
نصير شمة: أبحث عن صوت اللون وسكون الضوء
عاشقاً للجمال والتعبير الفني، مبدعاً استثنائياً حين يمسك بعوده كأنما أصابعه مغطاة بالموسيقى، وحين تّلوح يده بفرشاة الرسام يصبح للون نغمة، وللظلال إيقاع، هكذا هو الفنان نصير شمة عبر رحلته بين الموسيقى والتشكيل، يقدم عبر تجاربه المتنوعة عطاءً فنياً فريداً منذ تخرجه في معهد الدراسات الموسيقية ببغداد عام 1987، مروراً بمحطات فارقة في مسيرته الإبداعية عربياً وعالمياً، وصولاً إلى مكانته الراهنة في صدارة المشهد الموسيقي والفني، وتأسيسه لبيوت العود في عدد من العواصم العربية (أبوظبي، القاهرة، بغداد، الخرطوم، الرياض).
في حديثه إلى (الاتحاد)، تعود بدايةً الفنان نصير شمة إلى سنوات النشأة وتفتح الهواية الموسيقية، وبالذات الشغف المبكر بآلة العود، قائلاً : «نشأت في بيئة عائلية تحتفي بالفن وتحترم الإبداع، في مدينة الكوت جنوب العراق، حيث كانت الطبيعة هي المعلم الأول: صوت النهر، حركة الأشجار، وغناء الطيور»، مبيناً أن آلة العود جذبته في سن مبكرة، وكأنها كانت تناديه من مكان بعيد، وكان وقتها في الثامنة من عمره حين بدأت علاقته بها، خاصة أن أحد أصدقاء أخيه كان يعزف على القانون ويدرس الموسيقى في معهد الفنون الجميلة ببغداد، وقد فتح له هذا الباب منصة الانطلاق، لكنه يؤكد أن الإلهام كان الدافع الأول وليس المعلم، حيث كان يشعر بأن العود ليس مجرد آلة، بل كيان حي يعبر عما يصعب قوله، ومنذ تلك اللحظة بدأ شغف الفنان شمة يتحول إلى مسار حياة.
وحول أهمية مرحلة التدريب والاستمرار في تعلم العزف، ومن هم أهم الأساتذة الذين تأثر بهم، يشير نصير شمة إلى أنه التحق بمعهد الدراسات الموسيقية في بغداد عام1982، وهناك بدأ التكوين الأكاديمي الحقيقي، رغم أن الشريف محيي الدين حيدر، رحل قبل ولادة نصير، إلا أن مدرسته كانت حاضرة في مناهج المعهد، وهو يتذكر أن اللقاء الحاسم جاء مع الأستاذ علي الإمام، ثم الأستاذ منير بشير، الذي يعتبره المعلم والملهم، فقد زرع في نفس الطالب نصير شمة الإيمان بأن على كل فنان أن يخلق صوته الخاص وأسلوبه المتفرد، كما بدأ وقتها تأثره كذلك بالموسيقى الكلاسيكية الغربية، ومن ثم بدأت رحلة البحث عن أسلوبه الخاص الذي يدمج بين الموروث والابتكار.
ومن الموسيقى إلى التشكيل، يبحث نصير شمة عن أشكال متعددة من التعبير الفني، ومنها التشكيل الذي يقول عنه: «منذ سنوات وأنا أرسم، لا بصفتي رساماً محترفاً، بل كعازف يبحث عن صوت اللون وسكون الضوء»، موضحاً أن المعرض التشكيلي في أبوظبي كان امتداداً موسيقياً بصرياً، حيث تحولت الأصوات إلى ألوان، والمقامات إلى خطوط وتكوينات، وقد استخدم خامات أعيد تدويرها، وكأنه يعيد تشكيل الذاكرة والزمان، معتبراً أن هذه التجربة كانت كشفاً عن جانب خفي من تجربته، وقد منحته يقيناً أن الموسيقى والتشكيل ينبثقان من نبع واحد، هو الرغبة في التعبير والبحث عن الجمال، ثم جاء الطلب الثاني من القاهرة، حيث أقام فيها معرضه التشكيلي الشخصي الثاني، بالإضافة إلى ثلاث مشاركات متتالية في «أبوظبي آرت»، معلناً أن لديه حالياً عدة دعوات لإقامة معارض في روما والبحرين والسعودية.
