logo
بطاقة حمراء أوروبية لـ"إسرائيل"

بطاقة حمراء أوروبية لـ"إسرائيل"

لا حديث في الصحافة الإسرائيلية دوليًا إلا عن المخاوف من العزلة جراء افتضاح النهج الوحشي في الحرب التي تشنها إسرائيل منذ أكثر من 19 شهرًا.
والأمر في نظرهم لا يتعلق فقط بأوروبا، على أهميتها، وإنما كذلك بغض الطرف الأميركي عن التّحركات والتهديدات الأوروبية. فالدرع الأميركي الواقي لإسرائيل في المحافل الدولية يتراجع حاليًا في أوروبا، ويمكن أن يتراجع كذلك في الأمم المتحدة.
وثمة من ينظر إلى التحركات الأوروبية على أنها مدروسة، ومنسقة سلفًا مع الإدارة الأميركية؛ بغرض ثني إسرائيل ومنعها من تحقيق أهداف حربها المعلنة. وهناك من يرى في توسيع نتنياهو مؤخرًا أهداف الحرب، وإضافة تنفيذ خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين عاملًا مفجرًا يضيف إلى تصاعد الأزمة.
ولا يجري الحديث عن التحركات الأوروبية بتعابير سياسية اعتيادية وإنما باستخدام مفاهيم "تسونامي" وأعاصير وما شابه. فالمشهد الراهن غير مسبوق من وجهة نظر إسرائيلية، وهو يمسّ جوهر العلاقة التي تربط إسرائيل بالغرب ويمسّ شرعية أفعالها.
ورغم أن بعض الإسرائيليين من اليمين لا يزالون يرفضون رؤية ما يجري، ويركزون على ترديد اتهامات اللاسامية، فإن أغلبية الإسرائيليين ترى التحولات في الرأي العام الأوروبي. وترى اضطرار حكومات كانت تقف بقوة إلى جانب إسرائيل، إلى الانتقال إلى موقف آخر.
وتقريبًا بعد ما يزيد عن 19 شهرًا من الحرب تتقدم هولندا، التي كانت على الدوام إلى جانب إسرائيل، وتعلن خطًا أحمر ضد استمرار عدوانها، وتطالب بإعادة النظر في اتفاقيات الشراكة مع إسرائيل. كما أن زعماء فرنسا، وبريطانيا، وكندا، رفعوا شعار؛ "كفى"، وأعلنوا نيتهم فحص فرض عقوبات على إسرائيل إذا لم توقف حربها.
وفي نظر إسرائيل كان أخطر ما قالوه تأكيدهم على أهمية مؤتمر السلام المقرر عقده الشهر المقبل؛ لأنه: "يوفر أفضل أمل لإنهاء معاناة عائلات المختطفين، وتخفيف معاناة السكان المدنيين في غزة، وإنهاء حكم حماس، وخلق مسار نحو حل الدولتين". "يتعين علينا جميعًا أن نعمل على تنفيذ حل الدولتين، وهو السبيل الوحيد لتحقيق السلام والأمن الدائمين اللذين يحتاجهما الإسرائيليون والفلسطينيون، وضمان الاستقرار طويل الأمد في المنطقة".
كما أن رئيس وزراء إسبانيا أعلن وجوب التصدي للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة. وأكد الرئيس الفرنسي أن بلاده ودولًا أخرى، سوف تعترف بالدولة الفلسطينية في المؤتمر الدولي الذي سيعقد قريبًا.
وأعلنت 25 دولة غربية قلقها الشديد من الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون في غزة. وعمليًا أعلنت بريطانيا تجميد مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل وفرض عقوبات على زعماء المستوطنين.
كما أعلنت السويد نيتها فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين، خصوصًا دعاة التجويع والتهجير.
وفي ظل الوضع القائم بدعوة من وزير الخارجية الهولندي، عقد اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، لمناقشة إلغاء اتفاق الشراكة. قررت 17 دولة من دول الاتحاد الـ 27 المصادقةَ على إعادة النظر في الاتفاق، لأن الإلغاء الكلي يتطلب إجماعًا، فيما يمكن إلغاء أجزاء من الاتفاق بالأغلبية.
يدرك الإسرائيليون أن ما لعب دورًا مركزيًا في تغيير مواقف الحكومات الأوروبية، هو التصريحات والمواقف المتطرفة لقادة إسرائيل حول "الإبادة والتهجير والتجويع"، فضلًا عن الاستهداف بالقتل والتدمير للمدنيين.
