logo
الردع يتصدّع…!خالد عطية

الردع يتصدّع…!خالد عطية

ساحة التحريرمنذ 20 ساعات

الردع يتصدّع…!
خالد عطية
ما نشهده في هذه اللحظة المفصلية لا يمكن اختزاله في عنوان 'تصعيد إيراني–إسرائيلي'، بل نحن أمام انفجار تراكمي لصراع ظلت تُدار حدوده لسنوات بمنطق الردع المتبادل، والتواطؤ المنضبط، والاحتواء الغربي المحسوب. غير أن الرد الإيراني الأخير، في ضوء الضربة الإسرائيلية الواسعة لمراكز القيادة النووية والعسكرية، يكشف تحولًا عميقًا في هندسة الاشتباك: لم تعد إيران تقبل أن تكون طرفًا يُضرب ويصمت، ولم تعد إسرائيل قادرة على توجيه الضربات دون تكلفة، والأهم: لم يعد الغرب قادرًا على إدارة الحرب من خلف الستار.
تجاوزت إسرائيل منذ سنوات موقع 'الوكيل المحلي' ضمن المشروع الكولونيالي الغربي. لقد تحولت إلى فاعل بنيوي في صياغة منظومة السيطرة الإقليمية، تُعيد إنتاج المصالح الغربية بأدواتها، وتفرض على العالم معايير أمنها ومخاوفها. وفي السياق الراهن، لم تكن الضربة على إيران مجرد استباق عسكري، بل بيان سيادي بلغة القوة: لا مكان في المنطقة لقوة إقليمية مستقلة ذات بنية نووية أو قدرة ردع استراتيجي. إلا أن هذه السيادة الهجومية لم تُقابل بخضوع، بل بردّ إيراني منسّق، حددت فيه طهران حدودًا جديدة للمواجهة دون أن تنزلق إلى حرب شاملة، لكنها كسرت الطوق الرمزي الذي منح إسرائيل احتكار الفعل العسكري دون تكلفة مباشرة.
الرد الإيراني أتى تحت سمع وبصر شبكة الدفاع الغربية. وليس الأمر هنا محلّ اجتهاد أو تسريبات غير موثقة، فقد أكدت تقارير متعددة في 13 و14 يونيو 2025، أبرزها ما نشرته وول ستريت جورنال ووكالة رويترز ووكالة أسوشيتد برس، أن القوات الأميركية والبريطانية شاركت بشكل مباشر في صدّ صواريخ وطائرات إيرانية استهدفت إسرائيل، من خلال منظومات الدفاع الصاروخي THAAD وPatriot، إلى جانب دعم بحري شرق المتوسط. وهذا ما يضع أمامنا تحولاً بنيويًا في طبيعة العلاقة بين إسرائيل والغرب: لم تعد إسرائيل تملك قرار الحسم وحدها، ولم يعد الدعم الغربي مجرّد غطاء سياسي أو لوجستي، بل بات دفاعًا ميدانيًا مكشوفًا.
في خلفية هذا الاشتباك، جاءت حادثة اعتراض القوات المسلحة الإيرانية لبارجة حربية بريطانية حاولت دخول الخليج الفارسي. ورغم أن الحدث لم يُضخّم إعلاميًا، إلا أن رمزيته واضحة: لم تعد المياه الدولية فضاءً محايدًا، بل تحوّلت إلى جبهة جديدة تُعيد إيران من خلالها ترسيم قواعد الاشتباك البحري، على نحو يوازي ما تحاول إسرائيل فرضه في المتوسط.
في هذا السياق، يصبح الغياب العربي أكثر من مجرّد صمت. إنه تموضع وظيفي ضمن بنية الردع الغربية، حيث تحوّلت أنظمة عربية محورية إلى أدوات مكمّلة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، عبر التنسيق الأمني، والتطبيع العلني، وتهميش الجبهات التاريخية للصراع. وعليه، فإن ما يُضعف إيران ليس الردع الإسرائيلي فحسب، بل تفكك الحقل الإقليمي المحيط بها، وتواطؤ صريح في تفريغ الجغرافيا من عناصر الممانعة والمبادرة.
حين نقول إن الردع يتصدّع، فإننا لا نتحدث عن انهيار مباشر، بل عن تحوّل في شكل الردع ووظيفته. لم يعد الردع يُنتج هيمنة مطلقة، بل صار يُدار بالخوف المتبادل، والردع المتقابل، والاستنزاف الطويل. الحرب لم تعد فعلًا لحظيًا، بل صيرورة متواصلة من الرسائل والمعادلات والهزات المعنوية. الردع لم يمت، لكنه لم يعد يُخيف وحده، ولم يعد يمنح إسرائيل تفوقًا بلا حساب.
