logo
روسيا.. قراءة الخلية الحمراء للبراعم الخضراء

روسيا.. قراءة الخلية الحمراء للبراعم الخضراء

العربية٠٧-٠٥-٢٠٢٥

هل فقد الغرب أوراق نفوذه تجاه روسيا؟ وهل ستبوء كافة محاولات الرئيس دونالد ترمب، التصالحية والتسامحية مع الروس بالفشل؟ وما الذي يجعل الدبّ الروسيّ منطلقًا بقوة، وغير مقيَّدٍ من أي قوة سياسية حول العالم؟
العديد من التساؤلات التي باتت موضوعة على موائد النقاش الفكرية، لا سيما ضمن دوائر الأجهزة الاستخبارية الغربية الكبرى، والأميركية في مقدّمها، عطفًا على مراكز التفكير الأوروبية والأميركية على حدٍّ سواء.
ما الذي يجعل روسيا ومن جديد في بؤرة تلك القراءات المثيرة؟
المؤكد أن الانطلاقة القوية من جانب إدارة الرئيس ترمب، لإحداث ثغرة في جدار العلاقات الأميركية–الروسية، قد بدأت في التباطؤ بعض الشيء، لا سيّما بعد اتفاقية المعادن التي وقَّعها الجانبان الأميركي والأوكراني، والتي تعدّ مكسبًا كبيرًا جدًّا خالصًا للعمّ سام، وللاقتصاد الأميركي، وبخاصة حين يعلم المرء أن تلك المعادن في حالتها الخام تعادل تريليونات الدولارات، فما بالنا حال تصنيعها وتصديرها.
مهما يكن من أمر، فإن الدبَّ الروسي لا يقيد، بل على العكس، ها هو يكتسب يومًا تلو الآخر مساحات أوسع حول العالم، سواء من جرَّاء المبادرات الذاتية التي يقوم بها حول العالم، أو من خلال جني الأرباح الخاصة بالأخطاء الإستراتيجية الأميركية حول العالم.
أحد أهم التساؤلات المطروحة على مائدة النقاش في الوقت الراهن: "كيف أخفقت العقوبات الاقتصادية الغربية، أوروبية وأميركية، في تقويم سلوك بوتين، ولماذا لم تتعرض روسيا للانهيار بعد الحصار الخانق الذي أطبق عليها، منذ عام 2014، حين ضَمَّت شبه جزيرة القرم إلى أراضيها مرة جديدة، وصولاً إلى غزوها لأوكرانيا في فبراير 2022؟
الشاهد أن لدينا مدخلَيْن إلى الجواب:
الأول: يقدمه لنا البروفيسور ألكسندر كولي، أستاذ العلوم السياسية ونائب رئيس الجامعة للأبحاث والمراكز الأكاديمية في كلية برنارد، في نيويورك.
يعتبر البروفيسور كولي أن موسكو نجحت ومنذ عام 1999، في جعل استعادة نفوذها في "المحيط القريب" أولوية إستراتيجية في مساعيها الرامية إلى عودتها مرة جديدة كقوّةٍ عظمى.
ومع وصول بوتين إلى الكرملين عام 2000، حاول بقوة ومهارة معًا، أن يجمع شَمْل ما قد تفرق في أزمنة غورباتشوف ومن بعده يلتسين، لا سيّما أن تلك الحقبة قد حكمها الأوليجارشيون الروس، والذين وضعوا نصب أعينهم أهدافهم الذاتية، وليس مصلحة روسيا التي كانت عظمى.
عمل بوتين جادًّا على تعزيز العلاقات الثنائية عبر الدبلوماسية أول الأمر، وفي طريقه لتحقيق ذلك الهدف، استخدم القوات المسلحة في مرات أخرى.
بدأ بوتين ولايته بشن حملة عسكرية شرسة لإعادة الشيشان إلى سيطرة موسكو، وعلى مدار العقد التالي، كَثَّفَ محاولاته لكبح النفوذ الغربي في منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي، معارضًا استمرار وجود القواعد العسكرية الأميركية في آسيا الوسطى وما يسمى بالثورات الملونة التي أوصلت حكومات أكثر تأييدًا للغرب إلى السلطة في جورجيا وقرغيزستان وأوكرانيا.
برَّرَ الكرملين حربه عام 2008 مع جورجيا بأنها محاولة لحماية منطقة نفوذ روسيا المتميزة في الجوار القريب، وقد توجت الأولوية الإستراتيجية لموسكو في كبح النفوذ الغربي في منطقتها الآن بعملياتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا ومواجهة استمرت ثلاث سنوات مع الغرب حول مستقبل أوكرانيا.
على أن ذكاء القيصر بوتين، لم يتوقف عند الآلة العسكرية فحسب، بل عمل على إنجاح مساعيه عبر البديل الاقتصادي، مؤمنًا بأنه ليس الجيوش فقط من تمشي على بطونها، كما قال نابليون بونابرت ذات مرة، بل الشعوب أيضا، وهو الأمر الذي عرفه الرومان قبل ألفي عام، من أن من يعطي الخبز، يستطيع أن يفرض شريعته.
