
مذكرات تشرشل حول الحرب العالمية الثانية في مهب نقاد جائزة نوبل
طبعاً لا يمكن لأحد أن يزعم أن ثمة مرجعاً أفضل من غيره أو يبدو أصح من المراجع الأخرى للحديث بصدق ونزاهة عن أي حدث من أحداث التاريخ. ولعل هذه الحقيقة تنطبق أول ما تنطبق على تلك "المراجع" التي تحمل توقيعات من شاركوا حقاً في صنع تلك الأحداث، من يقفون في صفهم. ويصدق هذا خاصة على الأحداث السياسية والتاريخية أكثر مما في أي مجال آخر. فكيف إذا كان ما نود تناوله هنا حرباً كتلك العالمية الثانية كتب تاريخها واحد من كبار المشاركين فيها، وهو بالطبع رئيس الوزراء البريطاني خلال سنوات الحرب ونستون تشرشل؟ يقيناً أن لجنة جائزة نوبل الأدبية التي منحت تشرشل جائزتها في عام متزامن تقريباً مع عام صدور سفره عن تلك الحرب، كانت تعرف هذه الحقيقة، بل حتى تؤمن بمقولة الفرنسي غوستاف ليبون: "لو كانت الحجارة تنطق لأصبح التاريخ كله كذبة كبرى"، والقول المأثور الآخر "إن المنتصرين هم الذين يكتبون التاريخ دائماً... وعلى هواهم". ومن هنا سيبدو من الخطأ التاريخي ما يزعمه كثر من أن اللجنة منحت تشرشل جائزتها الأسمى عن هذا الكتاب بالذات. فهي لا تذكر الكتاب في حيثيات منح الجائزة، ثم أن الكتاب نفسه لم يكن قد صدر حين منحت. وتشرشل نفسه لم يتوانَ دائماً عن القول إن كل ما منحه له ظهور الكتاب، إنما كان ثروة مالية وقته الجوع وأغنته عن معاش الدولة التقاعدي.
توثيق لا يعرف الحياد
ونعرف على أية حال أن "مذكرات حول الحرب العالمية الثانية" هي مذكرات تشرشل عن زمن الحرب، توثق تاريخ الحرب العالمية الثانية، من بدايتها وحتى يوليو (تموز) 1945. وهو على أية حال سفر في كتابة التاريخ، بصرف النظر عن شكوكنا بصدد صحة أو عدم صحة كل ما جاء فيه. فنحن في نهاية الأمر نترصد من خلاله مواقف وتعليقات كاتبه حول مرحلة كان لاعباً أساساً فيها، ونرتاح إلى ذلك ولا سيما بعدما نتيقن بصدد ما جاء في أول هذا الكلام من "تبرئة" لجنة نوبل من التبجيل الذي نسب إليها بموضوع هذا الكتاب. والكتاب على أية حال عمل جبار من الناحية الكمية وجريء من ناحية الطروحات. ولئن كنا سنعود إلى هذه الطروحات في الجزء الأخير من كلامنا هذا، نتوقف هنا عند بعده الكمي، حيث نجده موزعاً على ألوف الصفحات التي توفر متعة قراءة مدهشة، وتوغلاً محموداً في جوانية كاتبه.
مراحل التاريخ في عناوين
فالكتاب يتألف في نهاية الأمر من ستة مجلدات لكل منها ضخامته الخاصة، إذ يتألف بدوره من قسمين. ما يعني أننا في النهاية أمام 12 كتاباً متكاملاً، حيث في المجلد الأول "العاصفة تقترب" يمهد الكاتب في الكتاب الأول "من حرب إلى أخرى" للحديث عن الحرب الثانية من خلال تأريخ للسنوات الفاصلة بين الحربين من 1919 إلى 1939 ليتلو ذلك كتاب ثانٍ عنوانه "حول حرب غريبة" يتركز على بدايات الحرب الثانية والهزيمة الفرنسية بين صيف عام 1939 وربيع تاليه. وفي المجلد الثاني بعنوان "الزمن المأسوي" يتناول الكاتب المؤرخ الأشهر الحاسمة والفاصلة بين ربيع وخريف عام 1940 نفسه ليحدثنا في كتابي هذا القسم، "معركة فرنسا" و"إنجلترا وحيدة"، عن أحداث كان هو لاعباً أساساً فيها في مواجهة الجبروت الألماني الهتلري. غير أنه في المجلد الثالث وكما يدل عنوانه، "التحالف الكبير"، لن يبقى هو أو بلده وحيدين في المعمعة، بعدما غزا النازيون روسيا، في الكتاب الأول، ودخلت الولايات المتحدة الحرب في الكتاب الثاني، ليشتد أوار الحرب وتبلغ ذروتها عند بدايات عام 1942. وهو ما ينتقل بنا إلى المجلد الرابع من الكتاب وعنوانه "الدائرة تدور"، وهو بدوره ينقسم إلى كتابين يتناول أولهما "الهجمة اليابانية"، إذ يتابع خاصة أحداث الشرق الأقصى بين أوائل 1942 ومنتصف صيف العام نفسه، فيما يتناول الثاني بعنوان "إنقاذ أفريقيا" أحداث الحرب الأقرب إلى أوروبا، والتي بدأت مع صيف 1942 وتواصلت حتى بدايات صيف العام التالي.
