
" يُتبعون البئر حجرًا "
قدّم الأردن الكثير والكثير وعلى مدار سنواتٍ طويلة تاركًا المجال لكلّ الخيارات الدعوية التي كان من المُفترض أن تقوي شوكة الإسلام وتُظهرهُ للعالم بصورته الحقيقية السمحة فكان العام ١٩٤٥ إعلان وجود جماعة الإخوان المسلمين في الأردن والتي كانت بدايتها كجمعيّةٍ خيريّةٍ تُعنى بتقديم الخدمات الإجتماعية والتعليمية والدعوية ليحتضنها آنذاك الأردن ويمنحها الغطاء القانوني الذي وفّر لها الحرية في العمل خلافًا لمُعظم الدول التي حضرتْ هذه الجماعة ولم تمنحها أية مساحة للعمل .
ليكون بعد ذلك التحوّل للعمل السياسي ليحملوا بين ذراعيهم رايةَ الصِدام مع الدولة من خلال عملهم على وأدِ الإنجازات وتضخيم السلبيات وإعتناق الآراء السياسية والخارجية والخارجة على الأردن والتي كفرت بفِكر الأُخوّة ونهج الإسلام ليكونوا بذلك ليسوا إخوانًا لنا ،فكان الخطابُ مسمومًا وموسومًا بدعوى الخراب وطعن الأردن بخاصرتهِ ومحاولة العصفِ بالنسيج الوطني بريحِ الضلال وخرق الصفوفِ وفكّ الكفوفِ لمجتمعٍ أحَبّ الوطن وأحَبّ قيادته .
إن إعلانَ وزارة الداخلية الأردنية لحظر جماعة الإخوان المسلمين لم يأتِ جزافى بعد أن كشّرت الجماعة عن صواريخها وطائراتها التي استهدفت الداخلَ الأردني لتكشف المُداهمات لمقرّهم عن وثائقٍ وسجلاتٍ تجزم عن إصرارهم المُغرض لزرع الفوضى داخل الأردن بعدَ أن فُتحت التحقيقات على ملفاتٍ ماليةٍ تجاوزت الثلاثين مليون دينار جُمعت بطرقٍ غير مُرخصةٍ وشمَلت استثمارات عقارية داخل وخارج الأردن ليظهر التهديد الأمني الحقيقي للمنظومةِ الوطنية من خلال استخدام الأموال لأغراضٍ غير مشروعةٍ وتمويل انشطةٍ سياسيةٍ مُتطرفةٍ بعد أن تم الإحتيال على المُتبرعين واستخدام الأموال لصالحِ أفرادٍ أو جماعاتٍ بعيدًا عن الأهداف المُعلنة .
إن عدمَ الشفافية في إدارة الملفات المالية أثارَ الشُكوك حول مصير هذه الأموال بعدَ أن تأكد إستخدامها لدعمِ الأنشطة المحظورة يعكسُ فيضًا من غيضِ التجاوزات في نهجِ ما يُسمى بجماعة الإخوان المسلمين في الأردن فكان القرار ضدهم ليُلزمهم حدّهم وليعلموا علمَ اليقين بأن الأردن لا يلين فهو من فتحَ لهم الآفاقَ فكانوا للخرابِ أبواقًا فآنَ الأوان ليعلموا أن الأردن مُصانًا عزيزًا آمنًا مُستقرًا لن يقبلَ أن يستقويَ عليه أحد وأنه القادر على حمايةِ أرضهِ وشعبهِ بفضلِ نهج قيادتهِ المُؤسسي القوي وبأسِ جيشه وأجهزته الأمنية ووعي شعبهِ العظيم لنقولَ لهم هنا أنكم المنبوذون والخارجون عنّا لتكونوا شَطر بيت الشعر الثاني (إذا أنت أكرمت الكريم ملكته …. وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا) فأنتم من أتبعتم البئر حجرًا بعدَ أن شربتم منه .

