
هل هناك جدوى حقيقية مما قام به نشطاء سفينة مادلين؟
إيطاليا تلغراف
د. محمود الحنفي
أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان
اقتحمت قوات كوماندوز إسرائيلية فجر الاثنين (9 يونيو/ حزيران 2025) السفينة 'مادلين' التابعة لأسطول الحرية (FFC) التي تحمل 12 ناشطًا دوليًا وشحنة رمزية من المساعدات بهدف كسر الحصار البحري على غزة، وذلك أثناء وجودها في المياه الدولية، بالقرب من شواطئ غزة.
وأفادت تقارير بأنّ السفينة تعرضت لتشويش في الاتصالات ورش بمادة بيضاء مهيجة من طائرات مسيرة قبل عملية الاقتحام. ووثّق النشطاء على متن السفينة اللحظات الأخيرة قبل انقطاع الاتصال، حيث ظهروا وهم يرتدون سترات النجاة ويستعدون للاعتقال، مع دعوات لإلقاء الهواتف المحمولة في البحر.
أكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن السفينة 'مادلين' في طريقها إلى إسرائيل، ووصفت المبادرة بأنها 'استعراض إعلامي'، مشيرة إلى أن المساعدات على متنها سيتم تحويلها إلى غزة عبر القنوات الإنسانية الرسمية، وأن الركاب سيُعادون إلى بلدانهم الأصلية.
وجاءت خطوة انطلاق هذه السفينة بعد حرب إبادة تشنها إسرائيل على سكان قطاع غزة، حيث شددت إغلاقها البري والبحري والجوي على القطاع بشكل غير مسبوق، مما أدّى إلى نقص حادّ في الغذاء والمواد الأساسية لأكثر من 90 يومًا.
ولهذا، مثلت رحلة السفينة مادلين محاولة جديدة وشجاعة لمقاومة الحصار، وإعادة طرح ملفه على الساحة الدولية، ما يطرح تساؤلات حول خلفيات هذه المحاولة، وسوابق محاولات كسر الحصار بحريًا، وما يقوله القانون الدولي وقانون البحار في شأن حصار غزة، واعتراض السفن المدنية، وأخيرًا حول فرص نجاح مثل هذه الجهود فعليًا في إنهاء الحصار.
لماذا سفينة 'مادلين'؟
جاء إطلاق سفينة 'مادلين' في ربيع 2025 كاستجابة مباشرة للتدهور الإنساني غير المسبوق في قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة، وكثمرة لتنسيق دولي ضمن ائتلاف أسطول الحرية. اختير اسم 'مادلين' تيمّنًا بأول سيدة تعمل بصيد الأسماك في غزة، في إشارة إلى الصمود الفلسطيني، وقدرة النساء على خوض غمار التحدي.
وشارك في الرحلة ناشطون بارزون، منهم السويدية غريتا تونبرغ، والممثل الأيرلندي ليام كاننغهام، بهدف جذب الأنظار عالميًا لمعاناة نحو مليونَي فلسطيني محاصرين. وأكد المنظمون على الطبيعة الإنسانية والاحتجاجية للمهمة: فالسفينة تحمل كميات محدودة لكن رمزية من الإمدادات الطبية والغذائية، وتهدف إلى التحدي المباشر للحصار الإسرائيلي المفروض بحرًا على غزة.
هذه المحاولة جاءت أيضًا بعد أحداث مقلقة تعرضت لها مؤخرًا سفينة أخرى تابعة لأسطول الحرية تحمل اسم 'الضمير' في مطلع مايو/ أيار 2025 إذ تم مهاجمتها بواسطة طائرتي درون مجهولتين في عرض البحر الأبيض المتوسط قرب مالطا، مما أعاق إبحارها.
وقد وجّه الائتلاف أصابع الاتهام إلى إسرائيل بتنفيذ ذلك الهجوم غير المسبوق لمنع وصول أي سفينة إلى غزة. ورغم عدم اعتراف إسرائيل أو تعليقها على الحادثة، اعتُبر استهداف سفينة مدنية في المياه الدولية تصعيدًا خطيرًا، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وأشارت تونبرغ، التي كان من المقرر أن تبحر على متن 'الضمير' قبل الهجوم، إلى أنهم 'مستمرون في المحاولة مهما كانت الصعاب'، مضيفة أن خطر هذه المهمة لا يُقارن بخطورة صمت العالم على ما يُرتكب من إبادة بحق حياة المدنيين في غزة.
وتعكس هذه التصريحات دافعًا أخلاقيًا قويًا لدى النشطاء، فهم يعتبرون أن التقاعس الدولي عن إنهاء الحصار يفقد المجتمع الدولي إنسانيته، لذا يجب التحرك ولو بسفينة مدنية صغيرة. وقد شدّد الناشطون قبل انطلاق رحلتهم على أنهم على تواصل مع هيئات قانونية وحقوقية دولية؛ لضمان سلامة المتطوعين، وحذروا من أن أي اعتراض بالقوة لسفينة مادلين سيُعدّ 'انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي الإنساني' (وهو ما حدث).
كما تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا رفضت طلبًا إسرائيليًا لمنع انطلاق السفينة، رغم أنها ترفع العلم البريطاني، ما اعتُبر مؤشرًا سياسيًا على عدم شرعية منع الرحلة قانونيًا.