زمن الحسم
وفي المجلد الخامس وتحت عنوان عام هو "الكماشة تشتد" يتناول تشرشل أحداث بدء نهايات الحرب من خلال كتابين يعنون أولهما "إيطاليا تستسلم"، وفيه متابعة لأحداث تلك الفترة المفصلية الواقعة بين بين يونيو (حزيران) وأواسط نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 1943. وهي الحقبة التي في الواقع التاريخي كما في كتاب تشرشل، ستكون حاسمة بالنسبة إلى الحرب العالمية الثانية ولكن ليس بالنسبة إلى الإنسانية بعد. فبالنسبة إلى هذه الأخيرة سيحدثنا الكتاب الثاني من هذا المجلد عن البعد الذي بدأ يتحول إلى بعد سياسي تحت عنوان "من طهران إلى روما" ويشمل الفترة الفاصلة بين أواخر وبدايات صيف 1944، وهو ما يوصلنا بالطبع إلى المجلد السادس والأخير وعنوانه "انتصار ومأساة". وهو التعبير الذي يبدو تشرشل فيه وكأنه يعني به الانتصار كما يحدثنا عنه في الكتاب الأول من هذا المجلد، رابطاً الانتصار طبعاً بالإنزال الحليف في النورماندي يوم السادس من يونيو (حزيران)، بينما نراه يكرس الكتاب الأخير من المجموعة بأكملها والثاني من هذا المجلد، لـ"المأساة" التي لن نفهم أبداً ما إذا كان الحديث فيها يتناول "قنبلتي هيروشيما وناغازاكي" أم بروز ما سيكون تشرشل نفسه من يطلق عليه اسم الستار الحديدي، إشارة إلى فصل الكتلة الشرقية عن "العالم الحر" وبزوغ الاتحاد السوفياتي كـ... عدو جديد/ قديم للغرب نتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية واندحار هتلر فيها.
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دروس التاريخ
لعل أول ما يمكننا أن نلاحظه في كتاب تشرشل الضخم هذا هو الكيفية التي يلخص بها ما يعتبره درس الكتاب كما درس التاريخ: "الحزم في الحرب، والتحدي في الهزيمة، والشهامة في النصر، وحسن النية في السلام". ولقد وضع الزعيم البريطاني الكتاب مع فريق من المساعدين، مستخدماً ملاحظات كان قد دونها وربما بصورة يومية طوال سنوات الحرب، مستغلاً قدرته على الوصول إلى الوثائق الرسمية، التي وفرها له رئيس الوزراء الذي تلاه، كليمنت أتلي. وفي المقابل، راجع مسؤول كبير كتابه للتأكد من عدم إفشائه أسرار الدولة. ويخبرنا تشرشل على أية حال أنه فكر في وضع هذا الكتاب منذ بداية الحرب، قائلاً مراراً: "سأترك هذه النقطة للتاريخ ليحكم عليها... لكنني سأكون أحد مؤرخيها". ونعرف أن هذا الكتاب قد حقق، إذ نشر في البداية في طبعة من ستة مجلدات، نجاحاً تجارياً كبيراً في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
تصفية حسابات
ولكن بعد وفاة تشرشل وفتح الأرشيف، ظهرت بعض أوجه القصور في العمل. فبسبب منصبه والظروف التاريخية، لم يتمكن المؤلف من الكشف عن الأسرار العسكرية كما كان ينبغي، ولا سيما الأدوار التي لعبها خبراء فك الشفرات في بليتشلي بارك وبرنامج القنبلة الذرية. علاوة على ذلك، كان اهتمامه الأساس بالمجهود الحربي البريطاني. تم التعامل مع الجبهة السوفياتية وحرب المحيط الهادئ بتسرع نسبي. علاوة على ذلك، وعلى رغم سعي تشرشل عموماً لمعالجة القضايا بتوازن، نراه يدخل أحياناً في بعض "تصفية الحسابات"، ناهيك بأن الزعيم البريطاني، وبعد أن علم بترشح الجنرال دوايت د. أيزنهاور لرئاسة الولايات المتحدة، وأن لديه فرصة جيدة للفوز، سارع إلى مراجعة فقرات الجزء المعنون "النصر والمأساة" التي وصف فيها الصعوبات التي واجهها مع حليفه الأميركي في نهاية الحرب. وهكذا، خفف من حدة نصه الأولي خلال شتاء 1952-1953، حرصاً على عدم كتابة أي شيء قد يسيء إلى الرئيس الجديد. بالنسبة إلى تشرشل، كانت الأولوية المطلقة، حتى قبل الاهتمام بالحقيقة التاريخية، هي الحفاظ على العلاقة الخاصة التي كان ينوي إدامتها أو إعادة بنائها مع رئيس الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة هنا أيضاً إلى أن تشرشل راعى جزئياً الاحتجاجات التي رافقت نشر الكتاب في بعض البلدان. على سبيل المثال، في بلجيكا، أضاف تحية للجيش البلجيكي عام 1940 في الطبعة الثانية من المجلد الثاني (مع الحفاظ على انتقاده اللاذع للملك ليوبولد الثالث). تجدر الإشارة أيضاً إلى أن الترجمات كانت تكيف أحياناً مع الجمهور المستهدف، حرصاً على عدم الإساءة إليهم. وهكذا، أصبح العنوان الإنجليزي للكتاب الأول من المجلد الثاني، "أروع ساعاتهم: سقوط فرنسا"، في الطبعات الفرنسية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 15 ساعات
- Independent عربية
عندما يكون "نزع السلاح" بداية لسردية سياسية جديدة