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

عمون
منذ 14 ساعات
- عمون
قراءة في كتاب ملك وشعب (13)
*المبادرات الملكية السامية بلقاء أبناء نسيجنا الوطني الواحد من المسيحيين. يعد كتاب "ملك وشعب" الذي أصدره الديوان الملكي الهاشمي العامر منجزا وطنيا هاما يوثّق المبادرات الملكية السامية الزاخرة بالخير والعطاء والإنسانية ضمن رحلة خيّرة لا ينضب عطاؤها بين ملك إنسان وأبناء شعبه. إن هذا الملف الإنساني والتنموي الذي يوليه جلالة سيدنا كل إهتمام حيث أسند أمر متابعته وتنفيذه إلى لجنة برئاسة معالي الأستاذ يوسف حسن العيسوي رئيس الديوان الملكي الهاشمي ضمن فريق عمل مخلص وجاد، ليعكس صورة إرتباط ملك رحيم تجلّت صفات الإنسانية بأجل صورها مع أبناء شعبه الأردني بروح تنم عن إنتماء ومحبة قائد لوطنه ولشعبه، وولاء ومبايعة شعب لقائده بصدق وإخلاص. وسأتناول هنا في المقال الثالث عشر ضمن سلسلة مقالات قراءة كتاب ملك وشعب "المبادرات الملكية السامية بلقاء أبناء نسيجنا الوطني الواحد من المسيحيين" . لقد حرص جلالة سيدنا على إبراز قيم الإسلام السمحة التي تحترم الأديان والإنسانية، كواجب يقوم به الأردن، مؤكدا بقوله " أن الأردن للجميع، ويعمل دائما لحماية المسيحيين العرب وترسيخ وجودهم في المنطقة، وسيبقى الأردن النموذج في العيش المشترك بكل مكوناته "، كما كانت لقاءات جلالة سيدنا المستمرة مع كافة أبناء نسيجنا الأردني الواحد الموحّد ترسيخا لوحدتنا الوطنية، ولينصهر الجميع في الحفاظ على ثوابتنا الوطنية المقدسّة، وفي ذلك يقول جلالة سيدنا " بتعاون الجميع، وبالهمة العالية وبالعمل المخلص والشعور بالمسوؤلية، نستطيع أن ننتصر على كل التحديات كما انتصرنا في الماضي على تحديات أكبر منها، وسيظل الأردنيون دائما في الطليعة " . لقد حرص جلالة سيدنا على رعاية إحتفالات الطوائف المسيحية بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية مقدّما التهنئة بمناسبة أعيادهم المجيدة، فالأخوة المسيحيون يشكّلون نسيجا وطنيا مع كافة مكونات المجتمع الأردني الواحد في البناء والتطوير والتنمية، وهم متجذرون في تراب هذا الوطن على إمتداد هذه الأرض في مأدبا مدينة المحبة والسلام بفسيفسائها الجميلة وحضارتها الراسخة، وفي الحصن في محافظة اربد حيث التراث والثقافة التي ساهمت في بناء الإنسان المتطور بعقله وفكره، وفي بلدة السماكية في محافظة الكرك تلك البلدة الوادعة والجميلة بنبل صفات أهلها ووعي أبنائها بذلا وعطاء، وفي الفحيص في محافظة البلقاء حيث حسن الوفادة ورقي التعامل وترك الأثر الطيب، وفي عجلون بقلعتها الشامخة وعراقة تاربخها نبلا وأصالة، وفي المفرق بشذى شيحها وقيصومها وكرم وشهامة أهلها المكان يحاكي فيها الزمان عبر تاريخها الزاخر بالتراث والحضارة، وفي كل مكان يتواجدون فيه يسطّرون صفحات المحبة وصدق الإنتماء لأردن العزم وقيادته الهاشمية الحكيمة. لقد أعطت القيادة الهاشمية أولوية لرعاية المقدسات المسيحية ومنها كنيسة القيامة، وكذلك إيلاء موضوع الحفاظ على الكنسية الأرثوذكسية وأملاكها في القدس من المخاطر التي تتعرض لها في ظل ظروف بالغة الصعوبة. فالهاشميون يحملون رسالة الوحدة والتوحيد والإيمان، والتعايش الديني بين المسلمين والمسيحيين يشكّل صورة قل نظيرها في أردننا الواحد الموحّد الذي تجمعنا فيه قواسم مشتركة تقوم على التعاون والحفاظ على هويتنا العربية والأردنية التي تجعلنا معا في مركب واحد، ونسير نحو هدف واحد والنهوض