
نيوزويك: هل كان قصف ترامب مواقع إيران النووية فكرة صائبة؟
قصفت الولايات المتحدة 3 مواقع نووية إيرانية في وقت مبكر من صباح الأحد، وفي ليلة الاثنين أعلن الرئيس دونالد ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران.
هل كانت هذه الضربات فكرة صائبة؟ هل يجب على الولايات المتحدة السعي لتغيير النظام في طهران؟ وماذا قد يحمل المستقبل للحكومة الإيرانية؟ يتجادل في ذلك الكاتبان بمجلة نيوزويك الأميركية دان بيري ودانيال ر. ديبريتس:
بينما يتعيّن على الولايات المتحدة عادةً تجنب الحروب الخارجية واحترام سيادة الآخرين، فإن النظام الإيراني، الذي يمثل تهديدا إقليميا وعالميا، يفي بمعايير الاستثناءات. فقد دعم مليشيات ضربت الاستقرار في لبنان والعراق واليمن وغزة، وساند نظام بشار الأسد في سوريا، وهدد إسرائيل بشكل علني، وقد حدّت قدرة إسرائيل المحدودة على ضرب المنشآت النووية الإيرانية تحت الأرض من دون دور أميركي.
لذا، كانت الضربة السريعة والمحدودة -المصاحبة لتضليل ذكي وتوقيت متأخر، تلتها عروض للحوار مع تحذير إيران من التصعيد- حركة ذكية بشكل مفاجئ.
دانيال ر. ديبريتس:
قرار ترامب بقصف 3 مواقع نووية إيرانية يوحي بأنه يعتقد أن الضغط العسكري سيدفع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي للعودة إلى طاولة المفاوضات، وقد بدا وقف النار من جانب إيران بمثابة تأكيد على صحة هذا النهج. لكن المحادثات النووية لن تؤدي إلى اتفاق جديد إلا إذا ترك ترامب منهجه المتطرف جانبا. وحتى الآن، لا يطالب ترامب باتفاق نووي، بل بالاستسلام التام الإيراني، "أعطني ما أريد أو واجه المزيد من القوة العسكرية". ولا يشير أي شيء في تاريخ الجمهورية الإيرانية الإسلامية -الممتد لـ46 سنة- إلى أن هذا النهج يجدي. بل إنه يزيد خطر التصعيد، الذي كان سيؤول إلى كارثة.
رد دان بيري:
أنا أؤيد بالفعل إنذارات ترامب. إن هذا النهج لم يُجرّب قط خلال 46 عاما من جنون إيران، وليس لأنهم لم يحاولوا، بل لأن أحدا لم يجرؤ على توقيت كهذا، فالهجوم المستمر الذي تسعى إليه إيران أسوأ من التصعيد، لأنه يحمل كارثة في كل منعطف. يجب على ترامب التمسك بمطالبه لتقييد تخصيب اليورانيوم، ومع وقف إطلاق النار الآن، نأمل في انقلاب قصر.
لكن هذا النهج قد جُرّب من قبل. فنهج ترامب تجاه إيران اليوم يشبه بشكل لافت ما فعله عام 2018، عندما انسحب من الاتفاق النووي، وفرض عقوبات أشد على اقتصاد إيران، وعرض رفعها إذا وافقت طهران على اتفاق جديد، ونعلم كيف انتهى الأمر: الإيرانيون لم ينخرطوا، وردوا بتصعيد برنامجهم النووي، مما أدى إلى ما نحن عليه اليوم.
رد دان بيري مجددا:
لا أعتبر إلغاء ترامب الاتفاق النووي "تحذيرا فعّالا". فالنظام الإيراني قادر على تحمل العقوبات، فهو لا يهتم كثيرا بشعبه، ولم يكن لترامب خطة للعودة إلى تخصيب متقدم. بالنظر إلى الإذلال الذي فرضته إسرائيل بالفعل، والتهديد باستخدام قوة قد تطيح بالنظام، قد تتراجع طهران عن عدوانها، أو قد ترد بهجوم. لكن لا يمكنك الهروب من كل معركة.
