logo
قصة مهندس العلاقات الجـديــدة بـين «حــمـــــاس» وإدارة تـــرامـــــب

قصة مهندس العلاقات الجـديــدة بـين «حــمـــــاس» وإدارة تـــرامـــــب

جريدة الاياممنذ 2 أيام

بقلم: باروخ يديد*
بشارة بحبح أميركي من أصل فلسطيني، أنشأ قنوات الاتصال المباشرة بين قيادة "حماس" في الخارج وبين إدارة ترامب. وهو المسؤول عن الاتصالات المباشرة والمحادثات التي تُجرى، حالياً، بين ستيف ويتكوف وخليل الحية، نائب يحيى السنوار في قيادة غزة.
وُلد بشارة بحبح في القدس في العام 1958 لعائلة هاجرت من المدينة إلى الأردن، ثم عادت للعيش بين أسوار المدينة. في سبعينيات القرن الماضي أسس صحيفة "العودة" التي وُزعت في الولايات المتحدة، أيضا بالإنجليزية، وذلك بالتعاون مع الصحافية الفلسطينية، ريموندا الطويل، والدة سهى عرفات، أرملة ياسر عرفات.
سيكون للاثنتين دور حاسم في إقامة العلاقات المباشرة بين الأميركيين و"حماس" لاحقاً. أدار بحبح والطويل صحيفة "العودة"، وجذبا أنظار القيادة الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي، التي قررت، لاحقا، اختيار بحبح للمشاركة في المحادثات ضمن مؤتمر السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، بين السنوات 1991 و1993، في محادثات أدت إلى اتفاقيات أوسلو.
بحبح خرّيج جامعة هارفارد، تخصص في دراسات الشرق الأوسط والعلاقات الدولية، وشغل، لاحقا، منصب نائب رئيس معهد أبحاث الشرق الأوسط في الجامعة. بدأ مسيرته السياسية بدعم الديمقراطيين، لكن الغضب الكبير من سياسة باراك أوباما في الشرق الأوسط دفع بحبح إلى الانتقال لدعم الجمهوريين.
في العام 2024 أقام منظمة "الأميركيون العرب من أجل دونالد ترامب"، وذلك رغم أنه غضب، قبل ذلك، من قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس. "لقد غضب جدا من الجمهوريين، لكن غضب من الديمقراطيين أكثر"، يقول مقربوه.
في نشاطات في إطار هذه المنظمة، التقى بحبح، أيضا، مسعد بولس، قريب عائلة ترامب وصهره. يقول مقرّبو بشارة، "لم يُظهر بولس طاقة وحيوية، ولم يكن متحمسا ولذلك خسر منصب المستشار لشؤون العرب لصالح بشارة، الذي نجح في لفت انتباه ترامب عندما نظّم حملته الانتخابية في ميشيغان، وساهم كثيرا في دعم الجمهوريين وفي فوز ترامب على كامالا هاريس".
قبل عدة أسابيع، توجّه غازي حمد، أحد كبار قادة "حماس"، إلى بشارة في محاولة للاستفادة من علاقاته مع الإدارة الأميركية. ومن نصحت حمد، القيادي في "حماس"، بالتوجه إلى بشارة بحبح لم تكن سوى سهى عرفات، أرملة ياسر عرفات وابنة الصحافية ريموندا الطويل، شريكة بحبح في صحيفة "العودة". سهى، التي حافظت على علاقات جيدة مع قيادة "حماس" في الخارج، علمت من حمد أن "حماس" تبحث عن علاقات مباشرة مع الأميركيين، ومن مقر إقامتها في مالطا أرشدت غازي حمد إلى العنوان الواعد.
هكذا، بعد أن أجرت محادثات تمهيدية مع الاثنين، بدأت المكالمات الهاتفية الأولى بين القيادي في "حماس" وبين بحبح. فيما بعد وضع حمد هذه العلاقات تحت تصرف خليل الحية، الذي يترأس وفد "حماس" للمفاوضات، بينما أبلغ بحبح ستيف ويتكوف عن هذه العلاقات الجديدة.
يقول مقرّبو بحبح، "هو يهتم بـ(حماس) وهم يهتمون به، ولا يخذلونه بوعود كاذبة أمام الإدارة الأميركية، وذلك على رغم الغضب الشديد في صفوف الجناح العسكري لـ(حماس) في قطاع غزة، غير المتحمس لهذه العلاقات الجديدة..".
"بحبح هو الفلسطيني الذي وصل إلى أبعد مدى في محاولة كسر الاحتكار الإسرائيلي للعلاقات مع البيت الأبيض وممرات الجمهوريين، وأثبت أن الفلسطينيين، أيضا، قادرون على تحقيق تأثير ملموس"، يقول لنا أحد مقرّبيه. في إحدى المحادثات بين بحبح وخليل الحية ضحك الاثنان لأن فلسطينيا من القدس وفلسطينيا من غزة أقاما اتصالا مباشرا مع البيت الأبيض.
