
داعية المودودية في ديار العرب
كان الغرض من زيارة معتمد «دار العروبة للدعوة الإسلامية» بلاهور، مسعود الندوي، البصرة والزبير وبغداد والموصل وكركوك والكويت والرياض والطائف ومكة والمدينة، التعريف بـ«الجماعة الإسلامية»، ونشر كتب المودودي في هذه البلدان (العراق، الكويت، السعودية) وفي بلدان عربية أخرى؛ كسوريا ومصر. وكان يحمل معه في هذه الزيارة كتباً للمودودي، منها ما هو مترجم إلى العربية، ومنها ما هو مترجم إلى الإنجليزية، ومنها ما هو بلغة المودودي الأصلية، لغة الأردو، ومنها ما يعمل هو ومساعده محمد عاصم حداد على ترجمته من لغة الأردو إلى العربية، ويحمل معه أيضاً مناشير دعائية في بضع صفحات عنوانها «دعوتنا».
هذه الزيارة أو هذه الرحلة دوّن يومياتها في كتابه (شهور في ديار العرب).
بتاريخ 14 يوليو (تموز) 1949 - كما سجّل في يوميات هذه الرحلة - انتهى من قراءة كتاب سيد قطب (العدالة الاجتماعية في الإسلام). وكان من الملحوظات التي قالها عن هذا الكتاب وعن مؤلفه، ملحوظة قالها عن مؤلفه تهمنا في موضوعنا، وهي «بداية التسلل المودودي إلى دمشق والقاهرة»، وهي قوله:
«ولا يدري المسكين أن هناك في الهند وباكستان من انشغلوا وانهمكوا، وغرقوا في وضع الأفكار الرامية إلى التطبيق العملي لهذا الحلم. إن إطلاعه على هذا الأمر يدخل في صميم أعمالنا».
يشير مسعود الندوي هنا إلى «الجماعة الإسلامية» في باكستان والهند، وإلى واضع أفكارها أبي الأعلى المودودي. ويدعي في هذه الإشارة أن «حلم» العدالة الاجتماعية الإسلامية متحقق في مجتمع «الجماعة الإسلامية» الذي حين كتب ملحوظته هذه كان له من العمر سبع سنوات وأحد عشر شهراً!
هذا «المجتمع» نشأ أول ما نشأ في مدينة لاهور، وبعد أن أمضى فيها عشرة أشهر «هاجر» بقيادة المودودي إلى قرية نائية سموها بـ«دار الإسلام». «هاجر» من هذا «المجتمع» إليها «ليكون بعيداً عن المدن ووسائل الحضارة الحديثة ومفاسدها»!
الباعث على ملحوظة مسعود الندوي التي سلفت، هو أنه لما قرأ كتاب سيد قطب «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، رأى أنه في كتابه لم يستعن بكتاب من كتب المودودي التي كانوا في «دار العروبة للدعوة الإسلامية» ترجموها إلى العربية.
ما عزم عليه مسعود الندوي من إرادة وهي إطلاع سيد قطب على كتب المودودي تحقق، فلقد اطلع سيد قطب على بعض كتب المودودي، وتابع الاطلاع على جديدها المترجم إلى العربية في دار الفكر بدمشق في أثناء سجنه.
في البداية كان سيد قطب لا يشير إلى أنه يستفيد منها كمصدر لتنظيراته الإسلامية، وتالياً صار يفصح عنها كمصدر.
تعرّف مسعود الندوي - لأول مرة - على دعوة الإخوان المسلمين في العراق من خلال شبان عراقيين معتنقين لهذه الدعوة، فقرأ الجزء الأول من سيرة حسن البنا التي كتبها عن نفسه، واقتنى أعداداً من مجلة «الإخوان المسلمين»، التي تصدر من القاهرة والتي أهداها إياه بعض أولئك الشبان، فهو كان يجهل أمر دعوة الإخوان المسلمين، علماً بأنه يتقن العربية، ويحسن الكتابة بها والترجمة إليها من لغة الأردو ببيان واضح وأسلوب قويم، إضافة إلى أنه كان ينشر في بعض مجلات إسلامية عربية.
في هذه الرحلة وقف مسعود الندوي بنفسه على حقيقة هي: أن الذين قرأوا ما ترجم من كتب المودودي إلى العربية عددهم قليل جداً في المدن العربية التي زارها.
