
ضريبة الدخل في عُمان خطوة نحو الاستدامة المالية أم تحد جديد؟
ويتضمن القانون الجديد 76 مادة موزعة على 16 فصلا، ومن المقرر أن يدخل حيّز التنفيذ مطلع عام 2028. ويستهدف الأفراد الذين يتجاوز دخلهم الإجمالي السنوي 42 ألف ريال عُماني (109 آلاف دولار)، من خلال فرض ضريبة بنسبة 5% على الدخل الخاضع للضريبة.
نحو تنويع الإيرادات
يمثل فرض ضريبة الدخل جزءا من خطة شاملة لتحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040″، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على العوائد النفطية، والتي لا تزال تُشكّل ما بين 68% و85% من إجمالي الإيرادات العامة، تبعا لتقلبات أسعار النفط العالمية.
ويهدف القانون، بحسب جهاز الضرائب العُماني، إلى:
دعم الاستقرار المالي.
إعادة توزيع الثروات بما يعزز العدالة الاجتماعية.
تخصيص جزء من عائداته لتمويل منظومة الحماية الاجتماعية.
وأكد وزير الاقتصاد العماني الدكتور سعيد بن محمد الصقري أن القانون يمثل خطوة إستراتيجية لتعزيز وتنويع الإيرادات العامة. وقال إن "الضريبة تعد رافدا جديدا لتنويع مصادر الإيرادات العامة وتجنب المخاطر المرتبطة بالاعتماد على النفط كمصدر رئيس للإيرادات، مع الحفاظ على استمرارية مستويات الإنفاق الاجتماعي والخدمي، وضمان الاستقرار المالي والاقتصادي الذي تحقق خلال السنوات الماضية".
وأضاف الصقري أن أكثر من 190 دولة حول العالم تطبق هذا النوع من الضرائب، وغالبا ما تُشكّل ضرائب الدخل الجزء الأكبر من إيرادات تلك الدول، مما يجعل هذه الخطوة منسجمة مع التوجهات الاقتصادية العالمية.
وأشار إلى أن تطبيق هذه الضريبة في عُمان يحمل في طياته فوائد اقتصادية عديدة، من أبرزها دعم الإستراتيجية الوطنية لتنويع مصادر الدخل، وتحقيق الاستقرار المالي طويل المدى كإحدى ركائز النمو الاقتصادي، فضلا عن استمرار ثقة المستثمرين في الاقتصاد العُماني.
كما تُعد الضريبة مصدرا مستداما للإيرادات الحكومية، يُسهم في الحفاظ على متانة المركز المالي للدولة وجودة تصنيفها الائتماني ، إلى جانب دعم الإنفاق الاقتصادي، وزيادة القدرة الشرائية للفئات المستفيدة من إيراداتها، مما ينعكس بشكل مباشر وإيجابي على حجم الطلب الكلي ونمو الاقتصاد.
وحسب الوزير، سيساعد تطبيق القانون في تعزيز قدرة الدولة على الاستمرار في تمويل القطاعات الحيوية، وعلى رأسها الصحة، والتعليم، والحماية الاجتماعية. وقد خُصص في ميزانية العام المالي 2025 أكثر من 5 مليارات ريال عُماني (13 مليار دولار) للقطاعات الاجتماعية، منها 39% للتعليم، و24% للصحة، و28% لمنظومة الحماية الاجتماعية التي يستفيد منها قرابة مليوني شخص شهريا.
إعفاءات مدروسة وتأثير محدود
بحسب جهاز الضرائب، فقد استند القانون إلى دراسة موسعة لقياس الأثرين الاقتصادي والاجتماعي، وتم اعتماد حد إعفاء سنوي قدره 42 ألف ريال عُماني، وهو ما يعني أن 99% من المواطنين لن تشملهم الضريبة. كما تضمّن القانون إعفاءات اجتماعية، من بينها الزكاة، والتبرعات، والنفقات الصحية والتعليمية، والمساكن الأساسية.