غضب بحبح، كما ذُكر، جدا من ترامب عندما نقل السفارة الأميركية إلى القدس، لكن مع ذلك، أقام في العام 2024 منظمة "الأميركيون العرب من أجل ترامب"، إلا أنه بعد أن نشر ترامب خطة تهجير سكان غزة غضب بحبح بشدة، وكتب رسالة غاضبة إلى ترامب، بل هدّد بقطع الصداقة الناشئة.
الذين حذّروه من القيام بذلك كانوا مقرّبيه في منظمة "الأميركيون العرب من أجل ترامب" وكذلك سهى عرفات. ويقول مقرّبوه، "قرر بحبح البقاء ومحاولة التأثير من الداخل". بعد أن علم ترامب بغضب من بدأ بالفعل في إقامة علاقات مع "حماس"، نقل الرئيس رسائل إيجابية إلى بحبح وأشار له بالعودة إلى فريق ويتكوف.
فرح ترامب، كما يقول مقربو بحبح، "جدا بعودته للعمل وقرر أن يكون مستشاره لشؤون العرب، أيضا لأن مسعد بولس لم يُظهر أداء مميزا في القناة اللبنانية، الذي أوكل ترامب أمرها إلى مورغان أورتاغوس.
لكن من دفع بحبح إلى التقدم، بالأساس، داخل البيت الأبيض هو ستيف ويتكوف، الذي ينسب لنفسه إطلاق سراح عِيدان ألكسندر ويحسّن مكانته أمام ترامب، الذي استمتع، بنفسه، بهذا الإنجاز عشية زيارته إلى الشرق الأوسط. عاد بحبح للعمل وبدأ في بناء الثقة مع ترامب.
كما أن القطريين كانوا سعداء جدا بتقوية العلاقة بين بحبح وخليل الحية في الطريق إلى البيت الأبيض، وقرروا المساعدة عندما وعدوا قيادة "حماس" باستخدام كل تأثيرهم وعلاقاتهم مع البيت الأبيض لفتح غزة أمام المساعدات الإنسانية، وهم ينسبون لبحبح الفضل في تصريحات ترامب بهذا الشأن خلال الأسابيع الماضية.
"المفارقة أن خطة التهجير، بالذات، التي طرحها ترامب، والتي حاول من خلالها الرئيس الأميركي إخراج ملايين من الغزيين من قطاع غزة، هي التي أدت في نهاية الأمر إلى إنشاء العلاقات بين "حماس" والإدارة الأميركية، وجعلت ترامب يتحدث لصالح المساعدات الإنسانية، بل يقيم اتصالا مع قيادة "حماس".
يقول مقرّبو بحبح، "جميعهم علموا بهذه العلاقات، الأميركيون، القطريون، و"حماس"، جميعهم علموا، لكن من غير المؤكد أن إسرائيل كانت تعلم. بعض المحادثات بين خليل الحية وبحبح وويتكوف جرت بينما كان رون ديرمر نفسه متواجدا في البيت الأبيض...".
بحبح هو الذي يقف، أيضا، وراء فكرة الربط بين إطلاق سراح عِيدان ألكسندر الأميركي وفتح غزة أمام المساعدات الإنسانية. أعجب هذا الأمر "حماس" الخارج والقطريين، بشكل خاص، الذين رأوا كيف سيعزز عِيدان ألكسندر مكانتهم عندما ينضم إلى ترامب في زيارته إلى قطر، التي لم تخرج في النهاية إلى حيز التنفيذ.
رأت "حماس" في ذلك اختراقا تاريخيا وخطوة استراتيجية تجاه الإدارة الأميركية، وقررت العمل على إطلاق سراح ألكسندر، لكن ويتكوف، الذي أعطى الضوء الأخضر لخطوة بحبح هذه، أخذه إلى ترامب وساهم في إطلاق سراح عِيدان.
وقال مقرّبو بحبح، "نشر خطة ترامب للهجرة كاد يقضي على العلاقة الناشئة"، ويضيفون، إنه مسؤول عن سلسلة طويلة من المهام السياسية السرية".
عن "N12"
ــــــــــــــــــــــــــــ
* مراسل الشؤون العربية في قناة I24. باحث ومستشار في المجال السياسي - الأمني في قضايا الشرق الأوسط، وخبير في الشؤون العربية. شغل في السابق منصب مستشار لمشاريع مدنية في الضفة الغربية. ورئيس القسم العربي في القناة "14" اليمينية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بالفيديو القسام تبث مشاهد لاستهداف قوة "إسرائيليَّة" متحصنّة ضمن عمليات "حجارة داود"
بالفيديو القسام تبث مشاهد لاستهداف قوة "إسرائيليَّة" متحصنّة ضمن عمليات "حجارة داود"

