logo
استراتيجية ترامب: إعادة ترتيب الأولويات العالمية على الصعيدين الاقتصادي والأمني

استراتيجية ترامب: إعادة ترتيب الأولويات العالمية على الصعيدين الاقتصادي والأمني

دفاع العرب١٠-٠٤-٢٠٢٥

العقيد الركن م. ظافر مراد
يعيش العالم اليوم حالة إرباك وغموض على مستويين أساسيين، أولهما الإقتصادي بسبب التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب على معظم الدول، وثانيهما الأمني بسبب موقف ترامب من الحرب الروسية-الأوكرانية والحرب على غزة، وعمليات القصف الإستراتيجي على الحوثيين في اليمن إضافةً إلى تهديد إيران.
ليس ما يقوم به ترامب وليد ساعة وصوله إلى الرئاسة الاميركية، بل أن كل ما يفعله هو المرحلة التنفيذية لخطط مسبقة كان قد أعدها ودرسها جيداً هو ومستشاريه، وكما كان الحال في فترة الإنتخابات الأميركية من حيث هجوم وسائل الإعلام عليه، فهو حالياً يواجه نفس الضغوطات من قبل المعارضين والشركات والدول المتضررة من قراراته وسياساته الخارجية على المستويين الإقتصادي والامني.
لطالما اعتبر ترامب أن القوة الإقتصادية هي الأهم بالنسبة للولايات المتحدة الاميركية، وفي هذا المجال يعتبر الصين العدو الاول والخطر الجدي الوحيد الذي يهدد الهيمنة الإقتصادية الأميركية وسمعة الدولار كعملة تجارية عالمية، بعد الصين تأتي أوروبا في المرتبة الثانية، فاليورو هو العملة التي تنافس الدولار في التجارة العالمية، وما يقوم به ترامب حالياً هو إعادة تشكيل للإقتصاد الأميركي بما يتناسب مع الظروف الدولية المستجدة، لناحية تعاظم قدرات الصين الإقتصادية والعسكرية، ولناحية جنوح أوروبا نحو الإستقلال عن الولايات المتحدة الأميركية في قراراتها السياسية والإقتصادية، ومؤخراً الأمنية، ويُخطيء من يظن أن قراراته متهورة وغير مدروسة، فهو يعي تماماً هذه اللحظة المناسبة التي يريد فيها إستعادة المبادرة وإعادة تشكيل إقتصاد بلاده عبر جذب الإستثمارات إلى داخل الولايات المتحدة وتوطين الصناعات الهامة، والتوصل إلى إتفاقات جديدة مع الدول الشريكة في التجارة، بهدف تعديل الميزان التجاري معها وإلزامها بعقود تجارية تزيد من ارباح بلاده، وما سيحصل في النهاية أن معظم الدول سترضخ لقراراته وتتفاوض معه للتوصل إلى حلول باقل خسارات ممكنة، أما بالنسبة للصين، فالحرب التجارية معها ستكون قاسية وطويلة الأمد.
على الصعيد الأمني، لا يعتبر ترامب أن روسيا تشكل تهديداً مباشراً لمصالح الولايات المتحدة الاميركية، لذلك يريد إنهاء حربها مع أوكرانيا وصياغة علاقات خارجية معها تخرجها إلى حدٍ ما من إطار التحالف مع الصين وإيران وكوريا الشمالية، وعلى صعيد الشرق الأوسط، فأولويات ترامب تتعلق بأمن إسرائيل وأمن سلاسل الإمداد والتوريد العالمية، وضمان إستقرار منطقة الشرق الاوسط التي يعتبرها واعدة في الإستثمار. وهو اتَّهم الإدارة الأميركية السابقة بأنها تسببت بفوضى أمنية في الشرق الأوسط بسبب التغاضي عن نشاطات إيران ووكلائها في المنطقة، والتعامل معها بضعف وقلة مسؤولية، وفي هذا الشأن، ولأول مرة، تشعر إيران بالتهديد الحقيقي الذي يستهدفها ويستهدف النظام القائم فيها، فالنشاطات الأميركية الحاصلة حالياً هي مؤشرات واضحة على جدية القرار الأميركي بضرب صميم القوة الإيرانية وتدمير منشآتها النووية التي تعتبر أن فيها نشاطات غامضة وتؤسس ربما لتصنيع قنابل نووية.
تحضر الولايات المتحدة نفسها جيداً لخيار الحرب مع إيران، وهذا التحضير مكلف وجدي وغير مسبوق، ويجري العمل عليه في السر وفي العلن، فإنتقال عشرات الطائرات الاميركية إلى قاعدة دييغو غارسيا، وأبرزها القاذفات الإستراتيجية نوع B-52 و B-2 الشبحية، هو أبرز هذه المؤشرات، وهذه المرة لا يأتي ذلك فقط في إطار الردع، بل هو فعلياً خطوة تحضيرية للقيام بعمل عسكري إنطلاقاً من هذه القاعدة، فهناك الكثير من النشاطات غير المسبوقة تجري هناك.