على الصعيد الداخلي، بدأت مؤشرات التصدّع في الظهور. تقارير موثوقة من أسوشيتد برس وفاينانشال تايمز بتاريخ 14 يونيو 2025 أشارت إلى أجواء توتر وقلق غير مسبوقين داخل تل أبيب وعسقلان، حيث اضطر السكان إلى قضاء ساعات طويلة في الملاجئ، ونُقلت حالات حرجة من المستشفيات إلى مرافق تحت الأرض، ما أعاد فتح النقاش حول مدى فاعلية منظومة القبة الحديدية في مواجهة تهديدات صاروخية بالستية ذات طابع استراتيجي. وفي تقرير نشرته The Economic Times، طُرحت أسئلة صريحة في أوساط الإعلام والرأي العام الإسرائيلي حول قدرة الدفاعات الجوية على الاستمرار، فيما شهدت مناطق متفرقة احتجاجات محدودة تعكس اضطرابًا في ثقة الجمهور بالحماية الرسمية، وارتباكًا في المؤسسة السياسية والعسكرية بشأن الجاهزية لحرب متعددة الجبهات.
لكنّ ما يثير الانتباه في هذا الاشتباك ليس فقط مدى تورط الغرب أو هشاشة التفوق الإسرائيلي، بل قدرة إيران نفسها، كقوة محاصرة ومنهكة اقتصاديًا، على إعادة صياغة مشهد الردع في المنطقة. منذ أكثر من عقدين، تخضع الجمهورية الإسلامية لحصار اقتصادي متعدد المستويات، ومنعٍ تكنولوجي صارم، ومحاولات خنق سياسي وأمني. ومع ذلك، فهي لم تنهَر، بل طورت ترسانة متقدمة من الصواريخ والمسيّرات، وبنت شبكات نفوذ إقليمية تخترق حدود الجغرافيا الرسمية، وأظهرت استعدادًا لتفعيل هذه الأوراق عندما تجاوزت الضربة الإسرائيلية الخط الأحمر.
إن قدرة قوة محاصرة على إنتاج كلفة ردعية بهذا الحجم تُعيد تعريف معنى السيادة في عصر الاختناق. لا تملك إيران كامل حرية المبادرة، ولا تمتلك تفوقًا جوّيًا أو اقتصادًا صاعدًا، لكنها تملك القدرة على إيلام الخصم، وكسر احتكاره للردع، وهذا وحده كفيل بخلخلة المعادلة القائمة.
ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تستطيع إيران الاستمرار في هذه المعادلة الردعية دون أن تُستنزف داخليًا؟ وهل تملك هوامش المناورة الكافية لتحويل ردّها إلى استثمار استراتيجي طويل الأمد، أم تُجر إلى حرب استنزاف واسعة لا تتحكم بإيقاعها؟ وهل يقود هذا الصدع في الردع إلى إعادة توازن، أم إلى انهيار شامل في قواعد الاشتباك تُفتح فيه أبواب الفوضى على مصراعيها؟
إن الحرب لم تُحسم بعد. لكن اللحظة، بكل هشاشتها وغموضها، تُعيد ترتيب موازين كانت تبدو راسخة، وتضع مشروع الهيمنة الغربية على رمال متحركة. في مشهد كهذا، قد لا يكون السؤال: من يربح؟ بل: من يصمد أطول أمام التاريخ وهو يتغيّر؟
الهوامش:
1. Wall Street Journal, June 14, 2025; Reuters, June 13, 2025; Associated Press, June 13, 2025.
2. Associated Press, 'Israelis are uneasy as they prepare for more Iranian missiles,' June 14, 2025; Financial Times, 'Iran strikes leave Israelis shaken but resolute,' June 14, 2025; The Economic Times, 'Cracks in the Dome,' June 14, 2025.
– يونيو 2025
The post الردع يتصدّع…!خالد عطية first appeared on ساحة التحرير.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