باختصار، تمثل 'مادلين' جهدًا دوليًا منسقًا يجمع بين الرمزية الإنسانية: (إيصال مساعدات رمزية، وإحياء الأمل لدى سكان غزة)، وبين الاحتجاج المدني السلمي الذي يكشف طبيعة الحصار. إنها صرخة في وجه استمرار حصار عمره الآن قرابة 17 عامًا، تُطلقها مجموعة من نشطاء المجتمع المدني نتيحة تخلي الحكومات عن أداء واجباتها القانونية والأخلاقية.
وكما قال الممثل ليام كاننغهام أثناء توديع السفينة في ميناء قطانية: 'عندما لا تقوم الحكومات بالوقوف عند التزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي، يتعين على مجموعة متنوعة مثل هذه أن تحاول تحقيق ذلك'.
تجارب تاريخية لكسر الحصار البحري
ليست سفينة 'مادلين' سوى الفصل الأحدث في سلسلة من المحاولات البحرية لكسر الحصار المفروض على غزة. أول اختراق ناجح سُجّل في أغسطس/ آب 2008 عبر حركة 'غزة الحرة'، حيث وصلت سفينتا 'الحرية' و'غزة الحرة' إلى ميناء غزة، حاملتين متضامنين دوليين ومساعدات رمزية. تكررت الرحلات في خريف العام نفسه، أبرزها سفينة 'الكرامة'، لكن إسرائيل سرعان ما شدّدت الحصار وبدأت باعتراض السفن.
بلغت المواجهة ذروتها في مايو/ أيار 2010 مع 'أسطول الحرية' المؤلف من ستّ سفن، أبرزها 'مافي مرمرة' التركية. اعترضت البحرية الإسرائيلية الأسطول في المياه الدولية، وأنزلت قوات كوماندوز إلى السفينة، ما أدى إلى مقتل تسعة متضامنين وإصابة العشرات (وتوفي عاشر لاحقًا).
وقد دان تقرير أممي الحادثة، مشيرًا إلى أن بعض القتلى أُعدموا من مسافة قريبة. أدّت المجزرة إلى أزمة بين تركيا وإسرائيل، وأرغمت الأخيرة على تخفيف جزئي للحصار البري في يونيو/ حزيران 2010، عبر السماح بدخول بعض السلع المدنية. أما الحصار البحري، فاستمر بأشكال مختلفة حتى اليوم.
وبعد مجزرة مرمرة عام 2010، واصل 'أسطول الحرية' محاولاته لكسر الحصار على غزة بأساليب سلمية لتفادي إراقة الدماء. بين 2011 و2018، أبحرت عدة سفن وقوارب، منها 'قارب النساء'، لكنها جميعًا اعترضت دون عنف من البحرية الإسرائيلية التي احتجزت النشطاء مؤقتًا ثم رحّلتهم. ورغم تنوّع المبادرات، بقي نمط التعامل الإسرائيلي ثابتًا: اعتراض السفن قبل وصولها، ومصادرتها أو تفتيشها، دون السماح بالوصول لغزة. بيدَ أن هذه الجهود، رغم منعها ميدانيًا، ساهمت في فضح الحصار، إحراج إسرائيل، وإبقاء القضية حيّة دوليًا، وصولًا إلى تنازلات جزئية، منها تخفيف بعض القيود، والاعتذار لتركيا عام 2016.
الحصار البحري على غزة: قرصنة مشرعنة
أثار اعتراض السفن المدنية المتجهة إلى غزة أسئلة حاسمة حول مشروعية الحصار الإسرائيلي وتصرفاته في عرض البحر. فالقانون الدولي الإنساني لا يجيز فرض الحصار إلا بشروط صارمة، وعلى رأسها ألا يُستخدم لمعاقبة السكان المدنيين أو حرمانهم من احتياجاتهم الأساسية.
المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظره صراحة باعتباره عقابًا جماعيًا. وبحسب بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة عام 2010، فإن حصار غزة يشكل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، إذ فُرض لمعاقبة سكان القطاع سياسيًا، وكانت آثاره المدمرة دليلًا على طبيعته غير القانونية.
أما من منظور القانون البحري، فلا يحق لأي دولة – خارج تفويض من مجلس الأمن – فرض حصار على إقليم آخر، لا سيما إذا كان يستهدف مناطق مدنية. اعتراض إسرائيل للسفن في أعالي البحار، كما حدث في 'أسطول الحرية' و'الضمير' ثم في 'مادلين'، يتجاوز القواعد المعمول بها دوليًا. فوفق 'دليل سان ريمو' و'دليل نيوبورت'، لا يجوز استخدام القوة ضد سفن مدنية إلا بعد إنذارها ورفضها الواضح التفتيشَ. الهجمات الإسرائيلية، التي غالبًا ما تتم دون سابق إنذار، تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون البحري الدولي.
وتذهب بعض الآراء الحقوقية إلى وصف هذه الممارسات بأنها قرصنة بحرية برعاية دولة، خصوصًا حين تُرتكب في المياه الدولية ضد سفن إغاثة. وقد خلص تقرير لجنة الأمم المتحدة عام 2011 إلى أن استخدام القوة ضد 'مرمرة' كان مفرطًا وغير مبرر، فيما رفض مجلس حقوق الإنسان لاحقًا أي تبرير قانوني للحصار، معتبرًا أنه يُخضع مليونَي فلسطيني لعقوبة جماعية.