وينتقل الفنان نصير شمة بالحديث إلى «بيت العود» في أبوظبي، والتطور الذي مر به حتى أصبح أكاديمية متميزة، فيقول : (تأسس «بيت العود» في أبوظبي عام 2008، بدعم من دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، كمنارة تعليمية تعنى بالعود والموسيقى الشرقية، بدأ كمركز لتعليم العود، ثم تطوّر ليصبح أكاديمية متكاملة تخرج فنانين قادرين على الأداء، والإبداع، والتعليم، حيث يعتمد منهجاً يجمع بين الصرامة الأكاديمية والحرية الإبداعية)، لافتاً إلى أن بيت العود في أبوظبي يعد اليوم نموذجاً يحتذى به في العالم العربي، وواجهة مشرقة للفن العربي في الإمارات، كذلك البيت الذي سبقه في القاهرة وبغداد والخرطوم والرياض.
وحول الفنون المتنوعة التي أُدخلت على تجربة بيت العود من غناء وآلات الموسيقية، وهل كان هذا لصالح الفنون السمعية؟، يؤكد نصير شمة، بلا شك أن تنوع الآلات مثل القانون والناي، الكمان، التشيللو، وإدخال الغناء العربي التقليدي، مكن الطلبة من فهم البيئة الصوتية والمقامية، وهذا التنوع أسهم في خلق فنانين أكثر وعياً وإدراكاً، وهو ما يخدم الفنون السمعية بشكل مباشر، ويعيد للموسيقى العربية تكاملها الذي افتقدناه في بعض المراحل»، كاشفا أنهم لا يخرجون عازفين فقط، بل يخرجون فنانين قادرين على التفكير والإبداع، وآخر فرع تم إطلاقه هو تعليم البيانو.
ويضيف : «نعمل على ربط بيوت العود (في أبوظبي، القاهرة، بغداد، الخرطوم، الرياض) بمنصة رقمية تعليمية واحدة تشمل مناهج موحدة، ومحتوى مرئياً، وتواصلاً مباشراً بين الطلبة والأساتذة، كما نستعد لإطلاق مهرجان «ترددات»، وهو مهرجان دولي مخصص لآلات العود، يشمل حوارات فكرية، مسابقات، وحفلات موسيقية»، كاشفاً أن لديهم أيضاً خطة لإدماج ذوي الهمم عبر مناهج مصممة خصيصاً لهم، بالإضافة إلى ورش بحثية لصناعة الآلات الموسيقية التقليدية.
ويختتم نصير شمة حديثه، بالتأكيد على دور الإعلام في متابعة البرامج الثقافية والفنية، حيث يرى أن الإعلام هو الحامل الأول للرسالة الثقافية، مضيفاً أن الإمارات تتمتع بمشهد إعلامي ناضج ومهني، يواكب الحركة الثقافية بجدية واحتراف، وخص جريدة «الاتحاد» بالثناء لأنها لعبت دوراً بارزاً في تسليط الضوء على الفن والموسيقى بوصفهما جزءاً من بناء الهوية الوطنية، مبيناً أن الإعلام مسؤول عن خلق وعي جماهيري وتقدير للفن، ومتى كان شريكاً في التنمية الثقافية، تصبح النتائج أعمق وأكثر استدامة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


العين الإخبارية
منذ 5 أيام
- العين الإخبارية
كارمن لبّس.. فنانة الحزن النبيل التي ودّعت زياد الرحباني
