logo
المعادن الاستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخارطة الجيوسياسية 1 من 5

المعادن الاستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخارطة الجيوسياسية 1 من 5

وطنا نيوز١٤-٠٤-٢٠٢٥

البرفسور عبدالله سرور الزعبي
مركز عبر المتوسط للدراسات الاستراتيجية
في مقال سابق تحت عنوان 'الصراع العالمي على الموارد الطبيعية' والمنشور بجريدة الغد بتاريخ 1/2/2023، كنت قد اشرت الى إن قوة الموارد الطبيعية كانت الاهم في تاريخ صراع الأمم، وهو الصراع المرتبط بجغرافية الأرض.
يعتبر اليونانيين القدماء اول من فكر في أهمية الجغرافيا للدولة، حيث أشار هيرودوت الى ان سياسة الدولة تعتمد على بيئتها الجغرافية، تبعه ارسطو في كتابة السياسة The Politics، حيث قسم العالم الى إقليم شديد الحرارة وشديد البرودة والمعتدل، وأشار فيه الى ان قوة اليونان تعود الى وجودها ضمن الإقليم المعتدل، تبعها تنقل مركز الحضارات القديمة ضمن المنطقة المعتدلة مناخياً (أثينا، مصر، فارس، روما، بغداد ولاحقاً اسطنبول).
استمرت القواعد السياسية الرئيسية بالتطور التدريجي الى القرن التاسع عشر، حيث بدأ هذا المفهوم بالتوسع حيث ربط Ratzellمفهوم واقع الدولة والقوى العالمية المنطلقة من الموقع الجغرافي من جهة وقوة التكنولوجيا والاقتصاد من جهة أخرى، ويضاف اليها قدرة الدولة على الحركة الديناميكية المستمرة. الا ان بريجينسكي أشار الى ان الموقع الجغرافي لبعض الدول يجعل منها دول محور جيوسياسي، او ذات وضعية جيوسياسية محددة، يحدد قدرتها بالتاثير في محيطها الإقليمي او على الساحة السياسة العالمية من حيث القدرة على استخدام القوة العسكرية والتحالفات السياسية وقوة التاثير الاقتصادي (الثروات الطبيعية والقوة الصناعية والعلاقات التجارية).
ان توزيع الثروات الطبيعية واكتشافها في أراضي دول محددة دون غيرها، جعل منها محط اهتمام او اطماع للكثير من الدول الكبرى منذ القرن الثامن عشر، واستمر وصولاً الى القرن العشرون الذي تميز بالصراع على موارد الطاقة الاحفورية (الفحم والنفط والغاز). الا ان القرن الحالي يشهد تحولات جذرية من حيث الاهتمام العالمي بالمعادن الاستراتيجية والنادرة والذي اصبح اهتمام العالم بها اكبر من اهتمامه بالوقود الاحفوري (القادم من الشرق الأوسط)، الذي تسارعت الاكتشافات العالمية له (لم يعد الشرق الأوسط المصدر الرئيسي له كما كان في القرن الماضي، فاحتياطيات افريقيا من النفط والغاز تشكل ما يقارب 15℅، روسيا تقارب 25℅ من احتياطيات الغاز 6℅ من النفط، وامريكا اللاتينية 20℅ من النفط وحوالي 10℅ من الغاز، وأمريكا الشمالية ما يقارب 35℅ في بما فيها الإنتاج من الصخر الزيتي الكندي، بالإضافة الى الاكتشافات الجديدة في بحر الشمال والقارة المتجمدة الشمالية، وغيرها من المناطق وبنسب مختلفة).
ان دخول العالم الى عصر الثورة الصناعية لتكنلوجيا المستقبل (التي تتسابق الدول الكبرى على امتلاكها) والتحول العالمي الى الطاقة النظيفة، وللمحافظة على الامن الاقتصادي للدول والسيطرة الجيوسياسية، جعل الاهتمام العالمي بالمعادن الأساسية للصناعة (الحديد، النحاس، الالمنيوم، وغيرها) والاستراتيجية منها (حيث تم تصنيف 30 معدناً بانها ذات قيمة استراتيجية عالمية حسب التصنيف الأوروبي و35 معدنا حسب وزارة الطاقة الامريكية) مثل النيكل، الكوبالت، النحاس، المنغنيز، الليثيوم، البلاتين، الزئبق، المغنيسيوم، السيلكون (السيليكا عالية النقاوة 99.99℅ في الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، البرازيل، روسيا، الصين، السويد وفنلندا، وغيرها من الدول بدرجة نقاوة اقل على سبيل المثال الأردن بنقاوة تزيد قليلاً عنً 99℅ في بعض المناطق، سنتحدث عنها لاحقاً)، اليورانيوم، الذهب (الإنتاج العالمي حوالي 3000 طن)، البلاتين (الإنتاج العالمي 160 طن) والالماس وغيرها)، ومنها ما يعتبر من المعادن النادرة الخفيفة اوالثقيلة مثل التيتانيوم، اللانثانم، السيريوم، البراسيوديميوم، النيوديميوم، البروميثيوم، السماريوم، اليوروبيوم، الجادولينيوم، التيربيوم، الديسبروسيوم، الهولميوم، الإربيوم، الثوليوم، الإيتربيوم، اللوتيتوم، سكانديوم، والإيتريوم، الرينيوم، البلاديوم (ثمن الكيلوغرام حوالي 80 الف دولار، الإنتاج العالمي 200 طن)، والروديوم (ثمن الكيلوغرام حوالي 675 الف دولار، الإنتاج العالمي 31 طن، يأتي من جنوب افريقيا وروسيا وكندا وزيمبابوي)، الايريديوم (ثمن الكيلوغرام حوالي 100 الف دولار والإنتاج العالمي حوالي 3 طن، يأتي من جنوب افريقيا وروسيا وكندا)، والخفيفة اكثر استخداماً من حيث الكمية، الا ان الثقيلة ستستخدم في صناعات حساسة واعلى سعراً.
هذا وتقدر احتياطيات العالم من المعادن النادرة ما يقارب 120 مليون طن، تسيطر الصين على 44 مليون طن (تنتج ما يقارب 70℅ من الاحتياجات العالمية وتدير ما يقارب من 90℅ من اعمال التعدين والمعالجة في العالم). بينما تملك أمريكا 1.9 مليون طن (تنتج حوالي 45 الف طن سنوياً يتم معالجة معظمها خارج البلاد، وهي تستورد ما يقارب 80℅ من احتياجاتها، وهي الدولة الأكثر استهلاكاً لها، لتقدمها الكبير في الصناعات التكنولوجية المتقدمة ولاحتياجاتها لها في الصناعات العسكرية المتطورة، فمثلاً صناعة طائرة F-35 تحتاج الى ما يزيد عن 415 كغم منها)، وهي في سباق مع الزمن لحل مشكلتها المستقبلية في سلاسل التوريد لهذه المعادن (التي تسيطر عليها الصين بشكل رئيسي، وهي الدولة التي ابدعت خلال العقدين الأخيرين في توظيف القوة الاقتصادية لتحقيق اهداف جيوسياسية وجيواستراتيجية اكبر) لأهمية ذلك للأمن القومي الأمريكي.
في الجزء الثاني سأتحدث عن الاحتياطيات الدول من المعادن النادرة وقد نتطرق الى اهم المعادن الاستراتيجية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