يناقش في هذه الأيام، اللبنانيون والعراقيون والسوريون والفلسطينيون والسودانيون واليمنيون، موضوع نزع السلاح من أيدي المنظمات والأحزاب والميليشيات المسلحة، وحصر السلاح واستخدامه أو احتكار العنف في يد الدولة. في زيارته الأخيرة إلى لبنان، ناقش الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع المسؤولين اللبنانيين موضوع السلاح الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية وخارجها في جميع أنحاء لبنان، وطلب من الفرقاء الفلسطينيين تسليمه للدولة اللبنانية. جرت عمليات تسليم للسلاح غير الشرعي في كثير من الدول خلال القرن الـ20 وفي القرن الحالي، لكنه في الآونة الأخيرة بات مطلباً واسعاً في معظم دول المشرق العربي وفي أنحاء أخرى من العالم. ويقوم المبدأ العالمي والإنساني لعمليات تسليم السلاح من الفصائل المسلحة إلى الدولة المركزية على إعادة السلطة للدولة كجهة وحيدة تمتلك "الشرعية" لاستخدام العنف، وغالباً ما تنشأ العملية لإنهاء مرحلة عمَّ فيها العنف والفوضى بعد فقدان الدولة قرار الحرب والسلم، أو في بداية عملية تحديد العدالة الانتقالية أو المصالحة بين فرقاء متخاصمين أو متحاربين. نزع السلاح مبدأ في الدولة المركزية بعد الحرب العالمية الأولى جردت معاهدة فرساي ألمانيا من أسلحتها الثقيلة، وأُنشئت لجنة تفتيش دولية لمراقبة التنفيذ. وكانت هذه أول مرة يُنزع فيها سلاح من دولة مهزومة عقاباً لها على إشعالها الحرب. وقد كانت عمليات نزع الأسلحة من الميليشيات والثوار والمقاتلين بعد تلك الحرب أسهل بكثير من مآسي الحرب العالمية الأولى، والتي لم تؤد إلى عدم إعادة ألمانيا تسلحها لتشعل الحرب العالمية الثانية، التي انتهت بدورها بانتزاع سلاح ألمانيا واليابان بالكامل تحت إشراف الحلفاء، ثم تدميره وإلغاء الجيش برمته. إلا أن الحرب العالمية الثانية خلفت حرباً باردة بين المنتصرين وعلى رأسهم الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية. وسميت باردة لأنها خيضت بجيوش دول أخرى صغيرة وضعيفة من العالم الثالث، وأدت إلى اشتعال حروب أهلية في بلدان كثيرة، وقيام الثورات، ونشوء حروب حدودية بين دول تتبع لهذا الطرف أو ذاك، مما دفع إلى الحاجة إلى اتفاقات مختلفة لنزع سلاح الفرقاء المتحاربين بالوكالة عن العملاقين في الدول الضعيفة والمنقسمة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) ومن بين هذه الاتفاقات المعلنة، كان اتفاق الطائف المنعقد عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وقد جاء في بعض نصوصه ما ينص على تسليم السلاح وحل الميليشيات، وقد سلمت معظم الأحزاب سلاحها، باستثناء "حزب الله" الذي احتفظ به تحت راية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. وعاد موضوع نزع سلاح "حزب الله" اللبناني إلى الواجهة في هذه الآونة بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة ولبنان. وأدت هذه الحرب، من بين ما أدت إليه، إلى تدمير البنى التحتية المدنية والعسكرية للحزب، وإلحاق الضرر البالغ بقسم كبير من اللبنانيين على الصعيد الاقتصادي والصحي والاجتماعي، فارتفع الصوت المطالب بتسليم الحزب سلاحه إلى الدولة اللبنانية ليدخل في العمل السياسي المدني، ويترك موضوع حماية الحدود اللبنانية للجيش، ولا يزال تناول الموضوع لبنانياً يجري على قدم وساق. في العراق، أدى حل الجيش العراقي بعد إسقاط نظام صدام حسين إلى خلق فراغ أمني وعسكري كبير، مما فتح المجال واسعاً أمام تسلح الميليشيات السنية التي أطلقت على نفسها اسم "الصحوات"، والميليشيات الشيعية تحت اسم "الحشد الشعبي"، عدا عن تسلح قوات البشمركة الكردية. وعندما انطلقت المطالبة بنزع سلاح هذه الميليشيات وحصره بيد الدولة، دُمج بعض هذه الميليشيات رسمياً، من دون أن تحكم الدولة العراقية قبضتها فعلياً على السلاح. وكما في لبنان، لا يزال هذا الموضوع قيد النقاش والتداول في العراق بغية التوصل إلى حل نهائي يرضي جميع الفرقاء العراقيين، وتحديداً في ما يتعلق بسلاح "الحشد الشعبي"، بعد تشريع سلاح البشمركة في إطار دولة الحكم الذاتي في كردستان العراق، وتسليم "الصحوات" أسلحتهم بعد حروب كثيرة خاضها الجيش العراقي بمساندة "الحشد الشعبي" في مواجهتهم. سلاح ميليشيات ما بعد الحرب الباردة وخلال الحرب الباردة الناتجة من الحرب العالمية الثانية، جرت عمليات تسليم السلاح في فيتنام بعد انتهاء الحرب بانسحاب الجيش الأميركي وانتصار الشمال، ففُكك جيش الجنوب، وأجريت عمليات واسعة لتسليم شامل للسلاح، وأنشئت معسكرات لإعادة تأهيل