ومن هذا العدد القليل جداً السوري محمد كمال الخطيب، المدير المسؤول لـ«مجلة التمدن الإسلامي» السورية الذي التقاه عند الشيخ أمجد الزهاوي ببغداد بتاريخ 16 مايو (أيار) 1949.
ذكر مسعود الندوي أنهما تعارفا قبل خمسة عشر عاماً من هذا اللقاء المباشر بينهما عبر المراسلة، فالندوي يرسل له في دمشق مجلة «الضياء» التي تصدر باللغة العربية والتي كان هو أحد كتّابها، ومحمد كمال الخطيب يرسل له في الهند مجلة «التمدن الإسلامي».
الخطيب أخبر الندوي في هذا اللقاء أنه قرأ كتاب المودودي «نظرية الإسلام السياسية»، وأنه كتب عنه في مجلة «التمدن الإسلامي»، فأعطاه الندوي في الحال كتابين آخرين للمودودي، ووعده بإمداده بثلاثة كتب أخرى للمودودي فيما بعد. وفي اللقاء الذي أمده بالثلاثة الكتب المودودية الأخرى، كان محمد كمال الخطيب يحمل معه عدداً من مجلة «التمدن الإسلامي» يتضمن عرضاً موسعاً لكتاب المودودي «الدين القيّم». وكانت هذه المجلة - كما يذكر الندوي - قد نشرت في عددين سابقين نبذة مختصرة عن هذا الكتاب.
بتاريخ 1 يوليو نشرت مجلة «المجمع العلمي العربي» بدمشق مقالاً لمسعود الندوي - وكان لا يزال زائراً للعراق - عنوانه (ثلاث رسائل من منشوراتنا العربية). قال في مقدمته: «هذه ثلاث رسائل من منشوراتنا العربية: (1) نظرية الإسلام السياسية (2) منهاج الانقلاب الإسلامي (3) الدين القيم، نبعث بها إليكم لتروا فيها رأيكم وتلاحظوها بعين النقد وتنوهوا (Review) بها في مجلتكم الزاهرة».
وفي هذا المقال شرح طريقتهم في «دار العروبة للدعوة الإسلامية» في تعريب هذه الرسائل الثلاث، وعرّف بها وبـ«الجماعة الإسلامية» وبدارهم «دار العروبة» تعريفاً مقتضباً. وذكر أنها ستتلو هذه الرسائل الثلاث رسائل أخرى معرّبة من الأردية ومؤلف بعضها بالعربية من غير ترجمة.
وأرفق مع المقال فهرساً بالمصطلحات الحديثة المستعملة في الرسائل الثلاثة التي دخلت إلى لغة الأردو من اللغة الإنجليزية، مع ما يقابلهما من ألفاظ في اللغة العربية.
بتاريخ 1 ديسمبر (كانون الأول) 1949، نشرت مجلة «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثلاثة مقالات عن رسائل المودودي الثلاث: «نظرية الإسلام السياسية»، «منهاج الانقلاب الإسلامي»، «الدين القيم»، كتبها محمد بهجة البيطار. وحين صدر هذا العدد في التاريخ الذي ذكرناه، كان مسعود الندوي ومساعده محمد عاصم حداد على أهبة الاستعداد للعودة من الحجاز إلى كراتشي بباخرة اسمها بالأردية «جل دركا».
في كل مقالة من هذه المقالات الثلاث قدم محمد بهجة البيطار تعريفاً موجزاً برسائل المودودي الثلاث.
في المقال الأول، قال عن رسالة «نظرية الإسلام السياسية» من ناحية أسلوب ترجمتها إلى العربية: «إن هذه النظرية مترجمة عن الأردية، وهي فصيحة المفردات، صحيحة الأسلوب، ناصعة البيان، ليس فيها أثر للعجمة، كأنما ألّفت بلغة الضاد».
