logo
عندما يكون "نزع السلاح" بداية لسردية سياسية جديدة

عندما يكون "نزع السلاح" بداية لسردية سياسية جديدة

Independent عربيةمنذ 2 أيام

يناقش في هذه الأيام، اللبنانيون والعراقيون والسوريون والفلسطينيون والسودانيون واليمنيون، موضوع نزع السلاح من أيدي المنظمات والأحزاب والميليشيات المسلحة، وحصر السلاح واستخدامه أو احتكار العنف في يد الدولة.
في زيارته الأخيرة إلى لبنان، ناقش الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع المسؤولين اللبنانيين موضوع السلاح الفلسطيني في المخيمات الفلسطينية وخارجها في جميع أنحاء لبنان، وطلب من الفرقاء الفلسطينيين تسليمه للدولة اللبنانية.
جرت عمليات تسليم للسلاح غير الشرعي في كثير من الدول خلال القرن الـ20 وفي القرن الحالي، لكنه في الآونة الأخيرة بات مطلباً واسعاً في معظم دول المشرق العربي وفي أنحاء أخرى من العالم.
ويقوم المبدأ العالمي والإنساني لعمليات تسليم السلاح من الفصائل المسلحة إلى الدولة المركزية على إعادة السلطة للدولة كجهة وحيدة تمتلك "الشرعية" لاستخدام العنف، وغالباً ما تنشأ العملية لإنهاء مرحلة عمَّ فيها العنف والفوضى بعد فقدان الدولة قرار الحرب والسلم، أو في بداية عملية تحديد العدالة الانتقالية أو المصالحة بين فرقاء متخاصمين أو متحاربين.
نزع السلاح مبدأ في الدولة المركزية
بعد الحرب العالمية الأولى جردت معاهدة فرساي ألمانيا من أسلحتها الثقيلة، وأُنشئت لجنة تفتيش دولية لمراقبة التنفيذ. وكانت هذه أول مرة يُنزع فيها سلاح من دولة مهزومة عقاباً لها على إشعالها الحرب. وقد كانت عمليات نزع الأسلحة من الميليشيات والثوار والمقاتلين بعد تلك الحرب أسهل بكثير من مآسي الحرب العالمية الأولى، والتي لم تؤد إلى عدم إعادة ألمانيا تسلحها لتشعل الحرب العالمية الثانية، التي انتهت بدورها بانتزاع سلاح ألمانيا واليابان بالكامل تحت إشراف الحلفاء، ثم تدميره وإلغاء الجيش برمته.
إلا أن الحرب العالمية الثانية خلفت حرباً باردة بين المنتصرين وعلى رأسهم الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية. وسميت باردة لأنها خيضت بجيوش دول أخرى صغيرة وضعيفة من العالم الثالث، وأدت إلى اشتعال حروب أهلية في بلدان كثيرة، وقيام الثورات، ونشوء حروب حدودية بين دول تتبع لهذا الطرف أو ذاك، مما دفع إلى الحاجة إلى اتفاقات مختلفة لنزع سلاح الفرقاء المتحاربين بالوكالة عن العملاقين في الدول الضعيفة والمنقسمة.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن بين هذه الاتفاقات المعلنة، كان اتفاق الطائف المنعقد عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، وقد جاء في بعض نصوصه ما ينص على تسليم السلاح وحل الميليشيات، وقد سلمت معظم الأحزاب سلاحها، باستثناء "حزب الله" الذي احتفظ به تحت راية مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان.