ديبريتس يرد:
نحن نتفق على إلغاء الاتفاق النووي ، لكن هنا تختلف وجهات نظرنا، هناك معارك ضرورية ومعارك غير ضرورية. معركة ترامب كانت من النوع الأخير. نعم، النظام الإيراني لا يهتم بشعبه، وأولويته القصوى هي البقاء. لكن علينا أن نسأل: هل تهديد تغيير النظام فعلا يجعل الإيرانيين يعودون إلى طاولة المفاوضات؟ أم يؤكد لديهم أن امتلاك السلاح النووي هو الوسيلة الوحيدة لضمان بقائهم؟
رد دان بيري:
لا أعتقد أن "الذهاب لطاولة المفاوضات" هو الجدل الرئيسي، فإيران تؤخر المفاوضات كجزء من إستراتيجيتها. فهي دولة متنمرة تجاوزت الحد. إن حكم طهران، إذا كان ذكيا، سيصل إلى أن السلوك النووي العدواني وتدخلها في المنطقة، هو ما يؤدي إلى العداء الخارجي الذي يهدد وجودها. قد تردع الأسلحة النووية هجمات خارجية، لكن ليس ثورة داخلية أو انقلابا داخليا (السيناريو الأكثر احتمالا).
ديبريتس يواصل:
لا أرى أن "انقلاب القصر" أو انتفاضة شعبية أمر مرجّح. نحن نُقلل عادةً من قدرة مثل هذه الأنظمة على الحفاظ على السلطة وسط تحديات داخلية وخارجية، ولنكن واقعيين، لا يوجد معارضة سياسية منظمة داخل إيران تشكّل تهديدا حقيقيا لخامنئي والملا. هذا لا يعني أنها لن تحدث في يوم ما، لكن ليس في المستقبل القريب.
دان بيري يختتم:
على المدى القصير، ربما أنت على حق، لكن على المدى الطويل، بالتأكيد لا. تبدو الأنظمة الاستبدادية منيعة حتى تنهار فجأة، ثم يتفاجأ الجميع. يُنظر إلى الجمهورية الإسلامية كبذرة عربية في بلاد فارس، وستسقط في نهاية المطاف. وفي هذه الأثناء، لا بد من وقف طموحاتها النووية وصواريخها ومليشياتها بالوكالة. يجب أن تكون أي خطوة أميركية واضحة وسريعة وحاسمة، وموجّهة دائما إلى النظام، لا إلى الشعب. شعب إيران العظيم هم أصدقاؤنا. ذات يوم سيكونون أحرارا.
خاتمة ديبريتس:
في أوقات الأزمات، يجب على القادة الأميركيين ضبط النفس، وفهم دوافع خصومهم، وضبط السلوك الاندفاعي. كان قرار ترامب بضرب المنشآت النووية الإيرانية اندفاعيا لأنه لم يكن ضروريا، فلم تكن إيران تشكل "تهديدا وشيكا" يستدعي استخدام القوة الأميركية استباقيا. فكرة أن طهران تجري سباقا محموما نحو القنبلة النووية هي حجة فارغة. إسرائيل تتعرض حقا لتهديد إيراني، لكنها خلال 20 شهرا أظهرت أنها قادرة تماما على حماية نفسها بما تراه ضروريا. وقد يكون تغيير النظام في إيران هدفا غير معلن لإسرائيل، لكن ذلك لا ينبغي أن يكون هدفا للولايات المتحدة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
خبراء: عملية خان يونس أكبر مقتلة للإسرائيليين هذا العام وأقسى من صواريخ ايران