أعضاء الميليشيات من الأطراف المتحاربة من أجل تنسيبهم إلى مؤسسات الدولة العسكرية. كذلك سُحب السلاح في صربيا ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا بعد تفككها واشتعال الحروب العرقية والدينية، لكن نزع سلاح المجموعات القومية لم يحدث إلا بعد حرب دخل فيها حلف الناتو والقوات الدولية التي أشرفت على عمليات تسليم السلاح. وقد رفضت بعض الفصائل تسليم سلاحها وقاومت العملية، ثم ظهرت تنظيمات مسلحة صُفيت على مدى حرب امتدت أعواماً، قادتها جيوش "الناتو" في تلك الدول الصغيرة الناشئة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلكه. وفي كرواتيا والبوسنة وكوسوفو تمت عمليات نزع سلاح تحت إشراف قوات الأمم المتحدة (UNPROFOR)، وفرض اتفاق دايتون لعام 1995 في البوسنة تفكيك القوات المسلحة لكل طرف، وجُمعت كميات هائلة من الأسلحة من الجماعات الصربية والبوسنية والكرواتية تطبيقاً للاتفاق. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ورثت دول مثل أوكرانيا وكازاخستان وبيلاروس ترسانات نووية، وهنا جرت عمليات نزع سلاح دمار شامل من أيدي حكومات لم تكن قد أنجزت بعد، واتفق عالمياً على منعها من امتلاك سلاح نووي، لذا نُقلت إلى روسيا لتفكيكها. أما في أفغانستان فقد توقف بعد انسحاب الجيش الأميركي المباغت برنامج "البدايات الجديدة" الذي أطلق عام 2003 لنزع سلاح الميليشيات ودمج المقاتلين السابقين. كانت الأمور تسير على خير ما يرام منذ طرد حركة "طالبان" من السلطة، ولكن استعادتها السلطات في الوقت الحالي بعد انسحاب الأميركيين أعادت مشكلة السلاح غير الشرعي ونزعه إلى الواجهة في تلك البلاد المنكوبة. في أفريقيا فشلت عمليات نزع السلاح في الصومال بسبب الانقسام القبلي، وكذلك بسبب تدخلات أجنبية تستفيد من وجود تلك المنظمات المسلحة، وعلى رغم نجاح عمليات نزع السلاح من الميليشيات في جمهورية أفريقيا الوسطى، فإن برامج تسريح المقاتلين لم ترافقها فرص عمل داخل بلدهم، فاضطروا إلى العمل في جيوش المرتزقة وفي المجموعات التي تؤجر المقاتلين مثل "فاغنر" و"بلاك ووتر". أما في رواندا وسيراليون وليبيريا فقد جرت عمليات لنزع سلاح الميليشيات، لكن ضعف الحكومات والجيوش النظامية، وكذلك الصراعات الإقليمية والدولية على أراضي تلك الدول، كانت دائماً تؤدي إلى ظهور جماعات مسلحة جديدة تعقد عمليات نزع السلاح التي كان من المفترض أن يشرف عليها برنامج الأمم المتحدة، بعدما انتقل هذا الملف من يد الاتحاد الأفريقي. وعمليات تسليم أو نزع السلاح لا تختصر بتسليم بندقية من هنا أو مدفع رشاش من هناك، بل هي إعلان عن نهاية سردية أو واقع سياسي معين، للدخول في بداية سردية سياسية أخرى. ولهذا فإن عمليات نزع السلاح غالباً ما تبوء بالفشل في الدول المنقسمة على نفسها، إذ لا يكون جميع الفرقاء مستعدين لطي صفحة من حياة بلادهم لبدء مرحلة جديدة. وقد يؤدي نزع السلاح في بعض الحالات إلى فراغ أمني تستغله جماعات مسلحة أخرى، كما حصل عندما حُل الجيش العراقي في أعقاب الغزو الأميركي. ويزيد عدم توفر فرص عمل للمقاتلين السابقين من احتمالية عودتهم إلى القتال، خصوصاً في الدول التي تفتقر حكوماتها إلى الموارد والقدرات اللازمة لتنفيذ برامج نزع السلاح المكلفة. الأمم المتحدة ونزع السلاح شهدت الأمم المتحدة تحولاً تدريجاً في طبيعة عملياتها في الدول الخارجة من النزاعات، منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بخاصة في ما يتعلق بدعم برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج للمقاتلين السابقين، فبعدما كانت مهام حفظ السلام تقتصر على الفصل بين الأطراف المتحاربة عبر خطوط وقف إطلاق النار، صارت تتناول الأمن وحقوق الإنسان وسيادة القانون وإجراء الانتخابات، وتحقيق الحوكمة الاقتصادية. هذه المقاربة الأوسع فرضت ضرورة التنسيق بين مختلف مكونات منظومة الأمم المتحدة، من إدارات ووكالات وصناديق وبرامج، لتفعيل استراتيجيات التعافي بعد الصراعات. وفي الأعوام الخمسة الأخيرة وحدها أدرجت بعثات حفظ السلام المتعددة الأبعاد في دول مثل بوروندي وكوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتي وليبيريا والسودان، كذلك امتد دور الأمم المتحدة في هذا المجال ليشمل سياقات خارجة عن حفظ السلام التقليدي، منها أفغانستان وآتشيه في إندونيسيا، وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر والصومال وأوغندا وجزر سليمان، وفي مارس (آذار) 2005 توسعت مجموعة العمل المشتركة لتضم 15 كياناً أممياً.