لعبت هذه القاعدة دوراً هاماً جداً في العمليات العسكرية الاميركية السابقة في منطقة الشرق الأوسط، وتأتي أهمية هذه القاعدة من كونها جزيرة نائية ومعزولة وبعيدة عن أي تهديدات محتملة، ويمكن مراقبة وحماية محيطها القريب والبعيد بكل سهولة، إضافة إلى موقعها الجغرافي الوسيط في المحيط الهندي، ما يجعلها قاعدة إنطلاق لأية عمليات عسكرية في أفريقيا أو الشرق الأوسط، وتبعد الجزيرة حوالي 3000 كلم عن سواحل أفريقيا، و3800 كلم عن إيران، استأجرتها الولايات المتحدة من بريطانيا في العام 1966، وهي تضمّ مطارًا به مدرجان متوازيان بطول 3700 م، وساحات واسعة لوقوف الطائرات، قادرة على استقبال وتشغيل عدد كبير من القاذفات الإستراتيجية بعيدة المدى مثل B-52 وB-2 الشبحية، بالإضافة إلى طائرات النقل والتزود بالوقود، وفيها خزانات ضخمة لوقود السفن والطائرات، ما يجعلها من أهم القواعد اللوجستية التي تخدم العمليات العسكرية الأميركية والبريطانية، وفيها ميناء عميق وواسع بما يكفي لإستيعاب أكبر السفن الحربية والغواصات وحاملات الطائرات في الأسطولين الأمريكي والبريطاني، وهي تحتوي أيضاً على معدات وأنظمة تجسس ورصد متطورة جداً، وقد هددت طهران بضرب هذه القاعدة في حال تعرضت لهجوم إنطلاقاً منها، وفي هذا الشأن، تجدر الإشارة إلى أن قدرات إيران على إستهداف هذه القاعدة ضعيفة نسبياً، بسبب حيازتها على عدد قليل من الوسائل القادرة على الوصول إلى هذه الجزيرة (مثل صاروخ خرمشهر-4 والمسيرة شاهد 136/ب)، وهذه القدرات يمكن بسهولة رصدها وإسقاطها بسبب الحماية العالية المستوى التي تتمتع بها هذه القاعدة الهامة.
عزَّزت الولايات المتحدة الاميركية قواتها وقدراتها العسكرية أيضاً في منطقة الشرق الاوسط عبر إستقدام حاملة طائرات ثانية ' USS Carl Vinson' مع مجموعتها البحرية القتالية، وقد سبق هذا الإستقدام نقل عشرات الطائرات الحديثة من طراز F-15 EX، و F-35إلى قواعد جوية في المنطقة، ونقلت أيضاً منظومة 'ثاد' ثانية إلى إسرائيل، ما يوفر شبكة دفاع جوي فاعلة ومتعددة الإرتفاعات والمسافات لحماية المنشآت الإسرائيلية الحساسة والخطرة، وقد كان لافتاً كثرة الزيارت التي يقوم بها قائد القيادة المركزية الاميركية الجنرال 'مايكل كوريلا' إلى إسرائيل، وبالتحديد إلى وزارة الدفاع وقيادة الجيش، حيث اجتمع مراراً مع القادة العسكريين الإسرائيليين، وربما ذلك يشير إلى تنسيق التعاون في اي حرب محتملة مع إيران.
يأتي كل ذلك في إطار إعادة تشكيل الصورة الجديدة للولايات المتحدة الأميركية في عهد ترامب، وعلى الرغم من خطورة وغموض المشهد الإقتصادي العالمي، إلا أن احتمال الحرب مع إيران سيزيد الوضع تعقيداً، ومع الحديث عن مشاورات مشتركة بين روسيا والصين وإيران بخصوص الملف النووي الإيراني، يُعتقد ان روسيا ستلعب دوراً هاماً في إعادة صياغة إتفاق جديد بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وإذا فشلت الجهود الديبلوماسية، وعلى الرغم من الشراكة الإستراتيجية التي أُعلن عنها مؤخراً بين روسيا وإيران، إلا أنه من المؤكد أن روسيا لن تتورط في مواجهة مع الولايات المتحدة الاميركية للدفاع عن إيران، وكذلك الصين ستتَّخذ نفس الموقف بعيداً عن مخاطر اية مواجهة مباشرة، أما بالنسبة لإحتمالات الحرب بين الولايات المتحدة وإيران، فهي مرتفعة أكثر من أي وقتٍ مضى، وعلى الارجح ستحاول إيران إعتماد إستراتيجية التفاوض البطيء والطويل، وتجزئة المواضيع والدخول في تفاصيل متعددة، وجعله تفاوض على مراحل، ولكن لا شيء يضمن قبول إدارة ترامب بذلك، وهو الذي يريد إتفاقاً سريعاً حاسماً وواضحاً، فشروط ترامب قاسية جداً على إيران وعلى حلفائها، والنظام الإيراني الحالي يريد بالدرجة الأولى 'البقاء'، وربما سيكون ذلك على حساب خسارة اشياء ثمينة جداً قد يُجبر على التخلي عنها، وإلا فالحرب قادمة لا محالة، وستخوضها الولايات المتحدة مع شركائها الإستراتيجيين وعلى رأسهم بريطانيا.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تراجع أسواق الأسهم الأوروبية بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50%
تراجع أسواق الأسهم الأوروبية بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50%

