
أثر الرسوم الجمركية الأمريكية والاقتصاد المغربي
فرض الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب رسومًا جمركية على الواردات القادمة من المغرب ، قبل ان يعلقها لمدة على عدد من الدول ، رغم كونها مقلقة رمزياً، إلا أن تأثيرها الاقتصادي كان سيبقى هامشيًا بالنسبة للمغرب. استنتاجنا يستند إلى تحليل مقارن للديناميكيات التجارية المغربية والقيود النظامية التي تحول دون إدماج المغرب في سلاسل القيمة العالمية.
أولاً، يجب التأكيد على أن الصادرات المغربية نحو الولايات المتحدة تمثل نسبة ضئيلة من التجارة الخارجية للمغرب،حسب الأرقام التي نتوفر عليها ، حيث لا تتجاوز قيمة هذه الصادرات ملياري دولار سنوياً، مما يجعل السوق الأمريكي غير استراتيجي بالنسبة للمنتجات المغربية. يعود هذا الاندماج الضعيف إلى عدة عوامل هيكلية، أبرزها الطابع التاريخي للعلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي الذي يستوعب حوالي 60٪ من الصادرات المغربية. تعتمد هذه العلاقة على القرب الجغرافي، وعلى اتفاقيات تجارية مفيدة (مثل اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي)، بالإضافة إلى التكامل الاقتصادي الذي استمر لعقود.
علاوة على ذلك، يواجه المصدرون المغاربة صعوبة في تنويع أسواقهم، ليس فقط بسبب ارتفاع تكاليف الخدمات اللوجستية – التي تفاقمت بسبب غياب أسطول بحري وطني تنافسي – ولكن أيضًا بسبب المعايير التنظيمية الصارمة التي تفرضها الأسواق المتقدمة، بما فيها الولايات المتحدة. هذه المعايير، التي غالباً ما تكون مستعصية حتى على المنتجين الأوروبيين، تشكل عقبة إضافية أمام الشركات المغربية التي تواجه بالفعل تحديات تتعلق بالتنافسية التكنولوجية والتنظيمية.
لم ينجح اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2006، في عكس اتجاه العجز التجاري الثنائي. بل إن المغرب يستورد حوالي 5 مليارات دولار من السلع والخدمات الأمريكية، خاصة الأسلحة والطائرات المدنية والمعدات الصناعية. تعكس هذه الفجوة التجارية ليس فقط اختلال التخصص الإنتاجي، بل أيضًا الاعتماد على التكنولوجيا والمنتجات الوسيطة الأجنبية. وزاد من هذا العجز تعليق تمويل برامج المساعدات الأمريكية مؤخرًا، مثل مؤسسة تحدي الألفية (MCC)، التي تعد أهميتها أكبر بكثير من تأثير الرسوم الجمركية لترامب.
يواجه مجمع الفوسفاط المغربي تحديات هيكلية متعددة تتعلق بتنافسيته الدولية، خاصة في الأسواق التي تعتمد على إنتاج الأمونياك محليًا، وهي المادة الأساسية التي يستوردها إلى جانب الكبريت بصنفيه الطبيعي والاصطناعي. هذا التبعية للمواد الأولية المستوردة تضع المجمع في موقع ضعف أمام الدول المنتجة للأمونياك، حيث يصعب عليه التنافس بمنتجاته من الأسمدة الفوسفاتية (MAP وDAP) في هذه الأسواق. بالإضافة إلى ذلك، تأتي تكلفة النقل كعامل حاسم ومكلف، إذ تخضع لتأثير اللوبيات البحرية التي تهيمن على أسعار الشحن الدولي، مما يزيد من أعباء التصدير ويحد من تنافسية المنتجات المغربية.