أجمع خبراء ومحللون سياسيون على أن العملية العسكرية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في خان يونس ، والتي أسفرت عن مقتل 7 جنود إسرائيليين، تمثل نقطة تحول مهمة في مسار الحرب على قطاع غزة. وكانت الجزيرة قد عرضت مشاهد لتفجير كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- ناقلتي جند إسرائيليتين في كمين بخان يونس جنوبي قطاع غزة، وأعلن الاحتلال مقتل 7 جنود بداخلهما بينهم ضابط. كذلك أعلن جيش الاحتلال أن كمين خان يونس نفذه مقاتل واحد، في حين أفادت القناة الـ13 الإسرائيلية ببدء تحقيق أولي لجيش الاحتلال. ووصف الباحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية سعيد زياد العملية بأنها "أكبر مقتلة في صفوف قوات العدو منذ بداية العام 2025″، مؤكدا أنها تنضم إلى سلسلة العمليات الأكثر جسارة منذ بداية الحرب. وأوضح أن المقاومة استخدمت عبوة شواظ من الطراز الثالث تزن 21 كيلوغراما، وُضعت داخل الآلية العسكرية، وليس أسفلها كما هو معتاد، مما أدى إلى اشتعال الآلية، التي لم تستطع قوات الاحتلال إطفاءها إلا خارج حدود قطاع غزة. وفي السياق ذاته، لفت زياد إلى الجانب النفسي للعملية، مشيرا إلى أن مقاتلَين اثنين فقط هاجما فصيل مدرعات يضم نحو 20 من القوة الإسرائيلية، ولم يتم الرد عليهما بطلقة واحدة. ويعكس هذا الأمر، حسب تقديره، حالة من التراخي في صفوف الجيش الإسرائيلي تتناقض مع ما يفترض أن يكون عليه جيش يخوض حربا مستمرة منذ أكثر من عام. عدد مفجع ومن جهته، أكد الأكاديمي والخبير في الشؤون الإسرائيلية مهند مصطفى أن هذا العدد من القتلى مفجع ومؤلم للإسرائيليين أكثر من الأضرار التي خلفتها الصواريخ الإيرانية في تل أبيب. وأرجع ذلك إلى كون العملية العسكرية في غزة قد تحولت إلى عملية منزوعة الشرعية من الناحية الاجتماعية والسياسية في إسرائيل، وليس عليها إجماع. وأشار مصطفى إلى أن مقتل الجنود الإسرائيليين يؤثر على المجتمع الإسرائيلي أكثر من مقتل المدنيين، لأن إسرائيل تستغل مقتل المدنيين للدعاية، بينما مقتل الجنود يكشف عن فشل عسكري حقيقي. وفي هذا الصدد، أشار إلى أن استخدام مصطلح "مقتل الجنود أصبح عبثيا" في السجال العام بإسرائيل يدل على مقدار الألم الذي يصيب المجتمع الإسرائيلي. وفي ما يتعلق بإستراتيجية المقاومة، أوضح الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا أن الاستنزاف يحدث عندما لا يستطيع العدو أن يعوض الخسائر، وبالتالي تصبح المشكلة داخلية، وأكد أن هذا الأمر حاصل الآن داخل إسرائيل من ناحية العنصر البشري والجنود الاحتياط والقتلى. وفي المقابل، أوضح حنا أن المقاومة تعتمد على تكتيك مختلف يركز على كسب الوقت والتخلي عن الأرض لإنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر بجنود العدو. وهذا التكتيك، حسب تقديره، لا يمكن للعدو الهروب منه، لأنه تكتيك مفروض عليه ولا يمكن له التأقلم معه. وحول التحديات الإستراتيجية للقيادة الإسرائيلية، لفت زياد إلى أن إسرائيل خاضت 3 حروب استنزاف في تاريخها انتهت جميعها بانسحابها، مقارنا الوضع الحالي بما حدث في لبنان وغزة سابقا. وأكد أن إسرائيل إذا تحولت من معركة خاطفة إلى معركة طويلة تخسر، وإذا تحولت من معركة جوية إلى معركة برية فهي مرشحة للخسارة أيضا. ونبه مصطفى إلى محاولات إسرائيل تصوير انتصارها على إيران على أنه نجاح إستراتيجي كبير، بينما تواجه صعوبات حقيقية في غزة، وأوضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية – يريد أن يحوّل غزة إلى جبهة ثانوية، ليس من الناحية العسكرية فقط، ولكن أيضا من الناحية السياسية. وأشار مصطفى إلى تطور مهم في الرأي العام الإسرائيلي، مشيرا إلى أن 69% من الإسرائيليين يؤيدون وقف الحرب على قطاع غزة، وتقريبا 50% من الإسرائيليين الداعمين للحكومة يؤيدون وقف إطلاق النار. وفي السياق السياسي، أشار إلى أن الاستطلاعات الأخيرة تظهر أن الائتلاف اليميني قد يخسر 19 مقعدا إذا جرت الانتخابات اليوم، مما يعني انتقاله من 68 مقعدا إلى 47 مقعدا وعدم قدرته على تشكيل حكومة. وحسب تقدير خبراء، قد تدفع هذه الحسابات السياسية نتنياهو للتفكير جديا في وقف الحرب للحفاظ على مكاسبه السياسية من "الانتصار" على إيران. ورغم الحديث المتجدد عن إمكانية التوصل لوقف إطلاق النار، فإن زياد أكد أن أي صفقة جزئية ستكون مرفوضة على طاولة الفصائل الفلسطينية، وحتى المجتمع الغزي سيرفضها. وأوضح أن المقاومة تطالب بضمانات حقيقية لوقف الحرب، مشددا على أن وقف الحرب يشكل 90% من أي اتفاق، وما دون ذلك هوامش يمكن التفاوض عليها. ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية بغزة تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلفت الإبادة أكثر من 188 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم أطفال، فضلا عن دمار واسع.


الجزيرة
منذ ساعة واحدة
- الجزيرة
انقسام المخابرات حول فاعلية الضربة يثير الشكوك بشأن مصير نووي إيران
دافع تيم كونستنتاين، نائب رئيس تحرير صحيفة واشنطن تايمز، عن موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرافض للتقارير التي تشكك في فعالية الضربة الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية. وتصاعد جدل في الأوساط الأميركية بعد نشر تقييمات استخباراتية متناقضة حول نتائج الضربة الأميركية. وذكرت شبكة "إن بي سي" أن تقييما سريا للهجمات الأميركية على إيران أُحيل للكونغرس، واطلع عليه أعضاء مجلس الشيوخ سرا، كشف أن القصف أخّر برنامج إيران النووي لأشهر، لكنه لم يعطله نهائيا. كذلك، قالت وكالة أسوشيتد برس إن تقريرا لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية خلص إلى أن الضربة التي استهدفت منشآت فوردو و نطنز و أصفهان النووية الإيرانية "ألحقت أضرارا كبيرة بتلك المواقع، لكنها لم تؤد إلى تدمير كامل لها". وقدر معدو التقرير أن جزءا من اليورانيوم عالي التخصيب الإيراني نُقل من المواقع قبل الضربات، ومن ثم نجا منها، كما أن معظم أجهزة الطرد المركزي لم تتعرض لأضرار. وبشأن منشأة فوردو، التي تقع داخل نفق أسفل جبل على عمق يتراوح بين 80 و90 مترا، أشار التقرير إلى أن مدخلها انهار وتضررت بعض البنى التحتية، إلا أن الهيكل الداخلي تحت الأرض لم يُدمر بالكامل. وتسبب نشر هذه التقييمات الاستخباراتية في نشوب خلافات حادة ب الولايات المتحدة وصلت لدرجة أن مؤيدي الإدارة الجديدة اتهموا ناشريها بـ"الخيانة". وفي مواجهة هذا الجدل، أكد كونستنتاين -خلال مقابلة للجزيرة- أن ما تم تسريبه مجرد تقرير أولي من وكالة واحدة فقط من أصل 17 وكالة استخباراتية أميركية، مشيرا