logo
إيران وإسرائيل: مواجهة بلا حدود... الانزلاق نحو المجهول

إيران وإسرائيل: مواجهة بلا حدود... الانزلاق نحو المجهول

اليمن الآنمنذ 6 ساعات

لا تلوح في الأفق نهاية قريبة للحرب المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، بل إن السياق العام يشير إلى أن المنطقة تتجه نحو مزيد من التصعيد، في ظل غياب أي ملامح لحسم استراتيجي أو تسوية سياسية شاملة. فرغم الضربات التي نفذتها إسرائيل في العمق الإيراني، إلا أن هذه العمليات لم تسفر حتى الآن عن نتائج استراتيجية حاسمة توقف البرنامج النووي الإيراني أو تُغيّر قواعد اللعبة.
تدرك إسرائيل أن وقف المشروع النووي الإيراني يتطلب أحد خيارين: إما تغيير النظام السياسي في طهران، وهو أمر يبدو مستبعداً في الظرف الراهن، أو تدخل عسكري واسع تقوده الولايات المتحدة ويشمل ضربات شاملة تطال المنشآت النووية ومرافق البنية التحتية الاستراتيجية، كمنشآت النفط والغاز، ومحطات الكهرباء، والموانئ، ومصانع الأسلحة، والقوة البحرية الإيرانية، خصوصاً الغواصات والمدمرات. غير أن هذا السيناريو، يبدو مستبعداً أيضاً، في ظل عدم استعداد واشنطن لخوض حرب بهذا الحجم، وتفضيل الرئيس ترامب الصفقات السريعة على المغامرات العسكرية الطويلة والمكلفة.
رغم امتلاك إسرائيل لقدرات تقنية واستخباراتية متقدمة، فإن تفوقها على إيران يظل محدودًا نسبيًا. فهي قادرة على تنفيذ ضربات جوية في عمق الأراضي الإيرانية، وهي ميزة لا تمتلكها طهران، إلا أن هذه القدرة تخضع لقيود عملياتية واضحة. فالمقاتلات الإسرائيلية تُجبر على الطيران لمسافات بعيدة، محمّلة بذخائر محدودة، ما يجعل كلفة كل عملية باهظة، ويزيد من احتمالات سقوطها سواء بفعل الدفاعات الجوية الإيرانية أو نتيجة لأعطال فنية محتملة.
في المقابل، تمتلك إيران ورقة ضغط فعالة تتمثل في ترسانتها الواسعة من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، ما يمنحها القدرة على توجيه ضربات مستمرة داخل العمق الإسرائيلي لفترات طويلة، قد تمتد لأشهر، لا سيما إذا اقتصرت الهجمات في كل مرة على عشرات الصواريخ. هذا التوازن النسبي في القدرة على الإضرار المتبادل يُبقي الطرفين في حالة استنزاف دائم، دون قدرة فعلية على الحسم.
تدمير المنشآت النووية الإيرانية تحديداً، لا يزال يمثل معضلة أمام إسرائيل. فمعظم هذه المنشآت شُيّدت في أعماق الأرض، مما يجعل الوصول إليها مستحيلاً عبر الضربات الجوية التقليدية. وحدها الولايات المتحدة، بأسلحتها الاستراتيجية، أو إسرائيل باستخدام أسلحة نووية تكتيكية، يمكنها تدمير هذه المنشآت بالكامل، وهو خيار شديد الخطورة سياسياً واستراتيجياً. وحتى إن تمكنت إسرائيل من ضرب بعض المواقع، فإن قدرتها على تدمير مخزون اليورانيوم المخصب تبقى محدودة، خصوصاً إذا لم تتوفر معلومات استخباراتية دقيقة حول أماكن تخزينه، وهو مخزون قابل للإخفاء وإعادة التوزيع في مواقع متعددة ومحميّة.
بناءً على ذلك، فإن الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية، في أفضل الأحوال، قد تؤدي إلى عرقلة مؤقتة للبرنامج النووي الإيراني، لكنها لن توقفه. وهذا ما يفسر إصرار إسرائيل على مواصلة العمليات، إذ إن وقفها دون نتائج ملموسة سيُعد فشلاً سياسياً واستراتيجياً يصعب تبريره أمام.