فهذه التصريحات والأفعال أزالت الكوابح التي كانت تعرقل في الماضي المبادرات لتقييد إسرائيل في الاتحاد الأوروبي. كما أن الضغوط الشعبية المتواصلة منذ أكثر من عام ونصفٍ، والمطالبة بفعل شيء ما لصالح الفلسطينيين، هدمت بقايا الدعم الأوروبي التي كانت لا تزال قائمة لحكومة نتنياهو.
فألمانيا، الصديقة الكبرى لإسرائيل تحاول الآن ممارسة نفوذها لتبنّي موقف موحد في بروكسل تجاه إسرائيل، وتطالب بفتح المعابر، ووقف الحرب بوضوح أيضًا، وتدين العملية العسكرية.
وقال وزير الخارجية الألماني: إن العملية البرية تثير "قلقًا كبيرًا" في ألمانيا. كما وجّه وزير الخارجية الإيطالي رسالة أشد عندما قال: "يتعين علينا أن نقول للحكومة الإسرائيلية إن الكيل قد طفح". "نحن لا نريد أن نستمر في رؤية سكان غزة يعانون". وأكد أن الحكومة الإيطالية كانت من أكبر الداعمين لإسرائيل، ولكن حان الوقت للتوقف عن ذلك.
ووفق الاستطلاعات بحسب صحيفة "غلوبس"، فإن 42% من الألمان يعتقدون أن إسرائيل تفعل بالفلسطينيين ما فعله النازيون باليهود (استطلاع أجرته مؤسسة بيرتلسمان).
كما أن 50% من الإسبان يطالبون مدريد بـ"بذل المزيد من الجهود لكبح جماح إسرائيل". و56% من السويديين ينظرون إلى إسرائيل بشكل سلبي. و60% من الإيطاليين يعتقدون أن الهجوم الإسرائيلي على غزة "غير مبرر" (بيانات وفقًا لاستطلاعات يوغوف). في كل الأحوال، نجحت الحكومات حتى الآن في حماية إسرائيل من الجمهور المعادي.
إسرائيل "دولة منبوذة"
كما سلف لا يرون في إسرائيل، أن الانتقادات الأوروبية الجديدة، واللغة القاسية، والتهديدات والمطالبات، ليست فقط بسبب الرأي العام المحلي، بل هي ثمرة دعم ضمني من واشنطن.
فالأوروبيون يرون أن الإدارة الحالية في واشنطن تنتقد أيضًا السياسات الحالية، ومن هذا المنطلق، يحاولون استغلال قوتهم. ورغم ردود الفعل الحادة من جانب نتنياهو ووزير خارجيته، جدعون ساعر، على المواقف والتصريحات الأوروبية، فإنهم يأخذون الأوروبية بجدية كبيرة، خصوصًا عندما تكون العلاقة متوترة بعض الشيء مع واشنطن.
فالعواقب الاقتصادية للمواقف الأوروبية وخيمة على إسرائيل لسبب بسيط يتمثل في حقيقة أن أوروبا هي الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل بمبلغ 50 مليار يورو.
وبحسب الدكتورة مايا سيئون تصدقياهو، من معهد متافيم في الجامعة العبرية فإن "الرصاصة انطلقت من فوهة البندقية"، "نحن لا نعرف إلى أين ستصل. هذه خطوة تُدهور بشكل أكبر مكانة إسرائيل نحو دولة منبوذة، وتفقدها عددًا من الأصدقاء في أوروبا. هذا السيل حدث بسرعة في الأسابيع الأخيرة، والقرار يمكن أن يشجّع على تسونامي سياسي".
بحسب نصوص الاتفاقيات، هناك على الدوام بند يتصل باحترام حقوق الإنسان، وفي هذا السياق تنظر معظم الجهات الأوروبية إلى أن سجل إسرائيل يقود على الفور لاعتبارها: " دولة متمردة".
وحسب إحدى الصحف الإسرائيلية: ما الذي يجب أن تفكر فيه شركة أوروبية عندما تفكر في فتح مصنع في إسرائيل، أو التعاون مع شركة إسرائيلية، في ظل خشيتها من انهيار العلاقات بشكل كامل؟
إعادة النظر في الشراكة
قالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كايا كالاس: إنه في ضوء استمرار وتكثيف الحرب في قطاع غزة، وتفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، فإن الاتحاد سيدرس إمكانية إلغاء اتفاقيات الشراكة التي وقعتها إسرائيل والاتحاد الأوروبي في عام 1995، وهي اتفاقيات إطارية تنظم العلاقات بين الطرفين.
وبحسب الإعلام الإسرائيلي فإن "إعادة النظر" لا تعرض للخطر فقط أهم اتفاقيات التجارة لدولة إسرائيل، والتي تبلغ قيمتها نحو 50 مليار يورو سنويًا، بل إنها تضع علامة استفهام على جميع الاتفاقيات الأخرى بين إسرائيل والدول الأوروبية .