وأكدت مديرة مشروع الضريبة على دخل الأفراد كريمة بنت مبارك السعدية أن جهاز الضرائب أكمل جميع التجهيزات المطلوبة لتطبيق القانون، بما في ذلك النظام الإلكتروني المخصص، ودليل إرشادي شامل، بالإضافة إلى تدريب الكوادر البشرية المعنية. وأوضحت أن اللائحة التنفيذية للقانون ستصدر خلال عام من تاريخ نشره.
دعم وتحفظات
أثارت الخطوة الجديدة نقاشا واسعا وتباينا في الآراء داخل المجتمع العُماني. ففي حين يرى البعض أنها ضرورة لتعزيز العدالة المالية، يعبّر آخرون عن مخاوف تتعلق بتوقيت التطبيق وتداعياته الاجتماعية والاقتصادية.
وقال الشاب غالب بن علي الزيادي للجزيرة نت إن "ضريبة الدخل ليست عبئا، بل انعكاس لنضج الاقتصاد والمشاركة المجتمعية في بناء الدولة. من المهم أن ننظر إلى ضريبة الدخل بوعي يتجاوز الفكرة التقليدية بأنها مجرد اقتطاع مالي".
في المقابل، عبّر المحلل الاقتصادي خلفان الطوقي عن بعض التحفظات، مشددا على ضرورة أن توازن الحكومة بين العائد المالي والآثار المحتملة على المجتمع والاقتصاد. وقال إن "تطبيق الضريبة يتطلب دراسة دقيقة للخصوصية العُمانية وتوقّع ردود الفعل المجتمعية".
وأشار الطوقي إلى أن الاستعانة باستشاريين دوليين قد لا يراعي بالضرورة الخصوصيات المحلية، داعيا إلى الاستفادة من الكفاءات الوطنية في إعداد دراسات أكثر واقعية. وتساءل: "هل نحن مستعدون لتحمّل تبعات هذه الضريبة دون وجود ضمانات كافية لعدالتها وشفافيتها؟"، كما طرح تساؤلات مهمة، منها: "هل سيدفع المواطن ضريبة مقابل تمثيل سياسي أوسع؟ وهل ستُترجم هذه الضريبة إلى خدمات ملموسة؟"، وشدد على أهمية ضمان العدالة والشفافية في التطبيق، دون استثناءات.
وحذّر من احتمالات التهرب الضريبي، خاصة من الفئات ذات الدخل المرتفع، مؤكدا أهمية الرقابة الفعالة على تطبيق القانون لضمان نجاحه.
من جهته، قال الكاتب الاقتصادي يحيى العوفي إن القانون يمس فقط 1% من المواطنين، وقد راعى الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحلية. لكنه أضاف أن على الحكومة التوسع في خلق فرص استثمارية، لتجنب الاعتماد المفرط على الضرائب كمصدر للدخل.
أما المواطن أحمد الشبلي، فقد أعرب عن دعمه للقانون، قائلا: "فرض ضريبة على أصحاب الدخل المرتفع يعزز مبدأ العدالة المالية. هذا القانون لا يؤثر على الطبقة المتوسطة، بل يسهم في تقوية الاقتصاد الوطني".
نقطة تحول مالي
مع اقتراب نهاية الخطة الخمسية العاشرة، تُعد ضريبة الدخل على الأفراد نقطة تحوّل في مسار السياسات الاقتصادية العُمانية، إذ تنسجم مع تطلعات رؤية "عُمان 2040" التي تضع في صميم أهدافها تحقيق الاستدامة المالية، والتوزيع العادل للثروات، وتعزيز ثقة المجتمع والمستثمرين في الدولة.
