logo
الذهب يدخل قلب المعركة: كيف أشعل ترامب مواجهة تجارية مع سويسرا وأربك أسواق المعادن؟

الذهب يدخل قلب المعركة: كيف أشعل ترامب مواجهة تجارية مع سويسرا وأربك أسواق المعادن؟

النهارمنذ يوم واحد
لم يكن الذهب يوماً مجرد معدن لامع يحفظ الثروات في أقبية البنوك، لكنه أيضاً لم يكن ورقة تفاوض تجارية صريحة. هذا حتى جاء دونالد ترامب الذي قرر أن يزج بالذهب نفسه في قلب واحدة من أكثر المواجهات التجارية إثارة للجدل بين واشنطن وبرن. ففي لحظة بدت كأنها جزء من استراتيجية مدروسة، أعلن البيت الأبيض فرض رسوم جمركية على سبائك الذهب بوزن كيلوغرام و100 أونصة، وهو ما أطلق سلسلة من الارتدادات العنيفة في الأسواق العالمية، وأعاد رسم ملامح الصراع التجاري بين البلدين.
من أين بدأت القصة؟
الشرارة انطلقت من أرقام صادمة في ميزان التجارة بين سويسرا والولايات المتحدة. ترامب رأى في العجز التجاري الأميركي مع برن – البالغ نحو 48 مليار دولار – دليلًا على أن الشركات السويسرية "تستفيد أكثر مما تعطي". ورغم أن الاتحاد الأوروبي واليابان وبريطانيا حصلت على صفقات تخفف الرسوم، فإن سويسرا وجدت نفسها أمام جدار أميركي صلب، وُضع في وجه صادراتها بنسبة 39%، وهي النسبة الأعلى بين كل الدول المتقدمة، متجاوزة حتى خصوم واشنطن التجاريين التقليديين.
وعندما حاولت الرئيسة السويسرية كارين كيلر-سوتر التفاوض مباشرة في واشنطن، لم تحصل حتى على لقاء مع ترامب، واضطرت للاكتفاء باجتماع مع وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي لا يملك سلطة على ملفات التجارة. النتيجة: لا اتفاق، ولا خفض للرسوم، ولا حتى وعوداً بالبحث في الأمر.
لماذا الذهب في قلب العاصفة؟
هنا تتعقد القصة. سويسرا هي أكبر مركز لتكرير الذهب في العالم، إذ يمر عبرها أكثر من 2000 طن من المعدن النفيس سنوياً، معظمها من إفريقيا وآسيا وأوستراليا وأميركا الجنوبية. ويتم إعادة تصدير الذهب بعد تكريره إلى أسواق كبرى، أبرزها الولايات المتحدة.
لكن المفارقة أن القيمة الهائلة لهذه الصادرات لا تعكس الأرباح الحقيقية للقطاع السويسري، إذ أن شركات التكرير – وعددها خمس فقط – توظف نحو 1500 شخص وتجني أرباحاً ضئيلة مقارنة بقيمة الذهب الخام نفسه. ورغم ذلك، أصرّت الإدارة الأميركية على إدخال الذهب في حسابات العجز التجاري، ما جعل الأرقام تبدو أكبر بكثير، ومنح ترامب ذريعة لفرض الرسوم.
صدمة في أسواق المعادن
قرار الجمارك الأميركية إعادة تصنيف السبائك تحت رمز جمركي خاضع للرسوم كان بمثابة زلزال في أسواق الذهب. العقود الآجلة في نيويورك قفزت إلى مستويات قياسية عند 3,534 دولاراً للأونصة، مع ارتفاع الفارق بين الأسعار المحلية والعالمية إلى أكثر من 100دولار للأونصة، وهو رقم يعكس توقعات المستثمرين بحدوث اضطرابات في تدفق الإمدادات.
تجار ومحللون تساءلوا: هل هذا خطأ إداري أم سياسة مقصودة؟ هل ستشمل الرسوم كل أنواع السبائك أم فقط أحجاماً معينة؟ وحتى لو تم استثناء السبائك الكبيرة بوزن 400 أونصة – الأكثر شيوعًا في لندن – فهل سيلجأ الموردون إلى إعادة صهرها بأشكال أصغر لتجاوز الرسوم؟
برن بين الديبلوماسية والضغط الداخلي