وبين أهم هذه الاتفاقيات برنامج "هورايزن" الرائد للتعاون الذي يقدم مبالغ ضخمة في مجالات العلوم والبحث والتطوير والتكنولوجيا، بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي، والذي أيّد ما لا يقلّ عن ثلثيها بالفعل الإعلان.
أعرب رؤساء الجامعات الإسرائيلية عن قلقهم الشديد من تداعيات مثل هذه الخطوة، محذرين من أنها قد تكون غير مسبوقة بالنسبة لمكانة إسرائيل كقوة علمية، وقدرتها على قيادة العالم في الابتكار في جميع مجالات البحث.
وقال رؤساء الجامعات لصحيفة معاريف: " هذه خطوة غير مسبوقة يمكن أن تضر بشكل خطير بالتعاون مع مؤسسات البحث الرائدة في أوروبا، وتؤدي إلى استبعاد الباحثين الإسرائيليين من مجموعات البحث الدولية، وتوقف الاستثمارات البحثية التي يبلغ مجموعها حوالي 1.5 مليار يورو، وهو مبلغ سيكون له تأثير كبير على مستقبل العلوم والابتكار في إسرائيل".
كما أن اتفاقية الشراكة تتصل أيضًا باتفاقية الأجواء المفتوحة، وتبادل الطلاب في إطار برنامج إيراسموس. وحتى لو لم يتم إلغاء اتفاقية الشراكة، فإن الخلاصة التي تنجم عن دراسة المادة الثانية المتعلقة بحقوق الإنسان ستكون: "إسرائيل دولة متمرّدة".
تسونامي سياسي
ومن أشد ما يقلق إسرائيل حاليًا الصمت الأميركي تجاه المواقف الأوروبية، الأمر الذي يبقيها وحيدة في المواجهة. فلم تصدر واشنطن أي بيان إدانة في أعقاب التهديدات بفرض عقوبات من بريطانيا، وفرنسا، وكندا، وثمة من يرى أن من قال في الماضي إن "ترامب ألقى بإسرائيل تحت الحافلة"، يجد ما يجري في الساحة الدولية حاليًا تجسيدًا عمليًا لهذا القول.
وما يزيد في القلق هو ماذا ستفعل أميركا إذا وصلت مطالب إنهاء الحرب إلى مجلس الأمن الدولي؟. وهل ستستخدم في هذه الظروف حق النقض الفيتو في ظل تقارير متكررة تفيد بأن ترامب "ينفد صبره" و"يشعر بالإحباط" من حكومة نتنياهو، بل وهدد بالتخلي عن إسرائيل وفق العديد من التقارير التي تم إنكارها؟
عمومًا نقل موقع "يديعوت" عن مصدر في وزارة الخارجية قوله: "نواجه تسوناميًا حقيقيًا سيزداد سوءًا. نحن في أسوأ وضع مررنا به على الإطلاق. هذا أسوأ بكثير من كونها كارثة، فالعالم ليس معنا".
وتابع: "منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لم يرَ العالم على شاشات تلفزيونه سوى أطفال فلسطينيين قتلى وهدم منازل، وقد ضاق ذرعًا. إسرائيل لا تقدم أي حل، ولا ترتيبات لليوم التالي، ولا أمل. فقط الموت والدمار. المقاطعة الصامتة كانت هنا أولًا، وستزداد حدة. يجب ألا نستخفّ بهذا الأمر. لن يرغب أحد في أن يربط اسمه بإسرائيل".
رغم كل ما سلف في إسرائيل هناك من يراهنون على أن أوروبا ستعجز عن فرض رأيها وتقاطع إسرائيل. ويعتقدون أن ما سيجري هو خطوات من قبيل استدعاء السفراء للتشاور، وفرض عقوبات إضافية ضد المستوطنين المتطرفين، ومواصلة التهديد بتعليق الاتفاقيات التجارية، وهو أمر يمكن عرقلته في الاتحاد الأوروبي بمساعدة أصدقائها هناك، خصوصًا المجر وجمهورية التشيك.
ومع ذلك فإن التهديدات بفرض عقوبات والاعتراف بالدولة الفلسطينية سوف تزيد من تعكير الأجواء إلى حد كبير. وهذا ما سيمنح الضوء الأخضر لتعميق "المقاطعة الهادئة" ضد إسرائيل: تجنب العلاقات الاقتصادية من قبل القطاع الخاص، وإلغاء التعاون العلمي والأكاديمي والتكنولوجي، والتخلي عن المشاريع الثقافية والسياحية والبحثية والتطويرية والرياضية وغيرها.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة
مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة

