
هل تنجح تركيا في فرض رؤيتها على واشنطن بشأن مستقبل "قسد"؟
ورغم أن الإعلان الرسمي اكتفى بنشر صورة اللقاء دون تفاصيل، فإن برّاك كشف لاحقا أن المحادثات تناولت قضايا الأمن والاستقرار الإقليمي، مؤكدا وصف العلاقات بين واشنطن وأنقرة بأنها "تحالف وشراكة في هذه الجهود".
ويأتي الاجتماع بينما تكثف تركيا عملياتها ضمن مبادرة "تركيا خالية من الإرهاب" التي أطلقت في مايو/أيار الماضي لتفكيك حزب العمال الكردستاني وإعادة دمج عناصره في الحياة المدنية.
في المقابل، تعمل واشنطن توازيا مع دمشق على تنفيذ اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ضمن مؤسسات الدولة السورية، في مسار يثير أسئلة عن مستقبل شمال سوريا والكيانات المسلحة فيه.
كانت الرئاسة السورية قد أعلنت في 10 مارس/آذار الماضي توقيع اتفاق مبدئي مع قوات سوريا الديمقراطية لدمج هياكلها العسكرية والإدارية في شمال شرقي البلاد في مؤسسات الدولة.
لكن الاتفاق دخل في حالة جمود خلال الأشهر التالية، إذ لم تسجل خطوات تنفيذية ملموسة حتى يوليو/تموز الماضي، بسبب تمسك "قسد" بصيغة اللامركزية، تمنحها صلاحيات واسعة في إدارة مناطقها، وهو ما رفضته دمشق باعتباره انتهاكا لوحدة الدولة والجيش.
وفي محاولة لكسر الجمود، عقد في 9 يوليو/تموز اجتماع رفيع المستوى في دمشق جمع الرئيس أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي بحضور المبعوث الأميركي توماس برّاك وممثل عن الحكومة الفرنسية.
ورغم الأجواء التصالحية، لم يسفر الاجتماع عن اختراق حاسم، إذ بقيت الخلافات عن صلاحيات الإدارة الذاتية ومستقبل التمثيل السياسي لقسد ومصير عناصرها المسلحين قائمة.
تحول أميركي
في تحول بارز في موقفها من الملف الكردي، عبرت الولايات المتحدة أخيرا عن رفضها أي مشروع انفصالي لقسد، معلنة دعمها جهود دمجها في مؤسسات الدولة السورية.
وخلال مؤتمر صحفي في نيويورك منتصف يوليو/تموز الماضي، أكد المبعوث الأميركي توم براك أن "الفدرالية لا تصلح لسوريا"، وأن واشنطن ترفض قيام أي كيان سياسي مستقل لقسد أو مشروع "كردستان حرة".
وأضاف براك أن "الحل الوحيد المقبول هو دولة واحدة وجيش واحد وأمة واحدة"، مشددا على ضرورة اندماج وحدات حماية الشعب –العمود الفقري لقسد– في الجيش السوري الموحد. وحذر من أن مماطلة قسد في تنفيذ الاتفاق قد تترتب عليها "عواقب وخيمة" مع دمشق وأنقرة.
هذا التحول في نبرة واشنطن، التي كانت الحليف العسكري الأبرز لقسد خلال الحرب ضد تنظيم الدولة ، انسجم لأول مرة بوضوح مع الموقفين التركي والسوري الرافضين لأي صيغة انفصالية في الشمال الشرقي.
تحذير تركي
على الجانب التركي، صعدت أنقرة خطابها ضد أي محاولات لتقسيم سوريا، مؤكدة أن إنشاء كيان كردي ذاتي الحكم في الشمال يمثل خطا أحمر يمس أمنها القومي.
ووجه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان رسالة تحذيرية قال فيها "لا يحق لأي طرف اتخاذ خطوات تؤدي إلى تقسيم سوريا.. وإذا حدث ذلك فسنتدخل"، مؤكدا أن تركيا سترد بحزم على أي محاولة لفرض "أمر واقع انفصالي".
