logo
سك العملة المعدنية الحوثية الجديدة… سياسة مالية أحادية تعمّق الانهيار الاقتصادي في اليمن

سك العملة المعدنية الحوثية الجديدة… سياسة مالية أحادية تعمّق الانهيار الاقتصادي في اليمن

في تصعيد جديد يعكس استهتار جماعة الحوثي بالوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور في اليمن، أعلنت الجماعة عن سك عملة معدنية مزورة جديدة من فئة خمسين ريالًا، وبدء تداولها في مناطق سيطرتها اعتبارًا من 13 يوليو 2025، هذه الخطوة التي قوبلت بردود فعل رسمية غاضبة وتحذيرات واسعة من البنك المركزي اليمني في عدن، ليست مجرد إجراء نقدي عابر، بل تأتي في سياق سلسلة طويلة من السياسات الأحادية التي تتبعها المليشيا بهدف تكريس واقع اقتصادي منفصل، وتمكين شبكتها المالية الخاصة، على حساب الاقتصاد الوطني واستقرار حياة المواطنين.
وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني قال في تصريح شديد اللهجة إن جماعة الحوثي تحاول من خلال هذا الإجراء "حرف الأنظار عن الكوارث التي قادت البلاد إليها"، مضيفًا أن الجماعة تسعى للتغطية على فشلها وفسادها باستخدام وسائل عبثية، مثل إصدار عملات غير شرعية، في وقت تعيش فيه مناطق سيطرتها حالة من الانهيار الاقتصادي، وتآكل غير مسبوق في القدرة الشرائية للمواطنين.
وأشار الوزير إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في العملة بحد ذاتها، بل في السياسات الممنهجة التي تتبعها الجماعة، مثل نهب الإيرادات العامة، ومنع تداول العملة الوطنية، وإنشاء اقتصاد موازٍ خارج النظام المصرفي الرسمي، ما أدى إلى تدمير متعمد للبنية التحتية المصرفية في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة للحوثيين.
الإرياني أضاف أن المليشيا، بدلًا من معالجة جوهر الأزمة الاقتصادية، والتي تبدأ من التوريد المنتظم للإيرادات العامة إلى البنك المركزي، مرورًا بإيقاف الجبايات غير القانونية، وانتهاءً بصرف رواتب الموظفين المنقطعة منذ سنوات، تذهب نحو إصدار هذه العملة المزورة كغطاء لاستمرار سياساتها الأحادية، التي تهدف لتكريس نظام مالي موازٍ ومعزول عن النظام الوطني، وإدامة الانقسام النقدي بين صنعاء وعدن، الذي تستخدمه الجماعة كأداة ابتزاز مباشر بحق المواطنين، وكوسيلة لنهب مدخراتهم والسيطرة على تفاصيل حياتهم اليومية.
واعتبر أن إصدار العملة لن يحل الأزمة المعيشية، بل سيعمقها، وسيسهم في تسريع الانهيار الاقتصادي، مؤكدًا أن هذه الخطوة ليست سوى استمرار للسياسات التدميرية التي تنتهجها المليشيا بحق الاقتصاد الوطني، باستخدام المال كأداة حرب واستغلال معاناة الناس لأغراض سياسية وشخصية.
من جهته، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن بيانًا رسميًا أدان فيه بشدة إعلان مليشيا الحوثي إصدار عملة معدنية جديدة، واصفًا الخطوة بأنها "فعل عبثي وتصعيد ينسف الاتفاق الأممي الخاص بالملف الاقتصادي"، في إشارة إلى إعلان 23 يوليو 2024 الذي تم برعاية دولية وإقليمية، وقضى بجملة من الترتيبات النقدية والمصرفية الهادفة لخفض التوتر الاقتصادي بين الطرفين.
وأكد البنك أن هذا الإجراء يُعد استمرارًا للحرب الاقتصادية التي تشنها الجماعة على الشعب اليمني، ويعكس إمعانها في تدمير النظام المالي ونهب مدخرات المواطنين، لتمويل شبكاتها ومجهودها الحربي، دون أي غطاء قانوني أو نقدي.
