
قتلى وإصابات بقصف الدعم السريع سجن الأبيض ومدينة كوستي
قتل وأصيب العشرات في هجوم بالمسيرات شنته صباح اليوم قوات الدعم السريع على سجن مدينة الأبيض، كما تعرضت مدينة كوستي كبرى مدن ولاية النيل الأبيض لهجمات أخرى بالمسيرات وأكد الجيش السوداني أنه تصدى لها.
وقالت مصادر رسمية إن قوات الدعم السريع قصفت صباح اليوم بالمسيرات سجن مدينة الأبيض الذي يقع شرق مقر قيادة الجيش بالمدينة، ووفقا لمصدر طبي فإن الغارة أدت لمقتل نحو 10 مدنيين واثنين من العسكريين وجرح العشرات.
وتوقع المصدر الطبي ارتفاع عدد الضحايا، حيث تم نقلهم إلى مستشفيات متفرقة لإسعافهم مما يصعب الحصول على إحصاءات محددة.
كما قال شهود عيان بمدينة كوستي، كبرى مدن ولاية النيل الأبيض للجزيرة، إن المضادات الأرضية للجيش السوداني تصدت فجر اليوم لأهداف معادية يعتقد أنها مسيّرات كانت تستهدف مواقع حيوية بالمدينة.
وكان مصدر رسمي قد قال للجزيرة أمس إن مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع استهدفت موقعين بمقر الفرقة العسكرية بمدينة كوستي دون أن توقع خسائر بشرية. وكانت قوات الدعم السريع قد استهدفت قبل يومين مستودعات وقود في المدينة.
وفجر اليوم السبت هاجمت طائرات مسيرة مدينة بورتسودان شرقي السودان لليوم السابع على التوالي في حين قام الجيش السوداني بتفعيل دفاعاته للتصدي لها.
واستهدفت الهجمات مواقع إستراتيجية في المدينة التي تعد مركزا للمساعدات الإنسانية، وتضم وكالات الأمم المتحدة وآلاف النازحين.
ويقول الجيش السوداني إن المدينة -التي تعد مقرا مؤقتا للحكومة- تتعرض منذ أيام لضربات بالطائرات المسيرة من قِبل قوات الدعم السريع.
مصرع 10 من عائلة واحدة
على الصعيد ذاته، قال الناطق الرسمي باسم "القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح" أحمد حسين مصطفى للجزيرة إن قوات الدعم السريع واصلت قصفها بالمدفعية الثقيلة من الاتجاه الشرقي إلى غربي وشمالي مدينة الفاشر، مستهدفة الأحياء السكنية ومخيم أبو شوك للنازحين، مما أدى مساء أمس إلى مقتل 10 مدنيين من عائلة واحدة.
كما أكدت غرفة طوارئ مخيم أبو شوك الأمر وقالت إن 14 شخصا قتلوا، بينهم 10 من عائلة واحدة، وأُصيب آخرون في قصف مدفعي نفذته قوات الدعم السريع على المخيم مساء أمس الجمعة، في حين يستمر النزوح الجماعي من المنطقة في ظروف إنسانية بالغة الصعوبة.
ويقع مخيم أبو شوك في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تشهد هجمات مكثفة للدعم السريع في الآونة الأخيرة أدت لمقتل العشرات ونزوح مئات الآلاف من مخيمات اللاجئين بالمدينة.
وأدت هجمات الدعم السريع على مخيم زمزم للاجئين بالفاشر إلى فرار سكانه إلى المدن المجاورة حتى أصبح "شبه خال" بحسب الأمم المتحدة، بعد أن كان يقطنه نحو مليون شخص.
والفاشر آخر مدينة كبيرة في إقليم دارفور لا تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع التي تسعى إلى تعويض خسارتها للعاصمة الخرطوم أواخر مارس/آذار الماضي.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر إن الاحتياجات في دارفور هائلة، داعيا إلى توفير وصول آمن ومستدام لإغاثة السكان.
ويشهد السودان منذ أبريل/نيسان 2023 حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع، خلفت عشرات آلاف القتلى وشردت 13 مليون شخص على الأقل، في حين تعاني بعض المناطق من المجاعة وسط "أسوأ أزمة إنسانية" في العالم حسب الأمم المتحدة.