وجدد مجلس الأمن القومي التركي، الأسبوع الماضي، رفضه القاطع لأي نشاط انفصالي على الأراضي السورية، معلنا دعم بلاده الحكومة السورية الجديدة وجهودها في توحيد البلاد وضمان استقرارها، في موقف غير مألوف بعد سنوات من القطيعة مع دمشق.
وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة الدفاع التركية متابعتها الدقيقة لتطورات عملية دمج قسد ضمن الجيش السوري بموجب الاتفاق الموقع مع حكومة أحمد الشرع.
تنسيق وتقاطع مصالح
يرى المحلل السياسي مراد تورال، أن لقاء وزير الدفاع التركي بالمبعوث الأميركي يعكس دلالات إستراتيجية في "لحظة مفصلية" تعيد رسم خريطة التوازنات في شمال سوريا.
ويقول تورال للجزيرة نت، إن الاجتماع يعكس سعي واشنطن إلى تنسيق أمني مباشر مع أنقرة، لضمان دمج قسد دون تهديد الأمن القومي التركي.
ويشير إلى أن الولايات المتحدة ، بعد رفضها العلني فكرة "كردستان حرة"، تسعى لاحتواء أي تصعيد تركي قد يعرقل ترتيباتها مع دمشق وقسد.
ويعتقد تورال، أن اللقاء ربما تطرق إلى سيناريوهات عسكرية بديلة إذا فشل تنفيذ الاتفاق خلال المهلة المحددة، خصوصا في ظل استمرار عملية نزع سلاح حزب العمال الكردستاني وتصاعد التوتر في الجنوب السوري.
أما المحلل السياسي عمر أفشار، فيرى أن تغيّر لهجة واشنطن لا يعكس تحولا إستراتيجيا كاملا، بل يعبر عن تقاطع مصالح تكتيكي فرضته التحالفات الجديدة في سوريا.
ويقول أفشار للجزيرة نت، إن الولايات المتحدة لا تسعى إلى حل "قسد" بل لإعادة تموضعها ضمن الدولة السورية بما يحفظ نفوذها، دون خسارة أوراق الضغط على دمشق أو إثارة غضب أنقرة.
ويخلص إلى أن هذا التفاهم المؤقت لا يلغي التباين العميق بين الطرفين، إذ تسعى تركيا لإنهاء البنية العسكرية والإدارية لقسد بالكامل، بينما تحاول واشنطن دمجها بطريقة لا تفقدها وزنها السياسي.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
هجوم لقوات "قسد" بمنبج يخلف إصابات في صفوف الجيش السوري
قالت وزارة الدفاع السورية السبت إن هجوما نفذته قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في ريف مدينة منبج بمحافظة حلب في شمال البلاد أدى إلى إصابة 4 من أفراد الجيش و3 مدنيين. وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء إن الوزارة وصفت الهجوم بأنه "غير مسؤول" وأسبابه "مجهولة". وقالت وزارة الدفاع السورية إن قواتها تمكنت هذه الليلة من صد عملية تسلل قامت بها قوات "قسد" على إحدى نقاط انتشار الجيش بريف منبج قرب قرية الكيارية. وأضافت "نفذت قوات قسد ، صليات صاروخية استهدفت منازل الأهالي بقرية الكيارية ومحيطها في ريف منبج بشكل غير مسؤول ولأسباب مجهولة"، مشيرة إلى أن قوى الجيش تعمل على التعامل مع مصادر النيران التي استهدفت القرى المدنية القريبة من خطوط الانتشار. في المقابل، قال المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية في بيان إن قوات "قسد" "تستخدم حقها في الدفاع المشروع تجاه الهجمات على دير حافر". وأضاف البيان "نرفض مزاعم إدارة الإعلام بوزارة الدفاع عن تعرض نقاطها لهجوم من قبلنا". كما أكد البيان "على ضرورة احترام التهدئة ودعا الحكومة السورية إلى ضبط ما سماها "الفصائل غير المنضبطة". وفي 10 مارس/آذار الماضي، وقّع الرئيس السوري أحمد الشرع ، وقائد قوات "قسد" فرهاد عبدي شاهين، اتفاقا لدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز، وتأكيد وحدة أراضي سوريا، ورفض التقسيم. وتبذل الإدارة السورية الجديدة جهودا مكثفة لضبط الأمن في البلاد، منذ الإطاحة في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 بنظام الرئيس بشار الأسد بعد 24 عاما في الحكم.