أما فيما يتعلق بشهادات المنشأ، فإن بعض الدول تفرض شروطًا إدارية معقدة تتجاوز مجرد توقيع غرف الصناعة والتجارة، إذ تشترط الحصول على تأشيرة السلطات المحلية. هذه الإجراءات البيروقراطية تضيف طبقة إضافية من التعقيد إلى عمليات التصدير، مما يعيق انسيابية التجارة الخارجية ويقلل من فرص النفاذ إلى الأسواق الأكثر جدوى MAP
على الرغم من هذه التحديات، يتمتع المغرب بموقع تنافسي قوي على المستوى العالمي فيما يتعلق بمنتج DAP، وذلك بفضل استثماراته الاستراتيجية وقدرته على تعزيز حصته السوقية عالميًا. لقد استفاد بشكل كبير من القرارات الجيوسياسية الأخيرة، مثل قرار الصين – أحد المنافسين الرئيسيين – تعليق صادراتها من الأسمدة الفوسفاتية، ومن الخضوع الروسي للعقوبات الدولية بسبب الأزمة الأوكرانية. هذه العوامل قدّمت فرصة ذهبية للمغرب لتقوية مكانته كمورد رئيسي للأسمدة الفوسفاتية في الأسواق العالمية.
أما بالنسبة لمنتج MAP، فقد شهد المغرب تأخيرًا نسبيًا في تعزيز قدرتها التنافسية مقارنةً بـ DAP، نظرًا للتحديات المرتبطة بالاستيراد والتكاليف اللوجستية. ومع ذلك، بدأت بوادر تغيير إيجابي بالظهور، خصوصًا مع المشاريع الجديدة التي تم إطلاقها في منطقة الجرف الأصفر، والتي من المتوقع أن تعزز إنتاج الـ MAP
وتزيد من تنافسيته عالميًا.
بهذه الديناميكيات، يمكن القول إن المغرب يسير نحو تحقيق توازن بين التحديات الهيكلية والفرص الاستراتيجية، مما يجعله لاعبًا رئيسيًا في سوق الأسمدة الفوسفاتية العالمي، رغم القيود التي لا تزال قائمة.
أما النسيج والأسلاك المعدنية، فبعضها يستفيد بالفعل من إعفاءات جمركية خاصة، مما يخفف من التأثير المباشر للسياسات الحمائية الأمريكية. ومع ذلك، فإن القواعد الصارمة المتعلقة بمبدأ «المصدر» التي تطبقها الولايات المتحدة تقيد فرص جذب الاستثمارات الأجنبية في هذه القطاعات. إذ يجب حتى على الشركات الجديدة المستقرة في المغرب الامتثال لمعايير مشددة تتعلق بمصدر المكونات المستخدمة في الإنتاج. هذا الشرط يقلل بشكل كبير من اهتمام الشركات متعددة الجنسيات بنقل أنشطتها إلى المغرب .
على المدى الطويل، قد تؤدي السياسات الحمائية التي أطلقتها الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل سلاسل القيمة وسلاسل الإمداد العالمية. ومع ذلك، تظل هذه التحولات مشروطة بعوامل اقتصادية كبرى مثل التضخم، وتوفر الموارد الطبيعية والبشرية، وقدرة الدول على تكييف بنيتها الإنتاجية. في هذا السياق، يتمتع المغرب بمزايا تنافسية ملحوظة، مثل موقعه الجيوستراتيجي المميز، وقوة عاملة نسبية مؤهلة، وتكاليف إنتاج تنافسية. لكن تحويل هذه المزايا التنافسية إلى مزايا دائمة يتطلب إصلاحات هيكلية عميقة، لا سيما في مجالات الحكامة والابتكار وتنويع الاقتصاد.
أخيرًا، من المهم تسليط الضوء على الإمكانات غير المستغلة للصادرات الصناعية التقليدية، مثل المنتجات الثقافية التقليدية والملابس. تُعفى هذه السلع غالبًا من الرسوم الجمركية حتى قبل اتفاقية التجارة الحرة، مما يمكن أن يشكل فرصة لتعزيز الحضور المغربي في السوق الأمريكي. ومع ذلك، تتطلب هذه الاستراتيجية رؤية واضحة واستثمارات موجهة لتحسين جودة وتنافسية هذه المنتجات.
