logo
هل تقيض الحياة لاتفاق سلام في أوكرانيا؟

هل تقيض الحياة لاتفاق سلام في أوكرانيا؟

Independent عربية١٥-٠٤-٢٠٢٥

يمكن أن يكون التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء حرب كبرى فرصة لإعادة ترتيب العالم، فبعد هزيمة نابليون بونابرت في فرنسا تفاوض القادة الأوروبيون على حدود إقليمية جديدة خلال "مؤتمر فيينا" بين عامي 1814 و1815 في محاولة لإرساء توازن قوى مستقر في القارة.
وفي "مؤتمر باريس" للسلام عام 1919 بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وضع المشاركون خططاً لعصبة الأمم وهي الهيئة الدولية المُكلفة بضمان السلام العالمي، وفي أوائل عام 1945 ومع اقتراب نهاية الحرب العالمية الثانية، اجتمع ممثلون عن 50 دولة لصياغة ميثاق منظمة جديدة تحل محل عصبة الأمم غير الفعالة، وبدأت الأمم المتحدة أعمالها في وقت لاحق من ذلك العام.
قد لا تسفر مفاوضات إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا عن تشكيل هيئة أمنية عالمية جديدة لكنها قد ترسم ملامح مستقبل التعاون الدولي، وفي الحقيقة يحتاج العالم اليوم إلى إعادة هيكلة، فلقد وجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضربة قاصمة للمؤسسات والشراكات التي تشكل جوهر النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وأدت تهديداته بفرض التعرفات الجمركية إلى اضطراب الاقتصاد العالمي، في حين أن توبيخه للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي أواخر فبراير (شباط) الماضي قد بدد أي أمل باق في أن تظل الولايات المتحدة شريكاً موثوقاً لحلفائها وأصدقائها التقليديين. وخارج الولايات المتحدة ترغب الدول الأوروبية في السيطرة بشكل أكبر على أمنها، بينما تسعى دول أخرى عدة إلى أشكال فعالة من التعددية لا تهيمن عليها القوى الغربية، لكن معالجة هذه الضغوط من خلال اتفاق شامل في أوكرانيا أمر مستبعد، فمواقف كييف وموسكو متعارضة بشدة، والعالم منقسم بشكل كبير، وأي اتفاق يمكن أن ينهار بسهولة، وفي الواقع تزخر كتب التاريخ بمحاولات فاشلة لتحقيق السلام، بما في ذلك المحاولات التي جرت خلال عامي 1938 و1939 والتي لم تنجح في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية.
إلا أنه بعيداً من المخططات الكبرى فهناك إمكان لعملية سلام عملية تشمل القوى الكبرى والدول المتأثرة مباشرة بالحرب، وتوافر التسويات السابقة إرشادات في هذا الصدد، وحتى الحل الجزئي قد يكون فعالاً إذا تمكن من إيقاف القتال، فقد أثبتت اتفاقات وقف إطلاق النار ديمومتها في نزاعات مجمدة أخرى، بما في ذلك النزاعات التي جرى التفاوض عليها في كوريا خلال خمسينيات القرن الماضي وقبرص في السبعينيات، وإضافة إلى ذلك فإن الترتيبات الإقليمية يجب ألا تكون دائمة، فقد تنازلت فنلندا عن أراض للاتحاد السوفياتي في الأربعينيات، لكنها تمكنت من استعادة أجزاء صغيرة منها بعد عقود، ويجب ألا يقوض أي اتفاق في أوكرانيا صدقية أي من الحكومتين الروسية أو الأوكرانية، مثلما فعلت تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى مع الحكومة الألمانية، مما زرع بذور الحرب العالمية الثانية، وينبغي أن يقدم الاتفاق ضمانات أمنية لأوكرانيا مدعومة بقوة حقيقية، خلافاً للوعود الضعيفة التي قُدمت لدول أوروبا الشرقية خلال فترة ما بين الحربين العالميتين.
لن تكون النتيجة اتفاقاً مثالياً، ولكن إذا اُستوفيت هذه الشروط فإن أي اتفاق يجري التوصل إليه اليوم في شأن أوكرانيا يمكن أن يحافظ على السلام إلى أن تصبح الظروف مواتية لحلول دائمة، بل ويمكنه حتى أن يوافر نموذجاً فعالاً للتعاون المتعدد الأطراف في هذا العالم الجديد المضطرب.
وجهات نظر متعارضة
هناك أسباب وجيهة تدعو إلى تحويل الاتفاق الذي سينهي حرب روسيا في أوكرانيا إلى صفقة كبرى، فالصراع يرتبط بأعمال عدائية في أماكن أخرى، وإيران وكوريا الشمالية تُزودان روسيا بالأسلحة، وفي الوقت نفسه تقدم كوريا الشمالية القوات، ويمكن لتسوية شاملة أن تُوفر إطاراً لحل النزاعات في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط أيضاً، من خلال إنشاء آلية أمنية جديدة لمعالجة التأثيرات المزعزعة للاستقرار الناجمة عن استعمال التدابير والسياسات المالية كأدوات للحرب الاقتصادية أو النفوذ الجيوسياسي والحروب التجارية والدبلوماسية المتشظية [حيث تكون فيه العلاقات الدولية والدبلوماسية غير متماسكة أو مفككة]. ويمكن أن تكون المفاوضات لإنهاء الحربين العالميتين الأولى والثانية نموذجاً يُحتذى، فقد حدثت آنذاك تسويتان شاملتان استندتا إلى رؤى جريئة للسلام العالمي، وتضمنتا تسويات إقليمية وإعادة توطين للسكان وبنوداً أمنية وتعويضات مالية، وكان الهدف منهما هو القضاء على الأسباب الجذرية للصراعات التي أنهتاها، ففي عام 1919 انصب التركيز على تعزيز الديمقراطية للحد من النزعة العسكرية، وفي عام 1945 فُرض على ألمانيا واليابان الاستسلام غير المشروط لوقف عُدوان هاتين الدولتين تحديداً.
