
خريطة المشرق العربي رسمتها أقدام النازحين لا الحدود
دخل المشرق العربي منذ انهيار السلطنة العثمانية مطلع القرن الـ20 في نفق طويل من التفكيك السياسي والديموغرافي، رسمت ملامحه اتفاقية سايكس بيكو التي يمكن تسميتها بلحظة ميلاد الدول الجديدة والهجينة عبر الخرائط، التي لم تعبأ بالتوزيع العرقي والإثني والديني لشعوب دول هذه المنطقة، فنشأت دول هجينة من طوائف وقوميات متنافرة، حتى إن بعض الطوائف في سوريا ولبنان رفضت في البدء هذه الدول الجديدة المرسومة بعقلية استعمارية انتدابية تهدف إلى زرع الألغام الاجتماعية والسياسية في قلب كل كيان سياسي جديد، وكل كيان مع الدولة الجارة. ولو اعتبرنا أن واضعي اتفاقية سايكس بيكو لم يقصدوا خلق خريطة غير مستقرة لدول المشرق العربي، فإن ما حدث منذ الاتفاقية يظهر أن دول المشرق العربي لم تتمكن حتى اليوم من أن تصبح دولاً منجزة ومكتملة النمو، بل ويمكن القول إنها تتحول بسرعة إلى دول فاشلة كما هي حال لبنان وسوريا والعراق، أما فلسطين وإسرائيل فيمكن ربطهما بتلك الدول عبر موضوع التهجير، إذ إن اتفاقية سايكس بيكو الفوضوية تسببت، من بين ما تسببت، بتكوين كيانات قائمة على التهجير، وكان التهجير الأول للأرمن بواسطة السلطنة العثمانية عند نهاية الحرب العالمية الأولى.
قبل وبعد "سايكس بيكو"
كانت السلطنة العثمانية اعتمدت نظام "الملل" الذي وفر قدراً من الاستقرار عبر السماح للطوائف بإدارة شؤونها الداخلية، لكن ما تلاه من تقسيم بعد الاستقلال كرس الأنظمة الجديدة القائمة على الهويات الطائفية في التعليم والإدارة والجيش، مما حوَّل التعايش إلى تقاسم للسلطات.
وكان التهجير منذ مطلع القرن الـ20 يتكرر بصور متعددة بسبب الكيانات غير المستقرة، والتي تشهد كل عقد نوعاً من أنواع الحروب، سواء في داخلها أو مع الخارج. وبدأت موجات التهجير الكبرى مع المجازر العثمانية بحق الأرمن (1915-1917) الذين لجأوا إلى حلب وبيروت وعمان والقاهرة، وشكلوا جزءاً من نسيج تلك المدن. ثم جاءت نكبة فلسطين عام 1948 التي هجرت أكثر من 700 ألف فلسطيني إلى الدول المجاورة، ليضطروا إلى حياة اللجوء الطويلة في مخيمات تفتقر إلى أبسط شروط العيش في لبنان وسوريا والأردن، وفي داخل فلسطين نفسها بمخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واليوم يعيش قرابة 5.9 مليون لاجئ فلسطيني في ظروف قاسية، وسط تقلص موارد وكالة "الأونروا". وبات لبنان الأعلى عالمياً من حيث نسبة اللاجئين إلى عدد السكان، مما يعني أن شعوب هذه المنطقة لم تستقر إلا على أنقاض نكبة سابقة، ولم تبن دولة إلا على قاعدة الاختلاط القلق بين المواطن ومن جاء ليصير لاجئاً مقيماً، ومقيماً مهمشاً. وأسهمت الحروب الأخيرة بين إسرائيل وجوارها في خلق موجات هجرة جديدة وأعادت خلط الفسيفساء مرة أخرى، ربما بصورة لا عودة فيها. ولكن هذه الحروب القاسية لم تعف إسرائيل نفسها من موجة هجرة معاكسة بعد حرب أكتوبر 2023، حين ارتفعت أعداد المغادرين من النخبة التقنية والتعليمية وبلغ عددهم أكثر من 40 ألف إسرائيلي خلال أقل من عام. وفي إيران أيضاً وللمرة الأولى منذ الحرب الإيرانية-العراقية، نزح بسبب الضربات الإسرائيلية على طهران خلال يونيو (حزيران) الماضي أكثر من 100 ألف شخص داخلياً.
