logo
12 مليون دولار لشمال إدلب.. ماذا عن المناطق المنكوبة؟

12 مليون دولار لشمال إدلب.. ماذا عن المناطق المنكوبة؟

الجزيرةمنذ 19 ساعات
يثير تخصيص 12 مليون دولار لمشاريع البنية التحتية في شمال إدلب جدلا واسعا، لا سيما في أوساط المهجّرين والنازحين من جنوب المحافظة وشرقها.
ويرى هؤلاء أن تركيز المشاريع على مناطق مستقرة نسبيا مثل إدلب وسرمدا والدانا شمال إدلب يُهَمِّش المناطق المنكوبة، إذ تعاني مدن مثل معرة النعمان، وخان شيخون، وجبل الزاوية في جنوب المحافظة من دمار واسع وغياب شبه تام للخدمات الأساسية، مما يجعل العودة إليها بالغة الصعوبة.
ويعتبر نازحون أن هذا التوزيع غير المتوازن يكشف عن خلل واضح في التخطيط التنموي، ويزيد من اتساع الفجوة بين المناطق المستقرة والمناطق المتضررة بفعل الحرب.
تركز المشاريع الجارية في شمال إدلب على تسوية الطرق وتأهيل البنية التحتية، في حين تُستثنى المناطق التي تعرضت لأعنف موجات القصف، والتي تبقى خارج خارطة الإعمار حتى اللحظة.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه تصريحات محافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، أن عودة المهجرين تمثل أولوية قصوى، وتشير إلى جهود تُبذل لإعادة تفعيل المؤسسات وترميم البنى التحتية في المناطق المحررة حديثا، فإن غياب الدعم المالي الرسمي يحدّ من فاعلية هذه المساعي، إذ تعتمد المحافظة بشكل رئيس على المنظمات الإنسانية والتكافل المجتمعي. وبينما تتصاعد الانتقادات بشأن تركّز المشاريع في مدينة إدلب ، يصرّ المحافظ على أن المشاريع شاملة ولا تقتصر على مركز المحافظة.
مناطق منكوبة خارج خارطة الإعمار
تعاني مناطق جنوب إدلب وشرقها، مثل معرة النعمان، وخان شيخون، وجبل الزاوية، من دمار شامل نتيجة سنوات الحرب، إذ تنتشر الألغام فيها بشكل واسع، والمنازل مهددة بالانهيار، والخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي معدومة، مما يجعل هذه المناطق غير صالحة للسكن.
كما أن الطرقات المدمرة وتراكم الأنقاض يزيدان من تعقيد العودة، ويبقيان آلاف المهجرين في المخيمات، وسط غياب أي أمل ملموس. هذا الواقع يعمق الشعور بالتهميش، ويستدعي تدخلات عاجلة لإعادة تأهيل تلك المناطق.
أيهم العبد الله، المهجر من ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، عبّر عن قلقه من مخاطر العودة في ظل استمرار وجود الألغام ومخلفات القصف. وقال في حديثه للجزيرة نت إن هذه المناطق "غير صالحة للسكن البشري؛ فالمنازل مدمرة ومهددة بالسقوط، ولا توجد أي بنية تحتية من مشافٍ أو مدارس أو شبكات مياه وكهرباء". وأضاف أن الطرقات ما تزال مغلقة بسبب الأنقاض، محمّلا الحكومة السورية كامل المسؤولية عن سلامة من يقرر العودة، وداعيا المهجرين إلى الامتناع عن العودة في ظل هذا الإهمال. وطالب المتضررين برفع دعاوى قضائية ضد الدولة لتعويضهم عن خسائرهم، مؤكدا أن "العودة يجب أن تكون كريمة وتليق بتضحياتنا، لا مجرد عودة إلى الخراب".
رد رسمي وجهود محلية محدودة التمويل
ورغم هذه التحديات، تؤكد إدارة محافظة إدلب أنها تبذل جهودا حثيثة لإعادة تأهيل المناطق المنكوبة بالتعاون مع منظمات إنسانية. وتتوزع المشاريع على مجالات متعددة، تشمل ترميم المدارس، ومحطات المياه، وشبكات الصرف الصحي، والمراكز الطبية، بالإضافة إلى إزالة الأنقاض وتحسين البنية التحتية بشكل تدريجي. ويقول محافظ إدلب، محمد عبد الرحمن، للجزيرة نت، إن عودة المهجرين إلى بلداتهم باتت تمثل أولوية ملحة على جدول أعمال المحافظة، رغم غياب التمويل الحكومي الرسمي. وأوضح أنه بدأ فور تولّيه المنصب العمل على إعادة تفعيل المؤسسات والخدمات الأساسية، لا سيما في المناطق المحررة حديثا مثل معرة النعمان، وخان شيخون، وسراقب، وريف إدلب الجنوبي، حيث تم تفعيل العديد من المديريات التي توقفت عن العمل بسبب النزوح والدمار.
وأضاف عبد الرحمن أن "المحافظة أنشأت عشرات المخافر والمراكز الأمنية لإعادة الاستقرار في تلك المناطق". وأشار إلى أنه تم تفعيل 190 مدرسة، ورُمّمت 100 منها حتى الآن، مع وجود خطط لترميم المزيد منها قبل بداية العام الدراسي الجديد، كما أُطلقت مشاريع لترميم 4 آلاف منزل في المناطق المحررة.
وفي القطاع الصحي، أوضح أن 53 مركزا طبيا ومستشفى قد أُعيد تشغيلها خلال الأشهر الخمسة الماضية في مدن كمعرة النعمان، وخان شيخون، وأريحا، وسراقب، وجبل الزاوية، بالتوازي مع حملات رفع الأنقاض لإعادة تدويرها وتحسين الطرق لاحقا.
وعن الانتقادات الموجهة بخصوص تركيز المشاريع في مدينة إدلب، أوضح عبد الرحمن أن "المشروع ممول من منظمة دولية ضمن خطة تشمل المدينة والمناطق المحررة. فطرقات إدلب متهالكة منذ أكثر من 40 عاما، وهي مركز المحافظة الذي يضم عددا كبيرا من النازحين". وشدد على أن المشاريع لا تقتصر على إدلب، بل تشمل أيضا سراقب، والمعرة، وخان شيخون، وغيرها من المناطق. كما بيّن أن "المحافظة لا تمتلك موازنات تشغيلية، وتعتمد بشكل شبه كلي على الدعم الإنساني والتكافل المجتمعي"، مؤكدا أن كل مشروع يُنفّذ بعد موافقة الجهات المانحة ووفقا لأولوياتها.
وأكد أن العمل يسير بشفافية وبالتنسيق مع المجتمع المحلي، مشيدا بدور الصناديق الخدمية والمبادرات الشعبية. وفي مجال المياه والصرف الصحي، أشار إلى أن من أبرز المشاريع محطة "اللج" التي تغذي 5 محطات في جبل الزاوية، بتكلفة بلغت 3.5 ملايين دولار، بالإضافة إلى حفر آبار في معرة النعمان وخان شيخون.
وبخصوص حادثة وفاة شاب نتيجة سقوطه في فتحة صرف صحي مكشوفة في بلدة حيش، أكد المحافظ أن الحادثة قيد المتابعة العاجلة، وبدأت على إثرها حملات مجتمعية لتأمين الأغطية بالتعاون مع منظمات إنسانية.
نازحون: الوتيرة لا ترتقي لحجم الدمار
ورغم هذه الجهود، يشعر كثير من المهجرين بأن وتيرة العمل لا ترتقي إلى حجم الدمار في مناطقهم، في ظل قلق متزايد من تحوّل النزوح إلى حالة دائمة.
ويرى نازحون أن تركيز المشاريع على مناطق شمال إدلب قد يكون مبررا من الناحية التنفيذية، نظرا لسهولة العمل فيها باعتبارها مناطق آمنة نسبيا، إلا أن ذلك يُفاقم الشعور بالإقصاء لدى سكان المناطق الأكثر تضررا. فانتشار الألغام وغياب الخدمات الأساسية يحولان دون عودة المهجرين إلى ديارهم، مما يعمّق حالة النزوح القسري ويعيق تحقيق استقرار طويل الأمد.
في معرة النعمان، تروي لينا محمود، وهي نازحة منذ 5 سنوات، شعورها بخيبة الأمل نتيجة بطء وتيرة التعافي. تقول: "كنا نأمل أن نعود يوما إلى بيوتنا، لكن اليوم لا شيء يشجع على العودة. منزلنا مدمر بالكامل، لا ماء ولا كهرباء، والشوارع مملوءة بالأنقاض". وتضيف: "نسمع عن مشاريع في شمال إدلب، لكن ماذا عنا؟ كأننا منسيون. الأطفال يعانون في المخيمات، والمدارس في قريتنا لا تزال مجرد أطلال".
ورغم التصريحات والجهود المعلنة، تبقى المناطق المنكوبة في حاجة ماسة إلى تدخلات عاجلة لإزالة الألغام، وترميم المنازل، وإعادة تأهيل البنية التحتية. ويطالب المهجرون بتوزيع عادل للمشاريع يراعي مستوى الأضرار الفعلية، ويشترط شفافية في تخصيص التمويل. ومن دون حلول شاملة، سيبقى حلم العودة الكريمة بعيد المنال، وتظل آمال آلاف العائلات معلقة على وعود لم تتحقق بعد.
وفي جبل الزاوية، حيث الكثافة السكانية والدمار يتجاوران، يسعى أحمد الخالد، أحد المهجرين، إلى لفت الأنظار إلى الغياب شبه التام للمشاريع التنموية. يقول: "كل يوم نسمع عن مشاريع في إدلب أو سرمدا، لكن في جبل الزاوية لا شيء يُذكر. بيتي دُمر، والمنطقة مملوءة بالألغام. حاولت العودة مرة، لكن لم أجد حتى طريقا سالكا للوصول إلى القرية. كيف يمكننا العيش هكذا؟ الحكومة تتحدث عن عودة المهجرين، لكن من دون بنية تحتية، هذا مجرد كلام فارغ".
ومن خان شيخون، تسرد خديجة الصالح التحديات اليومية التي تواجهها كامرأة وأم، وتقول للجزيرة نت إن "أطفالي محرومون من التعليم لأن المدارس مدمرة، وإذا مرض أحدهم أضطر إلى السفر لساعات إلى إدلب. نسمع عن ملايين الدولارات التي تُصرف على مشاريع، لكن أين هي من مناطقنا؟ نريد عودة كريمة، لا أن نبقى في خيام المخيمات إلى الأبد".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أحداث الساحل بين تقريري دمشق والأمم المتحدة.. تشابه في النتائج وانتظار لإجراءات العدالة
أحداث الساحل بين تقريري دمشق والأمم المتحدة.. تشابه في النتائج وانتظار لإجراءات العدالة