فلسطين أون لاين

timeمنذ 11 ساعات

  • فلسطين أون لاين

بالفيديو القسام تبث مشاهد لاستهداف قوة "إسرائيليَّة" متحصنّة ضمن عمليات "حجارة داود"

غزة/ فلسطين أون لاين بثت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، مشاهد مصوّرة توثق تنفيذ عملية نوعية استهدفت قوة إسرائيلية ودبابة من طراز "ميركافا" شمال قطاع غزة، في إطار سلسلة عمليات "حجارة داود" المتواصلة. وأظهرت المشاهد استهداف مجموعة من جنود الاحتلال المتحصنين داخل أحد المنازل بقذيفة مضادة للأفراد، أعقبها تدمير دبابة عبر قذيفة "الياسين 105" المحلية الصنع، وذلك في بلدة بيت لاهيا. وقبل أيام، أعلنت الكتائب أنها نفّذت عملية بتاريخ 24 مايو/أيار الجاري، في منطقة القرعة الخامسة ببيت لاهيا، حيث استهدفت قوة إسرائيلية متحصنة داخل منزل بقذيفة مضادة للأفراد. وأفاد المجاهدون، بعد عودتهم من خطوط القتال، بتحقيق إصابات مباشرة في صفوف القوة الإسرائيلية المستهدفة. وأكدت الكتائب أن هذه العمليات تأتي في سياق الرد على العدوان المتواصل، واستمرارًا في تكتيك الاستنزاف الميداني الذي تتبعه المقاومة الفلسطينية في مواجهة القوات الإسرائيلية المتوغلة في شمال القطاع. ومنذ استئناف جيش الاحتلال حرب الإبادة في 18 مارس/ آذار الماضي، نجحت المقاومة في تنفيذ عدة كمائن قوية ضد قوات جيش الاحتلال المتوغلة في قطاع غزة، أدت إلى مقتل وإصابة العديد من الجنود. ووفقا لمعطيات جيش الاحتلال، فقد قُتل 854 ضابطا وجنديا منذ بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بمن فيهم 413 عسكريا في معارك برية. وتشير المعطيات الإسرائيلية إلى إصابة 5846 ضابطا وجنديا منذ بداية الحرب، منهم 2641 عسكريا في معارك برية، وتشمل هذه المعطيات الضباط والجنود القتلى والجرحى في غزة والضفة الغربية ولبنان وإسرائيل، لكنها لا تشمل عناصر الشرطة والمخابرات. وخلافا للأرقام المعلنة، يُتهم الجيش الإسرائيلي بإخفاء الأرقام الحقيقية لخسائره في الأرواح، خاصة مع تجاهل إعلانات عديدة للمقاومة الفلسطينية بتنفيذ عمليات وكمائن ضد عناصره، تؤكد أنها تسفر عن قتلى وجرحى.