حرب نتنياهو والواقع الجديد
من يتتبع تصريحات نتنياهو يرى أنه يصر على إعادة هندسة المنطقة على أساس "دول متجانسة" حول إسرائيل، أي دول طائفية وإثنية تضعف من احتمال تحالفها ضد إسرائيل لاحقاً. وهذا الواقع الراهن لو حُقق فإنه يشبه اتفاقية سايكس بيكو ولكن بطريقة جديدة. أي ليس عبر تقسيم الأرض بل عبر تفكيك المجتمعات وبناء كيانات جديدة على أنقاض القديمة، ويُعاد توزيع السكان وفق ما يسمى سياسة "سوق القطيع" herding the herd، إذ ينقل البشر وفق حاجات الخرائط والمصالح الاقتصادية الدولية والإقليمية، وليس وفقاً لرغبة الشعوب نفسها.
وهذا يدل، وفقاً لعلم السياسة الذي يدرس نظرية "سوق القطيع"، على أن قضية اللاجئين ليست عرضاً جانبياً للحروب، بل نتيجة متعمدة في كثير من الأحيان، فقد تحولت الحروب إلى أدوات ووسيلة لتنفيذ مخططات سكانية. ونُفذت مثل هذه المخططات في سوريا عبر تهجير السكان السُّنة من بعض المناطق مثل داريا والقصير والغوطة إلى إدلب أو خارج البلد، مقابل توطين عائلات موالية للنظام أو للحرس الثوري الإيراني. وفي العراق هُجر السُّنة من بعض المناطق التي استعادتها القوات الشيعية بعد دحر "داعش"، لتحول تلك المدن إلى نقاط نفوذ مذهبية، مما يعني إلغاء المجتمعات المختلطة التي يمكن أن تنتج هوية وطنية جامعة، وإنشاء كيانات سكانية متجانسة يسهل حكمها والتحكم بها لترسيخ الخرائط الجديدة، خدمة لمشاريع الهيمنة الإقليمية أو العالمية، وخلقاً لأمر واقع ديموغرافي لا يمكن الرجوع عنه.
ففي سوريا التي تمثل النموذج الأكثر قسوة، هُجر ما يقارب 6.8 مليون لاجئ خارج البلاد و6.7 مليون نازح داخلي، وكان هذا النزوح بدأ قبل الثورة مع تسلط حزب البعث، لكنه تفجر بعدها ليتحول إلى كارثة ديموغرافية وضغوط هائلة على دول الجوار. فمنذ تسلم حزب البعث السلطة عام 1963 بدأت حملة تعريب في الشمال الشرقي السوري، واستُهدفت الأقليات القومية والدينية. وبعد اندلاع الثورة السورية عام 2011 تسارعت عمليات التهجير من مناطق مثل حماة والرستن والغوطة، حيث تمت إعادة توطين موالين للنظام في ما بدا أنه هندسة ديموغرافية ممنهجة.