الجزيرة

timeمنذ 9 ساعات

  • الجزيرة

أحداث الساحل بين تقريري دمشق والأمم المتحدة.. تشابه في النتائج وانتظار لإجراءات العدالة

بعد أسابيع من نشر اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق تقريرها عن أحداث الساحل السوري في مارس/آذار الماضي، جاء تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا عن تلك الأحداث ليعيد هذا الملف إلى واجهة الجدل السياسي والحقوقي في البلاد. التقرير الأممي الصادر في ظرف انتقالي بالغ التعقيد يضع روايته جنبا إلى جنب الرواية الوطنية، كاشفا عن تقاطعات لافتة في توصيف حجم الانتهاكات وخطورتها، ويبرز -في المقابل- تباينات في قراءة الدوافع وتحديد المسؤوليات. وفي حين أن التوازي بين التحقيقين يسلط الضوء على تنوع المنهجيات واختلاف زوايا النظر، فإنه يفتح الباب أمام تساؤلات أعمق عما إذا كانت هذه النتائج ستتحول إلى خطوات ملموسة نحو العدالة المنشودة. من يتحمل المسؤولية؟ في مارس/آذار الماضي، أسفرت المواجهات عن سقوط مئات الضحايا في مدن وبلدات اللاذقية وطرطوس، معظمهم من المدنيين، وسط اعتراف من الحكومة السورية بارتكاب عناصر في الجيش انتهاكات، مما دفعها لتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات ما حدث، وتحديد هوية المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات من الطرفين. ورغم تقاطع نتائج عمل اللجنتين الوطنية والدولية في توصيف حجم الانتهاكات وخطورتها، فإن جوهر الجدل تمحور حول سؤال من يتحمل مسؤولية الانتهاكات التي جرت في الساحل السوري؟ وخلص تقرير لجنة التحقيق الأممية إلى أن جرائم حرب ارتكبها طرفا الصراع، بيد أنه أوضح أنه لم يجد دليلا على وجود سياسة أو خطة حكومية منظمة لتنفيذ تلك الهجمات، مرجحا أن ما وقع كان نتيجة أفعال مجموعات شاركت في العمليات العسكرية ولم تلتزم بالأوامر التزاما جيدا. بالتوازي مع ذلك، حمّل تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق "فلول النظام السابق" المسؤولية الأساسية، متهما إياهم بتنفيذ سلسلة هجمات منسقة في السادس من مارس/آذار استهدفت مواقع أمنية وعسكرية، وأسفرت -وفق تقديرات اللجنة- عن مقتل 238 عنصرا من الجيش والأمن، بعضهم أُعدم ميدانيا وهم أسرى أو جرحى. وأوضح التقرير أن الرد العسكري الحكومي -الذي تضمن مشاركة قوات نظامية وفصائل محلية- شهد بدوره تجاوزات واسعة النطاق أودت بحياة 1426 شخصا معظمهم من المدنيين، بينهم 90 امرأة، بعضها وقعت بعد توقف المعارك نتيجة حملات تفتيش وانتقام نفذتها مجموعات غير منضبطة. وفي هذا السياق، يشير المحامي والمستشار في القانون الجنائي الدولي محمد الحربلية إلى أن تقرير لجنة التحقيق الدولية وزّع المسؤولية بين مقاتلي النظام السابق وعناصر من فصائل تم دمجها في القوات الحكومية، إضافة إلى أفراد عاديين انخرطوا في العمليات، معتبرا أن بعض الجرائم ارتُكبت بطريقة ممنهجة وعلى أساس الانتماء الديني، مما يشي بضلوع مسؤولين في مواقع قيادية. وفي المقابل، يلفت الحربلية -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن التقرير الوطني اعتبر الانتهاكات التي ارتكبها مقاتلون من الفصائل أو مجموعات مستقلة "أفعالا فردية وغير ممنهجة"، ولا تعكس سياسة معتمدة من جانب الحكومة، وإن كانت قد أسهمت في اتساع دائرة الانتهاكات. تباين في توصيف الدوافع وفي حين يتفق التقريران الأممي والوطني على خطورة ما جرى في الساحل السوري خلال آذار/مارس الماضي، فإنهما يختلفان في توصيف طبيعة تلك الأحداث وأهدافها، إذ لا يقتصر هذا التباين على التفاصيل الميدانية، بل يمتد إلى تفسير الخلفيات السياسية والعسكرية. من جانبه، أشار تقرير اللجنة الوطنية إلى أن ما جرى كان "محاولة انقلابية" منظمة، موضحا أن الهجمات التي استهدفت قوات الأمن والحواجز العسكرية، وتدمير 6 مستشفيات، واستهداف المدنيين، وقطع الطرق الرئيسية، جاءت ضمن خطة للسيطرة على أجزاء من الساحل وفصلها عن الدولة. وتدعم هذه الرواية تصريحات وزير الداخلية السوري أنس خطاب، الذي أعلن في 16 أبريل/نيسان أن الحكومة السورية أنهت "مشروع انقلاب" كان يجري التحضير له على يد مجموعة من ضباط النظام السابق. في المقابل، لا يتبنى تقرير لجنة التحقيق الأممية هذا التوصيف، ولا يشير إلى وجود محاولة لعزل الساحل، بل يضع ما حدث في سياق أوسع يتعلق بمسار العدالة الانتقالية، مسلطا الضوء على أن أغلب من كان في الجيش والأمن السابقين ينتمون للطائفة العلوية. ويوضح رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، أن التقرير الدولي يربط أحداث الساحل بغياب إطار واضح للعدالة الانتقالية بعد سقوط الأسد، مما دفع بعض الأفراد إلى تطبيق القانون بأيديهم، ويتطرق أيضا إلى وقائع سابقة للأحداث. وأشار عبد الغني -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن التقرير الأممي يتضمن نقطة إيجابية لمصلحة الحكومة السورية، إذ سمحت للجنة بدخول المنطقة وتسجيل ملاحظاتها وتسهيل مهمتها، بخلاف النظام السابق الذي كان يمنعها من دخول البلاد. ووفقا لتحقيق بثته الجزيرة، فإن التمرد في الساحل كان أقرب إلى محاولة انقلاب منظم، إذ قسّم