نفقٌ تحت نفق.. تحقيق "إسرائيلي" يكشف تفاصيل مثيرة حول كمين "كسر السَّيف"
نفقٌ تحت نفق.. تحقيق "إسرائيلي" يكشف تفاصيل مثيرة حول كمين "كسر السَّيف"

فلسطين أون لاين

timeمنذ 18 ساعات

  • فلسطين أون لاين

نفقٌ تحت نفق.. تحقيق "إسرائيلي" يكشف تفاصيل مثيرة حول كمين "كسر السَّيف"

كشف تحقيق عسكري "إسرائيلي" عن تفاصيل "كمين كسر السيف"، الذي نفذته كتائب القسام جنوب قطاع غزة، واستهدف قوة من جيش الاحتلال عبر بنية نفقية مزدوجة وصفت بـ"الخادعة". وبحسب التحقيق، بدأ الكمين بإطلاق صاروخ موجه مضاد للدروع أصاب مركبة عسكرية تابعة لقائدة سرية في كتيبة 414، المختصة بجمع المعلومات القتالية. وأسفر الهجوم الأولي عن إصابة ضابطة ومجندة بجروح بالغة. لاحقًا، ومع وصول قوة إسناد يقودها قائد لواء الشمال في فرقة غزة إلى الموقع، انفجرت عبوة ناسفة كانت مزروعة مسبقًا، ما أدى إلى مقتل رقيب أول وإصابة مجند آخر بجروح خطيرة. ووفقًا للتحقيق، فإن اللافت كان هو الكشف عن نفق جديد لم يكن مرصودًا سابقًا، أنشأته كتائب القسام أسفل نفق قديم سبق أن أعلن جيش الاحتلال "تحييده والسيطرة عليه". ووفقًا للنتائج، فقد بنت المقاومة "طابقًا سفليًا" مخفيًا تحت النفق الأصلي، استخدمته في عمليات الرصد، والتخفي، والانطلاق لتنفيذ الهجوم، ثم الانسحاب من الموقع دون رصد. وأضاف التحقيق، أنّ "المفاجأة التي صدمت وحدات الاستخبارات والهندسة في الجيش الإسرائيلي تمثلت في قدرة القسام على إعادة تفعيل مسار نفق تم اعتباره "خارج الخدمة"، عبر إنشاء بنية تحتية مغايرة تمامًا ومخبأة بدقة". وأشار إلى أن هذا النوع من الكمائن يعكس نقلة نوعية في هندسة الأنفاق واستخدامها التكتيكي، ما يُعد فشلًا استخباراتيًا وعسكريًا مزدوجًا لوحدات الاحتلال العاملة في الميدان. وفي 29 نيسان الماضي، بثَّت كتائب الشهيد عز الدين القسّام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، مشاهد نوعيَّة من كمين "كسر السيف" المركب الذي نفّذته ضد قوات الاحتلال قرب السياج الفاصل شرقي بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة. وأظهرت المشاهد عدداً من عناصر القسام يهاجمون جيبًا عسكريًا من نوع "ستورم" من النقطة صفر وانقلابها بمن فيها شرقي بلدة بيت حانون. وخلال الكمين، تم استهداف قوة الإسناد التي هرعت إلى المكان بعبوة تلفزيونية 3 مضادة للأفراد. كما استهدف مجاهدو القسام موقعًا مستحدثًا لقوات العدو بأربع قذائف RPG وعدد من قذائف الهاون. ومن جهته، قال المحلل العسكري آفي أشكنازي لصحيفة "معاريف"، إنّ "الحادثة الصعبة شمال قطاع غزة تُجسد عقيدة حرب العصابات لدى حماس: فخاخ، إطلاق صواريخ مضادة للدروع، والانسحاب عبر الأنفاق". وأشار أشكنازي إلى أنّ "الجيش الإسرائيلي يتأهب وفقًا لذلك، لكنه يدرك أن القتال على الأرض معقد وهش على المدى الطويل". وأضاف، "حماس تدرك أن الجيش يعمل بقوة محدودة، وأحيانًا أقل من ذلك، ولذلك تختار انتظار "المعركة الكبرى". ولفت إلى أنّ حماس تزرع الفخاخ، تفخخ الأنفاق، وتعد الكمائن للجيش، في ذات الوقت، يراقب عناصرها نشاط القوات وروتين القتال، وينتظرون الفرصة المناسبة. وعندما تأتي يحاولون مهاجمة القوات، باستخدام صواريخ مضادة للدروع، بل ويوثقون الإصابات لأغراض دعائية. المصدر / فلسطين أون لاين