ورغم استمرار الأسئلة المطروحة بشأن توقيت التنفيذ ومجالات إنفاق العائدات، فإن الجهود المبكرة للتحضير للقانون، إلى جانب وضوح المعايير وآليات التطبيق، يُعدان عاملين أساسيين لكسب ثقة المجتمع وضمان نجاح الانتقال إلى نظام ضريبي أكثر عدالة واستدامة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 15 ساعات
- الجزيرة
سنونو.. حلم شاب قطري يتحول إلى شراكة إقليمية ضخمة
الدوحة– أعلنت شركة سنونو القطرية دخولها في شراكة إستراتيجية مع مجموعة "جاهز" لخدمات التوصيل في السعودية. وترفع هذه الخطوة تقييم شركة سنونو إلى أكثر من مليار ريال قطري (248.68 مليون دولار)، ويقربها من دخول نادي اليونيكورن -الشركات ذات القيمة السوقية التي تبلغ مليار دولار- لتكون بذلك أول شركة قطرية في مجال التكنولوجيا تقترب من هذا الإنجاز. ويرى المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة سنونو، حمد مبارك الهاجري، أن هذا التحالف الإستراتيجي مع مجموعة "جاهز" يمثل لحظة فارقة في مسيرة سنونو، التي انطلقت قبل 6 أعوام، في حلم سعى من خلاله لاقتحام العالم الرقمي في الخليج. ويقول في تصريح للجزيرة نت: "من خلال هذا الاتفاق، نبني معا بطلا إقليميا في مجال التكنولوجيا، قائمًا على القيم المشتركة والرؤية الموحدة للابتكار والتميز والنمو المستدام من خلال توحيد الجهود، والجمع بين نقاط القوة والخبرة العميقة في الأسواق لوضع معايير جديدة للاقتصاد الرقمي في الخليج". التحول الرقمي وحسب الهاجري، فإن الصفقة هي تعاون تجاري والتزام ببناء مستقبل تسهم فيه التكنولوجيا في ربط المجتمعات وتحسين جودة الحياة، مع تعزيز مكانة قطر بوصفها مركزا رائدا للتحول الرقمي في المنطقة. وتعكس الشراكة التزام سنونو تجاه قطر بوصفها سوقا ذات إمكانات، كما أنها تدعم مسيرة نمو الشركة المستمر، ودفع عجلة التقدم التكنولوجي، وتقديم قيمة حقيقية لمستخدميها وشركائها التجاريين، وتوفير تجارب استثنائية على نطاق واسع. ومن شأن الاتفاق أن يسرع مهمة سنونو لتقديم حلول تقنية متطورة، وتمكين الكفاءات المحلية، وجذب العقول المبدعة من مختلف أنحاء العالم لدعم نمو المنظومة التقنية في قطر، كما أنه يعزز الثقة ببنية قطر الرقمية وقدرتها على الريادة في مجال التكنولوجيا. ويجمع الاتفاق بين ديناميكية سنونو وخبرة شركة "جاهز" لبناء كيان قوي يعيد تشكيل تجربة الاقتصاد الرقمي في دول الخليج. استثمار ضخم غير نفطي أعرب رئيس مجلس إدارة سنونو سعود بن عبد الله العطية -عبر منصة إكس- عن سعادته بهذه الخطوة الهامة، لافتا إلى أن فكرة تأسيس الشركة جاءت من قلب قاعة تعليمية في جامعة "إتش إي سي باريس" في مؤسسة قطر. إعلان وأضاف أن "هذا الاستثمار يعكس عمق التكامل الاقتصادي القطري السعودي، ويجسد روح التعاون الخليجي الذي نعتز به جميعًا كركيزة قوة وازدهار لمستقبل منطقتنا". وفى بيان لها، أعلنت مجموعة "جاهز" السعودية إبرامها اتفاقية شراء واكتتاب بغرض الاستحواذ على ما نسبته 76.56% في شركة سنونو القابضة القطرية، موضحة أنه بموجب الاتفاقية ستقوم بشراء نحو 8.144 ملايين سهم من مساهمي شركة سنونو الحاليين، تمثل 75% من رأسمال شركة سنونو، وكذلك الاكتتاب في 723 ألفا و960 سهما جديدا من أسهم شركة سنونو القابضة تمثل نسبة إضافية تعادل 1.56% من رأسمالها. ومن ثم ستبلغ ملكية شركة "جاهز" الإجمالية في شركة سنونو بعد إكمال إجراءات الصفقة ما نسبته 76.56% من رأسمال شركة سنونو، وسيحتفظ مؤسس شركة سنونو بالنسبة المتبقية البالغة 23.44%، حسب البيان. بنود الاتفاق تدفع "جاهز" 214 مليون دولار (802 مليون ريال سعودي) نقدا إلى مساهمي شركة سنونو الحاليين بغرض إتمام عملية