آسيا عظيمة أيضاً
آسيا عظيمة أيضاً

العرب اليوم

time٠١-٠٥-٢٠٢٥

  • العرب اليوم

آسيا عظيمة أيضاً

نصف قرن من الرفاه الغربي، قام على أكتاف فقراء الآسيويين، من بينهم من يسميهم نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس «الفلاحين الصينيين». هؤلاء دفعوا من دمائهم، وروابطهم الأسرية، باهظ الأثمان، وقضوا أعمارهم، في أقبية مصانع الشركات العابرة للقارات. لا تزال حادثة انهيار مبنى «رانا بلازا» الشهيرة في بنغلاديش التي ضجّت بها الصحف العالمية عالقة في البال، رغم مرور الأعوام. يومها ثلاثة آلاف عامل بين قتيل وجريح، معظمهم من النساء، أصيبوا دفعة واحدة، بسبب إهمال شركات كبرى، نتباهى ونحن نرتدي ملابسها من دون أن نتذكر، أولئك الذين اضطروا للعمل في مبنى مشقق آيل للانهيار. ورغم أن طوابقه السفلية أخليت بسبب الخطر، شركات ملابس عالمية قررت أن على العاملات أن يبقين، فمتن ومنهن من بترت أطرافهن. الفقراء يرحلون بصمت، والأغنياء لهم الميكروفونات ومكبرات الصوت. حوادث العمالة، من تسمم، وسرطانات، وشلل، واختناقات، أصبحت مألوفةً في مصانع تدفع للعامل ملاليم، وتبيع منتجاتها «الراقية» بآلاف الدولارات. انتقال المصانع الغربية إلى دول آسيوية مثل الصين والهند وفيتنام وبنغلاديش في ثمانينات القرن الماضي، الذي تعدّه أميركا إجحافاً بحقها، هو خيارها الذي عاش بفضله الغرب ترفاً استثنائياً بأرخص الأسعار، دافعاً بمهمة التصنيع القذرة إلى بؤساء ارتضوا المهمة تحت وطأة الحاجة، وجنت الشركات الغربية تريليونات الدولارات من الأرباح الخالصة. بدأت المصانع بالانتقال مع الإصلاحات الصينية عام 1978، تلتها فيتنام مع إصلاحات «دوي موي» الاقتصادية عام 1986، أما بنغلاديش والهند فقد انضمتا إلى الموجة في تسعينات القرن الماضي. نعمة للمستثمر أن يتقاضى العامل البنغلاديشي 3 دولارات في اليوم، ويعمل 12 ساعة، مع تسهيلات ضرائبية وبنى تحتية. عززت أميركا هذا الوضع المربح باتفاقيات التجارة الحرة، وعدّتها من ملامح العولمة والانفتاح اللذين أثمرتهما حضارتها الليبرالية. فلا أولوية تفوق الربح الوفير والأكلاف المنخفضة، ولا قيمة تعلو على الحرية. أو ليس «العالم قرية صغيرة» حسب المفكر الكندي هربرت مارشال ماكلوهان، الذي ربما كان غيّر رأيه لو بقي حياً بيننا. حققت «أبل» إيرادات بلغت 394 مليار دولار عام 2023 وحده، بفضل جهد عمال صينيين، يكدحون بمقابل هزيل من دون استراحة. أما أطفال الكونغو فيعملون في مناجم «الكوبالت» لتلبية الطلب على بطاريات السيارات الكهربائية. ويعيش كثيرون في الهند، صاحبة رابع اقتصاد عالمي، على أقل من 4 دولارات في اليوم. في الصين ثمة نمو اقتصادي هائل لكن الفجوة الاجتماعية متسعة، والفروق ظالمة بين الريف والمدينة، ومعاناة جماعية بسبب النزوح إلى المراكز الصناعية. لم يكن كدح الآسيويين في مصانع أغنياء الكوكب بلا تضحيات امتدت لأجيال. أصبحت نيودلهي بعدها من أكثر المدن تلوثاً بسبب كثافة المصانع. وحكي كثيراً عن الصين وهوائها القاتل، ولا يزال عمالها يعانون من أخطار المناجم على أنواعها، وبينها المعادن النادرة التي تتسبب بأزمات بيئية قاتلة، ويروج لها وكأنها تقطف كالتفاح من الشجر. متوسط دخل الفرد في الصين لا يزال دونه كثيراً في أميركا، وهو ما يفسر، بقاء تصنيفها، رغم عظم حجمها الاقتصادي والإنتاجي، ضمن الدول النامية، وهو ما تعترض عليه أميركا. حتى الأطفال السوريون اللاجئون في تركيا لم يسلموا من استغلال مصانع الشركات الكبرى. نمت صادرات الصين من 20 مليار دولار عام 1980 إلى 2.5 تريليون دولار عام 2020. أدت الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة بعد 2018 إلى تحويل الاستثمارات إلى فيتنام وبنغلاديش، مما وسع نطاق الظاهرة. لكن الفائض التجاري الفيتنامي ارتفع من 39 مليار دولار عام 1918 إلى 123 ملياراً عام 2024، مما جعلها صاحبة ثالث أكبر فائض تجاري مع أميركا، بعد أن اعتمدتها الشركات الأميركية الكبرى مثل «نايكي» و«أديداس» و«أبل» لتصنيع منتجاتها. فيتنام لم تخرج بعد من فقرها. الشعب الكادح تعبه المضني يستحق التأمل والتقدير. النساء، كما الأطفال قبل الرجال، ينبشون الأرض بأيديهم، يصنّعون قطع الحلوى واحدةً واحدةً، يغلفونها بصبر وسرعة شديدين، يلصقونها بعناية كما نفعل مع هدايانا الموسمية. مع ذلك استحق هذا الشعب ضرائب جمركية وصلت إلى 46 في المائة من أميركا في تعريفاتها الجديدة. علماً بأن الحد الأدنى للأجور في مصانع الشركات الكبرى في العاصمة الفيتنامية لا يتعدى المائتي دولار في الشهر، وينخفض إلى النصف خارج العاصمة. تقول رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني إنها تريد أن تعود أوروبا عظيمةً من جديد، ويجب أن تعود أميركا عظيمة أيضاً. ونحن نريد أن تكون كل الأمم سعيدة، ومكتفية، وخارج دائرة الاستغلال. وهذا يستحق إعادة نظر شاملة، في دورة تجارية يعيش فيها جزءٌ من العالم على دماء وجهد جزء آخر، وكأنما سخّر البعض للبعض بشبه المجّان، وهذا ما تحاول دول آسيوية أن تتمرد عليه.

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: المعادن الإستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية (5-5)
د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: المعادن الإستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية (5-5)

سرايا الإخبارية

time٢٢-٠٤-٢٠٢٥

  • سرايا الإخبارية

د.عبدالله سرور الزعبي يكتب: المعادن الإستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية (5-5)