لم يكن وداع الفنان اللبناني زياد الرحباني مشهدًا عاديًا في بيروت، لكنّ الحزن بدا مضاعفًا في عيني كارمن لبّس. وقفت كارمن لبّس في صالون كنيسة رقاد السيدة كما لو أن السنوات الطويلة التي جمعتها بالموسيقار الراحل قد عادت دفعة واحدة، لا لتُستعاد، بل لتُوارى الثرى معه. لم تتكلم، لم تواكب الكاميرات، بل وقفت بصمتٍ دامع وملامح صدمة خالية من التمثيل، في لحظةٍ نادرة كشفت عن وجعٍ خالص لا يُمثَّل. كارمن، التي ارتبط اسمها لعقود بصوت زياد وألحانه وأوجاعه، لم تكن حبيبة سابقة فحسب، بل شاهدة على زمنٍ من التمرّد الفني والوجداني، في علاقة دامت قرابة 15 عاماً، كان عنوانها العشق والتناقض. ورغم أن الانفصال وقع بهدوء، إلا أن الوداع الأخير فضح ما خبّأته السنوات من شغفٍ وألمٍ واحترامٍ دفين. من خشبة بيروت إلى شاشات العالم وُلدت كارمن لبّس في بيروت عام 1963، وبدأت مسيرتها الفنية في سن مبكرة. درست التمثيل في معهد الفنون الجميلة، ثم التصوير السينمائي في جامعة أكسفورد، في وقت لم تكن فيه الفنانات اللبنانيات يطرقن أبواب الأكاديميات العالمية. مع منتصف الثمانينات، بدأت تثبيت حضورها في أعمال درامية لبنانية مثل "الطحالب" و"نُزل السرور"، قبل أن تنتقل إلى الساحة العربية من خلال أدوار درامية بارزة في "نساء في العاصفة" و"West Beyrouth"، ثم مشاركاتها في أعمال كبرى مثل "سرايا عابدين"، و"الزيبق"، و"2020"، إلى جانب أدوار ذات طابع إنساني لافت في "بالحب جنون"، و"شتي يا دني". التزام فني لا يخفت كارمن لبّس لم تركن للنجاح السهل، بل سعت لصقل موهبتها عبر دراسات مسرحية وسينمائية متجددة، من بيروت إلى باريس، وهو ما منحها قدرة نادرة على التنقّل بين الشخصيات والأنماط الدرامية دون أن تفقد خصوصية أدائها. حصدت خلال مسيرتها جوائز عدة، بينها "الموركس دور" كأفضل ممثلة لبنانية، لكن الأهم من الجوائز كان حفاظها على حضور فني لا يتبدد، يؤمن بالمرأة ككيان مستقلّ لا يُختزل في النمط أو الشكل. في كل حديث عن زياد الرحباني، كانت كارمن صادقة، لا تمجّده ولا تُنكر وجعه. كانت تعرف أنه "عبقري وشقي"، وأن قربه مكلف، لكنّ قلبها ظلّ يسكنه في مكان ما، حتى لو لم يظهرا معًا منذ سنوات. أرادت الاستقرار، بينما ظلّ هو سجين قلقه الفني. لكنها لم تتخلّ عنه. وعند رحيله، كانت هناك، تبكيه دون ضجيج، كأنها تودّع نفسها أيضًا. من "ع الحلوة والمرة" إلى "خريف العمر" و"للموت"، لم تغب كارمن لبّس عن الشاشة في السنوات الأخيرة، لكن وداعها لزياد ربما شكّل نهاية فصل عاطفي وفني طويل، لا تُكتَب نهايته إلا بالدموع. دموع فنانة اعتادت الصعود، لكنها في حضرة الراحل، انهارت بصمت. aXA6IDMxLjU5LjMyLjE0NSA= جزيرة ام اند امز GB


الاتحاد
٢٥-٠٧-٢٠٢٥
- الاتحاد
«ذوبان وتيه».. تحولات ومشاهد مؤثرة من الحياة
