
الحديث عن «تجويع غزة» يعزّز قوة «حماس»
تحظى "حملة التجويع" في غزة، يوماً بعد يوم، بالتطبيع في الخطاب الإسرائيلي، ويقع كثيرون في فخ بوصلة أخلاقية مشوهة وخطِرة تخدم أعداءنا. لماذا توجد ضائقة في القطاع؟ الجواب بسيط، ويجب تذكير مَن نسيَه: لأن الأسرى محتجزون لدى "مخربي" "حماس" وعائلات غزية، فوق الأرض وتحتها.
كلّ تقرير بشأن معاناة سكان غزة، وكلّ نداء للرحمة تجاههم، وكلّ نشرٍ لوثائق مفبركة، وكلّ تعاطُف مع صورة يولّدها الذكاء الاصطناعي، وكلّ تعبير عن شفقة على المتعاونين مع مرتكبي "المجزرة" الرهيبة، يقوّي العدو ويعرّض حياة إخوتنا الأسرى للخطر. الأخلاق اليهودية واضحة: أطلقوا سراح الأسرى، وعودوا إلى أيام الوفرة. الكرة في ملعبكم: أوقفوا معاناة الإسرائيليين الذين اختطفتموهم من أسرّتهم في عيد "فرحة التوراة".
تخيلوا لصاً اقتحم منزلكم، وأخذ أطفالكم رهائن، وهو الآن يشكو من الجوع في المطبخ الذي سرقه. هل ستسارعون إلى إطعامه؟ "من يَرحم القساة سيُنزل القسوة بالرحماء في النهاية". هل يخطر في بالكم نقاش بشأن الحالة الغذائية للنازيين في أواخر الحرب العالمية الثانية؟
حالياً، لا يمثل النقاش بشأن "التجويع" في غزة ظلماً فقط، بل يشكل خطراً حقيقياً على الأسرى. إن حركة "حماس"، التي تستخدم سكانها "دروعاً بشرية"، تستغل الأسرى "بوحشية"، وتستخدم الشكاوى من المعاناة لصرف انتباه الإعلام. علينا أن نصرخ في وجه العالم بأسره: مَن يعاني جرّاء سوء التغذية، ومَن يتلقى فتات الأرز كوجبة، ومَن يوزع عليه نصف رغيف على حصص صغيرة للبقاء، ومَن يشرب مياهاً عكِرة، ولا يوجد لديه مركز أميركي منظّم لتوزيع طعام مُشبِع ومُغذٍّ، هم أسرانا الجائعون والمنهكون، الذين يذبلون في الأنفاق.
إن كلَّ حديث عن ضائقة غزة يمنح زخماً لحركة "حماس"، التي تحتجز الأسرى كورقة مساومة. تحتّم علينا الأخلاق اليهودية أن نركز أولاً على إنقاذ إخوتنا، وفقط عندما يعود آخر أسير إلى حضن عائلته، يمكننا أن ننتقل إلى نقاشات أُخرى.
ولمن يحتاج إلى تذكير: "حماس" هي التي بدأت الحرب، وهي القادرة على إنهائها بخطوة بسيطة واحدة، وهي إطلاق سراح الأسرى، لكنها تماري الجميع، وتماطل، وتطيل الأيام من دون تقديم أيّ أجوبة حاسمة. وعندما ترى هذا التعاطف الأخلاقي المتصاعد حول العالم، بمشاركة متعاونين من بيننا، فلماذا تستعجل؟ فكلما مرّ الوقت وازداد زخم "حملة التجويع" تدرك "حماس" أن الضغوط ستوجَّه نحو إسرائيل فقط، لتتراجع وتتنازل عن كلّ خطوطها الحمراء.