بقلم : د.عبدالله سرور الزعبي استكمالاً للجزء الرابع من المقال، سنتحدث عن الولايات المتحدة (أكبر مستهلكي العناصر النادرة)، والتي تنبهت لتوسع الصين في الاستثمارات على الساحة الدولية، وسيطرتها على مدخلات الصناعات الحديثة، فسعت الى تعزيز استثماراتها العالمية، بما فيها قطاع التعدين، كجزء من إستراتيجيتها لاستعادة نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي. تشير تقارير مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي (BEA)، بأن الاستثمارات المباشرة لأميركا بلغت حوالي 5.4 تريليون دولار (2023) في أوروبا وكندا وآسيا وغيرها. تركزت الاستثمارات الأميركية في التركيز على المعادن الإستراتيجية والنادرة، فسارعت للمحادثات مع الكونغو الديمقراطية للحصول على حقوق الاستكشاف فيها (على حساب النفوذ الصيني هناك)، مقابل تقديم الدعم لحمايتها من الجماعات المسلحة. وتعمل جاهدة للحصول على غرينلاند بسبب وفرة احتياطاتها من المعادن النادرة ولموقعها الجيوإستراتيجي الذي يمكنها من تعزيز نفوذها في القارة القطبية الشمالية لتضمن السيطرة على موارد العالم في المستقبل (في ظل الأوضاع الدولية، من المحتمل انها ستحصل عليها او على الأقل ستزيد من نفوذها في غرينلاند بشكل كبير). تسعى أميركا لتعزيز وجودها في الحصول على معادن أوكرانيا، كجزء من إستراتيجيتها لتحقيق مصادر المعادن الضرورية لأمنها القومي (وستحصل عليها آجلاً أم عاجلاً). تعمل أميركا على تعميق علاقاتها مع الهند في القطاعات المختلفة (لمحاصرة النفوذ الصيني في شرق آسيا وتعزيز النفوذ الهندي (على الرغم من ان الصين والهند أعضاء في مجموعة البريكس)، وفجاءة تجد الهند نفسها أمام فرصة ممتازة قد لا تتكرر (مع وجود صعوبة للمحافظة على التبادلات التجارية مع الصين، تبلغ 136 مليار دولار لعام 2023، وتعتمد الكثير من الشركات الهندية على سلاسل الامداد الهندية لصناعاتها)، يضاف الى ذلك المباحثات الأميركية المكثفة مع فيتنام، الغنية في المعادن النادرة للوصول الى اتفاق. أصبحت أميركا مهتمة بالتعاون مع روسيا (بعد العرض الروسي للاستثمار في معادنها وهي الغنية فيها، وهل العرض لمعادن أراضي الدونباس الأوكرانية أم كافة الأراضي الروسية؟)، بهدف إضعاف العلاقات الروسية الصينية والتوسع في السوق الروسي كبديل عن الصيني (روسيا تسعى لإضعاف العلاقة الأميركية الأوروبية) ان إستراتيجية أميركا بالعودة الى المنافسة، جاء بقرار سياسي قوي، بسبب نقص الإمدادات للمواد الخام الضرورية لصناعاتها التكنولوجية (اكتشفت ضعفها البنيوي في سلاسل الامداد)، المتفوقة فيها، فبادرت لتقديم دعم مالي غير مسبوق (مليارات الدولارات من قانون CHIPS & Science Act) لتطوير مناجمها في كاليفورنيا، والاستثمار في نتائج ابحاث جامعة تكساس التي بينت أن رماد الفحم في أميركا يحتوي على 11 مليون طن من المعادن النادرة، وانشاء مصفاة لاستخراج وفصل المعادن النادرة (تحتاج الى بضع سنوات لإنجازها) والابتكار في إعادة تدوير النفايات الإلكترونية. أميركا، اتخذت قراراً بالمباشرة في استخراج المعادن من قاع المحيط (لتأمين مصادر موثوقة)، رغم التحديات الفنية، والقانونية والبيئية، والجيوسياسية، معتمدة على الدراسات المتوفرة من دائرة المساحة الجيولوجية والدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية الصادرة عن معهد ودز هول للمحيطات (Woods Hole Oceanographic Institution، تشرفت للعمل فيه كحاصل على منحة الفولبرايت 2000-2001، حيث قمت