وكان من بين ملحوظات مسعود الندوي على كتاب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» ملحوظة أسلوبية؛ إذ قال عن أسلوب كاتبه سيد قطب: «ليس من شك في أنه يتصف بقوة البيان إلا أن أسلوب البيان الغربي يسيطر على الألفاظ العربية، كما في أسلوبه ولغته أيضاً الصراع بين القديم والجديد في اللغة العربية وأدبها، وكاتب هذه السطور يميل بطبعته إلى الأسلوب القديم، ويريد أن يرى اللغة العربية قريبة من لغة القرآن الكريم». وللحديث بقية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- الشرق الأوسط
البرهان ينفي دور «إخوان بورتسودان» في التحريض على الحرب
عقب عودته من زيارة لمصر ولقائه الرئيس عبد الفتاح السيسي بساعاتٍ، نفى رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان وجود «أي دور للإسلاميين وأنصار النظام السابق في بورتسودان في استمرار الحرب»، قائلاً إن البوصلة التي تدفعه لمواصلة القتال هي «الوطنية وهزيمة التمرد». وندد بما سماه «إشاعات» تصف الحرب بأنها «حرب عنصرية وضد مجموعات سكانية جهوية وقبلية»، مؤكداً أنها «حرب ضد ميليشيا (الدعم السريع)، وستستمر حتى القضاء عليها». يأتي نفي البرهان لوجود تأثيرات للإسلاميين السودانيين (الكيزان) على حكومته، في أعقاب حظر الأردن جماعة «الإخوان المسلمين» وتصنيفها «تنظيماً إرهابياً»، وفي الوقت ذاته بعد زيارته لمصر المعروف موقفها من جماعة «الإخوان المسلمين». وذكرت أماني الطويل، الصحافية المصرية المقربة من دوائر النفوذ في القاهرة، أن «مصر تراهن على دور الجيش (السوداني) في تحجيم (الإخوان المسلمين) في السودان، مستفيداً من انقسامهم وضعفهم السياسي الناتج عن ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2028، ورفض الشعب السوداني حكمهم الذي انتهى بالفشل»، في إشارة إلى حكم الرئيس السابق عمر البشير. وأشار البرهان في خطاب أمام مؤتمر عن الخدمة المدنية في بورتسودان، الثلاثاء، إلى ما سماها «دعاية خبيثة» روج لها سياسيون، بأن «الكيزان» (يقصد الإسلاميين وأنصار النظام السابق) في بورتسودان يديرون الحرب، ويملون على حكومته الأوامر. وقال: «هناك أكاذيب بأن الإسلاميين في بورتسودان يديرون الحرب... ليس هناك من يقوم بتوجيهنا في هذه الحرب، وبوصلتنا التي توجهنا هي بوصلة الوطن وهزيمة التمرد ومعاونيه، ولا يوجد من يملي علينا رأياً». ونفى البرهان وصف الحرب بأنها ضد مجموعات قبلية وجهوية، بقوله: «المشهد فيه الكثير من الأكاذيب، إثر هزيمة (الدعم السريع) روّجوا أن الحرب ضد أقليات وشعوب أو قبائل محددة... الحرب ضد ميليشيا (الدعم السريع) ومعاونيها، وليست ضد قبيلة أو جنس أو شخص». ودعا البرهان إلى «توقيف كل من يروج لمثل هذه الأكاذيب عند حده». وأضاف: «نحن نسمع أن الميليشيا (الدعم السريع) تروج أننا نقتل بدون فرز، هذا كلام القصد منه تحشيد الناس وجرهم للحرب. نحن مستمرون في الحرب ونرسل للمواطنين: لا تسمعوا هذه الأكاذيب، فالحرب ليست ضد القبائل. نوجه حديثنا إلى أهلنا في دارفور وكردفان». وألمح البرهان للعفو عمن يضع السلاح، بقوله: «الحرب ضد من يحمل السلاج ضد الدولة، وسنعفو عمن يضع السلاح ويبتعد عن المقتلة والمحرقة، ويتبرأ عن ذنوبه في ما تعرض له السودانيون»، مشيراً إلى أن هناك «من كانوا مع الميليشيا وعادوا للقتال مع الجيش، وحراستي الشخصية فيها سودانيون من كل القبائل». البرهان في مؤتمر الخدمة المدنية ببورتسودان الثلاثاء (أ.ف.ب) وقلل البرهان من إحراق إطارات السيارات (اللساتك باللهجة المحلية)، التي استخدمها المتظاهرون في شل حركة أجهزة الأمن أثناء احتجاجات النظام السابق وانقلاب أكتوبر 2021، من بينها شعار «المجد للساتك»، معلياً من شأن استخدام البندقية، بقوله: «المجد للبندقية وليس لللساتك». وطالب البرهان بمراجعة قوانين الخدمة المدنية، داعياً إلى «بتر» الموظفين الذين دخلوها بدون مؤهلات وعن طريق المحسوبية. وأشار إلى أن بعض الوزراء - لم يسمهم - عيّنوا أقاربهم في الخدمة المدنية عقب توليهم المنصب، معتبراً ذلك «معطلاً للإنتاج».