وأشار البنك في بيانه إلى أن الحكومة الشرعية نفذت التزاماتها كاملة بموجب إعلان 23 يوليو، بينما لم تلتزم جماعة الحوثي بأي من البنود، بل إنها تراجعت منذ اليوم الأول عن الإجراءات التي بادرت بها قبل الإعلان، وواصلت التصعيد الاقتصادي بشكل ممنهج، وصولًا إلى إصدار العملة المزورة الأخيرة.
ودعا البنك كافة المواطنين، وكذلك البنوك وشركات الصرافة وقطاع الأعمال في مناطق سيطرة الجماعة، إلى تجنب التعامل مع العملة الجديدة باعتبارها مزورة وصادرة عن كيان غير شرعي، محذرًا من أن التعامل بها سيعرّضهم للمساءلة القانونية والعقوبات الدولية، سواء بسبب ترويج عملة مزيفة، أو للتعامل المباشر مع جماعة مصنفة ضمن قوائم الإرهاب الدولي.
وفي تأكيد على خطورة الموقف، اعتبر البنك المركزي أن إصدار العملة الجديدة يُعد نسفًا متعمدًا لأي جهود سلام اقتصادي، وانقلابًا واضحًا على تعهدات الجماعة أمام المبعوث الأممي والمجتمع الدولي، محملًا إياها كامل المسؤولية عن التداعيات الخطيرة لهذه السياسات.
كما دعا الشركاء الإقليميين والدوليين إلى اتخاذ موقف حازم إزاء هذا التصعيد، والضغط على الجماعة للعودة إلى المسار المتفق عليه وتحمّل التزاماتها.
كما طالب رجال المال والأعمال، والبنوك، وشركات الصرافة في صنعاء وبقية المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، باتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية رؤوس أموالهم واستثماراتهم من مخاطر المصادرة أو الضياع، خاصة بعد أن ثبت أن الجماعة تسيطر بالكامل على الشبكات المالية وتستخدمها لأغراض غير مشروعة، داخل اليمن وخارجه.
ويرى المراقبون أن خطوة سكّ العملة الجديدة ليست سوى حلقة إضافية في سلسلة من السياسات المالية المتهورة التي تنتهجها الجماعة منذ سنوات، والتي تهدف إلى خلق واقع اقتصادي مستقل يقطع الصلة بالمؤسسات الرسمية، ويمنحها سيطرة مطلقة على مفاصل الحياة الاقتصادية في مناطقها، هذه الخطوة تأتي في وقت لم تُصرف فيه رواتب موظفي الدولة منذ أكثر من سبع سنوات، فيما تستمر الجماعة في جباية الضرائب والرسوم والزكاة من المواطنين والتجار دون أي التزام بالخدمات أو الإنفاق العام، ما يجعل من هذه الإيرادات أداة للثراء الشخصي والتمويل الحربي، كما أن إصدار عملة مزورة لا يتوافق مع أي معايير مصرفية أو قانونية معترف بها دوليًا، ويضع اليمن أمام مخاطر حقيقية تهدد ما تبقى من ثقة في النظام النقدي والقطاع المصرفي.
ويرى الخبراء أن الحوثيين يحاولون استخدام هذه العملة كأداة لفرض وقائع سياسية واقتصادية على الأرض، بما يعزز موقفهم التفاوضي لاحقًا في أي محادثات سلام، على حساب المواطن الذي يجد نفسه ضحية انهيار اقتصادي مدمر وانعدام شبه كلي للخدمات.
في المقابل، تُظهر الحكومة اليمنية التزامًا واضحًا بالمسارات المتفق عليها دوليًا، لكنها تجد نفسها في موقف دفاعي نتيجة تصعيد الحوثيين المستمر، وسط صمت دولي لم يرتقِ بعد إلى مستوى هذه الانتهاكات، وفي ظل هذا التصعيد النقدي المتعمد، تبقى معاناة اليمنيين مرشحة للتفاقم، وتبقى التحذيرات من كارثة اقتصادية شاملة أكثر واقعية من أي وقت مضى.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