وعلى ضوء التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال، فإن القانون الدولي يلزمها بضمان وصول المساعدات وحماية المدنيين. وقد وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الحصار بأنه 'خنق غير مشروع'، كما اعتبره الاتحاد الأوروبي 'غير مقبول.
جدوى السفن الصغيرة
بعد استعراض السياق التاريخي والقانوني، يبرز السؤال المحوري: هل يمكن لمبادرات مدنية بحرية كهذه أن تُحدث تغييرًا ملموسًا وتنهي حصار غزة فعليًا؟ من الناحية العملية البحتة، تمتلك إسرائيل تفوقًا عسكريًا مطلقًا في البحر المتوسط جعل من المستحيل لسفينة صغيرة كسفينة 'مادلين' اختراق الدفاعات البحرية والوصول إلى شاطئ غزة عنوةً.
لقد أثبتت التجارب منذ 2008 أن إسرائيل ستستخدم كل ما لديها – من وسائل دبلوماسية وضغوط على الدول وحتى القوة العسكرية المباشرة – للحيلولة دون رسوّ أي مركب دولي في غزة دون إذنها. وبالتالي، فإن احتمال النجاح المادي المباشر لمثل هذه الرحلات في تفريغ حمولتها بميناء غزة يظل ضئيلًا جدًا ما لم يحصل متغير غير عادي (كأن ترافقها مثلًا قطع بحرية لدول متعاطفة أو حماية أممية، وهو أمر غير متاح حاليًا).
وقد رأينا بالفعل ما حدث أثناء اقتراب السفينة من المياه الإقليمية الفلسطينية. اعترضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في المياه الدولية، حيث سيطرت إسرائيل على السفينة واقتادتها إلى ميناء أسدود. تم اعتقال النشطاء على متنها، بمن فيهم مراسل الجزيرة مباشر عمر فياض، وسط إدانات دولية واسعة لهذا الإجراء، واعتُبر هذا الاعتراض انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
بيد أن النظر إلى الجدوى فقط بمنظار مادي آنيّ قد لا يكون منصفًا لتقييم هذه التحركات. فنجاح هذه المحاولات يُقاس أيضًا بأثرها السياسي والإعلامي وبما تحدثه من حراك دبلوماسي وضغط شعبي على الحكومات.
لقد رأينا كيف أدى سقوط ضحايا في 2010 إلى تخفيف قبضة الحصار ولو جزئيًا، وكيف أن وجود شخصيات مرموقة اليوم مثل غريتا تونبرغ يعطي القضية زخمًا إعلاميًا عالميًا. كما أن الإصرار المتكرر عامًا بعد عام على تسيير القوارب، حتى لو كانت تُعاد على أعقابها، قد ساهم في إبقاء مأساة غزة حيّة في الضمير العالمي، وعدم تطبيع الحصار كأمر واقع.
لقد نجح النشطاء في فضح السياسات الإسرائيلية ووصفها بصوت عالٍ بأنها غير شرعية بل وإبادة بطيئة كما لمحت تونبرغ وآخرون، وساعدوا في تعبئة الرأي العام الدولي عبر حملات التضامن والإعلام البديل. وهذه العوامل تشكل بدورها ضغطًا على صنّاع القرار في العواصم الغربية وفي الأمم المتحدة للتحرك – ولو تدريجيًا- نحو معالجة الأزمة الإنسانية في غزة.
ومن المنظور القانوني، تُمثّل هذه المحاولات المدنية السلمية رسالة واضحة بأن الحصار الإسرائيلي يفتقر إلى أي غطاء دولي أو قبول قانوني، وأن هناك من يجرؤ على تحدّيه باسم القانون وحقوق الإنسان. فحين يواجه متطوّعون عزّل قوة بحرية كبرى، فإنهم يعرّون تقاعس المجتمع الدولي، ويجسدون واجبًا إنسانيًا أهملته الحكومات.
وكما قال ليام كاننغهام، فإن عجز الدول عن الوفاء بالتزاماتها القانونية دفع النشطاء المدنيين للتحرك. وبذلك، تُضاعف هذه الجهود من الكلفة السياسية والمعنوية لاستمرار الحصار، وتُبقي على مسؤولية الدول الكبرى في دائرة الضوء.
ومع ذلك، من الواضح أن رفع الحصار عن غزة لن يتحقق دفعة واحدة عبر قارب أو مبادرة رمزية، لأن المشكلة أعمق من الحصار نفسه؛ فهي متجذّرة في وجود منظومة احتلال لا تُساوَم، بل يجب أن تزول.
