الدبلوماسية الملكية بين اتزان التاريخ واستشراف المستقبل
لقد استوقفني مقاله لما يحمله من وضوح في الطرح، ورؤية تحليلية تعكس وعيًا مهنيًا وسياسيًا، يجسّد ما نأمله دومًا من الإعلامي الأردني المتمرس، الذي لا يكتب فقط بحبر الكلمات، بل بمعرفة تحيط بتعقيدات الجغرافيا السياسية، وتحولات الإقليم، وحنكة الدولة الأردنية في إدارتها.
وهذا ما دفعني إلى التوقف عند هذا الموضوع الهام، والتفاعل معه من زاوية أخرى تعزز ما ذهب إليه الزميل المساد، وتسليط الضوء على الدور الريادي لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله في صياغة ملامح الدبلوماسية الأردنية المعاصرة، التي نجحت في إبقاء الأردن بلدًا آمنًا مستقراً وسط إقليم مشتعل، دون أن يتنازل عن ثوابته أو يُفرّط في مواقفه.
اتسمت الدبلوماسية الأردنية في عهد جلالة الملك في حنكة العبور الآمن وسط العواصف الإقليمية. فمنذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، شكلت الدبلوماسية الأردنية ركيزة أساسية في الحفاظ على كيان الدولة ومكانتها، لكن هذه الركيزة بلغت أوج نضجها وتفرّدها في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، الذي استطاع – بحنكة سياسية متفردة – أن يُبقي الأردن بعيدًا عن شظايا الأزمات المشتعلة من حوله، دون أن يُفرّط بثوابته القومية، أو يُساوم على قيمه ومبادئه.
لقد كرّس جلالته منذ توليه العرش في أواخر تسعينيات القرن الماضي، نهجًا دبلوماسيًا قائمًا على الاعتدال، والواقعية، والتوازن، وهو ما جعل من الأردن صوتًا عقلانيًا ومسموعًا في محيطٍ يعجّ بالتقلبات والتجاذبات. فلم تكن سياسات المملكة رد فعل آنية، بل تجسيدًا لاستراتيجية متكاملة قادها الملك بعقلانية ومرونة، وأدارت الأزمات لا بانفعال، بل بحكمة تُحسب لها ألف حساب.
و قد تميزت الدبلوماسية الأردنية في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني بثلاث ركائز جوهرية:
الاعتدال السياسي والواقعية الاستراتيجية: وهو ما أهّل الأردن ليكون وسيطًا نزيهًا ومقبولًا في ملفات شائكة مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والأزمة السورية، والنزاع العراقي، دون أن ينحاز لمحور أو يستعدي آخر، فحافظ على علاقات متوازنة مع قوى إقليمية ودولية، شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا.
الثبات على الثوابت القومية: لم يحِد الأردن عن موقفه الداعم لحقوق الشعب الفلسطيني، ورفض التوطين والوطن البديل، وأكد مرارًا على قدسية الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
دبلوماسية متعددة الأطراف: من خلال المشاركة الفاعلة في الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وغيرها، حمل الأردن صوته عبر المنابر الدولية ليطرح مبادرات إنسانية وسياسية فاعلة تجاه قضايا الإرهاب، وأزمات اللاجئين، وحروب المنطقة.
إن تنوع الأدوات التي استخدمها الأردن تحت قيادة جلالة الملك يعكس قدرة الدولة على التكيف الذكي مع المتغيرات، والتي تمثلت بالمعطيات التالية:
الدبلوماسية الوقائية: حيث عمل الأردن باستمرار على منع تفاقم النزاعات، وتطويق أية ارتدادات أمنية أو سياسية تمس استقراره.
الدبلوماسية الإنسانية: خصوصًا في استضافة اللاجئين السوريين رغم التحديات الاقتصادية الهائلة، ومواقف الدعم الثابتة في الأزمات الإنسانية في فلسطين وغزة.
الدبلوماسية الاقتصادية: التي سعت لجذب الاستثمارات، وتعزيز مكانة الأردن كمركز لوجستي وسياحي، رغم التحديات الجيوسياسية المحيطة.
