
زلازل أوروبا السياسية
في عالم تتغير فيه معايير القوة والضعف بسرعة هائلة، يقف المشهد الأوروبي على مفترق طرق، ويواجه مرحلة عنيفة من التقلبات وتقاطع الخيارات التي لم تكن مرئية قبل سنوات، لكنها اليوم باتت واقعاً حياً وتحدياً وجودياً يفرض الاستعداد للخوض في مستقبل مجهول لا ضمانة فيه لأية قوة أن تكون كما تريد.
معالم التوتر والقلق بادية في السياسات الأوروبية السارية، سواء على مستوى الاتحاد أو في عواصم الدول الأعضاء أو التي خرجت منه مثل بريطانيا. كما يبدو من اتساع مشاعر التذمر في أوساط الرأي العام من النخب السياسية على مختلف أطيافها من اليمين المتطرف إلى أقصى اليسار، وهي مشكلة اجتماعية وسياسية عميقة واجهتها أوروبا في أعقاب الحرب العالمية الثانية ولم تستقر أوضاعها إلا بعد سنوات، عندما بدأت بوادر دول اتحاد أوروبا الغربية ضمن السوق المشتركة في نهاية الخمسينات، وتم ذلك تحت ضغط تصاعد الحرب الباردة بين الكتلتين الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة، والاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفييتي الذي كان يهيمن على أوروبا الشرقية بما فيها نصف برلين وأجزاء من ألمانيا بعد هزيمة النازية. وطوال تلك الفترة عاش الأوروبيون عصراً ذهبياً من الأمن والرفاه تحت مظلة القوة الأمريكية وذراعها العسكرية حلف شمال الأطلسي، أما اليوم فيبدو أن هذه المنظومة تتآكل وتتراجع، ولم تعد مجدية بمقاييس قواعدها التأسيسية الأولى بفعل تغير المزاج الأمريكي وصعود القوة الصينية وزيادة الحضور الروسي، وهو ما أدى إلى تحرك الصفائح التكتونية لبنية العالم، تمهيداً لرسم خريطة جديدة تنسجم مع ضرورات التاريخ وإكراهات التغيرات الجيوسياسية العاصفة.
بعد أكثر من ثلاثين عاماً من انهيار المنظومة الاشتراكية وانتهاء الحرب الباردة، بدأت الزلازل السياسية والأمنية تضرب أوروبا مع عودة مخاطر الحرب التي فجرها النزاع الروسي الأوكراني، وهو صراع مفتوح ولا يتجه إلى نهاية سعيدة على الأرجح، وهذا بحد ذاته تحدٍ خطير ويلقي بظلاله على مستقبل الاستقرار الاستراتيجي للقارة العجوز. ودفع هذا القلق كل الدول الأوروبية الوازنة إلى التفكير في إعادة بناء قواتها العسكرية استعداداً لحروب قد تحدث أو تنجر إليها في المدى المنظور. فهذه بريطانيا، التي كانت في زمن ما امبراطورية لا تغيب عنها الشمس، عادت إلى عصر ما قبل الحرب العالمية الثانية وأطلقت خطط «الاستعداد للقتال» بما يشمل زيادة حجم الجيش وإنتاج أسلحة وذخائر وتطوير رؤوس نووية، وهذا التوجه لا يبدو استعراضياً، وإنما يعبّر عن واقع جديد يتشكل على أنقاض معاهدات الأمن التقليدية. وما تخطط له بريطانيا تفعله ألمانيا، التي أعلنت منذ عامين نيتها بناء قوتها العسكرية المستقلة عن «الناتو»، رغم أن هذا التوجه الألماني يثير كوابيس قديمة تضرب بجذورها إلى عصر النازية وما قبله. أما فرنسا، فقد كانت أسبق من الجميع عندما طالبت مراراً ببناء جيش أوروبي فتاك يضمن الاستقلال عن الهيمنة الأمريكية، وفي الوقت نفسه تعمل باريس على تطوير ترسانتها من مختلف أنواع العتاد.