المجلس الفيدرالي السويسري عقد اجتماعاً طارئاً بعد فشل زيارة كيلر-سوتر، لكنه قرر عدم الرد برسوم مضادة في الوقت الحالي، مفضلاً التركيز على دعم الشركات المصدرة ومحاولة إبقاء باب التفاوض مفتوحاً. حتى مقترحات استثمار 150 مليار دولار في السوق الأميركية أو خفض الرسوم إلى 10% لم تلق آذاناً صاغية في واشنطن.
في الداخل، بدأ الضغط السياسي يتصاعد، بحيث دعت زعيمة حزب الخضر ليزا مازوني، إلى فرض رسوم بنسبة 5% على صادرات المعادن الثمينة خطوة رد اعتبار.
التاريخ يعيد نفسه ولكن بلمسة ذهبية
هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة الرسوم الجمركية أداة ضغط على شريك تجاري. لكن المختلف اليوم أن السلاح هو الذهب، وهو سلعة ذات بعد رمزي ومالي عالمي، ترتبط بالاستقرار النقدي والثقة في الأسواق. إدخالها إلى ساحة الصراع يرسل إشارة مقلقة: حتى أكثر السلع "حياداً" يمكن أن تصبح رهينة في لعبة النفوذ السياسي.
أوروبا أمام معضلة الرد: بين وحدة الصف ومصالح الذهب
سويسرا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهي ترتبط بالاتحاد عبر سلسلة من المعاهدات الثنائية التي تبنت فيها العديد من أحكام قانون الاتحاد الأوروبي.
في الكواليس الأوروبية، لا يقتصر القلق على برن وحدها. فالتصعيد الأميركي ضد الذهب السويسري — وما سبقه من فرض رسوم بنسبة 39% على كامل الطيف السلعي تقريباً — يثير هواجس في بروكسيل وباريس وبرلين على حد سواء. الاتحاد الأوروبي، الذي نجح أخيراً في انتزاع اتفاق إطار مع واشنطن يجنّبه أقسى التعريفات، يدرك أن الضربة التي أصابت سويسرا قد تمتد عدواها إذا قرر ترامب إعادة النظر في استثناءات الذهب أو غيره من السلع الحساسة.
من الناحية الاقتصادية، لا يُنظر إلى الذهب على أنه مجرد معدن ثمين، بل أداة سيولة واستثمار عابرة للحدود، تمر عبر ممرات تجارية تشترك فيها مصافي لندن وزيورخ وباريس. إدخال الذهب السويسري في دائرة الاستهداف قد يدفع الأوروبيين إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم في التخزين والتجارة، وربما توسيع شبكات التكرير الداخلية لتقليل الاعتماد على المعابر السويسرية.
قد يرى البعض في هذه الأزمة مجرد فصل جديد من فصول الحرب التجارية التي يخوضها ترامب، لكن الواقع أعمق بكثير. الذهب اليوم لم يعد مخزناً للقيمة فحسب، بل بات ورقة ضغط جيوسياسي قد تُستخدم لإعادة رسم خريطة التجارة العالمية.
في المدى القريب، ستظل الأسواق رهينة الأخبار القادمة من واشنطن وبرن، وقد يتبين أن الرسوم ليست سوى ورقة تفاوض قابلة للطي إذا تحقق مكسب سياسي. أما في المدى البعيد، فإن تسييس تجارة الذهب قد يفتح الباب أمام سوابق خطيرة تشمل معادن وموارد أخرى، في زمن تتقاطع فيه السياسة مع الاقتصاد عند كل مفترق.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"ممر القوقاز لن يمر"… ولايتي: سيكون مقبرة لمرتزقة ترامب (فيديو)
"ممر القوقاز لن يمر"… ولايتي: سيكون مقبرة لمرتزقة ترامب (فيديو)

ليبانون ديبايت

timeمنذ 12 دقائق

  • ليبانون ديبايت

"ممر القوقاز لن يمر"… ولايتي: سيكون مقبرة لمرتزقة ترامب (فيديو)