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
بلغراد تندد بتثبيت حكم على زعيم صرب البوسنة
ندد الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش اليوم السبت بتثبيت القضاء في البوسنة الحكم الصادر بحق زعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك بالسجن سنة ومنعه من الترشح للانتخابات لـ6 أعوام. وثبّتت محكمة الاستئناف أمس الجمعة الحكم بحق رئيس "جمهورية صربسكا" (الكيان الصربي في البوسنة)، وحُكم على دوديك (66 عاما) في أواخر فبراير/شباط الماضي، لعدم احترامه قرارات الممثل الدولي السامي المكلف بتطبيق اتفاق السلام. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، تعد إدانة دوديك خطوة غير مسبوقة في البوسنة المقسمة منذ نهاية الحرب التي امتدت من عام 1992 حتى عام 1995، وأكدت المحكمة أن قرارها الصادر أمس الجمعة نهائي. وقال فوتشيتش اليوم السبت إن مجلس الأمن القومي الصربي بحث في الحكم الصادر بحق دوديك، معتبرا أنه يشكل "عاملا مزعزعا للاستقرار"، ويهدد "الوضع الأمني في المنطقة بشكل بالغ". وأكد الرئيس الصربي أنه لن يلتزم بأي مذكرة توقيف قد تصدر بحق دوديك "الذي يبقى مرحبا به على أراضي جمهورية صربيا ، هو الرئيس المنتخب شرعيا وقانونيا لجمهورية صربسكا". ورأى مجلس الأمن القومي في قراراته التي تلاها فوتشيتش أن الحكم القضائي الصادر بحق دوديك هو "اعتداء بالغ على الشعب الصربي في البوسنة والهرسك"، مؤكدا أن بلغراد ستواصل التشديد على ضرورة احترام اتفاق دايتون لعام 1995 الذي وضع حدا للحرب في البلاد. منشور على إكس من جهته، وجّه دوديك الشكر إلى فوتشيتش ولأعضاء مجلس الأمن القومي، وكتب في منشور عبر منصة إكس "لطالما كانت صربيا ملتزمة حيال جمهورية صرب البوسنة". وبعد انتهاء الحرب سنة 1995 قُسّمت البوسنة إلى كيانين بحكم ذاتي هما جمهورية صربسكا والاتحاد الكرواتي المسلم، وتربط بينهما حكومة مركزية. ومنذ 30 عاما يشرف على الشؤون السياسية والتشريعية ممثل دولي سام مكلف بتطبيق اتفاق دايتون، ويتولى المنصب منذ 4 سنوات الألماني كريستيان شميدت. وحُكم على دوديك بالحبس أمس الجمعة لإدانته بإقرار قانونين في يوليو/تموز 2024 يحظران تطبيق قرارات الممثل السامي وأحكام المحكمة الدستورية البوسنية في الكيان الصربي. وردا على قرار المحكمة أصدر برلمان الكيان الصربي قانونا يحظر على الشرطة والقضاء المركزيين ممارسة صلاحياتهما داخل جمهورية صربسكا، وطلب من الصرب العاملين في هذه المؤسسات مغادرتها.