وعاد موضوع نزع سلاح "حزب الله" اللبناني إلى الواجهة في هذه الآونة بعد الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة ولبنان. وأدت هذه الحرب، من بين ما أدت إليه، إلى تدمير البنى التحتية المدنية والعسكرية للحزب، وإلحاق الضرر البالغ بقسم كبير من اللبنانيين على الصعيد الاقتصادي والصحي والاجتماعي، فارتفع الصوت المطالب بتسليم الحزب سلاحه إلى الدولة اللبنانية ليدخل في العمل السياسي المدني، ويترك موضوع حماية الحدود اللبنانية للجيش، ولا يزال تناول الموضوع لبنانياً يجري على قدم وساق.
في العراق، أدى حل الجيش العراقي بعد إسقاط نظام صدام حسين إلى خلق فراغ أمني وعسكري كبير، مما فتح المجال واسعاً أمام تسلح الميليشيات السنية التي أطلقت على نفسها اسم "الصحوات"، والميليشيات الشيعية تحت اسم "الحشد الشعبي"، عدا عن تسلح قوات البشمركة الكردية. وعندما انطلقت المطالبة بنزع سلاح هذه الميليشيات وحصره بيد الدولة، دُمج بعض هذه الميليشيات رسمياً، من دون أن تحكم الدولة العراقية قبضتها فعلياً على السلاح.
وكما في لبنان، لا يزال هذا الموضوع قيد النقاش والتداول في العراق بغية التوصل إلى حل نهائي يرضي جميع الفرقاء العراقيين، وتحديداً في ما يتعلق بسلاح "الحشد الشعبي"، بعد تشريع سلاح البشمركة في إطار دولة الحكم الذاتي في كردستان العراق، وتسليم "الصحوات" أسلحتهم بعد حروب كثيرة خاضها الجيش العراقي بمساندة "الحشد الشعبي" في مواجهتهم.
سلاح ميليشيات ما بعد الحرب الباردة
وخلال الحرب الباردة الناتجة من الحرب العالمية الثانية، جرت عمليات تسليم السلاح في فيتنام بعد انتهاء الحرب بانسحاب الجيش الأميركي وانتصار الشمال، ففُكك جيش الجنوب، وأجريت عمليات واسعة لتسليم شامل للسلاح، وأنشئت معسكرات لإعادة تأهيل أعضاء الميليشيات من الأطراف المتحاربة من أجل تنسيبهم إلى مؤسسات الدولة العسكرية.
كذلك سُحب السلاح في صربيا ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا بعد تفككها واشتعال الحروب العرقية والدينية، لكن نزع سلاح المجموعات القومية لم يحدث إلا بعد حرب دخل فيها حلف الناتو والقوات الدولية التي أشرفت على عمليات تسليم السلاح. وقد رفضت بعض الفصائل تسليم سلاحها وقاومت العملية، ثم ظهرت تنظيمات مسلحة صُفيت على مدى حرب امتدت أعواماً، قادتها جيوش "الناتو" في تلك الدول الصغيرة الناشئة بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ودول أوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلكه.
وفي كرواتيا والبوسنة وكوسوفو تمت عمليات نزع سلاح تحت إشراف قوات الأمم المتحدة (UNPROFOR)، وفرض اتفاق دايتون لعام 1995 في البوسنة تفكيك القوات المسلحة لكل طرف، وجُمعت كميات هائلة من الأسلحة من الجماعات الصربية والبوسنية والكرواتية تطبيقاً للاتفاق.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ورثت دول مثل أوكرانيا وكازاخستان وبيلاروس ترسانات نووية، وهنا جرت عمليات نزع سلاح دمار شامل من أيدي حكومات لم تكن قد أنجزت بعد، واتفق عالمياً على منعها من امتلاك سلاح نووي، لذا نُقلت إلى روسيا لتفكيكها.
أما في أفغانستان فقد توقف بعد انسحاب الجيش الأميركي المباغت برنامج "البدايات الجديدة" الذي أطلق عام 2003 لنزع سلاح الميليشيات ودمج المقاتلين السابقين. كانت الأمور تسير على خير ما يرام منذ طرد حركة "طالبان" من السلطة، ولكن استعادتها السلطات في الوقت الحالي بعد انسحاب الأميركيين أعادت مشكلة السلاح غير الشرعي ونزعه إلى الواجهة في تلك البلاد المنكوبة.