حاملة الطائرات الأميركية 'نيميتز' تتجه نحو الشرق الأوسط
حاملة الطائرات الأميركية 'نيميتز' تتجه نحو الشرق الأوسط

وكالة الصحافة المستقلة

timeمنذ 12 ساعات

  • وكالة الصحافة المستقلة

حاملة الطائرات الأميركية 'نيميتز' تتجه نحو الشرق الأوسط

المستقلة/-في خطوة تعكس تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، غادرت حاملة الطائرات الأميركية 'نيميتز' صباح الاثنين بحر جنوب الصين متجهة غرباً نحو المنطقة، وفقاً لبيانات موقع 'مارين ترافيك' لتتبع حركة السفن، وذلك بعد إلغاء رسوّ كان مقرراً لها في مدينة دانانغ الفيتنامية. وكان من المتوقع أن تصل 'نيميتز' إلى الميناء الفيتنامي في 20 يونيو/حزيران، إلا أن مصدرين، أحدهما دبلوماسي، أكدا لوكالة 'رويترز' أن الزيارة أُلغيت لأسباب 'عملياتية طارئة'، بحسب ما أبلغت السفارة الأميركية في هانوي أحد المصدرين. وحتى الآن، لم يصدر تعليق رسمي من السفارة الأميركية حول الإلغاء المفاجئ. وتنتمي 'نيميتز' إلى مجموعة 'نيميتز كاريير سترايك' التي نفذت مؤخراً عمليات أمنية في بحر جنوب الصين ضمن ما وصفته البحرية الأميركية بـ'الوجود الروتيني' في المحيطين الهندي والهادئ. إلا أن تحركها الأخير باتجاه الشرق الأوسط في ظل التصعيد المتزايد بين إسرائيل وإيران، يفتح الباب واسعاً أمام تأويلات ترتبط بموقف واشنطن من هذا النزاع الإقليمي. حشد بحري مزدوج ورسائل ردع إرسال 'نيميتز' إلى الشرق الأوسط يوازيه وجودُ حاملة الطائرات 'كارل فينسن' في المنطقة، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة لا تكتفي بالمراقبة، بل تُظهر نوايا ردعية واضحة تجاه طهران. التحرك، بحسب مراقبين، يحمل رسالة مفادها أن واشنطن 'تحشد القوة المدمّرة' تحسباً لانزلاق عسكري واسع. وبحسب بيانات التتبع، تحتاج 'نيميتز' من 10 إلى 14 يوماً للوصول إلى بحر العرب، إلا أنها قادرة على الدخول الفوري في العمليات القتالية بمجرد اقترابها، إذ تضم بين 70 إلى 90 طائرة، وترافقها مجموعة قتالية تصل إلى 15 قطعة بحرية تشمل مدمرات وفرقاطات وغواصات. موقف ترامب: بين الحذر والضغوط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفي تصريح لشبكة 'ABC'، ألمح إلى احتمال تدخل الولايات المتحدة لدعم إسرائيل في استهداف البرنامج النووي الإيراني، لكنه شدد على أن بلاده 'غير منخرطة في المواجهة حالياً'. غير أن تطور الميدان قد يدفع ترامب نحو التصعيد، خاصة في ظل الضغوط المتزايدة من دوائر الكونغرس والدوائر المقربة منه، في حال تعثرت إسرائيل في حسم المواجهة. قواعد أمريكا في مرمى الرد الإيراني رغم أن واشنطن تتجنب استخدام قواعدها العسكرية المنتشرة في الخليج والعراق والأردن بشكل مباشر في العمليات الهجومية، إلا أن هذه القواعد تبقى أهدافاً محتملة لأي رد إيراني، سواء شاركت في العمليات أم لم تشارك، ما يزيد من تعقيد قرار التصعيد الأميركي. وتشير تقارير إلى أن الولايات المتحدة تحتفظ بـ63 قاعدة برية وجوية في المنطقة، إضافة إلى حضور لافت في قاعدة إستراتيجية بالمحيط الهندي، حيث تُخزَّن قاذفات 'بي-2' القادرة على حمل قنابل 'جي بي يو-57' المعروفة بـ'أم القنابل'، ما يعزز من قدرات واشنطن للرد السريع إن دعت الحاجة. المصدر: يورونيوز