أحد السيناريوهات المتفائلة – وإن كانت ضئيلة الاحتمال – أن تُفضي هذه الحرب إلى صفقة سياسية بين إيران والولايات المتحدة في الأيام القادمة، تتعهد بموجبها طهران بوقف تخصيب اليورانيوم، وتضع مخزونها الحالي تحت رقابة دولية صارمة. غير أن هذا السيناريو مشروط بتوازنات دولية معقدة، وبتنازلات مؤلمة من إيران وهو ما لا يبدو أنها مستعدة لها حالياً.
وفي ظل غياب الحلول السياسية، والحسم العسكري السريع، تتصاعد احتمالات الانزلاق نحو "حرب مدن"، تقوم فيها إسرائيل بالرد على الهجمات الصاروخية التي تستهدف مدنها، بهجمات مماثلة ضد المناطق السكنية في المدن الإيرانية. مثل هذا التصعيد سيحوّل الصراع إلى كارثة إنسانية مفتوحة، ويدفع المنطقة نحو مستويات غير مسبوقة من الفوضى والدمار.
وأخطر ما في الأمر احتمال استخدام أسلحة الدمار الشامل من طرفي الصراع. فمع تعثر كل محاولات الحسم التقليدي، قد تتجاوز الدولتين الخطوط الحمراء لتغيير قواعد الاشتباك بالقوة. فإسرائيل، وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك ترسانة نووية غير معلنة، قد تلجأ إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد منشآت إيرانية محصنة بعمق لا يمكن اختراقه بالوسائل التقليدية. ومع أن مثل هذا الخيار محفوف بعواقب استراتيجية كارثية على المستوى الإقليمي والدولي، إلا أنه لا يُستبعد تمامًا في حال رأت القيادة الإسرائيلية أن الخيار النووي هو الوسيلة الوحيدة لمنع إيران من امتلاك القنبلة النووية.
في المقابل، لا يُستبعد أن ترد إيران بأسلحة غير تقليدية هي الأخرى، إذ تُتهم منذ سنوات بامتلاك وتطوير قدرات في مجالي السلاحين الكيميائي والبيولوجي، رغم إنكارها ذلك رسمياً. وفي حال تعرضت منشآتها الحيوية أو مراكز قيادتها لهجوم نووي أو مدمر شامل، قد تعتبر طهران أن الرد بأسلحة دمار شامل هو "خيار الضرورة". حدوث هذا السيناريو، سيشكل لحظة انفجار إقليمي لا تقتصر تداعياته على طرفي الصراع فحسب، بل ستطال كامل الشرق الأوسط، وقد تُغرق العالم في أزمة غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. فاستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا سيعني انهيار قواعد الاشتباكات التي سادت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتكسر الحاجز النفسي والسياسي أمام استخدام هذه الأسلحة، وهو ما سيخلق عالمًا أشد خطورة.
معظم الدول العربية القريبة من إيران تتابع هذه الحرب بقلق، لكنها ترى فيها أيضاً فرصة. فهي تدرك أن امتلاك إيران لسلاح نووي يشكل تهديداً وجودياً لأمنها القومي، خصوصاً في ظل طموحات طهران التوسعية ودورها المزعزع للاستقرار الإقليمي. ولهذا، فإن أي نتيجة تؤدي إلى تراجع المشروع النووي الإيراني تُعد مكسباً استراتيجياً لهذه الدول، ولو تحقق ذلك عبر القوة.
وفي حال اتسعت رقعة الحرب وتم استخدام أسلحة دمار شامل أو دخول الولايات المتحدة، وربما بريطانيا وفرنسا الحرب، فإن الشرق الأوسط وربما العالم سيعاد تشكيله بعد أن تتغير فيه موازين القوى بشكل جذري.
في المحصلة، تقف المنطقة أمام صراع مفتوح على المجهول، لا يبدو أن أحداً قادراً على حسمه أو احتوائه في الوقت القريب. ومع استمرار الحرب دون أفق سياسي، ستظل المخاطر قائمة، ليس فقط على إسرائيل وإيران، بل على دول المنطقة وربما العالم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صور أقمار صناعية تظهر حجم الدمار في منشآت إيران النووية والعسكرية
صور أقمار صناعية تظهر حجم الدمار في منشآت إيران النووية والعسكرية