في أفريقيا فشلت عمليات نزع السلاح في الصومال بسبب الانقسام القبلي، وكذلك بسبب تدخلات أجنبية تستفيد من وجود تلك المنظمات المسلحة، وعلى رغم نجاح عمليات نزع السلاح من الميليشيات في جمهورية أفريقيا الوسطى، فإن برامج تسريح المقاتلين لم ترافقها فرص عمل داخل بلدهم، فاضطروا إلى العمل في جيوش المرتزقة وفي المجموعات التي تؤجر المقاتلين مثل "فاغنر" و"بلاك ووتر".
أما في رواندا وسيراليون وليبيريا فقد جرت عمليات لنزع سلاح الميليشيات، لكن ضعف الحكومات والجيوش النظامية، وكذلك الصراعات الإقليمية والدولية على أراضي تلك الدول، كانت دائماً تؤدي إلى ظهور جماعات مسلحة جديدة تعقد عمليات نزع السلاح التي كان من المفترض أن يشرف عليها برنامج الأمم المتحدة، بعدما انتقل هذا الملف من يد الاتحاد الأفريقي.
وعمليات تسليم أو نزع السلاح لا تختصر بتسليم بندقية من هنا أو مدفع رشاش من هناك، بل هي إعلان عن نهاية سردية أو واقع سياسي معين، للدخول في بداية سردية سياسية أخرى. ولهذا فإن عمليات نزع السلاح غالباً ما تبوء بالفشل في الدول المنقسمة على نفسها، إذ لا يكون جميع الفرقاء مستعدين لطي صفحة من حياة بلادهم لبدء مرحلة جديدة.
وقد يؤدي نزع السلاح في بعض الحالات إلى فراغ أمني تستغله جماعات مسلحة أخرى، كما حصل عندما حُل الجيش العراقي في أعقاب الغزو الأميركي.
ويزيد عدم توفر فرص عمل للمقاتلين السابقين من احتمالية عودتهم إلى القتال، خصوصاً في الدول التي تفتقر حكوماتها إلى الموارد والقدرات اللازمة لتنفيذ برامج نزع السلاح المكلفة.
الأمم المتحدة ونزع السلاح
شهدت الأمم المتحدة تحولاً تدريجاً في طبيعة عملياتها في الدول الخارجة من النزاعات، منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، بخاصة في ما يتعلق بدعم برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج للمقاتلين السابقين، فبعدما كانت مهام حفظ السلام تقتصر على الفصل بين الأطراف المتحاربة عبر خطوط وقف إطلاق النار، صارت تتناول الأمن وحقوق الإنسان وسيادة القانون وإجراء الانتخابات، وتحقيق الحوكمة الاقتصادية.
هذه المقاربة الأوسع فرضت ضرورة التنسيق بين مختلف مكونات منظومة الأمم المتحدة، من إدارات ووكالات وصناديق وبرامج، لتفعيل استراتيجيات التعافي بعد الصراعات. وفي الأعوام الخمسة الأخيرة وحدها أدرجت بعثات حفظ السلام المتعددة الأبعاد في دول مثل بوروندي وكوت ديفوار وجمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتي وليبيريا والسودان، كذلك امتد دور الأمم المتحدة في هذا المجال ليشمل سياقات خارجة عن حفظ السلام التقليدي، منها أفغانستان وآتشيه في إندونيسيا، وجمهورية أفريقيا الوسطى والنيجر والصومال وأوغندا وجزر سليمان، وفي مارس (آذار) 2005 توسعت مجموعة العمل المشتركة لتضم 15 كياناً أممياً.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الحكومة اليمنية : مشروع الحو/ثي لم يعد قابلًا للاستمرار وكل المعطيات تشير إلى قرب سقوطه في اليمن
الحكومة اليمنية : مشروع الحو/ثي لم يعد قابلًا للاستمرار وكل المعطيات تشير إلى قرب سقوطه في اليمن