في هذا الإطار وفرت روسيا طاقة رخيصة ودفعت بسلسلة من المبادرات الإقليمية لتعزيز التكامل الاقتصادي، فأنشأت الجماعة الاقتصادية الأوراسية، على غرار الجماعة الأوروبية السابقة، وفي عام 2007، شكّلتْ اتحادًا جمركيًّا أكثر صرامة مع بيلاروسيا وكازاخستان، مرسية بذلك تعريفة جمركية خارجية مشتركة. وفي عام 2014، شكلت أرمنيا وكازاخستان وروسيا اتحادًا اقتصاديًّا أوراسيًّا أكثر شمولاً بمؤسّسة حاكمة فوق وطنية، وما لبثت قرغيزستان أن انضمت إليه في عام 2015، ولاحقًا عندما انسحب الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش من الشراكة الشرقية للاتحاد الأوروبي تحت ضغط روسي، وأعرب عن تفضيله الإنضمام إلى الاتحاد، أشعل ذلك احتجاجات الميدان الأوروبي التي أدت في النهاية إلى انهيار حكومته.
ماذا عن المدخل الثاني؟
هو ذاك المتعلق بعنوان هذه القراءة، أما الخلية الحمراء، فهي وحدة خاصة من وحدات الاستخبارات المركزية الأميركية CIA وعملها الرئيس هو استشراف المستقبل، والتجهز بمناهج جديدة بديلة لمواجهة تحديات السياسة الخارجية والأمن القومي، عطفًا على أي نازلة من نوازل الزمن في بقاع وأصقاع الأرض.
أحدث تقارير الخلية الأميركية الحمراء، جاء يحمل عنوان "البراعم الخضراء" لروسيا الاتحادية، والرمز والدلالة هنا واضحان، أي زمن النمو الروسي القادم، والذي لم تعد هناك سدود تسده، أو حدودٌ تَحُدُّه.
كانت الأسئلة الموضوعة على مائدة النقاش مهمة للغاية وحيوية إلى أبعد حدٍّ ومَدٍّ، وفي مقدّمها: "هل روسيا بعد ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا، أضعف مما كانت عليه مسبقًا؟ هل روسيا دولة محكومة بالزوال عما قريب من جراء العقوبات الغربية عليها؟ هل نصح القائمون على الخلية الحمراء الرئيس ترمب بفتح مسارات لإنهاء المواجهة التي خلفتها إدارة بايدن مع الروس وخلق حالة من عودة العلاقات الطبيعية؟
جاءت إجابات خبراء الخلية الاستخبارية الأميركية مثيرة، وفيها على سبيل المثال أن روسيا وإن ظلت عالقة في صراع لا ينتهي مع الغرب، أو إذا كانت في طريقها للاندماج بصورة أو بأخرى مع الصين، إلا أن لديها خيارات أخرى تدعم حضورها العالميّ، هذه هي البراعم الخضراء، والتي تعتمد على عدّة حقائق باتت تمثل روافع روسيا القوية القائمة والقادمة.. ماذا عن ذلك؟
من الواضح أن بوتين عرف كيف يقرأ جيدًا تحولات القوة الاقتصادية أول الأمر من أوروبا التي راكمت ثروات العالم القديم عبر خمسة قرون، إلى آسيا التي باتت قلب العالم الجديد، ومركز توازنه، وليس القارة القديمة التي باتت تتنكر اليوم لقضايا التنوير والتثوير العقلاني، وتفرغت قطاعات واسعة من شعوبها، لقضايا يمينية وشعبويات قومية، ترفع شعارات تفرق ولا توفق، وتجرح ولا تشرح.
من هذا المنطلق، لم يُعِرْ بوتين الكثير من الاهتمام بالغرب الأوروبي ودوله، ووجد متنفَّسًا واسعًا في النصف الشرقي من الكرة الأرضية، ينسج خيوطه من حوله، ويمدّ خطوطه ناحية شعوبه، ولهذا لم تتأثر دوائر روسيا إلا قليلا من جراء مكايدات الغرب الاقتصادية.
هل كان تغير المناخ بمثابة فتح جديد لروسيا، عزز من موقعها وموضعها العالميَّيْن؟
ذلك كذلك، قولاً وفعلاً، فقد أدى ذوبان الثلج في القطب الشمالي إلى أمرين صَبَّا في صالح موسكو: الأول هو الكشف عن الكثير من المعادن النفيسة والنفط والغاز، في أماكن تقع في المناطق الخاضعة للسيطرة الروسية، ما يعزز من مقدرات اقتصاد موسكو، فيما الأمر الآخر، هو أنه فتح لها طريقًا في القطب الشمالي للسفن والمركبات البحريّة، عوضًا عن الاستدارة حول العالم.
وحال أضفنا إلى ما تقدم إمكانات روسيا في مجالات الطاقة المتجددة لا سيما الطاقة النووية، وترحيب شعوب الجنوب العالمي بعودتها، وإنهاء حالة التفرد الأميركي بالقرار، بالإضافة إلى كونها دولة نووية لا يمكن أن تهزم عسكريًّا، يضحي حديث البراعم الخضراء حقيقة باعتراف الخلية الحمراء.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

