logo
ماذا يعني تجهيز تركيا قانونا جديدا لمتابعة حل التنظيمات "الإرهابية"؟

ماذا يعني تجهيز تركيا قانونا جديدا لمتابعة حل التنظيمات "الإرهابية"؟

الجزيرةمنذ 8 ساعات
أنقرة- تعيش تركيا لحظة مفصلية في مسار صراعها مع التنظيمات المسلحة بعد إعلان حزب العمال الكردستاني تخليه عن السلاح وحل نفسه ذاتيا، في خطوة وصفت بالتاريخية بعد عقود من المواجهات الدامية.
وسارع البرلمان التركي إلى اتخاذ إجراءات تشريعية لتأطير المرحلة الجديدة، حيث شُكلت لجنة خاصة لمتابعة عملية الحل ونزع السلاح ضمن مبادرة حكومية تحمل شعار "تركيا خالية من الإرهاب".
وتتمثل مهمة اللجنة في وضع الأساس القانوني الكفيل بضمان انسياب العملية تحت سقف القانون، وسط تأكيدات رسمية على أن ما يجري يمثل فرصة تاريخية لتحقيق سلام شامل بعد نزاع استمر لأكثر من أربعة عقود.
إطار جديد
شرعت أنقرة في إعداد مشروع قانون مستقل يضع أساسا قانونيا واضحا للتعامل مع من تصفها بـ "التنظيمات الإرهابية" التي تختار حل نفسها طوعا والتخلي عن السلاح.
وبخلاف الاكتفاء بإجراء تعديلات على قوانين مكافحة الإرهاب النافذة، ارتأت الحكومة صياغة قانون شامل يُواكب هذه المرحلة الاستثنائية في تاريخ البلاد الحديث. فالمنظومة الجنائية القائمة تفتقر إلى نصوص تنظم رسميا كيفية التعاطي مع تفكيك منظمة مسلحة ذاتيا، رغم وجود تعديلات سابقة سمحت بتخفيف العقوبات على من يسلمون أنفسهم طوعا.
ومن هنا جاء المشروع الجديد لسد هذه الفجوة التشريعية عبر وضع إطار موحد ينطبق على حالة حزب العمال الكردستاني وأي تنظيم مماثل قد يعلن نبذه للعنف مستقبلا.
ووصفت وسائل الإعلام المقربة من الحكومة هذه المبادرة بأنها "خطوة تاريخية" من شأنها فتح الباب أمام طي صفحة العنف والانطلاق نحو مصالحة مجتمعية شاملة.
في هذا السياق، باشرت لجنة برلمانية خاصة أعمالها في أغسطس/آب الجاري بمشاركة 51 نائبا من مختلف الأحزاب، لتتولى مراقبة عملية نزع السلاح ميدانيا وصياغة التوصيات التشريعية اللازمة. ورغم أنها لا تملك صلاحية التشريع المباشر، فإن تقاريرها سترفع إلى البرلمان ليُبنى عليها عند صياغة مشروعات القوانين.
وتتمثل مهامها الرئيسية في التحقق من تفكيك التنظيم وتوثيق تسليم الأسلحة بالتنسيق مع قوات الأمن، بما يضمن أن يكون نزع السلاح كاملا ونهائيا.
يضع المشروع الجديد آليات واضحة للتعامل مع أعضاء التنظيمات التي تعلن تخليها عن العنف. ووفق ما رشح في وسائل الإعلام المقربة من الحكومة، سيصنف التشريع الجديد تنظيما مثل العمال الكردستاني كـ "منظمة إرهابية في طور الانحلال ونزع السلاح"، وهو توصيف يمنحها وضعا قانونيا خاصا يفتح الباب أمام إجراءات استثنائية.
بنود بارزة
وتتضمن أبرز بنوده إعفاء عناصر التنظيم الذين يثبت تخليهم عن السلاح من الملاحقة بتهمة الانتماء لتنظيم "إرهابي"، مع استثناء صارم لمرتكبي الجرائم الكبرى كالهجمات الدموية والاغتيالات، الذين ستستمر محاكمتهم بشكل فردي.
وبهذا التوازن تسعى الحكومة إلى الجمع بين تحقيق العدالة ومقتضيات المصالحة، بتشجيع العائدين على الاندماج مجددا، "دون السماح بالإفلات من العقاب لمن تورطوا في سفك الدماء".
كما يوفر المشروع آلية موحدة لإعادة إدماج المقاتلين السابقين في المجتمع، تبدأ من التحقق الرسمي من نبذهم النشاط المسلح، وصولا إلى تنظيم عودتهم قانونيا إلى البلاد، وتوفير خطط للتأهيل النفسي والمهني، وتسهيل فرص التعليم والعمل، بل والنظر في إعفائهم من الخدمة العسكرية عند الضرورة.
