاولة لتقويض تصريحات ترامب بشأن "التدمير الكامل" للمواقع النووية الإيرانية. وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض الأربعاء: "نعلن الحرب على المسربين". وأشار إلى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية بصدد تشديد الإجراءات لمنع ما وصفه بـ"اختراق عناصر من الدولة العميقة" وتسريب تحليلات سرية ذات موثوقية منخفضة إلى وسائل الإعلام. من جهتها، قالت مديرة الاستخبارات الأمريكية تولسي غابارد إن لديها معلومات جديدة تؤكد تدمير منشآت إيران النووية، مضيفة أن إعادة بنائها ستستغرق سنوات. وأكدت أن التسريب هدفه تقويض عمل إدارة ترامب، وأن التقرير المسرب يحمل طابع "ثقة منخفضة". وفي سياق متصل، قال البيت الأبيض إن التهديد النووي الإيراني "مدفون تحت الأنقاض"، مضيفًا أن الضربات الأمريكية حققت ما لم تستطع الدبلوماسية والعقوبات تحقيقه طيلة عقود. وكانت شبكتا "سي إن إن" و"نيويورك تايمز" قد نشرتا تقارير تستند إلى تقييم استخباراتي سري أثار شكوكًا حول فعالية الضربات التي نفذتها واشنطن على مواقع فوردو ونطنز وأصفهان النووية، في خضم التصعيد العسكري الذي قادته إسرائيل ضد أهداف نووية وعسكرية إيرانية.


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
إيران ومكافآت ترمب السياسية والاقتصادية
لم يتأخر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المبادرة لتقديم مكافأة إلى النظام الإيراني على تجاوبه مع قراره بوقف الحرب بينه وتل أبيب، وإظهار ارتياحه من براغماتية النظام في التعامل مع الضربة الأميركية المباشرة، واختياره قصف قاعدة "العديد" في دولة قطر الفارغة، بحيث لم يسفر عن سقوط ضحايا، وأنه استوعب عملية استهداف درة البرنامج النووي في منشأة فوردو، وتدمير ما بقي من منشأتي أصفهان المخصصة لإنتاج غاز سداسي فلورايد اليورانيوم، ونطنز المخصصة لأعمال تخصيب اليورانيوم. وبعد إعلان طهران موافقتها على وقف الحرب، أبدى الرئيس الأميركي كثيراً من الحرص على توجيه رسائل إيجابية للنظام الإيراني، كشف عنها الاتصال المتوتر الذي جرى بينه ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتعطيل الهجوم الأخير على العمق الإيراني رداً على الهجوم الصاروخي الذي شنته طهران قبل دقائق من دخول اتفاق وقف الحرب حيز التنفيذ، وهي خطوة كشفت عن حرص الرئيس ترمب على الحفاظ على ما تحقق من نتائج المعركة، مما يساعد على تسهيل التحول الإيراني في الانتقال إلى الحوار السياسي. المكافأة الأبرز التي قدمها ترمب إلى طهران والتي يمكن اعتبارها ثمناً لالتزامها عدم الرد، حتى الشكلي على الغارة الإسرائيلية الأخيرة، أنه فتح الطريق أمام صادرات النفط الإيرانية إلى الصين، عندما نشر على منصته "تروث سوشيال" أنه بات بمقدور الصين استئناف وارداتها من النفط الإيراني، وما قد يعنيه ذلك من تسهيل حصول إيران على عائدات هذه الصادرات في المرحلة المقبلة من دون اللجوء إلى آليات التفافية. أما لماذا يقوم ترمب بمثل هذه الخطوات ويقدم هذه المكافآت إلى إيران؟ فسؤال تكمن الإجابة عن بعض جوانبه في الأبعاد الاستراتيجية الأميركية بالتعامل مع الموضوع الإيراني، فواشنطن، خصوصاً الرئيس ترمب، لا يرغب في تصعيد حدة التوتر في منطقة الشرق الأوسط وأن يدخل في حرب عبثية تلحق خسائر بجميع الأطراف، إضافة إلى وجود حرص أميركي على استعادة إيران ومساعدتها في تطبيع علاقاتها مع واشنطن والغرب، وأنها قد تكون مفيدة من خلال توظيف موقعها الجيوسياسي والجيواقتصادي بإيجابية بعيداً من العداء والصدام. لا شك في أن هذه الحرب وحال التضامن الداخلي التي أنتجها الالتفاف الشعبي حول إيران ومفهوم الوطن، وفّرت الأرضية السياسية لبقاء النظام واستمراره