logo
بينالي الدرعية تفتتح معرض عابر متجذر ضمن فعاليات بينالي البندقية

بينالي الدرعية تفتتح معرض عابر متجذر ضمن فعاليات بينالي البندقية

مجلة سيدتي١٠-٠٥-٢٠٢٥

تقدم مؤسسة بينالي الدرعية وبالتعاون مع وزارة الثقافة الإيطالية، معرض "عابرٌ متجذر" ، والذي يهدف لإبراز التصميم الفائز في النسخة الأولى من جائزة المصلى 2025.
وسيقام الحدث في دير سان غريغوريو كفعالية موازية خلال المعرض الدولي التاسع عشر للعمارة – بينالي البندقية. ويقام الحدث تحت إشراف القيم الفني فيصل طبارة، وسيتمحور حول استكشاف المصليات كدور عبادة مؤقتة يمكنها الظهور في أي مكان عند الحاجة، مع التعمق في فهم الإمكانات المعمارية التي تتكشف عندما نختار التعلم من تقاليدنا المتجذرة في حاجتنا للتكيّف مع مختلف الظروف والمتغيرات.
معرض عابرٌ متجذر
يذكر أنّ معرض عابر متجذر يسلط الضوء على الطبيعة المتداخلة للمساحات التي يحتويها المصلى، لاسيما العلاقات المتشابكة بين السياقات التاريخية والمادية والمعاصرة التي تبرز فيها المصليات. ويتضمن المعرض أجزاء كاملة من التصميم الفائز بجائزة المصلى، وهو من ابتكار استوديو إيست للهندسة المعمارية بالتعاون مع الفنان ريان ثابت وشركة الهندسة AKT II، إلى جانب التصاميم المقدمة من المكاتب التي حلَّت في القائمة القصيرة للجائزة، وهي: مكتب الهندسة إيه إيه يو أنستاس، وآصف خان، وشركة دباغ للهندسة المعمارية، ومكتب سهل الحياري للهندسة المعمارية. وإلى جانب هذه المشاريع، ستعرض كذلك سلسلة من الصور والوثائق الأرشيفية حول التاريخ المعماري للمصليات، لتقديم حوار بين فن العمارة التقليدية والمعاصرة في مختلف الثقافات الإسلامية.
جدير بالذكر أنّ مؤسسة بينالي الدرعية قامت بإطلاق النسخة الأولى من جائزة المصلى ضمن فعاليات بينالي الفنون الإسلامية في جدة في يناير 2025. وحمل التصميم الفائز عنوان "عن النسيج"، وتميز بفناء تحيط به قاعة للصلاة، مع الاحتفاء بشجر النخيل—الذي يمثل جزءاً هاماً من ثقافة المملكة—من خلال استخدام مشتقاته كمواد رئيسية في البناء، حيث تم استخدام السعف كبديل للهياكل التقليدية المستخدمة في بناء الأعمدة والجسور الحاملة، كما تمت الاستفادة من ألياف النخيل في ابتكار واجهة مستوحاة من المنسوجات التقليدية، وتم تغليف كامل المبنى بها.
تفخر مؤسسة بينالي الدرعية بتقديم معرض "عابر متجذر" والكتاب المصاحب له، واللذين يحكيان قصة المشروع الفائز بجائزة المصلى في نسختها الأولى. سيفتتح المعرض بتاريخ 10 مايو في دير سان غريغوريو، وذلك ضمن فعاليات الدورة التاسعة عشرة من المعرض الدولي للعمارة – بينالي البندقية.
شارك في… pic.twitter.com/P9MfXnxj16
— Diriyah Biennale Foundation (@Biennale_Sa) May 8, 2025
أهمية جائزة المصلى للعمارة الإسلامية