وأعلنت الأمم المتحدة قبل أيام أن نحو 20 ألف شخص فروا من السودان إلى تشاد خلال الأسبوعين الماضيين، هربا من أعمال العنف في دارفور، معربة عن انزعاجها من هذا النزوح الجماعي الذي يستمر "بوتيرة مثيرة للقلق".
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
هل ينجح كامل إدريس في فتح الأفق السياسي بالسودان؟
الخرطوم- بعد أكثر من عامين من اندلاع الحرب في السودان ، لا يزال الانقسام والاستقطاب السياسي يُخيِّم على المشهد الداخلي، ويتوقع مراقبون أن يسعى رئيس الوزراء كامل الطيب إدريس المعين حديثًا، إلى توافق بين الفرقاء يسهم في حل الأزمة بالبلاد كما فعل سابقا، رغم صعوبة ذلك. ولم يكن الموظف الأممي كامل إدريس معروفا في الأوساط السياسية في بلاده، إلا بعد قيادته مبادرة للتوسط في الأزمة السودانية منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث جمع في جنيف بين الشيخ حسن الترابي عرّاب نظام حكم الرئيس السابق عمر البشير والراحل الصادق المهدي زعيم حزب الأمة ، وأبرز معارضي الحكومة آنذاك ولم يحقق اللقاء اختراقًا سياسيًا. ثم قاد إدريس مساعي لتحقيق مصالحة بين الفرقاء السودانيين عبر خطوات لبناء الثقة وإصلاح المناخ السياسي قبل أن يترشح لرئاسة السودان عام 2010. ورحّبت الأمم المتحدة و الاتحاد الأفريقي و الجامعة العربية بتعيين إدريس رئيسًا للوزراء، وعدت ذلك خطوة لاستعادة النظام الدستوري والحكم الديمقراطي في السودان، كما رحّبت به القوى السياسية المساندة للجيش. وبذَل الاتحاد الأفريقي جهودًا لتقريب مواقف الفرقاء السودانيين للتوافق على ترتيبات لعقد مؤتمر حوار سوداني- سوداني، لكن 3 جولات من مشاورات شملت الكتل والقوى السياسية لم تحقق تقدمًا. كما استضافت القاهرة مؤتمرًا للقوى السودانية في يوليو/تموز الماضي، ضم أطراف المشهد السياسي تحت سقف واحد لأول مرة، وصدر بيان في نهاية المؤتمر تحفّظت عليه بعض القوى. وساعدت ديناميات الحرب في تفكيك التحالفات وبناء أخرى جديدة، حيث تكتلت القوى المساندة للجيش في تحالف ضم قوى سياسية ومجتمعية عقد في بورتسودان في فبراير/شباط الماضي، وتبنّى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وثيقة مشروع وطني أقرّها المؤتمر. وأدى تبني فصائل الجبهة الثورية وشخصيات، في تحالف تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، تشكيل حكومة موازية في مناطق سيطرة الدعم السريع إلى حل التحالف وميلاد تكتل جديد في 10 فبراير/شباط الماضي تحت اسم التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود) واختار عبد الله حمدوك رئيسا له. وفي المقابل، اختارت قوات الدعم السريع وفصائل عسكرية وتنظيمات سياسية تحالفا جديدا نشأ في العاصمة الكينية نيروبي في فبراير/شباط الماضي، وأطلقت عليه اسم "تحالف السودان التأسيسي" وأقرت تشكيل حكومة موازية. وعقد تحالف "صمود" اجتماعا للأمانة العامة والآلية السياسية في العاصمة الأوغندية كمبالا برئاسة حمدوك اختتِم أمس السبت، وأقرّ الاجتماع رؤية تمنح الأولوية لإيقاف الحرب. وقال في بيان له إن "السعي لتحقيق الشرعية من قبل سلطة بورتسودان والتنافس عليها بتشكيل حكومات بواسطة الدعم السريع وحلفائه، أمر لا يخاطب الأولويات ولا يستجيب إلى احتياجات السودانيين". كما قرر الاجتماع التواصل مع كافة الأطراف لإطلاق عملية سياسية عبر مائدة مستديرة تقود إلى توحيد المواقف لإيقاف الحرب واعتماد خيار الحوار، والتوافق على مشروع وطني