بـأردن العزم وطنا يجمعنا على الخير بفضل قيادتا الهاشمية الحكيمة، ووعي شعبنا الأردني المتماسك حيث تحتضن مآذن المساجد أجراس الكنائس التي تعد مثالا للتآخي في كل بقاع الأرض، ضمن لوحة فسيفسائية تشع نورا وألقا نحو أردن مشرق ومتقدم ومزدهر بهمة المخلصين على هذه الأرض المباركة أرض الرسالات وكرامة الانسان. ويؤكد جلالة سيدنا دائما للحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق الأوسط مكوّنا أساسيا من مكونات أمتنا العربية وكنسيح مهم في مجتمعنا الأردني، والحفاظ على الهوية العربية المسيحية حيث يدرك جلالته التحديات التي تواجه المسيحيين العرب، وفي ذلك يقول جلالة سيدنا " نحن نعتز بأن الأردن يشكّل نموذجا متميزا في التعايش والتآخي بين المسلمين والمسيحين، كما نؤمن أن حماية حقوق المسيحيين واجب، فقد كان للمسيحيين العرب دور كبير في بناء مجتمعاتنا العربية والدفاع عن قضايا أمتنا العادلة". وتاريخيا كما يعتقد مسيحو الشرق والمسيحيون في الأردن بقولهم "أن مآثر الأجداد من أبناء الطوائف المسيحية ساهمت في جحافل الفتح العربي دفاعا عن الوطن ضد غزوات الغرب في حطين وما سبقها وما تلاها، وضد غزوات الشرق في عين جالوت وافتدوا حرية البلاد وسلامتها بالمال والرجال". لقد قدّم المسيحيون يدا بيد مع المسلمين المزيد من التضحيات على ثرى فلسطين، وفي معركة الكرامة ملحمة الجيش العربي، ورفدهم فيالق الجيش المصطفوي الباسل، فضلا عن تقديمهم أرواحهم من أجل الدفاع عن وطنهم وأمتهم. كما يمثلون أروع أمثلة التسامح الديني والتواصل الإجتماعي والإلتحام الوطني، ويتابعون بعزيمة المساهمة في مسيرة العطاء لتحقيق تطلعات الشعب الأردني في العيش الكريم والآمن. لقد قّدم الأردن نموذجا في العيش المشترك وترسيخ لغة الحوار وتعظيم قيم التسامح والإعتدال حتى أصبح محط إعجاب وتقدير عالمي، كما يرسم الأردن بمكوناته المتنوعة لوحات متناغمة تترجم القيم الإيجابية المشتركة بين مكونات المجتمع الأردني، الذين يعملون معا من أجل الأردن وبناء غد مشرق في ظل قيادته الهاشمية الحكيمة التي تحمل رسالة وحدة وإحترام حرية المعتقد، لتضاف إلى ما تضمنته رسالة عمان التاريخية التي أطلقها جلالة سيدنا عام 2004 التي تقوم على التسامح وقبول الآخر لنحيا ونعمل معا ضمن القيم النبيلة التي تحفظ كرامة الإنسان، حيث أن الأردن أصبح محورا للحوار الإسلامي المسيحي بين الأفراد المخلصين والمؤمنين بالله، وفقا لدستور واحد يضمن الحقوق والواجبات ومد جسور المحبة والعدل بين جميع الأردنيين. نعم، إنه الدعم الملكي الهاشمي في حرص جلالة سيدنا على لقاء كافة أبناء نسيجنا الوطني الواحد بفسيفسائه الجميلة التي تضم المسيحيين ملح هذه الأرض، الذين ساهموا في بناء الأردن وترسيخ الهوية الأردنية الواحدة، ضمن منظومة عمل جادة تعمل بضمير مؤسسي مسؤول الذي أنجزه الديوان الملكي الهاشمي العامر بيت جلالة سيدنا وبيت الأردنيين جميعا، يرافق ذلك جهود تقوم على الإخلاص والتفاني في العمل في ظل مجتمع متكافل واحد موحّد ومتماسك يزرع بذور الخير والعطاء والإنسانية، برعاية وإهتمام جلالة سيدنا الملك الإنسان عبد الله الثاني بن الحسين أعز الله ملكه القدوة لنا جميعا في الإنجاز والعمل وللحديث بقية. * أ.د. عدنان المساعده • أستاذ جامعي وكاتب/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية حاليا • عضو مجلس أمناء حاليا • عضو مجلس كلية الدراسات العليا في جامعة اليرموك حاليا • عميد كلية الصيدلة / جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية وجامعة اليرموك سابقا • رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا


أخبارنا
منذ 15 ساعات
- أخبارنا
فارس الحباشنة : لماذا نهاية الإخوان المسلمين حتمية؟
أخبارنا : في حزيران 2019، طرحت جماعة الإخوان المسلمين «وثيقة سياسية إصلاحية». ويبدو أنها كانت بمثابة حوار إخواني لتجديد أدوار الجماعة، وما يمكن أن تضطلع به، والفرص المتاحة للخروج من مأزق تاريخي للجماعة، منذ تأسيسها عام 1928 في مصر وإنشاء فرعها في الأردن عام 1945. وعكست الوثيقة الإصلاحية عمق الصراع والنزاع داخل الحركة الإسلامية، وثنائية تياري المحافظين والإصلاحيين، كهوية تاريخية مؤسسة للحركة الإسلامية الأردنية، وتقديم أوراق اعتماد جديدة أمام الرأي العام والدولة. الوثيقة حاولت أن تُكيِّف الحركة الإسلامية مع المجتمع، وما يستولد من أسئلة في السياسة والاجتماع والاقتصاد. وتجنبت الوثيقة الفصل والحسم في العلاقة بين السياسي والديني. وإن اضطُرّ التيار الإصلاحي أن ينزع نحو قاموس سياسي يخالف موروث الجماعة الإسلامية، مثل: الديمقراطية، والتعددية، وحكم القانون، وسلطة الدولة، والمدنية السياسية، وهو خطاب تكييفي مستحدث في تغيير صورة الجماعة. ولم تُخلِّف الوثيقة أي ثقة أو قناعة سياسية بجدية الحركة الإسلامية في الاندماج في قواعد اللعبة السياسية. وانطوت الأفكار الإخوانية المطروحة على الالتباس وغموض وتناقض في المرجعيات. وقدمت الوثيقة استعصاءً فكريًا وسياسيًا على تمثيل الإسلام، وحصره في جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة» اليوم، وحزب العمل الإسلامي. وإصرار مرجعي على إقصاء أي تيار سياسي يحمل ويمثل صفة الإسلام والإسلاموية. ورغم أنه وُلدت من رحم الإخوان المسلمين تيارات وأحزاب وجماعات تسمي نفسها إسلامية، مثل زمزم، والوسط الإسلامي، وجمعية الإخوان المسلمين، والتي أعلنت أول أمس عن حل نفسها. في أطروحة وثيقة الإخوان، لم تستقم الاعترافات بالتعددية والديمقراطية، ومع أن لحظة مراجعة مركزيات أفكار ومشروع الإخوان المسلمين السياسي كانت تاريخية، وضرورية للتخلي عن خطاب التبرير والتجهيل، وخطاب الطبطبة والاستثناءات، ولا يمكن إنكاره أو تجاهله أو الاستعلاء على الحقيقة التاريخية للدولة والمجتمع، والديمقراطية، والاعتراف بالآخر. كانت الوثيقة، من وجهة نظر قادة ومنظري الإخوان المسلمين، تؤسس إلى علاقة جديدة مع المجتمع والقوى السياسية والدولة. ولكن، في كل الأحوال، أقرب إلى ألغام فكرية وسياسية كامنة في بنية الجماعة ومرجعيات الإسلام السياسي، وانفجرت مع أول اصطدام سياسي في الانتخابات النيابية، وما تلا ذلك من تطورات سياسية أردنية وإقليمية. والصدام كان تعبيرًا عن تناقض وانفصام في أطروحة وثيقة الإخوان. وأولهما، مصادرة الديمقراطية والتعددية لصالح التنظيم السري، والذي تم حله لاحقًا بقرار من الحكومة، لاعتبارها الجماعة تنظيمًا غير شرعي ولا قانوني. والثاني، محاولة التكييف وركوب موجة الإصلاح السياسي، والاستجابة لخطاب الإصلاح، ودون بيان للحدود الفاصلة بين الدين والسياسة، والمرجعيات المركزية المطلقة لتراث أفكار حسن البنا وسيد قطب حول أسلمة المجتمع والدولة، ونظرة الإخوان إلى السيطرة على الدولة، وتكفير الآخر، ومفهوم الحياة الإسلامية وإحياء مشروعها في المجتمع. من سلسلة تجارب أردنية وعربية، فإن الإخوان المسلمين قوّضوا فكرة الديمقراطية، أو الادعاء بالانتساب الإخواني إلى