logo
الجامعة العربية التي نحلم بها!

الجامعة العربية التي نحلم بها!

الجزيرةمنذ 4 أيام
أما زال فينا من يحلم بجامعة عربية قوية، أم إن الجامعة، بما ترمز إليه من وحدة ومصير مشترك، أصبحت عنوانًا خافتًا في ذاكرة السياسة العربية؟
في زمن تتكالب فيه التحديات على الدول العربية من الداخل والخارج، يصبح الحلم بإحياء مؤسسة تمثل "البيت العربي" أشبه بمحاولة إحياء روح وسط ركام الانقسام.
بين الأصل والرسم: جامعة أضاعتها الحسابات
حين تأسست جامعة الدول العربية سنة 1945، كانت الفكرة الكبرى أن العرب قادرون على تأسيس منظومة إقليمية مستقلة، تمثلهم وتجمعهم وتدافع عن مصالحهم الجماعية.
لكن بمجرد أن دخلت في دوامة الحسابات القُطرية والنزاعات البينية، فقدت الجامعة جزءًا كبيرًا من زخمها، وتحولت إلى منبر للبيانات الباهتة، لا تؤثر ولا تُغير في مجرى الأحداث.
الجامعة التي نحلم بها ليست تلك التي تعقد قممًا شكلية تحت أضواء الكاميرات، بل تلك التي تتحول إلى مؤسسة إستراتيجية فاعلة، تطرح حلولًا عربية للمشكلات العربية، وتنتقل من الحياد السلبي إلى الفعل الواعي.
ما الذي ينقص الجامعة العربية؟
الجامعة لا تنقصها الأنظمة ولا المواثيق، لكن ينقصها التفعيل والإرادة! لا تنقصها التصريحات، ولكن ينقصها القرار المستقل الذي لا يُستنسخ من مواقف العواصم الكبرى.. ينقصها أن تكون لسانًا حقيقيًّا للمجتمعات العربية، لا مرآة تعكس فقط وجه الحكومات.
في كل أزمة، من فلسطين إلى سوريا، ومن السودان إلى ليبيا، لم تستطع الجامعة أن تتحرك كوسيط نزيه وقادر على الضغط والبناء في آنٍ واحد! أهو ضعف في الهيكلة، أم غياب في الرؤية، أم افتقار للخيال العربي الجامع؟!
لماذا لا تكون هناك "خطة عربية موحدة" للتنمية؟ لماذا لا تتبنى الجامعة مشاريع استثمارية كبرى عابرة للحدود؟ لماذا لا تُنشِئ هيئة دائمة للمصالحة الوطنية في الدول التي تمرّ بأزمات سياسية؟
الجامعة التي نحتاجها: مبادِرة لا بيروقراطية
إن الجامعة التي نحتاجها اليوم ليست مجرد أمانةٍ عامةٍ ومقرٍّ دائم؛ نحتاج إلى جامعة بمراكز تفكير، وفرق عمل ميدانية، وإدارات مختصة في التحليل والاستشراف وفضّ النزاعات.. نحتاجها جامعة للقرارات المشتركة لا للإجماع المعطِّل، وللتحرك الجماعي لا للمواقف الفردية المترددة.
إعلان
لماذا لا تكون هناك "خطة عربية موحدة" للتنمية؟ لماذا لا تتبنى الجامعة مشاريع استثمارية كبرى عابرة للحدود؟ لماذا لا تُنشئ هيئة دائمة للمصالحة الوطنية في الدول التي تمرّ بأزمات سياسية؟
فرص متاحة رغم هشاشة الواقع
صحيح أن العالم العربي يمرّ بمرحلة من التشرذم والشك المتبادل، لكن ذلك لا يمنع من بناء مساحات مشتركة. الأزمة ليست في تنوّع الأنظمة، بل في غياب آلية تجعل من هذا التنوع مصدرًا للثراء لا للانقسام.
هناك فرص حقيقية لتطوير الجامعة، بدءًا بإصلاح ميثاقها، ومرورًا بإعادة النظر في طريقة اتخاذ القرار، وصولًا إلى تمكين المجتمع المدني من لعب دور استشاري يساهم في تقريب الجامعة من نبض الشعوب.
لسنا بحاجة إلى إنشاء جامعة جديدة، بل إلى بعث الروح في القديمة.. إلى إعادة تشكيل إدارتها، وتطوير أدواتها، وتحرير قرارها من التبعية
هل الجامعة مشروع مستقبلي؟
نعم، إذا أعدنا النظر فيها بروح القرن الحادي والعشرين، يمكن أن تصبح الجامعة فضاء للحوار الحضاري، وجسرًا للتكامل الاقتصادي، وضامنًا للسلم الأهلي في المنطقة. ولا مانع من الاستفادة من تجارب ناجحة، كالاتحاد الأوروبي أو الـ"آسيان"، لا لاستنساخها، بل لبناء صيغة عربية نابعة من واقعنا وحاجاتنا.
لكن كل ذلك مشروط بوعي جديد: وعي بأنّ ما لا ينجَز جماعيًّا في العالم العربي، لن ينجَز أبدًا بشكل فردي، وأن المستقبل العربي سيكون إما مشتركًا، أو غير موجود أصلًا.
لا نريد جامعةَ خيالٍ بل واقعًا جديدًا
لسنا بحاجة إلى إنشاء جامعة جديدة، بل إلى بعث الروح في القديمة.. إلى إعادة تشكيل إدارتها، وتطوير أدواتها، وتحرير قرارها من التبعية. نريد جامعة تعبّر عنّا، تسبق الحدث بدل أن تتأخر عنه، تبني بدلًا من أن تراقب، وتُصغي للشعوب لا للحكومات فقط.
الجامعة التي نحلم بها ليست حلمًا رومانسيًا، بل حاجة إستراتيجية في عصر لا يرحم الضعفاء، ولا ينتظر المترددين. فهل نمتلك الجرأة كي نحلم بها، ونعمل على جعلها حقيقة؟
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