أعلنت إيران، السبت، رفضها مشروع إنشاء ممر في جنوب القوقاز ضمن اتفاق سلام برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بين أذربيجان وأرمينيا، محذّرة من أي تغييرات جيوسياسية قرب حدودها. وقال علي أكبر ولايتي، كبير مستشاري المرشد الأعلى الإيراني، إن المناورات العسكرية التي أجرتها طهران في شمال غرب البلاد أظهرت استعدادها لمنع المشروع، مضيفاً: "هذا الممر لن يصبح ممراً مملوكاً لترامب، بل مقبرة لمرتزقته". الاتفاق، الذي وُقّع الجمعة في البيت الأبيض بحضور الرئيس الأذري إلهام علييف ورئيس الوزراء الأرمني نيكول باشينيان، ينص على مد طريق عبر جنوب أرمينيا يربط أذربيجان بجيب ناخيتشفان وصولاً إلى تركيا، مع منح واشنطن حقوق تطوير حصرية للممر، بهدف تعزيز صادرات الطاقة وزيادة التواصل الإقليمي. ورغم أن إيران رحّبت بالاتفاق باعتباره خطوة نحو سلام دائم، فإنها حذّرت من أي تدخل أجنبي بالقرب من حدودها قد يهدد أمن المنطقة، في وقت يرى محللون أنها تفتقر للقدرة العسكرية على إغلاق الممر فعلياً. وتعود جذور الخلاف بين أرمينيا وأذربيجان إلى أواخر ثمانينيات القرن الماضي حول إقليم ناغورنو قره باغ، الذي استعادته باكو بالكامل عام 2023. ويعتبر تعديل الدستور الأرمني لحذف أي مطالبات بالإقليم العقبة الأساسية أمام توقيع اتفاق سلام نهائي، فيما تواصل واشنطن، ويرجح أن تتأثر موسكو، متابعة التطورات عن كثب.

استقرار أسعار الذهب في السوق المصري وسط توقف التداول العالمي
استقرار أسعار الذهب في السوق المصري وسط توقف التداول العالمي

ليبانون 24

timeمنذ 24 دقائق

  • ليبانون 24

استقرار أسعار الذهب في السوق المصري وسط توقف التداول العالمي

سجل سعر الذهب اليوم، بالسوق المصري، حالة من الاستقرار مع تغيرات محدودة في عيار 21 وجميع الأعيرة الذهب، في ظل توقف التداول على الذهب في البورصة العالمية. أسعار الذهب اليوم سعر الذهب عيار 24: 5274 جنيهًا سعر الذهب عيار 18: 3956 جنيهًا سعر الجنيه الذهب: 36920 جنيهًا. استطاع الذهب العالمي الارتفاع للأسبوع الثاني على التوالي بعد أن وجد الدعم من ارتفاع الطلب على الملاذ الآمن في ظل استمرار التوترات التجارية العالمية، بالإضافة إلى التوقعات بخفض أسعار الفائدة إلى جانب الأخبار الأخيرة عن فرض رسوم جمركية أمريكية على واردات الذهب. سجل سعر أونصة الذهب العالمي ارتفاعا خلال الأسبوع الماضي بنسبة 1% ليسجل أعلى مستوى عند 3409 دولار لأونصة بعد أن افتتح تداولات الأسبوع عند 3364 دولار للأونصة وقد أغلق الذهب تداولات الأسبوع عند المستوى 3397 دولار للأونصة. ارتفع الذهب للأسبوع الثاني على التوالي وتمكن خلال الأسبوع من التداول فوق المستوى 3400 دولار للأونصة، ولكنه عند الاغلاق عاد ليغلق تحت هذا المستوى مما يدل على عدم كفاية الزخم الصاعد لاستقرار تداولات الذهب فوق هذا المستوى.