الشرق الأوسط
٢٦-٠٤-٢٠٢٥
- الشرق الأوسط
داعية المودودية في ديار العرب
كان الغرض من زيارة معتمد «دار العروبة للدعوة الإسلامية» بلاهور، مسعود الندوي، البصرة والزبير وبغداد والموصل وكركوك والكويت والرياض والطائف ومكة والمدينة، التعريف بـ«الجماعة الإسلامية»، ونشر كتب المودودي في هذه البلدان (العراق، الكويت، السعودية) وفي بلدان عربية أخرى؛ كسوريا ومصر. وكان يحمل معه في هذه الزيارة كتباً للمودودي، منها ما هو مترجم إلى العربية، ومنها ما هو مترجم إلى الإنجليزية، ومنها ما هو بلغة المودودي الأصلية، لغة الأردو، ومنها ما يعمل هو ومساعده محمد عاصم حداد على ترجمته من لغة الأردو إلى العربية، ويحمل معه أيضاً مناشير دعائية في بضع صفحات عنوانها «دعوتنا». هذه الزيارة أو هذه الرحلة دوّن يومياتها في كتابه (شهور في ديار العرب). بتاريخ 14 يوليو (تموز) 1949 - كما سجّل في يوميات هذه الرحلة - انتهى من قراءة كتاب سيد قطب (العدالة الاجتماعية في الإسلام). وكان من الملحوظات التي قالها عن هذا الكتاب وعن مؤلفه، ملحوظة قالها عن مؤلفه تهمنا في موضوعنا، وهي «بداية التسلل المودودي إلى دمشق والقاهرة»، وهي قوله: «ولا يدري المسكين أن هناك في الهند وباكستان من انشغلوا وانهمكوا، وغرقوا في وضع الأفكار الرامية إلى التطبيق العملي لهذا الحلم. إن إطلاعه على هذا الأمر يدخل في صميم أعمالنا». يشير مسعود الندوي هنا إلى «الجماعة الإسلامية» في باكستان والهند، وإلى واضع أفكارها أبي الأعلى المودودي. ويدعي في هذه الإشارة أن «حلم» العدالة الاجتماعية الإسلامية متحقق في مجتمع «الجماعة الإسلامية» الذي حين كتب ملحوظته هذه كان له من العمر سبع سنوات وأحد عشر شهراً! هذا «المجتمع» نشأ أول ما نشأ في مدينة لاهور، وبعد أن أمضى فيها عشرة أشهر «هاجر» بقيادة المودودي إلى قرية نائية سموها بـ«دار الإسلام». «هاجر» من هذا «المجتمع» إليها «ليكون بعيداً عن المدن ووسائل الحضارة الحديثة ومفاسدها»! الباعث على ملحوظة مسعود الندوي التي سلفت، هو أنه لما قرأ كتاب سيد قطب «العدالة الاجتماعية في الإسلام»، رأى أنه في كتابه لم يستعن بكتاب من كتب المودودي التي كانوا في «دار العروبة للدعوة الإسلامية» ترجموها إلى العربية. ما عزم عليه مسعود الندوي من إرادة وهي إطلاع سيد قطب على كتب المودودي تحقق، فلقد اطلع سيد قطب على بعض كتب المودودي، وتابع الاطلاع على جديدها المترجم إلى العربية في دار الفكر بدمشق في أثناء سجنه. في البداية كان سيد قطب لا يشير إلى أنه يستفيد منها كمصدر لتنظيراته الإسلامية، وتالياً صار يفصح عنها كمصدر. تعرّف مسعود الندوي - لأول مرة - على دعوة الإخوان المسلمين في العراق من خلال شبان عراقيين معتنقين لهذه الدعوة، فقرأ الجزء الأول من سيرة حسن البنا التي كتبها عن نفسه، واقتنى أعداداً من مجلة «الإخوان المسلمين»، التي تصدر من القاهرة والتي أهداها إياه بعض أولئك الشبان، فهو كان يجهل أمر دعوة الإخوان المسلمين، علماً بأنه يتقن العربية، ويحسن الكتابة بها والترجمة إليها من لغة الأردو ببيان واضح وأسلوب قويم، إضافة إلى أنه كان ينشر في بعض مجلات إسلامية عربية. في هذه الرحلة وقف مسعود الندوي بنفسه على حقيقة هي: أن الذين قرأوا ما ترجم من كتب المودودي إلى العربية عددهم قليل جداً في المدن العربية التي زارها. ومن هذا