السياسي، وقد تكون الدافع وراء تخلي واشنطن عن هدف تغيير النظام الذي شكل واحداً من الأهداف الإسرائيلية من هذه الحرب، بالتالي عزّزت هذه الرغبة الأميركية في مسار الانفتاح على إيران التي من المفترض أنها أصبحت أكثر واقعية بعد هذه الحرب وعلى استعداد للتعاون في كثير من المسائل والملفات. وفي ظل الصراع المفتوح بين طهران وتل أبيب الذي اتخذ بعد وقف الحرب، طابع الصراع على النصر، مع عجز الطرفين على تسويقه لدى قواعده الشعبية، وفي مقابل احتفال رئيس الوزراء الإسرائيلي بتحقيق أهداف حربه بالقضاء على البرنامج النووي الإيراني وإضعاف البرنامج الصاروخي إلى الحد الأدنى، وجائزة الترضية التي حصل عليها من واشنطن بتدخلها المباشر في ضرب منشأة فوردو التي تشكل آخر حلقة في الأهداف الإسرائيلية، فإن طهران ترى أنها استطاعت إلحاق الضرر بالعمق الإسرائيلي الاستراتيجي والاقتصادي والنفسي، واستطاعت أن تستهدف المنشآت العسكرية والأمنية العلنية والسرية لإسرائيل، وأن تكون صاحبة الكلمة الأخيرة في وقف الحرب، على العكس مما جرى تداوله من سيناريوهات تفرض عليها القبول بحرية العمل العسكري لتل أبيب بعد التزامها المبادرة الأميركية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) حال لا غالب ولا مغلوب التي انتهت إليها المواجهة المباشرة بين طهران وتل أبيب، والرغبة الأميركية - الإسرائيلية المعلنة في إنهاء الحرب، فتحتا الطريق أمام القيادة الإيرانية لإعادة التأكيد على التزامها طاولة التفاوض والحوار من أجل التوصل إلى تفاهمات واضحة مع الإدارة الأميركية. والقيادة الإيرانية تدرك جيداً أن مبدأ التفاوض غير المباشر من الصعب الاستمرار فيه، وأنها قد تكون أمام تحدي الانتقال إلى التفاوض المباشر، والتعامل مع المطالب الأميركية بعقلانية أكثر وأكبر، وأن تضع القيادة الإيرانية مساراً دقيقاً قائماً على حسابات أكثر دقة للموازنة بين حدود الربح الممكن وهاوية الخسارة المطلقة، وأن توازن بين قدرات الميدان وضرورات السياسة، وتترك الطريق سالكاً أمام فتح نافذة الدبلوماسية للخروج بإيران من دائرة الخطر. وضرورات المرحلة الجديدة من المفترض أن تضع هذه القيادة أمام حقيقة مختلفة، وهي الذهاب إلى تحديد سقوف طاولة التفاوض، أي الإمساك باللحظة المناسبة للانتقال إلى تثمير الجهود الدبلوماسية التي باتت حاجة دولية أيضاً لا تقتصر فقط على إيران، تساعد في إبعاد المنطقة من مزيد من الحروب والخسائر. السكوت الإيراني على الرواية الأميركية - الإسرائيلية المشتركة حول مصير البرنامج النووي وعدم تقديم أي تصور حول الأضرار التي لحقت به، أو مصير المخزون الذي تملكه من اليورانيوم المخصب بدرجة 60 في المئة، وهل ما زالت على الأراضي الإيرانية أم نقلت إلى الخارج (الحليف)؟ هذا السكوت يسمح لإيران بالمساومة على حقها القانوني الذي ضمنته المواثيق الدولية بامتلاك دورة التخصيب على أراضيها، مع ترك الباب مفتوحاً أمام تنفيذ هذا الحق أو تعليق العمل به، وأن تعمل من أجل الانتهاء من أزمة العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية التي تشكل المدخل الضروري لإعادة ترميم الاقتصاد الإيراني وتخفيف التوتر الداخلي نتيجة الأزمات المعيشية التي قد تتحول إلى قنبلة موقوتة. طهران التي باتت على قناعة تامة بأن الخروج من هذا النفق أو التصعيد مع المجتمع الدولي لا بد من أن يكون عن طرق الحوار والتفاهم مع واشنطن، لذلك فإن آليات تعاملها مع الوكالة الدولية وعمليات التفتيش لمنشآتها قد تؤجل إلى مرحلة لاحقة، بخاصة بعد تراجع الثقة بدور الوكالة ومديرها ومفتشيها، في حين تعتقد بأن التفاهم حول الملفات الإقليمية يأتي في المرحلة التالية من الاتفاق حول العقوبات والنووي.