النهار

timeمنذ 23 دقائق

  • النهار

تراجع أسواق الأسهم الأوروبية بعد تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50%

هبطت أسواق الأسهم الأوروبية الجمعة بعدما هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 50% على منتجات الاتحاد الأوروبي المستوردة إلى الولايات المتحدة اعتبارا من الأول من حزيران/يونيو، في منشور على منصته "تروث سوشال". وانخفضت بورصة باريس بنسبة 2,43% حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، وتراجعت بورصة فرانكفورت بنسبة 2,03%، وميلانو بنسبة 2,77%. وقد هدّد الرئيس الأميركي الاتحاد الأوروبي الجمعة بفرض رسم جمركي بنسبة 50% على المنتجات الأوروبية المستوردة إلى الولايات المتحدة اعتبارا من الأول من حزيران/يونيو، قائلا إن المفاوضات الجارية "تراوح مكانها". وقال ترامب في منشور على منصته الاجتماعية "تروث سوشال": "من الصعب جدا التعامل مع الاتحاد الأوروبي، الذي أُنشئ في المقام الأول لاستغلال الولايات المتحدة تجاريا (...) مناقشاتنا تراوح مكانها. في ظل هذه الظروف، أوصي بفرض رسم جمركي بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي، اعتبارا من الأول من حزيران/يونيو".