بدراسة حوض البحر الميت والقباب الملحية)، والتي تتشير الى ان ثروات المحيط تفوق بشكل كبير الثروات الموجودة في اليابسة، وسيكون التركيز على معادن النيكل والكوبالت والمنغنيز والمتواجدة على شكل عقد معدنية (Poly-metallic Nodules) في المنطقة (Clarion-Clipperton) الواقعة بين هاواي والمكسيك وكذلك في المحيط الهندي والهادي (على الرغم من عدم وجود ترخيص لديها من المنظمات الدولية (الصين سبق وان حصلت على 5 تراخيص للقيام بعمليات الاستكشاف البحري). على الرغم من كل الإجراءات الأميركية، إلا أنها تواجه مشكلة في البطء بتنفيذ المشاريع، والاعتماد على الصين في عملية تكرير المعادن النادرة حتى تاريخه، وبعض سلاسل الإمداد الحرجة، إلا أنها على المدى المتوسط والبعيد (خلال عقدين من الزمن)، لديها فرصة لاستعادة التوازن (إذا نجحت في تطوير سلسلة إمداد مستقلة من خلال بناء التحالفات) وتنويع مصادر الاستيراد من أستراليا، وماليزيا، وفيتنام وغيرها، وتسريع تطوير تكنولوجيا تعدينية توازي الصينية. كما أن أميركا باشرت في استثمار 5 مليارات دولار لبناء سلاسل إمداد مستقلة لتأمين المعادن النادرة (عن طريق المحافظة على تحالفاتها مع أستراليا، كندا، والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا وغيرها من الدول) وفي اعمال البحث والتطوير، بهدف تحقيق استدامة سلاسل الامداد المعدنية لصناعاتها المتفوقة بها على بقية الدول. دول الاتحاد الأوروبي، والتي تراجع دورها الإستراتيجي نسبياً، بسبب الازمات الداخلية لها والإقليمية، واعتمادها لسنوات للحصول على احتياجاتها من موارد الطاقة والمعادن، على روسيا وأميركا والصين (الدول المحورية)، وضعت إستراتيجية للحصول على المعادن بخطة استثمارية بـ 6 مليارات يورو لدعم الاستخراج المحلي والتكرير ضمن مبادرة "Raw Materials Alliance" والاستثمار في عمليات التدوير والطاقة المتجددة، ومنافسة أميركا على ثروات أوكرانيا. ان نقص الموارد اللازمة للإنتاج الصناعي في دول الاتحاد الأوروبي، جعلها تجد صعوبة بالغة في خلق حالة مقبولة من التوازن مع النفوذ الأميركي ومواجهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد، وأصبحت تشعر بان هناك تهديد مباشر لأمنها، الامر الذي جعل دورها أقل تأثيراً في معادلات القوة الجيوإستراتيجية العالمية في الوقت الحالي، مما يفرض عليها إعادة ترتيب بيتها الداخلي لضمان امنها والبقاء على خريطة المنافسة الجيوإستراتيجية الدولية، كما كانت قبل عقود. اليابان، تقدر احتياجاتها من المعادن النادرة بحوالي 40 ألف طن سنوياً (تستورد 90 % من الصين)، وكوريا الجنوبية، تستورد حوالي 30 ألف طن (80 % منها من الصين)، وتايوان، تحتاج حوالي 15 ألف طن سنويا (تأتي من الصين)، الا ان هذه الدول ومنذ أكثر من عقد من الزمن توجهت الى الهند وأستراليا وفيتنام، وتوسعت في اعمال إعادة تدوير النفايات الإلكترونية. كما أن اليابان وكوريا الجنوبية أعدتا إستراتيجية لاستثمار 3 مليارات دولار في دول أفريقيا وأميركا اللاتينية لمحاولة ضمان مصادر مستدامة للمعادن الإستراتيجية والنادرة بدلاً من المصادر الصينية (الا انها ستبقى تعتمد على سلاسل الامداد الخارجية). لن نتحدث عن السيلكون عالي النقاوة (يستخدم في صناعة أشباه الموصلات، والطاقة المتجددة والألياف الزجاجية وغيرها الكثير) والمستخرج من الصين وأميركا وروسيا والبرازيل، بشكل رئيسي. ان الصراع على المعادن النادرة أصبح أحد أهم محاور التنافس الجيوسياسي بين الدول، وخاصة أميركا