وفي كلتا الحالتين كانت الأطراف المتفاوضة متفقة إلى حد كبير على أسباب الحرب وسبل إنهائها، وتمكنت من فرض رؤيتها على المهزومين، لكن هذا لا ينطبق على حال أوكرانيا مما يجعل إبرام صفقة كبرى أمراً مستحيلاً اليوم، فالطرفان المتحاربان لا يتفقان على سبب اندلاع الحرب، ولا يمكن لأية وساطة أو ضغط خارجي التوفيق بين مواقفهما.
بالنسبة إلى أوكرانيا فإن سبب الحرب واضح، فقد قرر بوتين الاستيلاء على شبه جزيرة القرم وضمها عام 2014، ثم أشعل قتالاً منخفض الحدة في منطقة دونباس بعد ذلك، وفي النهاية شن غزواً كاملاً في فبراير (شباط) 2022، وبالتالي فإن إزالة مصدر الصراع تعني إزالة الحكومة الروسية الحالية وهو احتمال مستبعد، أما من وجهة نظر روسيا فسبب الحرب مختلف تماماً، فلقد زعم بوتين أن الحكومة الأوكرانية غير شرعية وتنتهك المعايير الدستورية ويديرها النازيون، وادعى أن الضمانات الأمنية الغربية، ولا سيما الوعد الغامض الذي عُرض على أوكرانيا عام 2008 بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، كانت تعزز صمود أوكرانيا، وشكك أساساً في فكرة وجود أوكرانيا كدولة مستقلة.
وفي الواقع فإن التوصل إلى تفاهم حول السبب الأساس للحرب هو شرط مسبق للمفاوضات في شأن تسوية شاملة، ومن دون هذا التفاهم فإن محاولة حمل الأطراف المتحاربة على الاتفاق في شأن حدود إقليمية دائمة والطريقة المناسبة للحفاظ على تلك الحدود وتمويل إعادة الإعمار ستكون ممارسة عقيمة، ففي "مؤتمر فيينا" عام 1814 - 1815، ألقت الحكومات الأوروبية باللوم في الحروب النابليونية على الثورة الفرنسية ومبادئها، متجاهلة حقيقة أن أفكار حقوق الإنسان والحكم الدستوري كانت تتمتع بجاذبية قوية، ونتيجة لذلك صاغ المؤتمر تسوية كانت رجعية ومحافظة في أبشع معانيها، مما أدى إلى انشقاق بعض الدول (فرنسا والمملكة المتحدة) ومشاركة دول أخرى في الثورات، فطمس التاريخ طريق مؤكد نحو الفشل.
ألق سلاحك
إذا كانت الحلول الشاملة غير مطروحة فإن الخيار التالي الأفضل سيكون الحل الجزئي، وفي الحقيقة فمنذ عام 1945 كانت الحلول الجزئية هي الوسيلة الأكثر نجاحاً للحفاظ على السلام، بما في ذلك منع اندلاع الحروب مجدداً في النزاعات التي وصلت إلى طريق مسدود، وعندما جرى التوصل إلى هذه التسويات الموقتة لم تكن الأطراف المعنية تعرف كم من الوقت ستستمر، لكنها في كثير من الحالات نجحت وأثبتت متانتها بشكل ملحوظ، خصوصاً عندما لعبت القوى العظمى في ذلك الوقت دوراً حاسماً في دفع الأطراف المتحاربة نحو تخفيف التصعيد.
إحدى هذه الاتفاقات لوقف إطلاق النار هي الهدنة الكورية عام 1953 والتي أنهت ثلاثة أعوام من القتال، وقد جرى التفاوض على الهدنة بشكل رئيس بين ممثلين عن الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والصين وكوريا الشمالية، أما كوريا الجنوبية التي لم تكن راغبة في تقبل خسارة الشمال فلم توقع على الاتفاق، في حين وقعتها كوريا الشمالية على مضض بضغط من الصين والاتحاد السوفياتي، ولم تُحترم جميع شروط الاتفاق، فقد تعهدت الدول الضامنة بعدم إرسال أسلحة إضافية إلى أي من الدولتين الكوريتين، لكن إحداها، الولايات المتحدة، انتهكت هذا الالتزام عام 1958 بنشرها أسلحة نووية في كوريا الجنوبية، ومنذ عام 1994 صرحت كوريا الشمالية مراراً بأنها لا تعتبر نفسها ملزمة بالهدنة ومع ذلك ظلت العناصر الأساس للاتفاق قائمة، فعلى مدى سبعة عقود بقيت المنطقة المنزوعة السلاح التي يبلغ عرضها ميلين ونصف الميل [أربعة كيلومترات تقريباً] قرب خط العرض 38 تفصل بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ولم يستأنف البلدان الأعمال العدائية، وتُقدم هذه الهدنة مثالاً قوياً على الطريقة التي يمكن فيها للتسوية أن تحقق هدفها الرئيس حتى من دون معاهدة رسمية أو نظام ضمانات أمنية معقد إذا كانت لدى القوى العظمى المعنية مصلحة مشتركة في تحقيق السلام.
تزخر كتب التاريخ بمحاولات سلام فاشلة
واستطراداً فقد سُوّي وضع برلين بشكل سلمي خلال الحرب الباردة على رغم عدم وجود نزاع عسكري مباشر آنذاك، لكن ألمانيا كانت منقسمة إلى قسمين، ألمانيا الغربية المتحالفة مع القوى الغربية، وألمانيا الشرقية المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي، وعلى نحو مماثل جرى تقسيم برلين، وكانت برلين الغربية التي يديرها الحلفاء الغربيون تقع وسط ألمانيا الشرقية، وبدت هذه الترتيبات وكأنها مصممة لإثارة صدام بين القوى العظمى، ولكن خلال فترة من الانفراج الأوسع تفاوضت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي إضافة إلى فرنسا والمملكة المتحدة على "اتفاق القوى الأربع في شأن برلين" عام 1971، وبعد ذلك بوقت قصير وقّعت ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية "معاهدة برلين" عام 1972، وخُففت القيود المفروضة على حركة الألمان عبر الجدار الذي كان يقسم برلين، وعلى رغم أن الاتحاد السوفياتي لم يعترف رسمياً ببرلين الغربية كجزء تابع لألمانيا الغربية لكن الاتفاق أُقر ضمنياً هذا الوضع، وكما هو الحال في التسوية الكورية فلم تعترف الأطراف رسمياً بجميع مطالب بعضها بعضاً، لكن آلية السلام نجحت في النهاية.