القوة الناعمة: التي تمثلت في استخدام أدوات الحوار، والتعليم، والانفتاح الثقافي، والإعلام المعتدل، كوسائل لتعزيز صورة الأردن خارجيًا.
من هنا، لم يكن هذا العبور الآمن الذي يقوده جلالة الملك نزهة سهلة، بل كان نتاج توازن دقيق بين المصالح الوطنية والضغوط الدولية، وبين الثوابت القومية والمصالح الإقليمية. لقد نجح الأردن، بقيادة جلالته، في تجنيب نفسه الانخراط في الصراعات الدموية أو المحاور الإقليمية، دون أن يكون على الهامش، بل حاضرًا ومؤثرًا وصاحب رأي مسموع.
إن هذا النهج الأردني الفريد هو ما جعل من دبلوماسية المملكة بوابة عبور آمنة وسط العواصف، ونموذجًا يمكن للدول الصغيرة – في بيئات إقليمية مضطربة – أن تقتدي به. فالأردن لم يراهن على السلاح، بل على الشرعية، ولم يرفع صوته بالصخب، بل بالحكمة، ولم يسعَ للبطولات الظرفية، بل للإنجازات المستدامة.
وما زال هذا النهج الذي أرساه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حاضراً يمثل صمّام الأمان لاستقرار المملكة ومكانتها، وركيزة أساس في حماية مستقبلها وسط إقليم لا يزال يبحث عن التوازن والاستقرار.
حمى الله الأردن وشعبة الابي الذي يسير خلف قيادته الحكيمة والتي يُشهد بدبلوماسيتها وحكمتها وعقلانيتها القاصي والداني وكل الشرفاء في هذا العالم.
مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
[email protected]
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 26 دقائق
- عمون
غزة تجوع والإنسانية تحتضر والكيان إرهاب
أيها العالم… أما آن لك أن تبكي؟ أيها العالم المتخم بالخداع… أما آن لك أن تستيقظ؟ أما آن لضميرك المصلوب على عتبات المصالح أن يتحرر من جبنه وخيبته؟ أما آن لك أن ترى… ترى الأطفال في غزة، لا يأكلون إلا الرماد، ولا ينامون إلا في حضن الحطام؟ أما آن لك أن تسمع أنين الأمهات وقد تكسّرت قلوبهن فوق الركام؟ ألا ترى العيون التي جفّت من الدمع، والبطون التي التصقت بظهورها من شدة الجوع؟ غزة لم تجُعْ… بل سُحِقَتْ تحت وطأة الجوع، الجوع المقصود، الجوع المسلّح، الجوع المدبَّر على موائد السياسة القذرة، وملفات التواطؤ المهترئة. هناك كيان لا يعرف الرحمة، يشرب من دم الأطفال، ويتنعّم على أنينهم، يطلق النار لا خوفاً… بل متعة، يذبح لا دفاعاً… بل افتراساً، يقصف لا لأجل النصر… بل شهوة قتل!. أي لغة تسعفنا في وصف ما يحدث؟ أأي بيان هذا الذي يصف وجع طفل يحتضن جسد أمه الشهيدة في ليلٍ بلا كهرباء ولا ماء ولا حتى قنديل نجاة؟ أأي كلمات تسع مأساة تجوّع فيها مليون طفل، وصرخات تنفجر من حلوقهم النحيلة كأنها صفارات استغاثة لا يسمعها أحد؟ لقد تربّينا على أن النازية شرٌ مطلق، فكيف نسكت عن نازية جديدة تقتل وتُشرّد وتجوع وتكذّب… ثم تدّعي أنها ديمقراطية؟ كيف ندّعي التحضّر ونحن نصمت أمام كيان قاتل، مجرم، معتدٍ، يغتصب الأرض، ويغتصب الحقيقة، ويغتصب كل ما تبقّى فينا من حياء؟ يا كلَّ قلبٍ حيّ… يا كلَّ ضمير لم يُصب بعدُ بالصمم… ما يجري في غزة ليس حرباً… بل فناء، ليس عدواناً… بل مجزرة لا تتوقف، إبادة مُعلنة، وجرائم تقترف على الهواء مباشرة، تحت سمع وبصر هذا 'العالم الحر' الذي باع حريته بثمن بخس. غزة الآن ليست مدينة… بل صرخة صرخة في وجه الكوكب: 'كفى تواطؤاً، كفى صمتاً، كفى كذباً على الإنسانية!' ماذا تبقّى لكم لتشهدوه؟ هل تنتظرون موت آخر طفل، وجفاف آخر دمعة، وانطفاء آخر شمعة في هذا الليل الفلسطيني الطويل؟ يا عالماً لا يعرف الحياء… يا كوكباً أصابه العمى… إن كنتم لا ترَون… فإن الله يرى. وإن كنتم لا تبكون… فإننا سنبكي عنكم، وسنكتب التاريخ بدموعنا، وسنعلّق أسماء الشهداء على أعمدة السماء… ليشهد الزمان أن في هذا القرن، جاع شعبٌ بأكمله، فقط… لأنه طالب بالحياة.