شبكة أنباء شفا

timeمنذ 9 ساعات

  • شبكة أنباء شفا

مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار بغزة

شفا – أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موافقته على مقترح المبعوث الأمريكي الجديد الخاص بصفقة تبادل اسرى ووقف إطلاق النار في غزة. وافادت القناة 12 العبرية بأن نتنياهو ابلغ عائلات الأسرى أن إسرائيل ستقبل بمقترح ويتكوف الجديد. من جهة أخرى قال مصدر مطلع على تفاصيل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة لموقع 'واللا' العبري اليوم الخميس إن حماس غير راضية عن الاقتراح الجديد الذي قدمه مبعوث البيت الأبيض ويتكوف. وبحسب المصدر فإن المقترح الجديد لا يتضمن ضمانة أميركية واضحة بأن وقف إطلاق النار المؤقت سيؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار، وأنه إذا استمرت المفاوضات لأكثر من 60 يوماً فإن وقف إطلاق النار سيستمر أيضاً ولن تتمكن إسرائيل من انتهاكه من جانب واحد كما فعلت في مارس/آذار الماضي. واشار المصدر إلى أن كبار مسؤولي حماس لم يعطوا حتى الآن ردا سلبيا على المقترح، لكنهم أعربوا عن خيبة أملهم من محتواه. وأشار المصدر إلى أن المقترح الجديد منحاز أكثر لصالح إسرائيل مقارنة بالمقترحات السابقة، وأن ويتكوف قبل معظم المطالب التي قدمها الوزير رون ديرمر في اجتماع معه الثلاثاء. وأكد مسؤول إسرائيلي كبير هذه التصريحات، وقال إن التقييم في إسرائيل هو أن حماس سترفض الاقتراح الجديد. واعلنت حماس في وقت سابق اليوم أن قيادتها استلمت اقتراح ويتكوف الجديد وسوف تدرسه بمسؤولية. وتنص وثيقة ويتكوف على وقف إطلاق النار لمدة 60 يوما، وتشير إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سيضمن التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار خلال هذه الفترة. حماس ستعيد 10 رهائن أحياء و18 جثة من قائمة الـ58 رهينة التي بحوزتها، وسيتم إعادتهم في اليومين الأول والسابع من وقف إطلاق النار (5 رهائن أحياء و9 جثث في كل مرحلة). وسيبدأ إدخال المساعدات إلى قطاع غزة فور موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار، وسيتم إيصال المساعدات عبر قنوات يتم الاتفاق عليها، والتي تشمل الأمم المتحدة والهلال الأحمر. ويتوقف النشاط الهجومي الإسرائيلي خلال فترة وقف إطلاق النار، كما يتوقف النشاط الجوي وجمع المعلومات الاستخبارية بواسطة الطائرات لمدة عشر ساعات يوميا أو 12 ساعة في الأيام التي يتم فيها إعادة المختطفين. بعد كل مرحلة من مراحل إعادة المختطفين والجثث، سيتم إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. وفي اليوم الأول لوقف إطلاق النار، تبدأ المفاوضات برعاية الوسطاء العرب لتنفيذ الاتفاق على الترتيبات اللازمة لضمان وقف دائم لإطلاق النار. وفي المفاوضات، سوف يناقش الطرفان شروط إطلاق سراح الرهائن المتبقين، والقضايا المتعلقة بإعادة انتشار الجيش الإسرائيلي وانسحابها، والترتيبات الأمنية طويلة الأمد في قطاع غزة، ومقترحات الطرفين بشأن 'اليوم التالي' لانتهاء الحرب.

هل تهاجم إسرائيل إيران رغم تحذيرات ترامب؟
هل تهاجم إسرائيل إيران رغم تحذيرات ترامب؟