وتشير التسريبات إلى أن القانون قد يتضمن مراجعة للعقوبات المشددة في "قوانين الإرهاب" الحالية بما يسمح بتهيئة بيئة تشريعية أكثر مرونة للعائدين. وسيكون جهاز المخابرات الوطني شريكا رئيسيا في متابعة التنفيذ ميدانيا ورفع تقارير دورية للجنة البرلمانية حول التقدم في تفكيك التنظيم.
غير أن البند الأكثر حساسية في المشروع يتمثل في احتمال الإفراج عن عدد من السجناء المرتبطين بالصراع، وفي مقدمتهم سجناء سياسيون أكراد؛ فقد شدد حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب ، الشريك الكردي في العملية، على ضرورة سن قانون يتيح عودة مقاتلي الحزب وإدماجهم بعد إلقاء السلاح، مع تعديل قوانين التنفيذ لتمكين الإفراج عن المرضى والمعتقلين السياسيين ممن لم يثبت تورطهم في أعمال عنف.
يرى المحلل السياسي مراد تورال أن إقرار القانون وتنفيذه بنجاح سيعيد رسم موازين القوى السياسية في تركيا، فالحكومة -وبالأخص الرئيس رجب طيب أردوغان – ستسجل إنجازا سياسيا كبيرا إذا نجحت في إنهاء الصراع المسلح، وهو ما قد يعزز حضورها في المناطق الكردية ويمنحها رصيدا انتخابيا إضافيا.
أما المعارضة، فيجدها تورال أمام معادلة معقدة، فهي مضطرة إلى دعم مسار السلام من جهة، لكنها قد تستغل أي تعثر أو إخفاق في تطبيق القانون لتوجيه اتهامات للحكومة، سواء بالتساهل مع "الإرهابيين" أو بالفشل في إدارة العملية.
فرصة إستراتيجية
وبخصوص حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب، قال تورال للجزيرة نت إنه يقف أمام فرصة إستراتيجية لإثبات نفسه شريكا موثوقا في صناعة السلام، بما قد يعزز مكانته كقوة سياسية شرعية ثالثة على الساحة التركية.
ويرجح أن يؤدي نجاح المبادرة إلى توسيع هامش العمل السياسي للأكراد، مقابل انحسار دور التيار المسلح، وربما فتح الباب أمام نقاشات أوسع حول الحقوق الثقافية والإدارية في إطار الدستور.
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي عمر أفشار أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في اختبار جدية عملية نزع السلاح. ويرى أن نجاح هذه الخطوة مرهون بقدرة الدولة على استكمال التفكيك بسرعة وشفافية.
ويشير أفشار -في حديث للجزيرة نت- إلى أن إخلاء معسكرات الحزب في العراق، مثل مخيمي مخمور وسنجار، سيكون أحد المؤشرات الأبرز على الانتقال إلى المرحلة النهائية، خاصة مع التسريبات عن رسالة لزعيم العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان تدعو أنصاره للاستعداد للعودة.
وسياسيا، يتوقع المحلل أن تتخذ الحكومة التركية إجراءات لبناء الثقة، مثل تخفيف القيود على الخطاب الكردي وإشراك ممثلين عن المناطق المتضررة في خطط التنمية.
وبرأي أفشار، فإن المبادرة تحمل فرصة تاريخية لإنهاء أحد أطول النزاعات في الشرق الأوسط، لكنها تضع جميع الأطراف أمام اختبار صعب، فالدولة مطالبة بإدارة القانون الجديد بإنصاف وشفافية، فيما يُنتظر من التنظيم أن يبرهن التزامه بوقف كل نشاط مسلح.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الشرع يصدق على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري
الشرع يصدق على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