يطوي صفحة الحروب ويحافظ على وحدة السودان ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية. ويرى عضو الأمانة العامة لتحالف "صمود" ياسر عرمان، في منشور له، أن تعيين كامل إدريس على أساس الوثيقة الدستورية الجديدة يجعل منه موظفًا عند العسكر ولا سلطة له، "وهو ليس برئيس وزراء مدني بل هو رئيس وزراء حرب" على حد تعبيره. الفرص محدودة وعن فرص تحقيق توافق بين القوى السياسية، يعتقد الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم الصديق، أن تحقيق توافق كلي بين الفرقاء السياسيين صعب، لأن روح التنافس السياسي سائدة وراجحة، والأهم وضع القضايا الوطنية الكبرى في صدارة الاهتمامات ومشاركة الجميع وفق طاقاتهم ومنظورهم. ويقول الصديق للجزيرة نت إن التحدي هو مقدرة رئيس الوزراء إدريس على تقديم خطة جامعة تتوافق عليها القوى السياسية والمجتمعية. ويقترح أن يطرح إدريس برنامج وخطة عمل ودعوة الجميع للمشاركة فيها، تشمل وحدة واستقرار البلاد وإعادة الإعمار وعودة النازحين واللاجئين وإعلاء مؤسسات العدالة والقانون قبل الذهاب إلى انتخابات تحتكم فيها القوى السياسية للشعب. أما الباحث والمحلل السياسي خالد سعد، فيرى أن فرصة إدريس لتحقيق توافق وطني محدودة ما لم يتمكن من تجاوز التصورات حول كونه طرفا سياسيا وليس غطاء لمشروع عسكري تديره القيادة العسكرية بشكل مستقل أو بتحالف سياسي. ويقول سعد للجزيرة نت إن تاريخ إدريس كوسيط بين الفرقاء لا يمكن الاعتماد عليه نتيجة لحدوث متغيرات عميقة في المشهد، أبرزها أن التسوية صارت مرتبطة بوقف الحرب، كما تزداد الاستقطابات وتتعمق الانقسامات، حيث تصنع الحرب دينامية جديدة تجعل الأطراف أكثر تمسكًا بمواقفهم وأقل استعدادا لتقديم تنازلات. ويذهب إلى أن الطرف المتقهقر عسكريًا في الحرب يتمترس في مواقفه خشية فقدان توازن القوى في المساومات السياسية، ويبحث عن بدائل سياسية، كما ظهر في نشأة تحالف "تأسيس" الذي يعكس تشكل قوى سياسية مرتبطة بالحرب، مما يعقّد المشهد السياسي ويضيف أبعادا جديدة لأي تسوية مستقبلية.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
هل يفتح الاتحاد الأفريقي صفحة جديدة مع السودان؟
على هامش قمة الجامعة العربية في بغداد أثارت تصريحات لافتة أدلى بها رئيس المفوضية الأفريقية محمود علي يوسف أبدى فيها تفاؤله بانتصارات الجيش السوداني حالة من الجدل بشأن تغيرات محتملة في موقف المؤسسة القارية من طرفي الصراع ببلاد النيلين. وتأتي هذه التصريحات في لحظة مفصلية من الحرب السودانية أعقبت تغييرات كبيرة على المستوى الميداني بتقدم القوات المسلحة السودانية في العديد من المحاور الإستراتيجية، في ظل فشل المبادرات المختلفة للدفع نحو تسوية سلمية. علاقة متوترة طبع التوتر علاقة الاتحاد الأفريقي والسودان منذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، والذي تلاه تعليق الاتحاد عضوية السودان ، معتبرا ما حدث "تغييرا غير دستوري للسلطة". وقد جاء هذا القرار ضمن سياسة الاتحاد الأفريقي الصارمة تجاه الانقلابات العسكرية في القارة، حيث شدد على ضرورة العودة إلى المسار الانتقالي المدني كشرط أساسي لأي انخراط رسمي مع السلطات السودانية. ومع اندلاع الحرب في السودان في أبريل/نيسان 2022 تزايدت المبادرات الأفريقية لكبح جماحها، وبرز منها إعلان الاتحاد "خارطة طريق" لحل الأزمة السودانية في مايو/أيار 2023 تضمنت 6 محاور رئيسية، منها الوقف الشامل لإطلاق