شراء الأسهم الحالية، ونقل وتخصيص نحو 1.538 مليون سهم عادي من أسهم "جاهز"، تمثل ما نسبته 0.73% من إجمالي رأس مال شركة "جاهز" المحتفظ بها كأسهم خزينة، إلى مؤسسة سنونو. تدفع "جاهز" 20 مليون دولار (75 مليون ريال سعودي) إلى شركة "سنونو" بغرض إتمام عملية الاكتتاب في الأسهم الجديدة. أبرمت "جاهز" اتفاقية مساهمين مع سنونو، سوف تدخل حيز التنفيذ بعد إتمام الصفقة، وذلك بغرض تنظيم حوكمة شركة سنونو بعد إتمام الصفقة. قصة نجاح قطرية وقال رئيس مجلس إدارة مجموعة "جاهز" الأمير مشعل بن سلطان بن عبدالعزيز آل سعود -في تصريح للجزيرة نت- إن "شركة جاهز تم تأسيسها لتكون رائدة في مجال الشركات الناشئة السعودية، ونفخر اليوم بالشراكة مع واحدة من أبرز قصص النجاح القطرية". وتابع: "تمثل هذه الشراكة خطوة مهمة نحو تحقيق رؤيتنا المشتركة الطويلة الأمد في تشكيل مستقبل التقنية والتجارة في المنطقة، ومن خلال جمع اثنين من الرواد المحليين في المجال التقني، نؤكد التزامنا المستمر بالابتكار والتعاون الإقليمي، ودعم المرحلة التالية من النمو الرقمي في منطقتنا". وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة جاه غصاب المنديل -للجزيرة نت- إن "هذه الشراكة تعد مكسبًا لجميع الأطراف المعنية مع توسع حضورنا في المنطقة، إذ تستفيد سنونو من بنية جاهز التحتية وقدرتها التشغيلية الواسعة، بينما نستفيد نحن من محرك المنتجات المتطور لدى سنونو، ومنصة أعمالها عالية الأداء ومواهبها المتميزة". من الفكرة للانطلاقة تعود جذور سنونو إلى عام 2019، عندما قرر حمد مبارك الهاجري، رائد الأعمال القطري الطموح، أن يؤسس منصة توصيل رقمية تنطلق من قطر وتلبي احتياجات السوق المحلية بطريقة ذكية وفعالة. وسَعت الشركة إلى خلق نموذج قطري خالص في اقتصاد المنصات، بديلًا عن النماذج الأجنبية المسيطرة. محطات رئيسية عام 2019 تم تأسيس الشركة رسميًا وإطلاق أول نسخة من التطبيق في الدوحة. عام 2020 تم التوسع في تقديم خدمات توصيل متنوعة، مثل البقالة والأدوية والمستلزمات المنزلية. شهد عام 2021 ازدهار أعمال الشركة في ظل جائحة كورونا، وزيادة كبيرة في عدد المستخدمين. في عام 2022 كان التركيز على الاستثمار في تطوير بنية تحتية لوجستية خاصة، وتوسيع أسطول التوصيل.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
قطر تعلن إجراءات لتعويض المتضررين من اعتراض الصواريخ الإيرانية
أعلنت دولة قطر، اليوم الأحد، عن اتخاذ إجراءات لتقييم الأضرار الناتجة عن اعتراض الصواريخ الإيرانية، وتعويض المتضررين من المواطنين والمقيمين. وترأس وزير الداخلية القطري الشيخ خليفة بن حمد بن خليفة آل ثاني ، اجتماعا استثنائيا لمجلس الدفاع المدني، بمشاركة قائد قوة الأمن الداخلي (لخويا)، ورئيس مجلس الدفاع المدني، وذلك تنفيذا لتوجيهات أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، بشأن تقييم الأضرار الناتجة عن اعتراض الصواريخ. وذكرت وكالة الأنباء القطرية (قنا) أن المجلس اطلع خلال الاجتماع على التدابير العاجلة التي اتُّخذت سابقا، كما اعتمد آليات تنفيذية دخلت حيّز التنفيذ فورا، بهدف ضمان سرعة الاستجابة وتنفيذ التوجيهات، ومعالجة الآثار الناتجة عن الهجوم. وكانت قطر أعلنت حينها أن دفاعاتها الجوية أحبطت الهجوم الإيراني الذي وقع يوم 23 يونيو/حزيران الماضي وتصدت للصواريخ بنجاح. ودانت وزارة الخارجية القطرية بشدة الهجوم الذي استهدف قاعدة العديد الجوية من قبل الحرس الثوري الإيراني، وقالت إن الهجوم انتهاك صارخ لسيادة قطر ومجالها الجوي وللقانون الدولي. كما صدرت إدانات عربية ودولية واسعة لقصف إيران قاعدة "العديد" الأميركية في قطر.