واستطراداً تقدم قضية قبرص مثالاً آخر على نزاع مجمد جرى التعامل معه بنجاح، فبعد انقلاب عسكري نفذه ضباط من القبارصة اليونانيين في يوليو (تموز) 1974، غزا الجيش التركي الجزيرة لدعم القبارصة الأتراك، وبعد جولات عدة من المفاوضات، بما في ذلك مجموعة من المحادثات التي انهارت وقادت إلى هجوم تركي آخر أسفر عن خسائر فادحة بين قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، جرى التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أغسطس (آب)، وأدى هذا الاتفاق إلى تقسيم الجزيرة وأصبح ثلثها تحت سيطرة القبارصة الأتراك، وقد ضمنت الضغوط الاقتصادية والعسكرية التي مارستها الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى عدم استئناف تركيا للقتال، وعلى رغم أن قبرص لا تزال منقسمة بحكم الأمر الواقع (وتركيا هي الدولة الوحيدة التي تعترف بشمال قبرص)، فقد انضمت إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004.
بمرور الوقت يمكن إيجاد حلول كاملة لبعض حالات الجمود الموقت مثلما حدث مع ألمانيا التي أعيد توحيدها عام 1990 بعد أربعة عقود من تقسيمها، وفي المقابل يأتي بعض الحلول بشكل أسرع، ففي عام 1945 استولت يوغوسلافيا على مدينة ترييستي المتعددة الجنسيات واللغات والمناطق المحيطة بها، وتدخلت الأمم المتحدة فقسمت المنطقة في نهاية المطاف إلى منطقة شمالية (تضم المدينة نفسها) تديرها المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ومنطقة جنوبية تديرها يوغوسلافيا، وبحلول عام 1954 سمحت يوغوسلافيا بضم معظم المنطقة الشمالية إلى إيطاليا، مدفوعة إلى حد كبير بإمكان التعاون الاقتصادي معها، وحتى الاتحاد السوفياتي الذي عارض بشدة جهود الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لحث يوغوسلافيا على التخلي عن مطالبها، رحب في النهاية بحل النزاع.
الاستيلاء على الأراضي
إن الاتفاق الذي يُلزم أحد الأطراف بالتنازل عن أراض قد يكون غير مستدام، فعلى سبيل المثال في "اتفاق ميونخ" عام 1938، اضطرت تشيكوسلوفاكيا إلى التنازل لألمانيا النازية عن أراض حدودية في الشمال والغرب والجنوب لم تكن موطناً للناطقين بالألمانية وحسب، بل كانت تحوي أيضاً الدفاعات العسكرية الرئيسة للدولة، وبعد ستة أشهر تمكنت ألمانيا من غزو بقية تشيكوسلوفاكيا بسهولة.
ولكن هناك أيضاً حالات أدى فيها التنازل الموقت عن الأراضي إلى احتواء النزاع، فبعد بضعة أعوام من "اتفاق ميونخ" توصلت فنلندا إلى تسوية مع الاتحاد السوفياتي تطلبت منها القبول بخسائر إقليمية كبيرة، وطوال فترة الحرب الباردة كانت فنلندا ملزمة بالتماشي مع السياسة الخارجية السوفياتية، لكنها ظلت متماسكة وحافظت على سيادتها واستقلالها السياسي.
أنهت المعاهدة السوفياتية الفنلندية المبرمة في مارس (آذار) 1940 ما يُعرف بـ "حرب الشتاء" التي كانت بدأت قبل بضعة أشهر عندما شن الاتحاد السوفياتي غزواً على فنلندا وكان آنذاك حليفاً لألمانيا النازية، وبعد أن تركت القوى الأوروبية الأخرى فنلندا تواجه الغزو وحدها، دخلت هلسنكي سريعاً في مفاوضات ثنائية مع موسكو، وفي الاتفاق النهائي تنازلت فنلندا عن مساحات شاسعة من الأراضي على طول الحدود السوفياتية، ووافقت على تأجير شبه جزيرة في بحر البلطيق للاتحاد السوفياتي مدة 30 عاماً، وسمحت بإنشاء منطقة محايدة، كما وقّع الطرفان اتفاق عدم اعتداء، وكان الاتفاق في مصلحة الاتحاد السوفياتي بشكل واضح، خصوصاً بالنظر إلى الأداء العسكري الفنلندي المذهل، وكما قال وزير الخارجية الفنلندي فاينو تانر في خطاب إذاعي في مارس 1940: "الشروط ثقيلة بشكل غير متوقع مقارنة بما تمكن العدو من تحقيقه خلال الحرب"، ومع ذلك فهذا ما جعل السلام مستداماً، فقد تمكنت موسكو من إقناع نفسها بأنها حققت أكثر مما كان متوقعاً، وبما أن القادة الفنلنديين حرصوا على عدم ربط حربهم بصراع أيديولوجي أوسع فلم تخش روسيا أن يصبح النموذج الفنلندي مصدر إلهام للمواطنين السوفيات الساخطين.
لم تكن هذه نهاية التنازلات التي حصل عليها الاتحاد السوفياتي من فنلندا، ففي عام 1947 وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، تفاوضت موسكو مع تسع دول أخرى، لم تكن الولايات المتحدة من بينها، على اتفاق يسمح لها ببناء وتشغيل قاعدة بحرية قرب هلسنكي، وجمع التعويضات من فنلندا وإلزامها بحل "جميع المنظمات ذات الطابع الفاشي" وتلك التي تنشر دعاية مناهضة للسوفيات، ثم جاءت المعاهدة الثنائية عام 1948 لتؤكد خسائر فنلندا الإقليمية لمصلحة الاتحاد السوفياتي، وألزمتها بمقاومة نفوذ "ألمانيا وحلفائها"، وهو تلميح ضمني إلى الولايات المتحدة. وكانت قدرة فنلندا على التحرك دبلوماسياً مقيدة بشدة طوال فترة الحرب الباردة، لكن في المقابل سمح هذا الترتيب للبلاد بممارسة سياساتها الداخلية بِحُرية، وقد ساعدت الصدقية التي بنتها المؤسسات السياسية الفنلندية على مدى عقود في الحفاظ على الدعم الشعبي على رغم خسارة فنلندا أراضيها وحكمها الذاتي.
لا سلام من دون ازدهار