غير أن هذا الاحتلال لا يستمد استمراره من قوته الذاتية فحسب، بل من رعاية دولية منظّمة، تقدمها قوى كبرى توفر له الحماية السياسية والعسكرية على امتداد الساحة الدولية. وهذا ما يجعل مهمة تفكيكه أكثر تعقيدًا، ويجعل من كل محاولة مدنية – مهما بدت بسيطة – فعلًا مقاومًا يواجه هذه المنظومة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشروق
منذ ساعة واحدة
- الشروق
التحالف العالمي لمناهضة الاحتلال يناشد مصر تسهيل دخول 'قافلة الصمود'
ناشد التحالف العالمي لمناهضة الاحتلال في فلسطين، السلطات المصرية تسهيل دخول أكثر من أربعة آلاف متضامن دولي من 54 دولة حول العالم، من بينهم وفد برلماني أوروبي، يعتزمون التوجه إلى مدينة العريش ثم إلى معبر رفح للمشاركة في اعتصام سلمي يوم الأحد الموافق 15 يونيو 2025، ضمن فعاليات المسيرة العالمية من أجل غزة. وقال التحالف في بيان، إن هذا التحرك الجماهيري الواسع جاء للمطالبة برفع الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة، وفتح المعابر لإدخال المساعدات الغذائية والطبية العاجلة إلى أكثر من مليوني فلسطيني يعانون من الجوع والإبادة الجماعية في ظل عدوان متواصل، وأضاف أن تسهيل مهمة هذا الوفد الدولي يمثل رسالة واضحة بأن مصر ليست شريكة في الحصار، بل ترفضه وتقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في وجه سياسات الاحتلال القائمة على العقاب الجماعي والتطهير العرقي والتهجير القسري. كما يُعدّ هذا الموقف دعما مباشرا للموقف المصري الرسمي الرافض لجريمة الإبادة، والمتشبث برفض أي مساس بوحدة الأرض الفلسطينية أو تهجير سكانها، وفق البيان. كما أكد التحالف العالمي لمناهضة الاحتلال في فلسطين أن هذه المسيرة التضامنية تحمل طابعًا سلميًا إنسانيًا، وتعكس ضميرًا عالميًا حيًا يقف في وجه الظلم. ونأمل من السلطات المصرية أن تدعم هذا الموقف النبيل وتتيح الفرصة لوصول الوفد إلى معبر رفح، حيث يعبّر عن تضامنه الحضاري والأخلاقي مع الشعب الفلسطيني. وأعلن منظمو 'قافلة الصمود' المغاربية لفك الحصار عن قطاع غزة التي ياشكر فيها وفد من الجزائر، أنه من المرتقب وصول القافلة البرية إلى العاصمة المصرية القاهرة، الخميس، بينما تصل مدينة رفح المصرية الحدودية، الأحد الذي يليه. وقال المنسق الإعلامي للقافلة ياسين القايدي: ' الخميس تصل القافلة إلى القاهرة، ويوم 15 من الشهر نفسه نكون في رفح المصرية، وفي القاهرة سيكون لنا لقاء مع ناشطي المسيرة نحو غزة ومجموعات أخرى'، بحسب ما نقلت وكالة 'الأناضول'. وأكد المنسق الطبي للقافلة محمد أمين بالنور: 'القافلة برية تضامنية شعبية، انطلقت من ناشطين يعملون من أجل القضية الفلسطينية منذ سنوات، وبدأت المبادرة من تونس ثم توسعت لتصبح مبادرة مغاربية تضم مواطنين من تونس الجزائر والمغرب وموريتانيا، ثم يلتحق الإخوة من ليبيا ومصر'. من جانبه، أصدر اتحاد العلماء المسلمين، علماء بيانًا حازمًا أدانوا فيه الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة، مؤكدين أن كسر الحصار فريضة شرعية لا تسقط بالتقادم، وأن نصرة الشعب الفلسطيني وإغاثة أهالي القطاع المستضعفين واجب ديني وإنساني لا يجوز التهاون فيه. وشدد البيان، الذي حمل توقيع عدد من كبار العلماء والمجامع الفقهية، على أن دعم غزة فريضة تستند إلى نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، محذرين من مغبة التخاذل، الذي وصفوه بأنه شكل من أشكال التواطؤ مع الجريمة وموالاة للظالمين. ودعا البيان المسلمين حول العالم إلى المشاركة الفاعلة في دعم جهود كسر الحصار، من خلال تشجيع قوافل الإغاثة والحرية: حث المسلمين على الانخراط في القوافل البرية والبحرية المتجهة إلى غزة، واعتبارها جهادًا سلميًا مشروعًا للدفاع عن الحق وكشف الظلم. و أشاد البيان بالمبادرات العالمية التي تهدف إلى كسر الحصار، مطالبًا بالإفراج الفوري عن المعتقلين من طاقم سفينة 'مادلين'، الذين تم توقيفهم في المياه الدولية أثناء تأديتهم لمهمة إنسانية. وطالب العلماء بضرورة فتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، وقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني، داعين الحكومات إلى الانحياز إلى شعوبها ومبادئها، كما شدد البيان على أهمية توجيه الدعم المالي إلى المبادرات الإغاثية، والارتقاء بالخطاب الإعلامي لكشف جرائم الحصار وممارسات الاحتلال أمام الرأي العام العالمي، ووصف البيان أي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال بأنه خيانة للأمة وتواطؤ في الظلم، داعيًا إلى مواجهته شعبيًا وسياسيًا. وختم العلماء بيانهم بتوجيه نداء إلى الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم بضرورة الانخراط في حملات المقاطعة والتظاهر والضغط السياسي على الحكومات، دعماً لغزة ورفضًا للحصار، مؤكدين أن السكوت الدولي على جرائم الاحتلال يُفقد المجتمع الدولي مصداقيته، ويجرد شعاراته الحقوقية من معناها الحقيقي. وتزامنت هذه المواقف، مع هجوم من إعلاميون وكتاب مصريين على قافلة الصمود، ومن بينهذه الأصوات الإعلامي أحمد موسى، الذي قال في منشور على إكس، 'اليقظة مطلوبة من الجميع لمواجهة هذا الفخ الذي يستهدف وضع مصر في موقف محرج للغاية، سواء سمحت بالدخول او منعت القافلة، وتداعيات ما قد يحدث والحملات المجهزة سلفا ضد الدولة المصرية'. وأضاف، 'هل القافلة ستنقذ غزة أم هدفها الشو الإعلامي، الموضوع ليس سهلا بل مخطط بعناية والهدف هو إحراج مصر وليس إسرائيل، ولو افترضنا وصولهم رفح ورفض جيش الاحتلال دخولهم غزة مثلما رفض وصول السفينة مادلين شواطئ غزة واعتقل كل من عليها بمن فيهم نواب في البرلمان الأوروبي، هل سيعود هؤلاء النشطاء لبلدانهم أم سيحولون منطقة الحدود مع فلسطين لقنبلة موقوتة وبؤرة للأحداث والضغط على مصر'.


