
تحديات سياسة لبنان الخارجية
لطالما شكلت السياسات العامة الخارجية في لبنان، مسألة دقيقة للعديد من الأسباب والاعتبارات التي رافقت نشأته، وتسببت في العديد من المحطات أزمات وطنية حادة، أدت الى اهتزاز السلم الأهلي البارد، وأدت في بعضها الى نزاعات ممتدة غالباً ما كانت تهدأ بفضل وساطات خارجية عربية وإقليمية ودولية، اختلفت عناوينها والقائمين بها بحسب موازين القوى الحاكمة لسياسات المنطقة.
اليوم، وبعد الزلزال الذي ضرب المنطقة، وأدى الى تداعيات تبدو غير مسبوقة بنتائجها وتحدياتها، ومنها سياسة لبنان الخارجية بمجمل تفاصيلها وبخاصة العربية، يبدو أن لبنان الرسمي تمكن من السير باتجاهات واقعية تراعي الكثير من الخصوصيات التي ظهرت مؤخراً، وبخاصة بعد إعادة تركيب السلطة في لبنان، ورسم سياسات محددة في خطاب القسم الرئاسي والبيان الحكومي.
إن التدقيق في العديد من المحطات الخاصة في تاريخ لبنان السياسي وبخاصة الحديث والمعاصر، يظهر ديمومة إظهار حياد لبنان عن سياسة المحاور في المنطقة، وفي الواقع ورغم المحاولات الدائمة، خرج لبنان في بعض المحطات عن ذلك الحياد المفترض، بفعل العديد من العوامل، ما أدى الى ظهوره بمظهر الخارج عن محيطه العربي التقليدي العام، وانخراطه في سياسات إقليمية بدت في الكثير من الأحيان تثير حساسية علاقاته مع أشقائه العرب.
ثمة تحول واضح يجري حالياً، وهو مسار تنفيذي بدأه الرئيس اللبناني جوزيف عون بزيارات دولة الى العديد من البلدان العربية التي تسهم بشكل وازن في صناعة السياسات العربية العامة تجاه القضايا الإقليمية والدولية، وتأتي في طليعة تلك الزيارات التي قام بها الى دولة الامارات العربية المتحدة، حيث برز الدور الاماراتي في إعادة تعويم الموقع العربي للبنان، ذلك استتباعاً للزيارة التي قام بها أيضاً الى المملكة العربية السعودية، والتي بدت عنواناً في تحول واقعي مطلوب أعاد لبنان الى الحضن العربي بعد ابتعاد طويل استمر لعقود وأرسى تداعيات كثيرة، وما زاد من اندفاعة لبنان العربية الزيارة التي قام بها الى دولة الكويت ومن بعدها الى جمهورية مصر العربية، حيث تعد مجمل تلك الزيارات عناوين لمسار بنيوي، يتعلق بإعادة تكوين الصورة التي حاول لبنان عدم الخروج منها إلا عنوة، وفي حالات استثنائية لم يكن قادراً على مواجهتها أو التأثير بمجريات معاكسة لها.
وفي مسارات أخرى، نفذ رئيس الحكومة اللبناني نواف سلام، زيارة الى سوريا بعد قطيعة استمرت عقدين من الزمن منذ اغتيال الرئيس الأسبق رفيق الحريري، إضافة الى مشاركة الرئيس سلام في أعمال القمة العربية الرابعة والثلاثين التي عقدت في بغداد، والتي بحثت عدة ملفات متصلة بالأمن القومي العربي والعلاقات العربية البينية وبعض القضايا المتصلة بلبنان وسوريا واليمن والسودان، وفي أغلبها تبدو موضوعات كان للبنان مواقف عبّرت عن التحول القائم حالياً.
ثمة العديد من المحطات التي مرت بها السياسة الخارجية اللبنانية والتي تسببت باحتراب داخلي وبتغذية محاور إقليمية ودولية كانت فاعلة في الأزمات اللبنانية المتعاقبة، ولم تكن تلك المحطات القاسية عملياً وفعلياً من الغياب، إلا بتدخل خارجي وبثقل فرض على لبنان مسارات كانت تريح الوضع الداخلي اللبناني وتؤمن له محطات هدوء وانتعاش اقتصادي عبر المساعدات العربية من تمويل المشاريع والاستثمارات التي تركت آثاراً واضحة، من بين تلك المحطات اتفاق الطائف برعاية من المملكة العربية السعودية في العام 1989، ومن بعدها ما سمي باتفاق الدوحة في العام 2008، وقبلهما أيضاً ميثاق 1943، جميعها كانت تشكل مسارات في السياسات الداخلية والخارجية، غالباً ما كانت تستمر لبعض الوقت والى حين ظهور محاور كانت تجذب لبنان عنوة وتدخله في مسارات قاتمة.