75 غارة على غزة... وإسرائيل تتهم فرنسا وبريطانيا بتشجيع «حماس»
75 غارة على غزة... وإسرائيل تتهم فرنسا وبريطانيا بتشجيع «حماس»

الشرق الأوسط

timeمنذ 37 دقائق

  • الشرق الأوسط

75 غارة على غزة... وإسرائيل تتهم فرنسا وبريطانيا بتشجيع «حماس»

قالت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، اليوم (الجمعة)، إن سلاح الجو شنَّ أكثر من 75 غارةً على أنحاء متفرقة في قطاع غزة خلال الساعات الـ24 الماضية. وذكرت المتحدثة كابتن إيلا، في حسابها على منصة «إكس»، أن طائرات الجيش نفَّذت غاراتها على «أهداف»، من بينها منصات إطلاق، ومبانٍ عسكرية، ومخازن وسائل قتالية، على حد وصفها. في المقابل، أفادت إذاعة «الأقصى» الفلسطينية بأن 28 شخصاً لقوا حتفهم جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، منذ فجر اليوم. وكان الدفاع المدني في غزة أعلن، في وقت سابق اليوم، مقتل 16 شخصاً في غارات إسرائيلية على مناطق مختلفة في القطاع الفلسطيني. وأفاد محمد المغير، مدير الإمداد الطبي في الدفاع المدني «وكالة الصحافة الفرنسية»، بسقوط «16 شهيداً وعشرات المصابين إثر غارات جوية شنَّها الاحتلال في مناطق عدة بقطاع غزة منذ منتصف الليل». وأشار إلى «سقوط عشرات الجرحى» في الغارات التي أصابت منازل في وسط قطاع غزة وجنوبه. فلسطينيون يتفقدون مبنى مدمراً إثر غارة جوية إسرائيلية على شارع النصر في مدينة غزة... 22 مايو 2025 (إ.ب.أ) واستأنفت إسرائيل ضرباتها في 18 مارس (آذار) بعد تعثر المفاوضات غير المباشرة مع حركة «حماس» لتمديد الهدنة التي استمرَّت شهرين. يأتي هذا بينما اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، نظيره البريطاني كير ستارمر بـ«تشجيع حماس»، بعدما انضم ستارمر إلى قائدَي فرنسا وكندا في الدعوة إلى وقف الهجوم العسكري الإسرائيلي وإنهاء القيود على المساعدات الإنسانية، حسبما ذكرت وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا)، اليوم (الجمعة). وأدان ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي مارك كارني، في وقت سابق من الأسبوع الحالي، الإجراءات «الشنيعة» للحكومة الإسرائيلية في غزة، محذّراً من أن المملكة المتحدة وحلفاءها سيتَّخذون «إجراءات ملموسة» ما لم يغير نتنياهو مساره. وقال نتنياهو، في منشور عبر منصة «إكس»، مساء أمس (الخميس) إن حركة «حماس» ترغب في «تدمير الدولة اليهودية» و«القضاء على الشعب اليهودي». وذكر نتنياهو: «لا يمكنني فهم كيف تغيب هذه الحقيقة البسيطة عن قادة فرنسا وبريطانيا وكندا وغيرهم». وأضاف: «أقول للرئيس ماكرون ورئيس الوزراء كارني ورئيس الوزراء ستارمر، عندما يشكركم القتلة والمغتصبون وقاتلو الأطفال والخاطفون، فأنتم على الجانب الخطأ من العدالة». وتابع قائلاً: «هؤلاء القادة الثلاثة يقولون عملياً إنهم يرغبون في بقاء (حماس) في السلطة، لأنهم يصدرون مطلبهم الزاخر بالتهديدات بفرض عقوبات ضد إسرائيل، ضد إسرائيل وليس (حماس)». وأشار نتنياهو إلى أن إجراءات القادة لا «تدفع السلام قدماً»، بل «تشجع (حماس) على مواصلة الحرب للأبد».

بعد لقاء ترمب ورامافوزا... هل تنجح أميركا وجنوب أفريقيا في إنقاذ العلاقات من حافة الانهيار؟
بعد لقاء ترمب ورامافوزا... هل تنجح أميركا وجنوب أفريقيا في إنقاذ العلاقات من حافة الانهيار؟

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

بعد لقاء ترمب ورامافوزا... هل تنجح أميركا وجنوب أفريقيا في إنقاذ العلاقات من حافة الانهيار؟