الردع يتصدّع…!خالد عطية
الردع يتصدّع…!خالد عطية

ساحة التحرير

timeمنذ 20 ساعات

  • ساحة التحرير

الردع يتصدّع…!خالد عطية

الردع يتصدّع…! خالد عطية ما نشهده في هذه اللحظة المفصلية لا يمكن اختزاله في عنوان 'تصعيد إيراني–إسرائيلي'، بل نحن أمام انفجار تراكمي لصراع ظلت تُدار حدوده لسنوات بمنطق الردع المتبادل، والتواطؤ المنضبط، والاحتواء الغربي المحسوب. غير أن الرد الإيراني الأخير، في ضوء الضربة الإسرائيلية الواسعة لمراكز القيادة النووية والعسكرية، يكشف تحولًا عميقًا في هندسة الاشتباك: لم تعد إيران تقبل أن تكون طرفًا يُضرب ويصمت، ولم تعد إسرائيل قادرة على توجيه الضربات دون تكلفة، والأهم: لم يعد الغرب قادرًا على إدارة الحرب من خلف الستار. تجاوزت إسرائيل منذ سنوات موقع 'الوكيل المحلي' ضمن المشروع الكولونيالي الغربي. لقد تحولت إلى فاعل بنيوي في صياغة منظومة السيطرة الإقليمية، تُعيد إنتاج المصالح الغربية بأدواتها، وتفرض على العالم معايير أمنها ومخاوفها. وفي السياق الراهن، لم تكن الضربة على إيران مجرد استباق عسكري، بل بيان سيادي بلغة القوة: لا مكان في المنطقة لقوة إقليمية مستقلة ذات بنية نووية أو قدرة ردع استراتيجي. إلا أن هذه السيادة الهجومية لم تُقابل بخضوع، بل بردّ إيراني منسّق، حددت فيه طهران حدودًا جديدة للمواجهة دون أن تنزلق إلى حرب شاملة، لكنها كسرت الطوق الرمزي الذي منح إسرائيل احتكار الفعل العسكري دون تكلفة مباشرة. الرد الإيراني أتى تحت سمع وبصر شبكة الدفاع الغربية. وليس الأمر هنا محلّ اجتهاد أو تسريبات غير موثقة، فقد أكدت تقارير متعددة في 13 و14 يونيو 2025، أبرزها ما نشرته وول ستريت جورنال ووكالة رويترز ووكالة أسوشيتد برس، أن القوات الأميركية والبريطانية شاركت بشكل مباشر في صدّ صواريخ وطائرات إيرانية استهدفت إسرائيل، من خلال منظومات الدفاع الصاروخي THAAD وPatriot، إلى جانب دعم بحري شرق المتوسط. وهذا ما يضع أمامنا تحولاً بنيويًا في طبيعة العلاقة بين إسرائيل والغرب: لم تعد إسرائيل تملك قرار الحسم وحدها، ولم يعد الدعم الغربي مجرّد غطاء سياسي أو لوجستي، بل بات دفاعًا ميدانيًا مكشوفًا. في خلفية هذا الاشتباك، جاءت حادثة اعتراض القوات المسلحة الإيرانية لبارجة حربية بريطانية حاولت دخول الخليج الفارسي. ورغم أن الحدث لم يُضخّم إعلاميًا، إلا أن رمزيته واضحة: لم تعد المياه الدولية فضاءً محايدًا، بل تحوّلت إلى جبهة جديدة تُعيد إيران من خلالها ترسيم قواعد الاشتباك البحري، على نحو يوازي ما تحاول إسرائيل فرضه في المتوسط. في هذا السياق، يصبح الغياب العربي أكثر من مجرّد صمت. إنه تموضع وظيفي ضمن بنية الردع الغربية، حيث تحوّلت أنظمة عربية محورية إلى أدوات مكمّلة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، عبر التنسيق الأمني، والتطبيع العلني، وتهميش الجبهات التاريخية للصراع. وعليه، فإن ما يُضعف إيران ليس الردع الإسرائيلي فحسب، بل تفكك الحقل الإقليمي المحيط بها، وتواطؤ صريح في تفريغ الجغرافيا من عناصر الممانعة والمبادرة. حين نقول إن الردع يتصدّع، فإننا لا نتحدث عن انهيار مباشر، بل عن تحوّل في شكل الردع ووظيفته. لم يعد الردع يُنتج هيمنة مطلقة، بل صار