جريدة الايام

timeمنذ 13 ساعات

  • جريدة الايام

هل تهاجم إسرائيل إيران رغم تحذيرات ترامب؟

قبل يومين، صرح الرئيس ترامب بأنه حث نتنياهو على عدم شن هجوم عسكري منفرد على المنشآت النووية الإيرانية، قائلاً إنه أبلغ نتنياهو بأن «هذا سيكون غير مناسب الآن لأننا قريبون جداً من حل»، موضحاً ذلك بالقول: «إذا تمكنا من تسوية الأمر بوثيقة قوية مع عمليات تفتيش، فسيكون ذلك أفضل بكثير من القصف». لكن ترامب نفسه أضاف: «إن جميع الخيارات، بما في ذلك العمل العسكري، لا تزال مطروحة إذا فشلت المحادثات في منع إيران من تطوير أسلحة نووية». تأتي تصريحات ترامب العلنية بعدم رغبته في أن تقوم إسرائيل بعمل عسكري مُنفرد ضد منشآت إيران النووية عشية تقارير استخباراتية تُفيد بأن إسرائيل تُعد نفسها للقيام بذلك بصرف النظر عن نتائج المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، آخذين بعين الاعتبار أن هذه النتائج، أيا كانت، لن تكون قريبة مما تريده هي. إسرائيل تريد تفكيك البرنامج النووي الإيراني على الطريقة الليبية، بينما أكثر ما يُمكن أن تُقدمه إيران للولايات المتحدة هو اتفاق شبيه بما تم توقيعه مع الرئيس أوباما ومُلخصه تقليص قدراتها على تخصيب اليورانيوم إلى الحدود الدنيا، بالإضافة إلى تقليص عدد أجهزة الطرد المركزي لديها ومخزونها من اليورانيوم المُخصب، والسماح برقابة مشددة على برنامجها النووي، وكل ذلك مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. إسرائيل رفضت سابقاً اتفاقاً كهذا، وهي من حرض الرئيس ترامب في ولايته الأولى على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، لذلك من المؤكد أن إسرائيل اليوم لن تقبل باتفاق شبيه مع إيران حتى لو كان «بَطله» الرئيس ترامب، وحتى لو تضمن إجراءات رقابية أشد على البرنامج النووي الإيراني. هنا يُصبح السؤال الآتي مشروعاً: هل تهاجم إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية وحدها رغم تحذيرات الرئيس ترامب بعدم القيام بذلك؟ يجادل الخبراء في الشؤون الإسرائيلية بما يأتي: أولاً: إذا كانت الولايات المتحدة تعتبر القضية الفلسطينية شأناً داخلياً إسرائيلياً، وأن لها حرية التصرف في هذا الموضوع، فإن أيديها مُقيدة عندما تتعلق المسألة بالشرق الأوسط ككل لأن مصالح أميركا فيه لها الأولوية على المصالح الإسرائيلية. بمعنى يُمكن لدولة الاحتلال إبادة الشعب الفلسطيني دون أن يؤثر ذلك على علاقاتها مع أميركا، لكن لا يُمكنها التحرك ضد إيران دون رغبة أميركا أو موافقتها. ثانياً: يقول هؤلاء إن إسرائيل لا يُمكنها تدمير البرنامج النووي الإيراني وحدها، فهي لا تمتلك اللوجستيات الكافية والضرورية للقيام بذلك لأن تدمير هذا البرنامج لا يتوقف على «ضربة واحدة» تشنها الطائرات الإسرائيلية ولكن يحتاج إلى حملة جوية قد تستمر لمدة أسبوع، حتى تُؤتي هذه الضربات ثمارها وتحقق إلحاق أكبر دمار ممكن بهذا البرنامج. ولذلك فإن إسرائيل مُجبرة على الاعتماد على الولايات المتحدة للقيام بمثل هذه الحملة الجوية. ثالثاً: يقولون إن أميركا لن تسمح لإسرائيل بالقيام بالعمل ضد إيران بشكل مُنفرد لأن الأخيرة قد تَعتبر أي هجوم إسرائيلي على منشآتها النووية هو هجوم مدعوم من الولايات المتحدة وهي بالتالي قد تستهدف القواعد العسكرية الأميركية الكثيرة في منطقة الخليج والقريبة من حدودها وهو ما لا تريده الولايات المتحدة. هذه الأطروحات وعلى أهميتها تفتقد لرؤية العديد من المتغيرات السياسية التي حدثت في العقدين الأخيرين في كل من إسرائيل والولايات المتحدة، والتي تُشير بوضوح إلى أن إسرائيل قادرة على فرض أجندتها على الولايات المتحدة. هذه المتغيرات تحتاج إلى المزيد من البحث لتدعيمها بالأدلة لكن شواهدها عديدة، ويمكن اختصارها هنا بالآتي: أولاً: في الولايات المتحدة، كما في أوروبا الغربية، لم تعد إسرائيل تكترث بصورتها «كدولة ديمقراطية حريصة على حقوق الإنسان» كما كان الحال في السابق. إسرائيل تعتمد اليوم بشكل كلي على عناصر الضغط التي راكمتها في الولايات المتحدة لتمرير سياساتها بما في ذلك نفوذها الكبير في الكونغرس، وفي مكتب الرئيس الأميركي نفسه، وفي مجالس النواب على مستوى الولايات، والتي تمكنها من فرض تشريعات لمصلحتها ومن التأثير على الرئيس الأميركي نفسه. لاحظوا مثلاً