بطاقة حمراء أوروبية لـ"إسرائيل"
بطاقة حمراء أوروبية لـ"إسرائيل"

فلسطين أون لاين

timeمنذ 19 ساعات

  • فلسطين أون لاين

بطاقة حمراء أوروبية لـ"إسرائيل"

لا حديث في الصحافة الإسرائيلية دوليًا إلا عن المخاوف من العزلة جراء افتضاح النهج الوحشي في الحرب التي تشنها إسرائيل منذ أكثر من 19 شهرًا. والأمر في نظرهم لا يتعلق فقط بأوروبا، على أهميتها، وإنما كذلك بغض الطرف الأميركي عن التّحركات والتهديدات الأوروبية. فالدرع الأميركي الواقي لإسرائيل في المحافل الدولية يتراجع حاليًا في أوروبا، ويمكن أن يتراجع كذلك في الأمم المتحدة. وثمة من ينظر إلى التحركات الأوروبية على أنها مدروسة، ومنسقة سلفًا مع الإدارة الأميركية؛ بغرض ثني إسرائيل ومنعها من تحقيق أهداف حربها المعلنة. وهناك من يرى في توسيع نتنياهو مؤخرًا أهداف الحرب، وإضافة تنفيذ خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين عاملًا مفجرًا يضيف إلى تصاعد الأزمة. ولا يجري الحديث عن التحركات الأوروبية بتعابير سياسية اعتيادية وإنما باستخدام مفاهيم "تسونامي" وأعاصير وما شابه. فالمشهد الراهن غير مسبوق من وجهة نظر إسرائيلية، وهو يمسّ جوهر العلاقة التي تربط إسرائيل بالغرب ويمسّ شرعية أفعالها. ورغم أن بعض الإسرائيليين من اليمين لا يزالون يرفضون رؤية ما يجري، ويركزون على ترديد اتهامات اللاسامية، فإن أغلبية الإسرائيليين ترى التحولات في الرأي العام الأوروبي. وترى اضطرار حكومات كانت تقف بقوة إلى جانب إسرائيل، إلى الانتقال إلى موقف آخر. وتقريبًا بعد ما يزيد عن 19 شهرًا من الحرب تتقدم هولندا، التي كانت على الدوام إلى جانب إسرائيل، وتعلن خطًا أحمر ضد استمرار عدوانها، وتطالب بإعادة النظر في اتفاقيات الشراكة مع إسرائيل. كما أن زعماء فرنسا، وبريطانيا، وكندا، رفعوا شعار؛ "كفى"، وأعلنوا نيتهم فحص فرض عقوبات على إسرائيل إذا لم توقف حربها. وفي نظر إسرائيل كان أخطر ما قالوه تأكيدهم على أهمية مؤتمر السلام المقرر عقده الشهر المقبل؛ لأنه: "يوفر أفضل أمل لإنهاء معاناة عائلات المختطفين، وتخفيف معاناة السكان المدنيين في غزة، وإنهاء حكم حماس، وخلق مسار نحو حل الدولتين". "يتعين علينا جميعًا أن نعمل على تنفيذ حل الدولتين، وهو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والأمن الدائمين اللذين يحتاجهما الإسرائيليون والفلسطينيون، وضمان الاستقرار طويل الأمد في المنطقة". كما أن رئيس وزراء إسبانيا أعلن وجوب التصدي للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة. وأكد الرئيس الفرنسي أن بلاده ودولًا أخرى، سوف تعترف بالدولة الفلسطينية في المؤتمر الدولي الذي سيعقد قريبًا. وأعلنت 25 دولة غربية