يُدار بالخوف المتبادل، والردع المتقابل، والاستنزاف الطويل. الحرب لم تعد فعلًا لحظيًا، بل صيرورة متواصلة من الرسائل والمعادلات والهزات المعنوية. الردع لم يمت، لكنه لم يعد يُخيف وحده، ولم يعد يمنح إسرائيل تفوقًا بلا حساب. على الصعيد الداخلي، بدأت مؤشرات التصدّع في الظهور. تقارير موثوقة من أسوشيتد برس وفاينانشال تايمز بتاريخ 14 يونيو 2025 أشارت إلى أجواء توتر وقلق غير مسبوقين داخل تل أبيب وعسقلان، حيث اضطر السكان إلى قضاء ساعات طويلة في الملاجئ، ونُقلت حالات حرجة من المستشفيات إلى مرافق تحت الأرض، ما أعاد فتح النقاش حول مدى فاعلية منظومة القبة الحديدية في مواجهة تهديدات صاروخية بالستية ذات طابع استراتيجي. وفي تقرير نشرته The Economic Times، طُرحت أسئلة صريحة في أوساط الإعلام والرأي العام الإسرائيلي حول قدرة الدفاعات الجوية على الاستمرار، فيما شهدت مناطق متفرقة احتجاجات محدودة تعكس اضطرابًا في ثقة الجمهور بالحماية الرسمية، وارتباكًا في المؤسسة السياسية والعسكرية بشأن الجاهزية لحرب متعددة الجبهات. لكنّ ما يثير الانتباه في هذا الاشتباك ليس فقط مدى تورط الغرب أو هشاشة التفوق الإسرائيلي، بل قدرة إيران نفسها، كقوة محاصرة ومنهكة اقتصاديًا، على إعادة صياغة مشهد الردع في المنطقة. منذ أكثر من عقدين، تخضع الجمهورية الإسلامية لحصار اقتصادي متعدد المستويات، ومنعٍ تكنولوجي صارم، ومحاولات خنق سياسي وأمني. ومع ذلك، فهي لم تنهَر، بل طورت ترسانة متقدمة من الصواريخ والمسيّرات، وبنت شبكات نفوذ إقليمية تخترق حدود الجغرافيا الرسمية، وأظهرت استعدادًا لتفعيل هذه الأوراق عندما تجاوزت الضربة الإسرائيلية الخط الأحمر. إن قدرة قوة محاصرة على إنتاج كلفة ردعية بهذا الحجم تُعيد تعريف معنى السيادة في عصر الاختناق. لا تملك إيران كامل حرية المبادرة، ولا تمتلك تفوقًا جوّيًا أو اقتصادًا صاعدًا، لكنها تملك القدرة على إيلام الخصم، وكسر احتكاره للردع، وهذا وحده كفيل بخلخلة المعادلة القائمة. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تستطيع إيران الاستمرار في هذه المعادلة الردعية دون أن تُستنزف داخليًا؟ وهل تملك هوامش المناورة الكافية لتحويل ردّها إلى استثمار استراتيجي طويل الأمد، أم تُجر إلى حرب استنزاف واسعة لا تتحكم بإيقاعها؟ وهل يقود هذا الصدع في الردع إلى إعادة توازن، أم إلى انهيار شامل في قواعد الاشتباك تُفتح فيه أبواب الفوضى على مصراعيها؟ إن الحرب لم تُحسم بعد. لكن اللحظة، بكل هشاشتها وغموضها، تُعيد ترتيب موازين كانت تبدو راسخة، وتضع مشروع الهيمنة الغربية على رمال متحركة. في مشهد كهذا، قد لا يكون السؤال: من يربح؟ بل: من يصمد أطول أمام التاريخ وهو يتغيّر؟ الهوامش: 1. Wall Street Journal, June 14, 2025; Reuters, June 13, 2025; Associated Press, June 13, 2025. 2. Associated Press, 'Israelis are uneasy as they prepare for more Iranian missiles,' June 14, 2025; Financial Times, 'Iran strikes leave Israelis shaken but resolute,' June 14, 2025; The Economic Times, 'Cracks in the Dome,' June 14, 2025. – يونيو 2025 The post الردع يتصدّع…!خالد عطية first appeared on ساحة التحرير.