الأمناء

timeمنذ 4 ساعات

  • الأمناء

الحكومة اليمنية : مشروع الحو/ثي لم يعد قابلًا للاستمرار وكل المعطيات تشير إلى قرب سقوطه في اليمن

قال وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني، إن المعطيات الإقليمية والدولية الراهنة تشير إلى قرب سقوط المشروع الإيراني في المنطقة، وعلى رأسه ميليشيا الحوثي، مشددًا على ضرورة أن يوحد اليمنيون صفوفهم ويتجاوزوا خلافاتهم في هذه المرحلة الحاسمة. وأكد الإرياني، في تصريح مساء اليوم السبت إن مشروع ميليشيا الحوثي لم يعد قابلًا للاستمرار، ولا يمكن له الصمود في وجه عزيمة اليمنيين، وتغير المعادلات الدولية والإقليمية"، معتبرًا أن المتغيرات الجارية "ليست مجرد أحداث عابرة، بل إشارات واضحة على قرب سقوط المشروع الإيراني بكل أذرعه. وأوضح الوزير أن النظام الإيراني يمر بمرحلة انهيار شاملة، "محاصر ومنهك، ويعاني من وضع اقتصادي وسياسي خانق، ويواجه ضغوطًا متزايدة تجبره على التفاوض لتفكيك برنامجه النووي وقدراته الصاروخية". كما استعرض الإرياني وضع حلفاء طهران في المنطقة، مؤكدًا أن ميليشيا حزب الله أصبحت "تفاوض اليوم للاحتفاظ بسلاحها الشخصي فقط، بعد أن فقدت غطاءها الشعبي والسياسي، وباتت عبئًا على لبنان والعالم". وأن النظام السابق والميليشيات الإيرانية في سوريا "انتهت إلى غير رجعة، بعد أن كانت بوابة عبور الحوثيين إلى طهران". وأشار إلى أن ميليشيا الحشد الشعبي في العراق، "التي تمول الحوثيين بمائة مليون دولار سنويًا وتحتضن قياداتهم"، باتت "تحت المجهر والضغط الدولي، وعلى وشك الدخول في قائمة الإرهاب الدولية". وفيما يخص ميليشيا الحوثي، أكد الإرياني أنها تسير نحو مصير مشابه، موضحًا أنها تواجه "عقوبات دولية، وعزلة تامة، وسخطًا شعبيًا"، ومشيرًا إلى أن مصيرها المحتوم أصبح أقرب من أي وقت مضى، مضيفًا: "لن تنقذها لا شعاراتها، ولا أكاذيبها، ولا دعم أسيادها في طهران". ودعا وزير الإعلام اليمني جميع أبناء الشعب إلى "تجاوز الخلافات التي تمثل مصدر قوة الحوثي"، والتعويل على "وحدة الصف الوطني، والجيش، والقيادة الشرعية"، مؤكدًا أن "ميليشيا الحوثي ليست قدرًا محتومًا، بل سرطان دخيل في طريقه إلى الاستئصال".