القرار الذي قام بتمريره الكونغرس في 25 تشرين الثاني 2023 بغالبية 412 مقابل 10 أصوات وامتناع 6 عن التصويت والذي يؤكد «على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ويدين هجمات حماس، ويُعبر عن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل، بما في ذلك دعم الإمدادات الطارئة لها وزيادة العقوبات على إيران». هنالك عشرة تشريعات على الأقل في السنتين الأخيرتين مرت أو نوقشت في الكونغرس ضد إيران وهي تتراوح ما بين تعميق العقوبات الاقتصادية عليها والسماح للرئيس الأميركي بشن هجمات عسكرية عليها لمنعها من امتلاك سلاح نووي. لاحظوا أيضاً تصريحات ستيف ويتكوف المتناقضة، وهو المكلف من ترامب بالتفاوض مع إيران. هو من جهة قال إن الاتفاق مع إيران ممكن وقريب بعد الجولات الثلاث الأولى من المفاوضات، ثم عاد ليقول بعد أن طالبت إسرائيل بتفكيك البرنامجين النووي والصاروخي الإيرانيين «إن أميركا لن تقبل إلا «بصفر» تخصيب في منشآت إيران النووية». لاحظوا أيضاً أن إسرائيل تحدت الرئيس أوباما ووقفت علناً ضد الاتفاق النووي الذي وقعه مع إيران ومنعت تمريره في الكونغرس، وأنها هي من أجبر الرئيس ترامب في ولايته الأولى على مغادرة هذا الاتفاق وفرض العقوبات الاقتصادية القصوى على إيران. حينها قال نتنياهو: «الخيار ليس بين الحرب والاتفاق ولكن هنالك طريق ثالث»، وهو خيار العقوبات القصوى. بالنظر إلى هذه الملاحظات والكثير غيرها ومثلها، لا يبدو لي أن الرئيس ترامب لديه «يد عليا» على إسرائيل يمكنه منعها من القيام بما تريد هي ضد إيران. على العكس، يبدو من المشاهدات السابقة أن ترامب لن يتمكن من فرض أي اتفاق يقوم به مع إيران على إسرائيل أو على الكونغرس (والأخير مطلب إيراني). ثانياً، المشهد الإسرائيلي تغير كثيراً. اليوم هنالك «عصابة دينية أيديولوجية « لها قواعد شعبية كبيرة تحكم إسرائيل ولديها غالبية مُستقرة في الكنيست الإسرائيلي حتى تشرين الأول 2026. هذه العصابة، وخصوصاً بعد السابع من أكتوبر، تريد بسط هيمنتها على الشرق الأوسط ككل. لقد صرح نتنياهو بذلك علناً وعلى الأرض هو يقوم بذلك. في فلسطين تستمر حرب الإبادة في غزة، وتستمر الحرب على المخيمات الفلسطينية في الضفة ومصادرة الأراضي فيها بشكل غير مسبوق. وفي لبنان تستمر إسرائيل بالقيام بضرباتها بشكل شبه يومي. وفي سورية تقوم إسرائيل بتوسيع احتلالها وبضرب ما تراه «تهديداً لأمنها»، وكل ذلك في ظل تأييد ودعم أميركي. السيطرة على الشرق الأوسط لا يمكنها أن تتم دون ضرب إيران وإخضاعها. بخلاف ذلك وفي نظر العصابة الحاكمة لإسرائيل اليوم، يُمكن لإيران إعادة بناء قوة «حزب الله» و»حماس» و»أنصار الله» وإعادة عجلة الساعة إلى ما قبل السابع من أكتوبر. فقط من خلال ضرب إيران وإخضاعها، في رأيهم، يُمكن لإسرائيل أن تحقق الهيمنة التي تريدها في المنطقة وعليها. ثالثاً، هنالك أخيراً بعد شخصي يتعلق بنتنياهو والعصابة التي يتحالف معها. السابع من أكتوبر، طوفان الأقصى، يُمثل الهزيمة الأكبر في تاريخ دولة الاحتلال منذ نشأتها، وقد حدث أثناء وجودهم هم في الحكم في إسرائيل. وبالتالي يرى نتنياهو والعصابة التي يحكم من خلالها، أن «الميراث السياسي» الذي يجب أن يتركوه ليس «الهزيمة» التي لحقت بهم في ذلك اليوم، ولكن «الأمن الكبير» التي أصبحت تنعم به إسرائيل من خلال «إبادة» أعدائها في غزة ولبنان، وتوسعة حدودها وتأمينها في سورية. والأهم من كل ذلك، من خلال تدمير البرنامج النووي الإيراني، وهو أهم إنجاز يمكن أن تُقدمه هذه العصابة لجمهورها ولمن يعارضونها في إسرائيل (ضرب إيران وتدمير برنامجها النووي هو أيضاً مطلب للمعارضة الإسرائيلية). وإذا تمكنت من ذلك، فهي لن تُغطي فقط، حسب اعتقادها، على هزيمة السابع من أكتوبر، ولكن ستضمن أن يُعاد انتخابها في السنة القادمة، وتتويج نتنياهو في التاريخ «ملكاً» لإسرائيل، تماماً مثل بن غوريون الذي أنشأها. كل ذلك يعني أن إسرائيل ستقوم بمهاجمة إيران وحدها بصرف النظر عن نتائج المفاوضات بين أميركا وإيران، وهي ستقوم بذلك سواء بالتنسيق مع إدارة ترامب أو بعكس إرادتها. بالتنسيق أفضل لها، لكن إذا كان ذلك غير ممكن فسيكون رغماً عنها، وهي مُطمئنة بما لها من نفوذ في واشنطن بأن أميركا «ستهرول» لنجدتها إن لم تتمكن من الانتصار على إيران وحدها.