اليمن الآن

timeمنذ ساعة واحدة

  • اليمن الآن

صور أقمار صناعية تظهر حجم الدمار في منشآت إيران النووية والعسكرية

صور أقمار صناعية للدمار في المنشآت النووية الإيرانية برّان برس: وكالات أظهر تحليل لأحدث صور الأقمار الصناعية، الدمار الذي أحدثته الضربات الصاروخية التي شنها الكيان الإسرائيلي على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية، في التصعيد المتبادل بين البلدين والذي بدأ يوم الجمعة 13 يونيو/ حزيران الجاري. الصور، التي التقطتها شركة الأقمار الصناعية التجارية "ماكسار"، وقامت بتحليلها قناة ABC NEWS كشفت مدى الضرر الناجم عن الضربات الصاروخية والحرائق اللاحقة، التي لحقت بواحدة من منشآت تخصيب اليورانيوم الرئيسية في إيران بالقرب من نطنز، وهي مدينة تقع جنوب طهران. كما كشفت أن العديد من المباني تعرضت للقصف في القطاع الشمالي الغربي من المنشأة، حيث ظهرت فيها آثار مركبات جديدة وأكوام من التراب على السطح في منتصف المنشأة.. وعرضت القناة في تحليلها صوراً للموقع نفسه، تعود للعام 2003، أظهرت هياكل كبيرة في نفس المكان - مما يشير إلى أنه ربما تم دفنها. إلى ذلك، أظهرت صور الأقمار الصناعية، إلى الشمال من إيران، الأضرار التي لحقت بأجزاء من منشأة إنتاج الصواريخ في حامية الشهيد مدرس بالقرب من بيدكانه، جنوب غرب طهران. ووفق التقارير، يعد الموقع أحد أهم منشآت الصواريخ الباليستية في البلاد، والذي شهد توسعًا في السنوات الأخيرة، وفقا لتحقيق أجرته رويترز. وتظهر أدلة على تعرّض العديد من المباني لضربات مباشرة، بعضها يحتوي على ثقوب كبيرة في أسقفه. وذكرت وكالة رويترز العام الماضي أن مسؤولا إيرانيا قال إن بعض المباني تستخدم أيضا في تصنيع طائرات بدون طيار، على الرغم من أنها لم تتمكن من تأكيد هذا الادعاء بشكل مستقل. وبحسب موقع "إيران ووتش"، الذي يراقب البرامج النووية والصاروخية للبلاد، فإن الشركة تنتج إلكترونيات للجيش الإيراني - بما في ذلك أنظمة رادار مهمة. وتخضع الشركة لعقوبات من قبل العديد من الدول الغربية، بما في ذلك أستراليا، وتؤكد الصور التفصيلية أن أجزاء من منشأة صاروخية كبيرة مشتبه بها في كرمانشاه، في غرب إيران، تعرضت أيضًا للقصف عدة مرات. وأورد تقرير صادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية عام 2021 أن كرمانشاه هي موقع لعدد من مواقع نشر الصواريخ المشتبه بها، مع وجود أدلة على وجود بعض المرافق تحت الأرض. وفي وقت مبكر من صباح الجمعة 13 يونيو/حزيران، أعلن الجيش الإسرائيلي تنفيذ ضربة عسكرية وُصفت بـ"الاستباقية"، حملت اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت مواقع في إيران، وأسفرت عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين الإيرانيين والعلماء النوويين. وردًّا على هذه الضربات، شنّت القوات الإيرانية سلسلة هجمات انتقامية ضمن عملية "الوعد الصادق 3" استهدفت عمق الأراضي الإسرائيلية، تسببت بمقتل وإصابة العشرات من الإسرائيليين.