الشروق
منذ 6 ساعات
- الشروق
غوارديولا.. غزة وصناعة الوعي
يزداد يوما بعد يوم وعي الشعوب بحقيقة ما يحدث في غزة، التي تتعرض إلى إبادة فضيعة أمام الشاشات. إبادة يقوم بها الصهاينة اليهود، بكل خسة ونذالة وبدعم مباشر مادي ومعنوي أمريكي غير خفي. ورغم صمت الحكومات وتواطؤ الدول الشقيقة والقريبة قبل البعيدة، تتحرك القوى الحية من شعوب المعمورة معبّرة عن رفضها لما يحدث من تقتيل وحصار وتجويع للشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة والذي يخضع، منذ سنتين تقريبا، إلى أبشع أنواع الحروب والاعتداءات، وتصب فوق رأسه حمم من القنابل المحرّمة دوليا في النزاعات. فقد خرج في فرنسا الآلاف، الاثنين، تزامنا مع احتجاز الجيش الصهيوني لسفينة 'مادلين' ضمن أسطول 'الحرية' ومن فيها من نشطاء وبينهم النائبة الفرنسية في البرلمان الأوروبي ريمة حسن. خرجوا إلى العاصمة باريس مندّدين بما يحدث في القطاع وتضامنا مع نشطاء السفينة المحتجزة. إن وعي الشعوب الذي تخافه الأنظمة الحاكمة وتقمعه بشدة تزلفا للصهيونية العالمية التي تتحكّم في دواليب القرار بها، كان أكبر من أن توقفه الحملات القمعية التي شهدتها باريس وتشهدها كلما تعلق الأمر بغزة، رغم تغيّر نبرة الرئاسة الفرنسية مؤخرا، لصالح قيام الدولة الفلسطينية. وكما في فرنسا، تقمع الشرطة الإنجليزية المتظاهرين المساندين لغزة والمندّدين بفضاعة الإبادة الصهيونية. ورغم التعتيم الذي تمارسه وسائل الإعلام الفرنسية والكثير من وسائل الإعلام الدولية، التي انحازت منذ البداية إلى السرديات الصهيونية ورفع نغمة 'لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها' التي تغلف الحق بالباطل، عبر جعل المعتدي في موقف المدافع والعكس حين يتعلق الأمر بالمقاومة الفلسطينية، التي تدافع عن الأرض والعرض، فإن حالة الكذب المستمر وصلت إلى نهايتها، وها هي تصطدم بوعي الكثير من الشعوب التي تجهر في الشوارع بوقف العدوان، والذي ترجمه مجلس الأمن في آخر جلسة له خصّصت لما يحدث في غزة، إلى واقع كشف وفضح أمريكا التي تقف مع الصهاينة في حرب الإبادة القائمة بفلسطين المحتلة. وفي سياق هذا التغيير الواعي، انتقل بيرس مرجان، المذيع المعروف، من الترويج للسردية الصهيونية حول السابع من أكتوبر إلى نقيض ذلك، وبدأ يطرح الأسئلة التي يجب أن تطرح على المدافعين عن الكيان، فيما فضّل غوارديولا، أحد أفضل المدربين في عالم كرة القدم، وهو ينال الدكتوراه الفخرية، أن يكون إنسانا ويوجّه رسالة، لا شك في أن من يتلقفها كثر، رسالة تعبّر عن وعي الإنسان في الانتقال من المشاهدة والسكوت عن الجريمة، إلى الإدانة والوقوف مع الحق، وبعيدا عن غوارديولا وبيرس، هناك الآلاف من الشخصيات الفنية والسينمائية التي جعلت من هذا الوعي مسارا لكشف الحقيقة، حقيقة أن هناك شعب يباد في أرض فلسطين، بلا رحمة ولا شفقة وبسادية نازية غير مسبوقة في تاريخ البشرية الحديث. 'إنه مؤلم جدا ما يحدث في غزة'، هكذا صرخ غوارديولا، ألم لا شك أنه انتقل إلى ساحات المقاومة في أوروبا، كما في غيرها من بقاع هذا العالم، وهكذا صرخت حناجر الملايين من الناس ضد الصهيونية التي لم تعد بكائياتها تنطلي على أحد، باستثناء إعلام فانسون بولوري في فرنسا طبعا.