قائد أركان الفرقة الرابعة في جيش النظام السابق، غياث دلا ، قواته إلى 3 مجموعات: "درع الأسد"، و"لواء الجبل"، و"درع الساحل"، وسيطرت هذه القوات على نقاط مفصلية داخل مدن ومراكز محافظتي اللاذقية وطرطوس، قبل أن تتمكن قوات وزارتي الدفاع والداخلية والمجموعات الموالية لهما من إفشال المخطط. التوصيف القانوني للانتهاكات لا يقتصر الفرق بين استنتاجات اللجنة الوطنية ولجنة التحقيق الأممية على جانب من توصيف ما حدث، بل يمتد إلى التوصيف القانوني للانتهاكات التي شهدها الساحل السوري وإلى الإطار التشريعي الذي ينبغي أن يُعتمد عند الحكم على الأحداث. من ناحيتها، اعتمدت اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق في توصيفها على قانون العقوبات السوري وقانون العقوبات العسكري، معتبرة أن ما جرى يندرج تحت جرائم القتل العمد، والتعذيب، والشتم بعبارات طائفية، ومحاولة سلخ جزء من أراضي الدولة، وإثارة النزاعات الطائفية، والسلب، وتخريب الممتلكات، ومخالفة الأوامر العسكرية. أما لجنة التحقيق الأممية فقد اختارت إطارا أوسع، وصنفت الانتهاكات على أنها جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية ، مستندة إلى أحكام القانون الجنائي الدولي العرفي، نظرا لمحدودية تطبيق معاهدات الجرائم الدولية في سوريا، وما تتيحه المعايير الدولية من آفاق أوسع للمساءلة أمام هيئات قضائية عالمية. وفي هذا السياق، يوضح الحربلية أن هذا التباين يعكس اختلافا جوهريا في المرجعيات، إذ يمنح التوصيف الأممي إمكانية ملاحقة المسؤولين على الصعيد الدولي، بينما يقيد التوصيف الوطني إجراءات المحاسبة بإطار محلي. وكانت اللجنة الوطنية نفسها أقرت -في أثناء مؤتمرها الصحفي الذي عرضت فيه نتائج التحقيق- بضرورة مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سوريا، وفقا لمقتضيات الإعلان الدستوري ، وهو ما يتطلب استكمال تشكيل السلطة التشريعية لإجراء الإصلاحات اللازمة. وفي هذا السياق، شدد تقرير صادر عن المركز الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون على أن غياب المواءمة بين القوانين الوطنية السورية والمعايير الدولية للعدالة الجنائية يعوق محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة، ويفتح الباب للإفلات من العقاب. من جانبه، شدد رئيس اللجنة الوطنية، جمعة العنزي، في مقابلة سابقة مع الجزيرة، على أن عمل اللجنة تم "بكل شفافية" وبلا أي تدخل حكومي، وأنها سلمت أسماء المتورطين إلى النيابة العامة قبل صدور التقرير لفتح تحقيقات رسمية. بين الترحيب وتحمل المسؤولية لم يقتصر تفاعل الحكومة السورية مع تقرير لجنة التحقيق الأممية على التصريحات البروتوكولية، بل اتخذ شكلا أقرب إلى تبني جزء كبير من مضمونه وتوصياته، في خطوة رآها مراقبون رسالة سياسية للمجتمع الدولي بشأن جديتها في التعاون والالتزام بمعايير العدالة. وفي هذا السياق، أعرب وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني عن شكره لرئيس لجنة التحقيق الأممية باولو سيرجيو بينيرو على "جهوده في إعداد التقرير الأخير حول أحداث الساحل"، معتبرا أن ما ورد فيه "ينسجم مع تقرير لجنة تقصي الحقائق الوطنية المستقلة". وفي بيان صادر عن الخارجية السورية، أكد الشيباني أن الحكومة "تأخذ على محمل الجد الانتهاكات المزعومة" الواردة في التقرير، كما شدد على التزام بلاده بدمج توصيات اللجنة الدولية ضمن مسار بناء المؤسسات وترسيخ دولة القانون. من ناحيته، يرى الحقوقي فادي موصلي -في حديثه للجزيرة نت- أن ترحيب الخارجية السورية بالتقرير الأممي "يوجه رسالة للمجتمع الدولي بأن الحكومة الجديدة ملتزمة بالتعاون مع المنظمات الدولية واحترام القانون الدولي"، ما يعزز -برأيه- شرعيتها على المستوى الخارجي. وأشار موصلي إلى أن تعزيز الشفافية والسير نحو طريق أفضل على مستوى تحقيق العدالة يتطلب خطوات عملية، مثل نشر المنهجية الحكومية الكاملة، وإعلان أسماء الموقوفين والتهم الموجهة إليهم، وإنشاء آلية شكاوى للضحايا، إضافة إلى إشراك ممثلي الأقليات في مراقبة قطاع الأمن وتدقيق انتساب الأفراد إلى التشكيلات العسكرية والأمنية. من جهته، يشدد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أن على الحكومة السورية البناء على هذا التحقيق، وعدم الاكتفاء بنتائج لجنة التحقيق الوطنية، بل الجمع بين التقريرين، إضافة إلى تقارير الشبكة ومنظمات أخرى، بهدف المحاسبة وتعويض الضحايا والاعتراف بما جرى. إعلان ودعا إلى حماية المقابر الجماعية ، واتخاذ خطوات لإعادة الثقة بين الأهالي، خاصة في أوساط المجتمع العلوي، ووقف التحريض الطائفي أو الكراهية، مع إشراك القيادات المجتمعية والدينية في جهود المصالحة. وكان المتحدث باسم لجنة التحقيق الوطنية، ياسر الفرحان، أكد في تصريحات صحفية، أمس الخميس، أن الحكومة بدأت التحقيق مع الموقوفين على خلفية هذه الأحداث، مشددا على أن مساءلة المتورطين تمثل "أولوية قصوى". وأشار الفرحان إلى أن توصيات اللجنة الوطنية تتفق مع توصيات اللجنة الأممية، وأن الإجراءات الحكومية المتخذة حيال أحداث الساحل تمثل "خطوة غير مسبوقة نحو تحقيق العدالة".