وبهذه المناسبة، قال نائب رئيس مؤسسة بينالي الدرعية راكان الطوق:" يُعد إطلاق جائزة المصلى للعمارة الإسلامية خطوةً فارقةً في التحول الثقافي ب المملكة العربية السعودية ، كما يُشكِّل حدثًا عالميًّا بارزًا في إحياء الإرث الفني الأصيل. فالجائزة تُعيد لهذا الفن تنوعه الجوهري، معبرةً عن ثراء أشكاله في إطار سياقاته الحضارية التي نشأ منها. ومن ربوع المملكة إلى عراقة الأندلس، تظل هذه العمارة حجرَ الأساسِ في صرح الهوية الإسلامية".
فيما صرّح الأمير نواف بن عياف، رئيس لجنة التحكيم لجائزة المصلى، قائلاً:" تمثل مدينة البندقية ملتقى رائداً للتبادل بين مختلف ثقافات العالم، وهو ما يجعلها منصة مثالية للتعمق في مساهمة المصليات في تشكيل الخطاب المعماري المعاصر حول الاستدامة والتكيف. ومن خلال إحضارنا لأجزاء من التصميم الفائز من جدة إلى البندقية، نأمل في إبراز الدور الحيوي الذي يمكن لفنون العمارة التقليدية أن تلعبه في إيجاد حلول وأفكار مستقبلية من خلال تركيزها على المرونة والاستدامة".
وسيصاحب المعرض إصدار كتيب يركز على الطبيعة العابرة للمصليات، وهو من تحرير الأمير نواف بن عياف والقيم الفني فيصل طبارة، وسيتم نشره من خلال دار كاف للنشر.
نبذة عن جائزة المصلى
تجدر الإشارة إلى أنّ جائزة المصلى هي مسابقة معمارية دولية لتصميم مساحات للصلاة والتأمل قابلة للفك والتركيب وإعادة الاستخدام، ومفتوحة لكافة الزوار. تشرف على تنظيم الجائزة مؤسسة بينالي الدرعية، وتسلط الضوء من خلالها على الابتكارات في فنون العمارة مع إبراز الغنى الذي تحتويه الثقافات الإسلامية.
عملت على النسخة الأولى من الجائزة لجنة تحكيم مكونة من: علي ملكاوي، وأزرا أكشاميا، وفاروق درخشاني، ولينا غطمة، إلى جانب الأمير نواف بن عياف (رئيس لجنة التحكيم). وضمت القائمة القصيرة لهذه النسخة كلاً من مكتب الهندسة إيه إيه يو أنستاس، وآصف خان، وشركة دباغ للهندسة المعمارية، ومكتب سهل الحياري للهندسة المعمارية، إضافة إلى أصحاب التصميم الفائز استوديو إيست للهندسة المعمارية.
بينالي الفنون الإسلامية
يقدم بينالي الفنون الإسلامية ، الذي تنظمه مؤسسة بينالي الدرعية، منصة شاملة لاستضافة وتشجيع الحوار وتوسيع المعرفة بالفنون الإسلامية، وذلك من خلال ما يوفره من فرص للبحث والتأمل والتعلم في مختلف المجالات.
يقام البينالي كل عامين في صالة الحجاج الغربية—الحائزة على جائزة الآغا خان للعمارة—بمطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة، والتي تتمتع بمكانة خاصة لدى ضيوف الرحمن لكونها تستقبل الملايين منهم كل عام في رحلتهم لأداء مناسك الحج والعمرة في بيت الله الحرام، كما مثلت مدينة جدة طوال قرون نقطة التقاء للكثير من الثقافات التي يحملها معهم الوافدون عليها من كافة أقطار العالم.
يشار إلى أنّ النسخة الافتتاحية استقبلت أكثر من 600,000 زائر، وتسعى مؤسسة بينالي الدرعية للبناء على هذا النجاح من خلال النسخة الثانية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