إيطاليا تلغراف
منذ يوم واحد
- إيطاليا تلغراف
هل هناك جدوى حقيقية مما قام به نشطاء سفينة مادلين؟
إيطاليا تلغراف د. محمود الحنفي أستاذ القانون الدولي وحقوق الإنسان اقتحمت قوات كوماندوز إسرائيلية فجر الاثنين (9 يونيو/ حزيران 2025) السفينة 'مادلين' التابعة لأسطول الحرية (FFC) التي تحمل 12 ناشطًا دوليًا وشحنة رمزية من المساعدات بهدف كسر الحصار البحري على غزة، وذلك أثناء وجودها في المياه الدولية، بالقرب من شواطئ غزة. وأفادت تقارير بأنّ السفينة تعرضت لتشويش في الاتصالات ورش بمادة بيضاء مهيجة من طائرات مسيرة قبل عملية الاقتحام. ووثّق النشطاء على متن السفينة اللحظات الأخيرة قبل انقطاع الاتصال، حيث ظهروا وهم يرتدون سترات النجاة ويستعدون للاعتقال، مع دعوات لإلقاء الهواتف المحمولة في البحر. أكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن السفينة 'مادلين' في طريقها إلى إسرائيل، ووصفت المبادرة بأنها 'استعراض إعلامي'، مشيرة إلى أن المساعدات على متنها سيتم تحويلها إلى غزة عبر القنوات الإنسانية الرسمية، وأن الركاب سيُعادون إلى بلدانهم الأصلية. وجاءت خطوة انطلاق هذه السفينة بعد حرب إبادة تشنها إسرائيل على سكان قطاع غزة، حيث شددت إغلاقها البري والبحري والجوي على القطاع بشكل غير مسبوق، مما أدّى إلى نقص حادّ في الغذاء والمواد الأساسية لأكثر من 90 يومًا. ولهذا، مثلت رحلة السفينة مادلين محاولة جديدة وشجاعة لمقاومة الحصار، وإعادة طرح ملفه على الساحة الدولية، ما يطرح تساؤلات حول خلفيات هذه المحاولة، وسوابق محاولات كسر الحصار بحريًا، وما يقوله القانون الدولي وقانون البحار في شأن حصار غزة، واعتراض السفن المدنية، وأخيرًا حول فرص نجاح مثل هذه الجهود فعليًا في إنهاء الحصار. لماذا سفينة 'مادلين'؟ جاء إطلاق سفينة 'مادلين' في ربيع 2025 كاستجابة مباشرة للتدهور الإنساني غير المسبوق في قطاع غزة بعد الحرب الأخيرة، وكثمرة لتنسيق دولي ضمن ائتلاف أسطول الحرية. اختير اسم 'مادلين' تيمّنًا بأول سيدة تعمل بصيد الأسماك في غزة، في إشارة إلى الصمود الفلسطيني، وقدرة النساء على خوض غمار التحدي. وشارك في الرحلة ناشطون بارزون، منهم السويدية غريتا تونبرغ، والممثل الأيرلندي ليام كاننغهام، بهدف جذب الأنظار عالميًا لمعاناة نحو مليونَي فلسطيني محاصرين. وأكد المنظمون على الطبيعة الإنسانية والاحتجاجية للمهمة: فالسفينة تحمل كميات محدودة لكن رمزية من الإمدادات الطبية والغذائية، وتهدف إلى التحدي المباشر للحصار الإسرائيلي المفروض بحرًا على غزة. هذه المحاولة جاءت أيضًا بعد أحداث مقلقة تعرضت لها مؤخرًا سفينة أخرى تابعة لأسطول الحرية تحمل اسم 'الضمير' في مطلع مايو/ أيار 2025 إذ تم مهاجمتها بواسطة طائرتي درون مجهولتين في عرض البحر الأبيض المتوسط قرب مالطا، مما أعاق إبحارها. وقد وجّه الائتلاف أصابع الاتهام إلى إسرائيل بتنفيذ ذلك الهجوم غير المسبوق لمنع وصول أي سفينة إلى غزة. ورغم عدم اعتراف إسرائيل أو تعليقها على الحادثة، اعتُبر استهداف سفينة مدنية في المياه الدولية تصعيدًا خطيرًا، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وأشارت تونبرغ، التي كان من المقرر أن تبحر على متن 'الضمير' قبل الهجوم، إلى أنهم 'مستمرون في المحاولة مهما كانت الصعاب'، مضيفة أن خطر هذه المهمة لا يُقارن بخطورة صمت العالم على ما يُرتكب من إبادة بحق حياة المدنيين في غزة. وتعكس هذه التصريحات دافعًا أخلاقيًا قويًا لدى النشطاء، فهم يعتبرون أن التقاعس الدولي عن إنهاء الحصار يفقد المجتمع الدولي إنسانيته، لذا يجب التحرك ولو بسفينة مدنية صغيرة. وقد شدّد الناشطون قبل انطلاق رحلتهم على أنهم على تواصل مع هيئات قانونية وحقوقية دولية؛ لضمان سلامة المتطوعين، وحذروا من أن أي اعتراض بالقوة لسفينة مادلين سيُعدّ 'انتهاكًا سافرًا للقانون الدولي الإنساني' (وهو ما حدث). كما تجدر الإشارة إلى أن بريطانيا رفضت طلبًا إسرائيليًا لمنع انطلاق السفينة، رغم أنها ترفع العلم البريطاني، ما اعتُبر مؤشرًا