العدد القليل جداً السوري محمد كمال الخطيب، المدير المسؤول لـ«مجلة التمدن الإسلامي» السورية الذي التقاه عند الشيخ أمجد الزهاوي ببغداد بتاريخ 16 مايو (أيار) 1949. ذكر مسعود الندوي أنهما تعارفا قبل خمسة عشر عاماً من هذا اللقاء المباشر بينهما عبر المراسلة، فالندوي يرسل له في دمشق مجلة «الضياء» التي تصدر باللغة العربية والتي كان هو أحد كتّابها، ومحمد كمال الخطيب يرسل له في الهند مجلة «التمدن الإسلامي». الخطيب أخبر الندوي في هذا اللقاء أنه قرأ كتاب المودودي «نظرية الإسلام السياسية»، وأنه كتب عنه في مجلة «التمدن الإسلامي»، فأعطاه الندوي في الحال كتابين آخرين للمودودي، ووعده بإمداده بثلاثة كتب أخرى للمودودي فيما بعد. وفي اللقاء الذي أمده بالثلاثة الكتب المودودية الأخرى، كان محمد كمال الخطيب يحمل معه عدداً من مجلة «التمدن الإسلامي» يتضمن عرضاً موسعاً لكتاب المودودي «الدين القيّم». وكانت هذه المجلة - كما يذكر الندوي - قد نشرت في عددين سابقين نبذة مختصرة عن هذا الكتاب. بتاريخ 1 يوليو نشرت مجلة «المجمع العلمي العربي» بدمشق مقالاً لمسعود الندوي - وكان لا يزال زائراً للعراق - عنوانه (ثلاث رسائل من منشوراتنا العربية). قال في مقدمته: «هذه ثلاث رسائل من منشوراتنا العربية: (1) نظرية الإسلام السياسية (2) منهاج الانقلاب الإسلامي (3) الدين القيم، نبعث بها إليكم لتروا فيها رأيكم وتلاحظوها بعين النقد وتنوهوا (Review) بها في مجلتكم الزاهرة». وفي هذا المقال شرح طريقتهم في «دار العروبة للدعوة الإسلامية» في تعريب هذه الرسائل الثلاث، وعرّف بها وبـ«الجماعة الإسلامية» وبدارهم «دار العروبة» تعريفاً مقتضباً. وذكر أنها ستتلو هذه الرسائل الثلاث رسائل أخرى معرّبة من الأردية ومؤلف بعضها بالعربية من غير ترجمة. وأرفق مع المقال فهرساً بالمصطلحات الحديثة المستعملة في الرسائل الثلاثة التي دخلت إلى لغة الأردو من اللغة الإنجليزية، مع ما يقابلهما من ألفاظ في اللغة العربية. بتاريخ 1 ديسمبر (كانون الأول) 1949، نشرت مجلة «مجمع اللغة العربية» بدمشق، ثلاثة مقالات عن رسائل المودودي الثلاث: «نظرية الإسلام السياسية»، «منهاج الانقلاب الإسلامي»، «الدين القيم»، كتبها محمد بهجة البيطار. وحين صدر هذا العدد في التاريخ الذي ذكرناه، كان مسعود الندوي ومساعده محمد عاصم حداد على أهبة الاستعداد للعودة من الحجاز إلى كراتشي بباخرة اسمها بالأردية «جل دركا». في كل مقالة من هذه المقالات الثلاث قدم محمد بهجة البيطار تعريفاً موجزاً برسائل المودودي الثلاث. في المقال الأول، قال عن رسالة «نظرية الإسلام السياسية» من ناحية أسلوب ترجمتها إلى العربية: «إن هذه النظرية مترجمة عن الأردية، وهي فصيحة المفردات، صحيحة الأسلوب، ناصعة البيان، ليس فيها أثر للعجمة، كأنما ألّفت بلغة الضاد». وكان من بين ملحوظات مسعود الندوي على كتاب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» ملحوظة أسلوبية؛ إذ قال عن أسلوب كاتبه سيد قطب: «ليس من شك في أنه يتصف بقوة البيان إلا أن أسلوب البيان الغربي يسيطر على الألفاظ العربية، كما في أسلوبه ولغته أيضاً الصراع بين القديم والجديد في اللغة العربية وأدبها، وكاتب هذه السطور يميل بطبعته إلى الأسلوب القديم، ويريد أن يرى اللغة العربية قريبة من لغة القرآن الكريم». وللحديث بقية.