قلقها الشديد من الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون في غزة. وعمليًا أعلنت بريطانيا تجميد مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل وفرض عقوبات على زعماء المستوطنين. كما أعلنت السويد نيتها فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، خصوصًا دعاة التجويع والتهجير. وفي ظل الوضع القائم بدعوة من وزير الخارجية الهولندي، عقد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، لمناقشة إلغاء اتفاق الشراكة. قررت 17 دولة من دول الاتحاد الـ 27 المصادقةَ على إعادة النظر في الاتفاق، لأن الإلغاء الكلي يتطلب إجماعًا، فيما يمكن إلغاء أجزاء من الاتفاق بالأغلبية. يدرك الإسرائيليون أن ما لعب دورًا مركزيًا في تغيير مواقف الحكومات الأوروبية، هو التصريحات والمواقف المتطرفة لقادة إسرائيل حول "الإبادة والتهجير والتجويع"، فضلًا عن الاستهداف بالقتل والتدمير للمدنيين. فهذه التصريحات والأفعال أزالت الكوابح التي كانت تعرقل في الماضي المبادرات لتقييد إسرائيل في الاتحاد الأوروبي. كما أن الضغوط الشعبية المتواصلة منذ أكثر من عام ونصفٍ، والمطالبة بفعل شيء ما لصالح الفلسطينيين، هدمت بقايا الدعم الأوروبي التي كانت لا تزال قائمة لحكومة نتنياهو. فألمانيا، الصديقة الكبرى لإسرائيل تحاول الآن ممارسة نفوذها لتبنّي موقف موحد في بروكسل تجاه إسرائيل، وتطالب بفتح المعابر، ووقف الحرب بوضوح أيضًا، وتدين العملية العسكرية. وقال وزير الخارجية الألماني: إن العملية البرية تثير "قلقًا كبيرًا" في ألمانيا. كما وجّه وزير الخارجية الإيطالي رسالة أشد عندما قال: "يتعين علينا أن نقول للحكومة الإسرائيلية إن الكيل قد طفح". "نحن لا نريد أن نستمر في رؤية سكان غزة يعانون". وأكد أن الحكومة الإيطالية كانت من أكبر الداعمين لإسرائيل، ولكن حان الوقت للتوقف عن ذلك. ووفق الاستطلاعات بحسب صحيفة "غلوبس"، فإن 42% من الألمان يعتقدون أن إسرائيل تفعل بالفلسطينيين ما فعله النازيون باليهود (استطلاع أجرته مؤسسة بيرتلسمان). كما أن 50% من الإسبان يطالبون مدريد بـ"بذل المزيد من الجهود لكبح جماح إسرائيل". و56% من السويديين ينظرون إلى إسرائيل بشكل سلبي. و60% من الإيطاليين يعتقدون أن الهجوم الإسرائيلي على غزة "غير مبرر" (بيانات وفقًا لاستطلاعات يوغوف). في كل الأحوال، نجحت الحكومات حتى الآن في حماية إسرائيل من الجمهور المعادي. إسرائيل "دولة منبوذة" كما سلف لا يرون في إسرائيل، أن الانتقادات الأوروبية الجديدة، واللغة القاسية، والتهديدات والمطالبات، ليست فقط بسبب الرأي العام المحلي، بل هي ثمرة دعم ضمني من واشنطن. فالأوروبيون يرون أن الإدارة الحالية في واشنطن