عقدة إنهاء الحرب
عقدة إنهاء الحرب

جريدة الايام

timeمنذ 13 ساعات

  • جريدة الايام

عقدة إنهاء الحرب

لو قدر لاتفاق إعلان المبادئ المسمى اتفاق أوسلو أن يجد طريقه إلى الواقع قبل أكثر من ربع قرن، لكان واقع الحال، ليس في فلسطين وإسرائيل وحسب قد تغير رأساً على عقب، بل في كل الشرق الأوسط. نقول ذلك لأنه على ما يبدو، أن الواقع السياسي الإقليمي، مضطر للعودة مجدداً، إلى الانخراط في نفس الطريق، أو في طريق مشابه له، في الوقت الذي كان ممكناً فيه حقن كل تلك الدماء، وتجنب كل تلك الخسائر البشرية والاقتصادية، وعلى كل جوانب الحياة، للفلسطينيين أولاً، وللإسرائيليين ثانياً، ثم لكل دول وشعوب الشرق الأوسط ثالثاً، ومن ثم لكل العالم، الذي اتضح بما لا يدع مجالاً للشك، أن معادلة التوتر والاستقرار في الشرق مسألة بالغة الأهمية للعالم، خاصة منه العالم الغربي، بدليل أن الحرب التي تجري في المنطقة منذ ستمائة يوم، أو أكثر من عشرين شهراً، شغلت العالم بأسره، إن كان على صعيد الأمم المتحدة بجلسات مجلس أمنها وجمعيتها العمومية، أو متابعة الدول العظمى والكبرى في العالم، أو على الصعيد الشعبي، حيث لم يشهد العالم تظاهرات صاخبة كرد فعل على حدث دولي، كما حدث ويحدث كرد فعل على حرب الإبادة الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني. نقول، لو قدر لأوسلو أن وجد طريقه إلى الواقع قبل ربع قرن، أي في العام 1999، بالتحول من اتفاق انتقالي تم التوقيع عليه قبل ذلك بخمسة أعوام، أي العام 1994 في حديقة البيت الأبيض، ونص على مفاوضات حول ملفات الحل النهائي خلال خمس سنوات تالية، تنتهي باتفاق نهائي، يتضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، بعد أن يكون الاحتلال قد خرج من 90% من أرض دولة فلسطين المحتلة، فيما يكون التفاوض خلال مدة حدها الأعلى خمس سنوات، قد انتهى بالتوصل إلى حل حول مستقبل المستوطنات والقدس والمياه والحدود وكل هذه تقع ضمن أقل من نسبة 10% من مساحة الأرض الفلسطينية المحتلة، حينها كنا اليوم إزاء دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب دولة إسرائيل، وكان بذلك الشعب الفلسطيني، قد حقق هدفه الأسمى وعاش حياة طبيعية، بل شارك في نمو وازدهار الشرق الأوسط وهو الذي ساهم كشعب دونما دولة في ذلك خلال العقود الماضية، وكانت دولة فلسطين قد دفعت بالديمقراطية السياسية قدماً في المنطقة باعتبارها وهي سلطة نشأت على الأساس الديمقراطي، بدليل أنها شهدت تداول السلطة في الانتخابات البرلمانية الثانية فقط، أما إسرائيل فكانت قد حققت الكثير، فمجرد إقامة دولة فلسطين المستقلة، كان سيفتح لها باب التطبيع الحقيقي. والدليل هو أنه مجرد توقيع اتفاق إعلان المبادئ، تبعت الأردن بتوقيع وادي عربة، بل افتتحت كل من تونس والمغرب وقطر حينها مكاتب تمثيل إسرائيلية في عواصمها، دون التمثيل الدبلوماسي، لكن بما يوازي اتفاق أوسلو الانتقالي، فيما لم يحدث أن اقتربت أي دولة من إسرائيل ما بين عامي 1979 - 1994، أي خلال خمسة عشر عاماً، فصلت بين توقيع كامب ديفيد بين أكبر دولة عربية وهي مصر وإسرائيل، والأهم هو أن التطبيع بين الدول العربية، بعد قيام دولة فلسطين المستقلة، يعني التطبيع مع الشعوب العربية، أي أن تغدو إسرائيل دولة طبيعية في الشرق الأوسط، لا أن ينظر إليها حتى وهي على علاقات دبلوماسية مع خمس دول عربية حالياً، بأنها تقيم تلك العلاقات مع الأنظمة، فيما الشعوب، خاصة المصري والأردني والمغربي، تظهر كل مظاهر رفض التطبيع خارج حدود السفارات الإسرائيلية المعزولة في القاهرة وعمان والرباط، ودليل ذلك ما يحيط بمقار تلك السفارات من قوى أمن وجدران وأسيجة. وكان الشرق الأوسط كله قد تجنب كل ما يحدث حالياً من عنف وتوتر وحرب لم تكن على كل حال بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل توسعت دائرتها لتشمل لبنان واليمن وسورية، وإلى حد ما العراق وإيران بالطبع، وكل هذا مع الحرص الدولي ممثلاً بأميركا وأوروبا، والحرص الإقليمي ممثلاً بكل الدول العربية ذات الوزن والتأثير الإقليمي إلى جانب تركيا وإيران، على عدم تحول الحرب إلى حرب إقليمية شاملة، بمنع