الشرع يصدق على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري

قالت وكالة الأنباء السورية (سانا) إن الرئيس السوري أحمد الشرع أصدر مرسوما يقضي بالتصديق على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب السوري. وبحسب المرسوم، يتألف المجلس من 210 أعضاء، يُنتخب ثلثاهم عبر هيئات ناخبة محلية، في حين يُعيَّن الثلث المتبقي بمرسوم من رئيس الجمهورية. ويحدد النظام الجديد آليات تشكيل اللجنة العليا للانتخابات إلى جانب تشكيل اللجان الفرعية. كما يضع المرسوم شروطا لعضوية اللجان والهيئات الناخبة، من أبرزها استبعاد من شغل مناصب في النظام السابق أو انتمى للقوات المسلحة بعد عام 2011، إضافة إلى تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 20% في الهيئات الناخبة. وينظم المرسوم إجراءات الطعون ومهام اللجان العليا والفرعية والقانونية، ويهدف إلى ضمان شفافية ونزاهة العملية الانتخابية، كما شدد على استقلالية اللجان وحيادها التام في ممارسة مهامها.

ترقب لرد إسرائيل على مشروع الصفقة ونتنياهو يتمسك بالإفراج عن جميع الأسرى
ترقب لرد إسرائيل على مشروع الصفقة ونتنياهو يتمسك بالإفراج عن جميع الأسرى

الجزيرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجزيرة

ترقب لرد إسرائيل على مشروع الصفقة ونتنياهو يتمسك بالإفراج عن جميع الأسرى

يخيم في إسرائيل صمت رسمي حتى الآن رغم تسلمها عبر الوسطاء رد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بشأن صفقة وقف إطلاق النار في قطاع غزة ، لكن هيئة البث الإسرائيلية نقلت عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن سياسة إسرائيل "ثابتة ولم تتغير". ونقلت الهيئة عن مكتب نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية) أن مطلب إسرائيل هو الإفراج عن جميع الأسرى الـ50، وفقا للمبادئ التي حددها "المجلس الوزاري المصغر" (الكابينت) لإنهاء الحرب. وقال مكتب نتنياهو إن إسرائيل في ما سماه "مرحلة الإخضاع النهائية لحماس، وأنها لن تتخلى عن أي أسير". وكانت حماس قالت -في بيان- إن تجاهل نتنياهو لمقترح الوسطاء وعدم رده عليه "يثبت أنه المعطّل الحقيقي لأي اتفاق"، وأنه "لا يأبه لحياة أسراه وغير جاد في استعادتهم". كما دعت الوسطاء إلى "ممارسة أقصى الضغوط على الاحتلال لوقف جريمة الإبادة والتجويع"، وحملت جيش الاحتلال والإدارة الأميركية "كامل المسؤولية عن تداعيات هذه العملية الإجرامية". من جهتها، ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر التقى الأربعاء مسؤولين قطريين كبارا في باريس، وقالت إن اللقاء ناقش صفقة لإطلاق سراح الرهائن ووقف إطلاق النار، مضيفة أن ديرمر أكد للقطريين أن شرط الصفقة هو إطلاق سراح جميع الرهائن. ونقلت صحيفة هآرتس عن مصدر إسرائيلي قوله إن الأيام الماضية شهدت محادثات مع الوسطاء من أجل بلورة الموقف الإسرائيلي من مقترح الصفقة. كما نقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن الرد الإسرائيلي على مقترح الصفقة تجري صياغته تحت تعتيم كبير، في حين نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" عن مصادر قولها إن نتنياهو لا يُطلِع حتى الوزراء الكبار هذه المرة على ما يجري خلف الكواليس بشأن المفاوضات. ونقلت هآرتس عن مصدر سياسي إسرائيلي أن تل أبيب ستجري "مفاوضات للتوصل إلى اتفاق تحت النيران". سموتريتش يهدد وكانت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين المحتجزين بغزة قالت إن الجميع يدرك "أن الظروف ناضجة لإبرام صفقة تبادل، وأن الأمر بيد نتنياهو". وأضاف بيان العائلات أن "‏التصديق على خطط احتلال غزة، في وقت توجد فيه صفقة مطروحة على الطاولة، هو بمثابة طعنة في قلب العائلات والمجتمع الإسرائيلي". وتابع البيان الموجه إلى نتنياهو أن ‏"ما يريده المجتمع الإسرائيلي هو عودة المخطوفين جميعا، وليس المزيد من أخبار مقتل الجنود". وفي السياق ذاته، نقلت هيئة البث الاسرائيلية عن وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش أنه أبلغ نتنياهو بأن حزبه لن يبقى في الائتلاف الحكومي إذا قرر رئيس الحكومة المضي قدما في اتفاق جزئي مع حماس. وقال سموتريتش إن ما وصفها بـ"صفقات الاستسلام للإرهاب" تشجع عمليات الخطف وتعرض الجميع للخطر، مضيفا في بيان، أن الحدث الخطير في خان يونس (أمس الأربعاء) جاء نتيجة سياسة إسرائيل التي تشجع حماس على خطف جنود ومواطنين. كما اعتبر أن حدث خان يونس يُظهر مخاطر كبيرة تتعلق بمواصلة الاستسلام لابتزاز حماس، وأنه يجب القضاء عليها. في السياق ذاته، نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن وزيرة الاستيطان وعضو المجلس المصغر أوريت ستروك قولها إنها ستصوت لاستمرار الحرب، حتى لو أدت إلى مقتل المخطوفين، وإنها ليست وحدها من سيفعل ذلك. وردت عائلات الأسرى الإسرائيليين على تصريحات الوزيرة بالقول إن حكومة إسرائيل، وخصوصا الوزيرة ستروك، "مستمرة في تضليل المجتمع الإسرائيلي". وأضافت العائلات أن 80% من الإسرائيليين يريدون إعادة المخطوفين حتى لو كان الثمن وقف الحرب.

