logo
العقوبات الجديدة على موسكو... خنق أم انتحار اقتصادي

العقوبات الجديدة على موسكو... خنق أم انتحار اقتصادي

الدستور١٩-٠٧-٢٠٢٥
في وقت تتقاطع فيه المصالح الاقتصادية مع الاطماع الجيوسياسية، لا نلبث ان نسمع خلال فترات متقاربة عن ضغوطات اقتصادية ذات تأثيرات عالمية وارتدادات اصبح في معظمها سلبي نظرا لتخبط هذه القرارات من مصادرها الاساسي الذي اصبح متسيدا المشهد وهو البيت الابيض، فما يلبث الرئيس الامريكي دونالد ترامب ان يصدر قرارا اقتصاديا لاجل الضغط على المقابل لتنفيذ اوامره «باعتقاده».
اخر هذه التهديدات والعقوبات كانت موجهة بشكل مباشر الى روسيا، الحزمة الـ 18 الجديدة من العقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي على موسكو والتي تتركز على قطاع الطاقة «نفط وغاز»، حيث استخدم القطاع كورقة ضغط على الساحة الدولية، إلى تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% تطال الشركاء التجاريين لموسكو، ورسوم بنسبة 500% على الواردات القادمة من دول تواصل شراء النفط والغاز واليورانيوم الروسي!، وصولًا إلى تحرّكات أوبك+ لزيادة الإنتاج، وكلها عوامل تتكشف معها ملامح صراع معقّد يعيد تشكيل موازين السوق والتأثير الاقتصادي العابر للقارات.
هذا الاضطراب المتصاعد في هندسة أمن الطاقة العالمي، يبرز تزامنا غير عشوائي بين العقوبات التي فرضها الغرب على قطاع الطاقة الروسي، وبين قرارات إنتاجية حاسمة تتخذها مجموعة أوبك+، فهذا التفاعل يعكس ليس فقط تصادم المصالح، بل أيضًا محاولة لإعادة تشكيل توازنات السوق وسط تحولات جيواقتصادية عميقة، وبالرغم من ان موسكو أظهرت قدرة نسبية على التكيف مع العقوبات السابقة، فإن المسار الحالي يبدو أكثر قسوة وشمولًا، مع عواقب تتجاوز الحدود الوطنية.
اذا ما اردنا ان نربط بين الاطراف السابق ذكرها، وردت الفعل التي ستصدر عن اقتصادات هذه الدول ذات العلاقة، يتبادر سؤال فيما اذا كانت تهدف الى خنق الاقتصاد الروسي ام انها انتحار اقتصادي اوروبي، فاذا ما كانت اوروبا تريد فرض سقوف سعرية وحظر شامل لوجستي وان تستهدف اسطول الظل الروسي، فهذا بالتأكيد صعب المنال، ذلك ان موسكو تمكنت من الافلات بنسب كبيرة من حزم العقوبات السابقة بطرق استثنائية، وبشهادة الجميع، ما يعني ان الحزمة 18 لن تُصعّد الضغط على موسكو بل ستُسرّع من تفاقم الأزمة الاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي نفسه عدا عن احتمال كبير لارتفاع تكاليف الطاقة الصناعية نتيجة التحول القسري نحو الغاز المُسال البعيد المصدر، وتباطؤ محتمل في الصناعات وانعكاسات على النمو المحلي والتضخم.
اما امريكا فان عقوباتها المحتملة لاشك انها قد تكون دافعا في ارتفاع حاد في اسعار النفط، وبالتالي تستفيد من تعزبز صادرات الغاز الطبيعي المسال الى اوروبا وتحقيق ارباح كبيرة للشركات الامريكية، مع توافر فرصة استراتيجية لربط الطاقة بالسياسة الخارجية عبر الضغط على شركاء روسيا التجاريين.
أما ردة الفعل الروسية، فمن المؤكد انها ستكون مدروسة بشكل دقيق، فمن جانب اوروبا اصبح لدى موسكو خبرة في التعامل مع هذه الحزم العقابية وتمكنت من امتصاص الموجة تلو الاخرى، لكن لابد من تأثيرات سلبية ولو وقتية سنراها عند التطبيق، فيما تبقى سياسات اوبك+ الساعية لزيادة الانتاج خلال العام 2025 تحت انظار المتابعة لنرى مدى تأثيراتها على الاسعار خاصة وان روسيا دولة تؤثر في قرارات المجموعة.
يتقاطع استخدام العقوبات مع التحركات الإنتاجية لأوبك+ ضمن مشهد دولي يتّجه نحو إعادة صياغة معادلة الأمن الطاقي، وبين الخطاب الترامبي الصدامي، وتمسّك روسيا بالمقاومة، وأوروبا العالقة بين المبادئ والتكلفة، يبدو أن الأزمة لم تعد تخص الطاقة فقط، بل تخص قدرة الدول على التكيف مع اقتصاد عالمي يُعاد تشكيله تحت الضغط، فالعقوبات وحدها لم تثنِ روسيا، والسياسات الإنتاجية لن تروي عطش السوق بالكامل.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تباطؤ حاد في نمو الوظائف الأميركية وارتفاع للبطالة
تباطؤ حاد في نمو الوظائف الأميركية وارتفاع للبطالة