عمون
منذ 26 دقائق
- عمون
الأردن أحرج القريب والبعيد بمواقفه الداعمة لغزة
من غير المستغرب أن تلاقي المساندة الأردنية الدائمة للأشقاء الفلسطينيين على كافة الأًصعدة أصواتا ناعقة ومحاولات للتشويش لا تخلو من الاساءة التي لا تخرج عن اطار الحقد على الأردن الذي قدم ما لم يقدمه غيره ولو بالحد الأدنى عربيا ودوليا لنصرة القضية والدفاع عنها غير آبه بالأثمان التي دفعها على مدى اكثر من 7 عقود انطلاقا من ايمانه المطلق بحتمية عودة الحقوق لأصحابها وحماية المقدسات وعدم التفريط بها تحت أي ضغوطات وتحديات. في الوقت الذي يفترض أن تبادر فيه الدول العربية في المقام الأول للاقتداء بالأردن واغاثة الأهل المنكوبين في غزة ومدهم بما يمكن من الطعام والشراب لانقاذ حياتهم وقد قضى المئات منهم جوعا في أسوأ كارثة وعدوانية تشهدها البشرية فقد أنبرت فئة حاقدة جاحدة مضللة وموجهة مجددا لمحاولة التقليل من الجهد الاغاثي الأردني وكسر الحصار المفروض على غزة جوا وبرا وتزويد الأشقاء بكميات كبيرة من الطحين وسط ذهول العالم بموقف الأردن واتخاذه خطوات عملية للانتصار لقطاع غزة وتسيير مئات الشاحنات المحملة بالمواد الغذائية وخاصة دقيق القمح لطالما أن رغيف الخبز هو بمثابة خط أحمر بالنسبة لأي دولة. رغم ارتفاع المخاطر فقد كسر الأردن بقيادة الملك الحصار على قطاع غزة وتحدي الكيان المحتل وتمكن من ادخال كميات كبيرة من الطحين تشكل انقاذا باذن الله تعالى لكثير من سكان قطاع غزة وفيه اغاثة للأمهات الثكالى والآباء الذين أعياهم العدوان ونحلت أجسادهم لتوفير ولو « خبز حاف « لفلذات أكبادهم في الوقت الذي يلهث فيه البعض لخطب ود الاسرائيليين وداعميهم دون مراعاة لروابط الدم وحتى مباديء الانسانية . الأردن بمواقفه النضالية الداعمة للأشقاء أحرج القريب والبعيد والمجتمع الدولي برمته العاجز عن ايقاف العدوان الهمجي على قطاع غزة والضفة الغربية والخوف من ادخال رغيف خبز واحد لغزة فأهلها لا يطلبون طائرات ودبابات وصواريخ وانما فقط لقمة خبز تعينهم على الصمود وتنفذ حياة أبنائهم وكل ما نسمعه لا يتعدى كونه خطابات بلهاء تبحث عن شعبويات انكشف زيفها أمام المناظر المرعبة التي تطلنا علينا من يوم لآخر تعكس معاناة الأشقاء وما خفي أعظم. لا يضير الأردن ما يقال في العلن أو في كواليس الغرف السوداء لانه صاحب رسالة قومية عربية وانسانية ليست المرة الأولى التي يقدم ويهاجم فيها ولن تكون الأخيرة وكل ذلك لا يشق لقيادته وشعبه غبارا ما داموا على الطريق المستقيم. المهم أن تتعزز بشكل مستمر حالة التلاحم الوطنية ودعم الجهود الاغاثية التي تقوم بها المملكة وبشكل مكثف حاليا لانقاذ أهلنا في غزة والضفة الغربية من خلال الهيئة الخيرية الهاشمية. نحمد الله تعالى على نعمة الأردن الذي لم يدخرا جهدا لتضميد جراح الأشقاء واقتسام لقمة الخبز معهم وحتى مشاركتهم الأحزان من باب الواجب المقدس الذي غفل عنه أو تجاهله كثيرون.