هذا النمط من التغيير السكاني لا يقتصر على سوريا، بل يمكن رصده داخل لبنان خلال الحرب الأهلية (1975–1990)، وفي العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، وفي فلسطين منذ نكبة 1948. ففي لبنان هاجر بين عامي 1975 و1990 نحو مليون لبناني، ووقع في العراق بعد عام 2003 تهجير طائفي واسع، ثم شهد لبنان بعد عام 2019 موجة هجرة جديدة تراوحت ما بين 400 و600 ألف مهاجر جديد. وفي قطاع غزة ومنذ خريف 2023 نزح من 1.9 مليون داخلياً، أي 90 في المئة من السكان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 27 دقائق
- Independent عربية
أميركا تفرض عقوبات جديدة على تجارة النفط الإيراني و"حزب الله"
أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أن الولايات المتحدة فرضت الخميس عقوبات جديدة على شبكة أعمال تهرب النفط الإيراني على أنه نفط عراقي، وعقوبات أخرى على مؤسسة مالية تديرها جماعة "حزب الله" اللبنانية. وأضافت الوزارة في بيان أن شبكة شركات، يديرها رجل الأعمال العراقي البريطاني سليم أحمد سعيد، تشتري وتشحن نفطاً إيرانياً تقدر قيمته بمليارات الدولارات على أنه نفط عراقي أو ممزوج به منذ عام 2020 على الأقل. وقال وزير الخزانة سكوت بيسنت "ستواصل الوزارة استهداف مصادر إيرادات طهران وتكثيف الضغوط الاقتصادية لعرقلة وصول النظام إلى موارد مالية تغذي أنشطته المزعزعة للاستقرار". فرضت الولايات المتحدة سلسلة عقوبات على صادرات النفط الإيرانية بسبب برنامج طهران النووي وتمويلها جماعات مسلحة في الشرق الأوسط. وأوردت "رويترز" أواخر العام الماضي أن شبكة لتهريب الوقود والنفط تدر على إيران وجماعات متحالفة معها ما لا يقل عن مليار دولار سنوياً. وجاءت عقوبات الخميس بعد أن شنت الولايات المتحدة في 22 يونيو (حزيران) غارات جوية على ثلاثة مواقع نووية إيرانية منها منشأة فوردو للتخصيب، المقامة في قلب جبل. وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الأربعاء إن الغارات أعادت البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء لما يصل إلى عامين، على رغم من تقييم أولي أكثر تحفظاً تم تسريبه. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وذكر موقع أكسيوس أن الولايات المتحدة وإيران ستعقدان محادثات في أوسلو الأسبوع المقبل بخصوص الملف النووي. وقالت وزارة الخزانة الأميركية إن شركات رجل الأعمال العراقي سعيد وسفنه تمزج النفط الإيراني بالعراقي الذي يباع بعد ذلك لمشترين غربيين على أنه نفط عراقي خالص باستخدام وثائق مزورة لتجنب العقوبات. وأضافت الوزارة أن سعيد يسيطر على شركة "في.إس تانكرز" رغم أنه يتجنب ربط اسمه رسمياً بها. وذكرت الوزارة أن شركة "في.إس تانكرز"، المعروفة سابقاً باسم الشركة العراقية لخدمات النقل والتجارة النفطية (أيسوت)، تهرب النفط لصالح الحكومة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني الذي تصنفه واشنطن منظمة إرهابية. وتحظر العقوبات أي أصول في الولايات المتحدة للأفراد والكيانات المشمولة بهذا التصنيف وتمنع الأميركيين من التعامل معهم. ونفت "في.إس تانكرز" ما قالته وزارة الخزانة الأميركية، وقالت إنها "ستتبع جميع سبل الطعن القانونية حسب الضرورة". ولم ترد البعثة الإيرانية في نيويورك بعد على طلب للتعليق. وتقول وزارة الخزانة الأميركية إنها فرضت عقوبات أيضاً على عدة سفن تتهمها بالمشاركة في التستر على نقل النفط الإيراني مما يزيد الضغط على "أسطول الظل" الإيراني. وفرضت الوزارة عقوبات على عدد من المسؤولين الكبار وكيان مرتبط بمؤسسة "القرض الحسن" المالية الخاضعة لسيطرة "حزب الله". وأضافت الوزارة أن هؤلاء المسؤولين أجروا معاملات بملايين الدولارات استفاد منها "حزب الله" في نهاية المطاف.