والصين، ومع انطلاق شرارة الحرب الباردة الجديدة، التي دفعت الصين لفرض قيود على تصدير 7 من معادنها النادرة (مما سيشكل ازمة كبيرة للشركات الأميركية المصنعة للطائرات والرقائق والتوربينات والمغناطيسات والأجهزة الطبية والطاقة المتجددة وغيرها، ما لم يكن لديها مخزون يكفيها للسنوات القادمة) والتي تعد العمود الفقري لهذه الصناعات. إن الصراع على المعادن، لم يعد مجرد سباق اقتصادي، بل معركة حقيقة للفوز بالسيطرة الصناعية والتكنولوجية للعقود القادمة، وهذا يعكس تحولًا جيوإستراتيجياً يمزج ما بين الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة، ومن يمتلك اليد العليا في هذا السباق، سيمتلك مفاتيح القوة للعقود المقبلة، ويصبح لاعب رئيساً في التحولات الحاصلة في موازين القوى الجيوسياسية هذا العقد، والتي ستعيد هندسة الجيوإستراتيجية العالمية والنظام العالمي القادم. كنتيجة للصراع على المعادن والحرب التجارية، تبرز التساؤلات، هل من الممكن ان نرى ان بعض الدول ستخفق في المحافظة على وجودها كقوى عالمية مهيمنة أو كدول؟ أو هل من الممكن أن نرى تبدلا في مواقع بعض الدول الارتكازية في العالم؟، أم أننا سنرى نتائج ما أشار إليه دايموند من أسباب تؤدي الى إخفاق الحضارات وانهيار الأمم، ومنها وجود جيران عدائيين (احد نقاط قوة أميركا، منذ البداية، لم يكن لديها جيران أقوياء يهددون وجودها، وهل ستبقى كندا تنظر اليها كحليف موثوق) وفقدان الشركاء التجاريين (هذا ما يخيف العالم اليوم بسبب الحمائية التجارية)، والاضرار بالنظام البيئي (التعدين في قاع البحار والقارة القطبية الشمالية وغيرها) والتغيرات المناخية وانهيار المنظومة الثقافية (عدم قدرة المجتمع على التفاعل مع المشاكل المحيطة به) وفقدان القيادة. ام اننا سنرى إجابة على اسئلة غاردلز، حيث تسأل، هل من الممكن ان تحقق الدول أي طفرة قبل انهيارها؟ أو هل يتطلب الأمر وجود أزمة لكي يتحرك العقل العالمي لاحتوائها (ونضيف هل من الممكن ان تحتكم الدول للمنظمات الدولية، كمنظمة التجارة العالمية لرسم مسار جديد للعمل الدولي المستقبلي وتشكيل جبهة مشتركة للتعاون لمواجهة التحديات، التي تهدد الاقتصاد العالمي والبشرية) أو هل من الممكن أن نرى تحالفات تقنية جديدة أخرى (دول كبرى مع دول نامية) تعمل على نقل التكنولوجيا المتطورة مقابل المعادن النادرة، وانشاء صندوق عالمي لضمان سلامة سلاسل التوريد العالمية. ان التخوف الحقيقي من أن يودي الصراع على المعادن النادرة الى تقسيم العالم، الى عالم يحتاجها وعالم يسيطر عليها تقوده الصين، التي بدأت تتحرك بسرعة في دول شرق آسيا وعلى المستوى الرئاسي، وفي حال نجحت الصين في تعزيز تحالفها مع روسيا وفيتنام ودول شرق آسيا والمحافظة على نفوذها في أفريقيا ستكون أميركا في وضع صعب الى حد ما، ما لم تستخدم أميركا وحلفاؤها الضغط الكافي بعدم السماح لدول شرق آسيا أو الاتحاد الأوروبي أن تبقى محايدة، وأنه ليس أمامها إلا المتبقي من الـ 90 يوماً (التي حددها الرئيس ترامب) لتحديد موقفها، بما فيها بعض الدول العربية، وبذلك سيبقى العالم يحبس أنفاسه حتى تتضح له معالم النظام العالمي الجديد. مؤكدين، كما هي زحزحة القارات (Plate Tectonics) مستمرة في الحركة وتعيد تشكيل الأرض، فإن المواقع الجيوسياسية للدول ليست ثابتة وتتبدل، وإن الأمن الإستراتيجي للدول يعتبر اهم من كل اعتبار لمن يستطيع المحافظة عليه في هذه المرحلة الحرجة لمستقبل البشرية. *مركز عبر المتوسط للدراسات الإستراتيجية الغد