باحث سوري: دمشق تتبنى مشروعاً يهدد وحدة البلاد ويستهدف الأقليات
باحث سوري: دمشق تتبنى مشروعاً يهدد وحدة البلاد ويستهدف الأقليات

شفق نيوز

timeمنذ 23 دقائق

  • شفق نيوز

باحث سوري: دمشق تتبنى مشروعاً يهدد وحدة البلاد ويستهدف الأقليات

شفق نيوز- دمشق قال الباحث السوري في مركز "الفرات" للدراسات، لزكين إبراهيم، يوم الأربعاء، إن الانتهاكات التي تتعرض لها محافظة السويداء تأتي ضمن مسار سياسي متصاعد تسلكه بعض أطراف المعارضة، يهدف إلى فرض "هيمنة أحادية" تُقصي التنوع السوري، وتُعيد تشكيل السلطة على أسس عددية وطائفية تُناقض مبادئ الشراكة الوطنية. وذكر إبراهيم لوكالة شفق نيوز، أن "الحكومة السورية المؤقتة، التي كان يُفترض أن تشكّل بديلاً ديمقراطياً للسلطة المركزية، باتت تتبنى خطاباً وسلوكاً لا يختلف كثيراً عن الجماعات الجهادية التي ترفض التعددية، وتتعامل مع التنوع القومي والطائفي كتهديد لشرعية وجودها". وتابع، أن "شعارات مثل (حصر السلاح بيد الدولة) تُستخدم كغطاء لنزع سلاح القوى غير التابعة للحكومة المؤقتة، مثل الكورد والدروز، في الوقت الذي يُغضّ فيه الطرف عن انتشار الميليشيات العشائرية المسلحة في مناطق تُعدّ حاضنة لها، تُستخدم كأذرع ميدانية في فرض هذا المشروع السياسي". واعتبر، أن "هذه الازدواجية تكشف بنية سياسية قائمة على منطق الهيمنة وليس على أساس الشراكة والمواطنة"، مشيراً إلى أن "حوادث التحريض الطائفي المتكررة – من مجازر الساحل ضد العلويين، إلى استهداف كنيسة مار إلياس، ووصولاً إلى الهجمات ضد أبناء السويداء – تعكس استمرار عقلية الثورة المسلحة، وغياب مفهوم الدولة المدنية". وأرى إبراهيم، أن "تحريك أرتال ميليشياوية نحو السويداء، وتحريض بعض العشائر السنية ضد الدروز، يندرج ضمن استراتيجية تعتبر الأقليات خصوماً وجوديين، لا شركاء في بناء سوريا الجديدة". كما أشار إلى أن "هذا النمط من السياسات يوازي ما تقوم به السلطة في دمشق من محاولات لتأجيج فتنة عربية-كوردية، تهدف لتفكيك الحاضنة الشعبية لقوات سوريا الديمقراطية". وانتقد الباحث "الصمت العربي" حيال ما وصفه بـ"الانتهاكات الممنهجة ضد الدروز"، قائلاً إن "بعض الدول العربية تندد بالغارات الإسرائيلية لكنها تتجاهل الدعوات المتكررة من السويداء للحماية الإقليمية والدولية، وتغض النظر عن مسؤولية الحكومة المؤقتة في تصعيد التوتر والانتهاكات". ولفت إلى أن "رهان الحكومة المؤقتة على كسب الدعم الغربي من خلال إبداء الاستعداد للتطبيع مع إسرائيل، يمثل محاولة مكشوفة لشراء شرعية خارجية تُستخدم لقمع الداخل، خصوصاً عبر مشروع نزع سلاح الأقليات تحت ذريعة (توحيد القرار العسكري)". وختم إبراهيم بـ"التحذير من أن استمرار هذا النهج لن يؤدي إلى الاستقرار، بل سيُعمّق الانقسام، ويُغذّي النزعات الانكفائية لدى المكونات المستهدفة"، مشدداً على أن "سوريا بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يُبنى على المواطنة والشراكة، لا العصبية والإقصاء". ومنذ 13 تموز/ يوليو الجاري، تشهد السويداء مواجهات عنيفة بين الدروز، وبدو موالين لحكومة الشرع، أدت لمقتل العشرات وسط محاولات رسمية لوقف إطلاق النار، فيما تدخلت القوات الإسرائيلية جواً بزعم حماية الأقلية الدرزية، ما يجعل المحافظة على شفا انفجار أمني وأمني متجدد. وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الأربعاء، ارتفاع حصيلة القتلى جراء الاشتباكات التي شهدتها محافظة السويداء جنوب سوريا إلى 269 قتيلاً، في واحدة من أعنف المواجهات التي شهدتها المنطقة مؤخراً. وأحصى المرصد منذ اندلاع الاشتباكات الأحد الماضي، مقتل 64 مسلحاً درزياً إضافة الى 28 مدنياً، 21 منهم قتلوا "بإعدامات ميدانية برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية"، مقابل 138 قتيلاً من عناصر وزارتي الدفاع والأمن العام و18 مسلحاً من البدو. وكانت حصيلة سابقة للمرصد ليل أمس الثلاثاء أحصت مقتل 224 أشخاص من الطرفين.