وفي الواقع، ظل لبنان ولفترات طويلة مرهون بتأثير المحاور التي فعلت فعلها في الكيان اللبناني ومؤسساته ومجتمعه، وعلى الرغم من أهمية وضرورة حياد لبنان عن هذه المحاور، أجبرت بعض الظروف الى حرفه عن مسار أجمع عليه اللبنانيون منذ الاستقلال في العام 1943، ما أدى الى ظهور انقسامات عمودية حادة في بنيته الاجتماعية والسياسية ودخول عوامل إضافية أخرى باتت تهدد كيانه ووجوده.
اليوم لبنان بحاجة ماسة الى سياسة واقعية تراعي ظروفه العربية والإقليمية والدولية للحفاظ أقله على مستقبل كيانه ووجوده ودوره ومركزه المفترض في النظام الإقليمي العربي، وهو أمر ينبغي أن يقترن بالتمسك بحياده عن المحاور الإقليمية والدولية، وهو أمر متاح واقعياً في الظروف الحالية، بعد المتغيرات الحاصلة في الشرق الأوسط، والعوامل المنتشرة بين الدول العربية، بخاصة في ظل الضغوط الدولية التي تحاول انتاج وتكريس نظام عالمي ومن خلاله إرساء نظم إقليمية تحاكي سياساته وأهدافه.
وفي الواقع أيضاً، ثمة فرصة متاحة اليوم للبنان، لاعادة تثبيت هذا التحول القائم والبناء عليه، سيما وأن ثمة مصلحة مفترضة يمكن للبنان الاستفادة منها عبر انخراطه في بيئته العربية، والابتعاد عن كل ما له علاقة بإثارة المشاكل الداخلية التي تستثمر عادة خارجياً وبأغلبية معتبرة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


سكاي نيوز عربية
منذ 31 دقائق
- سكاي نيوز عربية
حزب الله يستبق الانتخابات البلدية بشعارات "المقاومة"
أبوظبي - سكاي نيوز عربية تشكل الانتخابات البلدية والاختيارية في جنوب لبنان فرصة لحزب الله لتثبيت حضوره بعد تراجعه العسكري والسياسي نتيجة الحرب الإسرائيلية الأخيرة. حيث يخوض الحزب المعركة الانتخابية تحت شعار إعادة الإعمار.


صحيفة الخليج
منذ 35 دقائق
- صحيفة الخليج
الجيش الإسرائيلي ينشر آلاف الجنود لتوسيع عملياته البرية في غزة
متابعات: «الخليج» نشر الجيش الإسرائيلي الآلاف من جنود المشاة والمدرعات التابعة له في غزة، استعداداً لتوسيع عملياته البرية في القطاع المدمر. وبحسب وسائل إعلام عبرية، فإن القوات المنتشرة تضم وحدات من عدة ألوية منها المظليون وغولاني، وقوات كوماندوز، واللواء السابع، إضافة إلى أعداد من جنود الاحتياط. والأسبوع الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي عن وجود 5 فرق في غزة، يبلغ قوامها عشرات الآلاف من الجنود. ومنذ بدء الحرب، بلغ عدد القتلى الفلسطينيين في غزة 53901، غالبيتهم مدنيون نساء وأطفال، وبينهم 3747 قتيلاً على الأقل منذ استئناف إسرائيل ضرباتها وعملياتها العسكرية في 18 مارس/آذار بعد هدنة هشة استمرت لشهرين، وفقاً لأحدث حصيلة أوردتها السبت وزارة الصحة في غزة. بدء دخول المساعدات وبدأت المساعدات الإنسانية بدخول القطاع الاثنين للمرة الأولى منذ أكثر من شهرين بعد سماح إسرائيل بدخولها. وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة أن «الفلسطينيين في غزة يعانون ما قد تكون الفترة الأكثر وحشية في هذا النزاع القاسي». وأشار غوتيريش إلى أنه من بين نحو 400 شاحنة سمح لها بالدخول إلى غزة عبر معبر كرم أبوسالم، لم تجمع إمدادات سوى من 115 شاحنة فقط. من جهته، أعلن برنامج الأغذية العالمي الجمعة في بيان تعرض 15 شاحنة تابعة له «للنهب جنوب غزة بينما كانت في طريقها إلى المخابز التي يدعمها البرنامج». وحذّرت بلدية مدينة غزة في شمال القطاع السبت من «أزمة مياه» محتملة واسعة النطاق نتيجة نقص الإمدادات اللازمة للإصلاحات العاجلة. وأضافت أن الأضرار الناجمة عن الحرب «أثرت في غالبية البنية التحتية للمياه في غزة، ما جعل شرائح كبيرة من السكان عرضة لنقص حاد في المياه». وأشارت إلى أن درجات الحرارة آخذة في الارتفاع، ومن المتوقع أن يزداد الطلب على المياه.