كتب ناصر قنديل: هل يرتكب ترامب الحماقة؟
كتب ناصر قنديل: هل يرتكب ترامب الحماقة؟

المشهد اليمني الأول

timeمنذ 2 ساعات

  • المشهد اليمني الأول

كتب ناصر قنديل: هل يرتكب ترامب الحماقة؟

رمت «إسرائيل» بكل قوتها في الحرب على إيران خلال أربعة أيام، واستثمرت كل ما وضع في خدمتها من مقدرات أميركية وغربية، من شبكات تجسس مجموعات معارضة يشغلها الغرب بما لديها من قدرات على عمليات التخريب، ومعها ما جرى تخزينه من مصانع طائرات مسيرة ومتفجرات وعناصر مدربة على العمليات الخاصة، ومقدرات استخبارية وتقنية وطائرات تزود بالوقود وذخائر نوعية، والحصيلة واضحة، إيران تجاوزت الضربات الأولى ونجحت باحتوائها واستعادت تماسك مؤسساتها وخصوصاً قدرة الرد القوي والفعال والمتواصل، بما قدّم صورة عن العقاب الإيراني بعيون مستوطني الكيان، وكلام نتنياهو عن اغتيال مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي أو عن تدمير منشأة فوردو النووية، ومناشدة أميركا للمشاركة في هذين الهدفين هو إعلان نضوب بنك الأهداف المتاح لجيش الاحتلال ومقدراته، بمثل ما يشكل استهداف مستشفيات ومؤسسة التلفزيون الإيراني تعبيراً مماثلاً عن هذا الإفلاس، بحيث تبدو كلمات نتنياهو إعلان استغاثة بالرئيس ترامب جوهرها، حققنا الكثير لكنه سوف يتآكل ما لم تنفذ الضربة القاضية ولا نملك القدرة على تحقيقها إذا لم تدخل أميركا الحرب، وما جرى في قمة السبعة الكبار عندما امتنع ترامب عن توقيع البيان الختاميّ الذي يدعو «إسرائيل» وإيران الى وقف التصعيد، يقول إن ترامب متردد وربما لم يحسم قراره بعدم التورط في الحلقة المقبلة من الحرب، التي تتجاوز إرسال المدمّرات القادرة على المساعدة في صد الصواريخ الإيرانية، فهل يفعلها ترامب؟ – الأكيد أن الحرب هي حرب ترامب، لكن الأكيد رغم كثرة الكلام عن الهيمنة الجوية الإسرائيلية على الأجواء الإيرانية أن الأذى الحقيقي الذي تم إلحاقه بإيران تم عبر تنظيمات المعارضة الإيرانية المقيمة في أوروبا والتي تمّ نقلها إلى كردستان العراق وتأمين وصولها إلى الداخل الإيراني، بما يستعيد صورة ما فعلته خلال الحرب التي شنها النظام العراقي السابق على إيران، سواء بإطلاق الطائرات المسيّرة من الداخل الإيراني على مواقع عسكرية ودفاعات جوية، أو بتنفيذ عمليات الاغتيالات، والكل يذكر كيف كانت شوارع طهران حلبة قتال مفتوحة خلال الحرب وكيف قتل عشرات القادة الكبار في الجمهورية الإسلامية يومها بعمليات اغتيال نفذتها هذه الجماعات. ة – كما بلغ النظام العراقي السابق في الحرب على إيران طريقاً مسدوداً رغم وجوده على حدود إيران ولم يتبق له إلا قصف الأماكن السكنية وقتل المدنيين، بدأ قادة الكيان بتهديد السكان كدليل على استنفاد قدرتهم على تغيير الموازين عبر الحرب، ويبدو الرهان على ما تفعله جماعات الداخل مخاطرة بالوصول إلى نتيجة مشابهة للحرب التي خاضها النظام العراقي السابق على إيران، لأن هذه الجماعات باتت مكشوفة وتعمل تحت النار والملاحقة والمطاردة، ويوماً بعد يوم سوف يحكم نظام الجمهورية الإسلامية سيطرته على الأرض، خصوصاً أن الحرب تخاض لصالح «إسرائيل» التي لا يشرف التعامل معها أي إيراني مهما كانت معارضته للنظام الإسلامي. – أن يتحول هدف «إسرائيل» هو الصمود بدلاً من الفوز بالحرب، فذلك بداية التآكل وبلوغ مرحلة المخاطرة بالانهيار، رغم كل خطوط الإمداد الغربية والأميركية خصوصاً، ورغم وسائل الإسناد في التصدّي للصواريخ الإيرانية، فقد ظهر أن إيران تطوّر يومياً تكتيكات وتقنيّات تسمح بالحفاظ على قدرة خوض حرب استنزاف لا تتحمّلها «إسرائيل» ولا تستطيع وقفها، بحيث يصير الدخول الأميركي على خط الحرب مباشرة، حاجة إسرائيلية ملحة، بينما هو مخاطرة أميركية واضحة، خصوصاً أن إيران مدركة لكيفية تجنب منح الذريعة والمبرر لهذا الانخراط الأميركي بعدم استهداف القواعد الأميركية والمصالح الأميركية إلا في حال دخول أميركا الحرب على إيران، وهناك فرق كبير في حالتي الدخول، فهل يتحمّل مسؤولية الاستهداف وإعطاء العذر للقيام به من جانب إيران كدفاع مشروع، وماذا عن خطر إقفال الممرات المائية أمام تجارة الطاقة من مضيق هرمز إلى سائر المضائق والممرات، وماذا عن أرجحية تعديل إيران عقيدتها النووية، إذا شنت أميركا الحرب عليها، ومن يضمن أن إيران لم تخبئ مستلزمات إنتاج سلاح نوويّ في مكان غير معلوم تحسباً لتلك اللحظة تفاجئ العالم بها بإطلاق صاروخ يحمل رأساً نووياً نحو المحيط الهنديّ؟ – كل شيء يفرض استبعاد الحماقة، لكن الحمقى يحكمون العالم ولذلك يجب إبقاء العين مفتوحة على حماقة جديدة يرتكبها أحمق آخر. ــــــــــــــــــــ ناصر قنديل