في المجمل، الرسوم الجمركية التي كان فرضها ترامب، قبل ان يعلقها لمدة 90 يوم ، رغم ضجيجها الإعلامي، لها تأثير محدود على الاقتصاد المغربي. تكمن التحديات الحقيقية في القيود الهيكلية التي تعيق تنويع الاقتصاد وتعزيز تنافسيته الدولية. بدلاً من التركيز على إجراءات آنية، ينبغي على صناع القرار المغربي اعتماد نهج شامل يهدف إلى تعزيز القدرات الإنتاجية للبلاد وإدماج شركاتها بشكل أكبر في سلاسل القيمة العالمية. بدون ذلك، ستظل الخطابات حول الفرص الاقتصادية مجرد تكهنات بعيدة عن واقع الحال.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأيام
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- الأيام
إيلون ماسك يعدم وكالة أمريكية تدعم الدول الإفريقية
أعلنت إدارة الكفاءة الحكومية، التي يشرف عليها إيلون ماسك، عن قرار مفاجئ بإغلاق وكالة 'مؤسسة التحدي الألفية' (MCC)، وهي وكالة مساعدات أميركية أُسست عام 2004 خلال إدارة الرئيس جورج بوش الابن. وتتعاون المؤسسة مع الدول النامية، خصوصا الإفريقية، في مشاريع مثل تحسين إمدادات الكهرباء للشركات، وتحسين الطرق لتمكين المزارعين من إيصال منتجاتهم إلى الأسواق. ويأتي هذا القرار في إطار تحركات غير مسبوقة من إدارة ترامب، التي تهدف إلى تقليص حجم الحكومة الفدرالية وتقليل الإنفاق على المساعدات الخارجية. كما يأتي هذا القرار في سياق الجهود المستمرة للحكومة الأميركية لخفض ميزانية المساعدات الخارجية، إذ أعلنت 'مؤسسة التحدي الألفية' إيقاف جميع برامجها في مختلف أنحاء العالم، مع تقديم خيارات للموظفين تشمل التقاعد المبكر أو الاستقالة. هذا القرار سيؤثر على أكثر من 320 موظفا في الوكالة، التي كانت تدير منحا بقيمة 5.4 مليارات دولار لصالح الدول النامية في مجالات التنمية الاقتصادية والبنية التحتية. وقد عبّر بعض الموظفين عن استيائهم من هذا القرار، مشيرين إلى أن الوكالة كانت دائما نموذجا لوكالة حكومية فعّالة وشفافة، حيث حصلت على تقييمات إيجابية في تقارير الشفافية الدولية. وقال أحد الموظفين في تصريح لوكالة 'بوليتكو' إنه 'رغم أننا كنا دائما نتمتع بتقارير تدقيق نظيفة، فإن قرار الإغلاق لا يعكس فسادا أو إسرافا في الوكالة، بل يعود إلى أن المساعدات الخارجية ليست من أولويات الإدارة الحالية'. وجاء قرار إغلاق 'مؤسسة التحدي الألفية' ضمن إطار الأهداف الأوسع لإيلون ماسك في دوره مستشارا للرئيس ترامب، عبر إدارة الكفاءة الحكومية (DOGE)، التي تشتهر بتقديم توصيات لتقليص دور الحكومة الفدرالية. ويرى ماسك، الذي يعد من أبرز مؤيدي تقليص الإنفاق الحكومي، أن العديد من الأموال التي تُنفق على المساعدات الخارجية تُستَثمر بشكل غير فعال. ووفقا للمصادر، يعتقد ماسك أن إعادة توجيه هذه الأموال نحو المشاريع المحلية ستعزز الاقتصاد الأميركي بشكل أكبر وتخلق مزيدا من فرص العمل داخل البلاد. ورغم أن قرار الإغلاق يثير جدلا كبيرا، إذ عبر بعض الموظفين عن استيائهم من القرار، فإن إدارة ترامب ترى في هذه الخطوة جزءا من سياستها الأوسع لتقليص حجم الحكومة الفدرالية، مع التركيز على مشاريع تساهم في تحقيق مصالح اقتصادية وتجارية أميركية، من وجهة نظرها. وفي المقابل، يرى منتقدو القرار أن إغلاق الوكالة سيؤثر سلبا على سمعة أميركا على المستوى الدولي، حيث كانت الوكالة تمثل أحد أوجه السياسة الأميركية التي تسعى لتحسين العلاقات مع الدول النامية عبر مشاريع مشتركة توفر فرصا اقتصادية وتنموية مستدامة، مما يعزز صورة أميركا بوصفها شريكا موثوقا به في التنمية العالمية. وبهذه الخطوة، تسعى الإدارة الحالية إلى إعادة توزيع الأولويات داخل الحكومة الفدرالية، مع التركيز على تحسين القطاعات الداخلية التي من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي الأميركي وتوفير فرص العمل المحلية. ومع ذلك، يظل المستقبل غامضا بالنسبة للعلاقات الدولية، ومن غير الواضح حتى الآن كيف ستؤثر هذه القرارات على سمعة أميركا في الساحة العالمية.