سكاي نيوز عربية
منذ ساعة واحدة
- سكاي نيوز عربية
تحقيق: الجيش الإسرائيلي يستخدم فلسطينيين دروعا "بشكل منهجي"
ونقلت الوكالة أحاديث لفلسطينيين استخدموا دروعا بشرية خلال الحرب المستمرة منذ نحو عام ونصف العام، واعترافات من جنود إسرائيليين بهذه الممارسة. وقال العديد من الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين إن "القوات تجبر الفلسطينيين بشكل منهجي على العمل كدروع بشرية في غزة ، في ممارسة أصبحت شائعة خلال 19 شهرا من الحرب". ووصف 7 فلسطينيين استخدامهم دروعا بشرية في غزة والضفة، وصرح جنود في الجيش الإسرائيلي أنهم شاركوا في هذه الممارسة المحظورة بموجب القانون الدولي ، بأوامر من قادتهم. بين الأنفاق قال أحد الضحايا الفلسطينيين، ويدعى أبو حمدان، إنه احتجز في أغسطس بعد فصله عن عائلته، وأخبره الجنود الإسرائيليون أنه مطلوب في "مهمة خاصة". وأكد أبو حمدان أنه أجبر لمدة 17 يوما على تفتيش المنازل والحفر بحثا عن الأنفاق، قائلا إن الجنود كانوا يقفون خلفه، وبمجرد أن يتضح الأمر كانوا يدخلون المباني أو الأنفاق لتدميرها أو إتلافها. واعترف جنديان إسرائيليان تحدثا إلى "أسوشيتد برس"، وثالث أدلى بشهادته لمنظمة "كسر الصمت"، وهي مجموعة تضم مُبلغين عن انتهاكات في الجيش الإسرائيلي، أن القادة كانوا على دراية باستخدام أسلوب الدروع البشرية وتسامحوا معه، بل وأصدر بعضهم أوامر بذلك. وذكر الجنود، الذين قالوا إنهم لم يعودوا يخدمون في غزة، أن هذه الممارسة "سرعت العمليات ووفرت الذخيرة وجنبت كلاب الجيش الإسرائيلي الإصابة أو الموت". وأعربت جماعات حقوق الإنسان عن قلقها، قائلة إن ذلك "أصبح إجراء معتادا ويستخدم بشكل متزايد في الحرب". وقال المدير التنفيذي لمنظمة "كسر الصمت" ناداف وايمان: "هذه ليست روايات معزولة، إنها تشير إلى فشل منهجي وانهيار أخلاقي مروع". وأضاف لوكالة "أسوشيتد برس": "تدين إسرائيل بحق حركة حماس لاستخدامها المدنيين دروعا بشرية، لكن جنودنا يعترفون بفعل الشيء نفسه". وكان تحقيق سابق أجرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في أغسطس الماضي، جمع شهادات من جنود إسرائيليين قالوا إن الفلسطينيين الذين استخدموا دروعا بشرية كانوا يعرفون باسم " الشاويش"، وهي كلمة تركية الأصل تعني "رقيب". وأشار الجنود إلى أن هذا الأسلوب "تكتيك مؤسسي أقره كبار الضباط"، لا وقائع فردية. وفي أكتوبر الماضي، جمعت صحيفة "غارديان" البريطانية شهادات من معتقلين فلسطينيين سابقين، كانت متوافقة إلى حد كبير مع تحقيق "أسوشيتد برس". وتعليقا على تحقيق الوكالة، قال الجيش الإسرائيلي لـ"أسوشيتد برس" إنه يجري تحقيقات في "عدة حالات" تتعلق بجنود أجبروا فلسطينيين على العمل دروعا بشرية في غزة. وأوضح أن "استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية، أو إجبارهم بأي شكل آخر على المشاركة في العمليات العسكرية ، محظور تماما بموجب أوامر الجيش الإسرائيلي". وأضاف: "يتم فحص مزاعم السلوك الذي لا يتوافق مع هذه التوجيهات والإجراءات، وفي عدة حالات فتح تحقيق من قبل شعبة التحقيقات الجنائية في الشرطة العسكرية الإسرائيلية ، بعد الاشتباه في إقحام فلسطينيين في مهام عسكرية". وفي عام 2002، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية أمرا قضائيا يمنع الجيش من استخدام ما يعرف بـ"إجراء الجار"، وهو إجبار الفلسطينيين على طرق أبواب جيرانهم قبل اقتحام منازلهم. وفي عام 2010، خفض الجيش الإسرائيلي رتبة رقيبين لإجبارهما طفلا فلسطينيا عمره 9 سنوات على فتح عدد من الحقائب المشتبه في احتوائها على متفجرات.