إلى أن المعلومات تم تسريبها بطريقة سرية من جهات غير معروفة الهوية. وفي هذا السياق، طرح الخبير الأميركي تساؤلات جوهرية حول الدوافع وراء هذه التسريبات، قائلا إن هناك سؤالا مهما حول الهدف من قيام شخص يعمل في الحكومة الأميركية بتسريب معلومات تناقض ما أفصح عنه الرئيس علنا. وأكد أن دوافع هذا الشخص ليست جيدة بوضوح، ولن تساعد الولايات المتحدة أو الرئيس. وقال كونستنتاين إنه لو قام أحدهم بتسريب معلومات جزئية من تقرير أولي، فلن تكون لذلك مصداقية كبيرة، مؤكدا أن التقييم الحقيقي للأضرار يتطلب فرق تفتيش وأشخاصا في الميدان على الأرض، ليحددوا مدى الأضرار الفعلية. ورفض كونستنتاين ما يقال بأن ترامب لا يمتلك معلومات دقيقة، مؤكدا أن عدم الإفصاح عن التقارير علنا لا يعني أن المعلومات لم تصل للرئيس، الذي قال إنه ووزير الدفاع بيت هيغسيث ، ووزير الخارجية ماركو روبيو اطلعوا على معلومات أكثر مما اطلع عليه من سرب التقرير أو الإعلاميون. وأوضح كونستنتاين أن الهدف الأساسي من العملية العسكرية كان إرسال رسالة واضحة للنظام الإيراني مفادها أن هذا الرئيس مختلف عن الرئيسين السابقين: جو بايدن وباراك أوباما. ولفت إلى أن إيران "وصلتها الرسالة" بأن الإدارة الجديدة جادة في عملها، وأنها لن تتسامح مع التهديدات النووية الإيرانية كما فعلت الإدارات السابقة. أما في ما يتعلق بالفلسفة الإستراتيجية للإدارة الجديدة، فرأى كونستنتاين أن ترامب يفضل الحل الدبلوماسي والاتفاق، لكنه مستعد للضربة العسكرية إذا اضطر لذلك، مما يعكس نهجا يمزج بين الدبلوماسية والردع العسكري. وانطلاقا من تأكيد ترامب أن المنشآت النووية الإيرانية "دمرت وتضررت بشكل كامل"، توقع كونستنتاين أن تتمحور المحادثات مع إيران الأسبوع المقبل حول عدم إعادة بناء البرنامج النووي. وعلى نطاق آخر، يرى الخبير الأميركي أن هذا التطور سيكون له تأثير إيجابي على استقرار المنطقة برمتها، وأكد أن كل دول الشرق الأوسط تنفست الصعداء، وليس الولايات المتحدة فقط، لأن التهديد النووي لم يعد موجودا على الأقل على المدى القريب.


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
وول ستريت وأسباب تعجُّل ترامب لوقف الحرب
في صيف عام 2019، برز موقف غير متوقع من الرئيس الأميركي (وقتها والآن) دونالد ترامب حين أوقف في اللحظة الأخيرة ضربة عسكرية أميركية ضد إيران، رغم التصعيد الكبير بعد إسقاط طهران طائرة أميركية بدون طيار. ورغم التبريرات الرسمية التي تحدثت عن "الحرص على الأرواح"، فإن كثيرًا من المحللين ربطوا تردد ترامب بعامل اقتصادي جوهري، تمثل في حرصه الشديد على الحفاظ على زخم أسواق الأسهم الأميركية، التي كانت تحقق مكاسب تاريخية آنذاك. كان ترامب، ومازال، يرى في ارتفاعات أسعار الأسهم الأميركية أحد أبرز إنجازاته، ما جعله غير مستعد للمخاطرة بتقويض ثقة المستثمرين عبر الدخول في حرب مفتوحة قد تربك الأسواق، وتضرب استقرار الاقتصاد الأميركي الذي كان قبل وقتٍ قريب، يترنح بسبب السياسات الحمائية والتعريفات الجمركية المبالغ فيها، التي أعلن ترامب