النار، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وبدء حوار سياسي شامل، واستعادة النظام الدستوري. كما شُكلت في يناير/كانون الثاني 2024 لجنة رفيعة المستوى معنية بالسودان ضمت 3 شخصيات أفريقية بارزة برئاسة الممثل السامي للاتحاد الأفريقي لإسكات السلاح الدكتور محمد بن شمباس. لكن أحد أبرز ملامح العلاقة بين الاتحاد الأفريقي والسودان شكّلها الخلاف الحاد بين الأخير ورئيس المفوضية الأفريقية السابق موسى فكي محمد الذي وصفت ورقة صادرة عن مجموعة الأزمات الدولية إدارته لاستجابة المفوضية للحرب في السودان بـ"الفوضوية". وفي هذا السياق، اتهم الجيش السوداني فكي والمفوضية بالانحياز لصالح أطراف معينة، خصوصا بعد لقاءات مثيرة للجدل بين مسؤولي الاتحاد ومستشارين لقوات الدعم السريع، مما فاقم التوتر وأدى إلى "حرب بيانات" بين الخارجية السودانية والاتحاد الأفريقي. ويرى محللون أن هذه الاتهامات أضعفت مصداقية الاتحاد الأفريقي لدى الحكومة السودانية، وأدت إلى تراجع التعاون مع مبادراته، كما انعكست على فعالية اللجنة الرفيعة المستوى التي أخفقت في تحقيق تقدم ملموس بملف إيقاف الحرب. سياق متغير التوتر وعدم الثقة اللذان وسما علاقة المفوضية الأفريقية والسودان بين خريف 2021 ومطلع العام الحالي كانا سببا رئيسيا وراء المفاجأة التي رافقت تصريحات لافتة أدلى بها رئيس المفوضية الأفريقية محمود علي يوسف في 19 مايو/أيار الجاري عقب لقاء جمعه بعضو مجلس السيادة الانتقالي ورئيس وفد السودان إلى قمة الجامعة العربية في بغداد إبراهيم جابر. وفي إفادته أكد يوسف أن السودان يعد القلب النابض للقارة الأفريقية، مضيفا "نحن نستبشر خيرا ونتفاءل كثيرا بأن القوات المسلحة السودانية بدأت تسيطر على مناطق كثيرة"، معربا عن أمله في أن يتمكن السودان من استعادة مكانته الطبيعية ضمن محيطه الإقليمي والدولي. ورغم ما أثارته هذه الكلمات من جدل فإنها تأتي متطابقة مع ما أدلى به يوسف في مؤتمر صحفي بعد زيارته بورتسودان في أكتوبر/تشرين الأول 2024، حيث صرح بأن الحرب الحالية "فُرضت على السودان من قبل التمرد"، وأن بوادر "انتصار القوات المسلحة السودانية الآن واضحة". ولا يمكن فصل التصريحات الأخيرة لرأس المفوضية الأفريقية عن سياق شهد تحولا نوعيا في العلاقة بين المؤسسة القارية والحكومة السودانية خلال الأشهر الأخيرة. وهو ما يعزى إلى مجموعة من العوامل يأتي في مقدمتها التغير الذي تم في أعلى هرم قيادة المفوضية الأفريقية في فبراير/شباط من هذا العام بتولي وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف رئاسة المفوضية ونائبته الجزائرية سلمى مليكة الحدادي. وتمثل تصريحات يوسف في بورتسودان -التي زارها باعتباره وزيرا لخارجية بلاده- نقلة في موقف الأخيرة. وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز تبون صرح خلال استقباله رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان في يناير/كانون الثاني 2025 بوقوف بلاده إلى جانب السودان لتجاوز الظروف الصعبة "ومواجهة قوى الشر"، في ما اعتبره العديد من المراقبين إشارة إلى قوات الدعم السريع وداعميها الخارجيين. وكانت أصداء هذا التغيير إيجابية في السودان، حيث صرح وزير الخارجية السوداني السابق علي يوسف الشريف بسعادة بلاده بفوز يوسف برئاسة المفوضية، ووصف هذا التغيير بأنه "مفيد للسودان". بدوره، أبدى مالك عقار نائب رئيس مجلس السيادة في زيارته لجيبوتي في مارس/آذار