Independent عربية
منذ 2 ساعات
- Independent عربية
"حماس" تجري مشاورات مع الفصائل الفلسطينية بشأن مقترح وقف النار
أعلنت حركة "حماس" في وقت مبكر اليوم الجمعة أنها تناقش اقتراح وقف إطلاق النار في غزة الذي تدعمه الولايات المتحدة مع الفصائل الفلسطينية الأخرى. وذكرت في بيان "في إطار حرص الحركة على إنهاء العدوان (...) على شعبنا وضمان دخول المساعدات بحرية، فإن الحركة تجري مشاورات مع قادة القوى والفصائل الفلسطينية بشأن العرض الذي تسلمته من الإخوة الوسطاء". وأضافت أنها "ستسلم القرار النهائي للوسطاء بعد انتهاء المشاورات، وستعلن ذلك بشكل رسمي". نتنياهو يتعهد إعادة جميع الرهائن من جانبه، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إعادة جميع الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في غزة حيث أعلن الدفاع المدني مقتل 73 شخصاً الخميس بنيران إسرائيلية. ويواجه نتنياهو ضغوطاً شديدة لإعادة الرهائن بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أن إسرائيل وافقت على وقف لإطلاق النار مع "حماس" لمدة 60 يوماً من شأنه أن يقود إلى الإفراج عنهم. وأمس الخميس، قال ترمب إنه يريد "الأمان" لسكان غزة، في وقت يستعد فيه سيد البيت الأبيض لاستقبال نتنياهو الأسبوع المقبل للدفع باتجاه وقف لإطلاق النار في القطاع الفلسطيني المدمر. وقال نتنياهو لسكان كيبوتس "نير عوز" حيث خطف معظم الرهائن في هجوم "حماس" عام 2023 الذي أشعل الحرب "أنا ملتزم التزاماً عميقاً، أولاً وقبل كل شيء، بضمان عودة جميع رهائننا، جميعهم من دون استثناء. لا يزال هناك 20 على قيد الحياة، وهناك أيضاً من قُتلوا، وسنعيدهم جميعاً". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وزار نتنياهو "نير عوز" القريبة من قطاع غزة للمرة الأولى منذ الهجوم الذي قاده مسلحو "حماس" قبل نحو 21 شهراً. وتمسك قادة إسرائيل بهدفهم القضاء على "حماس" رغم إعلان الحركة أنها تبحث مقترحات جديدة من الوسطاء بشأن وقف إطلاق النار. وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير الأربعاء "دعونا نُنه المهمة في غزة. يجب أن نسقط "حماس"، ونحتل قطاع غزة، ونشجع على نقل" الفلسطينيين إلى خارج القطاع. ووسعت إسرائيل أخيراً عملياتها العسكرية في قطاع غزة حيث تسبب الحرب بظروف إنسانية مأسوية وأدت إلى نزوح جميع سكان القطاع تقريباً البالغ عددهم أكثر من مليونين. وأعلن الدفاع المدني في غزة الخميس مقتل 73 شخصاً في غارات إسرائيلية في القطاع، بينهم 15 غالبيتهم من النساء والأطفال، سقطوا في استهداف مدرسة تؤوي نازحين في حي الرمال. كما أن بينهم 38 شخصاً كانوا ينتظرون الحصول على مساعدات إنسانية في ثلاثة مواقع مختلفة في وسط وجنوب غزة، فضلاً عن طفل قتل بقصف نفذته مسيرة في جباليا شمالاً. من جانبه، قال الجيش الإسرائيلي إنه استهدف "عنصراً إرهابياً أساسياً في (حماس) كان يعمل في مركز قيادة وسيطرة في مدينة غزة"، مؤكداً أنه اتخذ قبل الغارة "خطوات للحد من خطر إيذاء مدنيين". ولم يعلق الجيش الإسرائيلي على باقي الضربات التي استهدفت مختلف أنحاء القطاع الخميس. وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إنه يعمل على "تفكيك إمكانات (حماس) العسكرية". وذكر المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل في رسالة في وقت لاحق أن الجيش يرفض السماح للدفاع المدني بدخول ثلاثة أحياء في المدينة حيث قال إن أشخاصاً علقوا تحت الركام. ولم يرد الجيش بعد على طلب الحصول على تعليق على هذا الاتهام. في موقع المدرسة المستهدفة في حي الرمال، أظهرت لقطات مبنى مؤلفاً من طابقين كتب اسم المدرسة على إحدى واجهاته، فيما تدلت ملابس وأغطية على الجدران. وكان أطفال يتنقلون بين أكوام من الملابس والمقتنيات المحترقة التي يتصاعد منها الدخان. كذلك، عمل شبان على رفع الركام والأثاث المحترق. وأفاد الدفاع المدني بأن 25 شخصاً قتلوا وسط القطاع الى الشمال من محور نتساريم، حيث مركز توزيع يتبع لـ"مؤسسة غزة الانسانية"، و7 آخرين في منطقة الشاكوش شمال غرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، و6 أشخاص قتلوا في شارع صلاح الدين جنوب منطقة جسر وادي غزة وسط القطاع.