أية تسوية ناجحة لما بعد الحرب يجب ألا تقوض صدقية الأنظمة التي تبرمها، وينطبق هذا المبدأ على كل من معاهدات السلام الكبرى في التاريخ، مثل تلك التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وكذلك على التسويات الأصغر مثل حل النزاع بين إيطاليا ويوغوسلافيا في شأن ترييستي، وقد كان أحد أبرز عيوب "مؤتمر باريس" للسلام عام 1919 هو أن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى فرضت على جمهورية فايمار، الدولة الديمقراطية الألمانية الجديدة، تحمل مسؤولية عدوان سابقتها، الإمبراطورية الألمانية بقيادة القيصر فيلهلم الثاني، فوقّع القادة الألمان الجدد معاهدة تضمنت بند "الذنب بالحرب" [ذنب التسبب بالحرب] الذي وفر الأساس القانوني لتحميل ألمانيا مسؤولية دفع تعويضات ضخمة، وكانت النتيجة أن الديمقراطية الألمانية والنظام الأوروبي الجديد كانا مثقلين منذ البداية بعبء كبير للغاية، مما أسهم في اندلاع الحرب مجدداً بعد عقدين من الزمن.
ولكي يدوم السلام يجب أن تكون الأطراف قادرة على الحفاظ على روابط اقتصادية ومالية مع بقية العالم حتى تتمكن الحكومات من تلبية التطلعات المشروعة لشعوبها بعد الحرب، فالمجتمعات التي تشعر بالإحباط قد تلجأ مجدداً إلى العدوان. وفي تناقض صارخ مع اتفاقات عام 1919، اعترفت التسويات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية بأن السلام والازدهار لا يمكن فصلهما، فلم يُطلب من أي من الدولتين الألمانيتين [الشرقية والغربية] التوقيع على أية معاهدات سلام، وضمنت القوى العظمى ألا تتحملا مسؤولية الديون الألمانية السابقة للحرب، ولم توقع ألمانيا أية معاهدة تنهي الأعمال العدائية رسمياً إلا عام 1990 عندما توحدت مجدداً، أي بعد 45 عاماً من انتهاء القتال.
من السهل جداً تخيل تسوية في أوكرانيا تتبعها محاولات لزعزعة استقرار حكومتي كييف أو موسكو مما يقضي فعلياً على السلام، وفي الواقع قد يستخدم أي من الطرفين أساليب غير عسكرية لتقويض الطرف الآخر، فعلى سبيل المثال يشعر الأوكرانيون بقلق مشروع ومبرر من أن يؤدي اتفاق سلام مشروط بإجراء انتخابات جديدة إلى منح روسيا فرصة لشن حملات دعائية أو عمليات سرية تهدف إلى دعم مرشحين أكثر إذعاناً لموسكو، وفي المقابل تخشى القيادة الروسية من أن صمود أوكرانيا كدولة ديمقراطية قد يحفز معارضة داخلية في روسيا بعد انتهاء الحرب.
إن الفشل في إعادة إعمار سريعة لأوكرانيا المدمرة بالحرب قد يُلحق الضرر بصدقية كييف ويُولد إحباطاً شعبياً واسع النطاق مما يجعل البلاد أكثر عرضة للتدخل الخارجي، ويُقدم التاريخ مثالاً على جهود فعالة للتعافي بعد الحرب مثل "خطة مارشال"، البرنامج الأميركي لإعادة بناء الاقتصادات الأوروبية التي دمرتها الحرب العالمية الثانية، ويُعد هذا البرنامج المعيار النموذج الأمثل لإعادة الإعمار الاقتصادي لأنه أطلق حقبة من النمو السريع والاستقرار السياسي في الدول المشاركة، ولم يقتصر دور من أعدوا "خطة مارشال" على تقديم الأموال وحسب، بل فكرت واشنطن في كيفية إشراك كل من الحكومات والقطاع الخاص لتحقيق أهداف محددة وتشجيع أوروبا نفسها على تولي زمام المبادرة في إعادة إعمار نفسها بنفسها.
وفي حال أوكرانيا فإن الخطوة الأولى نحو التعافي بعد الحرب تتمثل في تخفيف العقبات التي تُبطئ استعادة النشاط الاقتصادي، فعلى سبيل المثال ومع توقف مصانع الصلب عن العمل لم تعد تصنع المنتجات الثانوية القيمة مثل غاز النيون المستخدم في صناعة أشباه الموصلات، كما أن حقول الألغام في البر والبحر تعوق الوصول إلى البحر الأسود مما يجعل من الصعب على أوكرانيا تصدير الحبوب، وتعد قطاعات التكنولوجيا المتقدمة واعدة للغاية، إذ يتمتع كثير من الأوكرانيين بمهارات برمجية متطورة، وقد حققت البلاد تقدماً تكنولوجياً سريعاً لدعم مجهودها الحربي، لكن هذه القطاعات لا يمكن أن تزدهر من دون عودة النشاط الاقتصادي الطبيعي، وبالنسبة إلى الأطراف الأجنبية بخاصة سيكون من المهم ألا يُنظر إلى أوكرانيا بعد الحرب بشكل أساس على أنها مجرد مصدر للمعادن والفلزات، وفي الواقع فقد تجذب هذه الموارد الاستثمارات، لكن الصناعات الاستخراجية عرضة أيضاً للفساد مما يُثير شكوكاً لدى الشعب، ومن غير المرجح أن تُولد العدد الكافي من الوظائف ذات المهارات والعالية الجودة التي تحتاج إليها أوكرانيا لجذب ملايين اللاجئين الذين فروا خلال الحرب، وخطة تعاف قابلة للتنفيذ يجب أن تبني لأوكرانيا ازدهاراً شاملاً وليس مجرد مكاسب سريعة لفئة قليلة.
جنود في الميدان
إن اتفاق وقف إطلاق النار في أوكرانيا يحتاج إلى ضمانات من أطراف خارجية، ويجب على هذه الأطراف توفير استقرار حقيقي يمنع اندلاع مزيد من القتال بدلاً من مجرد وعود على الورق، فتاريخ التسويات مليء بضمانات أمنية واهية مهدت الطريق لصراعات جديدة، وأبرزها خلال الفترة التي سبقت الحرب العالمية الثانية مباشرة.
في "اتفاق ميونيخ" عام 1938 والذي جاء بعد شهر من الدبلوماسية العاجلة التي تركز على إدارة الأزمات، تفاوض القادة البريطانيون والفرنسيون والإيطاليون على مصير تشيكوسلوفاكيا مع الدكتاتور الألماني أدولف هتلر، واتفقوا على تجريد البلاد من مناطقها الحدودية من دون استشارة حكومة تشيكوسلوفاكيا وشعبها في شأن هذا التنازل، واعتقدت القوى الأوروبية بشكل خاطئ أن إبرام صفقة مع هتلر بدلاً من محاربته يمكن أن يحميها من أهوال الحرب، ففي خطاب إذاعي موجه إلى الجمهور ذلك الشهر، قال رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين "يا له من أمر مروع، وخيالي، ولا يصدّق، أننا يجب أن نحفر الخنادق ونجرب أقنعة الغاز هنا بسبب نزاع في بلد بعيد بين أناس لا نعرف عنهم شيئاً".