جاءت القمة التي جمعت بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب ونظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا في وقت حساس بالعلاقات بين البلدين، وسط تراكم الخلافات السياسية والاقتصادية وتباين المواقف من القضايا الدولية، ما يثير تساؤلات حول مستقبل الشراكة بين واشنطن وبريتوريا، وفق تقرير لـ«وكالة الأنباء الألمانية». وتقول الباحثة الأميركية ميشيل غافين، في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إنه لا يمكن أن تكون خلفية الاجتماع الذي عُقِد في 21 مايو (أيار) بين ترمب ورامافوزا أكثر قتامة؛ ففي غضون أشهر قليلة، أوقفت الولايات المتحدة مساعداتها الخارجية لجنوب أفريقيا، وبدَّدت الآمال في تمديد اتفاقية تجارية قائمة، وهدّدت بفرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 30 في المائة، وطردت سفير جنوب أفريقيا من واشنطن، ووجّهت مراراً اتهامات للحكومة بالتقاعس عن التصدي لإبادة جماعية جارية في البلاد. وبالفعل، ورغم أن إدارة ترمب لا تُعرف باهتمامها الخاص بالشؤون الأفريقية، فإن تركيزها اللافت على تطورات الأوضاع في جنوب أفريقيا، سواء كانت حقيقية أم متخيلة، يُعد استثناء واضحاً. الرئيس الأميركي دونالد ترمب يحمل مقالات إخبارية تتحدث عن عنف في جنوب أفريقيا خلال اجتماع مع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا في المكتب البيضاوي للبيت الأبيض في واشنطن، 21 مايو 2025 (إ.ب.أ) وبحسب الباحثة غافين، توجد خلافات حقيقية وجوهرية بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا تعود إلى ما قبل الأزمة الدبلوماسية الحالية، وقد أثارت قلقاً مشتركاً بين الحزبين في الكونغرس الأميركي منذ وقت طويل قبل بداية الولاية الثانية للرئيس ترمب. وترى قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي لا يزال الحزب السياسي المهيمن في جنوب أفريقيا، رغم فقدانه للأغلبية المطلقة، العالم من منظور آيديولوجي تُعتبر فيه الولايات المتحدة عائقاً أمام إقامة عالم أكثر عدالة، بينما تقدّم دول مثل إيران وروسيا والصين، رغم قمعها العنيف للمعارضة في الداخل، صيغة أكثر إيجابية بكثير، وفق منظور هذا الحزب. ورغم أن جنوب أفريقيا تقول إنها تتبنى سياسة عدم الانحياز، فإن رد فعلها حيال غزو روسيا لأوكرانيا كشف عن استعدادها لمنح موسكو هامشاً واسعاً من التسامح، وأظهر أن معارضتها للإمبريالية تتسم بتناقض عميق. وفي عام 2023، وبتعبير عن التعاطف الواسع مع القضية الفلسطينية المنتشر عبر القارة، رفعت حكومة جنوب أفريقيا دعوى أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بشن حملة إبادة جماعية في غزة. وتعرّض الدعم العسكري الأميركي المستمر لإسرائيل لانتقادات لاذعة، ويتهم العديد من الجنوب أفريقيين الولايات المتحدة بالنفاق وازدواجية المعايير في تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان. وترى