عمون
منذ 26 دقائق
- عمون
سنبقى مع غزة
الشعب الأردني تعلم من قيادته الهاشمية ان اي قضية عربية هي قضية اردنية بامتياز، تصبح جل اهتمامنا والسعي الجاد لوضع حلول لها وتتقدم على قضايانا المحلية، لنا أمثلة عديدة بهذا الشأن منذ بدايات القرن الماضي كنا نحن الحل لأي شعب عربي لهذا كان تكوين اجهزتنا المدنية والعسكرية خليطا عربيا أردنيا. منذ بدء الإجرام الإسرائيلي بحق قطاع غزة ونحن نعيش في هذا الوطن تفاصيل التفاصيل لمعاناة أهل غزة،. كانت التحركات على أعلى مستوى وطني بقيادة الملك عبدالله حفظه الله وقاد تحركا دوليا لوقف هذا الإجرام الذي لم يسبق له مثيل، شاهدنا جلالة الملك بقوته وحنكته وحكمته في اروقة القرار السياسي العالمي. دخل غرف أصحاب القرار وجادلهم وفند تلك المزاعم التي يروج لها الكيان الصهيوني، اعترف الغرب بهذا الدور السياسي الأردني في زحزحة القناعات الموجودة لدى أصحاب القرار في تلك الدول والرأي العام لديها، الدبلوماسية الأردنية كانت من أخرجت ملف حرب غزة من النقاشات الداخلية إلى العلن ووضعها على أجندة السياسة العالمية. كان لهذا الموقف الأردني العالمي تبعات سياسية واقتصادية حركتها المنظمات المؤيدة لهذا الكيان الخارج عن الطبيعة البشرية، لم نبال وكان القرار الأردني ان نذهب لأبعد نقطة من أجل إيقاف هذه الابادة الجماعية لأبناء غزة، واستمرت الجهود وبدأنا بإدخال عنوة المساعدات الإنسانية للقطاع، وذهبنا بعيدا عندما قام جلالة الملك بنفسه بالانزالات لتلك المساعدات وايضا بعض الأمراء، اذا أصبحت الحرب على غزة شأنا أردنيا، واستمر الجهد الأردني في الوقوف مع أطفال ونساء وشيوخ غزة وسيستمر الى ان تضع هذه الحرب اوزارها. كل بيت أردني حديثه الأساسي وتفكيره هو ما يحدث في قطاع غزة،. كلنا مع دولتنا في كل اتجاه تتجه لمساندة المساعي التي تبذلها لوقف هذه الحرب اللعينة وفضح ما يقوم به الكيان الإسرائيلي ومن يقف خلفه، سياستنا الخارجية ودبلوماسيتنا نضعها تحت تصرف الملف الغزاوي، لن نعود كالسابق إلا عندما تقف آلة الدمار والقتل في قطاع غزة، وكلنا فخر بما تقوم به دولتنا ومساعيها لنصرة الحق الفلسطيني بشكل عام ووقف حرب غزة بشكل خاص، عندما نقارن الموقف الرسمي الأردني مع غيره من مواقف الدول الأخرى نشعر بأننا نقدم الأفضل. عادت منذ ايام المساعدات الأردنية ودخلت قطاع غزة، فرحتنا لا توصف ونحن نشاهد الشاحنات في قلب غزة التي منذ أشهر توقف الدعم عنها، لجلالة الملك ولحكومتنا الرشيدة والهيئة الخيرية الهاشمية كل كلمات الثناء والشكر لن توفيكم حقكم وانتم في ذروة الحاجة تقدمون لأهلنا في غزة هذه المساعدات،. سيبقى الأردن كما هو منذ نشأته مع اخوانه في كل الظروف.