ما يجري في أوروبا مقدمات لعصر جديد ستدخله القارة العجوز مكرهة استجابة للحتمية التاريخية التي ترفض الثبات والجمود، وتدفع باتجاه أوضاع متحركة وصراعات لا يمكن التنبؤ بحدوثها، ولكنها واقعة لا محالة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صحيفة الخليج
منذ 29 دقائق
- صحيفة الخليج
جنرال أمريكي قائداً أعلى لقوات الحلف الأطلسي في أوروبا
بروكسل - أ ف ب عينت الولايات المتحدة الجنرال الأمريكي أليكسوس جي. غرينكيفيتش قائداً أعلى جديداً للقوات المسلحة لحلف شمال الأطلسي في أوروبا، مؤكدة التزامها في القارة العجوز على الرغم من بعض المخاوف، بحسب ما أعلن الحلف، الخميس. من جهتها، قالت وزارة الدفاع الأمريكية إن هذا الطيار السابق (53 عاماً) سيتولى أيضاً قيادة القوات الأمريكية في أوروبا. ومنذ بدايات الحلف الأطلسي في 1949، درج التقليد على أن يقود ضابط أمريكي القوات المسلحة للناتو في أوروبا. لكن الخشية من فك ارتباط أمريكي منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض انعكست شكوكاً في أروقة الأطلسي في بروكسل. وأكد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث الموجود في بروكسل، أمام الصحفيين استمرار الالتزام الأمريكي داخل الناتو، لكنه نبه الحلفاء الأوروبيين إلى ضرورة أن ينفقوا المزيد لضمان دفاعهم الذاتي، مع التخلي عن «ارتهانهم» للولايات المتحدة. ويخلف الجنرال غرينكيفيتش جنرالاً أمريكيا آخر هو كريستوفر جي. كافولي الذي كان تسلم منصبه في الرابع من تموز/يوليو 2022، بعد بضعة أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير من العام نفسه.


صحيفة الخليج
منذ 30 دقائق
- صحيفة الخليج
الفضاء ودور الشركات الخاصة
تُعدّ صناعة الفضاء الأوروبية من أكثر القطاعات ذات التقييم المنخفض في العالم عموماً، ولا تحظى بالتقدير الكافي في أوروبا خصوصاً. ونتيجة لذلك، تخلّفت بشكل كبير عن مثيلاتها في الولايات المتحدة أو الصين، حيث أطلقت الأولى 153 قمراً صناعياً العام الماضي، في حين أرسلت الثانية 68، كل ذلك مقابل 3 أقمار صناعية فقط أطلقتها المنظومات المتخصصة التابعة للقارة العجوز. وكتب أحد أشهر مؤلفي روايات الخيال العلمي آرثر سي كلارك عام 1977: «سيكون تأثير الأقمار الصناعية في البشرية جمعاء مساوياً على الأقل لتأثير ظهور الهاتف فيما يُسمى بالمجتمعات المتقدمة». وقد كان مُحقاً. إذ ستضمن مجموعات الأقمار الصناعية الضخمة، مثل «ستارلينك»، و«تشيانفان»، و«كويبر»، و«سات نت»، اتصال ثلث سكان العالم المحرومين حالياً من الإنترنت قريباً، مع تأثيرات اقتصادية بعيدة المدى. ووصفت قناة «سي إن بي سي» قطاع الفضاء بأنه «صناعة «وول ستريت» المقبلة التي تبلغ قيمتها تريليون دولار»، ووفقاً لدراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي في إبريل 2024، من المتوقع أن تبلغ قيمة اقتصاد الفضاء 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2035. وتنبّأ «مورغان ستانلي» بأن يخرج أول تريليونير في العالم من رحم شركة فضائية مستقبلاً. وبالعودة إلى نهاية الستينات وبداية السبعينات، وعقِب هبوط رواد الفضاء على سطح القمر، توقفت رحلات الفضاء المأهولة في الولايات المتحدة تقريباً، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى التدخلات السياسية. حيث تولى كل رئيس جديد منصبه وهو محاط بأفكار وأولويات جديدة، وكثيراً ما مُنحت العقود أو أُلغيت ببساطة لأسباب سياسية