«حزب الله»: أسباب الهذيان ووظائفه
«حزب الله»: أسباب الهذيان ووظائفه

الشرق الأوسط

timeمنذ 6 ساعات

  • الشرق الأوسط

«حزب الله»: أسباب الهذيان ووظائفه

يتّفق أطبّاء ومحلّلون على أنّ الهذيان تغيّر مفاجئ يطرأ على الدماغ فيسبّب اختلالاً في الشعور واختلاطاً في الذهن. وهو كثيراً ما يحصل إثر تحوّلات يتعرّض لها الجسد، قد تكون عمليّاتٍ جراحيّة أو تعافياً من الكحوليّة بعد إدمان مديد. لكنّ أحد الاحتمالات الحادّة الذي ينجم عن الهذيان فقدانُ التركيز والانتباه، وأحياناً نسيان المُصاب مَن يكون هو نفسه، وفي أيّ مكان يكون، وما الذي يفعله حيث يكون. وهذا ما يسبّب ترنّحاً في حركة الجسد التي قد تتراوح بين بطء يتاخم الشلل وتسارُع يشبه الهرولة. وفي ما يصدر اليوم عن «حزب الله»، بعد التحوّل الضخم الذي عرّضته له «حرب الإسناد» وتوابعها، ثمّة قدْر صارخ من الهذيان. ولربّما جاز القول إنّ العمليّة الجراحيّة والتعافي من الإدمان يصلحان استعارةً، ولو بقدر من التصرّف. ذاك أنّه يُفترض بالحرب، وهي العمليّة الجراحيّة، أن تكون قد جفّفت خمرة الانتصار وعجرفة التسلّط وطرحت على الحزب سؤال التكيّف مع الواقع. لكنّ من يسمع الشيخ نعيم قاسم، أمينه العامّ، وبعض قياديّيه والناطقين بلسانه، وهم يعطون فرصاً ومِهلاً للدبلوماسيّة وللحكومة، ويهدّدون بأنّ مِهلهم قد لا تُمدّد، ويؤكّدون على سريان مبدأ «الجيش والشعب والمقاومة»، وينفون حصول الهزيمة، ويلحّون على عدم تسليم السلاح، يقطع بأنّ فشلاً ذريعاً يُلمّ بالتكيّف ويثبّت الهذيان ويرسّخه. غير أنّ الدقّة تستدعي القول إنّ تلك النتيجة لا تُعدم مبرّراتها. فالتكيّف يغدو صعباً جدّاً بعد أن عُوملَ الإدمان، على مدى أربعة عقود، بوصفه حالة طبيعيّة مثلى، وبعدما انعقد ما يشبه الإجماع حول وصف كهذا. ذاك أنّ السكرة التي امتدّت من أوائل الثمانينات حتّى أشهر قليلة خلت إنّما قُدّمت بوصفها هي الصحوُ بعينه، فيما كان الذين لا يُقرّون بذلك يُطالَبون بمعالجة نفوسهم المريضة أو المتآمرة. هكذا رُسم ازدواج السلاح المديد، وتحكّم طرف غير شرعيّ بقرار الحرب والسلم، بوصفهما عين الصواب وكبد الحقيقة. وأتيحَ لهذا الغلط العظيم أن يملك اليد العليا في اختيار الرؤساء والوزراء، وفي وضع السياسات والخطط. أمّا أن يكون الحزب، وهو لا يحظى أصلاً بترخيص رسميّ، مُجتمَعاً موازياً يقف خارج الدولة الوطنيّة وفوقها، ويخوّن الكبير والصغير على هواه، فهذا أيضاً بدا حقّاً له لا يُمارى فيه. ولسنوات طويلة أتيح لـ»حزب الله» أن يُبلغنا أنّنا مُهدّدون، على رغم ما تقوله لنا أحاسيسنا وتجاربنا، ويُحذّرنا من أنّ علينا أن نقاوم، ضدّاً على ما تراه رغباتنا وأفكارنا وقدراتنا. وفي هذه الغضون تُرك لأذنابه أن تقرّر، نيابة عنّا، أيّ الأفلام ينبغي أن لا تُشاهَد وأيّ الكتب ينبغي أن لا تُترجم أو تُقرأ... هكذا أمسى الانتقال صعباً من الطور الذي كان فيه الإدمان حاكماً، فسادَ تغنيج الهذيان وصار الآخرون مضطرّين إلى التكيّف معه، إلى طور بات معه الهذيان محكوماً، يُسمّى بأسمائه الفعليّة الخطيرة التي يحذّر منها الآخرون، فيما يغدو أصحابُه هم الطرفَ المُطالَب بالتكيّف. فنحن، بلغة أخرى، ننتقل من زمن كان فيه الواقع هو المُطالَب بالتعايش مع الإدمان، إلى زمن يغدو معه المدمن مدعوّاً إلى التعايش مع الواقع. وأمر كهذا، دون أدنى شكّ، شديد الصعوبة. لكنّ الهذيان، مع هذا، يبقى وظيفيّاً، يستدعيه الاستخدام الإيرانيّ ما دام التفاوض جارياً بين طهران وواشنطن. فمطلوبٌ، والحال هذه، إبقاء سلاح الحزب في اليد لا يُسلّم إلى الدولة، تماماً كما هو مطلوب بقاء المفرقعات الحوثيّة في اليمن ورقةً للمقايضة. بيد أنّ كلّ شيء صار أصغر من ذي قبل: يصحّ هذا في القضايا المدّعاة كما يصحّ في الأدوات والقدرات. وهو مسار يدلّ إلى التآكل والانكماش بسبب الحرب، وفي موازاة التحوّل الإيرانيّ من قوّة مخيفة تملك أوراقاً جدّيّة إلى قوّة خائفة ذات أوراق متهالكة ومتداعية. وربّما جاز قياس الفارق بين المرحلتين على النحو التالي: في المرحلة الأوّلى كان يُقتل رئيس الحكومة المخالف لرغبات الحزب ورُعاته، على نحو مشهديّ مُضخّم فيما يُحال دون التحقيق في الجريمة، وفي الطور الثاني يُشتم، بحقد وبذاءة، رئيس الحكومة المخالف لتلك الرغبات بوصفه «صهيونيّاً». وهذا ليس للتهوين من خطورة ما يجري اليوم، خصوصاً وقد دلّت الانتخابات البلديّة الأخيرة على أنّ في وسع وعي هذيانيّ، ولو مهزوم، أن يحافظ على مبايعة شعبيّة عريضة، لأسباب لا تتّسع لها هذه العجالة. وهذا علماً بأنّ كلفة الاستمرار في تقديم البيعة باهظة جدّاً على أمن اللبنانيّين واقتصادهم وإعادة إعمارهم وشروط إقلاعهم الوطنيّ. وقد يكون المبايعون أنفسهم الأكثر تضرّراً بين سائر المتضرّرين. وهذا ما لا يمكن أن يستمرّ وما لا يجوز. فإذا كان اللبنانيّون جميعاً مدعوّين إلى بذل جهد أكبر، مصحوب باستفزازيّة أقلّ، لدمج ثلث السكّان في مشروع وطنيّ، فإنّ أصحاب المصلحة المباشرة أوّلُ المُطالَبين بالانفكاك عن مشروع هذيانيّ مهزوم لا يمكن أن يقود إلى مكان آمن.