أحداث الساحل السوري بين رواية دمشق وتقرير لجنة الأمم المتحدة
أحداث الساحل السوري بين رواية دمشق وتقرير لجنة الأمم المتحدة

الجزيرة

timeمنذ 12 ساعات

  • الجزيرة

أحداث الساحل السوري بين رواية دمشق وتقرير لجنة الأمم المتحدة

بعد أسابيع من نشر اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق تقريرها حول أحداث الساحل السوري في مارس/آذار الماضي، جاء تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا حول تلك الأحداث ليعيد هذا الملف إلى واجهة الجدل السياسي والحقوقي في البلاد. التقرير الأممي الصادر في ظرف انتقالي بالغ التعقيد، يضع روايته جنبًا إلى جنب مع الرواية الوطنية، كاشفًا عن تقاطعات لافتة في توصيف حجم الانتهاكات وخطورتها، وفي المقابل مبرزًا تباينات في قراءة الدوافع وتحديد المسؤوليات. وبينما يسلّط التوازي بين التحقيقين الضوء على تنوّع المنهجيات واختلاف زوايا النظر، فإنه يفتح الباب أمام تساؤلات أعمق حول ما إذا كانت هذه النتائج ستتحول إلى خطوات ملموسة نحو العدالة المنشودة. من يتحمّل المسؤولية؟ في مارس/آذار الماضي، أسفرت المواجهات عن سقوط مئات الضحايا في مدن وبلدات اللاذقية وطرطوس، معظمهم من المدنيين، وسط اعتراف من الحكومة السورية بارتكاب عناصر في الجيش انتهاكات، مما دفعها لتشكيل لجنة للتحقيق في ملابسات ما حدث، وتحديد هوية المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات من الطرفين. ورغم تقاطع نتائج عمل اللجنتين الوطنية والدولية في توصيف حجم الانتهاكات وخطورتها، فإن جوهر الجدل تمحور حول سؤال من يتحمل مسؤولية الانتهاكات التي جرت في الساحل السوري؟ وخلص تقرير لجنة التحقيق الأممية إلى أن جرائم حرب ارتُكبت من جانب طرفي الصراع؛ إلا أنه أوضح أنه لم يجد دليلاً على وجود سياسة أو خطة حكومية منظمة لتنفيذ تلك الهجمات، مرجحًا أن ما وقع كان نتيجة أفعال مجموعات شاركت في العمليات العسكرية ولم تلتزم بالأوامر بشكل جيد. في موازاة ذلك، حمّل تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق "فلول النظام السابق" المسؤولية الأساسية، متهمًا إياهم بتنفيذ سلسلة هجمات منسقة في السادس من مارس/آذار استهدفت مواقع أمنية وعسكرية، وأسفرت -وفق تقديرات اللجنة- عن مقتل 238 عنصرًا من الجيش والأمن، بعضهم أُعدم ميدانيًا وهم أسرى أو جرحى. وأوضح التقرير أن الرد العسكري الحكومي الذي تضمن مشاركة قوات نظامية وفصائل محلية، شهد بدوره تجاوزات واسعة النطاق أودت بحياة 1426 شخصًا معظمهم من المدنيين، بينهم 90 امرأة، بعضها وقعت بعد توقف المعارك نتيجة حملات تفتيش وانتقام نفذتها مجموعات غير منضبطة. وفي هذا السياق، يشير المحامي والمستشار في القانون الجنائي الدولي، محمد الحربلية إلى أن تقرير لجنة التحقيق الدولية وزّع المسؤولية بين مقاتلي النظام السابق وعناصر من فصائل تم دمجها في القوات الحكومية، إضافة إلى أفراد عاديين انخرطوا في العمليات، معتبرًا أن بعض الجرائم ارتُكبت بطريقة ممنهجة وعلى أساس الانتماء الديني، ما يشي بضلوع مسؤولين في مواقع قيادية. وفي المقابل، يلفت الحربلية في تصريح للجزيرة نت إلى أن التقرير الوطني اعتبر الانتهاكات التي ارتكبها مقاتلون من الفصائل أو مجموعات مستقلة "أفعالًا فردية وغير ممنهجة"، ولا تعكس سياسة معتمدة من جانب الحكومة، وإن كانت قد أسهمت في اتساع دائرة الانتهاكات. تباين في توصيف الدوافع بينما يتفق التقريران الأممي والوطني على خطورة ما جرى في الساحل السوري خلال آذار/مارس الماضي، فإنهما يختلفان في توصيف طبيعة تلك الأحداث وأهدافها، إذ لا يقتصر هذا التباين على التفاصيل الميدانية، بل يمتد إلى تفسير الخلفيات السياسية والعسكرية. تقرير اللجنة الوطنية أشار إلى أن ما جرى كان "محاولة انقلابية" منظمة، موضحًا أن الهجمات التي استهدفت قوات الأمن والحواجز العسكرية، وتدمير ستة مستشفيات، واستهداف المدنيين، وقطع الطرق الرئيسية، جاءت ضمن خطة للسيطرة على أجزاء من الساحل وفصلها عن الدولة. وتدعم هذه الرواية تصريحات وزير الداخلية السوري أنس خطاب، الذي أعلن في 16 أبريل/نيسان أن الحكومة السورية أنهت 'مشروع انقلاب' كان يجري التحضير له على يد مجموعة من ضباط النظام السابق. في المقابل، لا يتبنى تقرير لجنة التحقيق الأممية هذا التوصيف، ولا يشير إلى وجود محاولة لعزل الساحل، بل يضع ما حدث في سياق أوسع يتعلق بمسار العدالة الانتقالية، مسلطًا الضوء على أن أغلب من كان في الجيش والأمن السابقين ينتمون للطائفة العلوية. ويوضح رئيس الشبكة السورية ل حقوق الإنسان ، فضل عبد الغني، أن التقرير الدولي يربط أحداث الساحل بغياب إطار واضح للعدالة الانتقالية بعد سقوط الأسد، ما دفع بعض الأفراد إلى تطبيق القانون بأيديهم، ويتطرق أيضًا إلى وقائع سابقة للأحداث. ونوه عبد الغني، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن التقرير الأممي يتضمن نقطة إيجابية لصالح الحكومة السورية، إذ سمحت للجنة بدخول المنطقة وتسجيل ملاحظاتها وتسهيل مهمتها، بخلاف النظام السابق الذي كان يمنعها من دخول البلاد. ووفقاً لتحقيق بثته الجزيرة، فإن التمرد في الساحل كان أقرب إلى محاولة انقلاب منظم، إذ قسّم قائد أركان الفرقة الرابعة في جيش النظام السابق، غياث دلا ، قواته إلى ثلاث مجموعات، هي "درع الأسد"، و"لواء الجبل"، و"درع الساحل"، وسيطرت هذه القوات على نقاط مفصلية داخل مدن ومراكز محافظتي اللاذقية وطرطوس، قبل أن تتمكن قوات وزارتي الدفاع والداخلية والمجموعات الموالية لهما من إفشال المخطط. التوصيف القانوني للانتهاكات لا يقتصر الفرق بين استنتاجات اللجنة الوطنية ولجنة التحقيق الأممية على جانب من توصيف ما حدث، بل يمتد إلى التوصيف القانوني للانتهاكات التي شهدها الساحل السوري وبناء على أي إطار تشريعي ينبغي أن تحاكم؟ من ناحيتها، اعتمدت اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق في توصيفها على قانون العقوبات السوري وقانون العقوبات العسكري، معتبرة أن ما جرى يندرج تحت جرائم القتل العمد، والتعذيب، والشتم بعبارات طائفية، ومحاولة سلخ جزء من أراضي الدولة، وإثارة النزاعات الطائفية، والسلب، وتخريب الممتلكات، ومخالفة الأوامر العسكرية. أما لجنة التحقيق الأممية فقد اختارت إطارًا أوسع، وصنّفت الانتهاكات على أنها جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية ، مستندة إلى أحكام القانون الجنائي الدولي العرفي، نظرًا لمحدودية تطبيق معاهدات الجرائم الدولية في سوريا، وما تتيحه المعايير الدولية من آفاق أوسع للمساءلة أمام هيئات قضائية عالمية. وفي هذا السياق، يوضح المحامي محمد الحربلية أن هذا التباين يعكس اختلافًا جوهريًا في المرجعيات، إذ يمنح التوصيف الأممي إمكانية ملاحقة المسؤولين على الصعيد الدولي، بينما يقيّد التوصيف الوطني إجراءات المحاسبة بإطار محلي. وكانت اللجنة الوطنية نفسها أقرت، في مؤتمرها الصحفي الذي عرضت به نتائج التحقيق بضرورة مواءمة القوانين الوطنية مع الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها سوريا، وفقًا لمقتضيات الإعلان الدستوري ، وهو ما يتطلب استكمال تشكيل السلطة التشريعية لإجراء الإصلاحات اللازمة. وفي هذا السياق، شدد تقرير صادر عن المركز الأوروبي لحقوق الإنسان والقانون على أن غياب المواءمة بين القوانين الوطنية السورية والمعايير الدولية للعدالة الجنائية يعيق محاسبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة، ويفتح الباب للإفلات من العقاب. من جانبه، شدد رئيس اللجنة الوطنية، جمعة العنزي، في مقابلة سابقة مع الجزيرة، على أن عمل اللجنة تم "بكل شفافية" وبلا أي تدخل حكومي، وأنها سلمت أسماء المتورطين إلى النيابة العامة قبل صدور التقرير لفتح تحقيقات رسمية. بين الترحيب وتحمل المسؤولية لم يقتصر تفاعل الحكومة السورية مع تقرير لجنة التحقيق الأممية على التصريحات البروتوكولية، بل اتخذ شكلًا أقرب إلى تبني جزء كبير من مضمونه وتوصياته، في خطوة رآها مراقبون رسالة سياسية للمجتمع الدولي حول جديتها في التعاون والالتزام بمعايير العدالة. وفي هذا السياق، أعرب وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني عن شكره لرئيس لجنة التحقيق الأممية باولو سيرجيو بينهيور على "جهوده في إعداد التقرير الأخير حول أحداث الساحل"، معتبرًا أن ما ورد فيه "ينسجم مع تقرير لجنة تقصي الحقائق الوطنية المستقلة". وفي بيان صادر عن الخارجية السورية، أكد الشيباني أن الحكومة "تأخذ على محمل الجد الانتهاكات المزعومة" الواردة في التقرير، كما شدد على التزام بلاده بدمج توصيات اللجنة الدولية ضمن مسار بناء المؤسسات وترسيخ دولة القانون. من ناحيته، يرى الحقوقي فادي موصلي في حديثه للجزيرة نت أن ترحيب الخارجية السورية بالتقرير الأممي "يوجه رسالة للمجتمع الدولي بأن الحكومة الجديدة ملتزمة بالتعاون مع المنظمات الدولية واحترام القانون الدولي"، ما يعزز – برأيه – شرعيتها على المستوى الخارجي. وأشار موصلي إلى أن تعزيز الشفافية والسير نحو طريق أفضل على مستوى تحقيق العدالة يتطلب خطوات عملية، مثل نشر المنهجية الحكومية الكاملة، وإعلان أسماء الموقوفين والتهم الموجهة إليهم، وإنشاء آلية شكاوى للضحايا، إضافة إلى إشراك ممثلي الأقليات في مراقبة قطاع الأمن وتدقيق انتساب الأفراد إلى التشكيلات العسكرية والأمنية. من جهته، يشدد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أن على الحكومة السورية البناء على هذا التحقيق، وعدم الاكتفاء بنتائج لجنة التحقيق الوطنية، بل الجمع بين التقريرين، إضافة إلى تقارير الشبكة ومنظمات أخرى، بهدف المحاسبة وتعويض الضحايا والاعتراف بما جرى. ودعا إلى حماية المقابر الجماعية ، واتخاذ خطوات لإعادة الثقة بين الأهالي، وخاصة في أوساط المجتمع العلوي، ووقف التحريض الطائفي أو الكراهية، مع إشراك القيادات المجتمعية والدينية في جهود المصالحة. وكان المتحدث باسم لجنة التحقيق الوطنية، ياسر الفرحان، أكد في تصريحات صحفية، أمس الخميس، أن الحكومة بدأت التحقيق مع الموقوفين على خلفية هذه الأحداث، مشددًا على أن مساءلة المتورطين تمثل "أولوية قصوى". وأشار الفرحان إلى أن توصيات اللجنة الوطنية تتفق مع توصيات اللجنة الأممية، وأن الإجراءات الحكومية المتخذة حيال أحداث الساحل تمثل "خطوة غير مسبوقة نحو تحقيق العدالة".