إن الأسرى في قلوبنا جميعاً، وواجبنا الأخلاقي إعادتهم إلى ديارهم، بدلاً من الوقوع في فخ دعاية العدو، علينا أن نتوحد حول الهدف ونتوقف عن ترديد البروباغاندا التي تنشرها "حماس". عندما يعود أسرانا بأمان إلى بيوتهم، سيتمكن أيضاً سكان غزة من العودة إلى حياتهم الطبيعية. حتى ذلك الحين، فإن الأخلاق اليهودية هي الأعدل والأنبل: دماء الأسرى أولى.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


معا الاخبارية
منذ 5 ساعات
- معا الاخبارية
سيناتور أميركي: إسرائيل ستفعل في غزة ما فعلناه في طوكيو
واشنطن -معا- قال السيناتور الجمهوري الأميركي ليندسي غراهام، الأحد، إنه لا توجد وسيلة آمنة لإسرائيل للتفاوض مع حماس لإنهاء الحرب، مبرزا أن إسرائيل ستفعل في القطاع مثلما فعلت الولايات المتحدة في طوكيو وبرلين بنهاية الحرب العالمية الثانية. وأشار غراهام، في مقابلة ضمن برنامج "ميت ذا برس" على شبكة "إن بي سي نيوز"، يوم الأحد، إلى أنه يعتقد أن إسرائيلخلصت إلى "أنها لا تستطيع تحقيق هدف إنهاء الحرب مع حماس بطريقة تضمن أمن إسرائيل". وأضاف: "أعتقد أن ترامب (الرئيس الأميركي دونالد ترامب) توصل إلى هذه الخلاصة أيضا، وأنا بالتأكيد توصلت إليها، لا توجد وسيلة لإنهاء هذه الحرب بالتفاوض مع حماس". وأوضح: "سيفعلون في غزة ما فعلناه في طوكيو وبرلين، سيأخذون المكان بالقوة ويبدؤون من جديد، مقدمين مستقبلا أفضل للفلسطينيين، على أمل أن يتولى العرب السيطرة على الضفة الغربية وغزة". وعندما سئل غراهام عما إذا كانت السيطرة على غزة تعني أن الرهائن لن يعودوا أحياء، قال: "آمل ألا يكون الأمر كذلك". وتابع: "أعتقد أن هناك من داخل حماس من قد يقبل المرور الآمن إذا أطلقوا سراح الرهائن. لو كنت مكان إسرائيل، سأقدم هذا العرض لمقاتلي حماس: يمكنكم المغادرة بأمان. نحن نريد رهائننا".


جريدة الايام
منذ 2 أيام
- جريدة الايام
الحديث عن «تجويع غزة» يعزّز قوة «حماس»
بقلم: مناحيم كوهين تحظى "حملة التجويع" في غزة، يوماً بعد يوم، بالتطبيع في الخطاب الإسرائيلي، ويقع كثيرون في فخ بوصلة أخلاقية مشوهة وخطِرة تخدم أعداءنا. لماذا توجد ضائقة في القطاع؟ الجواب بسيط، ويجب تذكير مَن نسيَه: لأن الأسرى محتجزون لدى "مخربي" "حماس" وعائلات غزية، فوق الأرض وتحتها. كلّ تقرير بشأن معاناة سكان غزة، وكلّ نداء للرحمة تجاههم، وكلّ نشرٍ لوثائق مفبركة، وكلّ تعاطُف مع صورة يولّدها الذكاء الاصطناعي، وكلّ تعبير عن شفقة على المتعاونين مع مرتكبي "المجزرة" الرهيبة، يقوّي العدو ويعرّض حياة إخوتنا الأسرى للخطر. الأخلاق اليهودية واضحة: أطلقوا سراح الأسرى، وعودوا إلى أيام الوفرة. الكرة في ملعبكم: أوقفوا معاناة الإسرائيليين الذين اختطفتموهم من أسرّتهم في عيد "فرحة التوراة". تخيلوا لصاً اقتحم منزلكم، وأخذ أطفالكم رهائن، وهو الآن يشكو من الجوع في المطبخ الذي سرقه. هل ستسارعون إلى إطعامه؟ "من يَرحم القساة سيُنزل القسوة بالرحماء في النهاية". هل يخطر في بالكم نقاش بشأن الحالة الغذائية للنازيين في أواخر الحرب العالمية الثانية؟ حالياً، لا يمثل النقاش بشأن "التجويع" في غزة ظلماً فقط، بل يشكل خطراً حقيقياً على الأسرى. إن حركة "حماس"، التي تستخدم سكانها "دروعاً بشرية"، تستغل الأسرى "بوحشية"، وتستخدم الشكاوى من المعاناة لصرف انتباه الإعلام. علينا أن نصرخ في وجه العالم بأسره: مَن يعاني جرّاء سوء التغذية، ومَن يتلقى فتات الأرز كوجبة، ومَن يوزع عليه نصف رغيف على حصص صغيرة للبقاء، ومَن يشرب مياهاً عكِرة، ولا يوجد لديه مركز أميركي منظّم لتوزيع طعام مُشبِع ومُغذٍّ، هم أسرانا الجائعون والمنهكون، الذين يذبلون في الأنفاق. إن كلَّ حديث عن ضائقة غزة يمنح زخماً لحركة "حماس"، التي تحتجز الأسرى كورقة مساومة. تحتّم علينا الأخلاق اليهودية أن نركز أولاً على إنقاذ إخوتنا، وفقط عندما يعود آخر أسير إلى حضن عائلته، يمكننا أن ننتقل إلى نقاشات أُخرى. ولمن يحتاج إلى تذكير: "حماس" هي التي بدأت الحرب، وهي القادرة على إنهائها بخطوة بسيطة واحدة، وهي إطلاق سراح الأسرى، لكنها تماري الجميع، وتماطل، وتطيل الأيام من دون تقديم أيّ أجوبة حاسمة. وعندما ترى هذا التعاطف الأخلاقي المتصاعد حول العالم، بمشاركة متعاونين من بيننا، فلماذا تستعجل؟ فكلما مرّ الوقت وازداد زخم "حملة التجويع" تدرك "حماس" أن الضغوط ستوجَّه نحو إسرائيل فقط، لتتراجع وتتنازل عن كلّ خطوطها الحمراء. إن الأسرى في قلوبنا جميعاً، وواجبنا الأخلاقي إعادتهم إلى ديارهم، بدلاً من الوقوع في فخ دعاية العدو، علينا أن نتوحد حول الهدف ونتوقف عن ترديد البروباغاندا التي تنشرها "حماس". عندما يعود أسرانا بأمان إلى بيوتهم، سيتمكن أيضاً سكان غزة من العودة إلى حياتهم الطبيعية. حتى ذلك الحين، فإن الأخلاق اليهودية هي الأعدل والأنبل: دماء الأسرى أولى.


جريدة الايام
منذ 2 أيام
- جريدة الايام
إسرائيل تمارس الإبادة الجماعية في غزة وتتجنّد لمحاولة إنكارها
بقلم: دانييل بيلتمان منذ 100 سنة تقريباً تتبع تركيا سياسة ثابتة لنفي الإبادة الجماعية ضد الأرمن، التي نفذتها الإمبراطورية العثمانية في الأعوام 1915 – 1918. تمتد منظومة نفيها الى مجالات كثيرة مثل الدبلوماسية، ومنشورات بحث، والتأثير على الرأي العام الدولي، وأكاديميا مجندة. هدف هذه المنظومة هو منع استخدام مفهوم "الإبادة الجماعية" من أجل الإشارة الى الأحداث، وطرح رواية بديلة تؤطر طرد وإبادة الأرمن كرد ضروري إزاء تهديد أمني داخلي، وليس نتيجة سياسة متعمدة للابادة الجماعية. الإنكار جزء رئيسي في الهوية القومية لتركيا الحديثة. عرضت الحكومات في تركيا، على مر اجيالها، القتل الجماعي رداً مبرراً على تمرد الأرمن المسلح، وقالت إنه حدثت حرب أهلية قتل فيها أرمن وأتراك على حد سواء، وإنه لم يتم ارتكاب إبادة جماعية فيها. نشر الضبابية والتشكيك بعدد الضحايا أسلوب بارز في سياسة الإنكار. في أوساط الباحثين يوجد إجماع على أن 1.2 مليون ارمني قتلوا أو ماتوا نتيجة الطرد. يقول الأتراك إن العدد اقل بكثير، 550 ألفاً تقريباً، وان كثيرين ماتوا بسبب المرض أو في المواجهات مع القبائل المحلية أو بسبب عقبات في الطريق، وليس في أعقاب تعليمات صريحة لإبادتهم. أيضاً في هذه الحالة فإن الاعتراض