الوفد الوزاري العربي يندد بمنع إسرائيل دخوله إلى الضفة الغربية
الوفد الوزاري العربي يندد بمنع إسرائيل دخوله إلى الضفة الغربية

Independent عربية

timeمنذ 17 ساعات

  • Independent عربية

الوفد الوزاري العربي يندد بمنع إسرائيل دخوله إلى الضفة الغربية

ندد الوفد الوزاري العربي الذي كان يعتزم زيارة الضفة الغربية غداً الأحد بمنع إسرائيل دخوله، مؤكداً أن هذا التصرف "يمثّل خرقاً فاضحاً لالتزامات إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال"، وفق ما نقلت وزارة الخارجية الأردنية. وقال بيان صادر عن الوزارة اليوم السبت أن الوفد الذي يصل إلى عمان مساء اليوم، "أكد في موقف مشترك أن قرار إسرائيل منع زيارة الوفد إلى رام الله ولقاء الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين والمسؤولين الفلسطينيين، يمثّل خرقاً فاضحاً لالتزامات إسرائيل بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، ويعكس حجم غطرسة الحكومة الإسرائيلية، وعدم اكتراثها بالقانون الدولي". وفي وقت سابق اليوم، قال مسؤول إسرائيلي إن تل أبيب لن تسمح بعقد اجتماع مزمع في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة. وذكر مسؤولون في السلطة الفلسطينية أن الوفد يضم وزراء من السعودية والأردن ومصر وقطر والإمارات، ويحتاج الوزراء إلى موافقة إسرائيلية للسفر إلى الضفة الغربية من الأردن. وأوضح مسؤول إسرائيلي أن الوزراء يعتزمون المشاركة في "اجتماع استفزازي" لمناقشة دعم إقامة دولة فلسطينية. وأضاف "مثل هذه الدولة ستصبح بلا شك دولة إرهابية في قلب أرض إسرائيل... لن تتعاون إسرائيل مع مثل هذه التحركات التي تهدف إلى الإضرار بها وبأمنها". ونبَّه مسؤول في السلطة الفلسطينية إلى أن مسألة ما إذا كان سيتسنى عقد الاجتماع في رام الله قيد المناقشة. ورام الله هي العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية. كانت وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أمس الجمعة أن إسرائيل ستمنع دخول عدد من وزراء الخارجية العرب يعتزمون عقد اجتماع في مدينة رام الله بالضفة الغربية. وتأتي هذه الخطوة قبل المؤتمر الدولي المقرر عقده في نيويورك خلال الفترة من الـ17 حتى الـ20 من يونيو (حزيران) المقبل، برئاسة مشتركة بين فرنسا والسعودية، لمناقشة قضية إقامة دولة فلسطينية. وتتعرض إسرائيل لضغوط متزايدة من الأمم المتحدة والدول الأوروبية التي تؤيد حل الدولتين للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والذي بموجبه تقوم دولة فلسطينية مستقلة جنباً إلى جنب مع إسرائيل. ماكرون يشدد لهجته ضد إسرائيل أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرة أخرى غضب تل أبيب التي اتهمته بخوض "حملة صليبية" ضدها، من خلال إطلاق دعوة إلى "تشديد الموقف" حيال إسرائيل إذا لم تخفف حصارها على قطاع غزة. وأكد خلال مؤتمر صحافي في سنغافورة أن على الأوروبيين "تشديد الموقف الجماعي" ضد إسرائيل "إذا لم تكن هناك استجابة ترقى إلى مستوى الوضع الإنساني في الساعات والأيام المقبلة" في قطاع غزة الذي دمرته الحرب المستمرة منذ 20 شهراً. رجل يُلوِّح بالعلم الفلسطيني بينما تتحرك مركبة مدرعة إسرائيلية في مخيم نور شمس للاجئين