الأمناء
منذ يوم واحد
- الأمناء
في خصوصية الهوية الجنوبية وآليات اليمننة.. قراءة في دراسة المحامي علي هيثم الغريب: الجنوب العربي مرجعية الأرض والهوية والتاريخ
يُعدُّ المحامي علي هيثم الغريب من أبرز الذين تناولوا موضوع الهوية الجنوبية ومحاولات اليمننة التي تعرض لها، وذلك في مقالة بحثية مهمة نشرها أول مرة في صحيفة (عدن الغد)، في مطلع سنة 2014، ثم في مجلة (فنار عدن الثقافية)، الصادرة عن اتحاد أدباء وكتاب الجنوب، وذلك بعنوان (الجنوب العربي مرجعية الأرض والهوية والتاريخ). في مستهل بحثه يعرّف علي هيثم الغريب الهوية على النحو الآتي: "الهوية امتداد للتاريخ والحضارة، وهي قيم وخصائص تمر في تفاعل ونمو وازدهار في إطار الجغرافيا الواحدة. والهوية تُعرَّف أيضا باعتبارها شعوراً جمعيًّا لأمةٍ أو لشعبٍ ما، يرتبط ببعضهِ مصيراً ووجوداً، حيث تشكل الهوية مجموع السمات الروحية والفكرية والعاطفية الخاصة التي تميز مجتمعاً بعينه، وطرائق الحياة ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات وطرائق الإنتاج الاقتصادي والثقافي". وفيما يتعل بخصوصية هوية الجنوب العربي كتب المحامي علي هيثم الغريب "كان الجنوب العربي قبل أن تحتله القوات العسكرية البريطانية في بداية عام 1839 مقسماً من الناحية الإدارية بين سلطنات ومشيخات؛ شأنه شأن الدول العربية كافة. حيث كانت تلك السلطنات والمشيخات تعيش داخل جغرافيا واحدة إدارةً وحدوداً وتاريخاً، ومستقلة عن محيطها العربي عموماً واليمني خصوصاً، شأنها في ذلك شأن محيطها العربي (عمان والسعودية واليمن والإمارات والكويت وقطر والبحرين)." ويؤكد الغريب "أن هوية الجنوب العربي ارتبطت بالجغرافيا والأرض والتاريخ والمذهب الواحد الذي عرفه الجنوب منذ الأحباش والفرس والرومان والهولنديين، ومروراً بثوراته المعروفة في القرن العشرين ضد الاستعمار البريطاني، وانتهاءً بأهم إنجاز للثورة الجنوبية المعاصرة في ستينيات القرن ذاته عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سبعة قرارات دولية باسم الجنوب العربي (1963-1967م)". ويذكّرنا الغريب بالهجمات التي تعرض الجنوب العربي على مدى التاريخ لاحتلاله ومسخ هويته الجغرافية والثقافية. ومن تلك الهجمات "الغزوات التي تعرض لها من طرف جارته (الدولة القاسمية) قبل 500 عام، وهو مشروع استهدفه في وجوده الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي الحضاري والإنساني بشكل عام". ويرى الغريب أن "الوجود الواقعي لهوية الجنوب العربي يواجه إرادة المشروع اليمني الذي أراد أن يجعل من الجنوب وطناً بدون هوية ليتم تسليمه لهوية افتراضية ليس لها تاريخ، هي اليمن التي تأسست كدولة عام 1918/ 1922. والهوية اليمنية ما كان يمكن أن يحتاجها الشعب اليمني عام 1922 لولا خروج الأتراك بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية 1918م، التي استدعت مثل هذه الهوية لإنقاذ اليمن من الحروب المذهبية والتمزق القبلي. وقامت اليمن بحدود تلك الدولة، ورسمت مع الجنوب العربي حدودها الدولية، ووقعت مع سلاطين الجنوب عليها، مثلما وقعت مع المملكة العربية ترسيم الحدود عام 1934". ثمّ يتناول المحامي الغريب الآليات التي اتبعها اليمنيون ليمننة الجنوب العرب قبيل وبعد رحيل البريطانيين في 30 نوفمبر 1967، حيث يكتب "شارك اليمنيون الذين جاؤوا بعد الاستقلال (30 نوفمبر 1967م) بنشاط في مختلف الأحزاب والجمعيات النقابات العمالية في عدن؛ التي تشكلت في فترات التحرر الوطني من الاستعمار البريطاني، وتبنوا أفكارها القومية والأممية غير الإصلاحية، وشعورهم بالانتماء لليمن انطبع بطابع خاص، طابع الانتماء إلى أرض ووطن محددين هو اليمن". ويربط الغريب إحدى آليات اليمننة، التي برزت تسمية الدولة الوليدة التي حلت