استهداف ممنهج وصمت رسمي..  العلويات في سوريا بين الخطف والابتزاز والإرهاب الطائفي
استهداف ممنهج وصمت رسمي..  العلويات في سوريا بين الخطف والابتزاز والإرهاب الطائفي

الحركات الإسلامية

timeمنذ 25 دقائق

  • الحركات الإسلامية

استهداف ممنهج وصمت رسمي.. العلويات في سوريا بين الخطف والابتزاز والإرهاب الطائفي

في ظل التدهور الأمني والاجتماعي الذي تشهده سوريا منذ سنوات، تظهر على السطح ظاهرة مفزعة تزداد تفشياً يوماً بعد يوم، وتتعلق باستهداف نساء ينتمين إلى طائفة دينية بعينها، في وقائع اختطاف وابتزاز واعتداءات جسدية ونفسية تحمل طابعاً طائفياً واضحاً. و تشير تقارير صحفية إلى أن نساء سوريات من خلفية دينية محددة يتعرضن لاختفاءات قسرية واحتجازات عنيفة، في سياق يبدو أقرب إلى حملة منظمة ذات دوافع عقائدية وانتقامية. هذا النمط المتصاعد من العنف يعيد إلى الأذهان تجارب مأساوية شهدتها المنطقة، حيث لعبت الهوية الدينية دوراً رئيسياً في عمليات خطف واستعباد، ما يطرح تساؤلات عميقة حول أهداف هذه الجرائم والجهات التي تقف خلفها. إحدى النساء اللواتي تعرضن لهذا المصير القاسي ظهرت مؤخراً في صورة انتشرت على منصات التواصل، وقد بدت فيها هزيلة وخائفة، تحتضن طفلها الرضيع الذي عاد إليها بعد أن انتزع منها بالقوة. ووفق إفادتها، بحسب شبكة دويتشه فيله الألمانية، خُطفت على يد رجال ملثمين أثناء توجهها للحصول على مساعدات إنسانية قرب الساحل السوري، بعد أن تبين لهم أنها تنتمي إلى طائفة دينية محددة. طيلة فترة احتجازها، تعرضت للتعذيب والإهانة، وجُردت من طفلها، وأُجبرت على التوقيع على أوراق اكتشفت لاحقاً أنها عقد زواج قسري بشخص مجهول. لم يكن العنف الجسدي وحده هو الوسيلة المستخدمة، بل كانت الشتائم الطائفية والتهديدات النفسية حاضرة في كل لحظة من لحظات الأسر. الغاية من هذه العمليات لم تكن فقط الترويع أو الإخضاع، بل شملت الابتزاز المالي. العائلة التي تلقت صور الضحية تحت التعذيب اضطرت في النهاية لدفع فدية ضخمة مقابل الإفراج عنها. وبالرغم من استعادتها لحريتها، فإن الآثار الجسدية والنفسية ما زالت عالقة، لتكون هذه السيدة مجرد واحدة من عشرات الحالات المشابهة التي تشهدها البلاد، وسط صمت رسمي وتجاهل قضائي. القصص المروعة التي تخرج من داخل سوريا تفيد بأن هذه الحالات ليست فردية أو عشوائية. بل تتحدث تقارير موثوقة عن وجود نمط متكرر في الاستهداف، حيث يتعرض النساء المنتميات إلى نفس الطائفة للخطف من مناطق مختلفة، وغالباً ما يتم احتجازهن في أماكن سرية قبل أن تبدأ عمليات التفاوض مع ذويهن لدفع فدية. هذه الجرائم تنفذها جماعات مسلحة بعضها مرتبط بفصائل ذات خلفيات عقائدية متشددة، ما يمنح هذه الأفعال بعداً إرهابياً واضحاً، خصوصاً عندما تقترن بالإهانات الطائفية ومحاولات الإذلال الرمزي. في واحدة من الحالات، اختفت فتاة شابة أثناء خروجها من منزلها لقضاء مهمة اعتيادية. بعد ساعات، تلقت عائلتها اتصالاً من رقم أجنبي يخبرهم أن ابنتهم لن تعود أبداً. وعندما لجأت العائلة إلى السلطات، جاء الرد الرسمي بأن 'مثل هذه الحوادث غالباً ما تكون بسبب هروب الفتيات مع عشاقهن'، في تبرير يحمل استخفافاً بالحدث، غير أن الحقيقة تكشفت لاحقاً حين طالب الخاطفون