القصة الكاملة عن اختفاء صحفي أميركي في سوريا منذ 13 عاما وحتى الآن
القصة الكاملة عن اختفاء صحفي أميركي في سوريا منذ 13 عاما وحتى الآن

الجزيرة

timeمنذ 16 ساعات

  • الجزيرة

القصة الكاملة عن اختفاء صحفي أميركي في سوريا منذ 13 عاما وحتى الآن

كشفت صحيفة "واشنطن بوست" تفاصيل جديدة، عن الصحفي الأميركي أوستن تايس، المفقود في سوريا منذ العام 2012، بعد إجراء مقابلات مع 70 شخصا عرفوا تايس أو التقوه، خلال 13 سنة من اختفائه. واختفى تايس، الذي كان يبلغ من العمر 31 عاما، عند اعتقاله منتصف أغسطس/آب 2012 قرب العاصمة السورية، أثناء تغطيته أحداث الثورة السورية. وفي تقرير مطوّل، بينت الصحيفة أن تايس احتُجز في زنزانة تخضع لسيطرة أحد كبار المسؤولين الأمنيين السوريين في عهد نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، في العاصمة السورية دمشق، قبل أن يتمكن من الهروب. ووفقا لمسؤولين أميركيين وسوريين، لم يدم هروب تايس طويلا، إذ تمكن خاطفوه من إعادة القبض عليه بسرعة، وآنذاك اختفى في أحد أكثر الأنظمة سرية وقمعا في العالم، وفق وصف الصحيفة. وخلصت الصحيفة إلى أنه وعلى الرغم من الجهود المكثفة طوال 13 عاما لتأمين إطلاق سراح الصحفي الأميركي أو تأكيد وضعه، لا تزال الحقيقة عن مصيره غامضة، وسط المعلومات المتضاربة وما وصفته بعناد بشار الأسد، مما يجعل قضيته واحدة من أصعب القضايا التي واجهها المسؤولون الأميركيون على الإطلاق. ولدى انهيار نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، رأت عائلة تايس الذي يوصف بأنه صحفي شجاع وكان جنديا سابقا في مشاة البحرية الأميركية، وسبق له القتال في العراق وأفغانستان، فرصة في إيجاده، غير أنه وبعد فتح السجون، لم يكن هناك أي أثر لتايس، حيا أم ميتا. ويكشف تقرير واشنطن بوست، الذي يتضمن اتصالات سرية لم يتم الإبلاغ عنها بين مسؤولين أميركيين وسوريين، كيف عرقلت سلطات الأسد سنوات من الجهود للعثور على تايس، حيث نفى نظام الأسد معرفته بمصيره، وفبرك مقطع فيديو، نُشر في سبتمبر/أيلول 2012، ليبدو كما لو أن مسلحين إسلاميين قد أسروه، بحسب "واشنطن بوست". ويقول مسؤولون أميركيون، إن ذلك الفيديو كان آخر دليل مرئي على أنه على قيد الحياة. وفي أبريل/نيسان الماضي، دخل المسؤول الأمني السوري الذي كان يحتجز تايس، ويدعى بسام الحسن، إلى السفارة الأميركية في بيروت، وروى قصة مروعة، وفق الصحيفة، مفادها أن تايس قُتل في عام 2013 بأمر من الأسد، لكنّ شهورا مرت، ولا يزال المسؤولون الأميركيون والسوريون يقولون، إن روايته لا أساس لها من الصحة. بداية الرحلة إلى دمشق كان لدى تايس خيال مجنون، وعبّر لأحد أصدقائه، بأنه يرغب في السفر إلى دمشق في الوقت المناسب ليشهد الثوار يقتحمون القصر الرئاسي، وفعلا، تسلل تايس إلى سوريا من حدودها مع تركيا في الشمال، معتمدا على مساعدة السوريين المعارضين للنظام، وغامر بالتوجه جنوبا نحو دمشق أكثر من أي شخص آخر. كان تايس يقول لأصدقائه إن توثيق الحرب في سوريا واجب أخلاقي وفرصة لإعادة اكتشاف ذاته، ووصف نفسه بأنه مدمن أخبار، وكان يحلم بأن يصبح صحفيا منذ طفولته التي قضاها في جنوب غربي هيوستن، حيث علمته والدته هو وإخوته الستة في المنزل. وتزود تايس بكاميرا وهاتف يعمل عبر الأقمار الصناعية، وكتب على تويتر أثناء صعوده الطائرة المتوجهة إلى تركيا في مايو/أيار 2012 "إما أن يكون هذا ناجحا للغاية أو كارثة كاملة، لا شيء يضمن النجاح". أعظم شيء فعلته في حياتي وفي شمال سوريا، التقى تايس بديفيد إندرز، صحفي مستقل آخر يعمل لصالح مجموعة ماكلاتشي الإعلامية الأميركية، ويتحدث العربية، وحاول الأخير إقناعه بالعودة معه إلى إسطنبول، غير أن تايس صمم على التوجه جنوبا حتى دمشق. وبحلول منتصف يوليو/تموز 2012، وصل تايس إلى مدينة التل، على بعد أميال شمال دمشق، وانطلق سيرا على الأقدام إلى العاصمة، وبلغ منتصف الطريق قبل أن يوقفه معارضون احتجزوه يومين حفاظا على سلامته. وفي نهاية الشهر ذاته، نقله المعارضون إلى دمشق، ليتنقل تايس من ضاحية إلى أخرى، متنكرا في زي امرأة ترتدي حجابا، لكي يمر عبر نقاط التفتيش الحكومية، لكنه وفي إحدى المرات، لم تكن "العباية" كافية لإخفاء جسده الضخم، حيث أُطلق عليه الرصاص وكاد أن يُقبض عليه. وكتب تايس الذي سئم من النصائح بتوخي الحذر، في منشور له على فيسبوك بذلك الشهر، أن مجيئه إلى سوريا كان "أعظم شيء فعلته في حياتي". وفي 10 أغسطس/آب 2012 كان تايس في مدينة داريا في ريف دمشق، وبدأ يفكر بكيفية الوصول إلى بيروت لقضاء إجازة طال انتظارها بعد نحو ثلاثة أشهر في سوريا، قبل يوم من عيد ميلاده الذي احتفل به مع مقاتلي الجيش السوري الحر، ووصفه تايس على تويتر بـ"أفضل عيد ميلاد على الإطلاق". وكان تايس قد أخبر رئيس تحرير "مكلاتشي" مارك سيبل، أنه أرسل تقريرا رابعا إلى صحيفة واشنطن بوست، على أن ينشر في الأيام المقبلة، لكن سيبل