الجزيرة
منذ 11 ساعات
- الجزيرة
إدارة ترامب رحّلت مهاجرين لبلدانهم الأصلية بعد تهديدهم بإرسالهم إلى دول ثالثة
كشفت مراجعة حديثة لقضايا تتعلق بالهجرة أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب -التي تسعى لترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين من البلاد- أعادت بعضهم إلى بلدانهم الأصلية بعد أن هددتهم بترحيلهم إلى دول ثالثة. وتقول الإدارة الأميركية إن بعض المهاجرين المدانين بجرائم خطيرة لا تقبلهم بلدانهم الأصلية، مما يستدعي إرسالهم إلى دول أخرى مثل جنوب السودان أو إسواتيني (سوازيلاند سابقا). لكنّ تحقيقا لوكالة رويترز أظهر أن 5 رجال على الأقل كانوا مهددين بالترحيل إلى ليبيا أعيدوا في النهاية إلى بلدانهم الأصلية، بما فيها فيتنام ولاوس والمكسيك، وذلك خلال أسابيع فقط من صدور أوامر الترحيل. ويؤكد البيت الأبيض أن المهاجرين الذين تم ترحيلهم إلى دول ثالثة كانوا من "أخطر المجرمين"، مدانين بجرائم كبرى مثل القتل والاعتداء الجنسي على أطفال، وتشمل الدول التي تم ترحيلهم إليها: جنوب السودان. إسواتيني. السلفادور، حيث احتُجز أكثر من 200 فنزويلي متهمين بالانتماء إلى عصابات، قبل أن يُطلق سراحهم في صفقة تبادل سجناء. ترهيب المهاجرين وترى وزارة الأمن الداخلي أن بعض المرحّلين "همجيون لدرجة أن بلدانهم الأصلية ترفض استقبالهم"، لكنها لم تكشف ما إذا كانت قد حاولت إعادتهم إلى تلك البلدان قبل السعي لترحيلهم إلى دول أخرى. ويقول بعض النقاد إن هذه السياسة تهدف إلى ترهيب المهاجرين ودفعهم للرحيل طواعية، في حين وصفتها ميشيل ميتلشتات -من معهد سياسة الهجرة- بأنها "رسالة مفادها أن المصير قد يكون عشوائيا جدا إذا لم تغادر من تلقاء نفسك". وتسمح القوانين الأميركية بترحيل أي مهاجر إلى دولة غير دولته الأصلية في حال تعذر ترحيله إليها أو ثبت أنها ترفض استقباله. لكن تقارير عدة أفادت بأن الولايات المتحدة قد تكون لجأت مباشرة إلى الدول الثالثة دون استنفاد خيار العودة إلى البلد الأصلي. بدورها، قالت المديرة التنفيذية لتحالف التقاضي من أجل الهجرة ترينا ريلموتو إن ترحيل مكسيكي إلى جنوب السودان وآخر كان مهددا بالترحيل إلى ليبيا يعكس تجاهل الإدارة محاولة إعادتهما إلى بلديهما أولا. وتستمر هذه السياسات على الرغم من قرارات قضائية تعرقل أحيانا بعض عمليات الترحيل، فقد منعت محكمة في بوسطن ترحيل عدد من المهاجرين إلى ليبيا، مما أدى لاحقا لإعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. ووفقا لمسؤولين أميركيين، فإن قرارات الترحيل تشمل في بعض الحالات تنفيذها خلال أقل من 6 ساعات، دون أي التزام بالحصول على ضمانات من الدول المستقبِلة بشأن سلامة المرحّلين. وتشير تقارير إلى أن الإدارة الأميركية سعت أيضا للتفاوض مع دول أخرى مثل بالاو ودول أفريقية جديدة لاستقبال المهاجرين غير المرغوب فيهم. وفي السياق ذاته، قال رجل من لاوس كاد يُرحّل إلى ليبيا إن السلطات طلبت توقيعه على وثيقة ترحيل، وعندما رفض أبلغته بأنه سيُرحّل إلى ليبيا، سواء بالتوقيع أو بدونه، وقد تم ترحيله في النهاية إلى لاوس، حيث يحاول الآن إعادة بناء حياته بعد عقود قضاها في الولايات المتحدة منذ لجوئه إليها في طفولته. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض ينفذ ترامب أكبر حملة ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة للحد من الهجرة، خاصة من دول أميركا اللاتينية.