جر إيران للمشاركة فيها مباشرة وبكل قوتها، هذا في حال شنت عليها إسرائيل منفردة أو مع أميركا الحرب المفتوحة والشاملة والصريحة، التي تتجاوز العمليات العسكرية والأمنية المحدودة والمحددة بأهداف معينة مثل الاغتيالات وتنفيذ الضربات العسكرية والضربات المضادة، إن كان عبر الصواريخ والمسيرات. بعد ستمائة يوم، يمكن القول بكل وضوح إن الحرب تقريباً انتهت، فليس هناك من طرفين يتقاتلان بل هناك آلة عسكرية إسرائيلية تقليدية، أي تشمل الطائرات والدبابات والمدافع تلقي بالقذائف على ما تبقى من مبانٍ وخيام فتقتل كل يوم ما يقرب من مئة وتصيب ما بين مئتين وثلاثمائة مدني فلسطيني، وهي عمليات قتل يقوم بها الاحتلال ضد الشعب المحتل بهدف الإبادة الجماعية والتهجير، وكل هذا يترافق مع التجويع وتدمير ما تبقى من مبانٍ وحتى من خيام أو مرافق عامة، مع مواصلة إصدار أوامر النزوح وفق سلسلة لا متناهية، وإذا كان من عقدة تحول دون إعلان انتهاء الحرب، فذلك يعود تماماً، وبشكل تام وليس لأي سبب آخر، لظروف الائتلاف الإسرائيلي الحاكم، فبنيامين نتنياهو، ورغم عدم تمكنه خلال 20 شهراً من تحرير المخطوفين، إلا عبر صفقتي التفاوض اللتين جرتا خلال هذه الحرب، إلا أنه يدرك أن استمرار الحرب يعني بقاء ائتلاف الحكم، وبقاءه هو شخصياً رئيساً للوزراء محصناً من المحاكمة القضائية سواء داخل أسرائيل أو خارجها. ولأن الائتلاف الإسرائيلي الحاكم قد خاض الحرب لتحقيق أهداف سياسية بعيدة المدى، تذهب إلى الإقليم كله، أي تمس الشرق الأوسط، وليس لتحقيق لا أهداف أمنية عسكرية كما يدعي، محصورة بالقضاء على حماس كقوة عسكرية وكنظام حكم في غزة، أو منع أن تبقى غزة تشكل تهديداً أمنياً، وكل هذا يمكن الرد عليه بمقترحات بسيطة، من مثل أن يوافق على عودة السلطة لحكم غزة، أو من مثل رفع يد إسرائيل عن حصار غزة، وهو قبل أيام ذرف دموع التماسيح بقوله إنه يرغب في أن يسمح لسكان غزة بالمغادرة، حتى يتحرروا من الجوع، فيما الحل الطبيعي هو أنه بعد أن خرج من غزة العام 2005، كان عليه وما زال يجب عليه ألا يفرض عليها لا حصاراً برياً، في رفح، ولا بحرياً في الشريط البحري وطوله 50 كم ولا في الجو الجنوبي والغربي تحديداً، لذلك فالائتلاف الحاكم الإسرائيلي يواصل القتل وارتكاب جرائم الحرب، من أجل تحقيق هدف التهجير، ومن ثم إعلان ضم غزة والضفة، بعد أن اتضحت استحالة السيطرة الإقليمية على الشرق الأوسط. الخلاصة أن عقدة إنهاء الحرب ليست بيد الطرفين، ومع تزايد الضغوط المحلية والإقليمية والدولية عليهما معاً، فإن طرفيها سيكونان خاسرين، ولن يتسنى لأحدهما تحقيق ما كان يرغب فيه قبل السابع من أكتوبر 2023، فحماس قد خسرت حكمها المنفرد لغزة، الذي كانت عليه قبل إطلاقها عملية طوفان الأقصى، والائتلاف الحاكم، لم يخسر أحلامه الإقليمية وحسب، بل خسر التطبيع المجاني وفق «اتفاقية أبراهام» التي لم يعد ترامب نفسه يقول بها، أكثر من ذلك عادت المعارضة الإسرائيلية الليبرالية بالذات لتكون فاعلاً سياسياً، بعد أن استشعرت مؤسسات الدولة الإسرائيلية الخطر من ميلشيات المستوطنين ومن مشروع إقامة الدولة الدينية اللاهوتية المعادية لكل الإقليم، كذلك عاد حل الدولتين ليكون حديث الدنيا كلها، وعلى الأغلب فإن معظم القوى الفاعلة في العالم، نقصد أوروبا مع الصين وروسيا والعرب والمسلمين باستثناء أميركا إلى حين، تفكر في ما يجب فعله من أجل تنفيذ حل الدولتين وعدم الاكتفاء بإعلانه كموقف فقط. ما يؤكد هذا المنحى، هو أن كل الحديث حتى بما في ذلك الصادر عن حماس يقول، إن الحركة لن تعود لتحكم قطاع غزة، وكان يمكن للحركة طوال سبعة عشر عاماً مضت أن تقبل بما تقبل به اليوم، بل ويرفضه نتنياهو وائتلافه الفاشي، نقصد عودة السلطة الفلسطينية، لأن نتنياهو في الأصل حين أخذ بيد حماس لحكم غزة، كان يهدف إلى تحقيق انفصال فلسطيني داخلي، لهذا يمكنه أن يقبل بأن يحكم أي أحد غزة، إلا السلطة الفلسطينية، ثم هناك إجماع على رفض التهجير، وعلى وقف الحرب، أي بفرض ذلك على نتنياهو، بما يعيد الحل لمساره الذي كان عليه قبل ثلاثة عقود مضت.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store