الجزيرة
منذ 5 أيام
- الجزيرة
برنامج وطني قطري لتوجيه طلاب المدارس نحو سوق العمل
الدوحة ـ قبل 6 سنوات، أطلق مركز قطر للتطوير المهني، التابع ل مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع ، برنامج "مهنتي – مستقبلي"، واضعا نصب عينيه هدفا إستراتيجيا يتمثل في ربط طلاب المرحلة الثانوية في قطر بميدان العمل الواقعي، وتوجيههم نحو مسارات مهنية مدروسة تتماشى مع قدراتهم وتطلعاتهم، وتستجيب في الوقت نفسه لاحتياجات سوق العمل الوطني. ويعد البرنامج، الذي انطلقت نسخته السابعة هذا الأسبوع، أحد أبرز المبادرات المهنية في قطر، إذ يستقطب سنويا عشرات المؤسسات والشركات الكبرى لتقديم تجارب تدريبية واقعية لطلبة المدارس، في بيئات عمل متنوعة تشمل قطاعات حيوية مثل الطب والطيران والإعلام والتكنولوجيا والقطاع المصرفي والطاقة، ما يجعله منصة مثالية لتكوين وعي مهني مبكر لدى الطلبة وبناء جسر عملي بين التعليم وسوق العمل. وتشهد النسخة الحالية من البرنامج توسعا نوعيا لافتا، حيث يشارك فيها 250 طالبا وطالبة من مختلف المدارس الثانوية في الدولة، مقابل 86 فقط في النسخة الماضية، وينخرط المشاركون في تجارب تدريبية لدى 25 جهة ومؤسسة تمثل طيفا واسعا من القطاعات، من بينها مجالات ناشئة كالتكنولوجيا والرياضة والإعلام والاتصال، في خطوة تعكس تنوع الخيارات المهنية المتاحة أمام الشباب القطري. معايشة واقعية ويؤكد المدير التنفيذي لمركز قطر للتطوير المهني سعد عبد الله الخرجي، في حديثه للجزيرة نت، أن برنامج "مهنتي – مستقبلي" بات اليوم من أكبر برامج المعايشة المهنية في قطر من حيث حجم المشاركة وتنوع القطاعات والتخصصات، مشيرا إلى أن المركز يعمل على التوسع وتعزيز الشراكات ليغدو البرنامج منصة وطنية شاملة تسهم في بناء قدرات الشباب وتوجيههم نحو مستقبل مهني واعد. وأوضح الخرجي أن البرنامج يستهدف طلاب الصف التاسع حتى الثاني عشر، وهي المرحلة العمرية التي يبدأ فيها تحديد ميول الطالب المهنية، مشيرا إلى أن بعض الطلبة يشاركون في البرنامج لأكثر من مرة ويخوضون تجارب مختلفة في عدة قطاعات، وهو ما يساعدهم على بلورة اختيارات أكاديمية ومهنية أكثر دقة، لا سيما في التخصصات الدقيقة مثل المجال الطبي. وأضاف أن المؤسسات الشريكة في النسخة الحالية ارتفعت إلى 25 جهة، مقارنة بـ15 فقط العام الماضي، وهو ما يعكس تنامي اهتمام المؤسسات الوطنية بالمساهمة في بناء جيل واع ومؤهل لمتطلبات سوق العمل المتغير. وعي مهني من جانبه، يرى محمد علي اليافعي، رئيس قسم البرامج والخدمات المهنية في المركز، أن البرنامج يمثل تجربة تعليمية عملية تعزز الوعي المهني المبكر لدى طلبة المدارس الثانوية في قطر، من خلال الدمج بين التعلم التجريبي المباشر والتفاعل مع بيئات العمل الحقيقية في مؤسسات مرموقة. وأوضح اليافعي، في