لكم
٢٣-٠٤-٢٠٢٥
- لكم
أثر الرسوم الجمركية الأمريكية والاقتصاد المغربي
فرض الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب رسومًا جمركية على الواردات القادمة من المغرب ، قبل ان يعلقها لمدة على عدد من الدول ، رغم كونها مقلقة رمزياً، إلا أن تأثيرها الاقتصادي كان سيبقى هامشيًا بالنسبة للمغرب. استنتاجنا يستند إلى تحليل مقارن للديناميكيات التجارية المغربية والقيود النظامية التي تحول دون إدماج المغرب في سلاسل القيمة العالمية. أولاً، يجب التأكيد على أن الصادرات المغربية نحو الولايات المتحدة تمثل نسبة ضئيلة من التجارة الخارجية للمغرب،حسب الأرقام التي نتوفر عليها ، حيث لا تتجاوز قيمة هذه الصادرات ملياري دولار سنوياً، مما يجعل السوق الأمريكي غير استراتيجي بالنسبة للمنتجات المغربية. يعود هذا الاندماج الضعيف إلى عدة عوامل هيكلية، أبرزها الطابع التاريخي للعلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي الذي يستوعب حوالي 60٪ من الصادرات المغربية. تعتمد هذه العلاقة على القرب الجغرافي، وعلى اتفاقيات تجارية مفيدة (مثل اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي)، بالإضافة إلى التكامل الاقتصادي الذي استمر لعقود. علاوة على ذلك، يواجه المصدرون المغاربة صعوبة في تنويع أسواقهم، ليس فقط بسبب ارتفاع تكاليف الخدمات اللوجستية – التي تفاقمت بسبب غياب أسطول بحري وطني تنافسي – ولكن أيضًا بسبب المعايير التنظيمية الصارمة التي تفرضها الأسواق المتقدمة، بما فيها الولايات المتحدة. هذه المعايير، التي غالباً ما تكون مستعصية حتى على المنتجين الأوروبيين، تشكل عقبة إضافية أمام الشركات المغربية التي تواجه بالفعل تحديات تتعلق بالتنافسية التكنولوجية والتنظيمية. لم ينجح اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب، الذي دخل حيز التنفيذ عام 2006، في عكس اتجاه العجز التجاري الثنائي. بل إن المغرب يستورد حوالي 5 مليارات دولار من السلع والخدمات الأمريكية، خاصة الأسلحة والطائرات المدنية والمعدات الصناعية. تعكس هذه الفجوة التجارية ليس فقط اختلال التخصص الإنتاجي، بل أيضًا الاعتماد على التكنولوجيا والمنتجات الوسيطة الأجنبية. وزاد من هذا العجز تعليق تمويل برامج المساعدات الأمريكية مؤخرًا، مثل مؤسسة تحدي الألفية (MCC)، التي تعد أهميتها أكبر بكثير من تأثير الرسوم الجمركية لترامب. يواجه مجمع الفوسفاط المغربي تحديات هيكلية متعددة تتعلق بتنافسيته الدولية، خاصة في الأسواق التي تعتمد على إنتاج الأمونياك محليًا، وهي المادة الأساسية التي يستوردها إلى جانب الكبريت بصنفيه الطبيعي والاصطناعي. هذا التبعية للمواد الأولية المستوردة تضع المجمع في موقع ضعف أمام الدول المنتجة للأمونياك، حيث يصعب عليه التنافس بمنتجاته من الأسمدة الفوسفاتية (MAP وDAP) في هذه الأسواق. بالإضافة إلى ذلك، تأتي تكلفة النقل كعامل حاسم ومكلف، إذ تخضع لتأثير اللوبيات البحرية التي تهيمن على أسعار الشحن الدولي، مما يزيد من أعباء التصدير ويحد من تنافسية المنتجات المغربية. أما فيما يتعلق بشهادات المنشأ، فإن بعض الدول تفرض شروطًا إدارية معقدة تتجاوز مجرد توقيع غرف الصناعة والتجارة، إذ تشترط الحصول على تأشيرة السلطات المحلية. هذه الإجراءات البيروقراطية تضيف طبقة إضافية من التعقيد إلى عمليات التصدير، مما يعيق انسيابية التجارة الخارجية ويقلل من فرص النفاذ إلى الأسواق الأكثر جدوى MAP على الرغم من هذه التحديات، يتمتع المغرب بموقع تنافسي قوي على المستوى العالمي فيما يتعلق بمنتج DAP، وذلك بفضل استثماراته الاستراتيجية وقدرته على تعزيز حصته السوقية عالميًا. لقد استفاد بشكل كبير من القرارات الجيوسياسية الأخيرة، مثل قرار الصين – أحد المنافسين الرئيسيين – تعليق صادراتها من الأسمدة الفوسفاتية، ومن الخضوع الروسي للعقوبات الدولية بسبب الأزمة الأوكرانية. هذه العوامل قدّمت فرصة ذهبية للمغرب لتقوية مكانته كمورد رئيسي للأسمدة الفوسفاتية في الأسواق العالمية. أما بالنسبة لمنتج MAP، فقد شهد المغرب تأخيرًا نسبيًا في تعزيز قدرتها التنافسية مقارنةً بـ DAP، نظرًا للتحديات المرتبطة بالاستيراد والتكاليف اللوجستية. ومع ذلك، بدأت بوادر تغيير إيجابي بالظهور، خصوصًا مع المشاريع الجديدة التي تم إطلاقها في منطقة الجرف الأصفر، والتي من المتوقع أن تعزز إنتاج الـ MAP وتزيد من تنافسيته عالميًا. بهذه الديناميكيات، يمكن القول إن المغرب يسير نحو تحقيق توازن بين التحديات الهيكلية والفرص الاستراتيجية، مما يجعله لاعبًا رئيسيًا في سوق الأسمدة الفوسفاتية العالمي، رغم القيود التي لا تزال قائمة. أما النسيج والأسلاك المعدنية، فبعضها يستفيد بالفعل من إعفاءات جمركية خاصة، مما يخفف من التأثير المباشر للسياسات الحمائية الأمريكية. ومع ذلك، فإن القواعد الصارمة المتعلقة بمبدأ «المصدر» التي تطبقها الولايات المتحدة تقيد فرص جذب الاستثمارات الأجنبية في هذه القطاعات. إذ يجب حتى على الشركات الجديدة المستقرة في المغرب الامتثال لمعايير مشددة تتعلق بمصدر المكونات المستخدمة في الإنتاج. هذا الشرط يقلل بشكل كبير من اهتمام الشركات متعددة الجنسيات بنقل أنشطتها إلى المغرب . على المدى الطويل، قد تؤدي السياسات الحمائية التي أطلقتها الولايات المتحدة إلى إعادة تشكيل سلاسل القيمة وسلاسل الإمداد العالمية. ومع ذلك، تظل هذه التحولات مشروطة بعوامل اقتصادية كبرى مثل التضخم، وتوفر الموارد الطبيعية والبشرية، وقدرة الدول على تكييف بنيتها الإنتاجية. في هذا السياق، يتمتع المغرب بمزايا تنافسية ملحوظة، مثل موقعه الجيوستراتيجي المميز، وقوة عاملة نسبية مؤهلة، وتكاليف إنتاج تنافسية. لكن تحويل هذه المزايا التنافسية إلى مزايا دائمة يتطلب إصلاحات هيكلية عميقة، لا سيما في مجالات الحكامة والابتكار وتنويع الاقتصاد. أخيرًا، من المهم تسليط الضوء على الإمكانات غير المستغلة للصادرات الصناعية التقليدية، مثل المنتجات الثقافية التقليدية والملابس. تُعفى هذه السلع غالبًا من الرسوم الجمركية حتى قبل اتفاقية التجارة الحرة، مما يمكن أن يشكل فرصة لتعزيز الحضور المغربي في السوق الأمريكي. ومع ذلك، تتطلب هذه الاستراتيجية رؤية واضحة واستثمارات موجهة لتحسين جودة وتنافسية هذه المنتجات. في المجمل، الرسوم الجمركية التي كان فرضها ترامب، قبل ان يعلقها لمدة 90 يوم ، رغم ضجيجها الإعلامي، لها تأثير محدود على الاقتصاد المغربي. تكمن التحديات الحقيقية في القيود الهيكلية التي تعيق تنويع الاقتصاد وتعزيز تنافسيته الدولية. بدلاً من التركيز على إجراءات آنية، ينبغي على صناع القرار المغربي اعتماد نهج شامل يهدف إلى تعزيز القدرات الإنتاجية للبلاد وإدماج شركاتها بشكل أكبر في سلاسل القيمة العالمية. بدون ذلك، ستظل الخطابات حول الفرص الاقتصادية مجرد تكهنات بعيدة عن واقع الحال.