بالضفة الغربية (أ ب) والمقصود اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل الذي ستتم إعادة النظر فيه، وكذلك فرض عقوبات. وأضاف "علينا تشديد موقفنا لأنه ضرورة اليوم، لكن لا يزال لديَّ أمل في أن تغير حكومة إسرائيل موقفها، وأن نحصل في النهاية على استجابة إنسانية". وحذر ماكرون في خطاب ألقاه أمام منتدى شانغريلا ديالوغ الدفاعي في سنغافورة قائلاً إذا "تخلى الغرب عن غزة وسمحوا لإسرائيل بأن تفعل ما تريد" فإنهم قد "يخسرون الصدقية أمام باقي العالم". وردت وزارة الخارجية الإسرائيلية في بيان، "لا حصار إنسانياً. هذه كذبة صارخة". وتقول إسرائيل إنها سمحت بعبور مئات شاحنات المساعدات الإنسانية منذ رفع الحصار جزئياً الأسبوع الماضي. واتهمت الخارجية الإسرائيلية الجمعة الرئيس الفرنسي بأنه "يخوض حملة صليبية ضد إسرائيل" منتقدة على وجه الخصوص رغبة باريس في الاعتراف بدولة فلسطينية. وقال ماكرون الجمعة إن الاعتراف بالدولة الفلسطينية "ليس مجرد واجب أخلاقي، بل مطلب سياسي". ولم يعلن الرئيس الفرنسي بوضوح ما إذا كان سيعترف بالدولة الفلسطينية خلال المؤتمر الدولي حول حل الدولتين في الأمم المتحدة في نيويورك الذي تترأسه فرنسا والسعودية في الـ18 من يونيو (حزيران). غير أنه عدد شروطاً مقابل هذا الاعتراف، هي "الإفراج عن الرهائن" الذين تحتجزهم "حماس" و"تجريد حركة (حماس) من السلاح" و"عدم مشاركتها" في حكم هذه الدولة و"إصلاح السلطة الفلسطينية" واعتراف الدولة المستقبلية بإسرائيل و"حقها في العيش بأمان" و"وضع آلية أمنية في جميع أنحاء المنطقة". وكتب وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو على منصة "إكس" أن "فكرة دولة فلسطينية" تمثل "مصلحة للإسرائيليين وأمنهم. إنها البديل الوحيد من حرب دائمة". وأضاف أن بلاده تدعم قيام دولة فلسطينية "منزوعة السلاح" ضمن "هيكل أمني إقليمي يضم إسرائيل". وفي رد على منشور بارو قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر "لن تقرروا نيابة عن الإسرائيليين ما هي مصالحهم". وأكد ساعر أن "شعب إسرائيل يعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية في قلب وطنه". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وللضغط على إسرائيل أعلنت فرنسا وكندا وبريطانيا الإثنين أنها "مصممة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية للمساهمة في تحقيق حل الدولتين وأنها مستعدة للعمل مع أطراف آخرين لتحقيق هذه الغاية". بالنسبة إلى إسرائيل من غير الوارد السماح بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية التي تحتلها منذ عام 1967 وحيث تنوي "بناء الدولة اليهودية". وفي خطوة لا تخلو من تحد، زار وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس موقع صانور الاستيطاني في شمال الضفة الغربية بعد يوم من إعلان الحكومة الإسرائيلية عن مشروع كبير لتوسيع الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية. وأضاف كاتس، "هي أيضاً رسالة واضحة (للرئيس الفرنسي إيمانويل) ماكرون وأصدقائه: هم سيعترفون بدولة فلسطينية على الورق، ونحن سنبني الدولة اليهودية الإسرائيلية هنا على الأرض".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store