logo
كيف يتلاعب بوتين بترامب ويربح المكاسب؟

كيف يتلاعب بوتين بترامب ويربح المكاسب؟

إيطاليا تلغرافمنذ يوم واحد
إيطاليا تلغراف
ماكسيميليان هيس
زميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية ومستشار في المخاطر السياسية مقيم في لندن.
في هذه الأيام تجد القوات الروسية صعوبة في تحقيق أي نجاحات كبرى. فجنودها يخوضون حرب استنزاف شاقة في أوكرانيا، يسقط منهم المئات قتلى، وأحيانا لا يحققون تقدما يتجاوز بضع مئات من الأمتار، وأحيانا لا يتقدمون مطلقا.
لكن على الصعيد الدبلوماسي، تبدو الصورة مختلفة. إذ حصد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتصارا دبلوماسيا كبيرا بعقده قمة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
في قاعدة 'إلمندورف- ريتشاردسون' العسكرية في ألاسكا، ساد جو من الود والمجاملة. صفق ترامب وهو يستقبل بوتين على السجادة الحمراء للمصافحة، ثم اصطحبه إلى سيارته الرئاسية، فيما بدا الزعيم الروسي مبتسما ابتسامة واسعة كابتسامة القط 'تشِشاير' (شخصية خيالية من رواية أليس في بلاد العجائب).
وبعد لقاء دام قرابة ثلاث ساعات، خرج الاثنان دون الإفصاح عن الكثير. تحدثا عن توافق في ملفات عدة، ووجه بوتين دعوة لترامب لزيارة موسكو، لكن الأخير أجل الرد- مؤقتا.
لم يتسرب الكثير عن تفاصيل ما دار بينهما. غير أن بوتين أوحى في تصريحاته للإعلام بأن المحادثات جرت وفق شروطه، إذ أثار موضوع الهواجس الأمنية الروسية، وأشاد بمحاولة نظيره الأميركي فهم التاريخ المرتبط بالنزاع.
وبحسب السفير الروسي لدى الولايات المتحدة، ألكسندر دارشيف، فقد نوقشت إلى جانب الملف الأوكراني قضايا ثنائية ملموسة. وأوضح أن موضوعين رئيسيين طُرحا: 'إعادة ستة عقارات دبلوماسية روسية صودرت فعليا' خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، و'استئناف حركة الطيران المباشر' بين روسيا والولايات المتحدة.
أما ترامب، فقد بدا وكأنه تخلى عن مطلبه السابق بوقف إطلاق النار في أوكرانيا. وهو المطلب الذي لطالما دعا إليه علنا قبل القمة. إذ وافق على نقل مطلب الكرملين بالتسوية الكاملة للنزاع، لا مجرد وقف إطلاق النار، إلى أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين. وفي وقت لاحق، نشر عبر منصته 'تروث سوشيال' أن الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا يوافقانه الرأي بأن 'أفضل سبيل لإنهاء هذه الحرب المروعة بين روسيا وأوكرانيا هو التوجه مباشرة إلى اتفاق سلام'.
ومع أن ترامب بدا متبنيا الموقف الروسي من وقف إطلاق النار، فإن أسوأ ما كان يمكن أن تؤول إليه القمة لم يحدث. إذ لم تتحول إلى 'ميونخ جديدة'؛ أي لم يقدم ترامب تنازلات إقليمية لبوتين على غرار ما فعل قادة فرنسا وبريطانيا مع أدولف هتلر في ميونخ 1938 حين سمحوا له بالاستيلاء على جزء من تشيكوسلوفاكيا. فالرئيس الأميركي لم يعترف بالمطالب الروسية في الأراضي.
لكن ذلك لا يلغي أن القمة مثلت مكسبا تكتيكيا لبوتين؛ إذ قدمت صورة للعالم مفادها أن الرئيس الأميركي نفسه بات يخلص الكرملين من وصمة العزلة التي لحقت به جراء غزو أوكرانيا 2022، وما تلاه من جرائم حرب أشرف عليها. فقد عومل بوتين بصفته زعيم قوة عظمى- وهو اللقب الذي طالما هاجسه استعادة مكانة روسيا- زعيما لا بد من التفاوض معه وفق شروطه.
فأين يترك هذا الوضع أوكرانيا وحلفاءها الأوروبيين؟