وفي غضون عام كان البريطانيون يرتدون أقنعة الغاز ويبنون الدفاعات، وفي فرنسا كان أحد الشعارات الشائعة المناهضة للحرب في عامي 1938 و1939 هو "لماذا نموت لأجل دانزيغ؟"("Mourir pour Dantzig؟")، ومع ذلك لم تتمكن الدبلوماسية البارعة من إبعاد الحرب، وسرعان ما مات كثير من الفرنسيين من أجل فرنسا.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حاول البريطانيون والفرنسيون تغيير موقفهم عندما احتلت ألمانيا تشيكوسلوفاكيا بالكامل في مارس 1939، وبدأت بولندا والمملكة المتحدة على الفور في التفاوض على اتفاق أمني، ووقعتا اتفاقاً ثنائياً في أغسطس (آب) تعهدتا فيه بتقديم المساعدة إذا تعرض أحد الطرفين للهجوم، وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي إدوار دلادييه دعمه للالتزام البريطاني، مضيفاً أن الفشل في الدفاع عن بولندا "بسبب قصر النظر أو الجبن" سيكون بمثابة خيانة لمُثُل فرنسا وتجاهلاً لمصالحها، مما سيترك البلاد "بلا شرف، بلا أصدقاء، بلا دعم، في لحظة تنقلب فيها هذه الجهود للهيمنة على أوروبا فجأة ضدها [أي ضد فرنسا]". ولكن على رغم النيات الحسنة واللغة العاطفية فإن الاتفاق البريطاني - البولندي لم يكن مدعوماً بإسناد عسكري فعلي، ولم تتمكن المملكة المتحدة من تقديم مساعدة كبيرة عندما غزت القوات الألمانية بولندا في سبتمبر (أيلول)، وسرعان ما سقطت بولندا أمام الهجوم النازي.
قد يلجأ مجتمع محبط إلى العدوان مجدداً
لا يمكن للضمانات الشفهية وحدها أن تحافظ على اتفاقات وقف إطلاق النار، ولكن إذا شملت هذه الضمانات وجوداً عسكرياً كافياً لردع الانتهاكات فإنها يمكن أن تدعم تسوية موقتة حتى من دون الاعتراف بتقسيم إقليمي دائم أو تقديم تنازلات، وفي الواقع تكمن عبقرية ترتيبات السلام في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية وفي شبه الجزيرة الكورية وترييستي وقبرص، في أن الأطراف المعنية التي شعرت بأمان نسبي لعلمها بأن التسويات ستمنع مزيداً من القتال، رأت أن الحاجة إلى المساومة حول مكان ترسيم الحدود الإقليمية النهائية لم تعد بالأهمية نفسها، ولمنع عودة الحرب في شرق أوكرانيا يجب حماية خط وقف إطلاق النار من خلال إظهار قوة عسكرية فعالة ومماثلة، ويجب على الدول القادرة أن تنشر ما يكفي من الجنود والمعدات لتمكين استجابة هائلة في حال انتهاك روسيا أو أوكرانيا وقف إطلاق النار، فمن دون ضمان أمني كبير وقابل للتنفيذ لن يكون وقف إطلاق النار سوى دعوة إلى بوتين ليخطط لشن الغزو الروسي التالي لأوكرانيا، وربما لدول أخرى أيضاً.
سيكون دور كل من الولايات المتحدة والصين ذا أهمية حاسمة في توفير الدعم أو حتى التفاوض على وقف إطلاق النار أو التسوية، نظراً إلى نفوذ واشنطن في أوكرانيا ونفوذ بكين في روسيا، ويمكنهما أيضاً توفير جنود لحفظ السلام على رغم أن ذلك ليس ضرورياً تماماً إذا تولّت دول أخرى هذه المهمة بدلاً منهما، وعلى الجانب الأوكراني من خط وقف إطلاق النار يمكن للقوات الأوروبية أداء هذه المهمة، وقد طرحت فرنسا والمملكة المتحدة هذا الاحتمال، وبفضل خبرتهما العسكرية العميقة وامتلاكهما للأسلحة النووية، فهما مرشحان طبيعيان لهذه المهمة، أما على الجانب الروسي فيمكن للصين أو دول آسيا الوسطى تأدية دور مماثل في حفظ السلام.
لا تستطيع القوى العظمى حل جميع المشكلات، وينتظر العالم مستقبلاً أكثر اضطراباً وخطورة إذا بدأ قادة هذه الدول في الاعتقاد بخلاف ذلك [أي إذا ظنوا أنهم قادرون على مواجهة كل التحديات بأنفسهم]، ففي عام 1807 التقى نابليون القيصر الروسي ألكسندر على متن طوف في نهر نيمن في بروسيا، حيث أنهى الرجلان حرباً شملت معظم أوروبا من خلال تقسيم القارة بينهما، وكان من المحتم أن يتنازعا مجدداً وأن يستأنفا القتال، وقد استمرت الحروب النابليونية لما يقارب عقداً من الزمان، وفي المقابل تُعتبر الدبلوماسية الشاملة نهجاً أفضل بكثير لحل صراع اليوم، وقد تحدث كثير من القادة الأوروبيين والآسيويين عن الحاجة إلى تعددية جديدة، والآن لديهم فرصة لتطبيق أقوالهم، فإذا تمكنوا من تقديم ضمانات فعالة للحفاظ على وقف إطلاق النار في أوكرانيا فيمكنهم إثبات أن نظاماً دولياً متعدد الأطراف يمكن أن يعمل بشكل حقيقي، حتى من دون أن تلعب الولايات المتحدة دور شرطي العالم.
مترجم عن "فورين أفيرز" 12 مارس (آذار)، 2025
ج. جون إيكنبيري هو أستاذ في السياسة والشؤون الدولية بكلية ألبرت جي ميلبانك - جامعة برينستون وباحث عالمي بارز في جامعة كيونغ هي، ومؤلف كتاب "عالم آمن للديمقراطية: الأممية الليبرالية وأزمات النظام العالمي".
هارولد جيمس هو أستاذ في الدراسات الأوروبية في كرسي كلود ولور كيلي وأستاذ التاريخ والشؤون الدولية في جامعة برينستون، ومؤلف كتاب "سبع انهيارات: الأزمات الاقتصادية التي شكلت العولمة".