الماضي ثقة السودان في قدرة القيادة الجديدة لمفوضية الاتحاد الأفريقي على تصحيح مسار المفوضية والقيام بدورها في إيجاد الحلول للقضايا الأفريقية. هذا الانفتاح السوداني على القيادة الجديدة للمفوضية الأفريقية يعزوه مراسل الشؤون الدبلوماسية والإقليمية لصحيفة ستاندارد الكينية موانغي ماينا إلى سعي القيادة السودانية بعد سنوات من الغياب إلى إصلاح العلاقات واستعادة مكانتها في الإيغاد والاتحاد الأفريقي. مقاربة جديدة ويشير العديد من المراقبين إلى أن انتخابات المفوضية في فبراير/شباط الماضي لم تسفر عن قيادة جديدة فحسب، بل كذلك عن مقاربة مختلفة في التعاطي مع الأزمات الأفريقية، ومن ضمنها الحرب المستعرة في السودان. وتعد هذه المقاربة امتدادا لنقاش واسع بشأن كيفية وجدوى تعاطي الاتحاد الأفريقي مع دول الانقلابات من خلال الأدوات التقليدية كتعليق العضوية وفرض العقوبات، حيث تشير -على سبيل المثال- ورقة صادرة عن مجموعة الأزمات الدولية المرموقة إلى نجاعة هذا النهج في أوائل هذا القرن في عدد من الحالات، وهو ما تضاءلت احتمالاته بشكل كبير حاليا. وفي السياق السوداني، تأتي هذه المقاربة كجزء من تحرك إقليمي شامل من تجلياته موقف مجلس السلم والأمن الأفريقي المطالب بإعادة فتح مكتب الاتصال التابع للاتحاد الأفريقي في بورتسودان في أكتوبر/تشرين الأول 2024 على الرغم من استمرار تجميد عضوية السودان ورفض الاتحاد الأفريقي الاعتراف بسلطة الانقلاب. هذا البحث عن أدوات أكثر واقعية وفاعلية ترافق مع إعلان رئيس المفوضية عن رفض الاتحاد الأفريقي للتدخلات الخارجية في الشأن السوداني، وضرورة البناء على الحلول الأفريقية لأزمات القارة، مما يشير -وفق العديد من المحللين- إلى رغبة في دور أكبر للتكتل القاري بالملف السوداني. ويتناغم هذا مع تصريحات يوسف لصحيفة "ميل آند غارديان" والتي انتقد فيها إبان حملته نهج المفوضية تجاه السودان، والذي وصفه بـ"عدم النجاح"، موضحا أن الأزمة السودانية ستكون من أولوياته، إلى جانب ملفات أخرى في القارة. هذه الرغبة تأتي في أعقاب عدد من المتغيرات، من أبرزها التقدم الكبير للجيش السوداني الذي عبر يوسف عن سعادته به، وكذلك ما أشارت إليه الدكتورة منى عبد الفتاح في مقال من أهمية الاستقرار في السودان وتأثير موقعه على دول شمال وشرق أفريقيا، إضافة إلى دول حوض النيل. وهكذا، فقد تجلى التخوف الأفريقي من تحول الحرب السودانية إلى سيناريوهات أكثر تعقيدا في رفض مجلس السلم والأمن الأفريقي إعلان الحكومة الموازية في السودان في مارس/آذار الماضي، وهو ما اعتبرته وزارة الخارجية في بيان لها دعما "للشعب السوداني ومؤسساته الوطنية". وضمن هذا السياق يأتي إعلان يوسف عن بدء حوار مع المجلس السيادي السوداني، لبحث الأزمة السياسية وسبل عودة السودان إلى العضوية الكاملة في الاتحاد التي وضعها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان شرطا للانخراط في مساعي الحلول الأفريقية. ورغم السجال الحاد بشأن من يملك شرعية تمثيل الخرطوم في المؤسسات القارية والدولية فإن تصريح يوسف في بغداد يحمل وزنا سياسيا كبيرا، فهو يعني ضمنيا أن الاتحاد الأفريقي يعترف بوجود سلطة شرعية، ويرفض الدعوات التي تطالب بالتعامل مع السودان كدولة فاقدة للشرعية أو مفتوحة للتدخل الخارجي. هذا التوجه يعضده تصريح لرئيس الآلية الأفريقية المعنية بالسودان محمد بن شمباس الذي أوضح في لقاء على الجزيرة مباشر أن المجلس السيادي هو "السلطة