فاطمة عطفة (أبوظبي) صدرت حديثاً مجموعة قصصية جديدة بعنوان «ذوبان وتيه» للروائية مريم الغفلي، تضم نحو ثلاثين عملاً سردياً بين القصة القصيرة والأقصوصة المكثفة في لقطة درامية مكثفة. وفي هذه اللقطات السردية المدهشة والمكتوبة بكلمات محدودة يكتشف القارئ الحكمة المكتسبة من الحكاية. القصة الأولى في المجموعة بعنوان «السيل» وبطلها رجل هارب من أعدائه وقد فقد أخته سلامة عبر الصحراء والمطر ينهمر، لكن السيل ينقذه من أولئك الأعداء، وكانت الناقة التي تنتظره بشارة الخلاص. وتنتهي القصة وقد «عاد ممسكاً بخطام الناقة وأخته سلامة على ظهرها». هذه البداية المشحونة بالرعب والقلق تشكل فكرة رمزية لمعظم القصص، فالطبيعة القاسية تتجلى بأنوائها والوحشة، إضافة إلى مشاعر الخوف، والفقد، والاغتراب، والثقة أو انعدامها، الندم، الأرق، الحرمان، والانتظار، كلها هموم ومشاكل ومفاجآت شتى تواجه الإنسان في حياته، يقهر بعضها وتقهره مصاعب أخرى. وكل قصة في هذه المجموعة تصور جانباً من رحلة الحياة، غالباً ما يكون محفوفاً بالخطر، لكن الخلاص يأتي في الخاتمة. ونتابع القراءة لنكتشف أن الأقصوصات بكلماتها القليلة لا تقل فائدة وتأثيراً عن القصص، فنرى امرأة لا مكان يؤويها غير الشارع لأن البيت الذي ورثته عن أبيها كانت قد سجلته باسم زوجها السابق. ونرى أيضاً رجلاً يركن سيارته جانباً ويمشي ليقف مقابل البحر ويبكي، ثم يسقط جاثياً على ركبتيه، يشعر ألا فائدة ترجى منه بعد أن أحيل للتقاعد. عنوان القصة (النهاية) وهي تلخص أن الحياة تكون مرتبطة بالعمل وبما يقدمه الإنسان لأهله ومجتمعه. وأختم مع آخر أقصوصة وهي من أربعة أسطر بعنوان «دنيا»:«تجلس بهدوء، فجأة وُضع الحفيد بين يديها، تنهدت قائلة: «تزوجت البنت وفرحنا، مات الجد وحزنا، وجاء الحفيد كي يغسل كل شيء، يا لها من حياة».


الاتحاد
١٢-٠٧-٢٠٢٥
- الاتحاد
محمد المر: الصحف الإماراتية لعبت دوراً محورياً في تشكيل الوعي الوطني
فاطمة عطفة «فكرة معرض الصحافة العربية انطلقت من مسؤوليتنا الإنسانية وإيماننا الراسخ ورسالتنا في مكتبة محمد بن راشد، التي نهدف من خلالها للحفاظ على الأدب والإرث والذاكرة الثقافية العربية، ونقلها جيلاً بعد جيل، خاصة أن الصحافة شكلت ولا تزال تشكل على مر العقود أداة محورية في نقل المعرفة، وتوثيق التحولات الاجتماعية، وصياغة الرأي العام». بهذه الكلمات يضيء معالي محمد أحمد المر، رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، على المعرض الذي لاقى إقبالاً وإعجاباً كبيرين حيث يحتضن أكثر من 500 دورية ومطبوعة بعضها يعود إلى القرن التاسع عشر، موزعة على 7 أقسام رئيسة: قسم المرأة، وقسم الطفل، وقسم الأدب، وقسم الفن، وقسم الصحافة الإماراتية، وقسم الصحافة المتخصصة، وقسم الصحف. مبيناً في حديثه لـ(الاتحاد) أن الرسالة التي يجسدها المعرض «تنسجم بشكل واضح مع رؤية قيادتنا الرشيدة في ترسيخ مكانة دولة الإمارات كمركز إشعاع ثقافي ومعرفي على مستوى العالم العربي، حيث يبرز المعرض الدور الرائد للدولة في دعم الإعلام المسؤول وتعزيز الحوار الفكري البناء». ويضيف معالي محمد المر: «حين نعود إلى بدايات الصحافة العربية فإن البوصلة يجب أن تتجه إلى مصر، الدولة التي انطلقت منها الشرارة الأولى للصحافة العربية، وكانت صحفها منابر للفكر والتنوير، ومصانع لتشكيل الوعي العربي في مفترق