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إيران تواجه أميركا بدون خطة بديلة وسط تعارض الخطوط الحمراء للملف النووي
إيران تواجه أميركا بدون خطة بديلة وسط تعارض الخطوط الحمراء للملف النووي

Independent عربية

timeمنذ 3 ساعات

  • Independent عربية

إيران تواجه أميركا بدون خطة بديلة وسط تعارض الخطوط الحمراء للملف النووي

قالت ثلاثة مصادر إيرانية الثلاثاء إن القيادة الإيرانية تفتقر إلى خطة بديلة واضحة لتطبيقها في حال انهيار الجهود الرامية إلى حل النزاع النووي المستمر منذ عقود، وذلك في ظل تعثر المحادثات بين واشنطن وطهران جراء التوتر المتصاعد بين الطرفين بشأن تخصيب اليورانيوم. وقالت المصادر إن إيران قد تلجأ إلى الصين وروسيا "كخطة بديلة" في حال استمرار التعثر. لكن في ظل الحرب التجارية بين بكين وواشنطن وانشغال موسكو بحربها في أوكرانيا، تبدو خطة طهران البديلة هشة. وقال مسؤول إيراني كبير "الخطة البديلة هي مواصلة الاستراتيجية قبل بدء المحادثات. ستتجنب إيران تصعيد التوتر، وهي مستعدة للدفاع عن نفسها...تشمل الاستراتيجية أيضاً تعزيز العلاقات مع الحلفاء مثل روسيا والصين". ونقلت وسائل إعلام رسمية عن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قوله في وقت سابق الثلاثاء إن مطالب الولايات المتحدة بامتناع طهران عن تخصيب اليورانيوم "زائدة عن الحد ومهينة"، معبراً عن شكوكه في ما إذا كانت المحادثات النووية ستفضي إلى اتفاق. وبعد أربع جولات من المحادثات التي تهدف إلى كبح البرنامج النووي الإيراني مقابل تخفيف العقوبات، لا تزال هناك العديد من العقبات التي تعترض طريق المحادثات. وقال اثنان من المسؤولين الإيرانيين ودبلوماسي أوروبي إن طهران ترفض شحن كل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج أو الدخول في مناقشات حول برنامجها للصواريخ الباليستية. كما أن انعدام الثقة من كلا الجانبين وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالانسحاب من اتفاق عام 2015 مع القوى العالمية قد زاد من أهمية حصول إيران على ضمانات بأن واشنطن لن تتراجع عن اتفاق مستقبلي. ومما يضاعف من التحديات التي تواجهها طهران، معاناة المؤسسة الدينية في إيران من أزمات متصاعدة - ومنها نقص الطاقة والمياه، وتراجع العملة، والخسائر العسكرية بين حلفائها الإقليميين، والمخاوف المتزايدة من هجوم إسرائيلي على مواقعها النووية - وكلها تفاقمت بسبب سياسات ترمب المتشددة. وقالت المصادر إنه مع إحياء ترمب السريع لحملة "أقصى الضغوط" على طهران منذ فبراير (شباط)، بما في ذلك تشديد العقوبات والتهديدات العسكرية، فإن القيادة الإيرانية "ليس لديها خيار أفضل" من اتفاق جديد لتجنب الفوضى الاقتصادية في الداخل التي قد تهدد حكمها. وقد كشفت الاحتجاجات التي اندلعت بالبلاد بسبب مظاهر قمع اجتماعي ومصاعب اقتصادية في السنوات الأخيرة، والتي قوبلت بحملات قمع قاسية، عن ضعف إيران أمام الغضب الشعبي وأدت إلى فرض مجموعات من العقوبات الغربية في مجال حقوق الإنسان. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقال المسؤول الثاني الذي طلب أيضاً عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية القضية "من دون رفع العقوبات لتمكين مبيعات النفط الحرة والوصول إلى الأموال، لا يمكن للاقتصاد الإيراني أن يتعافى". ولم يتسن الحصول بعد الحصول على تعليق من وزارة الخارجية الإيرانية. طريق شائك قالت ويندي شيرمان، وكيلة وزارة الخارجية الأميركية السابقة للشؤون السياسية التي قادت فريق التفاوض الأميركي في اتفاق عام 2015 بين طهران وست قوى عالمية، إن من المستحيل إقناع طهران "بتفكيك برنامجها النووي والتخلي عن تخصيب اليورانيوم رغم أن ذلك سيكون مثالياً". وأوضحت قائلة "هذا يعني أنهم سيصلون إلى طريق مسدود، وأننا سنواجه احتمال نشوب حرب، وهو ما لا أعتقد، بصراحة تامة، أن الرئيس ترمب يتطلع إليه لأنه أعلن في حملته الانتخابية أنه رئيس سلام". وحتى في حال انحسار الخلافات بشأن التخصيب، فإن رفع العقوبات لا يزال محفوفاً بالمخاطر. فالولايات المتحدة تفضل الإلغاء