الديمقراطية. والإخوان، بعدما كسبوا في الانتخابات النيابية الأخيرة حصة وتمثيلًا كبيرًا في البرلمان، إلا أنهم بقوا -بشكل غير مسبوق- محكومين ومسيَّرين وراء التنظيم الإخواني الدولي، وحيث إن الفتاوى السياسية لإخوان الأردن تصدر من الخارج، وتُعمم في سلطة التنظيم الدولي على إخوان الأردن ومقر عمّان. ومن هذه الزاوية، وقبل غيرها، أصبح إخوان الأردن ينفذون تعليمات وأوامر صادرة عن التنظيم الدولي ومرجعيات إخوانية إقليمية. وفي الانتخابات النيابية الأخيرة، لم يكن حجم تمثيل الإخوان في البرلمان تعبيرًا عن قوة التنظيم، بقدر ما كان انعكاسًا لضعف وهشاشة الأحزاب المنافسة، وعرف الإخوان كيف يستثمرون في الفراغ السياسي والحزبي، وتمكنوا من حصد عدد كبير من المقاعد تحت القبة. اليوم، يبدو أن الحركة الإسلامية في الأردن أمام أزمة متفاقمة. وما بعد قرار حظر وحل جماعة الإخوان المسلمين، يبدو أن الرأي العام الأردني ليس أمام خلاف سياسي وفكري، بقدر ما يتسرب من وثائق عن قضايا مالية وتبرعات مالية مصيرها مجهول، وأموال مليونية تُنفق على نشاطات وفعاليات حزبية. وكأننا أمام مشاهد من أفلام المافيا الإيطالية. الخطئية المالية تطارد الإخوان. ولا أعرف كيف سيواجه قادة الحركة الإسلامية الأخطاء والخطايا المالية، أم أن أموالهم مباركة ومقدسة؟! في الفضيحة المالية الأخيرة، انكشاف إخواني، ويوازي الانكشاف السياسي والفكري للحركة الإسلامية، وازدواجية وانفصام الظروف والمتغيرات. إخوان الأردن ضحايا لبراغماتية زائدة، وضحايا لتراجع الثقة العامة، وضحايا لشهوة مفطرة إلى السلطة. نهاية الإخوان المسلمين ذاتية، والإخوان حرقوا أنفسهم والجماعة في نيران صديقة، ولأنه يستحيل موضوعيًّا التوفيق بين الديمقراطية والسمع والطاعة، والتوفيق بين الديمقراطية وأوامر التنظيم الدولي. ــ الدسستور

الدستور
منذ 16 ساعات
- الدستور
لماذا نهاية الإخوان المسلمين حتمية؟
في حزيران 2019، طرحت جماعة الإخوان المسلمين «وثيقة سياسية إصلاحية». ويبدو أنها كانت بمثابة حوار إخواني لتجديد أدوار الجماعة، وما يمكن أن تضطلع به، والفرص المتاحة للخروج من مأزق تاريخي للجماعة، منذ تأسيسها عام 1928 في مصر وإنشاء فرعها في الأردن عام 1945. وعكست الوثيقة الإصلاحية عمق الصراع والنزاع داخل الحركة الإسلامية، وثنائية تياري المحافظين والإصلاحيين، كهوية تاريخية مؤسسة للحركة الإسلامية الأردنية، وتقديم أوراق اعتماد جديدة أمام الرأي العام والدولة. الوثيقة حاولت أن تُكيِّف الحركة الإسلامية مع المجتمع، وما يستولد من أسئلة في السياسة والاجتماع والاقتصاد. وتجنبت الوثيقة الفصل والحسم في العلاقة بين السياسي والديني. وإن اضطُرّ التيار الإصلاحي أن ينزع نحو قاموس سياسي يخالف موروث الجماعة الإسلامية، مثل: الديمقراطية، والتعددية، وحكم القانون، وسلطة الدولة، والمدنية السياسية، وهو خطاب تكييفي مستحدث في تغيير صورة الجماعة. ولم تُخلِّف الوثيقة أي ثقة أو قناعة سياسية بجدية الحركة الإسلامية في الاندماج في قواعد اللعبة السياسية. وانطوت الأفكار الإخوانية المطروحة على الالتباس وغموض وتناقض في المرجعيات. وقدمت الوثيقة استعصاءً فكريًا وسياسيًا على تمثيل الإسلام، وحصره في جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة» اليوم، وحزب العمل الإسلامي. وإصرار مرجعي على إقصاء أي تيار سياسي يحمل ويمثل صفة الإسلام والإسلاموية. ورغم أنه وُلدت من رحم الإخوان المسلمين تيارات وأحزاب وجماعات