الشريان والتراث العمراني
الشريان والتراث العمراني

العربية

timeمنذ 2 ساعات

  • العربية

الشريان والتراث العمراني

في منتصف الثمانينات تقريبًا ظهر صوت قوي ومؤثر ينادي بالمحافظة على التراث العمراني، وكان ذلك الصوت هو الأمير سلطان بن سلمان، فبعد عودته من رحلة الفضاء عام 1986، وربما قبل ذلك، تشكل لديه تصور مختلف نحو "المكان" بكل ما يعنيه من بشر وعمران وثقافة.. فما أسميه "ثقافة التراث" التي نعيشها حاليًا كان للأمير سلطان الدور الأبرز في خلقها.. كتب الإعلامي داود الشريان في تغريدة له قبل عدة أيام (18 من هذا الشهر) "باسم الحداثة المهندس السعودي يطمس ملامح القرى! في دول عربية كثيرة، وأخرى غربية كان المهندس حارسا للهوية المعمارية ومؤرخا للجمال المحلي، أما في السعودية، فقد أصبح كثير من المهندسين السعوديين مجرد مقاولي هدم، يباركون طمس الملامح، ويطاردون "الحداثة" بطريقة تثير الشفقة على ما آل إليه حالنا، ودورهم".. هذه التغريدة لقت رواجا بين المهتمين بالعمارة ووصلتني من أحدهم وكان ساخطا على رأي الشريان وقال "إنه ليس مطلعا على الموضوع وأدخل نفسه في موضوع شائك، حتى أنه لا يفرّق بين المهندس والمعماري، ولا يعرف التاريخ المهني الذي مر به المعماري والمهندس السعودي". قلت له إنها مجرد تغريدة ورأي حر من حق كل انسان أن يدلي بدلوه، والشريان أدلى بدلوه. قال: يفترض أنه إعلامي بارز وكثير من الناس يعتقدون أن ما قاله صحيح، والأمر غير ذلك. وأردف بقوله "الرأي مسؤولية وأمانة، وإذا كنت لا تعرف فخير لك الصمت". يبدو لي أن الشريان لم يبذل الجهد الكافي، قبل كتابة تغريدته، التي يتهم فيها بشكل مباشر وصريح المهندس السعودي (ولعله يقصد المعماري الذي هو مسؤول عن قضية التراث العمراني وليس المهندس) ووصمه بأنه تخلى عن التراث وكان مجرد مقاول لهدم ذلك التراث وتدميره، سوف أتحدث عن تجربتي الشخصية التي تمتد إلى أكثر من 40 عاما وهي مقاربة لتجارب كثير من الزملاء في هذا المجال وسوف أعرج على جيل سبقنا وكان يواجه "المعاول" التي تحدث عنها الشريان لأنها لم تكن في يوم معاول حركها المعماري السعودي بل كان دائما في مواجهتها، لكنها ربما كانت أقوى منه لأنه كان في بداية تكوينه المهني. قبل ذلك يجب أن أشير إلى أن أول برنامج للعمارة كان في عام 1967م في جامعة الملك سعود وأول كلية عمارة كانت في جامعة الملك فيصل (الإمام عبدالرحمن بن فيصل حاليا) عام 1975م، أي بعد أن قامت كثير من الأمانات والبلديات بنزع ملكية وهدم العديد من أواسط المدن والقرى التراثية قبل أن يتكوّن أي جيل معماري مهني في المملكة، في تلك الفترة كان المجتمع السعودي، بما في ذلك المؤسسات الحكومية المسؤولة عن المدن، مرحب بالحداثة صاحبه نزوح كبير إلى الأحياء الجديدة وهجر مواقع التراث. إذا لنقل إن الأساس الذي بنى الشريان تغريدته عليه لم يكن صحيحا، على أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إن ما قام به مجموعة من المعماريين السعوديين في نهاية السبعينات كان ملفتا فرغم أنه لم يتكون جيلا معماريا ناضجا، إلا أن الأوائل تنبهوا لهذا التدمير غير المبرر للتراث العمراني وحاولوا مواجهته ودراسة ما تبقى منه في تلك الفترة، من هؤلاء الدكتور صالح الهذلول الذي قدم أطروحته للدكتوارة عام 1980م وكانت حول المدينة العربية وتناولت مدينة الرياض والمدينة المنورة، وكذلك المعماري علي الشعيبي وغيرهم كثير الذين كانوا ينتمون إلى جيل السبعينات