سياسيًا على عدم شرعية منع الرحلة قانونيًا. باختصار، تمثل 'مادلين' جهدًا دوليًا منسقًا يجمع بين الرمزية الإنسانية: (إيصال مساعدات رمزية، وإحياء الأمل لدى سكان غزة)، وبين الاحتجاج المدني السلمي الذي يكشف طبيعة الحصار. إنها صرخة في وجه استمرار حصار عمره الآن قرابة 17 عامًا، تُطلقها مجموعة من نشطاء المجتمع المدني نتيحة تخلي الحكومات عن أداء واجباتها القانونية والأخلاقية. وكما قال الممثل ليام كاننغهام أثناء توديع السفينة في ميناء قطانية: 'عندما لا تقوم الحكومات بالوقوف عند التزاماتها القانونية بموجب القانون الدولي، يتعين على مجموعة متنوعة مثل هذه أن تحاول تحقيق ذلك'. تجارب تاريخية لكسر الحصار البحري ليست سفينة 'مادلين' سوى الفصل الأحدث في سلسلة من المحاولات البحرية لكسر الحصار المفروض على غزة. أول اختراق ناجح سُجّل في أغسطس/ آب 2008 عبر حركة 'غزة الحرة'، حيث وصلت سفينتا 'الحرية' و'غزة الحرة' إلى ميناء غزة، حاملتين متضامنين دوليين ومساعدات رمزية. تكررت الرحلات في خريف العام نفسه، أبرزها سفينة 'الكرامة'، لكن إسرائيل سرعان ما شدّدت الحصار وبدأت باعتراض السفن. بلغت المواجهة ذروتها في مايو/ أيار 2010 مع 'أسطول الحرية' المؤلف من ستّ سفن، أبرزها 'مافي مرمرة' التركية. اعترضت البحرية الإسرائيلية الأسطول في المياه الدولية، وأنزلت قوات كوماندوز إلى السفينة، ما أدى إلى مقتل تسعة متضامنين وإصابة العشرات (وتوفي عاشر لاحقًا). وقد دان تقرير أممي الحادثة، مشيرًا إلى أن بعض القتلى أُعدموا من مسافة قريبة. أدّت المجزرة إلى أزمة بين تركيا وإسرائيل، وأرغمت الأخيرة على تخفيف جزئي للحصار البري في يونيو/ حزيران 2010، عبر السماح بدخول بعض السلع المدنية. أما الحصار البحري، فاستمر بأشكال مختلفة حتى اليوم. وبعد مجزرة مرمرة عام 2010، واصل 'أسطول الحرية' محاولاته لكسر الحصار على غزة بأساليب سلمية لتفادي إراقة الدماء. بين 2011 و2018، أبحرت عدة سفن وقوارب، منها 'قارب النساء'، لكنها جميعًا اعترضت دون عنف من البحرية الإسرائيلية التي احتجزت النشطاء مؤقتًا ثم رحّلتهم. ورغم تنوّع المبادرات، بقي نمط التعامل الإسرائيلي ثابتًا: اعتراض السفن قبل وصولها، ومصادرتها أو تفتيشها، دون السماح بالوصول لغزة. بيدَ أن هذه الجهود، رغم منعها ميدانيًا، ساهمت في فضح الحصار، إحراج إسرائيل، وإبقاء القضية حيّة دوليًا، وصولًا إلى تنازلات جزئية، منها تخفيف بعض القيود، والاعتذار لتركيا عام 2016. الحصار البحري على غزة: قرصنة مشرعنة أثار اعتراض السفن المدنية المتجهة إلى غزة أسئلة حاسمة حول مشروعية الحصار الإسرائيلي وتصرفاته في عرض البحر. فالقانون الدولي الإنساني لا يجيز فرض الحصار إلا بشروط صارمة، وعلى رأسها ألا يُستخدم لمعاقبة السكان المدنيين أو حرمانهم من احتياجاتهم الأساسية. المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة تحظره صراحة باعتباره عقابًا جماعيًا. وبحسب بعثة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة عام 2010، فإن حصار غزة يشكل انتهاكًا صريحًا للقانون الدولي، إذ فُرض لمعاقبة سكان القطاع سياسيًا، وكانت آثاره المدمرة دليلًا على طبيعته غير القانونية. أما من منظور القانون البحري، فلا يحق لأي دولة – خارج تفويض من مجلس الأمن – فرض حصار على إقليم آخر، لا سيما إذا كان يستهدف مناطق مدنية. اعتراض إسرائيل للسفن في أعالي البحار، كما حدث في 'أسطول الحرية' و'الضمير' ثم في 'مادلين'، يتجاوز القواعد المعمول بها دوليًا. فوفق 'دليل سان ريمو' و'دليل نيوبورت'، لا يجوز استخدام القوة ضد سفن مدنية إلا بعد إنذارها ورفضها الواضح التفتيشَ. الهجمات الإسرائيلية، التي غالبًا ما تتم دون سابق إنذار، تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون البحري الدولي. وتذهب بعض الآراء الحقوقية إلى وصف هذه الممارسات بأنها قرصنة بحرية برعاية دولة، خصوصًا حين تُرتكب في المياه الدولية ضد سفن إغاثة. وقد خلص تقرير لجنة الأمم المتحدة عام 2011 إلى أن استخدام القوة ضد 