تسمي نفسها إسلامية، مثل زمزم، والوسط الإسلامي، وجمعية الإخوان المسلمين، والتي أعلنت أول أمس عن حل نفسها. في أطروحة وثيقة الإخوان، لم تستقم الاعترافات بالتعددية والديمقراطية، ومع أن لحظة مراجعة مركزيات أفكار ومشروع الإخوان المسلمين السياسي كانت تاريخية، وضرورية للتخلي عن خطاب التبرير والتجهيل، وخطاب الطبطبة والاستثناءات، ولا يمكن إنكاره أو تجاهله أو الاستعلاء على الحقيقة التاريخية للدولة والمجتمع، والديمقراطية، والاعتراف بالآخر. كانت الوثيقة، من وجهة نظر قادة ومنظري الإخوان المسلمين، تؤسس إلى علاقة جديدة مع المجتمع والقوى السياسية والدولة. ولكن، في كل الأحوال، أقرب إلى ألغام فكرية وسياسية كامنة في بنية الجماعة ومرجعيات الإسلام السياسي، وانفجرت مع أول اصطدام سياسي في الانتخابات النيابية، وما تلا ذلك من تطورات سياسية أردنية وإقليمية. والصدام كان تعبيرًا عن تناقض وانفصام في أطروحة وثيقة الإخوان. وأولهما، مصادرة الديمقراطية والتعددية لصالح التنظيم السري، والذي تم حله لاحقًا بقرار من الحكومة، لاعتبارها الجماعة تنظيمًا غير شرعي ولا قانوني. والثاني، محاولة التكييف وركوب موجة الإصلاح السياسي، والاستجابة لخطاب الإصلاح، ودون بيان للحدود الفاصلة بين الدين والسياسة، والمرجعيات المركزية المطلقة لتراث أفكار حسن البنا وسيد قطب حول أسلمة المجتمع والدولة، ونظرة الإخوان إلى السيطرة على الدولة، وتكفير الآخر، ومفهوم الحياة الإسلامية وإحياء مشروعها في المجتمع. من سلسلة تجارب أردنية وعربية، فإن الإخوان المسلمين قوّضوا فكرة الديمقراطية، أو الادعاء بالانتساب الإخواني إلى الديمقراطية. والإخوان، بعدما كسبوا في الانتخابات النيابية الأخيرة حصة وتمثيلًا كبيرًا في البرلمان، إلا أنهم بقوا -بشكل غير مسبوق- محكومين ومسيَّرين وراء التنظيم الإخواني الدولي، وحيث إن الفتاوى السياسية لإخوان الأردن تصدر من الخارج، وتُعمم في سلطة التنظيم الدولي على إخوان الأردن ومقر عمّان. ومن هذه الزاوية، وقبل غيرها، أصبح إخوان الأردن ينفذون تعليمات وأوامر صادرة عن التنظيم الدولي ومرجعيات إخوانية إقليمية. وفي الانتخابات النيابية الأخيرة، لم يكن حجم تمثيل الإخوان في البرلمان تعبيرًا عن قوة التنظيم، بقدر ما كان انعكاسًا لضعف وهشاشة الأحزاب المنافسة، وعرف الإخوان كيف يستثمرون في الفراغ السياسي والحزبي، وتمكنوا من حصد عدد كبير من المقاعد تحت القبة. اليوم، يبدو أن الحركة الإسلامية في الأردن أمام أزمة متفاقمة. وما بعد قرار حظر وحل جماعة الإخوان المسلمين، يبدو أن الرأي العام الأردني ليس أمام خلاف سياسي وفكري، بقدر ما يتسرب من وثائق عن قضايا مالية وتبرعات مالية مصيرها مجهول، وأموال مليونية تُنفق على نشاطات وفعاليات حزبية. وكأننا أمام مشاهد من أفلام المافيا الإيطالية. الخطئية المالية تطارد الإخوان. ولا أعرف كيف سيواجه قادة الحركة الإسلامية الأخطاء والخطايا المالية، أم أن أموالهم مباركة ومقدسة؟! في الفضيحة المالية الأخيرة، انكشاف إخواني، ويوازي الانكشاف السياسي والفكري للحركة الإسلامية، وازدواجية وانفصام الظروف والمتغيرات. إخوان الأردن ضحايا لبراغماتية زائدة، وضحايا لتراجع الثقة العامة، وضحايا لشهوة مفطرة إلى السلطة. نهاية الإخوان المسلمين ذاتية، والإخوان حرقوا أنفسهم والجماعة في نيران صديقة، ولأنه يستحيل موضوعيًّا التوفيق بين الديمقراطية والسمع والطاعة، والتوفيق بين الديمقراطية وأوامر التنظيم الدولي.