وتطور لديهم وعي عميق بأهمية التراث العمراني وضرورة المحافظة عليه وهم يرونه يدمّر أمام أعينهم. في تلك الفترة، أقصد مطلع الثمانينات، تطور جدل عميق بين المعماريين والأكاديميين السعوديين حول الهوية وعلاقتها بالتراث العمراني وسُطّرت العديد من الدراسات وأبحاث الدكتوراة والمقالات حول التراث العمراني. لكن يجب أن نفرّق بين ما يستطيع أن يصنعه المعماري والأكاديمي وبين القرارات التي تتخذها مؤسسات الدولة من خلال خططها التنموية التي كانت ترى أن إزالة التراث جزء من تلك الخطط. كانت هناك مقاومة وكان هناك تجارب ولم يكن المعماري السعودي راضيا عن تلك الإزالات أبدا. في منتصف الثمانينات تقريبا ظهر صوت قوي ومؤثر ينادي بالمحافظة على التراث العمراني وكان ذلك الصوت هو الأمير سلطان بن سلمان، فبعد عودته من رحلة الفضاء عام 1986م، وربما قبل ذلك، تشكل لديه تصور مختلف نحو "المكان" بكل ما يعنيه من بشر وعمران وثقافة، أذكر أنه قال ذات مرة "عندما رأيت أراضي المملكة من الفضاء، تخيلت كيف أن آباءنا وأجدادنا عاشوا على هذه الأرض التي كانت تظهر أمامي كبقعة صغيرة". في نهاية الثمانينات اقتنى الأمير نخيل العذيبات في الدرعية ومنها تطورت أعظم تجربة محلية حية لمعايشة التراث العمراني والمحافظة عليه حتى اليوم، الأمير سلطان لم يكتفِ بخلق تجربة حية، بل شارك المهنيين والأكاديميين همومهم وأصبح رئيسا فخريا للجمعية السعودية لعلوم العمران في مطلع التسعينات من القرن الماضي ومن ذلك المنبر عمل على عدة مشاريع لإيقاف التخريب "البلدي" فتلك المؤسسات كانت تزدري التراث وكان يقول إنه "كنز" سوف يكتشفون قيمته في يوم ما. في تلك المرحلة نادي بدمج التراث العمراني في التعليم المعماري وعقد مع جمعية العمران عدة ورش لملتقيات شاركت فيها الجامعات. لا أستطيع أن أقول إن الوعي الإداري لدى الجامعات كان ناضجا تجاه التراث العمراني في ذلك الوقت لكن محاولات الأمير لم تتوقف حتى اليوم. في عام 1996م أسس الأمير سلطان مؤسسة التراث، وهي لا تزال تعمل حتى اليوم وأسس معها جائزة الأمير سلطان للتراث العمراني، التي شرفت بأن أكون أحد أعضاء لجنتها العليا، وجميعها محاولات فردية لخلق وعي مجتمعي حول التراث، لكن النقلة الكبرى عندما أصبح الأمير أمينا عاما لهيئة السياحة عام 2001م ثم رئيسا لها بعد ذلك، فقد أسس برنامجا للمحافظة على القرى التراثية عام 2004م، قبل أن تنظم الآثار والتراث للهيئة عام 2008م، وأضيف برنامج آخر للمحافظة على أواسط المدن التاريخية ثم أُقرّ قانون الآثار والمتاحف والتراث العمراني عام 2015م، ولأول مرة على مستوى الدول العربية يطور قانون للتراث العمراني، ثم عمل على تطوير ميثاق التراث العمراني للدول العربية، وكنت ممثلا للهيئة في جامعة الدول العربية حتى أقر عام 2017م، على ما اظن، وتم تأسيس أول مرصد للتراث العمراني العربي في أول اجتماع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس. ولا يمكن أن أنسى رحلات الاستطلاع التي نظمتها هيئة السياحة والتراث لمواقع التراث الحية في العالم وكان الفريق يتكون من أمنا مناطق ورؤساء بلديات ومحافظين ومهنيين، فالأمير لم ينسَ معاول الهدم للتراث وأراد أن يغير تلك الثقافة من الداخل، من قلب المؤسسات التي أمرت بإزالته. هذا فيض من غيض ولا يتسع المقال للدخول في تفاصيل كثيرة ومهمة أسهمت دون شك في خلق ما أسميه "ثقافة التراث" التي نعيشها حاليا وكان للأمير سلطان الدور الأبرز في خلقها.