أريفينو.نت
١٤-٠٤-٢٠٢٥
- أريفينو.نت
استثمارات سعودية تهدد أكبر مصدر رزق للمغاربة؟
من النفط إلى الأسمدة: تحول استراتيجي في خطوة تسعى إلى تحرير نفسها من الاعتماد على النفط، تعمل السعودية بسرعة على التحول نحو صناعة الأسمدة كدعامة جديدة لاقتصادها. تستفيد المملكة من قدراتها المالية الهائلة للتنافس مع المغرب، الذي يعتبر رائدًا عالميًا في مجال الفوسفات عبر مجموعة OCP. ورغم أن احتياطيات الفوسفات السعودية تعادل 1/35 من نظيرتها المغربية، إلا أن الاستثمارات الطموحة بدأت تضيق الفجوة، خاصةً مع تفاقم أزمة الأسمدة العالمية بعد غزو أوكرانيا عام 2022. طفرة في الصادرات السعودية أظهرت دراسة حديثة أجرتها Global Sovereign Advisory قفزة كبيرة في مساهمة السعودية في صادرات الأسمدة العالمية: 2019: 2% 2023: 5.7% كما ارتفعت حصة المغرب من 5.7% إلى 6.6% خلال نفس الفترة. يعود هذا النمو السعودي إلى: احتياطيات فوسفات ضخمة تحتل المركز الثامن عالميًا. تكلفة منخفضة للغاز الطبيعي من أرامكو. استثمارات صناعية تجاوزت 8 مليارات دولار في مجمع وعد الشمال الصناعي. مشاريع ضخمة أنفقت شركة معادن 8 مليارات دولار على مجمع وعد الشمال الذي ينتج 3 ملايين طن سنويًا من الأسمدة الفوسفاتية (DAP). ركزت شركة SABIC للعناصر الزراعية على إنتاج الأمونيا واليوريا، وافتتحت مصنعًا متكاملًا في عام 2021. نتيجة لذلك، تضاعفت صادرات الأسمدة السعودية بين 2020 و2022 لتصل إلى 6.86 مليون طن بقيمة 4.5 مليار دولار عام 2023. المنافسة بين المغرب والسعودية في إفريقيا تسعى السعودية لمنافسة المغرب في إفريقيا عبر: استحواذات استراتيجية مثل شراء Meridian Fertilizer Group وETG Inputs Holdco Limited. تستحوذ السعودية الآن على 10% من سوق الأسمدة الإفريقية، بينما يحتفظ المغرب بنسبة 15% من خلال تواجده في غرب إفريقيا. تركز السعودية على التوسع في جنوب وشرق إفريقيا. تعزيز الريادة المغربية رغم المنافسة ورغم المنافسة السعودية، يمتلك المغرب مميزات قوية: إقرأ ايضاً يسيطر على 73% من احتياطيات الفوسفات العالمية. يمتلك 30% من الإنتاج العالمي للفوسفات ومشتقاته. يخطط لزيادة إنتاج الأسمدة إلى 9 ملايين طن بحلول عام 2028 عبر مشروع 'مزيندا-مسكالة'. تحليلات مستقبلية وتحذيرات ويشير المحللون إلى أن المنافسة ستتصاعد مع: التفوق المالي السعودي الذي قد يعوض نقص الاحتياطيات. تكثيف الاستحواذات على الأراضي الإفريقية الغنية بالمواد الخام. اعتماد المغرب على الابتكار والاستدامة في مشاريعه للطاقة المتجددة والحياد الكربوني. تلخيص: تعيد السعودية تشكيل صناعة الأسمدة العالمية مستندة إلى قدراتها المالية، بينما يعتمد المغرب على ثرواته الطبيعية وخبرته العريقة. المعركة لا تتعلق بالأرقام فحسب، بل بقدرة البلدين على تحويل مواردهما إلى قوة ناعمة في إفريقيا، حيث تحتدم المنافسة بشكل كبير.