تنتقد أيضًا السياسات الحالية، ومن هذا المنطلق، يحاولون استغلال قوتهم. ورغم ردود الفعل الحادة من جانب نتنياهو ووزير خارجيته، جدعون ساعر، على المواقف والتصريحات الأوروبية، فإنهم يأخذون الأوروبية بجدية كبيرة، خصوصًا عندما تكون العلاقة متوترة بعض الشيء مع واشنطن. فالعواقب الاقتصادية للمواقف الأوروبية وخيمة على إسرائيل لسبب بسيط يتمثل في حقيقة أن أوروبا هي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل بمبلغ 50 مليار يورو. وبحسب الدكتورة مايا سيئون تصدقياهو، من معهد متافيم في الجامعة العبرية فإن "الرصاصة انطلقت من فوهة البندقية"، "نحن لا نعرف إلى أين ستصل. هذه خطوة تُدهور بشكل أكبر مكانة إسرائيل نحو دولة منبوذة، وتفقدها عددًا من الأصدقاء في أوروبا. هذا السيل حدث بسرعة في الأسابيع الأخيرة، والقرار يمكن أن يشجّع على تسونامي سياسي". بحسب نصوص الاتفاقيات، هناك على الدوام بند يتصل باحترام حقوق الإنسان، وفي هذا السياق تنظر معظم الجهات الأوروبية إلى أن سجل إسرائيل يقود على الفور لاعتبارها: " دولة متمردة". وحسب إحدى الصحف الإسرائيلية: ما الذي يجب أن تفكر فيه شركة أوروبية عندما تفكر في فتح مصنع في إسرائيل، أو التعاون مع شركة إسرائيلية، في ظل خشيتها من انهيار العلاقات بشكل كامل؟ إعادة النظر في الشراكة قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس: إنه في ضوء استمرار وتكثيف الحرب في قطاع غزة، وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، فإن الاتحاد سيدرس إمكانية إلغاء اتفاقيات الشراكة التي وقعتها إسرائيل والاتحاد الأوروبي في عام 1995، وهي اتفاقيات إطارية تنظم العلاقات بين الطرفين. وبحسب الإعلام الإسرائيلي فإن "إعادة النظر" لا تعرض للخطر فقط أهم اتفاقيات التجارة لدولة إسرائيل، والتي تبلغ قيمتها نحو 50 مليار يورو سنويًا، بل إنها تضع علامة استفهام على جميع الاتفاقيات الأخرى بين إسرائيل والدول الأوروبية . وبين أهم هذه الاتفاقيات برنامج "هورايزن" الرائد للتعاون الذي يقدم مبالغ ضخمة في مجالات العلوم والبحث والتطوير والتكنولوجيا، بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي، والذي أيّد ما لا يقلّ عن ثلثيها بالفعل الإعلان. أعرب رؤساء الجامعات الإسرائيلية عن قلقهم الشديد من تداعيات مثل هذه الخطوة، محذرين من أنها قد تكون غير مسبوقة بالنسبة لمكانة إسرائيل كقوة علمية، وقدرتها على قيادة العالم في الابتكار في جميع مجالات البحث. وقال رؤساء الجامعات لصحيفة معاريف: " هذه خطوة غير مسبوقة يمكن أن تضر بشكل خطير بالتعاون مع مؤسسات البحث الرائدة في أوروبا، وتؤدي إلى استبعاد الباحثين الإسرائيليين من مجموعات البحث