أليساندرو يخطب بالعربية
أليساندرو يخطب بالعربية

الشرق الأوسط

timeمنذ 12 ساعات

  • الشرق الأوسط

أليساندرو يخطب بالعربية

وقفَ الشَّابُّ الإيطالي على المنصة أمامَ مكبر الصَّوت. ألقى خطاباً ترحيبياً باللغة العربية جديراً بحسدِ أفضل الخطباء. لم يخطئْ في كلمة. لم يتلكَّأْ في جملة. لم يحرّف خاءً أو ضاداً أو عيناً. نطقها كلَّها كمَا يَجِبُ. وكانتْ قلوبُ المستمعين من الروائيين والشعراء والأكاديميين تنبضُ فرحاً. أليساندرو فوتيا طالب في سنتِه الرابعةِ في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو. والمناسبةُ هي الحفلُ الموسيقي الذي أقيم ضمنَ مهرجان اللغة والثقافة العربية. إنَّها الدورةُ الثامنةُ من هذا الملتقى الذي تساهم في استمراره «هيئةُ الشارقة للكتاب». وموضوعُ الدورةِ «اللسان المهاجر». دُعيتُ لندوةٍ عنوانُها «الإقامةُ في لغةِ الآخر». وجدتُ هذا الطالبَ يستقبلني في المطار ويقدّم نفسَه لي باسم إسكندر. أدهشني حديثُه السَّلِسُ بالعربيَّةِ الفُصحَى وزادَ من دهشتي سؤالُه عن اللهجات التي أفهمها. ففي لغتِنا مروحةٌ واسعةٌ من عشرات اللهجاتِ المحكيَّةِ، من طنجةَ إلى حضرَموتَ. اكتشفتُ أنَّ الشَّابَّ الإيطاليَّ النَّابهَ يجيدُ التَّمييزَ بينَ اللهجةِ المصريَّةِ وبينَ الشاميَّةِ، ويستطيعُ التحادثَ بهما. لن أتحدَّثَ هنا عن فرقةِ الكورال بقيادةِ هاني جرجي التي نقلتنا في مُركَّبٍ عذبٍ ما بين فيروزَ ومنير بشير وعمر خيرت وفريد الأطرش وشادية و«إن راح منك يا عين... هيروح من قلبي فين». تلك حكايةٌ تحتاجُ وقفة خاصة. لكن من الواجب تقديم التحية للمشرفين على معهد الثقافة واللغة العربية في ميلانو. يقوده الدكتور وائل فاروق. ما الذي جاء بهذا الشابِ المصري المسلم للتدريس في جامعة كاثوليكية تعلق الصلبان في قاعاتها؟ الجواب نقرأه فيما كتبه فاروق مؤخراً بمناسبة رحيلِ صديقه وأستاذه العلامة كريستيان فان نسبن. وهو راهب هولندي درس الفلسفة َالإسلامية في جامعة عين شمس قبل نصف قرن وقدَّم أطروحةَ دكتوراه في السوربون حول «مفهوم سننِ الله في تفسير القرآن الكريم». كانَ صديقاً مقرباً لعدد من أساتذة الأزهر، يدخل بيوتَهم ويأكلون على مائدته. كانَ يتقاسم مرتَّبَه مع عدد من الأسر المتعففة. كانَ الهولنديُّ كريستيان فان نسبن العضوَ الأجنبيَّ الوحيدَ في الجمعيةِ الفلسفيّة المصريّة، وفي المجلسِ الأعلى للثقافة. وعندما دُعي، عام 2002، للتَّدريس في السوربون، طَلبَ من زميلِه المصري أن يحلَّ مكانَه في الكُليَّةِ القبطية الكاثوليكية للعلوم الدينية. ومن هناك انتقل البروفسور وائل فاروق إلى ميلانو وجامعة القلب الأقدس. لم يكن أليساندرو وحدَه من شارك في الغناءِ ونشر في يوميات المؤتمر بهجة إضافية. كانَ بصحبة فريق من زملائه طلاب العربية وطالباتها. شابات وشبان كالورد، تطوَّعوا لمرافقة الضيوف والترجمة لهم وتسهيل تنقلاتهم في أروقة تاريخية لصرح عريق شيَّده مهندسٌ شهير قبل قرون. مبانٍ وحدائق يتنفس التاريخ في حجارة مبانيها، تردَّدت في قاعتها الكبرى قبل أيام أصوات تنشد: «طلعَ البدرُ علينا». متحف مفتوح تسمع فيه زقزقةَ اختلاط العربيةِ بالإيطالية. كم يبدو العالمُ مختلفاً حين يتفاهمُ ويَشْطُبُ التَّطرُّفَ من قاموسِه.