من الواضح أن ترامب غير راغب في تغيير موقفه من أوكرانيا. بل هو يبدي إعجابا شديدا ببوتين: بشخصيته وبأسلوبه في الحكم.
ومع ذلك، لا يمكن لبروكسل أو لندن أو كييف أن تستسلم وتتركه. فالحقيقة أن استمرار الدعم الأميركي يظل عنصرا لا غنى عنه في قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.
صحيح أن أوروبا زادت مساهمتها في التمويل منذ تولي ترامب ولايته الثانية، لكنها لن تستطيع في المستقبل المنظور أن تعوض القدرات العسكرية وسلاسل الإمداد الدفاعية الأميركية، حتى لو ضاعفت استثماراتها أضعافا مضاعفة.
يريد ترامب سلاما بالاسم فقط، ولا يعنى بالتفاصيل. أما بالنسبة لكييف، فالتفاصيل هي مسألة بقاء، وبالنسبة لبقية أوروبا، فإن مصير أوكرانيا يحدد ما إذا كانت ستكون هي الهدف التالي لعدوان بوتين في عالم يعيد تشكيله على هواه.
لكن ذلك لا يعني أن كسب ترامب أمر مستحيل. فهناك سبيل لذلك، يتمثل في استلهام بعض أساليب بوتين في التعامل مع الرئيس الأميركي.
من الواضح أن ترامب يحب أن تدلل غروره، وهو ما فعله بوتين مرارا في تصريحاته للإعلام، متبنيا، على سبيل المثال، مزاعم ترامب بأن الحرب ما كانت لتقع لو كان رئيسا عام 2022.
السبيل إلى الأمام هو مواصلة الانخراط الدبلوماسي، والسعي لتغيير الإطار الذي ينظر ترامب من خلاله إلى النزاع الأوكراني.
فالرئيس الأميركي يهتم أكثر بمستقبل صادرات الطاقة الأميركية، وبالمنافسة مع الصين وتحديها للهيمنة الاقتصادية الأميركية، وباستغلال منطقة القطب الشمالي، أكثر مما يهتم بأوكرانيا.
وليس من قبيل الصدفة أن اختار ألاسكا مكانا لعقد القمة، كما أن هوسه بغرينلاند- والذي بدا غريبا لحلفائه الأوروبيين- يصبح مفهوما أكثر في هذا السياق.
المفتاح إذن هو إقناع الرئيس الأميركي بأن روسيا تهدد مصالح واشنطن في كل هذه المجالات.
فالتخفيف من العقوبات قد يسمح لمشروعات الغاز الطبيعي المسال الروسية بأن تغرق السوق وتخفض أسعار صادرات الغاز الأميركي.
كما أعاد بوتين تشكيل الاقتصاد الروسي ليعتمد على صادرات المعادن إلى الصين، مما يعزز قدرتها التنافسية اقتصاديا بفضل مدخلات رخيصة. وهو ما يدفع بوتين أيضا إلى حض بكين مرارا على أن تكون أكثر جرأة في تحديها الاقتصادي، عبر الدعوة إلى التخلي عن الدولار وإنشاء أطر جديدة للتجارة والتمويل تستثني الولايات المتحدة.
إضافة إلى ذلك، تسعى روسيا للهيمنة على القطب الشمالي من خلال توسيع أسطولها القطبي بسفن كاسحة للجليد تعمل بالطاقة النووية وغواصات جديدة.
فبالنسبة لبوتين، لم تكن حربه في أوكرانيا يوما مسألة حدود في دونباس أو مظالم تاريخية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. إنها حرب من أجل إعادة تشكيل العالم. أما ترامب فيرى الحرب مجرد إلهاء وعائق أمام جهوده هو لإعادة تشكيل العالم.
لن يتمكن الغرب ولا كييف من إقناع ترامب بما هو على المحك إلا إذا أدركوا نهجه جيدا. عليهم أن يركزوا على إبراز كيف يضر بوتين بالمصالح الأميركية وبصورة ترامب عنها.
فإن فشلوا في ذلك، فبينما أثبتت ألاسكا أنها ليست 'ميونخ جديدة'، قد ترسخ إرثها باعتبارها 'يالطا جديدة'، حيث يعاد رسم مستقبل أوروبا ضمن مناطق نفوذ حصرية جديدة ترسمها موسكو وواشنطن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لجريدة إيطاليا تلغراف
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