Independent عربية
منذ 5 ساعات
- Independent عربية
"أطباء بلا حدود" تحذر من فظائع "ذات طابع عرقي" في دارفور
حذرت منظمة "أطباء بلا حدود" الإنسانية اليوم الخميس من وقوع "فظائع جماعية" و"أعمال عنف ذات طابع عرقي" في دارفور بالسودان مع احتدام المعارك بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في الإقليم الذي تمزقه الحرب. ومنذ خسارتها السيطرة على العاصمة الخرطوم في مارس (آذار) الماضي تسعى قوات "الدعم السريع" إلى ترسيخ نفوذها في دارفور، الإقليم الشاسع حيث اتهمت ميليشيات "الجنجويد" التي تحولت لاحقاً مع قوات أخرى إلى قوات "الدعم السريع"، بارتكاب إبادة جماعية قبل عقدين. وخلال الحرب الدائرة منذ أبريل (نيسان) عام 2023 اتهمت قوات "الدعم السريع" والجيش بارتكاب فظائع، وادعت الولايات المتحدة على "الدعم السريع" "بارتكاب إبادة جماعية" في دارفور، غرب السودان. وأصدرت منظمة "أطباء بلا حدود" تقريراً يستند إلى عشرات المقابلات التي أجريت بين مايو (أيار) عام 2024 ومايو الماضي، مثيرة مخاوف من عنف ممنهج ضد الجماعات العرقية غير العربية. وقال مسؤول الطوارئ في المنظمة ميشال أوليفييه لاشاريت إن "الأمر لا يقتصر على حصار الناس وسط قتال عنيف عشوائي، بل يستهدفون أيضاً بصورة متكررة من جانب قوات 'الدعم السريع' وحلفائها، ولا سيما على أساس عرقي". وكثفت قوات "الدعم السريع" هجماتها على الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور التي تحاصرها منذ مايو 2024، سعياً إلى طرد الجيش من معقله الأخير في المنطقة. وأشارت المنظمة الإنسانية إلى "تهديدات بشن هجوم شامل" على الفاشر التي يقطنها مئات آلاف الأشخاص وسط انقطاع إمدادات الغذاء والماء إلى حد كبير وحرمان من الرعاية الطبية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وعبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة الماضي عن أمله في التوصل إلى وقف لإطلاق النار عن طريق التفاوض للسماح بدخول مساعدات إنسانية إلى المدينة المحاصرة. وأفاد تقرير منظمة "أطباء بلا حدود" الذي استند إلى 80 مقابلة مع نازحين ومرضى عن "أنماط ممنهجة من العنف" تشمل "النهب والقتل الجماعي والعنف الجنسي والاختطاف والتجويع" وهجمات على مدنيين ومرافق صحية. وذكر شهود عيان أن عناصر قوات "الدعم السريع" تحدثوا عن خطط "لتطهير الفاشر" من مجتمعاتها غير العربية، خصوصاً قبيلة الزغاوة مما أثار مخاوف من وقوع مذبحة مماثلة لتلك التي حدثت عام 2023 ضد قبيلة المساليت في ولاية غرب دارفور. وقالت مستشارة الشؤون الإنسانية في "أطباء بلا حدود" ماتيلد سيمون خلال بيان "نخشى تكرار مثل هذا السيناريو في الفاشر". واضطرت المنظمة الإنسانية الطبية إلى وقف عملياتها في الفاشر ومخيم زمزم للنازحين القريب الذي يعاني سكانه الجوع منذ مطلع العام بسبب الهجمات المتكررة. وأودت الحرب في أنحاء السودان بعشرات آلاف الأشخاص وشردت 13 مليوناً داخل البلاد وخارجها، وتسببت بما وصفته الأمم المتحدة بأكبر أزمة نزوح وجوع في العالم. وبحسب بيانات الأمم المتحدة، يعيش أكثر من مليون شخص من سكان ولاية شمال دارفور وحدها على حافة المجاعة، فيما أعلنت المجاعة في عدد من مخيمات النزوح. ومع دخول النزاع عامه الثالث، يسيطر الجيش على وسط السودان وشرقه وشماله، فيما تستحوذ قوات "الدعم السريع" على القسم الأكبر من دارفور وأجزاء من الجنوب.