التدريجي للعقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي، في حين تطالب طهران بإزالة جميع القيود على الفور. وقد فُرضت عقوبات على عشرات المؤسسات الإيرانية الحيوية للاقتصاد منذ عام 2018، بما فيها البنك المركزي وشركة النفط الوطنية، بسبب "دعم الإرهاب أو نشر أسلحة". وعند سؤالها عن خيارات إيران في حال فشل المحادثات، قالت شيرمان إن طهران ستواصل على الأرجح "التحايل على العقوبات وبيع النفط، إلى حد كبير إلى الصين، وربما الهند وغيرها". وقد ساعدت الصين، المشتري الرئيسي للنفط الإيراني رغم العقوبات، في تفادي طهران للانهيار الاقتصادي، لكن ضغوط ترمب المكثفة على الكيانات التجارية والناقلات الصينية تهدد هذه الصادرات. ويحذر محللون من أن دعم الصين وروسيا له حدود. فالصين تصر على تخفيضات كبيرة للنفط الإيراني، وقد تضغط من أجل تخفيض الأسعار مع ضعف الطلب العالمي على الخام. وفي حال انهيار المحادثات - وهو سيناريو تأمل كل من طهران وواشنطن في تجنبه - فلن تستطيع بكين أو موسكو حماية إيران من عقوبات أميركية وأوروبية أحادية الجانب. وحذرت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، على الرغم من عدم مشاركتها في المحادثات الأميركية الإيرانية، من أنها ستعيد فرض عقوبات الأمم المتحدة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق على وجه السرعة. وبموجب قرار الأمم المتحدة الخاص بالاتفاق النووي لعام 2015، فإن الدول الأوروبية الثلاث لديها مهلة حتى 18 أكتوبر (تشرين الأول) لتفعيل ما تسمى "بآلية إعادة فرض العقوبات". ووفقاً لدبلوماسيين ووثيقة اطلعت عليها "رويترز"، فإن الدول الثلاث قد تفعل ذلك بحلول أغسطس (آب) إن لم يتم التوصل إلى اتفاق جوهري بحلول ذلك الوقت.

معلومات استخباراتية أميركية: إسرائيل تجهز لضرب منشآت نووية إيرانية
معلومات استخباراتية أميركية: إسرائيل تجهز لضرب منشآت نووية إيرانية

Independent عربية

timeمنذ 5 ساعات

  • Independent عربية

معلومات استخباراتية أميركية: إسرائيل تجهز لضرب منشآت نووية إيرانية

ذكرت شبكة "سي.إن.إن" الإخبارية الأميركية اليوم الأربعاء نقلاً عن مسؤولين أميركيين مطلعين أن معلومات استخبارات جديدة حصلت عليها الولايات المتحدة تشير إلى أن إسرائيل تجهز لضرب منشآت نووية إيرانية. وأضافت الشبكة نقلاً عن المسؤولين أنه لم يتضح بعد ما إذا كان القادة الإسرائيليون قد اتخذوا قراراً نهائياً مشيرة إلى وجود خلاف داخل الحكومة الأميركية بشأن ما إذا كانوا سيقررون في نهاية المطاف تنفيذ الضربات. ولم يتسن بعد تأكيد التقرير. ولم يرد مجلس الأمن القومي على الفور على طلب للتعليق. ولم ترد السفارة الإسرائيلية في واشنطن على طلب للتعليق. ولم يرد كذلك مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي. وقال مصدر مطلع على المعلومات الاستخباراتية لـ "سي.إن.إن" إن احتمال توجيه إسرائيل ضربة لمنشأة نووية إيرانية "ارتفع بشكل كبير في الأشهر الأخيرة". وأضاف أن فرصة الضربة ستكون أكثر ترجيحاً إذا توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران لا يقضي بالتخلص من كل اليورانيوم الذي تمتلكه إيران. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتجري إدارة الرئيس دونالد ترمب مفاوضات مع إيران بهدف التوصل إلى اتفاق دبلوماسي بشأن برنامج طهران النووي. وأوضحت الشبكة الإخبارية أن المعلومات الاستخباراتية الجديدة استندت إلى اتصالات علنية وخاصة لمسؤولين إسرائيليين كبار، بالإضافة إلى اتصالات إسرائيلية تم اعتراضها وملاحظات لتحركات عسكرية إسرائيلية قد توحي بضربة وشيكة. ونقلت "سي.إن.إن" عن مصدرين قولهما إن من بين الاستعدادات العسكرية التي رصدتها الولايات المتحدة حركة ذخائر جوية واستكمال مناورة جوية. كانت وسائل إعلام رسمية قد نقلت عن المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي قوله في وقت سابق أمس الثلاثاء إن مطالب الولايات المتحدة بامتناع طهران عن تخصيب اليورانيوم "زائدة عن الحد ومهينة"، معبراً عن شكوكه في ما إذا كانت المحادثات النووية ستفضي إلى اتفاق.