خلصوا من الكبتاغون.. عقبال عنا
خلصوا من الكبتاغون.. عقبال عنا

القناة الثالثة والعشرون

timeمنذ ساعة واحدة

  • القناة الثالثة والعشرون

خلصوا من الكبتاغون.. عقبال عنا

قال صحافي عراقي إن سقوط نظام بشار الأسد أدى في نتائجه المباشرة إلى إنهاء معاناة اقتصادية للعراقيين مع توقف تهريب الدولار من بلاده إلى سوريا (لتمويل حرب المحور الممانع)، ودخول المخدرات والكبتاغون إليها (أيضاً لتمويل المحور الممانع). فقد أوضح الصحافي خلال لقاءٍ بمشاركتي عبر إذاعة ألمانية، أن تغيير النظام السوري قطع جسر التواصل بين الميليشيات العراقية وبين "حزب الله"، كما أن جهود الدولة لضبط مطار بيروت بفعل التشدد الدولي في مراقبته، أدى إلى هذه النتيجة الإيجابية. واستبشر الزميل بالمرحلة المقبلة مع غياب تحكُّم "حزب الله" بالشؤون العراقية، موضحاً أنه كان يتدخل في تشكيل الحكومات. وهذا الدور انحسر مع تراجع دور إيران، مشيراً إلى أن سقوط النظام الأسدي أفقد الخطاب الديني الإيراني فعاليته، ولم تعد تنفع المطالبة بحماية مقام السيدة زينب، مثلاً، تلقى صداها، وسوف يستمر التراجع مع الضغط الأميركي المتواصل، مشيراً إلى أن الجيل الثالث لمرحلة ما بعد سقوط نظام صدام حسين لا يؤمن بولاية الفقيه وتكليفاته الشرعية، ما يمهد لتغيير هادئ منتظر. كلام الزميل العراقي يعيدنا إلى بيروت، فليس اكتشافاً أن المعاناة ذاتها يعيشها اللبنانيون، ربما ضعفت بعض الشيء، لكنها لم تنته. المسيرة لا تزال طويلة ووعرة، وإن كان لا يمكن تجاهل الإشارات الإيجابية. فالمطار ينضبط يوماً بعد يوم على الرغم من محاولات الخرق لكسر الحصار على تمويل "الحزب" إن عبر تهريب الذهب والدولار، أو التهريب المعاكس للكبتاغون الذي بدأ يكسد في مخازنه على ما يبدو. ولعل هذه الإشارات هي ما يدفع الممانعين إلى الاستنفار وشحذ أقلامهم وألسنتهم ضد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لبنان، ووصفه بالعاجز والمستسلم لإرادة الشيطان الأكبر والشياطين الأصغر، واعتبار طرحه مع المسؤولين اللبنانيين مصير السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، إنما هو تمهيد للتوطين، وليس لاتخاذ القرار اللازم لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية بدأ بنزع السلاح الفلسطيني. وطبيعي أن يستنفر الممانعون، فهم لا يريدون إلا المحافظة على كل سلاح غير شرعي، إن استطاعوا، وتحديداً ذلك المستخدم تحت إمرة المحور الإيراني، لأن هدفه حماية مخططات هذا المحور، مع استدعاء حقوق الفلسطينيين واضطهاد الدولة اللبنانية لهم منذ ما قبل اتفاق القاهرة. ويتجاهل هؤلاء ما تبين بالأدلة الملموسة من أن وظيفة هذا السلاح كما غيره، شن الحروب الخاسرة للاستثمار فيها، واختراع تنظيمات فلسطينية إسلامية متطرفة وتمويلها لتخويف باقي اللبنانيين، وذلك فقط لمصادرة أذرع المحور سيادة الدولة اللبنانية خدمة لمشاريع مشغلها ومصالحه على حساب المصلحة الوطنية. وليس واضحاً إذا ما كان استخدام الورقة الفلسطينية سينفع الممانعين ورأس محورهم، إلا أن الواضح هو وحدة العناوين بين بغداد وبيروت. وهي تؤكد دخول المنطقة حقبة جديدة، يشيد بها العراقيون لأنهم خلصوا من الكبتاغون.. وعقبال عنا.. سناء الجاك - نداء الوطن انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News

ترامب يوقّع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية
ترامب يوقّع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية

النشرة

timeمنذ ساعة واحدة

  • النشرة

ترامب يوقّع أوامر تنفيذية لتعزيز الطاقة النووية الأميركية

وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة، أربعة أوامر تنفيذية تهدف، بحسب مستشاره، إلى إطلاق نهضة الطاقة النووية المدنية في الولايات المتحدة، مع طموح بزيادة إنتاج الطاقة النووية أربع مرات خلال السنوات الـ 25 المقبلة. ويريد الرئيس الأمريكي الذي وعد بإجراءات سريعة للغاية وآمنة للغاية، ألا تتجاوز مدة دراسة طلب بناء مفاعل نووي جديد 18 شهراً، ويعتزم إصلاح هيئة التنظيم النووي، مع تعزيز استخراج اليورانيوم وتخصيبه. وصرح ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي: الآن هو وقت الطاقة النووية، فيما قال وزير الداخلية دوغ بورغوم إن التحدي هو إنتاج ما يكفي من الكهرباء للفوز في مبارزة الذكاء الاصطناعي مع الصين. واوضح مسؤول كبير في البيت الأبيض طلب عدم الكشف عن هويته للصحفيين: "نريد أن نكون قادرين على اختبار ونشر المفاعلات النووية بحلول كانون الثاني 2029".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store