شعبية ترامب تتراجع.. استطلاع جديد يكشف أدنى مستويات التأييد خلال ولايته
شعبية ترامب تتراجع.. استطلاع جديد يكشف أدنى مستويات التأييد خلال ولايته

خبر للأنباء

timeمنذ 6 ساعات

  • خبر للأنباء

شعبية ترامب تتراجع.. استطلاع جديد يكشف أدنى مستويات التأييد خلال ولايته

كشف استطلاع جديد أجرته وكالة رويترز بالتعاون مع إبسوس، أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا يزال يواجه واحدة من أدنى نسب التأييد الشعبي خلال فترة ولايته، إذ لم تتجاوز نسبة الدعم له 40 بالمئة، في ظل تراجع ملحوظ بين الناخبين من أصول لاتينية. الاستطلاع، الذي استمر ستة أيام وأُغلق الإثنين، جاء متزامناً مع بروز مؤشرات اقتصادية سلبية أظهرت ضعف سوق العمل الأميركي، ومع تصعيد إدارة ترامب حملتها الواسعة ضد المهاجرين، إلى جانب انخراطه في جهود دبلوماسية لإنهاء صراعات خارجية. ورغم أن نسبة التأييد الحالية لم تختلف عن نتائج استطلاع أواخر يوليو/تموز الماضي، فإنها تعكس تراجعاً بسبع نقاط مئوية مقارنة ببدايات العام حين بلغت 47 بالمئة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض. الأكثر لفتاً في نتائج الاستطلاع هو تآكل قاعدة ترامب بين الأميركيين من أصول لاتينية، الذين شكّلوا شريحة مهمة من داعميه في الانتخابات الماضية. إذ أبدى 32 بالمئة فقط منهم رضاهم عن أدائه، في أدنى مستوى يسجله هذا العام داخل هذه الفئة. وشمل الاستطلاع عينة مكونة من 4446 أميركياً بالغاً في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة عبر الإنترنت، مع هامش خطأ يقارب نقطتين مئويتين.

ترامب: نريد عقد اجتماع ثلاثي مع روسيا وأوكرنيا وموسكو ستقبل ضمانات أمنية لأوكرانيا
ترامب: نريد عقد اجتماع ثلاثي مع روسيا وأوكرنيا وموسكو ستقبل ضمانات أمنية لأوكرانيا

خبر للأنباء

timeمنذ 15 ساعات

  • خبر للأنباء

ترامب: نريد عقد اجتماع ثلاثي مع روسيا وأوكرنيا وموسكو ستقبل ضمانات أمنية لأوكرانيا

وأعرب ترامب خلال لقائه مع زيلينسكي والقادة الأوروبيين عن اعتقاده بأن "بوتين وزيلينسكي يمكنهما الاتفاق على شيء ما فيما يتعلق بالتسوية السلمية في أوكرانيا". وأضاف أنه "من الضروري مناقشة تبادل محتمل للأراضي بين روسيا وأوكرانيا". وتابع ترامب أنه أثناء مناقشة "التبادل المحتمل للأراضي" سيتم أخذ خط التماس الحالي على الجبهة في عين الاعتبار. وأكد الرئيس الأمريكي أن "احتمالات حل الصراع الأوكراني ستُحدد خلال أسبوع أو أسبوعين"، غير أنه لم يستبعد "احتمال ألا يتم التوصل إلى تسوية". كما أشار ترامب إلى أن احتمال وقوع "عدوان مستقبلي على أوكرانيا" بعد التوصل إلى اتفاق سلام أمر مبالغ فيه. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد بدأ مساء اليوم الاثنين، اجتماعاته مع قادة الاتحاد الأوروبي وزعيم نظام كييف فلاديمير زيلينسكي في البيت الأبيض. وفي يوم المحادثات بواشنطن، قامت كييف باستهداف منشآت البنية التحتية الاستراتيجية الروسية. حيث أفادت مصادر روسية أن وسائل الحرب الإلكترونية الروسية أحبطت يوم الأحد هجوما إرهابيا لطائرة مسيرة أوكرانية من نوع "سبيس" على محطة سمولينسك للطاقة النووية.