تاريخي بالغ الأهمية». وأكد معاليه أن الصحافة المصرية جسدت، منذ القرن التاسع عشر، روح التجديد والإصلاح، وأسهمت في إرساء قواعد التعبير الحر، وكانت ملاذاً للمفكرين، ومسرحاً للجدل الثقافي والسياسي، ومحركاً للحركات الاجتماعية. وفي هذا المعرض، حين نطالع بأعيننا أعداداً نادرة من الوقائع المصرية، وروز اليوسف، وصباح الخير، وآخر ساعة، فإننا نقرأ فصولاً حية من سيرة العقل العربي، ومن إرث لا يزال يلهمنا حتى اليوم. ويكفي القول: إن بعض هذه الصحف لا يزال يصدر إلى الآن رغم مرور مئة عام على انطلاقتها». وعن بداية الصحافة في الإمارات، قال معاليه: « لقد ارتبطت نشأة الصحافة في دولة الإمارات ارتباطاً وثيقاً بحركة التنوير الثقافي والفكري التي رافقت بدايات التأسيس، حيث لعبت دوراً جوهرياً في نقل المعرفة وترسيخ الهوية الوطنية، وأسهمت في نشر الثقافة الإماراتية والعربية محلياً وعالمياً، كما شكلت الصحافة منبراً لتوثيق التحولات الكبرى التي شهدها المجتمع». وأضاف أن نشأة الصحف في دولة الإمارات كانت في ستينيات القرن الماضي، وكانت تطبع في مطابع متواضعة لكنها حملت التنوير والتثقيف للقارئ، وقد أسهمت هذه الصحف المبكرة في خلق مساحة للتعبير في زمنٍ كانت في وسائل الاتصال محدودة، وكانت الكلمة المطبوعة هي الوسيط لتداول الأخبار والأفكار. ومع إعلان قيام دولة الاتحاد في العام 1971، شهدت الصحافة الإماراتية نهضة نوعية، حيث صدرت صحف كبرى مثل «الاتحاد» و«الخليج» و«البيان»، ثم لاحقاً «الإمارات اليوم»، حيث لعبت هذه الصحف دوراً محورياً في تشكيل الوعي الوطني، وتعزيز الانتماء للدولة الحديثة، لم تكن تلك الصحف مجرد ناقل للأخبار، بل كانت منابر لبناء اللغة المشتركة والهوية الثقافية، وقدمت على صفحاتها أقلاماً محلية وعربية، طرحت قضايا الفكر والتنمية والحداثة، وكانت المجلات الأسبوعية ترافق الصحف، مما ساعد على ازدهار الصحافة المحلية واتساع رقعة تأثيرها. صياغة الواقع ولفت معالي محمد المر إلى أن الصحافة في الإمارات كانت شاهداً وفاعلاً، لا تكتفي برصد الواقع، بل تُسهم في صياغته، وقد تحولت خلال العقود الأخيرة إلى قوة ناعمة تعكس صورة الدولة إقليمياً وعالمياً، من خلال المهنية العالية، والانفتاح الثقافي، والدور الحضاري في تعزيز قيَم التسامح والتواصل بين الشعوب. وحول أهمية المعارض الأرشيفية، قال معاليه: «يمثل الأرشيف ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الإنسانية، وهو أداة مهمة لفهم تحولات المجتمعات وتوثيق إنجازاتها. وعلى الصعيدين المحلي والعالمي، تبرز أهمية الأرشيف في حفظ الوثائق التاريخية والفكرية والثقافية، بما يتيح للأجيال الجديدة الاطلاع على المسارات التي صنعت حاضرها وأسست لمستقبلها. ومن هنا فإن المعارض الأرشيفية المتخصصة، كمعرض الصحافة العربية في مكتبة محمد بن راشد وغيرها، تؤدي دوراً محورياً في إبراز هذا البعد الحضاري». وحول أهمية إقامة