غافين أن حرص جنوب أفريقيا، شأنها شأن العديد من الدول الصغيرة، على التعددية وسعيها لإصلاح المؤسسات الدولية بما يعكس بشكل أفضل مصالح القارة الأفريقية، أدى مؤخراً إلى اصطدام مع ازدراء إدارة ترمب لتلك المؤسسات نفسها، وإصرارها على أن تعيد تشكيل نفسها لتعكس أولويات واشنطن. ولا يوجد مثال أوضح على ذلك من الرفض الأميركي الظاهر لقمة مجموعة العشرين المقبلة المزمع عقدها في جنوب أفريقيا، وهو موقف تم تفسيره تارةً على أنه اعتراض على شعارات القمة التي تركز على شعارات «المساواة والتضامن والاستدامة»، وتارة أخرى كاحتجاج على ما تقول إدارة ترمب إنه اضطهاد للأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا. خلال لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب بنظيره الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، 21 مايو 2025 (إ.ب.أ) وتقول غافين إن الحسابات السياسية الداخلية تلعب أيضاً دوراً في مواقف كلا الرئيسين. فرامافوزا، من جهته، يرى أن الوقوف في وجه الرئيس ترمب والتأكيد على أن جنوب أفريقيا لن ترضخ للترهيب أمر بالغ الأهمية. وقد رجح خصومه السياسيون أن زيارته إلى واشنطن مغامرة غير محسوبة، وأي إشارة إلى التراجع أو الضعف ستُعد خيانة لقيم جنوب أفريقيا وسيادتها. وفي الوقت نفسه، فإن مواجهة محتملة في البيت الأبيض قد تحمل مكاسب سياسية؛ إذ يدرك رامافوزا جيداً أن استهداف ترمب لشخص ما يمكن أن يتحول إلى ورقة قوة سياسية قادرة على توحيد الرأي العام، كما أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة في كندا وأستراليا. وقد يرى ترمب في جنوب أفريقيا ساحة مثالية لإيصال رسالة، مفادها أن الولايات المتحدة ستعاقب الدول الأضعف التي لا تصطف خلف مواقفه المفضلة. ومن المرجح أن يؤتي هذا التوجه السياسي بنتائج سلبية على الولايات المتحدة؛ فالشركات الأميركية العاملة في جنوب أفريقيا ستتضرر إلى جانب نظيراتها الجنوب أفريقية، وستؤدي النتيجة إلى ازدياد حماس جنوب أفريقيا للتقارب مع الصين وروسيا، وإلى معوقات اقتصادية تصب في مصلحة فاعلين سياسيين داخل جنوب أفريقيا أكثر عداء للولايات المتحدة من الحكومة الحالية. ووفق الباحثة غافين، سينشأ جيل جديد من الجنوب أفريقيين يرى في الولايات المتحدة خصماً حريصاً على إفشال ديمقراطيتهم، بينما سيستغل خصوم واشنطن على الساحة العالمية سعي إدارة ترمب لمعاقبة جنوب أفريقيا لتصوير أميركا كقوة شريرة على المسرح الدولي. وتخلص غافين إلى أنه حتى لو توصل ترمب ورامافوزا إلى اتفاق، فقد تكون هذه الخطوة تراجعاً مؤقتاً عن حافة الهاوية، لا بداية لمرحلة جديدة؛ إذ لا بد لأي اتفاق أن يحقق نتائج إيجابية على ضفتي الأطلسي، كي يتمكن من تجاوز التباينات العميقة في الرؤى والضغوط الداخلية المستمرة التي لا تزال تشد الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا في اتجاهين متباينين.