على مصداقية المصادر الأرمنية أو الغربية (تقارير القنصلية الأميركية وبعثات التبشير والقساوسة) يستخدم وسيلة لطمس المسؤولية السياسية للقيادة العثمانية التي عملت على إبادة مجموعة عرقية كاملة. طوّر انكار الكارثة أيضاً نماذج خاصة به بعد الحرب العالمية الثانية، حتى لو كان الأمر يتعلق بظاهرة تختلف عن إنكار الإبادة الجماعية للأرمن. نشر روبر بورسن، البروفيسور في الادب في جامعة ليون، في 1980 كتاباً بعنوان "الدفاع عن نفسي: حقيقة غرف الغاز، والدفاع ضد تزوير التاريخ"، كتب فيه بأنه لم يكن بالامكان تنفيذ إبادة جماعية بوساطة الغاز في معسكر اوشفيتس – بركناو. بمساعدة حسابات علمية قرر بورسن بأن شهادات الناجين والتوثيق التاريخي مضللة. وحسب قوله فان حجم غرف الغاز لا يمكّن من قتل عدد كبير جداً من الضحايا مرة واحدة. وقال أيضاً إننا بحاجة الى وقت طويل نسبياً لاطلاق غاز الإبادة تسكلون ب، لذلك فانه لا يمكن ان يكون الضحايا ماتوا خلال بضع دقائق كما قال الشهود. وقال أيضاً انه لم يكن بالإمكان إخلاء وإحراق مئات الجثث في وقت قصير جداً، لأن الأمر يحتاج الى وسائل لم تكن موجودة في حينه. ادعاءات بورسن تم دحضها من قبل مؤرخين، مهندسين، كيميائيين، وغيرهم. هو مثال واضح على اخراج الإبادة الجماعية عن سياقها التاريخي عن طريق استخدام التلاعب بالحسابات. كما هو معروف تم ادخال الضحايا الى غرف الغاز بشكل مكتظ. منظومات التهوية والحرق في غرف الغاز تمت ملاءمتها بشكل خاص مع الأهداف التي خصصت لهذه الغرف، ومكنت من استخدام متواتر لها واخلاء سريع للجثث. تجاهل بورسن بشكل ثابت التوثيق الألماني والصور الجوية وخطط بناء المحارق، وتجاهل شهادات حراس المعسكرات، وشهادات كثيرة لناجين وتجاهل المكتشفات الاثرية. أصبحت حساباته شبه العلمية مثالاً على تقنية الانكار التي تطرح حقائق "علمية" بشكل غامض، وتطرح أسئلة تتجاهل السياق التاريخي للحدث. يتطور منحى خطير مشابه في الواقع الإسرائيلي بالنسبة للجرائم الفظيعة في غزة. في حزيران 2024 نشر المؤرخ الدكتور لي مردخاي تقريراً بعنوان "شهادة على حرب السيوف الحديدية"، ومنذ ذلك الحين تم تحديثه عدة مرات بحسب الأحداث. يوفر التقرير توثيقاً منهجياً وموسع لعمليات إسرائيل في غزة، التي يمكن اعتبارها جرائم حرب، وحتى إبادة جماعية. استند التقرير الى شهادات، صور أقمار صناعية، توثيق مصور، تقارير منظمات دولية، وشهادات كثيرة لجنود في الجيش الإسرائيلي وشهود على الأرض. وهو يصف قتل المدنيين غير المسلحين، وهجمات متكررة على مخيمات اللاجئين، والمس بطالبي المساعدة الصحية، وتجويع السكان، وتدمير البنى التحتية مثل المستشفيات ومنشآت تحلية المياه ومحطات توليد الكهرباء والجامعات والمساجد، وعشرات آلاف القتلى الذين في معظمهم من الأطفال والنساء، والتجويع الجماعي. إضافة الى التوثيق فان التقرير يشمل تحليلا لعشرات التصريحات العلنية لسياسيين، حاخامات، موظفين عامين إسرائيليين، تدعو الى إبادة جماعية في غزة، وهو الدليل على نية تنفيذ الإبادة الجماعية. قالت المقررة الخاصة لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في "المناطق" الفلسطينية المحتلة، فرنشيسكا البانزا، أثناء تطرقها للحرب بانه تُسمع في إسرائيل دعوات صريحة للإبادة واعتداءات بدون تمييز تخلق البيئة التي تؤدي الى الإبادة الجماعية. وتظهر صورة مشابهة أيضا في تقارير "امنستي" وممثل الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وولكر تورك، ومنظمات دولية أخرى. حذّر جميعهم من ان عدد القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ يدل على فشل بنيوي في الحفاظ على مبدأ التناسبية والتمييز، الذي هو أساسي في القانون الدولي الإنساني. أيضا قال البروفيسور مايكل سباغيت، الخبير المعروف عالميا في تقدير عدد الضحايا في مناطق القتال، مؤخراً، إن عدد القتلى في غزة تجاوز المئة ألف شخص ("هآرتس"، 17/7). حولت إسرائيل غزة الى انقاض ومكان غير قابل للعيش، وقتلت بدون تمييز نساء وأطفالا أبرياء، وقامت بتصفية الأطباء وعمال الإغاثة وخلقت ظروفا شديدة من الجوع والنقص. هذه إبادة جماعية. الرد المضاد الأكثر بروزاً على هذه الاتهامات جاء في تموز 2025.نشرت مجموعة من الباحثين (البروفيسور دان اورباخ والدكتور يونتان بوكسمان والدكتور يغيل حنكين والمحامي يونتان بارفرمان) في مركز بيغن – السادات في جامعة بار ايلان، تقريراً يتكون من 250 صفحة بعنوان "فحص انتقادي لتهمة الإبادة الجماعية في حرب السيوف الحديدية". بوساطة طرق بحث كمية، مع الاعتماد على توثيق إسرائيلي ومقارنة مع صراعات عسكرية أخرى، بالأساس في الشرق الأوسط، اعترض الباحثون على البيانات الأساسية التي استندت اليها جهات دولية في بلورة تهمة ان إسرائيل ترتكب إبادة جماعية. حسب أقوالهم فان هذه الجهات ترتكز الى بيانات تم تشويهها من قبل "حماس"، والى تقارير غير مؤكدة أو مبالغ فيها. أيضا الخبير في السكان، البروفيسور سيرجو ديلا فرغولا، مشارك في بنية الإنكار هذه التي توجد في أساسها الرغبة في انكار أنه يتم ارتكاب إبادة جماعية في غزة، مع استخدام التلاعب في الحسابات. في المقال الذي نشرته "هآرتس" في 3/7، ينتقد الخطاب الدولي حول غزة ويقول إن تقدير عدد الفلسطينيين الذين ماتوا في غزة بـ 100 ألف مبالغ فيه ومنحاز ويستند الى بيانات تم تحريفها من مصادر فلسطينية ودولية لا يمكن الاعتماد عليها. وقد لخص سباغيت حجة ديلا فرغولا بـ "هذه الحجة سائدة بين الذين يسعون الى تقليل أهمية معاناة سكان غزة". استعرض نير حسون المشكلات وأنصاف الحقائق في تقرير الباحثين من مركز بيغن – السادات ("هآرتس" 22/7)، وقال: التقرير وبحق ينتمي الى فئة "من يتاجرون بالشك" والذين يستخدمون تقنية الانكار المعروفة. بائعو الشك لا ينكرون الحدث، بل يشككون في البيانات ويخترعون بيانات جديدة. تتبع أوساط اقتصادية قوية أسلوب الإنكار هذا، على سبيل المثال شركات السجائر (بالنسبة للعلاقة بين التدخين ومرض السرطان)، وشركات النفط الكبيرة (فيما يتعلق بالاحتباس الحراري). هذه هي أيضا تقنية من ينكرون الإبادة الجماعية التركية ومن ينكرون الكارثة. قاس بورسن حجم غرف الغاز وقال انه لا يمكن ماديا إدخال عدد الضحايا الذي تقرر استنادا الى الشهادات اليها. لذلك