الشريان والتراث العمراني
الشريان والتراث العمراني

الرياض

timeمنذ 12 ساعات

  • الرياض

الشريان والتراث العمراني

في منتصف الثمانينات تقريبًا ظهر صوت قوي ومؤثر ينادي بالمحافظة على التراث العمراني، وكان ذلك الصوت هو الأمير سلطان بن سلمان، فبعد عودته من رحلة الفضاء عام 1986، وربما قبل ذلك، تشكل لديه تصور مختلف نحو "المكان" بكل ما يعنيه من بشر وعمران وثقافة.. فما أسميه "ثقافة التراث" التي نعيشها حاليًا كان للأمير سلطان الدور الأبرز في خلقها.. كتب الإعلامي داود الشريان في تغريدة له قبل عدة أيام (18 من هذا الشهر) "باسم الحداثة المهندس السعودي يطمس ملامح القرى! في دول عربية كثيرة، وأخرى غربية كان المهندس حارسا للهوية المعمارية ومؤرخا للجمال المحلي، أما في السعودية، فقد أصبح كثير من المهندسين السعوديين مجرد مقاولي هدم، يباركون طمس الملامح، ويطاردون "الحداثة" بطريقة تثير الشفقة على ما آل إليه حالنا، ودورهم".. هذه التغريدة لقت رواجا بين المهتمين بالعمارة ووصلتني من أحدهم وكان ساخطا على رأي الشريان وقال "إنه ليس مطلعا على الموضوع وأدخل نفسه في موضوع شائك، حتى أنه لا يفرّق بين المهندس والمعماري، ولا يعرف التاريخ المهني الذي مر به المعماري والمهندس السعودي". قلت له إنها مجرد تغريدة ورأي حر من حق كل انسان أن يدلي بدلوه، والشريان أدلى بدلوه. قال: يفترض أنه إعلامي بارز وكثير من الناس يعتقدون أن ما قاله صحيح، والأمر غير ذلك. وأردف بقوله "الرأي مسؤولية وأمانة، وإذا كنت لا تعرف فخير لك الصمت". يبدو لي أن الشريان لم يبذل الجهد الكافي، قبل كتابة تغريدته، التي يتهم فيها بشكل مباشر وصريح المهندس السعودي (ولعله يقصد المعماري الذي هو مسؤول عن قضية التراث العمراني وليس المهندس) ووصمه بأنه تخلى عن التراث وكان مجرد مقاول لهدم ذلك التراث وتدميره، سوف أتحدث عن تجربتي الشخصية التي تمتد إلى أكثر من 40 عاما وهي مقاربة لتجارب كثير من الزملاء في هذا المجال وسوف أعرج على جيل سبقنا وكان يواجه "المعاول" التي تحدث عنها الشريان لأنها لم تكن في يوم معاول حركها المعماري السعودي بل كان دائما في مواجهتها، لكنها ربما كانت أقوى منه لأنه كان في بداية تكوينه المهني. قبل ذلك يجب أن أشير إلى أن أول برنامج للعمارة كان في عام 1967م في جامعة الملك سعود وأول كلية عمارة كانت في جامعة الملك فيصل (الإمام عبدالرحمن بن فيصل حاليا) عام 1975م، أي بعد أن قامت كثير من الأمانات والبلديات بنزع ملكية وهدم العديد من أواسط المدن والقرى التراثية قبل أن يتكوّن أي جيل معماري مهني في المملكة، في تلك الفترة كان المجتمع السعودي، بما في ذلك المؤسسات الحكومية المسؤولة عن المدن، مرحب بالحداثة صاحبه نزوح كبير إلى الأحياء الجديدة وهجر مواقع التراث. إذا لنقل إن الأساس الذي بنى الشريان تغريدته عليه لم يكن صحيحا، على أن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد بل إن ما قام به مجموعة من المعماريين السعوديين في نهاية السبعينات كان ملفتا فرغم أنه لم يتكون جيلا معماريا ناضجا، إلا أن الأوائل تنبهوا لهذا التدمير غير المبرر للتراث العمراني وحاولوا مواجهته ودراسة ما تبقى منه في تلك الفترة، من هؤلاء الدكتور صالح الهذلول الذي قدم أطروحته للدكتوارة عام 1980م وكانت حول المدينة العربية وتناولت مدينة الرياض والمدينة المنورة، وكذلك المعماري علي الشعيبي وغيرهم كثير الذين كانوا ينتمون إلى جيل السبعينات وتطور لديهم وعي عميق بأهمية