محل حكومة اتحاد الجنوب العربي في 30 نوفمبر 1967 بتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني سنة 1978 قائلا: "تركت مسألة التنازل عن الهوية الجنوبية في تسمية الدولة الجنوبية الوليدة آثاراً قوية على الحركة الوطنية الجنوبية، وأشعرتها بعزلتها وسهل إضعافها أو التخلص منها. وأهم هذه الصدمات: التخلص من اسم "الجنوبية" (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) بعد الانقلاب على الرئيسين قحطان الشعبي وسالم ربيع علي، وانهيار الحكم الجنوبي الذي كان يجسد من خلال سلاطين الجنوب ومشايخه وأحزابه وتنظيماته السياسية التي لم تستطع الصمود أمام المد القومي والأممي في الجنوب. في تلك الظروف، انعقد المؤتمر التأسيسي للحزب الاشتراكي اليمني عام 1978م، ولأول مرة لم يشر المؤتمر إلى الهوية الجنوبية، كما طالب بالوحدة مع اليمن، بل دعا هذا المؤتمر لأول مرة إلى "تشكيل حكومة يمنية في الجنوب"؛ ولذلك فإنه بالإمكان اعتبار هذا المؤتمر نقطة الانطلاق العملية ليمننة الجنوب العربي". كما يرى الغريب أن تفاعل بعض الأصوات الخارجية مع تيار يمننة الجنوب العربي يرتبط في الحقيقة بتأييدها للأفكار القومية أو تخوفها منها، قهو يكتب: "مما لا شك فيه أن هوية (اليمننة) في الجنوب قد نشأت وتبلورت بفعل تفاعل عوامل خارجية، وتفاعلها مع عوامل داخلية، خاصة الهويات المضادة. وفي هذا الإطار. وكان تيار "اليمننة" ينطلق من نفس الأفكار القومية، ولكنه يصل إلى نتائج مختلفة معها؛ فكان يرى – انطلاقًا من أن اليمن مدعومة من الدول العربية والغربية - أن بقاء الجنوب جزءاً من اليمن سيجعل من المعقول الضغط من أجل نشر الثورة في الجزيرة العربية". ولكن اليمن (الجمهورية العربية اليمنية) ظلت محتفظة بهويتها ورافضة أن تعطي الجنوبيين العائشين في صنعاء وثيقة يمنية، أيام الحكم الملكي كان يطبع على جواز سفر المواطن الجنوبي ختم خاص بالجنوبيين (حامل هذا الجواز من أبناء الجنوب العربي)، وبعد ثورة سبتمبر 1962م كان نظام الجمهورية العربية اليمنية يمنح المواطن الجنوبي هوية "جنوبي مقيم". وظلت تلك الوثائق تستعمل في التعامل مع المواطنين الجنوبيين لتعني غير اليمنيين إلى عام 1990". ويرى الغريب أن الحراك الجنوبي يعدُّ تجسيدا حقيقيا لإرادة أبناء الجنوب في استعادة هويتهم، فهو قد شكل أول مسمار في نعش تيار اليمننة، ويضيف: "صار تيار اليمننة بعد انطلاقة الحراك الجنوبي السلمي في أضعف أحواله، وتراجعت برامجه السياسية الحزبية في الجنوب، لتستقر إما في سياسات نظام الاحتلال أو في سياسات أحزاب اللقاء المشترك اليمنية - وليس الجنوبية - فلم تكن هنالك مجابهة هامة بين الجنوبيين لشعارات الهوية الجنوبية، لا على الصعيد العملي، ولا حتى على الصعيد النظري أو السياسي. بل إن العديد من الحزبيين الجنوبيين المشهود لهم بوطنيتهم قد استجابوا للأمر الواقع، وانغمسوا فيه، واجتهدوا في تطويره ودفعه إلى الأمام. ويدل ذلك على ضبابية الوعي لدى أغلب المناضلين الجنوبيين، سواء كانوا حزبيين أو غير حزبيين، الذين لم تكن نضالاتهم السابقة متعارضة، بل كانت متقاطعة أحياناً ومترابطة أحياناً أخرى، مع النضالات القومية، إضافة إلى أنهم لم يمارسوا حكم أنفسهم بأنفسهم؛ ولذلك عندما احتل الجنوب عام 1994م من قبل اليمن، وعندما اشتدت وتيرة الحراك الثوري التحرري، كان - من جهة - يساورهم الشعور بأنهم يتنازلون عن حكم الحزب الاشتراكي للجنوب، و - من جهة أخرى - يساورهم شعور آخر بأن هويتهم وكيانهم فعلاً منفصل عن اليمن، وبالرغبة في الاستقلال، هوية لها عمقها التراثي، وامتيازاتها التاريخية، المادية منها والروحية". واختتم المحامي علي هيثم الغريب مقالته البحثية بالتمييز بين ثلاثة عوامل ساعدت على صمود مقاومة أبناء الجنوب التيار اليمننة