الشرق الأوسط
١٢-٠٤-٢٠٢٥
- الشرق الأوسط
بداية التسلل المودودي إلى دمشق والقاهرة
لم يقرأ سيد قطب من كتب الإسلاميين في نقد الحضارة الغربية سوى أربعة كتب، هي - بحسب توالي زمن قراءته لها -: كتاب «الإسلام على مفترق الطرق» لمحمد أسد، وكتاب «الإسلام والنظام العالمي الجديد» لمولانا محمد علي، وكتاب «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟» لأبي الحسن الندوي، وكتاب «الحجاب» لأبي الأعلى المودودي. فهذه الكتب هي الكتب التي كانت زاده وعدته في نقد الحضارة الغربية. ولم يقرأ من كتب الغربيين في نقد الحضارة الغربية سوى كتاب واحد هو «الإنسان ذلك المجهول» لألكسيس كاريل. وقراءته لهذا الكتاب الواحد والوحيد هي التي جعلت من كتابه «الإسلام ومشكلات الحضارة» مجرد عرض وشروحات قصيرة لكتاب كاريل. بما يتعلق بالإفادة الأولى، ثمة ملحوظة، وهي أن سيد قطب استعان بكتاب المودودي «الحجاب»، ولم يستعن بكتابه الآخر «نحن والحضارة الغربية»، رغم أن أستاذنا الكبير رضوان السيد في دراسة من دراساته التي تناول فيها نقد الإسلاميين للغرب، أخبرنا أن الكتاب الأخير ترجم إلى اللغة العربية عام 1955، وأن الناشر كان «دار الفكر العربي» بالقاهرة. بحثت عن هذه الطبعة في أكثر من مكتبة عامة في الرياض، ولم أعثر عليها، فأقدم الطبعات فيها هي طبعات «دار الفكر» التي في تواريخها ترجع إلى عقد الستينات الميلادية. ومشكلة هذه الطبعات أنها كانت غير مؤرخة. لهذا اختلف الباحثون في إحالاتهم لهذا الكتاب في تحديد تاريخ أول طبعة منه، فمِن قائل إنها كانت في عام 1968، إلى قائل إنها كانت في عام 1965. إلى قائل إنها كانت في عام 1964، إلى قائل إنها كانت في عام 1960! ويعتقد كثير من الباحثين حين يحيلون إلى كتاب المودودي «نحن والحضارة الغربية»، أن «دار الفكر» هي دار بيروتية بينما هي دار دمشقية. هذه الدار الدمشقية لها منذ الخمسينات الميلادية، فرع في بيروت يحمل الاسم نفسه: «دار الفكر». وبسبب الخلط والتشويش الذي خلقته هذه الدار الدمشقية حول نفسها غيرت اسم الفرع البيروتي من «دار الفكر» إلى دار «الفكر المعاصر». ولا أعلم في أي عام ولا في أي عقد غيرت اسمها في بيروت. ويجوز أن كتاب المودودي «نحن والحضارة الغربية» في طبعة من طبعاته في الستينات الميلادية طبع في «دار الفكر» ببيروت. وأقول هذا اعتماداً على سابقة في تاريخ النشر عند هاتين الدارين. فكتاب المودودي «الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية» طبع في «دار الفكر» الدمشقية عام 1952، وطبع في العام نفسه (1952) في «دار الفكر» البيروتية. وطبعُ هذا الكتاب في هذا العام وفي هاتين الدارين ينقض ما تقوله «دار الفكر» الدمشقية عن نفسها بأنها تأسست عام 1957! لا ينتهي التشويش عند هذا الحد، فكتب أو رسائل المودودي المترجمة إلى العربية (الترجمة كان يقوم بها مودوديون من شبه القارة الهندية، ونشر ما ترجموه في القاهرة ودمشق) التي نشرتها «دار الفكر» الدمشقية في الخمسينات الميلادية، نشرتها باسم «دار الفكر الإسلامي»، مع أنها كما في كتاب (الأسس الأخلاقية للحركة) الذي مر ذكره نشرته بدمشق وبيروت باسم «دار الفكر». وابتداء من عام 1960 استقرت