"خطوة واسعة".. ما الذي يجمع سوريا مع إسرائيل على طاولة واحدة؟
"خطوة واسعة".. ما الذي يجمع سوريا مع إسرائيل على طاولة واحدة؟

الجزيرة

timeمنذ 8 ساعات

  • الجزيرة

"خطوة واسعة".. ما الذي يجمع سوريا مع إسرائيل على طاولة واحدة؟

لا يزال الغموض مسيطرا على العلاقة بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل، التي لا تتوقف عن محاولات تقويض قدرة دمشق على النهوض مجددا، عبر تغذية النزعات الانفصالية لدى الأقليات، سياسيا وعسكريا. ففي خطوة يصفها محللون بالواسعة، ويصفها آخرون بالتكتيك، بدأت الحكومة السورية مباحثات مباشرة مع إسرائيل، برعاية أميركية، وذلك لبحث ترتيبات أمنية على الحدود، حسب ما أكده مصدر للجزيرة. وكانت القناة الـ12 الإسرائيلية قد نقلت -الأحد- عن مصدرين وصفتهما بالمطلعين، أن وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر والمبعوث الأميركي توم براك سيلتقيان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في العاصمة الفرنسية باريس ، لبحث الترتيبات الأمنية على الحدود بين البلدين، دون ذكر تفاصيل أخرى. وسبق أن ذكرت القناة الـ13 الإسرائيلية الشهر الماضي أن المسؤولين الثلاثة أجروا "لقاء مهما للغاية" في باريس، لكنها لم تتحدث عن تفاصيل ما جرى في ذلك اللقاء أيضا. وقد أكدت وكالة السورية للأنباء (سانا)، أن الشيباني التقى وفدا إسرائيليا في باريس الثلاثاء "لمناقشة عدد من الملفات المرتبطة بتعزيز الاستقرار في المنطقة والجنوب السوري". خطوة واسعة ومجانية وهذا اللقاء هو الأول الذي يتم الإعلان عنه بشكل رسمي من جانب دمشق، ويرى محللون أنه يمثل خطوة واسعة ومجانية من سوريا تجاه إسرائيل التي لا تخفي لا نواياها في تقسيم سوريا وجعلها بلدا فاقدا لأهميته التاريخية والجيوسياسية. لكن آخرين يرون أن هذه اللقاءات لا تعكس إستراتيجية سورية بعيدة المدى بقدر ما هي تكتيك لحل بعض الخلافات الداخلية التي تحول دون وحدة السوريين وتأسيس دولتهم الجديدة، التي لن تجعل الصديق عدوا والعدو صديقا كما يعتقد البعض. وتحاول دمشق من خلال هذه الاجتماعات تهدئة التخوفات الأمنية الإسرائيلية عبر الدبلوماسية التي لم تتمخض عن اتفاقات واضحة، كما يقول المحلل السياسي السوري سعد الشارع. ووفق ما قاله الشارع لبرنامج "ما وراء الخبر"، فإن هذه النقاشات تتزامن مع مسار داخلي تقوده الحكومة السورية حتى تتمكن من تبريد ملف الأقليات والقيام بمسؤولياتها الوطنية. ونظرا لنوايا إسرائيل الأمنية والجيوسياسية التي تحاول تحقيقها عبر دروز السويداء ، يصبح هذا التحرك السياسي من جانب دمشق تكتيكا لوقف تغذية النزعة الانفصالية أكثر من كونه إستراتيجية كاملة. بيد أن ما يراه الشارع ميزة في الدبلوماسية السورية، يراه المحلل السياسي إبراهيم الجبين، عيبا، ويقول