المعادن الإستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية (5-5)*د.عبدالله سرور الزعبي
المعادن الإستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية (5-5)*د.عبدالله سرور الزعبي

Amman Xchange

time٢١-٠٤-٢٠٢٥

  • Amman Xchange

المعادن الإستراتيجية والنادرة تعيد رسم الخريطة الجيوسياسية (5-5)*د.عبدالله سرور الزعبي

الغد استكمالاً للجزء الرابع من المقال، سنتحدث عن الولايات المتحدة (أكبر مستهلكي العناصر النادرة)، والتي تنبهت لتوسع الصين في الاستثمارات على الساحة الدولية، وسيطرتها على مدخلات الصناعات الحديثة، فسعت الى تعزيز استثماراتها العالمية، بما فيها قطاع التعدين، كجزء من إستراتيجيتها لاستعادة نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي. تشير تقارير مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي (BEA)، بأن الاستثمارات المباشرة لأميركا بلغت حوالي 5.4 تريليون دولار (2023) في أوروبا وكندا وآسيا وغيرها. تركزت الاستثمارات الأميركية في التركيز على المعادن الإستراتيجية والنادرة، فسارعت للمحادثات مع الكونغو الديمقراطية للحصول على حقوق الاستكشاف فيها (على حساب النفوذ الصيني هناك)، مقابل تقديم الدعم لحمايتها من الجماعات المسلحة. وتعمل جاهدة للحصول على غرينلاند بسبب وفرة احتياطاتها من المعادن النادرة ولموقعها الجيوإستراتيجي الذي يمكنها من تعزيز نفوذها في القارة القطبية الشمالية لتضمن السيطرة على موارد العالم في المستقبل (في ظل الأوضاع الدولية، من المحتمل انها ستحصل عليها او على الأقل ستزيد من نفوذها في غرينلاند بشكل كبير). تسعى أميركا لتعزيز وجودها في الحصول على معادن أوكرانيا، كجزء من إستراتيجيتها لتحقيق مصادر المعادن الضرورية لأمنها القومي (وستحصل عليها آجلاً أم عاجلاً). تعمل أميركا على تعميق علاقاتها مع الهند في القطاعات المختلفة (لمحاصرة النفوذ الصيني في شرق آسيا وتعزيز النفوذ الهندي (على الرغم من ان الصين والهند أعضاء في مجموعة البريكس)، وفجاءة تجد الهند نفسها أمام فرصة ممتازة قد لا تتكرر (مع وجود صعوبة للمحافظة على التبادلات التجارية مع الصين، تبلغ 136 مليار دولار لعام 2023، وتعتمد الكثير من الشركات الهندية على سلاسل الامداد الهندية لصناعاتها)، يضاف الى ذلك المباحثات الأميركية المكثفة مع فيتنام، الغنية في المعادن النادرة للوصول الى اتفاق. أصبحت أميركا مهتمة بالتعاون مع روسيا (بعد العرض الروسي للاستثمار في معادنها وهي الغنية فيها، وهل العرض لمعادن أراضي الدونباس الأوكرانية أم كافة الأراضي الروسية؟)، بهدف إضعاف العلاقات الروسية الصينية والتوسع في السوق الروسي كبديل عن الصيني (روسيا تسعى لإضعاف العلاقة الأميركية الأوروبية) ان إستراتيجية أميركا بالعودة الى المنافسة، جاء بقرار سياسي قوي، بسبب نقص الإمدادات للمواد الخام الضرورية لصناعاتها التكنولوجية (اكتشفت ضعفها البنيوي في سلاسل الامداد)، المتفوقة فيها، فبادرت لتقديم دعم مالي غير مسبوق (مليارات الدولارات من قانون CHIPS & Science Act) لتطوير مناجمها في كاليفورنيا، والاستثمار في نتائج ابحاث جامعة تكساس التي بينت أن رماد الفحم في أميركا يحتوي على 11 مليون طن من المعادن النادرة، وانشاء مصفاة لاستخراج وفصل المعادن النادرة (تحتاج الى بضع سنوات لإنجازها) والابتكار في إعادة تدوير النفايات الإلكترونية. أميركا، اتخذت قراراً بالمباشرة في استخراج المعادن من قاع المحيط (لتأمين مصادر موثوقة)، رغم التحديات الفنية، والقانونية والبيئية، والجيوسياسية، معتمدة على الدراسات المتوفرة من