عزمه على فرضها، وهو ما يبدو أن نتنياهو قد قرر تجاهله. وترى وول ستريت الحرب بين إيران وإسرائيل من منظور مختلف عن التغطيات الإعلامية والسياسية، فبينما يتركز الحديث في العلن على الصراع العسكري والتوترات الجيوسياسية، تنظر الأسواق المالية إلى الحدث من زاوية التأثير المباشر على النفط، والمخاطر على حركة رؤوس الأموال، ودرجة الاضطراب المحتمل في سلاسل الإمداد العالمية. ولا يتعامل المستثمرون في وول ستريت مع الحرب باعتبارها مجرد حدث سياسي، بل كعامل محدد لاتجاهات الأسعار، وتحولات السيولة، وفرص أو مخاطر جديدة تظهر في الأسواق العالمية. ومع اندلاع أي مواجهة بين قوتين بهذا الحجم والتأثير، كان أول ردود الفعل في أسواق الطاقة، وبالأخص سوق النفط، حيث تعد إيران من كبار منتجي النفط، كما أنها تتحكم فعليًا في مضيق هرمز، الذي تمر منه نسبة ضخمة من صادرات الخليج إلى العالم. ويدفع أي تهديد بإغلاق المضيق -وإن كان مؤقتًا أو غير مباشر- أسعار النفط إلى الارتفاع بشكل حاد، وهو ما تُرجم بالفعل إلى تحركات سريعة في بورصات الطاقة في نيويورك وشيكاغو. وفي الوقت ذاته، عطل التصعيد ضد إسرائيل صادرات الغاز من الحقول البحرية إلى أوروبا ووجهات أخرى، ما أضاف مزيدًا من الضغوط على أسواق الطاقة التي تعاني أصلًا من هشاشة منذ بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية قبل أكثر من ثلاثة أعوام. ولا تمثل أسعار النفط المشكلة الوحيدة لوول ستريت، إذ جرت العادة على أن تسبب الحروب اضطرابًا عامًا في الأسواق الناشئة، وخروجًا متسارعًا لرؤوس الأموال منها باتجاه ما يُعرف بـ"الملاذات الآمنة" مثل: الدولار، والسندات الأميركية، والذهب. ويرفع هذا السلوك الطلب على الأصول الأميركية، ويؤدي إلى تراجع في عملات وأسواق الدول المجاورة لإيران وإسرائيل، مثل: تركيا ومصر، ودول الخليج، وهو ما تراقبه صناديق الاستثمار والمؤسسات المالية الأميركية من كثب. وفي كل الأحوال، تدفع المخاطر الجيوسياسية المستثمرين لتوخي المزيد من الحذر، ما يجبرهم على إعادة توزيع المحافظ المالية، للابتعاد بها عن الأسواق المتقلبة. الأمر الآخر الذي يقلق وول ستريت هو اتساع رقعة الصراع. فإذا بقيت الحرب محصورة في هجمات متبادلة بين إيران وإسرائيل، أو توقفت تمامًا- كما أعلن ترامب يوم الاثنين- فقد تمتص الأسواق الصدمة تدريجيًا. أما إذا امتد الصراع ليشمل حلفاء إيران في لبنان، أو العراق، أو اليمن، أو ناقلات في البحر الأحمر، وهو ما لا يمكن استبعاده تمامًا حتى الآن، فإن الوضع يزداد خطورة. وسترفع شركات التأمين أسعارها على شحنات النفط والبضائع، مما يزيد تكاليف التجارة الدولية، ويقلص أرباح الشركات، أو يرفع معدلات التضخم في أغلب اقتصادات العالم. وستتأثر أسهم شركات الشحن البحري والتأمين فورًا بمثل هذه التحولات، فيتحرك المتداولون في وول ستريت بسرعة بناءً على تقييمهم لحجم المخاطر ومدى استدامتها. وراقبت وول ستريت أيضًا ردة الفعل الأميركية من كثب، وبعد التدخل المباشر للولايات المتحدة في الحرب، تغير بالتأكيد ميزان القوى، وتبدلت الحسابات