'مرمرة' كان مفرطًا وغير مبرر، فيما رفض مجلس حقوق الإنسان لاحقًا أي تبرير قانوني للحصار، معتبرًا أنه يُخضع مليونَي فلسطيني لعقوبة جماعية. وعلى ضوء التزامات إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال، فإن القانون الدولي يلزمها بضمان وصول المساعدات وحماية المدنيين. وقد وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الحصار بأنه 'خنق غير مشروع'، كما اعتبره الاتحاد الأوروبي 'غير مقبول. جدوى السفن الصغيرة بعد استعراض السياق التاريخي والقانوني، يبرز السؤال المحوري: هل يمكن لمبادرات مدنية بحرية كهذه أن تُحدث تغييرًا ملموسًا وتنهي حصار غزة فعليًا؟ من الناحية العملية البحتة، تمتلك إسرائيل تفوقًا عسكريًا مطلقًا في البحر المتوسط جعل من المستحيل لسفينة صغيرة كسفينة 'مادلين' اختراق الدفاعات البحرية والوصول إلى شاطئ غزة عنوةً. لقد أثبتت التجارب منذ 2008 أن إسرائيل ستستخدم كل ما لديها – من وسائل دبلوماسية وضغوط على الدول وحتى القوة العسكرية المباشرة – للحيلولة دون رسوّ أي مركب دولي في غزة دون إذنها. وبالتالي، فإن احتمال النجاح المادي المباشر لمثل هذه الرحلات في تفريغ حمولتها بميناء غزة يظل ضئيلًا جدًا ما لم يحصل متغير غير عادي (كأن ترافقها مثلًا قطع بحرية لدول متعاطفة أو حماية أممية، وهو أمر غير متاح حاليًا). وقد رأينا بالفعل ما حدث أثناء اقتراب السفينة من المياه الإقليمية الفلسطينية. اعترضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في المياه الدولية، حيث سيطرت إسرائيل على السفينة واقتادتها إلى ميناء أسدود. تم اعتقال النشطاء على متنها، بمن فيهم مراسل الجزيرة مباشر عمر فياض، وسط إدانات دولية واسعة لهذا الإجراء، واعتُبر هذا الاعتراض انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. بيد أن النظر إلى الجدوى فقط بمنظار مادي آنيّ قد لا يكون منصفًا لتقييم هذه التحركات. فنجاح هذه المحاولات يُقاس أيضًا بأثرها السياسي والإعلامي وبما تحدثه من حراك دبلوماسي وضغط شعبي على الحكومات. لقد رأينا كيف أدى سقوط ضحايا في 2010 إلى تخفيف قبضة الحصار ولو جزئيًا، وكيف أن وجود شخصيات مرموقة اليوم مثل غريتا تونبرغ يعطي القضية زخمًا إعلاميًا عالميًا. كما أن الإصرار المتكرر عامًا بعد عام على تسيير القوارب، حتى لو كانت تُعاد على أعقابها، قد ساهم في إبقاء مأساة غزة حيّة في الضمير العالمي، وعدم تطبيع الحصار كأمر واقع. لقد نجح النشطاء في فضح السياسات الإسرائيلية ووصفها بصوت عالٍ بأنها غير شرعية بل وإبادة بطيئة كما لمحت تونبرغ وآخرون، وساعدوا في تعبئة الرأي العام الدولي عبر حملات التضامن والإعلام البديل. وهذه العوامل تشكل بدورها ضغطًا على صنّاع القرار في العواصم الغربية وفي الأمم المتحدة للتحرك – ولو تدريجيًا- نحو معالجة الأزمة الإنسانية في غزة. ومن المنظور القانوني، تُمثّل هذه المحاولات المدنية السلمية رسالة واضحة بأن الحصار الإسرائيلي يفتقر إلى أي غطاء دولي أو قبول قانوني، وأن هناك من يجرؤ على تحدّيه باسم القانون وحقوق الإنسان. فحين يواجه متطوّعون عزّل قوة بحرية كبرى، فإنهم يعرّون تقاعس المجتمع الدولي، ويجسدون واجبًا إنسانيًا أهملته الحكومات. وكما قال ليام كاننغهام، فإن عجز الدول عن الوفاء بالتزاماتها القانونية دفع النشطاء المدنيين للتحرك. وبذلك، تُضاعف هذه الجهود من الكلفة السياسية والمعنوية لاستمرار الحصار، وتُبقي على مسؤولية الدول الكبرى في دائرة الضوء. ومع ذلك، من الواضح أن رفع الحصار عن غزة لن يتحقق دفعة واحدة عبر قارب أو مبادرة رمزية، لأن المشكلة أعمق من الحصار نفسه؛ فهي متجذّرة في وجود منظومة احتلال لا تُساوَم، بل يجب أن تزول. غير أن هذا الاحتلال لا يستمد استمراره من قوته الذاتية فحسب، بل من رعاية دولية منظّمة، تقدمها قوى كبرى توفر له الحماية السياسية والعسكرية على امتداد الساحة الدولية. وهذا ما يجعل مهمة تفكيكه أكثر تعقيدًا، ويجعل من كل محاولة مدنية – مهما بدت بسيطة – فعلًا مقاومًا يواجه هذه المنظومة.