بفدية، وطُلب من العائلة تحويل المبلغ إلى جهة في الخارج، وهو ما تم توثيقه لاحقاً من خلال مستندات مالية وأدلة شخصية تظهر أن المستفيدين يقيمون في دول الجوار. كما طُرحت مقارنات بين هذه الظاهرة وما حدث مع الإيزيديات في العراق قبل سنوات، عندما تعرضت مئات النساء من هذه الطائفة للخطف والاستعباد الجنسي على يد تنظيمات متطرفة. ومع أن التقارير الحالية لم تثبت وجود نمط مشابه في سوريا فيما يخص النساء المختطفات، إلا أن التخوف من تكرار هذا السيناريو يبقى قائماً، خاصة مع ورود شهادات لضحايا تحدثن عن محاولات لإجبارهن على الزواج القسري، أو تعنيفهن على خلفيتهن الدينية. الخشية المتزايدة بين الأهالي تنبع من وجود صلة واضحة بين الخاطفين وبعض الجهات التي تحظى بدور في السلطة الجديدة، بحسب ما أوردته تقارير صحفية. هذه العلاقة، وإن لم يتم إثباتها بشكل نهائي، تعزز الإحساس بالعجز لدى الأهالي، وتجعل فكرة الإنصاف أو المحاسبة بعيدة المنال. وفي ظل هذا الواقع، يلجأ كثيرون إلى الصمت، خشية الانتقام أو حفاظاً على ما تبقى من شرف العائلة، ما يزيد من صعوبة التوثيق ويحول دون تحرك دولي فعال. تبدو دوافع هذه الحملة متعددة، فإلى جانب الطمع المادي والابتزاز، تظهر أيضاً نوايا سياسية واضحة تسعى إلى إذلال جماعي لمجتمع كامل، من خلال استهداف النساء تحديداً، لما لهن من رمزية في البنية الاجتماعية. وعند النظر إلى خلفيات بعض الأفراد الذين تم تعيينهم في مناصب أمنية وعسكرية في سوريا الجديدة، تبرز مؤشرات خطيرة، فقد تبين أن بعضهم خاضع لعقوبات دولية بسبب تورطه في قضايا تتعلق بالاتجار بالبشر أو دعم جماعات متطرفة، وهو ما يضيف تعقيداً على المشهد ويعزز الشكوك في وجود تواطؤ رسمي. الملفت أن السلطات السورية لم تصدر أي تعليق رسمي رغم توالي التقارير والتحقيقات حول هذه الظاهرة، وحتى عند التوجه بأسئلة محددة حول حالات اختفاء نساء بعينهن، يأتي الرد إما بالنفي أو بالإحالة إلى تفسيرات لا تتناسب مع فداحة الواقع. وفي المقابل، تؤكد منظمات حقوقية أن هذه الانتهاكات تُمارس بشكل ممنهج، وغالباً ما تُرتكب تحت غطاء من الإفلات من العقاب، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لحماية النساء، خاصة عندما يكنّ من طائفة مستهدفة. المعاناة لا تتوقف عند الضحية، بل تمتد إلى العائلات التي تعيش بين الخوف والانتظار، عاجزة عن التحرك أو حتى التحدث إلى الإعلام. عدد كبير من الأسر المتضررة يرفض الكشف عن هويته، ويفضل الصمت على الدخول في مواجهة غير متكافئة مع الواقع الأمني المعقد. ومع كل حالة اختطاف جديدة، يتعمق الجرح، ويتجدد السؤال حول حدود العنف الذي يُمارس باسم الدين والسياسة، في غياب ضمير دولي قادر على التدخل بشكل حاسم. ويري مراقبون أنه وسط هذه الصورة القاتمة، لا يبدو أن هناك نهاية قريبة لهذا النمط من الجرائم، خاصة في ظل استمرار التوترات الطائفية وتعدد الجهات المسلحة التي تعمل خارج نطاق القانون، بينما يتحدث العالم عن إعادة إعمار سوريا، تبدو نساء كثيرات في الداخل وكأنهن يُعاقبن على هويتهن، ويُحولن إلى أدوات ضغط في صراعات لا ناقة لهن فيها ولا جمل، ليظل مصيرهن معلقاً بين التعتيم والصمت، في ظل صراع تتزايد فيه ملامح الإرهاب المقنع تحت عناوين دينية أو سياسية.