إلى أين تتجه العملية الإسرائيلية في إيران؟
إلى أين تتجه العملية الإسرائيلية في إيران؟

اليمن الآن

timeمنذ 3 ساعات

  • اليمن الآن

إلى أين تتجه العملية الإسرائيلية في إيران؟

الصراع الاسرائيلي الإيراني برّان برس: في يوم الجمعة، بعد أن شنت إسرائيل هجوماً غير مسبوق على إيران، خاطب رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الإيرانيين مباشرة، متحدثاً بالإنجليزية، وأخبرهم أن الوقت قد حان ليقفوا ضد "نظام شرير وقمعي". وأعلن نتنياهو أن العمليات العسكرية الإسرائيلية "تمهد الطريق أمامكم لتحقيق حريتكم". والآن، وبينما تتزايد المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل، ويتسع نطاق الأهداف، يتساءل الكثيرون: ما هي الغاية الحقيقية لإسرائيل؟ أم كان الهدف أيضاً إنهاء أي مفاوضات أخرى بين الولايات المتحدة وإيران للوصول إلى اتفاق جديد، للحد من البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات المؤلمة؟ أم هل يمكن أن تكون رسالته للإيرانيين حول تمهيد الطريق لتحقيق الحرية إشارة إلى هدف أكبر، وهو محاولة إنهاء حكم رجال الدين في إيران؟ من الجنرالات إلى ترامب.. من الذي يصغي إليه؟ تميزت المسيرة السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة بأنه أخذ على عاتقه مهمة تحذير العالم من المخاطر التي تشكلها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، سواء كان ذلك عبر رسم كاريكاتوري لقنبلة عرَضه في الأمم المتحدة، أو تكراره خلال العشرين شهراً الماضية من الحرب الإقليمية المشتعلة، أن إيران هي التهديد الأكبر على الإطلاق. من المعروف أن الرؤساء الأمريكيين وقادة نتنياهو العسكريين ثَنَوْهُ أكثر من مرة، على مر السنين، عن إصدار أوامر بضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية. ويقول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه لم يعطِ الضوء الأخضر، لكن حتى ما بدا إشارة ضوئية صفراء (تحذيرية) كان كافياً. قال مسؤول غربي إن "نتنياهو الآن منغمس بالكامل في اللعبة"، مؤكداً أن الهدف الرئيسي لإسرائيل هو شَلّ البرنامج النووي الإيراني. وأدين هذا القرار على نطاق واسع من قبل دول في جميع أنحاء المنطقة، وكذلك من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث شدد مديرها العام رافائيل غروسي: "لقد ذكرت مراراً أنه لا ينبغي أبداً استهداف المنشآت النووية، بغض النظر عن السياق أو الظروف". كما أدان خبراء قانونيون الضربات، وقالوا إنها غير قانونية بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، فإن الكثيرين يتساءلون الآن عما إذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى لتحقيق الأهداف نفسها التي يسعى نحوها مستشاروه وحلفاؤه المقربون. تقول الدكتورة سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث: "بينما راهن نتنياهو شخصياً على تغيير النظام، فإن المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية ملتزمة بإعاقة البرنامج النووي الإيرني بشكل جذري". وتضيف: "قد يكون الهدف الثاني صعباً، لكنه قابل للتحقيق إلى حد ما، فيما يبدو تحقيق الهدف الأول أشد صعوبة في تحقيقيه خلال صراع قصير ومتزايد الحدة". تدمير