الوكيل

timeمنذ 15 دقائق

  • الوكيل

تباطؤ حاد في نمو الوظائف الأميركية وارتفاع للبطالة

الوكيل الإخباري- تباطأ نمو الوظائف في الولايات المتحدة أكثر من المتوقع في تموز، بينما عُدِّلت بيانات الشهر السابق بخفض حاد، ما يشير إلى تباطؤ حاد في سوق العمل. اضافة اعلان وأفاد مكتب إحصاءات العمل التابع لوزارة العمل في تقريره عن التوظيف، اليوم الجمعة، بأن الوظائف غير الزراعية زادت بمقدار 73 ألف وظيفة الشهر الماضي، بعد أن ارتفعت بمقدار 14 ألف وظيفة مُعدّلة بالخفض في حزيران. وتباطأ نمو الوظائف وسط حالة من عدم اليقين بشأن المستوى الذي ستستقر عليه مستويات التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في نهاية المطاف، وفقا لشبكة (سي إن إن) . وأدت حملة البيت الأبيض على الهجرة إلى انخفاض المعروض من العمالة، وكذلك تسارع معدلات تقاعد جيل طفرة المواليد. ويعني انخفاض تدفقات الهجرة، أن الاقتصاد يحتاج إلى نحو 100 ألف وظيفة شهرياً لمواكبة نمو السكان في سن العمل، وفقاً لتقديرات الاقتصاديين. ويعود انخفاض معدل البطالة إلى 4.1 بالمئة في حزيران جزئياً إلى تسرب الأفراد من القوى العاملة.

بدء تطبيق رسوم ترامب الجمركية الجديدة اعتبارًا من اليوم
بدء تطبيق رسوم ترامب الجمركية الجديدة اعتبارًا من اليوم

صراحة نيوز

timeمنذ 26 دقائق

  • صراحة نيوز

بدء تطبيق رسوم ترامب الجمركية الجديدة اعتبارًا من اليوم

صراجة نيوز – وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس، أمرا تنفيذيا يفرض رسوما جمركية مضادة تتراوح بين 10% و41% على عشرات الدول. حيث أصبحت الرسوم على تركيا 15%، إسرائيل 15%، فيتنام 20% و15% على فنزويلا والكاميرون وتشاد. كما أصبحت الرسوم الجمركية 39% على سويسرا و30% على جنوب إفريقيا و20% على بنغلاديش و19% على باكستان. ووقع ترامب، أمرا تنفيذيا بزيادة الرسوم الجمركية على السلع الكندية من 25% إلى 35%. ومن المقرر أن يبدأ تطبيق الرسوم الجديدة اعتبارا من الأول من آب. وقال البيت الأبيض 'ردا على استمرار تقاعس كندا وإجراءاتها المقابلة، رأى الرئيس ترامب أنه من الضروري زيادة الرسوم الجمركية على كندا من 25% إلى 35% للتعامل مع الوضع الطارئ القائم بفعالية'. 'رويترز'

قانون أوروبا الأخضر في مهبّ الغاز القطري
قانون أوروبا الأخضر في مهبّ الغاز القطري