"نيميتز" تتحرك إلى الشرق الأوسط على وقع التصعيد الإسرائيلي
"نيميتز" تتحرك إلى الشرق الأوسط على وقع التصعيد الإسرائيلي

شفق نيوز

timeمنذ 21 ساعات

  • شفق نيوز

"نيميتز" تتحرك إلى الشرق الأوسط على وقع التصعيد الإسرائيلي

شفق نيوز/ أظهرت بيانات موقع "مارين ترافيك" لتتبع السفن أن حاملة الطائرات الأميركية "نيميتز" غادرت بحر الصين الجنوبي، صباح الاثنين، متجهة غرباً نحو الشرق الأوسط، بعد إلغاء رسوها الذي كان مقرراً في ميناء بوسط فيتنام. ويأتي ذلك، في ظل استمرار التصعيد بين إسرائيل وإيران، مع تواصل تبادل الضربات بين الجانبين منذ أيام، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف الطرفين. وكانت حاملة الطائرات تخطط لزيارة مدينة "دانانج" في وقت لاحق من هذا الأسبوع، لكن مصدرين أحدهما دبلوماسي قالا لوكالة رويترز، إن الرسو الرسمي الذي كان مقرراً في 20 حزيران ألغي. وأوضح المصدر الآخر، أن السفارة الأميركية في فيتنام أبلغته بالإلغاء بسبب "متطلبات عملياتية طارئة". ووفقاً للموقع الإلكتروني لقائد الأسطول الأميركي في المحيط الهادي، أجرت مجموعة (نيميتز كاريير سترايك جروب) التي تتبعها حاملة الطائرات عمليات أمنية بحرية في بحر الصين الجنوبي الأسبوع الماضي "في إطار الوجود الروتيني للبحرية الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store