دائرة المساحة الجيولوجية والدراسات الجيولوجية والجيوفيزيائية الصادرة عن معهد ودز هول للمحيطات (Woods Hole Oceanographic Institution، تشرفت للعمل فيه كحاصل على منحة الفولبرايت 2000-2001، حيث قمت بدراسة حوض البحر الميت والقباب الملحية)، والتي تتشير الى ان ثروات المحيط تفوق بشكل كبير الثروات الموجودة في اليابسة، وسيكون التركيز على معادن النيكل والكوبالت والمنغنيز والمتواجدة على شكل عقد معدنية (Poly-metallic Nodules) في المنطقة (Clarion-Clipperton) الواقعة بين هاواي والمكسيك وكذلك في المحيط الهندي والهادي (على الرغم من عدم وجود ترخيص لديها من المنظمات الدولية (الصين سبق وان حصلت على 5 تراخيص للقيام بعمليات الاستكشاف البحري). على الرغم من كل الإجراءات الأميركية، إلا أنها تواجه مشكلة في البطء بتنفيذ المشاريع، والاعتماد على الصين في عملية تكرير المعادن النادرة حتى تاريخه، وبعض سلاسل الإمداد الحرجة، إلا أنها على المدى المتوسط والبعيد (خلال عقدين من الزمن)، لديها فرصة لاستعادة التوازن (إذا نجحت في تطوير سلسلة إمداد مستقلة من خلال بناء التحالفات) وتنويع مصادر الاستيراد من أستراليا، وماليزيا، وفيتنام وغيرها، وتسريع تطوير تكنولوجيا تعدينية توازي الصينية. كما أن أميركا باشرت في استثمار 5 مليارات دولار لبناء سلاسل إمداد مستقلة لتأمين المعادن النادرة (عن طريق المحافظة على تحالفاتها مع أستراليا، كندا، والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا وغيرها من الدول) وفي اعمال البحث والتطوير، بهدف تحقيق استدامة سلاسل الامداد المعدنية لصناعاتها المتفوقة بها على بقية الدول. دول الاتحاد الأوروبي، والتي تراجع دورها الإستراتيجي نسبياً، بسبب الازمات الداخلية لها والإقليمية، واعتمادها لسنوات للحصول على احتياجاتها من موارد الطاقة والمعادن، على روسيا وأميركا والصين (الدول المحورية)، وضعت إستراتيجية للحصول على المعادن بخطة استثمارية بـ 6 مليارات يورو لدعم الاستخراج المحلي والتكرير ضمن مبادرة "Raw Materials Alliance" والاستثمار في عمليات التدوير والطاقة المتجددة، ومنافسة أميركا على ثروات أوكرانيا. ان نقص الموارد اللازمة للإنتاج الصناعي في دول الاتحاد الأوروبي، جعلها تجد صعوبة بالغة في خلق حالة مقبولة من التوازن مع النفوذ الأميركي ومواجهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد، وأصبحت تشعر بان هناك تهديد مباشر لأمنها، الامر الذي جعل دورها أقل تأثيراً في معادلات القوة الجيوإستراتيجية العالمية في الوقت الحالي، مما يفرض عليها إعادة ترتيب بيتها الداخلي لضمان امنها والبقاء على خريطة المنافسة الجيوإستراتيجية الدولية، كما كانت قبل عقود. اليابان، تقدر احتياجاتها من المعادن النادرة بحوالي 40 ألف طن سنوياً (تستورد 90 % من الصين)، وكوريا الجنوبية، تستورد حوالي 30 ألف طن (80 % منها من الصين)، وتايوان، تحتاج حوالي 15 ألف طن سنويا (تأتي من الصين)، الا ان هذه الدول ومنذ أكثر من عقد من الزمن توجهت الى الهند وأستراليا وفيتنام، وتوسعت في اعمال إعادة تدوير النفايات الإلكترونية. كما أن اليابان وكوريا الجنوبية أعدتا إستراتيجية لاستثمار 3 مليارات دولار في دول أفريقيا وأميركا اللاتينية لمحاولة ضمان مصادر مستدامة للمعادن الإستراتيجية والنادرة بدلاً من المصادر الصينية (الا انها ستبقى تعتمد على سلاسل الامداد الخارجية). لن نتحدث عن السيلكون عالي النقاوة (يستخدم في صناعة أشباه الموصلات، والطاقة المتجددة والألياف الزجاجية وغيرها الكثير) والمستخرج من الصين وأميركا وروسيا والبرازيل، بشكل