"لماذا تتدخّل إسرائيل في سوريا؟"
"لماذا تتدخّل إسرائيل في سوريا؟"

شفق نيوز

timeمنذ ساعة واحدة

  • شفق نيوز

"لماذا تتدخّل إسرائيل في سوريا؟"

في عرض الصحف اليوم نتناول عدداً من الموضوعات: أولّها يتعلق بالقصف الإسرائيلي لسوريا، ودوافع هذا القصف؛ ثم ننتقل إلى تركيا، والمسار الديمقراطي فيها وما يتعيّن على الولايات المتحدة والغرب القيام به في هذا الصدد؛ قبل أن نختتم الجولة بالحديث عن أفغانستان وتهريب الآلاف من مواطنيها سِرّاً إلى بريطانيا، في محاولة للوقوف على أسباب تلك الخطوة وتبعاتها. ونستهل جولتنا من صحيفة "ذا كونفرسيشن" البريطانية، ومقال بعنوان "لماذا تقصف إسرائيل سوريا؟"، بقلم علي معموري، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط. لفت الباحث إلى أن الدروز هم أقلية دينية يُقدَّر تعدادها بنحو مليون نسمة أو ما يزيد قليلاً على ذلك، تتمركز في مناطق جبلية ممتدة بين لبنان وسوريا وإسرائيل والأردن. وأشار معموري إلى أن تعداد الدروز في سوريا يناهز 700 ألف نسمة (من إجمالي نحو 23 مليون سوري)، يعيش معظمهم في محافظة السويداء جنوبي البلاد - والتي تعتبر بمثابة معقل تقليدي لهم. ومنذ مظاهرات 2011 ضد نظام الأسد، حافظ الدروز على درجة من الاستقلالية والحُكم الذاتي، ونجحوا في الدفاع عن أرضهم ضد مختلف التهديدات، بما في ذلك تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية وغيره من الجماعات الجهادية. ومنذ الإطاحة بنظام الأسد في العام الماضي، ينادي الدروز - ومعهم أقليات أخرى كالأكراد في الشرق السوري، والعلويين في الغرب - بنظام فيدرالي، لا مركزيّ، بما يمنحهم مزيداً من الاستقلالية. لكن الحكومة الانتقالية في دمشق تدفع صوب حُكم مركزيّ وتسعى إلى إحكام قبضتها على الإقليم السوري بالكامل، حسب معموري، الذي يضيف: "هذا الاختلاف الجوهري أدى بدورِه إلى صدامات متواترة بين قوات دُرزية من جهة وقوات موالية للحكومة في دمشق من جهة أخرى". ورغم الهدنة المؤقتة، فإن التوترات لا تزال محتدَّة، وفي ظلّ استمرار السبب الأساسي للخلاف قائماً، يتوقّع كثير من المراقبين تجدُّد الصدام في المستقبل القريب. لكنْ "لماذا تتدخّل إسرائيل؟"، يرى صاحب المقال أن سقوط نظام الأسد فتح الطريق أمام إسرائيل لتوسيع نفوذها في الجنوب السوري، على أنّ هذا التدخل الإسرائيلي يظل مدفوعاً بسببَين رئيسيين، وفقاً للباحث: أحدهما، هو تأمين حدودها الشمالية، إذ تتخوف إسرائيل من فراغ السُلطة في الجنوب السوري، وترى في ذلك تهديداً محتملاً عليها، لا سيما مِن تَكوُّن ميليشيات مناهضة لها على حدودها الشمالية. وفي سبيل ذلك، ينفّذ سلاح الجو الإسرائيلي هجمات موسّعة تستهدف بِنية تحتية للجيش السوري. السبب الثاني الرئيسيّ وراء التدخل الإسرائيلي، بحسب الباحث، هو دعم قيام نظام فيدرالي في سوريا – وهو ما يسعى إليه الأكراد والدروز. ويقول الكاتب: "إن سوريا المُقسّمَة بالطوائف والعِرقيات، هي طريق لاحتفاظ إسرائيل بالهيمنة في المنطقة، من وجهة نظر عدد من صانعي السياسة في إسرائيل". ويضيف: "السبيل