شعر بقلق عندما لم يرَ أي تقرير منشور في 15 أغسطس/آب 2012، وتزامنا تلقى سيبل في اليوم ذاته مكالمة من والد تايس يقول فيها، إنه لم يتلق أي أخبار من ابنه. وفي وقت لاحق، راجع سيبل سجلات شركة الهاتف الفضائي الذي كان يستخدمه تايس، والتي أظهرت أن آخر مرة تم فيها تشغيل الجهاز كانت في الساعة 11:37 من يوم الاثنين 13 أغسطس 2012، وبينما كان زملاؤه يحاولون جاهدين إعادة تتبع تحركاته، أخبرهم بعض الشهود أنهم رأوا تايس يستقل سيارة أجرة في داريا. وجاء اختفاء تايس في وقت متوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، حيث أغلقت الولايات المتحدة آنذاك سفارتها في دمشق، ولذلك شرع الأميركيون بالبحث عنه من السفارة التشيكية، ووسطاء، وبعد أسبوعين من الاختفاء، قالت السفيرة التشيكية في سوريا، إيفا فيليبي، في مقابلة تلفزيونية، إن تايس على قيد الحياة و"تحتجزه قوات الأسد في ضواحي دمشق". وفي الشهر التالي، ظهر مقطع فيديو متذبذب وقصير يظهر تايس معصوب العينين وهو يتعثر على منحدر صخري، مدفوعا من رجال ملثمين يحملون بنادق ويهتفون "الله أكبر". أسير في سجون الأسد تقول "واشنطن بوست" إن تايس ولدى مغادرته مدينة داريا في أغسطس/آب 2012، كان يأمل في العبور إلى لبنان، لكن سائق سيارة الأجرة كانت له خطط أخرى، إذ أبلغ السلطات، وأوقفت السيارة عند نقطة تفتيش. وسُلّم تايس إلى بسام الحسن، الذي كُلف باستجواب الصحفي الأميركي، لمعرفة إذا كان صحفيا فعلا أم جاسوسا. وفي مقابلة مع الصحيفة، قال صفوان بهلول، الذي عمل في الاستخبارات الخارجية السورية، إن تايس احتُجز في سجن مؤقت يقع في الشارع الذي يوجد فيه مكتب الحسن، لافتا إلى أنه كان شاهدا على جلسات الاستجواب، وأنه رأى ذات مرة ضباطا يعملون مع الحسن ويستعدون لتصوير ما وصفه بأنه مسرحية هزلية لـ"إخفاء مكان اعتقال تايس ومن اعتقله"، في إشارة إلى مقطع الفيديو الذي انتشر في سبتمبر/أيلول 2012 وظهر فيه تايس وسط آسريه. لكنّ المحاولة فشلت وفق الصحيفة، فقد شكّ الصحفيون الذين يغطون الأحداث في سوريا على الفور في مقطع الفيديو الذي نُشر على يوتيوب، واعتبروه محاولة لإلصاق خطف تايس بالمسلحين الإسلاميين أو الثوار. وتمكن تايس من الفرار من الاحتجاز، وفق تأكيد مسؤولين سوريين، في حين يعتقد مسؤولون أميركيون أن هروبه الجريء جاء بعد نشر الفيديو، في أواخر أكتوبر/تشرين أول 2012. ثم لسوء الحظ طرق تايس أثناء فراره وبحثه عن المساعدة الباب الخطأ، إذ كان الحي الذي هرب إليه يضم كبار مسؤولي النظام، بمن فيهم رئيس المخابرات السورية علي مملوك، وفقا لمسؤول سوري رفيع المستوى، ولذلك سرعان ما أعيد القبض عليه. أمل جديد.. لكن وعلى الرغم من نفي دمشق، كان المسؤولون الأميركيون واثقين من أن السلطات السورية تحتجز تايس، قبل أن يولد أمل جديد في الأشهر الأولى من عام 2013، حين اتصل ريان كروكر، السفير الأميركي السابق في سوريا، بفيصل مقداد، نائب وزير الخارجية السوري آنذاك، وأخبره الأخير أنه "تلقى تعليمات من أعلى المستويات ببذل كل ما في وسعه"، لكنه صمم على أن "الحكومة لا تعرف شيئا عن القضية". تلقى كروكر رسالة بريد إلكتروني من غريف ويتي، وهو صحفي في "واشنطن بوست" ومكلف بالتنسيق للبحث على تايس، وجاء في الرسالة "يقول السوريون الآن إن الإفراج سيكون الأسبوع المقبل، لا يوجد تاريخ محدد"، ثم جاءت التأخيرات والأعذار، نقلها الوسطاء، لتمر الأيام والأشهر دون أن يتم إطلاق سراح تايس. يقول مارك، والد الصحفي تايس "كنا متفائلين للغاية"، لكن مع مرور الوقت، أدركوا أن "الأمل كان في غير محله"، على حد تعبيره. وجاء اختطاف تايس في وقت تزايدت فيه عمليات اختطاف الصحفيين والنشطاء الإنسانيين الأميركيين والأوروبيين، ففي عام 2014، قُتل ثلاثة أميركيين محتجزين من تنظيم الدولة "داعش" منهم الصحفي جيمس فولي، ما دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مراجعة السياسات المتخذة في حالات اختطاف الرهائن. أما بالنسبة لعائلة تايس، فقد قررت والدته، ديبرا، السفر إلى دمشق للبحث عنه، بتوزيع منشورات عن ابنها وحاولت مقابلة السلطات، لكن دون جدوى. بحث واسع امتد عبر أربعة رؤساء أميركيين وحاول ثلاثة رؤساء أميركيين إعادة تايس للوطن، أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن، وشملت المحاولات اجتماعات بين ضباط وكالة المخابرات المركزية ومسؤولين في المخابرات السورية في عمان ودمشق، كما شملت مساعيَ للتأثير على الأسد والمقربين منه بتقديم حوافز. ويقول مسؤولون أميركيون لـ"واشنطن بوست" إنهم عرضوا مرارا على نظام الأسد ما اعتقدوا أنه مخرج "يحفظ ماء الوجه" بإطلاق سراح تايس دون طرح أي أسئلة، مع قبول تمرير الرواية التي اقترحها الأسد عن فيديو عام 2012، وهي أن تايس كان محتجزا لدى مسلحين إسلاميين. في عامي 2015 و2016، تكررت المحاولة بلقاء جمع ضابطا في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ومحمد