التراث العمراني وضرورة المحافظة عليه وهم يرونه يدمّر أمام أعينهم. في تلك الفترة، أقصد مطلع الثمانينات، تطور جدل عميق بين المعماريين والأكاديميين السعوديين حول الهوية وعلاقتها بالتراث العمراني وسُطّرت العديد من الدراسات وأبحاث الدكتوراة والمقالات حول التراث العمراني. لكن يجب أن نفرّق بين ما يستطيع أن يصنعه المعماري والأكاديمي وبين القرارات التي تتخذها مؤسسات الدولة من خلال خططها التنموية التي كانت ترى أن إزالة التراث جزء من تلك الخطط. كانت هناك مقاومة وكان هناك تجارب ولم يكن المعماري السعودي راضيا عن تلك الإزالات أبدا. في منتصف الثمانينات تقريبا ظهر صوت قوي ومؤثر ينادي بالمحافظة على التراث العمراني وكان ذلك الصوت هو الأمير سلطان بن سلمان، فبعد عودته من رحلة الفضاء عام 1986م، وربما قبل ذلك، تشكل لديه تصور مختلف نحو "المكان" بكل ما يعنيه من بشر وعمران وثقافة، أذكر أنه قال ذات مرة "عندما رأيت أراضي المملكة من الفضاء، تخيلت كيف أن آباءنا وأجدادنا عاشوا على هذه الأرض التي كانت تظهر أمامي كبقعة صغيرة". في نهاية الثمانينات اقتنى الأمير نخيل العذيبات في الدرعية ومنها تطورت أعظم تجربة محلية حية لمعايشة التراث العمراني والمحافظة عليه حتى اليوم، الأمير سلطان لم يكتفِ بخلق تجربة حية، بل شارك المهنيين والأكاديميين همومهم وأصبح رئيسا فخريا للجمعية السعودية لعلوم العمران في مطلع التسعينات من القرن الماضي ومن ذلك المنبر عمل على عدة مشاريع لإيقاف التخريب "البلدي" فتلك المؤسسات كانت تزدري التراث وكان يقول إنه "كنز" سوف يكتشفون قيمته في يوم ما. في تلك المرحلة نادي بدمج التراث العمراني في التعليم المعماري وعقد مع جمعية العمران عدة ورش لملتقيات شاركت فيها الجامعات. لا أستطيع أن أقول إن الوعي الإداري لدى الجامعات كان ناضجا تجاه التراث العمراني في ذلك الوقت لكن محاولات الأمير لم تتوقف حتى اليوم. في عام 1996م أسس الأمير سلطان مؤسسة التراث، وهي لا تزال تعمل حتى اليوم وأسس معها جائزة الأمير سلطان للتراث العمراني، التي شرفت بأن أكون أحد أعضاء لجنتها العليا، وجميعها محاولات فردية لخلق وعي مجتمعي حول التراث، لكن النقلة الكبرى عندما أصبح الأمير أمينا عاما لهيئة السياحة عام 2001م ثم رئيسا لها بعد ذلك، فقد أسس برنامجا للمحافظة على القرى التراثية عام 2004م، قبل أن تنظم الآثار والتراث للهيئة عام 2008م، وأضيف برنامج آخر للمحافظة على أواسط المدن التاريخية ثم أُقرّ قانون الآثار والمتاحف والتراث العمراني عام 2015م، ولأول مرة على مستوى الدول العربية يطور قانون للتراث العمراني، ثم عمل على تطوير ميثاق التراث العمراني للدول العربية، وكنت ممثلا للهيئة في جامعة الدول العربية حتى أقر عام 2017م، على ما اظن، وتم تأسيس أول مرصد للتراث العمراني العربي في أول اجتماع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في تونس. ولا يمكن أن أنسى رحلات الاستطلاع التي نظمتها هيئة السياحة والتراث لمواقع التراث الحية في العالم وكان الفريق يتكون من أمنا مناطق ورؤساء بلديات ومحافظين ومهنيين، فالأمير لم ينسَ معاول الهدم للتراث وأراد أن يغير تلك الثقافة من الداخل، من قلب المؤسسات التي أمرت بإزالته. هذا فيض من غيض ولا يتسع المقال للدخول في تفاصيل كثيرة ومهمة أسهمت دون شك في خلق ما أسميه "ثقافة التراث" التي نعيشها حاليا وكان للأمير سلطان الدور الأبرز في خلقها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store