المنطقي لهذا الهدف هو حصول مختلف الأقليات في سوريا على الحُكم الذاتي في نظام فيدرالي". "تركيا اليوم تبدو خالية ممّن يمكنه كبْح جِماح أردوغان" وننتقل إلى صحيفة "النيوزويك" الأمريكية، حيث نطالع مقالاً بعنوان "ما الذي بوسع واشنطن أن تفعله لإبطاء وتيرة التحوّل الاستبدادي في تركيا؟" - بقلم الباحثين سنان سيدي، وتايلور ستابلتون. واستهل الباحثان بالقول إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يمزّق الديمقراطية في بلاده، ويزداد جرأة على ذلك الطريق يوماً بعد يوم، عبْر سَجن خصومه السياسيين، فضلاً عن البدء في مسعى يستهدف منْع نحو نصف عدد نُوّاب الحزب المعارض الرئيسي من الجلوس في البرلمان. واستغرب الباحثان دعْم كل من الولايات المتحدة وأوروبا لرجُل تركيا القوي، على نحو يهدّد بقيام نظام استبدادي شامل جديد على تخوم أوروبا. ولفت الباحثان إلى أنّ بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، تنظر إلى أنقرة باعتبارها شريكاً أمنياً أساسياً في مواجهة التهديد الروسي المتنامي، بينما تعتقد واشنطن أن بإمكانها التعويل على تركيا في استقرار سوريا وتحقيق السلام في أوكرانيا، بل وفي الوساطة بين إسرائيل وإيران. ورأى الباحثان أن مثل هذا الدعم "المتحمّس" من جانب حلفاء أردوغان الغربيين كفيلٌ بإطلاق يده لمزيد من توطيد أركان نظامه في تركيا. وبحسب الباحثَين، فإن الديمقراطية في تركيا تختلف عن غيرها من الديمقراطيات؛ "نعم، هناك انتخابات تُجرى، لكن أردوغان يتلاعب بأجوائها بحيث يؤمّن لنفسه الفوز بها". ورأى الباحثان أن أردوغان فرّغ المجتمع المدني التركي من محتواه، وقيّد حرية الصحافة والتعبير؛ فلم يعُد إلا القليل ممن يجرؤون على انتقاده، وهؤلاء غالباً ما ينتهي بهم الحال في غياهب السجون. ونوّه الباحثان إلى تراجُع شعبية أردوغان، رغم كل ما يتخذه من تدابير؛ "لكنّ عدم وجود شعبية لا يُعدّ سبباً كافياً لكي يخسر حاكم استبداديّ الانتخابات... وبعد 23 عاماً في السُلطة، ليس غريباً أن يُقدِم أردوغان وبجرأة على طُرق غير ديمقراطية". ولفت الباحثان إلى إنكار أردوغان فُرصة منافَسَته انتخابياً على حزب الشعب الجمهوري، مشيرَين إلى إقدامه في 19 مارس/آذار الماضي على اعتقال عُمدة اسطنبول أكرم إمام أوغلو بتُهم تتعلق بالفساد. وخلُص الباحثان إلى القول إن "تركيا اليوم تبدو خالية ممّن يمكنه كبْح جِماح أردوغان، وهو ما يجعل الضغوط من حلفاء تركيا الخارجيين ضرورية، ليس من أجل إنقاذ الديمقراطية في تركيا فحسب، ولكن للحفاظ كذلك على أمن الغرب". وإلى ذلك، رأى الباحثان أنّه يتعيّن على واشنطن الإبقاء على قرار حظْر مبيعات طائرات إف-35 إلى تركيا، "ففي إمدادها بهذه الطائرات تهديدٌ بتسليحِ حليفٍ في طريقه لكي يكون خصماً، فضلاً عن إمكانية الوقوف على أسرار ما تمتاز به هذه الطائرات من قدرات عسكرية ووصول تلك الأسرار إلى أصدقاء أردوغان في كل من روسيا والصين وإيران". كما يتعيّن على واشنطن كذلك، وفقاً للباحثَين، النظر في تقييد مبيعات أنظمة السلاح المصنّعة في تركيا - كالمسيّرات - إلى جهات معتمَدة من قِبل وزارة الدفاع الأمريكية. أما الاتحاد الأوروبي، فينبغي عليه - بحسب الباحثين - تعليق المفاوضات الجارية بشأن إصلاح اتفاقية الاتحاد الجمركي مع تركيا، وأن يشترط على الأخيرة تحسين أوضاع حقوق الإنسان وتعزيز الحوكمة الديمقراطية، قبل زيادة التبادل التجاري بين الجانبين. "ماذا لو حدث مثل هذا التسريب وقت الحرب؟!" ونختتم جولتنا من "الديلي ميل" البريطانية، وافتتاحية بعنوان "تهريب الأفغان لا يمكن إلا أن يكون شراً". وعلّقتْ الصحيفة على عملية اختراق بيانات تعرّضتْ لها وزارة الدفاع البريطانية في 2022، واصفةً الحادث بالـ"فضيحة التي ما كان يجب أن تحدث أبداً". ونوّهت إلى أن عسكرياً بريطانيا سرّب بالخطأ قائمة بأسماء 33 ألف أفغاني، كانوا قد تقدّموا بطلبات للجوء في المملكة المتحدة بحثاً عن ملاذ آمن. هذا التسريب ترك هؤلاء الأفغان ومعهم عائلاتهم - أي حوالي 100 ألف إنسان - أهدافاً رئيسية لهجمات حركة طالبان. وبعد عام من التسريب، دشّنت حكومة المحافظين آنذاك مهمةً سِرّيةً لإجلاء هؤلاء الأفغان إلى مكان آمن. وحتى الآن، بحسب الصحيفة، تم تهريب حوالي 18,500 أفغاني - ممن أضرّ بهم التسريب - إلى المملكة المتحدة سراً. وإجمالاً، تَقرَّر إنقاذ 23,900 أفغاني، في مهمة ستتكلّف نحو سبعة مليارات جنيه استرليني من أموال دافعي الضرائب. ورأت الديلي ميل أن وزارة الدفاع ربما كانت مُحقّة في عمَل كلّ ما بوسعها لإنقاذ حياة أشخاص هي مَن تسبّبت في أنهم أصبحوا في خطر – بعد التسريب. "ومع ذلك، فإن هذا الخطأ المدمّر قد تسبّب في إدخال آلاف الأفغان، الذين ربما لم يكونوا يستحقون الحصول على اللجوء، إلى بريطانيا"، وفقاً للصحيفة. واعتبرت الديلي ميل أنه "من دواعي القلق العميق أن تبدو وزارة الدفاع البريطانية عاجزة عن تأمين بيانات. ماذا لو وقع مثل هذا الحادث في وقت الحرب؟! لو أنّ تفاصيل سِرّية بخصوص عمليات وتحرّكات قوات وقعتْ في أيدي العدو، سيكون لذلك ولا شك تبعات كارثية". على أن الوجه الأسوء في هذه الواقعة هو تمكُّن الوزراء البريطانيين من التكتيم على الأمر وحجْب الخبر عن الرأي العام. وكان تبرير الحكومة آنذاك، لهذا التعتيم، هو أن أيّ إعلان عن الأمر قد يساعد حركة طالبان في الانتقام. "لكن، لماذا لا يكون السبب الحقيقي هو أن الوزراء كانوا حريصين على إخفاء عدد الأفغان الذين ينبغي تهريبهم إلى بريطانيا في عملية سِرّية، فضلاً عن تكلفة هذه العملية"، وفقاً للديلي ميل. ولفتت الصحيفة إلى أن قرار التعتيم تمّ رفْعُه أمس بحُكم محكمة. ورأت الديلي ميل أن مثل هذا النوع من القدرة على فرْض "سِرّية رسمية"، والذي تحظى به الحكومات البريطانية، إنما هو انتهاك لمبدأ العدالة المفتوحة، وإفساد للديمقراطية، فضلاً عمّا يتركه من أثر مخيف على حرية التعبير. وخلُصت الصحيفة البريطانية إلى القول إن سياسة الهجرة هي من الأمور شديدة الأهمية بالنسبة للجماهير؛ ومن ثمّ يجب أن تُطرَح لنقاش مفتوح – لا أنْ يتم التكتيم عليها تجنُباً للحرج.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store