ومحاولات دفن الهوين الجنوبية، حيث كتب: "رغم محاولات دفن الهوية الجنوبية خلال نصف قرن من الزمن، وهذا الركام فوقها، فإن وعي الجنوبيين بهويتهم الجنوبية لم يمت. وقد ساعد على بقاء هذا الوعي حيًّا ثلاثة مكونات: المكون الأول: التمييز وسوء المعاملة التي لقيها الجنوبيون النازحون إلى اليمن بحكم الصراعات الأيديولوجية في الجنوب، حيث كان الجنوبيون هم أكثر عرضة للتمييز. فقد كانوا، من الناحية القانونية، جنوبيين لهم كل حقوق الأجنبي، لا يحق لهم التوظيف في كل المجالات، وبخاصة في الجيش والأمن. لكن التمييز ضد الجنوبيين في صنعاء لم يدفعهم باتجاه البحث عن مدلولات سياسية يمنية، بل ظلوا متمسكين بتكويناتهم السياسية الجنوبية، وإحساسهم بجنوبيتهم، بل لم يطلبهم أحد من الحركات السياسية المعارضة للنظام في صنعاء، بل حددت لهم أماكن خاصة للعيش. المكوّن الثاني: بقاء وتنامي وعي الجنوبيين بأهمية التمسك بهويتهم عبر انتشار الوعي العام بين الجنوبيين. فالجنوبيون الذين فقدوا أملاكهم في الجنوب جراء السياسات الخاطئة، وفقدوا وظائفهم جراء الصراعات السياسية، لم يبق أمامهم إلا الغربة لكسب العيش. وهناك، ومن خلال العمل وانفتاح آفاقهم، والتقاء الجنوبيين من كافة مناطق الجنوب، بل ومن كثير من البلدان الأجنبية معاً في مؤسسة اقتصادية واحدة، وفي تعاون واحد، تعزز وعيهم بجنوبيتهم، رغم اختلاف البيئات التي يعيشون فيها. المكوّن الثالث: مواجهة الاحتلال اليمني بعد حرب 1994م، حيث إن احتلال اليمن للجنوب أنعش وعي الجنوبيين جميعاً بهويتهم الواحدة. وحتى الذين شاركوا بتسليم الجنوب عام 1990م أو الذين اشتركوا بحرب 1994م والذين قاسوا من حرب الإخوة في الجنوب طوال أعوام ما قبل إعلان مشروع الوحدة، اقتضت الضرورة مراجعة شاملة للماضي، حيث وجد الجنوبيون أنفسهم أمام عدوهم التاريخي وجهاً لوجه، يتعرضون للقتل والتدمير والانتقام الجماعي. وجاء التسامح والتصالح في 13 يناير 2006م في عدن تتويجاً لهذه المراجعة التاريخية، وأن الاحتلال اليمني يفرض عليهم المواجهة الجماعية. ونستطيع القول إن السنوات الأولى للحراك الجنوبي السلمي شهدت الإرهاصات الجدية الأولى لاستعادة الهوية الجنوبية، حيث بقيت فروع الأحزاب اليمنية في الجنوب متمسكة بالهوية اليمنية، وبعدد من الظواهر السياسية والمطالب الخاصة بها. وظلت اليمننة عائقًا أمام وحدة مكونات الحراك الثوري الجنوبي، التي عبرت عن نفسها عبر مؤسسات الاحتلال المختلفة والأحزاب اليمنية، ومع تصاعد الحراك الثوري استمر بعض تلك الفروع الحزبية في الجنوب، وعجز بعضها الآخر عن الاستمرار، وأصبح جزءاً من التاريخ. وإذا كانت الهوية الوطنية لمعظم الشعوب تبلورت على شكل دول؛ مثل ما هي عليه الحال في الدول العربية الحديثة، فإن الهوية الجنوبية تبلورت على شكل تاريخ كهوية عربية، ومقاومة مناضلة للغزاة الأجانب لإثبات الوجود في مواجهة إرادة الاجتثاث والنفي، مما يجعل منها هوية عربية أصيلة ونضالية في جوهرها. ولذلك كان التعبير الأقوى عن الهوية الوطنية الجنوبية منذ الغزوات البرتغالية والقاسمية، وضد الاستعمار البريطاني. وكانت أقوى تعبير عن الهوية؛ إلا أن الأفكار القومية والأممية قاومتها بشكل مطلق، وشككت بتعبيرها عن الهوية الجنوبية. أما بقية القوى السياسية الجنوبية التي كانت قائمة في ستينيات القرن الماضي، وإن أجمعت على ضرورة التمسك بالهوية الجنوبية؛ وتعارضت في الرؤية فيما بينها حول العديد من المسائل، ومنها شكل النظام السياسي واسم الدولة، فإنها لم تختلف على الهوية والكيان الجنوبي مهما اختلفت تسمياته. إن الشخصية الجنوبية أصبحت ضرورة دبلوماسية لمساعدة المجهود النضالي الدبلوماسي في المجالات الدولية، وأي خروج على مفهوم الهوية يعني بعثرة للجهد وتعطيلاً للوحدة الوطنية الجنوبية".