«رئيساً للأبد»... ترمب ينشر فيديو يظهر بقاءه في الحكم لما بعد ولايته الثانية
«رئيساً للأبد»... ترمب ينشر فيديو يظهر بقاءه في الحكم لما بعد ولايته الثانية

الشرق الأوسط

timeمنذ ساعة واحدة

  • الشرق الأوسط

«رئيساً للأبد»... ترمب ينشر فيديو يظهر بقاءه في الحكم لما بعد ولايته الثانية

نشر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الخميس، مقطع فيديو عبر منصة «تروث سوشيال»، يظهر فيه، بشكل افتراضي على غلاف مجلة «تايم» الأميركية، فوزه بعدد لا نهائي من الدورات الانتخابية الرئاسية، ويختتم بعبارة «ترمب رئيساً للأبد». ويجدِّد الفيديو التساؤلات بشأن نية ترمب خرق الدستور، الذي يعارض تولي الرئيس السلطة لأكثر من ولايتين. وكان ترمب قد أثار منذ فترة فكرة ترشحه لولاية ثالثة، وهو الأمر الذي يثير القلق بين معارضيه، الذين يقولون إنه يحكم بطريقة استبدادية، ويخشون أن يحاول الاستيلاء على السلطة بشكل غير ديمقراطي، كما حاول أن يفعل بعد خسارة انتخابات 2020. وكذلك أشار ترمب، منذ فترة، إلى نفسه باسم «الملك» على وسائل التواصل الاجتماعي، ونشر البيت الأبيض صورةً له وهو يرتدي تاجاً بعد إعلانه أن نيويورك «أُنقذت» من خلال تحركه لإلغاء الموافقة الفيدرالية على رسوم الازدحام في المدينة، وكتب ترمب: «عاش الملك»، وأعاد البيت الأبيض نشر عبارته على وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة به. ويزعم ترمب أن لديه تفويضاً كاسحاً من الشعب الأميركي، ويقول بشكل غير دقيق إنه فاز «بأغلبية ساحقة»، وهي ادعاءات لا تدعمها نتائج الانتخابات، وكذلك استشهد بعبارة غالباً ما تُنسب إلى الديكتاتور الفرنسي نابليون بونابرت بأنه «مَن ينقذ بلاده لا ينتهك أي قانون». «CONGESTION PRICING IS DEAD. Manhattan, and all of New York, is SAVED. LONG LIVE THE KING!«–President Donald J. Trump — The White House (@WhiteHouse) February 19, 2025 وفي الواقع، كان فوز ترمب ضئيلاً تاريخياً، مع أصغر هامش انتصار في التصويت الشعبي الوطني لأي رئيس فاز بالتصويت الشعبي، منذ ريتشارد نيكسون في عام 1968. وفي فبراير (شباط)، خلال احتفال نظَّمه البيت الأبيض بمناسبة شهر تاريخ السود، الذي يحتفي بتاريخ الأميركيين السود، سأل ترمب الحضور عمَّا إذا كان يجب أن يترشَّح مرة أخرى، وردوا عليه بهتاف: «4 سنوات أخرى».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store