البرنامج النووي الإيراني وصف نتنياهو عملية إسرائيل بأنها ضربات استباقية لتدمير تهديد وجودي، وقال إن إيران كانت "في الدقيقة التسعين" من تطوير قنبلة نووية، أي في اللحظات الأخيرة. وقد ردّد الحلفاء الغربيون تصريحه بأنه لا ينبغي السماح لطهران بتجاوز هذا الخط، لكن جرى التشكيك في جدول نتنياهو الزمني بصورة واسعة. ونفت إيران مراراً أنها قررت صنع قنبلة. وفي مارس/آذار، شهدت تولسي غابارد، مديرة الاستخبارات الوطنية الأمريكية، بأن مجتمع الاستخبارات الأمريكي "يواصل تقييمه بأن إيران لا تبني سلاحاً نووياً". وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أحدث تقرير رُبع سنوي لها، إن إيران قد جمعت ما يكفي من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المئة، ما يُعد على مسافة تقنية قصيرة من درجة تصنيع الأسلحة (90 في المئة) – الأمر الذي قد يمكنها من صنع تسع قنابل نووية. في هذه الأيام القليلة الأولى، تم استهداف ثلاث منشآت رئيسية في البرنامج النووي الإيراني الواسع: نطنز، أصفهان، فوردو. وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن مصنعاً تجريبياً لتخصيب الوقود فوق الأرض في نطنز قد دُمّر. كما أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن أربعة "مبانٍ ذات أهمية كبيرة" تضررت في أصفهان. وتصف إسرائيل الأضرار التي لحقت بالمنشآت الإيرانية بأنها "كبيرة"، بينما تقول إيران إنها محدودة. وتضرب إسرائيل أيضاً "مصادر المعرفة" باغتيال ما لا يقل عن تسعة علماء نوويين حتى الآن، وقائمة متزايدة من كبار القادة العسكريين. وتتسع قائمة أهدافها، التي تشمل القواعد العسكرية ومنصات إطلاق الصواريخ والمصانع، لتشمل الآن المنشآت الاقتصادية والنفطية. وترد إيران أيضاً بقائمة متزايدة من الضربات الخاصة بها، بينما تتزايد الخسائر المدنية في كلا البلدين. ولكن لكي تتعامل إسرائيل مع ضربة حاسمة للبرنامج النووي الإيراني الواسع، سيتعين عليها إلحاق أضرار جسيمة بفوردو، ثاني أكبر مواقع إيران وأكثرها حماية. ويعتقد بعض الخبراء أن المجمع، الموجود على عمق تحت الأرض في جبل، هو المكان الذي خزّنت فيه إيران الكثير من اليورانيوم القريب من درجة تصنيع الأسلحة. وتقول تقارير في وسائل الإعلام الإسرائيلية إن الهدف الحالي هو محاولة قطع الوصول إلى المنشأة. وعلى الرغم من أن إسرائيل لا تملك القنابل الخارقة للتحصينات، التي تحتاجها لتحطيم هذا الكم من الصخور؛ إلا أن سلاح الجو الأمريكي يمتلكها. وهي معروفة باسم موب MOP – القنبلة الضخمة الموجهة بدقة بوزن 30 ألف رطل. ومع ذلك، سيظل الأمر في حاجة إلى العديد من الضربات على مدار أيام طويلة لإحداث أضرار جسيمة. وقال ريتشارد نيفو، المسؤول الأمريكي السابق والخبير الإيراني في مركز كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية، لبرنامج "نيوز أور" في بي بي سي: "أعتقد أن السيناريو الأرجح هو أن يتصل نتنياهو بترامب ويقول: 'لقد قمت بكل هذا العمل، وتأكدت من عدم وجود تهديد للقاذفات B-2 وللقوات الأمريكية، لكنني لا أستطيع إنهاء برنامج الأسلحة النووية'". وقال مسؤول غربي لي: "ما زال من غير الواضح أي اتجاه سيختاره الرئيس ترامب". هل ما حدث يهدف إلى تعطيل محادثات السلام؟ يواصل ترامب التردد. ففي بداية الأسبوع الماضي، حث إسرائيل على التوقف عن تهديد إيران عسكرياً لأن الهجوم قد "يفسد الأمر" عندما يتعلق بالمفاوضات النووية مع إيران والتي قال دائماً إنه يفضلها. وبمجرد أن هاجمت إسرائيل، أشاد بالضربات ووصفها بأنها "ممتازة"، وحذر من أن "المزيد قادم"، لكنه تساءل أيضاً عما إذا كانت الضربات قد تساعد في دفع إيران نحو عقد صفقة. ثم قال في منشور يوم الأحد على منصته "تروث سوشيال": "سنشهد سلاماً قريباً بين إسرائيل وإيران! العديد من المكالمات والاجتماعات تجري الآن". ويساور المفاوضين الإيرانيين الشكُّ حالياً في أن المحادثات، التي كان من المقرر استئنافها في العاصمة العمانية مسقط يوم الأحد، كانت كلها خدعة لإقناع طهران بأن هجوماً إسرائيلياً لم يكن وشيكاً، على الرغم من تصاعد التوترات. وجاءت الضربات الإسرائيلية العنيفة صباح الجمعة بمثابة مفاجأة لها. ويرى آخرون أيضاً أن التوقيت مهم؛ حيث تقول إيلي جرانميه، نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "صُممت الضربات الإسرائيلية غير المسبوقة لقتل فرص الرئيس ترامب في إبرام اتفاق لاحتواء البرنامج النووي الإيراني". وأضافت: "بينما يجادل بعض المسؤولين الإسرائيليين بأن هذه الهجمات تهدف إلى تعزيز النفوذ الأمريكي في المسار الدبلوماسي، إلا أنه من الواضح أن توقيتها وطبيعتها واسعة النطاق يهدفان إلى تعطيل المحادثات تماماً". كان مسؤولون على علم بهذه المفاوضات قد أخبروني الأسبوع الماضي أن "الاتفاق كان قريب المنال". لكن كل ذلك كان يعتمد على ابتعاد الولايات المتحدة عن مطالبها القصوى بأن توقف إيران جميع عمليات التخصيب، حتى من النسب الصغيرة جداً المتماشية مع برنامج مدني. واعتبرت طهران ذلك "خطاً أحمر". وبعد أن انسحب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي التاريخي لعام 2015 في ولايته الأولى، جزئياً تحت إلحاح متكرر من نتنياهو، ابتعدت إيران عن التزامها بالحد من التخصيب عند 3.67 في المئة، وهي النسبة المستخدمة لإنتاج وقود لمحطات الطاقة النووية التجارية، وبدأت أيضاً في التخزين. في هذه المحاولة الثانية، أعطى الرئيس الأمريكي إيران "60 يوماً" لعقد صفقة - وهي نافذة زمنية رأى وسطاء ذوو خبرة ومعرفة في هذا المجال أنها صغيرة للغاية بالنسبة لقضية معقدة كهذه. وهاجمت إسرائيل في اليوم الـ61. تقول الدكتورة وكيل: "قناة عُمان أُغلِقت في الوقت الراهن، لكن الجهود الإقليمية جارية لتهدئة الأوضاع وإيجاد مخارج". مزاج نتنياهو "التشرشلي" من وجهة نظر طهران، هذا التصعيد لا يتعلق فقط بمستودعات الأسلحة وأجهزة الطرد المركزي والصواريخ فرط الصوتية. يقول فاليري نصر، أستاذ دراسات الشرق الأوسط والشؤون الدولية في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز ومؤلف كتاب "الاستراتيجية الكبرى لإيران" الصادر عام 2025: "إنهم يرون أن إسرائيل تريد، بشكل قاطع، تقليص قدرات إيران كدولة، ومؤسساتها العسكرية، وتغيير ميزان القوى بين إيران وإسرائيل بطريقة حاسمة، وربما الإطاحة بالجمهورية الإسلامية ككل، إن استطاعت". ومن غير الواضح كيف قد يتفاعل الشعب الإيراني مع هذا الأمر. لسنوات، عانت الدولة التي