بحتة. في المقابل، فشل برنامج مكوك الفضاء التابع لوكالة ناسا في الارتقاء إلى مستوى التوقعات. وعلى الرغم من الاستثمارات الكبيرة في محطة الفضاء الدولية، لا تزال هناك تساؤلات حول ما إذا كانت الأموال قد أُنفقت بحكمة. وظلت تكاليف الإطلاق، التي تُقاس بتكلفة نقل كيلوغرام واحد من الحمولة إلى الفضاء، راكدة تقريباً لما يقرب من أربعة عقود. وكانت الشركات الخاصة هي التي حققت هذا الاختراق، ما أدى إلى خفض تكاليف الإطلاق بنسبة تقارب 80%. وهذه ليست سوى البداية. فقد أثبت استكشاف الفضاء مرة أخرى تفوق الرأسمالية. واستُبدل الآن سباق الفضاء بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في ستينات القرن الماضي بتنافس محموم بين واشنطن وبكين، مع فرق جوهري واحد، وهو أنه خلال سباق الفضاء القديم، كانت برامج الفضاء في الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي خاضعة لقيادة الدولة. صحيح أن الشركات الخاصة بنَت أيضاً صواريخ لبرنامج أبولو، ولكن وكالة الفضاء الأمريكية ناسا أعطت هذه الشركات إرشادات صارمة ودقيقة، وأخبرتها بالضبط بكيفية بناء الصاروخ، ما أدى إلى ارتفاع التكاليف، لأن الشركات اتبعت تعليمات ناسا بدقة. ومن خلال برامج «التكلفة الإضافية» تلك، لم يكن هناك أدنى حافز لخفضها، وبدلاً من ذلك، تم حثّ الشركات على زيادة التكاليف. لكن خلال السنوات الأخيرة، تغيرت العلاقة بين وكالة الفضاء الأمريكية والشركات الخاصة بشكل كبير، وأصرّ إيلون ماسك، مالك «سبيس إكس» على مبدأ الأسعار الثابتة. وبدلاً من إملاء ما يجب بناؤه على شركته المتخصصة بتقنيات استكشاف الفضاء، حدّدت «ناسا» الخدمات التي تريد شراءها. والنتيجة، أنه من أصل 261 مهمة فضائية حول العالم بحلول عام 2024، أطلقت «سبيس إكس» 134 مهمة، لتتجاوز بفارق كبير ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الصين، التي سجلت 68 عملية إطلاق. في غضون ذلك، لا تزال اللوائح التنظيمية غير الضرورية والتدخل الحكومي تُعيق صناعة السفر الفضائي الخاص، لا سيما في أوروبا، وأيضاً في الولايات المتحدة. وأظن أن أحد الأسباب الرئيسية لدخول إيلون ماسك معترك السياسة هو رغبته في إيجاد طريقة لتحرير شركات الفضاء الخاصة من الأعباء البيروقراطية المتزايدة في الولايات المتحدة. وعليه، ستعتمد نتيجة سباق الفضاء الجديد، سواء فازت به الصين أم الولايات المتحدة، إلى حد كبير على الدولة التي تمنح المزيد من الحرية لنمو استكشاف الفضاء الخاص. حالياً، تتقدم الولايات المتحدة بفارق كبير، ولكن من الخطر الاستهانة بالتطورات الحاصلة في الصين، التي تُقلل أيضاً من اعتمادها على برامج الفضاء المحصورة بالقطاع الحكومي، وباتت تُعطي أدواراً متقدمة للشركات الخاصة بشكل متزايد.


صحيفة الخليج
منذ ساعة واحدة
- صحيفة الخليج
ترامب: سأناقش مع ميرتس مسألة القوات الأمريكية في ألمانيا
واشنطن - رويترز قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليوم الخميس: إنه سيناقش مسألة القوات الأمريكية الموجودة في ألمانيا والبالغ عددها نحو 45 ألف جندي خلال لقائه مع المستشار الألماني فريدريش ميرتس في البيت الأبيض، مشيراً إلى القيمة الاقتصادية التي يحققونها لألمانيا. وأضاف ترامب «الكثير من الجنود هناك، نحو 45 ألف جندي، إنه عدد كبير من القوات... هذه تنمية اقتصادية جيدة. إنهم جنود يتقاضون رواتب عالية وينفقون الكثير من المال في ألمانيا. لكن العلاقة مع ألمانيا مهمة للغاية».