رئيسي. ان الصراع على المعادن النادرة أصبح أحد أهم محاور التنافس الجيوسياسي بين الدول، وخاصة أميركا والصين، ومع انطلاق شرارة الحرب الباردة الجديدة، التي دفعت الصين لفرض قيود على تصدير 7 من معادنها النادرة (مما سيشكل ازمة كبيرة للشركات الأميركية المصنعة للطائرات والرقائق والتوربينات والمغناطيسات والأجهزة الطبية والطاقة المتجددة وغيرها، ما لم يكن لديها مخزون يكفيها للسنوات القادمة) والتي تعد العمود الفقري لهذه الصناعات. إن الصراع على المعادن، لم يعد مجرد سباق اقتصادي، بل معركة حقيقة للفوز بالسيطرة الصناعية والتكنولوجية للعقود القادمة، وهذا يعكس تحولًا جيوإستراتيجياً يمزج ما بين الاقتصاد والتكنولوجيا والسياسة، ومن يمتلك اليد العليا في هذا السباق، سيمتلك مفاتيح القوة للعقود المقبلة، ويصبح لاعب رئيساً في التحولات الحاصلة في موازين القوى الجيوسياسية هذا العقد، والتي ستعيد هندسة الجيوإستراتيجية العالمية والنظام العالمي القادم. كنتيجة للصراع على المعادن والحرب التجارية، تبرز التساؤلات، هل من الممكن ان نرى ان بعض الدول ستخفق في المحافظة على وجودها كقوى عالمية مهيمنة أو كدول؟ أو هل من الممكن أن نرى تبدلا في مواقع بعض الدول الارتكازية في العالم؟، أم أننا سنرى نتائج ما أشار إليه دايموند من أسباب تؤدي الى إخفاق الحضارات وانهيار الأمم، ومنها وجود جيران عدائيين (احد نقاط قوة أميركا، منذ البداية، لم يكن لديها جيران أقوياء يهددون وجودها، وهل ستبقى كندا تنظر اليها كحليف موثوق) وفقدان الشركاء التجاريين (هذا ما يخيف العالم اليوم بسبب الحمائية التجارية)، والاضرار بالنظام البيئي (التعدين في قاع البحار والقارة القطبية الشمالية وغيرها) والتغيرات المناخية وانهيار المنظومة الثقافية (عدم قدرة المجتمع على التفاعل مع المشاكل المحيطة به) وفقدان القيادة. ام اننا سنرى إجابة على اسئلة غاردلز، حيث تسأل، هل من الممكن ان تحقق الدول أي طفرة قبل انهيارها؟ أو هل يتطلب الأمر وجود أزمة لكي يتحرك العقل العالمي لاحتوائها (ونضيف هل من الممكن ان تحتكم الدول للمنظمات الدولية، كمنظمة التجارة العالمية لرسم مسار جديد للعمل الدولي المستقبلي وتشكيل جبهة مشتركة للتعاون لمواجهة التحديات، التي تهدد الاقتصاد العالمي والبشرية) أو هل من الممكن أن نرى تحالفات تقنية جديدة أخرى (دول كبرى مع دول نامية) تعمل على نقل التكنولوجيا المتطورة مقابل المعادن النادرة، وانشاء صندوق عالمي لضمان سلامة سلاسل التوريد العالمية. ان التخوف الحقيقي من أن يودي الصراع على المعادن النادرة الى تقسيم العالم، الى عالم يحتاجها وعالم يسيطر عليها تقوده الصين، التي بدأت تتحرك بسرعة في دول شرق آسيا وعلى المستوى الرئاسي، وفي حال نجحت الصين في تعزيز تحالفها مع روسيا وفيتنام ودول شرق آسيا والمحافظة على نفوذها في أفريقيا ستكون أميركا في وضع صعب الى حد ما، ما لم تستخدم أميركا وحلفاؤها الضغط الكافي بعدم السماح لدول شرق آسيا أو الاتحاد الأوروبي أن تبقى محايدة، وأنه ليس أمامها إلا المتبقي من الـ 90 يوماً (التي حددها الرئيس ترامب) لتحديد موقفها، بما فيها بعض الدول العربية، وبذلك سيبقى العالم يحبس أنفاسه حتى تتضح له معالم النظام العالمي الجديد. مؤكدين، كما هي زحزحة القارات (Plate Tectonics) مستمرة في الحركة وتعيد تشكيل الأرض، فإن المواقع الجيوسياسية للدول ليست ثابتة وتتبدل، وإن الأمن الإستراتيجي للدول يعتبر اهم من كل اعتبار لمن يستطيع المحافظة عليه في هذه المرحلة الحرجة لمستقبل البشرية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store