ديب زيتون، الذي كان حينها ثاني أعلى مسؤول مدني في الاستخبارات السورية في العاصمة العمانية مسقط، لكن السوريين أصروا على أنهم لا يعلمون شيئا عن مكان تايس. وفي خريف عام 2017، سافر ضابط كبير آخر في وكالة المخابرات المركزية إلى دمشق، في أول زيارة لمسؤول أميركي إلى العاصمة السورية منذ أن أغلقت الولايات المتحدة سفارتها هناك في عام 2012، حيث التقى بزيتون وأثار القضية، غير أن إدارة ترامب لم تتابع هذه المسألة، بحسب مسؤولين أميركيين سابقين. وخلال ولاية ترامب الأولى رئيسا، أبدى اهتماما كبيرا بمحنة الرهائن الأميركيين، في عام 2018، حيث أصبح روبرت أوبراين المبعوث الخاص لشؤون الرهائن واستخدم قنوات خلفية للتواصل مع النظام السوري، مثل التواصل مع السياسي اللبناني سليمان فرنجية، بحكم قربه من بشار الأسد، للتوسط، لكن الأسد رد بأنه لا يعرف مكان تايس، وأضاف "إذا أراد الأميركيون المساعدة في البحث عنه، فعليهم تقديم طلب علنا وليس سرا"، بحسب ما نقله فرنجية إلى "واشنطن بوست". وفي عام 2020، كان أوبراين قد تمت ترقيته إلى منصب مستشار الأمن القومي لترامب، وبدا أن الوقت قد حان لمحاولة جديدة للدبلوماسية رفيعة المستوى، وألمح أوبراين إلى أن الولايات المتحدة لديها عدة حوافز، يمكنها تقديمها للسوريين، إذ كان ترامب يفكر في سحب بعض القوات من سوريا، كما كانت الولايات المتحدة مستعدة لاستكشاف سبل لمساعدة زوجة الأسد، أسماء، التي كانت تعاني من السرطان، بتسهيل حصولها على المعدات الطبية التي قد يكون من الصعب استيرادها نظرا للعقوبات. عرضنا مرارا على نظام الأسد ما اعتقدنا أنه مخرج يحفظ ماء الوجه عبر إطلاق سراح تايس دون طرح أي أسئلة، وتمرير الرواية التي اقترحها الأسد أن تايس كان محتجزا لدى مسلحين إسلاميين. بواسطة مسؤولون أميركيون وهكذا تواصلت المحاولات على مدى الأعوام، دون التمكن من العثور على معلومات مؤكدة عن مصير تايس، فمنذ عام 2016 على الأقل، كانت أجهزة الاستخبارات الأميركية تقدر أن تايس على قيد الحياة، لكن بعد إطاحة الأسد في أواخر عام 2024، ومع مرور أسابيع دون أي تقدم -على الرغم من عرض الحكومة مكافأة قدرها 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات- غيرت وكالة الاستخبارات المركزية تقديرها، قائلة إن تايس ربما يكون ميتا. رواية مروعة وفي أبريل/نيسان الماضي، استجوب ضباط وكالة الاستخبارات المركزية وعملاء مكتب التحقيقات الفدرالي في بيروت بسام الحسن، الذي احتجز تايس، بعد وقت قصير من أسره، وقال الحسن، إن الأسد أمره بقتل تايس في عام 2013، وأنه حاول ثني الأسد عن ذلك، وفقا لما نقلته الصحيفة عن مسؤولين أميركيين. وقال الحسن إنه أمر أحد مرؤوسيه بقتل تايس، غير أنه وبعد وصول صحيفة واشنطن بوست إلى المرؤوس، الذي غادر سوريا بعد سقوط نظام الأسد، قال مشترطا عدم نشر اسمه ومكان وجوده، إنه لم يلتق أوستن تايس قط ولم يقتله. لم يؤكد مسؤولون أميركيون رواية الحسن، كما شككت بها الحكومة السورية الجديدة، حيث أشار مسؤول أمني سوري رفيع المستوى إلى أن الحسن ذهب إلى إيران بعد سقوط نظام الأسد، وأن الحكومة الإيرانية سهلت سفره إلى لبنان، مما يثير احتمال أن تكون روايته معلومات مضللة. وكان الحسن قد وصف للمسؤولين الأميركيين مكانا محتملا للعثور على رفات تايس، لكن بعد أشهر، لم يتم البحث في هذا الموقع، حيث تقول عائلة تايس، إن المسؤولين الأميركيين أخبروهم أنهم بحاجة إلى وقت لتحديد المعدات اللازمة للتنقيب بشكل صحيح، فضلا عن وجود مخاوف أمنية. ورفض مكتب التحقيقات الفدرالي التعليق مكتفيا بالقول "إن التحقيق لا يزال جاريا، في حين لفت بعض المشاركين في البحث إلى أنه قد يتعذر وجود دليل قاطع على مصير تايس، مشبهينه بروبرت ليفنسون، العميل المتقاعد في مكتب التحقيقات الفدرالي الذي اختفى في إيران عام 2007، ولم تخلص الحكومة الأميركية إلى وفاته إلا بعد 13 عاما، بينما لا تزال عائلته تبحث عن رفاته، حتى اليوم. وتعهد ترامب بمواصلة البحث عن تايس، وأكدت آنا كيلي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، الأمر ذاته هذا الأسبوع، مؤكدة أنه رغم عدم توفر التفاصيل، إلا أن القضية لن تنتهي حتى تحل قضيته. وحاليا، تتعاون الحكومة السورية الجديدة، بقيادة رئيسها أحمد الشرع مع الجهود الأميركية للعثور على تايس، حيث قال مسؤول أمني سوري رفيع المستوى، إن المحققين يتابعون خيطا جديدا بناء على مقابلات أجريت أخيرا مع اثنين من مساعدي الحسن. وفي أبريل/نيسان الماضي، سمحت إدارة ترامب لديبرا ومارك (والدي تايس) بالاطلاع على معلومات سرية جمعت خلال البحث عن ابنهما، لكن بالنسبة لعائلة تايس، أدى الوصول إلى هذه المعلومات إلى تعميق خيبة أملهم في جهود الولايات المتحدة، إذ قالت ديبرا تايس "لقد كانت مسرحية هزلية، لم تكن حكومتنا مدافعة جيدة عن أوستن".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store