معرض للصحافة العربية في توعية الأجيال الجديدة بتاريخ الإعلام وهويته الثقافية، يقول معالي محمد المر: «تكمن أهمية هذا المعرض في كونه جسراً يربط الأجيال الجديدة بجذور الصحافة العربية ومسيرتها الطويلة، بما تحمله من أحداث، تحولات، وأصواتٍ شكّلت جزءاً كبيراً من الوعي الجمعي في المنطقة. فالمعرض لا يقتصر على عرض صفحات من صحف ودوريات قديمة، بل يمثل أرشيفاً حيّاً لأصوات الناس، نبض المجتمعات، وتحولات الفكر العربي عبر عقود، كما أن المعرض يتيح فرصة فريدة للجيل الرقمي الحالي لفهم كيف كانت الكلمة المطبوعة ذات تأثير نافذ، وكيف كان للصحافة دور رئيس في إشعال النقاشات الفكرية، وتأريخ الوقائع ونقلها بصورتها الأصلية، كما يساعد على توضيح السياقات التي ولدت فيها تلك الأحداث، والتي تحمل تيارات فكرية مختلفة، عبر المقالات الافتتاحية، الكاريكاتيرات والرسومات المعبرة، والتحقيقات التي كانت تتصدر الصفحات الأولى، إضافة إلى أن المعرض يمنح فرصة للزوار للتعرف على تاريخ الإعلام المكتوب، بوصفه أداة البناء للهويات الثقافية والاجتماعية، ويبرز مدارس فكرية واتجاهات تحريرية مختلفة من الصحافة القومية، إلى المستقلة، وصولاً إلى الصحافة المتخصصة الموجهة لكل شرائح المجتمع، وهو ما يعزز لدى الجيل الجديد فهماً عميقاً لكيفية تشكل السرديات الإعلامية، من خلال عرض مجموعات مميزة من صحف ومجلات، والتعرف إلى الأسماء اللامعة في عالم الصحافة العربية من كتَّاب ومفكرين». أبرز المقتنيات وعن أبرز المقتنيات المعروضة في أقسام معرض الصحافة العربية، يقول معالي محمد المر: «يضم المعرض مجموعة نادرة واستثنائية من المقتنيات الصحفية والمجلات المتخصصة والعامة، موزعة على عدة أقسام تعكس تنوع المحتوى وتطوره الزمني والثقافي. من بين أبرز المعروضات في قسم الصحافة الإماراتية نذكر: «أخبار دبي» (1969)، و«درع الوطن» (1971)، و«جريدة الاتحاد» (1969)، التي تمثل بدايات الإعلام الوطني. أما قسم الأطفال فيحتوي على مجلات أيقونية مثل «السندباد» (1952) و«ميكي» (1962) و«مانجا العربية» (2021)، ما يُظهر تطور صحافة الطفل عبر الأجيال. وفي قسم الفنون نجد إصدارات مثل «العفريت» (1924) و«الحياة السينمائية» (1978)، بينما يوثق قسم المرأة حضوراً مبكراً ومؤثراً من خلال مجلات مثل «أنيس الجليس» (1899) و«سيدتي» (2016). ورأى معاليه أن الصحف التاريخية تحضر بقوة في قسم الصحف مثل «الوقائع المصرية» (1893)، إلى جانب مجلات أدبية مؤثرة مثل «المقتبس» و«عالم الفكر» في قسم الأدب. كما يتضمن المعرض مجلات متخصصة مبكرة كـ«الفلاحة المصرية» (1898) و«روز اليوسف» (1925). ويبرز من بين الأندر: «صباح الخير» (1962)، و«أبو نظارة» بخط اليد (1895)، و«جريدة الخلافة» (1881). كما يعرض المعرض أحدث الإصدارات مثل «المقطع» (2023)، ليجمع بذلك بين التراث والحداثة، ويوفر توثيقًا حياً لمسيرة الصحافة العربية في مختلف مجالاتها وحقبها.