يقطنها تسعون مليون نسمة، من آثار عقوبات دولية قاسية بالإضافة إلى فساد منهجي. واشتعلت الاحتجاجات، عاماً بعد عام، بسبب قضايا مثل التضخم المرتفع إلى البطالة، ونقص المياه والكهرباء إلى حماسة شرطة الأخلاق في تقييد حياة النساء. وفي عام 2022، طالبت موجات احتجاج غير مسبوقة بمزيد من الحريات؛ وواجهتها حملة قمع شديدة. ويقيّم نصر المزاج العام حالياً قائلاً: "ربما في البداية، عندما قُتل أربعة أو خمسة قيادات عسكرية غير محبوبة، ربما شعروا بشيء من الارتياح، لكن الآن تُستهدف مبانيهم السكنية، ويُقتل مدنيون، وتتعرض البنية التحتية للطاقة والكهرباء في البلاد للهجوم". وأضاف: "لا أرى سيناريو يتجه فيه أغلبية الإيرانيين إلى الانحياز إلى معتدٍ ضد بلدهم بينما يقوم بقصفهم، وينظرون إلى ذلك بطريقة ما على أنه تحرير". لكن تصريحات نتنياهو تواصل التلميح إلى استهداف أوسع. يوم السبت، حذّر نتنياهو من أن بلاده ستضرب "كل موقع وكل هدف تابع لنظام المرشد". وفي يوم الأحد، عندما سُئل تحديداً على قناة فوكس نيوز حول إن كان تغيير النظام جزءاً من الجهود العسكرية الإسرائيلية، أجاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنه "يمكن أن يكون بالتأكيد نتيجة - لأن النظام الإيراني في غاية الضعف". ويقول أنشيل فايفر، مراسل الإيكونوميست في إسرائيل ومؤلف سيرة ذاتية عن نتنياهو: "إنهم يريدون استغلال مخاوف النظام من فقدان السيطرة كجزء من حربهم النفسية". وأضاف: "يُجمع أعضاء الاستخبارات الإسرائيلية على أن التنبؤ بسقوط النظام الإيراني أو التخطيط له أمرٌ لا طائل منه. قد يحدث ذلك قريباً، أو بعد عشرين عاماً". ومع ذلك، فإن فايفر يعتقد أن تفكير رئيس الوزراء قد يكون مختلفاً، قائلاً: "أعتقد أن هناك احتمالاً معقولاً بأن نتنياهو، على عكس رؤساء أجهزة الاستخبارات لديه، يؤمن بالفعل بالرسالة؛ فهو في مزاج 'تشرشلي'". بحلول مساء الأحد، بدأت التقارير تظهر في وسائل الإعلام الأمريكية، كل منها ينقل عن مصادره الخاصة، بأن الرئيس ترامب قد استخدم حق النقض "الفيتو" في الأيام الأخيرة ضد خطة إسرائيلية لاغتيال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي. وبدأ الحديث عندما نشرت رويترز القصة لأول مرة نقلاً عن مسؤولين أمريكيين مجهولين. وهناك شخصيات إسرائيلية وُجه إليها سؤال عن أهدافهم، من بينهم وزير الخارجية جدعون ساعر ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي. وقد أكد جميعهم أن تركيزهم لا ينصب على القيادة السياسية الإيرانية؛ لكن هنغبي استدرك بعبارة ختامية قائلاً "إن مفهوم 'الوقت الحالي' صالح لفترة محدودة". في النهاية، ستتشكل ملامح هذه النهاية من خلال مسار مواجهة خطيرة وغير متوقعة، ورئيس أمريكي غير متوقع. ويقول دانيال ليفي، رئيس مشروع الشرق الأوسط الأمريكي والمستشار السابق للحكومة الإسرائيلية: "يُعرّف النجاح أو الفشل إلى حد كبير بمدى إمكان جر الولايات المتحدة. فالولايات المتحدة وحدها القادرة على أن تضع حداً نهائياً لهذا في المستقبل القريب من خلال تحديد النتائج والنهايات". المصدر | موقع قناة الـ"بي بي سي" اسرائيل ايران الهجوم الاسرائيلي

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store