الدولية، وتوقف الاستثمارات البحثية التي يبلغ مجموعها حوالي 1.5 مليار يورو، وهو مبلغ سيكون له تأثير كبير على مستقبل العلوم والابتكار في إسرائيل". كما أن اتفاقية الشراكة تتصل أيضًا باتفاقية الأجواء المفتوحة، وتبادل الطلاب في إطار برنامج إيراسموس. وحتى لو لم يتم إلغاء اتفاقية الشراكة، فإن الخلاصة التي تنجم عن دراسة المادة الثانية المتعلقة بحقوق الإنسان ستكون: "إسرائيل دولة متمرّدة". تسونامي سياسي ومن أشد ما يقلق إسرائيل حاليًا الصمت الأميركي تجاه المواقف الأوروبية، الأمر الذي يبقيها وحيدة في المواجهة. فلم تصدر واشنطن أي بيان إدانة في أعقاب التهديدات بفرض عقوبات من بريطانيا، وفرنسا، وكندا، وثمة من يرى أن من قال في الماضي إن "ترامب ألقى بإسرائيل تحت الحافلة"، يجد ما يجري في الساحة الدولية حاليًا تجسيدًا عمليًا لهذا القول. وما يزيد في القلق هو ماذا ستفعل أميركا إذا وصلت مطالب إنهاء الحرب إلى مجلس الأمن الدولي؟. وهل ستستخدم في هذه الظروف حق النقض الفيتو في ظل تقارير متكررة تفيد بأن ترامب "ينفد صبره" و"يشعر بالإحباط" من حكومة نتنياهو، بل وهدد بالتخلي عن إسرائيل وفق العديد من التقارير التي تم إنكارها؟ عمومًا نقل موقع "يديعوت" عن مصدر في وزارة الخارجية قوله: "نواجه تسوناميًا حقيقيًا سيزداد سوءًا. نحن في أسوأ وضع مررنا به على الإطلاق. هذا أسوأ بكثير من كونها كارثة، فالعالم ليس معنا". وتابع: "منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لم يرَ العالم على شاشات تلفزيونه سوى أطفال فلسطينيين قتلى وهدم منازل، وقد ضاق ذرعًا. إسرائيل لا تقدم أي حل، ولا ترتيبات لليوم التالي، ولا أمل. فقط الموت والدمار. المقاطعة الصامتة كانت هنا أولًا، وستزداد حدة. يجب ألا نستخفّ بهذا الأمر. لن يرغب أحد في أن يربط اسمه بإسرائيل". رغم كل ما سلف في إسرائيل هناك من يراهنون على أن أوروبا ستعجز عن فرض رأيها وتقاطع إسرائيل. ويعتقدون أن ما سيجري هو خطوات من قبيل استدعاء السفراء للتشاور، وفرض عقوبات إضافية ضد المستوطنين المتطرفين، ومواصلة التهديد بتعليق الاتفاقيات التجارية، وهو أمر يمكن عرقلته في الاتحاد الأوروبي بمساعدة أصدقائها هناك، خصوصًا المجر وجمهورية التشيك. ومع ذلك فإن التهديدات بفرض عقوبات والاعتراف بالدولة الفلسطينية سوف تزيد من تعكير الأجواء إلى حد كبير. وهذا ما سيمنح الضوء الأخضر لتعميق "المقاطعة الهادئة" ضد إسرائيل: تجنب العلاقات الاقتصادية من قبل القطاع الخاص، وإلغاء التعاون العلمي والأكاديمي والتكنولوجي، والتخلي عن المشاريع الثقافية والسياحية والبحثية والتطويرية والرياضية وغيرها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store