التي يعمل معها الاتحاد الأفريقي"، داعيا الشعب السوداني إلى بناء سلطة "أكثر شرعية" في البلاد عبر عملية انتقالية شاملة. وفي إشارة إلى تغيرات في تعاطي الاتحاد الأفريقي مع الأزمة السودانية، كشفت "سودان تريبون" في 21 مايو/أيار الجاري عن مصادر داخل الاتحاد عن ترتيبات جارية بين المفوضية والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) بمشاركة مسؤولين من الأمم المتحدة لإنشاء آلية جديدة للملف السوداني برئاسة "إيغاد". ردود فعل وتداعيات وأثارت تصريحات يوسف حالة من الجدل في الساحة السودانية، حيث اعتبرها البعض دعما للجيش السوداني وتعزيزا لشرعيته في مواجهة خصومه العسكريين والسياسيين. وعلى الضفة الأخرى، قوبلت التصريحات برفض صريح من قوات الدعم السريع التي اعتبرتها في بيان "انحيازا سافرا" و"خرقا لقيم الحياد والموضوعية" التي يجب أن يتحلى بها الاتحاد الأفريقي، ووصفتها بأنها محاولة لتجيير موقف الاتحاد لصالح الجيش السوداني، كما حذرت من مغبة استمرار المفوضية في هذا النهج، معتبرة أن ذلك يتناقض مع دور الاتحاد كوسيط محايد. ويشير مراقبون إلى أن هذه التصريحات قد تزيد تمسك الطرفين بمواقفهما، مما سيضيف المزيد من التعقيدات أمام الوساطة الأفريقية. ورغم أن تصريحات رئيس المفوضية الأفريقية تشير إلى مقاربة جديدة في التعاطي مع الأزمة السودانية فإن القرار النهائي بشأن رفع تجميد عضوية السودان يتخذ حصريا بواسطة مجلس السلم والأمن الأفريقي الذي يربط هذه الخطوة بتحقيق انتقال ديمقراطي مدني، وليس من صلاحيات رئيس المفوضية أو حتى المفوضية مجتمعة اتخاذ هذا القرار بشكل منفرد.


الجزيرة
منذ 10 ساعات
- الجزيرة
هل استخدم الجيش في السودان أسلحة كيميائية ضد الدعم السريع؟
أثار الإعلان الأميركي عن استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في العام 2024 موجة من الغضب الرسمي والشعبي في السودان، ليس بسبب نيّة واشنطن فرض عقوبات على السودان -فقد تعوّدنا على عقوباتهم ودعايتهم السوداء- ولكن لعدم وجود أدلة أو منطق يدعم تلك المزاعم، واستسهال إطلاق الاتهامات والأكاذيب، وبناء إستراتيجية حولها تقوم على قهر الشعوب، وسلبها الحقّ في الحياة والاستقرار. سلق الاتهامات وتسويقها الجيش السوداني ليس بحاجة لاستخدام أسلحة كيميائية في حربه ضد مليشيا الدعم السريع، التي انهارت مؤخرًا، وفقدت الحماس والقدرة على القتال، ولم يعد بمقدورها تعويض خساراتها أو استعادة المناطق التي فقدتها. أما واشنطن فهي لا تمتلك دليلًا واحدًا على استخدام الجيش السوداني تلك الأسلحة المحرمة، ولا نعرف عنها سوى رواية غير مسنودة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز منتصف يناير/ كانون الثاني 2025، عن مسؤولين أميركيين، لم تسمِّهم الصحيفة، زعموا أن الجيش السوداني استخدم الأسلحة الكيميائية في مناسبتين على الأقل، ضد قوات الدعم السريع. وفيما تم سلق تلك الاتهامات بمنطق الفتوة والخباثة، لا توجد روايات متطابقة تعزز ذلك، ما دفع المسؤولين الأميركيين للتهرب بالقول إن استخدام الأسلحة الكيميائية كان محدود النطاق، ووقع في مناطق نائية، ولم يُحقق أي فاعلية تُذكر، لتجنّب الأسئلة المحرجة، على شاكلة أين وكيف حدث ذلك، وما هي البيّنة المادية على ذلك الادّعاء الأجوف؟ فلا يعقل أن يستخدم الجيش السوداني موادّ سامة بلا فاعلية، ثم لماذا لم تظهر آثار تلك الأسلحة على أجساد قوّات التمرّد، إذ إنّه يصعب بالمَرّة التخلّص من تبعات تلك الأسلحة على الطبيعة. والمثير للدهشة أن الرواية اليتيمة مصدرها صحيفة غربية ليس لها مراسل على الأرض، ولم تسعَ للقيام بعمل استقصائي يسند ظهر اتهامات على ذلك النحو الخطير، والتي للغرابة أيضًا لم تتفوّه بها منصات مليشيا الدعم السريع، وهي تنفث كل ماهو مدسوس ومُختلق في حق الجيش السوداني! موت منبر جدة بهذا الموقف العدائي الأميركي تجاه السودان، تكون واشنطن قد تخلّت عن حياديتها المفترضة كوسيط، حين لوّحت بسيف العقوبات، ووضعت نفسها عمليًا في موضع الخصم. وقد كشف هذا الانحياز الواضح للمليشيا عن فقدانها للمصداقية، وجعلها طرفًا غير مؤهّل لدعم أي مسار تفاوضي، وغير جدير بالثقة من جانب الأطراف السودانية. فقد تعثّرت تلك المفاوضات أكثر من مرّة، وعجزت الوساطة عن حمل قوات الدعم السريع على الالتزام بإعلان جدة في مايو/ أيار 2023 والذي قضى بخروج الدعم السريع من بيوت المواطنين والمرافق الحكومية، والدخول في هدنة مؤقتة، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث، ما دفع الجيش السوداني إلى مواصلة القتال، وإخراج قوات التمرد من القرى والمدن بالقوة. وعلى ما يبدو، ثمة قرائن كثيرة تشير إلى أن مليشيا الدعم السريع مجرد بندقية مؤجرة، وأن أميركا ليست بعيدة عن توجيه نيران الحرب، واستئناف حلقات المشروع الاستعماري القديم بتدمير السودان، وخنقه بالعقوبات، حتى يخضع لها، ودعم حركات التمرّد وحفز الهويات القاتلة، واستباحة كل ما هو موروث ووطني، عبر شعارات خادعة تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن النزعة الكولونيالية هي الغالبة على سياساتهم تجاه كل بلد حباه الله بالموارد، أو كما عبّر عن ذلك ليوناردو دي كابريو في فيلم الألماس الدموي: "نحنُ لا نتبنى الحروب، ولكن نخلق الظروف التي تجعلها تستمرّ". وهنا قد تعهّدوا بذلك لوكيلهم في الشرق الأوسط، إسرائيل، ومن يقوم بخدمة مصالحهم، ومن بين ذلك دولة معروفة تناصب السودان العداء، هي التي تقف حاليًا وراء استعداء حكومة دونالد ترامب ضد السودان، وتريد أن تستنصر بها لإنقاذ فصيلها العسكري -الدعم السريع-المهزوم على الأرض. خيبة أمل هائلة بالعودة للعقوبات الأميركية- التي سوف تدخل حيز التنفيذ بعد فترة إخطار مدتها 15 يومًا للكونغرس، على أن تشمل قيودًا على الصادرات الأميركية إلى السودان، وحرمان المصارف الحكومية السودانية من الوصول إلى خطوط الائتمان الحكومية الأميركية- هي بالمناسبة ليست جديدة. فقد ظلت العقوبات الأميركية على السودان باقية بالرغم من قيام السودان بتسديد مبلغ 335 مليون دولار؛ تعويضًا لعائلات أميركية من ضحايا هجمات شنها تنظيم "القاعدة" على سفارتَي واشنطن في كينيا وتنزانيا عام 1998، مقابل رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ودمج مصارف السودان في النظام المالي العالمي، وهو ما لم يحدث عمليًا. وقد حصدت الخرطوم خيبة أمل هائلة، وظلت إلى اليوم تحت رحمة العقوبات الأميركية، وهي في الحقيقة إستراتيجية كولونيالية ثابتة تقوم على سياسة الجزرة والعصا، بينما في الحقيقة لا توجد جزرة، والبيت الأبيض -أيًا كان قاطنه- ظلّ يتعامل بنفس الأسلوب مع السودان، ما يعزز فرضية أن الحملة ضد السودان تنشط فيها مراكز نفوذ أميركية لا تتأثر بطبيعة النظام الحاكم. الخارجية السودانية في تفنيدها تلك المزاعم أبدت استغرابها كيف أن الإدارة الأميركية تجنّبت تمامًا طرح اتهاماتها عبر الآلية الدولية المختصة والمفوضة بهذا