خبرني

timeمنذ 39 دقائق

  • خبرني

قانون أوروبا الأخضر في مهبّ الغاز القطري

خبرني - برز الأسبوع الماضي خبر لافت أشار إلى توتّر بين الدوحة وبروكسل. التوتّر يعود إلى تحذير قطري من احتمال إعادة توجيه الصادرات القطرية من الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق بديلة، إذا لم يُعدّل الاتحاد الأوروبي قانون "العناية الواجبة في الاستدامة المؤسسية" (CSDDD)، الذي أُقرّ رسميا في يونيو/ حزيران 2024. ويطرح هذا التحذير، الذي حمل نبرة تصعيدية، أسئلة جوهرية حول مستقبل العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، لا سيما في ملف الطاقة الذي يُشكلّ أحد الأعمدة الاستراتيجية لأمن القارة الأوروبية. في رسالة موجّهة إلى الحكومة البلجيكية بتاريخ 21 مايو/ أيار، ردت قطر على لسان وزير الطاقة فيها سعد الكعبي، على توجيه الاتحاد الأوروبي بشأن العناية الواجبة، والذي يُلزم الشركات الكبرى بالكشف عن مشكلات حقوق الإنسان والبيئة، في سلاسل الإمداد ومعالجتها. وجاء في الرسالة التي نقلتها وكالة رويترز: "ببساطة، إذا لم تُجرَ تعديلات إضافية على توجيه CSDDD، فلن يكون أمام دولة قطر وشركة قطر للطاقة خيار سوى النظر بجدية في أسواق بديلة خارج الاتحاد الأوروبي، لبيع الغاز الطبيعي المسال ومنتجات أخرى، في بيئة أعمال أكثر استقرارا وترحيبا." ويبدو أنها ليست المرة الأولى التي تبعث فيها قطر رسالة مماثلة، فقد أكّد متحدث باسم المفوضية الأوروبية لوكالة رويترز، بأن المفوضية تلقّت رسالة أخرى من قطر بتاريخ 13 مايو/ أيار، موضحا أن الأمر متروك الآن للدول الأعضاء والمشرّعين "للتفاوض واعتماد التعديلات الجوهرية للتبسيط التي اقترحتها المفوضية". وكانت بروكسل قد اقترحت بالفعل تأجيل بدء تنفيذ القانون، حتى منتصف 2028 وتخفيف بعض متطلباته. ما هو قانون "العناية الواجبة" ولماذا تعارضه قطر؟ قانون "العناية الواجبة" الذي أقرّه الاتحاد الأوروبي رسميا في يونيو/ حزيران 2024، يُلزم الشركات الكبرى، لا سيما العاملة في قطاعات حيوية كقطاع الطاقة، بالتحقّق من امتثال سلاسل التوريد التابعة لها، لمعايير صارمة تتعلّق بحقوق الإنسان، وظروف العمل، وحماية البيئة. ويلزم القانون هذه الشركات باتخاذ تدابير عملية لمنع الانتهاكات البيئية والاجتماعية عبر شبكاتها العالمية، تحت طائلة غرامات قد تصل إلى 5% من إجمالي إيراداتها السنوية على مستوى العالم. ومن المرتقب أن يدخل القانون حيّز التنفيذ تدريجيا بدءا من عام 2027، وهو ما تعتبره دول مصدّرة للغاز، مثل قطر، عبئا قانونيا وماليا يهدّد استدامة علاقاتها مع السوق الأوروبية. اعتبر عبد العزيز الدليمي، الخبير القطري في شؤون الطاقة، أن القانون الأوروبي الجديد المعروف بـ"قانون العناية الواجبة"، يشكّل تحديا كبيرا لصادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى أوروبا، وقد يدفع الدوحة إلى إعادة النظر في استمرار الإمدادات إلى أوروبا. وأوضح الدليمي في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي، أن هذا القانون سيفرض أعباء مالية كبيرة على قطر، ليس فقط على مستوى شركة "قطر للطاقة"، بل أيضا على كل من شارك في تطوير البنية التحتية لإنتاج الغاز، بمن في ذلك المقاولون، وكذلك شركات التشغيل. وأضاف: "في حال تم تطبيق القانون بصيغته الحالية، قد تصبح صادرات الغاز إلى أوروبا غير مجدية اقتصاديا، بل قد تُكبّد الدوحة خسائر مباشرة، وهو أمر غير مقبول من منظور تجاري واستراتيجي". واعتبر أن المنطق التجاري لا يسمح لقطر بتصدير الغاز إلى أوروبا إذا كانت النتائج المالية سلبية بسبب الغرامات، مضيفا: "هذا واقع غير عقلاني". وفي معرض رده على سؤال حول ما إذا كانت تهديدات قطر مجرّد ورقة ضغط، أكد الدليمي أن الدوحة قد تلجأ فعليا إلى وقف الإمدادات، في حال أصرّ الاتحاد الأوروبي على تطبيق القانون بصيغته الحالية، مشيرا إلى أن قطر لا تمانع الدخول في مفاوضات لتحسين فعالية سبل تقليل الانبعاثات الكربونية، لكنها ترفض العقوبات المالية المشروطة. وتوقّع أن تُسفر المفاوضات عن التوصل إلى تسويات تقنية أو بيئية، لكنها تحتاج إلى إرادة سياسية متبادلة، بحسب تعبيره. هل يمكن أن يؤدي هذا الخلاف إلى أزمة طاقة في أوروبا؟ التهديد القطري بإعادة توجيه صادرات الغاز لا يعني بالضرورة انقطاعا فوريا في الإمدادات المتجهة لأوروبا، لكنه يكشف عن هشاشة الاعتماد الأوروبي على شركاء خارجيين، في لحظة مفصلية من عملية التحوّل في سياسات الطاقة. فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا وتراجع الإمدادات الروسية، تحوّلت أوروبا إلى الغاز القطري كمصدر بديل استراتيجي يصعب التخلي عنه بسهولة. ولكن التحذيرات الأخيرة الصادرة من الدوحة، تذكّر مجدّدا بأن أمن الطاقة الأوروبي، لا يزال خاضعا لحسابات جيوسياسية متقلّبة. في هذا السياق، يربط الخبير القطري في شؤون الطاقة عبد العزيز الدليمي احتمالات حدوث أزمة طاقة أوروبية، بقرار الدوحة النهائي بشأن التصدير، مشيرا إلى أن البدائل الأمريكية أو الكندية ليست كافية أو مضمونة، خصوصا مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. ويتساءل: "هل سيجرؤ الاتحاد الأوروبي على تطبيق القانون على الولايات المتحدة، وهي التي سبق أن انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ؟" ويجيب: "لا أعتقد ذلك"، داعياً في المقابل إلى إعادة النظر في القانون، مؤكداً أن قطر تتخذ خطوات جدّية، نحو خفض الانبعاثات، وتستثمر في مشاريع صديقة للبيئة. بدورها، ترى لوري هايتيان، الخبيرة اللبنانية في شؤون الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن قانون "العناية الواجبة" يمثل مصدر قلق كبير لقطر، نظرا لأن الدوحة تعتبر أن القانون ينطوي على تدخل مباشر في سيادتها وفرض لأعباء تنظيمية ومالية تفوق قدراتها. وتوضح هايتيان في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي أن التزامات القانون لا تقتصر على شركة قطر للطاقة، بل تمتد لتشمل سلسلة الإمداد بأكملها، من الموردين الكبار إلى الشركات الصغيرة، بل حتى "شركات القهوة" المتعاملة مع "قطر للطاقة"، بحسب تعبيرها. وتضيف أن تطبيق هذا القانون يتطلّب موارد ضخمة، فيما قد تصل الغرامات في حال عدم الامتثال لما ورد فيه من التزامات إلى 5٪ من الإيرادات العالمية، وهو ما ترفضه الدوحة تماما. وتشير هايتيان إلى أن قطر قد تجد في الانسحاب من بعض عقود تصدير الغاز مع أوروبا، خيارا أقل تكلفة من الالتزام بمنظومة بيروقراطية معقّدة. وتُحذّر هايتيان من أن تنفيذ الاتحاد الأوروبي لخطة وقف استيراد الغاز الروسي بنهاية 2027، سيجعل أوروبا أكثر اعتمادا على خيارات بديلة في التوريد، وعلى رأسها قطر. وفي حال نفّذت الدوحة تهديدها، فإن القارة الأوروبية ستواجه أزمة طاقة حقيقية، قد تدفعها مجدّدا للاعتماد على الولايات المتحدة كمصدر بديل. وتتفق هايتيان مع الدليمي في التشكيك في إمكانية التزام واشنطن الصارم ببنود القانون الأوروبي الجديد، ما يثير تساؤلات حول مدى تطبيق الاتحاد لمعاييره بشكل متوازن على جميع الشركاء. وتلفت هايتيان إلى أن التشريع الجديد لا يواجه رفضا من الموردين فقط، بل يثير تحفظات لدى عدد من الشركات الأوروبية التي تعتبره صعب التطبيق، ما يعزّز فرص تعديل شروطه أو تخفيفها في المرحلة المقبلة. ما هي الأسواق البديلة؟ هل تتجه قطر أكثر نحو آسيا؟ يرى الخبير القطري عبد العزيز الدليمي، أن القانون لا يُهدّد قطاع الطاقة القطري، بل يقتصر تأثيره على السوق الأوروبية فقط، إذ تستمر صادرات الغاز القطري إلى آسيا والأسواق الأخرى بشكل طبيعي. وأضاف: " تملك قطر هامشا واسعا للمناورة، بفضل علاقاتها المتينة مع الدول الآسيوية، وعلى رأسها الصين، كوريا الجنوبية، اليابان، الهند وباكستان، وهي تملك أكبر أسطول في العالم لنقل الغاز المسال، ما يمنحها مرونة عالية في إعادة توجيه صادراتها". أما بشأن الخيارات البديلة أمام قطر، فتشير لوري هايتيان، إلى أن أسواقا في آسيا وأفريقيا، وعلى رأسها الصين، تمثل بديلا استراتيجيا محتملا، في حال تعثّرت العلاقات مع أوروبا. وتستند في ذلك، إلى أحدث البيانات الرسمية التي تُظهر أن الصين تحتل المرتبة الأولى في استيراد الغاز القطري، مع توقيع اتفاقيات توريد تمتد حتى 27 عاما، مع شركات صينية كبرى. ووفق آخر الأرقام الرسمية، تأتي بعد الصين، كوريا الجنوبية، الهند، واليابان، إذ تُمثّل آسيا الوجهة الأهم لصادرات الغاز القطري، بحصة تفوق 70 % من إجمالي الصادرات. اختبار توازن بين البيئة والمصالح المستشار النفطي الكويتي والخبير في شؤون الطاقة د. مبارك الهاجري، اعتبر أن التصعيد القطري تجاه قانون "العناية الواجبة" الأوروبي، لا يتعدّى حتى الآن إطار المناورة التفاوضية المدروسة، لا سيما أن الدوحة تدرك تبعات الخروج عن العقود الطويلة الأمد التي تربطها بدول الاتحاد الأوروبي، سواء على المستوى القانوني أو على صعيد السمعة كمصدّر موثوق للطاقة. ويشرح الهاجري في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي: " لدى قطر عقود طويلة الأجل مع معظم الدول الأوروبية وبالتالي الانسحاب منها أو ممارسة أي أمور تخلّ بهذه الاتفاقيات، يمكن أن يعرّضها لمخاطر قانونية وأيضا لغرامات تجارية". ويضيف: " أتوقع أن تحافظ قطر على سمعتها كمصدر موثوق لبيع الغاز المسال، لأنه برأيي، في حال هدّدت بفسخ العقود الآجلة، فإن ذلك سيؤدّي إلى امتناع كثيرين عن توقيع عقود آجلة معها في المستقبل". ويرى الهاجري، أنه إذا كانت قطر تملك من أدوات التحرّك ما يمكّنها من إعادة توجيه صادراتها نحو أسواق آسيوية أو التحالف مع شركاء جدد، فإن هذه البدائل تبقى، حتى اللحظة، ورقة ضغط أكثر منها خيارا استراتيجيا فعليا. فكما أنه لا يمكن لأوروبا التفريط بمورد حيوي مثل الغاز القطري في مرحلة انتقال حسّاسة بالنسبة للطاقة، تدرك الدوحة بدورها أن الحفاظ على موقعها في السوق الأوروبية يوازي، وربما يفوق، أهمية تنويع الزبائن، بحسب الهاجري. من هنا، يعتقد الخبير الكويتي في شؤون الطاقة أن المسار المرجّح، هو محاولة الطرفين التوصّل إلى تسوية تقنية وربما سياسية، تتيح تخفيف حدّة التزامات القانون الأوروبي من دون المساس بجوهر أهدافه البيئية والحقوقية. في الختام، يبدو أن موقف قطر يمثّل اختبارا حقيقيا لقدرة الاتحاد الأوروبي على الموازنة بين أولوياته البيئية ومسؤولياته الاقتصادية. أما فيما يخص التهديد القطري، سواء تحقّق أو لم يتحقق، فهو يُشكّل رسالة سياسية واضحة: لا يمكن بناء نظام استدامة عالمي يقوم على معايير أحادية، بل يجب أن يكون – بحسب الدوحة - ثمرة شراكة متوازنة تحترم السيادة وتراعي الاختلافات الاقتصادية والتنموية بين الدول على اختلافها، وأنه بينما تؤكد قطر استعدادها للتعاون البيئي وتطوير تقنيات خفض الانبعاثات، فإنها ترفض أن تُحمّل الكلفة القانونية والمالية للقانون الجديد. وبالتالي، فإن الرسالة القطرية تبدو جليّة الحفاظ على أمن الطاقة في أوروبا يمرّ عبر توازن المصالح، وليس عبر فرض المعايير الأحادية، وفقا لرؤية الدوحة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store