سعورس
منذ 2 أيام
- سعورس
جامعة هارفرد تقاضي ترامب بعد إلغائه حقها في تسجيل الطلاب الأجانب
وجاء في ملف الدعوى المرفوعة أمام المحكمة الفدرالية في ولاية ماساتشوستس أن "هذه هي أحدث خطوة تتخذها الحكومة في انتقام واضح من ممارسة هارفرد لحقوقها التي يكفلها لها التعديل الأول لرفض مطالب الحكومة بالسيطرة على إدارة هارفرد ومنهجها الدراسي و+أيديولوجيا+ هيئة التدريس والطلاب". لا يخفي ترامب غضبه إزاء جامعة هارفرد التي تخرج منها 162 من حائزي جائزة نوبل، وذلك لرفضها طلبه الخضوع للرقابة على القبول والتوظيف بعدما اتهمها بأنها معقل لمعاداة السامية و"أيديولوجيا اليقظة" (ووك). ستكون خسارة الطلاب الأجانب الذي يشكلون أكثر من ربع طلابها مكلفة لجامعة هارفرد التي تتقاضى من كل منهم عشرات الآلاف من الدولارات سنويا في شكل رسوم دراسية. وجاء في رسالة وجّهتها وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم إلى رابطة "آيفي ليغ" التي تضم ثماني من أشهر جامعات البلاد "بمفعول فوري، تم إبطال الترخيص الممنوح لبرنامج الطلاب وتبادل الزوار الأجانب في جامعة هارفرد"، في إشارة إلى النظام الرئيسي الذي يُسمح بموجبه للطلاب الأجانب بالدراسة في الولايات المتحدة. وقالت نويم في بيان منفصل إن "هذه الإدارة تحمّل هارفرد مسؤولية تعزيز العنف ومعاداة السامية والتنسيق مع الحزب الشيوعي الصيني في حرمها الجامعي". يشكل الطلاب الصينيون أكثر من خمس إجمالي عدد الطلاب الدوليين المسجلين في هارفرد، وفقا لأرقام الجامعة، وقالت بكين إن القرار "لن يؤدي إلا إلى الإضرار بصورة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية". وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ "لطالما عارض الجانب الصيني تسييس التعاون التعليمي". بدورها، انتقدت وزيرة البحث العلمي الألمانية دوروثي بير الجمعة قرار الحكومة الأميركية، وقالت خلال اجتماع مع نظرائها الأوروبيين في بروكسل"إنه قرار سيّئ للغاية. آمل بأن يتم إلغاؤه". * "أضرار جسيمة" - وأكد رئيس هارفرد آلان غاربر في بيان الجمعة "ندين هذا الإجراء غير القانوني وغير المبرر. إنه يعرّض مستقبل آلاف الطلاب والباحثين في هارفارد للخطر، ويعد بمثابة تحذير لعدد لا يحصى من الطلاب في الكليات والجامعات في جميع أنحاء البلاد ممن قدموا إلى أميركا لمتابعة تعليمهم وتحقيق أحلامهم". وتابع "لقد قدمنا شكوى وسيليها طلب لإصدار أمر تقييدي مؤقت". وقال كارل مولدن، وهو طالب دولي من النمسا ، إنه تقدم بطلب للدراسة في أكسفورد في بريطانيا لأنه كان يخشى مثل هذه الإجراءات. وأضاف الطالب البالغ 21 عاما لوكالة فرانس برس "إنه أمر مخيف ومحزن"، واصفا قبوله في هارفرد بأنه "أعظم امتياز" في حياته. وتابع مولدن "من المؤكد أن هذا سيغير تصور الطلاب الذين قد يفكرون في الدراسة هناك، فالولايات المتحدة أصبحت أقل جاذبية للتعليم العالي". ووصف قادة فرع هارفرد في الجمعية الأميركية لأساتذة الجامعات القرار بأنه "الأحدث في سلسلة من التحركات السلطوية والانتقامية ضد أقدم مؤسسة للتعليم العالي في أميركا". * "حالة ذعر" - في الشهر الماضي، هدد ترامب بمنع هارفرد من قبول الطلاب الأجانب إذا لم توافق على مطالب حكومية من شأنها وضع المؤسسة المستقلة تحت إشراف سياسي خارجي. وكتبت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم في بيانها "كما شرحت لكم في رسالتي في نيسان/أبريل، فإن تسجيل الطلاب الأجانب هو امتياز". وشدّدت الوزيرة على "وجوب أن تمتثل كل الجامعات لمتطلبات وزارة الأمن الداخلي، بما فيها متطلبات الإبلاغ بموجب أنظمة برنامج الطلاب والزائرين، للاحتفاظ بهذا الامتياز". شكّل الطلاب الأجانب أكثر من 27 في المئة من المسجّلين في هارفرد في العام الدراسي 2024-2025، وفق بيانات الجامعة. وقالت الطالبة الأميركية أليس غوير لوكالة فرانس برس "لا أحد يعرف" ما يعنيه هذا الإجراء بالنسبة إلى الطلاب الدوليين المسجلين. وأضافت "لقد بلغنا الخبر للتو، لذلك كنت أتلقى رسائل نصية من الكثير من الأصدقاء الدوليين، وأعتقد أن لا أحد يعرف" مدى تأثيره. وتابعت "الجميع في حالة ذعر".