قبيل قمة ترامب وبوتين.. زعماء أوروبيون: لممارسة مزيد من "الضغط" على روسيا
قبيل قمة ترامب وبوتين.. زعماء أوروبيون: لممارسة مزيد من "الضغط" على روسيا

الجمهورية

timeمنذ 30 دقائق

  • الجمهورية

قبيل قمة ترامب وبوتين.. زعماء أوروبيون: لممارسة مزيد من "الضغط" على روسيا

أكد زعماء أوروبيون الأحد أن "نهجاً يجمع بين الدبلوماسية الفاعلة ودعم أوكرانيا والضغط على الاتحاد الروسي" وحده كفيل بإنهاء الحرب بين أوكرانيا وروسيا. ورحب بيان حمل توقيع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني والمستشار الألماني فريدريش ميرتس ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين وقادة أوروبيين آخرين، بـ"جهود الرئيس ترامب لوقف القتل في أوكرانيا وإنهاء حرب العدوان الروسية وتحقيق السلام والأمن العادل والدائم لأوكرانيا". وأضاف البيان الذي صدر قبيل القمة بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في ألاسكا "نحن على أهبة الاستعداد لدعم هذا العمل دبلوماسيا، وأيضا من خلال الحفاظ على دعمنا العسكري والمالي الكبير لأوكرانيا، بما في ذلك من خلال عمل تحالف الراغبين والحفاظ على الإجراءات التقييدية ضد الاتحاد الروسي وفرضها". وجاء في البيان أنه "لا يمكن تحديد مسار السلام في أوكرانيا بدونها، ونلتزم بمبدأ عدم تغيير الحدود الدولية بالقوة". وتابع البيان: "لأوكرانيا حرية الاختيار بشأن مصيرها، ولا يمكن إجراء مفاوضات جادة إلا مع وقف إطلاق النار أو خفض الأعمال العدائية". وقال الرئيس ترامب الجمعة إنه سيلتقي بوتين في 15 آب في ألاسكا. وأفادت وكالة "بلومبرغ" بأن واشنطن وموسكو تسعيان للتوصل إلى اتفاق لوقف الحرب في أوكرانيا من شأنه أن يُثبت سيطرة روسيا على الأراضي التي استولت عليها خلال عمليتها العسكرية. ونقلت الوكالة عن مصادر مطلعة القول إن مسؤولين أميركيين وروسا يعملون على التوصل إلى اتفاق بشأن تلك الأراضي تمهيدا لقمة مرتقبة بين ترامب وبوتين، الأسبوع المقبل. واقترح ترامب في تصريحات لصحفيين في البيت الأبيض الجمعة اتفاقا يشمل تبادلا للأراضي. وصرّح ترامب قائلا "سيكون هناك تبادل للأراضي لتحسين وضع كليهما". ويطالب بوتين بالسيطرة على أربع مناطق أوكرانية وهي لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا وخيرسون، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم المطلة على البحر الأسود، التي ضمها عام 2014. ولا تسيطر القوات الروسية بشكل كامل على جميع الأراضي في المناطق الأربع حاليا. وسبق أن أبدت أوكرانيا استعدادها التحلي بالمرونة في مساعي إنهاء حرب دمرت مدنا وبلدات فيها وأودت بحياة أعداد كبيرة من جنودها ومواطنيها. ومع ذلك، فإن قبول خسارة نحو خمس أراضي أوكرانيا سيكون مؤلما للغاية وتحديا سياسيا للرئيس فولوديمير زيلينسكي وحكومته. وينص الاتفاق المفترض الذي أوردته "بلومبرغ" على أن توقف روسيا هجومها في منطقتي خيرسون وزابوريجيا على امتداد خطوط القتال الحالية. ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في كانون الثاني، يسعى ترامب جاهدا لإصلاح العلاقات مع روسيا وإنهاء الحرب، على الرغم من أنه تراوح في تصريحاته العلنية بين الإعجاب ببوتين والانتقاد الحاد له. واتخذت الإدارة الأميركية يوم الأربعاء خطوة نحو معاقبة عملاء موسكو في قطاع النفط بفرض رسوم إضافية 25 بالمئة على البضائع من الهند بسبب وارداتها من النفط الروسي، لتكون أول عقوبة مالية تستهدف روسيا في ولاية ترامب الثانية. وكان ستيف ويتكوف مبعوث ترامب الخاص أجرى محادثات استمرت ثلاث ساعات مع بوتين في موسكو يوم الأربعاء الماضي، وصفها الجانبان بأنها بنّاءة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store