فانه لا يمكن إثبات حدوث الإبادة الجماعية. يحسب كُتاب التقرير الإسرائيليون عدد الذخيرة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي مقارنة بعدد المصابين الأبرياء ويستنتجون انه "لا يمكن تحديد تناسب الهجوم فقط حسب نتائجه مهما كانت مأساوية". أي انه حتى لو ان الجيش الإسرائيلي استخدم كمية ذخيرة غير معقولة ونتيجة لذلك قتلت عائلات كاملة مع الأولاد الصغار، فانه لا يمكن القول اذا كان استخدام القوة متناسبا أم لا. بكلمات أخرى، عدد الضحايا الكبير لا يثبت أنه تم ارتكاب جريمة، بل الهدف العسكري هو الذي يقرر. هناك تقنية إنكار أخرى سائدة وهي نسبة عدد الضحايا. يقول كُتاب التقرير إنه يستحيل تحديد عدد دقيق للضحايا في غزة. أيضا بورسن قال ان من ماتوا بسبب المرض والأوبئة التي انتشرت في معسكرات الاعتقال لم يكونوا ملايين، بل آلاف على الأكثر. مع ذلك، حتى لو تم تقليص عدد الضحايا في غزة، مثلا القول ان 30 الف شخص بريء قتلوا، فهل القتل بهذا الحجم لا يحتاج الى محاسبة؟ مجرد التصميم على تقليص الجريمة لتصل الى عدد دقيق، وهو ضمن أمور أخرى الامر الذي يفعله من ينكرون الإبادة الجماعية، يطمس الجريمة من خلال الحساب. لا يقترح تقرير اورباخ واصدقائه حول غزة، مثل اعمال انكار أخرى في الماضي، إجراء تحقيق جدي، بل هو مجرد ادعاءات انتقائية تهدف الى الاستبعاد مسبقا لأي إمكانية لتوجيه تهمة جنائية لإسرائيل بسبب تنفيذ إبادة جماعية. يصبح التغليف معقداً اكثر ولكن الهدف واضح وهو نزع المسؤولية وتشويش المفاهيم والتشكيك وتحويل النقاش العام الأخلاقي الى نقاش فني. بهذه الطريقة يتم بناء حاجز بين الفظائع ومعناها، بالضبط مثلما حذّر واضع ميثاق الأمم المتحدة للابادة الجماعية، رفائيل لمكين، من حدوثه عندما يتم بذل محاولات لطمس الهوية وظروف موت الضحايا، واستبدالها بالأرقام، وتعريفات ونماذج إحصاءات. تعارض هذه المقاربة تعريف الإبادة الجماعية الذي طرحه لمكين والذي تحدث عن تدمير بالتدريج، مؤسسي وثقافي، لمجموعات عرقية، أو تفسيرات متأخرة لباحثين، اكدوا على مفهوم "النية المتراكمة". لا تحتاج الإبادة الجماعية الى وجود نية صريحة، بل هي نتيجة عملية فيها تصريحات وسياسة فعلية وخطاب سياسي ونزع جماعي للإنسانية ونماذج عمل متكررة تندمج لتصبح عملية إبادة. عندما يقول سياسيون بانه لا يوجد أبرياء في غزة، ويطلب عضو كنيست القاء قنبلة نووية على القطاع، ويتحدث آخرون عن الطرد الجماعي لمليون مدني، أو فصل الرجال عن النساء والأطفال وتصفيتهم، فان تراكم هذا الخطاب يكون جزءا من آلية تشرعن النشاطات على الأرض. لكن الفصل البائس اكثر في توجه الانكار المتبلور في إسرائيل لانكار الإبادة الجماعية في غزة محفوظ لمؤسسة "يد واسم". المؤرخون، الذين يعملون فيها ويكرسون أياماً طويلة لفحص احداث الكارثة، اختاروا وضع حاجز أمام الفم والقلم إزاء الاعمال الفظيعة التي تحدث في غزة. إزاء سيل تصريحات الإبادة الجماعية لسياسيين إسرائيليين في بداية الحرب توجهت مجموعة الباحثين الإسرائيليين الى رئيس "يد واسم"، داني ديان، وطلبت ان تنشر المؤسسة إدانة علنية لهذه