إن عدم بلورة هذه المقابلات في مخرجات واضحة ومعروفة يعني أنها بلا قيمة ولا تعدو كونها مكافئة لإسرائيل على تدخلها في دمشق. وبما إن إسرائيل هي التي تريد تقسيم سوريا عبر بوابة الأقليات، فإن الاستعانة بها يبدو نوعا من "الخرافة السياسية" التي تعكس عقلية الحكومة السورية الجديدة التي تتحرك ببراغماتية تفتقد للمبادئ. وإذا كان الهدف من الجلوس مع الإسرائيلي هو الحيلولة دون تفاقم أزمة الأقليات، فقد كان الجلوس مع المكونات السورية نفسها أقرب وأقصر لحكومة دمشق من الجلوس مع تل أبيب ، كما يقول الجبين. مقدمة لشيء غير معروف والأهم من ذلك، أن حكومة سوريا لا تزال مؤقتة وتجاهد لتثبيت شرعيتها داخليا ومن ثم فهي ليست مفوضة من شعب ولا برلمان ولا أحزاب ولا معارضة لوضع مسار مستقبلي بين سوريا وإسرائيل. ومن هذا المنطلق، فإن إسرائيل التي رفع الدروز أعلامها في السويداء، بعدما قصفت مختلف مناطق سوريا وصولا إلى مبنى قيادة الأركان بالعاصمة دمشق، حصلت اليوم على ما تريد، وهو الجلوس مع حكومة أحمد الشرع ، برأي الجبين. وانطلاقا من هذا الفهم، يقول المحلل السوري إن الجلوس في حد ذاته يعني أن إسرائيل يمكنها حجز دور لنفسها "كلاعب فاعل في الوحدة الوطنية التي يحاول تحقيقها، أي أنها ستشارك في رسم سوريا الجديدة". وبناء على ذلك تبرز وجهة نظر تقول إنه كان الأجدر بدمشق، ألا تدير ظهرها لقوى إقليمية وازنة كالمملكة العربية السعودية وقطر ، اللتين دعمتا حكومة الشرع، واللتين رهنتا الجلوس مع إسرائيل بحل القضية الفلسطينية. غير أن الوضع الإقليمي الذي وصلت فيه حكومة الشرع للحكم في سوريا، والذي يصفه الباحث الأول بمركز الجزيرة للدراسات الدكتور لقاء مكي، بأنه الأكثر تعقيدا منذ 100 عام، يفرض على دمشق القيام ببعض الأمور التي تبدو أكثر واقعية. فقد استثمرت إسرائيل في التمرد الهائل في السويداء والساحل السوري ومنطقة الأكراد، حتى تتمكن من تهميش الدور الجيوسياسي المهم جدا لسوريا التي تمثل العمق التاريخي للقضية الفلسطينية. غير أن هذه المكاسب قصيرة الأمد التي ترى دمشق أنها حققتها من خلال واقعيتها السياسية في التعامل مع الأزمات، قد لا تساوي أبدا المخاطر الكبيرة التي ستترتب على هذا المسار مستقبلا، برأي مكي. وعلى هذا الأساس، فإن لقاء باريس "يمثل خطوة واسعة كان يمكن تأجيلها بدلا من حرق المراحل في المفاوضات، وهو لقاء مجاني أيضا لأن إسرائيل لم تدفع ثمن جلوسها المباشر مع دولة عربية كبيرة مثل سوريا". ومع ذلك، لا يستبعد مكي أن يكون هذا الجلوس المباشر السريع إسرائيليا أو أميركيا لإنجاز شيء ما لا يعرفه أحد، وحتى لو تراجعت دمشق عن مسار اللقاءات المباشرة فإن ما بدأ اليوم "قد يكون مقدمة لأمر كبير يحدث بعد شهور من الآن".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store