اجتماع حضره قادة أوروبيون.. ترامب وزيلينسكي: الحرب الأوكرانية الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية ولا سلام دون ضمانات واستعادة الأراضي
اجتماع حضره قادة أوروبيون.. ترامب وزيلينسكي: الحرب الأوكرانية الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية ولا سلام دون ضمانات واستعادة الأراضي

خبر للأنباء

timeمنذ 15 ساعات

  • خبر للأنباء

اجتماع حضره قادة أوروبيون.. ترامب وزيلينسكي: الحرب الأوكرانية الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية ولا سلام دون ضمانات واستعادة الأراضي

وقال ترامب، في اجتماع موسّع عقده مع قادة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفنلندا إلى جانب الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ورئيسة المفوضية الأوروبية: "الوضع الحالي في أوكرانيا هو الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية، وهناك فرصة جيدة لإنهاء الحرب إذا ما توفرت الإرادة السياسية". وأوضح ترامب أن خطته تقوم على إشراك أوروبا في صياغة ضمانات أمنية لأوكرانيا، مضيفاً: "هدفنا الأول وقف الاقتتال. سنعطي فرصة للرئيس الأوكراني للتحدث مباشرة مع الرئيس بوتين، وسنناقش قضايا الأرض، ونأمل أن نصل إلى اتفاق يحقق سلاماً دائماً للشعبين الروسي والأوكراني". وأكد عزمه عقد اجتماع ثانٍ مع بوتين بمشاركة أوروبية أوسع، مضيفاً: "سنتناول تبادل الأراضي ضمن منطقة الحرب، ووقف إطلاق النار، وهذه خطوة ممكنة في المستقبل القريب". من جانبه، شدد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على أولوية الضمانات الأمنية الفعالة وطويلة الأمد، قائلاً: "أمن أوكرانيا يعتمد على دعم المجتمع الدولي. نحتاج ضمانات حقيقية تشمل استعادة الأراضي وتبادل الأسرى، ولا يمكن القبول بأي حلول مؤقتة". وأضاف: "أرغب في رؤية روسيا توقف هذه الحرب، ومن المهم أن تقدم واشنطن إشارات تدل على رغبتها في وقف الحرب، خاصة على الصعيد الإنساني وتبادل الأسرى والضمانات الأمنية". كما أضاف: "الضمانات يجب أن تكون فعالة لسنوات، خاصة فيما يخص أرض المعركة وما يحدث من تغيير للخرائط، وأنا هنا أتحدث عن استعادة الأراضي". القادة الأوروبيون بدورهم، أبدوا دعماً مشروطاً للتحرك الأميركي، لكنهم حذروا من تعقيدات المفاوضات، حيث قال الأمين العام للناتو مارك روته: "كنا نتمنى حضور بوتين لكسر الحواجز، ونتطلع لانتهاء الحرب سريعاً". أما أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، فقد شددت على ضرورة "سلام عادل ودائم". في حين وصف المستشار الألماني فريدريش ميرتس الخطوات المقبلة بأنها "معقدة وتحتاج لضغط دولي على موسكو". وبينما أكدت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أن الاجتماع "يوماً مهماً" بعد أكثر من ثلاث سنوات من غياب المبادرات الروسية، يرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن القمة الثلاثية "مهمة لتعزيز خيار السلام مع ضمانات عسكرية لأوكرانيا"، عوضاً عن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الذي أكد أن "الحرب تركت آثاراً عميقة على أوروبا والوقت قد حان للتغيير والتقدم نحو السلام". وبينما يطرح ترامب خطته على طاولة النقاش الدولي، تبقى الأنظار موجهة إلى موسكو وكييف لمعرفة ما إذا كان الطرفان مستعدين فعلاً للتنازل والجلوس على طاولة التفاوض، أم أن مبادرة "القمة الثلاثية" ستواجه مصير المحاولات السابقة التي اصطدمت بجدار صلب من الشروط المتبادلة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store