التصريحات التي طلبت بصورة صريحة تنفيذ إبادة جماعية. في كانون الثاني 2024 رد ديان على البروفيسور عاموس غولدبرغ، المبادر الى هذا الطلب: "الستة ملايين يهودي، الذين قتلوا في الكارثة، يستحقون مؤسسة تنشغل بهم وحدهم. لذلك، "يد واسم" لا تنشغل بهذه الإبادة الجماعية بحد ذاتها، بل هي تنشغل بتداعياتها على الكارثة. مجال نشاطنا هو الكارثة، فقط الكارثة". الأمور التي كتبها رئيس "يد واسم" قاسية ليس فقط بسبب الصمت الذي يؤيده، بل أيضا لأنها مغلفة بغلاف الاستقامة المؤسسية، مع إدارة الظهر المتفاخرة للشعور التاريخي بالمسؤولية الذي يجب أن يكون في ذكرى الكارثة. "الستة ملايين يستحقون مؤسسة تنشغل فقط بهم"، كتب ديان، وكأن طهارة ذكر القتلى هي ذريعة لانغلاق القلب وغض النظر وتكميم الأفواه أمام جرائم الحرب المتواصلة، وعشرات الآلاف الذين يقتلون ويتم تجويعهم بجريمة فظيعة تحدث، ضمن أمور أخرى، على يد احفاد هؤلاء الضحايا انفسهم. هل لم يقتل ملايين الستة أيضا بسبب أن كثيرين شرحوا لماذا هذا الامر ليس من اختصاصهم؟ التخندق الضيق في ادعاء ان مجال الانشغال هو فقط بـ "الكارثة"، هو أسلوب للانفصال الأخلاقي وعدم تحمل المسؤولية بسبب التوافق الأيديولوجي مع سياسة الحكومة التي ترتكب جرائم حرب فظيعة، وخيانة خطيرة لقيم الحرية والعدالة وحرمة حياة البشر، التي من المفروض ان تغرسها الكارثة. عندما تختار مؤسسة تخليد مثل "يد واسم"، ليس فقط الصمت، بل الإعلان باطمئنان أنها تختار الصمت، فان هذه المؤسسة لا تعود مؤسسة للذكرى، بل أصبحت، سواء بارادتها أو لا، مؤسسة للانكار. وعندما ترتكب مثل هذه الجرائم على يد الشباب الذين زاروا المؤسسة قبل بضع سنوات من تجندهم في الجيش، على بعد بضعة كيلومترات فقط عن مكان المؤسسة، فان هذا الصمت غير محايد، بل هو شراكة. في الكتاب المشهور لعالمة الاجتماع التركية – الأميركية فاطمة موغا تشافتشك، "انكار العنف – الماضي العثماني والحاضر التركي والذاكرة المشتركة" (2015)، تفحص الكاتبة جذور انكار الإبادة الجماعية للأرمن كعملية نفسية واجتماعية عميقة ومستمرة، تجري بين أربعة أجيال للاتراك. وتجادل بان الانكار هو استجابة نفسية وجماعية للتعامل مع جريمة غير محتملة. يعاني المجتمع في تركيا من تناقض أخلاقي عميق. فهو يحتوي على عدد لا يحصى من الأدلة التي تدل على جريمة فظيعة، لكنه يخلق لنفسه رواية جماعية ترتكز الى كونه ضحية – ضحية الحروب والإمبريالية الغربية وانهيار الإمبراطورية العثمانية. في هذه الديناميكية يتم خلق هوية قومية، أصبح المكون الدفاعي فيها – إنكار التهمة – مؤسساً بدرجة لا تقل عن الذكرى نفسها. أيضا تبني إسرائيل منذ ثلاثة أجيال هوية الضحية التي تنتقل من الكارثة وتصل الى جرائم "حماس" في 7 تشرين الأول. هي تنفي جرائمها وتعيش في وضع دائم من تشويه الواقع. تعتبر أي محاولة للتحدث عن جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين تهديداً ليس فقط لصورة الأمة، بل أيضا لمجرد وجودها. تحوّلت الرواية الدفاعية الى أساس الهوية القومية، وكل انتقاد لها يواجه بعنف مؤسسي وعام، كما نشاهد ذلك الآن. عن "هآرتس"