حديثه للجزيرة نت، أن البرنامج يتيح للمشاركين خلال أسبوع من التدريب الميداني الفرصة لاكتساب مهارات حيوية مثل التفكير النقدي، والعمل الجماعي، والتواصل المهني، في سياقات عمل واقعية، وهذا يسهم في إعدادهم بشكل أفضل لمتطلبات المرحلة الجامعية وما بعدها. ويدرج البرنامج ضمن سلسلة مبادرات "المعايشة المهنية" التي ينظمها المركز، إلى جانب برامج أخرى مثل "الموظف الصغير" الذي يستهدف الأطفال من 7 إلى 15 عاما، وبرنامج "القرية المهنية" الموجه لطلبة المرحلتين الإعدادية والثانوية، حيث يبنى "مهنتي – مستقبلي" على مخرجات هذه البرامج ويمنح الطلاب تجربة تدريبية متقدمة أكثر تخصيصا. 12 ألف ساعة تدريب وأشار اليافعي إلى أن البرنامج استطاع منذ انطلاقه قبل 6 سنوات أن يستقطب أكثر من 500 طالب وطالبة، خاضوا أكثر من 12 ألف ساعة تدريبية ميدانية داخل مؤسسات الدولة، موضحا أن القيمة المضافة لا تقتصر على الطلاب، بل تشمل المؤسسات الشريكة التي تستفيد من طاقة الشباب وفضولهم، وتتعرف على كفاءات واعدة قد تنضم إلى كوادرها في المستقبل. وأكد أن الأثر الحقيقي للبرنامج يتجلى على المدى البعيد في بناء ثقافة "التعلم مدى الحياة" لدى الجيل الجديد، إذ تبدأ رحلة اكتساب المهارات من لحظة دخول الطالب إلى بيئة العمل، وتتواصل عبر سنواته الدراسية وما بعدها، مشيرا إلى أن البرنامج يمثل نقطة تحوّل في مسار الطلبة المهني والمعرفي. وتكشف نتائج استطلاعات الرأي والمتابعة التي يجريها مركز قطر للتطوير المهني بشكل دوري بعد انتهاء كل نسخة من البرنامج، أن نسبة كبيرة من الطلبة المشاركين أكدوا أن تجربتهم في "مهنتي – مستقبلي" أثرت بشكل مباشر على اختياراتهم الجامعية وتوجهاتهم الأكاديمية. الطالب محمود فهد، أحد المشاركين في النسخة الحالية، أوضح في حديثه للجزيرة نت أنه اختار البرنامج لأنه يطمح لدراسة الطب، وكان يتوق لمعرفة هذا المجال عن قرب، خاصة أن عائلته تمتلك مستشفى في سوريا ويأمل في العودة والعمل هناك بعد التخرج، وأضاف أن هذه التجربة ستمنحه رؤية أعمق لتحديد قراره بشأن التخصص المناسب. فرصة مثالية أما الطالب عمر صلاح الدين، فقال إنه يرغب في دراسة العلاج الطبيعي، وقد قرر المشاركة في البرنامج ليعيش تجربة العمل الميداني واقعيا، وهذا يساعده في اتخاذ قرار أكاديمي مدروس. وأضاف أن الشراكات التي يعقدها البرنامج مع مؤسسات مثل "سبيتار" و"مؤسسة حمد الطبية" تمنحه فرصة مثالية لاكتشاف بيئة العمل في هذا المجال. ويتماشى البرنامج مع رؤية قطر الوطنية 2030، لا سيما في شقها المتعلق بتنمية الموارد البشرية وتحفيز اقتصاد المعرفة، فمن خلال التوجيه المبكر وتقديم تجارب عملية واقعية، يسهم "مهنتي – مستقبلي" في إعداد جيل شاب واع ومؤهل للانخراط في سوق العمل بمهارات ومعرفة تتناسب مع احتياجات التنمية الوطنية.