على اسم «دار الفكر». كما أن هناك رسائل للمودودي مترجمة إلى العربية نشرت عن طريق هذه الدار باسم «مكتبة الشباب المسلم». هذا الاسم يجعل حتى الباحث المختص بتاريخ الإخوانية (الإخوانية نسبة إلى الإخوان المسلمين) وبتاريخ المودودية (المودودية نسبة إلى أمير الجماعة الإسلامية بباكستان والهند، أبي الأعلى المودودي) يخلط بينه وبين اسم «لجنة الشباب المسلم» بالقاهرة. أستعملُ تعبير «المودودية» وتعبير «المودوديين» لثلاثة أسباب، هي: يسوغ - لغوياً - النسبة إلى المودودي، ويتعذر - لغوياً - النسبة إلى «الجماعة الإسلامية» التي كان هو أميرها منذ تأسيسها، كما هو الحال في النسبة إلى «الإخوان» في اسم «جماعة الإخوان المسلمين». إن المودودي تبلورت أفكاره الإسلامية المحدثة - على نحو كامل - في وقت مبكر من عمره مع تأليفه كتاب «مصدر قوة المسلم» عام 1925، وهو في الثانية والعشرين من عمره وبثه لها منذ ذلك الحين بين جموع مسلمي الهند قبل تأسيسه «الجماعة الإسلامية»، واختياره أميراً لها عام 1941، وقبل تقسيم شبه القارة الهندية إلى باكستان والهند عام 1947. إن المودودي هو الصانع الأول للنظرية الإسلامية الأصولية، وصانع معالمها الرئيسية، وكل من أتى بعده من منظّريها المهمين هم عيال عليه، بمن فيهم أبو الحسن الندوي. وأستثني من هذا الحكم محمد أسد في كتابه «الإسلام على مفترق طرق» الصادر بالإنجليزية عام 1934. فهو في هذا الكتاب لم يكن متأثراً ولا مستلهماً ولا مسترفداً بما قاله المودودي قبله. نعود إلى إيضاح تشويش الأسماء الذي خلقته «دار الفكر» الدمشقية. في كتاب من كتب المودودي منشور في «دار الفكر الإسلامي»، كُتب في بيانات هذا الكتاب في الصفحات الأخيرة منه، هذه المعلومة: «دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر، مؤسسة ثقافية تعمل على نشر نفائس الكتب الإسلامية القديمة والحديثة»، ثم كتب رقم صندوق بريدها ورقم هاتفها في دمشق. أي أن «دار الفكر الإسلامي» تابعة للمؤسسة الأم «دار الفكر». «مكتبة الشباب المسلم» كانت تنشر تحت مظلة «دار الفكر»، فهي تابعة مباشرة لـ«دار العروبة للدعوة الإسلامية» بلاهور في باكستان. والدار الأخيرة هي ذراع نشر أفكار المودودي بعد ترجمتها من لغة الأوردو إلى لغات مختلفة، منها اللغة العربية، وكان أول كتابين للمودودي ترجما من الأوردو إلى العربية، هما كتاباه: «منهج الانقلاب الإسلامي»، و«نظرية الإسلام السياسي»، ترجما عام 1946. وبُعث الكتابان المترجمان إلى القاهرة ليُقرآ في مصر، وليقرآ في البلاد العربية. لكنهما وسواهما لم توزع في مصر ولا في البلاد العربية، كما يجب. وهذا ما لمسه أول معتمد لـ«دار العروبة للدعوة الإسلامية»، مسعود الندوي حين انتهى بتاريخ 14 يوليو (تموز) 1949 من قراءة كتاب «العدالة الاجتماعية في الإسلام» لسيد قطب في بغداد في رحلته المودودية التي شملت المدن التالية: البصرة، الزبير، بغداد، الموصل، كركوك، الكويت، الرياض، الطائف، مكة، المدينة. ففي هذه الرحلة - التي صحبه فيها مساعده محمد عصام حداد - كان يحمل معه كتب المودودي المنجز ترجمتها إلى العربية، فيوزع منها على الشخصيات التي التقاها في تلك المدن. وللحديث بقية.