الأمر؛ المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية بلاهاي، والتي تضم كلا البلدين في عضويتها، لا سيما أن السودان يتمتع بعضوية مجلسها التنفيذي، ورفضت تلك الإجراءات الأحادية، التي تخالف اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، خاصة من طرف "لديه تاريخ في توظيف المزاعم الباطلة لتهديد سيادة الدول وأمنها وسلامة أراضيها"، على حد تعبير بيان الخارجية السودانية التي تجاهلت كذلك حقيقة خطيرة وهي وجود أسلحة أميركية عثر عليها الجيش السوداني بطرف قوات الدعم السريع، دون أن تعرضها على أروقة الأمم المتحدة، أو تتقدم بشكوى بها في مجلس الأمن والمنظمات الدولية. من قام بتزويد الجنجويد بأسلحة أميركية؟ القوات المسلحة السودانية ضبطت مؤخرًا صواريخ جافلين في مخازن الدعم السريع بمنطقة صالحة غرب أم درمان، يبلغ سعر الصاروخ ومنصة الإطلاق، اللذين تصنعهما مجموعتا "رايثيون" و"لوكهيد مارتن" الأميركيتان، 178 ألف دولار بحسب ميزانية البنتاغون لعام 2021، علاوة على تسليح جنود المليشيا ببنادق آلية أميركية الصنع من طراز (إيه آر- 15) استخدمتها في استهداف مواقع مدنية بالعاصمة الخرطوم ومدينة الفاشر المحاصرة. فمن هي الجهة التي زودت الدعم السريع بتلك الأسلحة الأميركية، دون أن تأبه بقرار مجلس الأمن بحظر الأسلحة في دارفور، ولماذا صمتت الولايات المتحدة عن انتهاكات قوات الجنجويد وجرائمها الموثقة في السودان؟ على شاكلة تغطية فضيحة كلينتون سيناريو وجود أسلحة كيميائية في السودان ليس جديدًا، وقد انطلت الكذبة على الرأي العام الأميركي إبان فترة حكم الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، في أعقاب فضيحة المتدربة مونيكا لوينسكي، ساعتها قام كلينتون بقصف مصنع الشفاء شمال الخرطوم في 20 أغسطس/ آب 1998؛ بسبب مزاعم ارتباطه بإنتاج أسلحة كيميائية، ليتضح لاحقًا أن المصنع يعمل في إنتاج الأدوية والعقاقير الطبية. لكن الولايات المتحدة لم تُقدِم على الاعتراف بخطأها أو تقديم اعتذار رسمي للسودان بشأن قصف مصنع الشفاء، رغم أن التحقيقات اللاحقة أثبتت أن المنشأة كانت مخصصة للأدوية وليس لها صلة بإنتاج الأسلحة الكيميائية. كما لم تُظهر إدارة الرئيس بيل كلينتون في حينها اهتمامًا يُذكر بالآثار الإنسانية والصحية المترتبة على هذا القصف، والذي اعتبره كثيرون محاولة لصرف الأنظار عن أزمات داخلية، في سياق سياسي دقيق وملتبس. لا شك أن اتهام الجيش السوداني باستخدام أسلحة كيميائية يمهّد لسيناريو التدخل العسكري الدولي في السودان، ومن غير المستبعد أن تغزو أميركا الأراضي السودانية بهذه الفرية المضحكة، كما فعلت مع العراق من قبل، والهدف من وراء ذلك إيقاف انتصارات الجيش السوداني، والسيطرة على الموارد الطبيعية والمعدنية وساحل البحر الأحمر، فأميركا لديها مطامع قديمة في هذه المنطقة، أو بالأحرى لدى إسرائيل أحلام توسعية في النيل والبحر الأحمر. وهو عين ما أشار إليه السفير التركي لدى السودان فاتح يلدز في تدوينة على منصة "إكس" عندما سخر من الادعاءات الأميركية باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية، وقال: "إنهم فقدوا مصداقيتهم منذ سنوات عندما شنوا حربًا بناءً على ادعاءات كاذبة بوجود أسلحة دمار شامل في العراق". وهذا بالضرورة يتطلب الحذر واليقظة، وتكوين فريق سوداني مُتمرّس من الشخصيات الدبلوماسية والعسكرية للتعامل مع هذه المزاعم الأميركية الخطيرة، وما يمكن أن تفضي إليه.