ترمب يعلن بناء "القبة الذهبية" للدفاع الصاروخي تحبط "أي هجوم من الفضاء"
ترمب يعلن بناء "القبة الذهبية" للدفاع الصاروخي تحبط "أي هجوم من الفضاء"

Independent عربية

timeمنذ 6 ساعات

  • Independent عربية

ترمب يعلن بناء "القبة الذهبية" للدفاع الصاروخي تحبط "أي هجوم من الفضاء"

كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن خطط بناء درع صاروخية تحت مسمى "القبة الذهبية" بهدف حماية الولايات المتحدة من هجمات خارجية مؤكداً أنها ستوضع في الخدمة في نهاية ولايته الثانية. وقال ترمب في البيت الأبيض "خلال الحملة الانتخابية وعدت الشعب الأميركي بأني سأبني درعاً صاروخية متطورة جداً"، وأضاف "يسرني اليوم أن أعلن أننا اخترنا رسمياً هيكلية هذه المنظومة المتطورة". وخلال مؤتمر صحافي، جلس ترمب إلى جانب ملصق يظهر خريطة الولايات المتحدة مطلية باللون الذهبي مع رسومات فنية لاعتراض صواريخ، وقال إن "هذا التصميم سيتكامل مع قدراتنا الدفاعية الحالية، وسيكون جاهزاً قبل نهاية ولايتي، أي في غضون ثلاث سنوات ستكون القبة قادرة على اعتراض الصواريخ، سواء أُطلقت من مسافات بعيدة، أو من الفضاء". وأضاف أن الكلفة الإجمالية للمشروع ستصل إلى "نحو 175 مليار دولار" عند إنجازه، مشيراً "هذا النظام سيتم صناعته بالكامل في أميركا، إنه يعكس القوة الأميركية والتفوق التكنولوجي لحماية شعبنا من أي تهديد جوي" وأعلن ترمب أن الجنرال مايكل جويتلاين من سلاح الفضاء الأميركي سيكون المدير الرئيسي للمشروع، وهو جهد يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه حجر الزاوية في تخطيط ترمب العسكري. كندا تريد أن تكون جزءاً من المشروع قال من المكتب البيضاوي إن "القبة الذهبية" "ستحمي وطننا"، وأضاف أن كندا قالت إنها تريد أن تكون جزءاً منه. ولم يتسن بعد الحصول على تعليق من مكتب رئيس الوزراء الكندي مارك كارني. وتهدف "القبة الذهبية" إلى إنشاء شبكة من الأقمار الصناعية لرصد الصواريخ القادمة وتتبعها وربما اعتراضها. وسيستغرق تنفيذ "القبة الذهبية" سنوات، إذ يواجه البرنامج المثير للجدل تدقيقاً سياسياً وغموضاً في شأن التمويل. وعبر مشرعون ديمقراطيون عن قلقهم إزاء عملية الشراء ومشاركة شركة "سبيس إكس" المملوكة لإيلون ماسك حليف ترمب التي برزت كمرشح أول إلى جانب شركتي "بالانتير" و"أندوريل" لبناء المكونات الرئيسية للنظام. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ويدشن الإعلان جهود وزارة الدفاع (البنتاغون) لاختبار وشراء الصواريخ والأنظمة وأجهزة الاستشعار والأقمار الصناعية التي ستشكل "القبة الذهبية" في نهاية المطاف. وقال ترمب إن المشروع سيكتمل بحلول نهاية ولايته في يناير كانون الثاني 2029، مضيفاً أن ولاية ألاسكا ستكون جزءاً كبيراً من البرنامج. وفي نهاية يناير (كانون الثاني)، وقع ترمب مرسوماً لبناء "قبة حديدية أميركية"، تكون وفق البيت الأبيض درعاً دفاعية متكاملة مضادة للصواريخ لحماية أراضي الولايات المتحدة. "حرب النجوم" كانت روسيا والصين وجهتا انتقادات لذاك الإعلان الذي رأت فيه موسكو مشروعاً "أشبه بحرب النجوم"، في إشارة إلى المصطلح الذي استُخدم للدلالة على مبادرة الدفاع الاستراتيجي الأميركي في عهد الرئيس رونالد ريغان إبان الحرب الباردة. وفكرة "القبة الذهبية" مستوحاة من الدرع الدفاعية الإسرائيلية "القبة الحديدية" الأرضية التي تحمي إسرائيل من الصواريخ والقذائف. أما "القبة الذهبية" التي اقترحها ترمب فهي أكثر شمولاً وتتضمن مجموعة ضخمة من أقمار المراقبة وأسطولاً منفصلاً من الأقمار الصناعية الهجومية التي من شأنها إسقاط الصواريخ الهجومية بعد فترة وجيزة من انطلاقها. وهذه المنظومة اعترضت آلاف الصواريخ منذ دخولها الخدمة في العام 2011. ويبلغ معدل اعتراضها لأهدافها نحو 90 في المئة، وفق شركة رافائيل الإسرائيلية للصناعات العسكرية التي شاركت في تصميمها. وفي بادئ الأمر طورت إسرائيل بمفردها "القبة الحديدية" بعد حرب العام 2006 مع "حزب الله" اللبناني، لتنضم إليها لاحقاً الولايات المتحدة التي قدمت خبرتها في المجال الدفاعي ودعماً مالياً بمليارات الدولارات. وكان ترمب قد أشار بالفعل إلى هذا المشروع خلال حملته الانتخابية، لكن خبراء كثراً يؤكدون أن هذه الأنظمة مصممة في الأصل للتصدي لهجمات تشن من مسافات قصيرة أو متوسطة، وليس لاعتراض صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب الولايات المتحدة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store