المالية للبيت الأبيض، خاصة في ظل العجز الكبير في الموازنة الأميركية. وقد تؤدي أي مشاركة أميركية عسكرية إضافية إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، وهو ما قد يُرحب به قطاع الصناعات العسكرية، لكنه يثير في الوقت نفسه مخاوف من اتساع الدين العام، وارتفاع أسعار الفائدة، الأمر الذي سيكون له تأثيراته السلبية على النمو الاقتصادي، ومن ثم على أسواق الأسهم. أما قطاع التكنولوجيا، فربما يكون الأقل تأثرًا بالحرب، لكنه لن يبقى بمنأى عنها، إذ ربما تؤدي الهجمات السيبرانية المتوقعة بين إيران وإسرائيل إلى تعطيل بعض الخدمات المالية أو التقنية، وقد تُصبح البنية التحتية الرقمية ساحة للمواجهة. وتتابع وول ستريت هذه الاحتمالات، خاصة أن الشركات المدرجة في بورصة ناسداك تعتمد بشكل كبير على الاستقرار السيبراني، وأي تهديد واسع في هذا المجال قد يُحدث صدمات في أسهم شركات التكنولوجيا شديدة الحساسية للاضطرابات الجيوسياسية. وفي موازاة هذه المخاطر، لا تخلو وول ستريت من عقلية المضاربة على الأزمات، إذ سيكون هناك دائمًا من يرى في الحرب فرصة للتربح، سواء من خلال المراهنة على ارتفاع أسعار النفط، أو شراء أسهم شركات الدفاع (غير المقبولة من الناحية الشرعية بكل تأكيد)، أو حتى الاستثمار في الذهب والعملات الرقمية كأصول بديلة. ولهذا فمن المتوقع ألا تتحرك الأسواق كلها دائمًا في اتجاه واحد، بل تتذبذب بشكل يعكس مزيجًا من الخوف والطمع، كما هو الحال في أي أزمة كبرى. ويبقى العامل الحاسم في تقييم وول ستريت للحرب هو "الزمن"، فكلما طال أمد الصراع زادت التداعيات الاقتصادية عمقًا واتساعًا، واندفعت صناديق التحوط والبنوك الاستثمارية إلى تعديل إستراتيجياتها على المدى المتوسط، ما كان من شأنه أن يحوّل القلق إلى موجة تصحيح واسعة في الأسواق العالمية. أما وقد انتهت الحرب بالفعل وتمكنت القوى الدولية من احتواء التصعيد سريعًا، فقد استوعبت الأسواق آثار الضربة، وعادت إلى مسارها السابق، مكتفية ببعض التغيرات المؤقتة التي لن تُحدث اضطرابًا كبيرًا على المدى الأطول. ورغم كل ما سبق، لا يمكن الجزم بأن العامل الاقتصادي كان وحده وراء سعي ترامب لاحتواء الأزمة والإعلان عن وقف سريع لإطلاق النار، إذ كانت هناك ضغوط كبيرة من القوى الدولية، ومنها الصين وأوروبا، لتجنب حدوث المزيد من الفوضى في الإقليم. كما لعبت توازنات الردع دورًا هامًا، حيث يدرك الجميع أن الحرب المفتوحة ستكون مكلفة وغير مضمونة النتائج. ومع ذلك، فمن المؤكد أن الاقتصاد كان عاملًا محوريًا في تقليل شهية الحرب، حيث تدرك كل من أميركا وإسرائيل أن الحرب لا يمكن تمويلها بلا اقتصاد مستقر، ولا يمكن كسبها في ظل نظام مالي هشّ. كتعاملها مع كل الأحداث الكبرى، لم تنظر وول ستريت إلى الحرب بين إيران وإسرائيل من منظور أخلاقي أو سياسي، بل قرأتها بلغة الأرقام والاحتمالات، وسعت لتحديد من يتأذى ومن يستفيد، باستخدام حسابات باردة في عالم يشتعل بالأحداث، تتحرك فيه رؤوس الأموال دائمًا نحو ما يبدو آمنًا أو مربحًا، حتى ولو كان خلف غيوم الحرب.