هآرتس: نتنياهو يقر بفشل الحصار ويبدأ بتسهيلات محدودة
هآرتس: نتنياهو يقر بفشل الحصار ويبدأ بتسهيلات محدودة

الجزيرة

timeمنذ 13 دقائق

  • الجزيرة

هآرتس: نتنياهو يقر بفشل الحصار ويبدأ بتسهيلات محدودة

قالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إن حكومة بنيامين نتنياهو ، المطلوب للعدالة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وجدت نفسها مضطرة للمرة الأولى بإسقاط مساعدات إنسانية من الجو فوق غزة وفتح ممرات جديدة لقوافل المساعدات الإنسانية للأمم المتحدة. واعتبر المحلل العسكري للصحيفة عاموس هرئيل، أن هذه التحركات "جاءت بصورة مفاجئة وفي يوم واحد، وسط حالة من الإرباك والتسرّع داخل قيادة الحكومة، التي تواجه انتقادات غير مسبوقة من داخل إسرائيل وخارجها". وفي مقال له اليوم قال هرئيل "إن فشل هذه الحكومة ليس فقط فيما يتعلق بإعادة الرهائن، بل أيضًا في احتواء تداعيات الكارثة الإنسانية المتفاقمة، التي باتت تهدد بتفجير الموقف على المستوى الدولي، وذلك بعد أكثر من 4 أشهر على استئناف القتال في قطاع غزة". ويرى هرئيل أن "هذه الخطوات لم تكن نتيجة مراجعة إستراتيجية مدروسة، بل جاءت بسبب حالة من الذعر والتخبط داخل الحكومة التي فقدت السيطرة على مسار الحرب وتداعياتها". وقال إن الوضع الإنساني في القطاع "تدهور إلى حد لا يمكن إنكاره، ورغم مساعي المتحدثين العسكريين لتكذيب تقارير المجاعة ، فإن الصور والتقارير الميدانية، فضلا عن تحذيرات المنظمات الأممية، دفعت نتنياهو إلى اتخاذ قرار بخرق سياسته السابقة القائمة على تضييق الخناق الإنساني لتحقيق أهداف سياسية". ويشير المحلل العسكري إلى أن عودة إسرائيل إلى الحرب مطلع هذا العام "لم تكن مدفوعة بأهداف عسكرية واضحة، بل نتجت أساسًا عن ضغوط سياسية داخلية". وبحسب هرئيل، فإن استئناف العمليات جاء لإرضاء تحالف "عوتسما يهوديت" المتطرف بقيادة إيتمار بن غفير. ويضيف "اليوم، يتضح أكثر أن هذه العودة كانت "محفوفة بالوهم وسوء التقدير، إذ لم تسفر العمليات العسكرية عن أي تقدم في ملف الرهائن، بل على العكس، ربما يكون وضع حركة حماس قد تحسن سياسيا، في ظل الدعم الشعبي والدولي المتزايد للفلسطينيين". كما يرى هرئيل، أن حكومة نتنياهو "أغمضت عينيها عن الواقع وأغلقت أذنيها عن التحذيرات"، مشيرًا إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية والمحللين الأمنيين حذروا مرارًا من أن استمرار النهج الحالي سيقود إلى مأزق سياسي وإنساني وعسكري. كما يعتبر أن الرهان على إخضاع حماس من خلال الضغط الإنساني والعسكري "لم ينجح، فضلا عن أن مشروع صندوق المساعدات الأميركي الذي كانت تراهن عليه واشنطن وتل أبيب لم يحقق أي نتائج تُذكر". ويفنّد المحلل العسكري مراهنة الحكومة على تحقيق مكاسب إستراتيجية من خلال السيطرة على دخول المساعدات بشكل مباشر، وربما الدفع نحو ما تصفه بعض الجهات الإسرائيلية بـ"الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من غزة. وقال إن كل هذه التصورات تحطمت على صخرة الواقع القاسي، والمقاومة المجتمعية والسياسية الدولية الواسعة. ويرى أنه "سنحت لإسرائيل خلال الأشهر الماضية فرص لوقف القتال والدخول في ترتيبات لإعادة الإعمار والتهدئة، لكن نتنياهو تجاهلها، ولكنه بات اليوم مضطرًا لاتخاذ خطوات غير شعبية". كما يسلط هرئيل الضوء على "التراجع السياسي لحكومة نتنياهو" قائلا إنه "ترافق مع استمرار سقوط القتلى من الجنود الإسرائيليين في غزة"، معددا الحالات التي سقط فيها الجنود الإسرائيليون. وقال "إن الجيش الإسرائيلي لم تكن له أهداف واضحة في عملياته داخل غزة، فضلا عن التحديات الأمنية الميدانية التي لم تُحسم منذ بدء المعركة في أكتوبر/تشرين الأول الماضي". كما اعتبر أن "استمرار التدهور في غزة يدفع المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات فعلية للضغط على إسرائيل، وهو ما قد يُجبر حكومة نتنياهو، عاجلا أو آجلا، على القبول بشروط وقف إطلاق نار تُعتبر قسرية، دون أن تحقق هدفها المعلن بإعادة الرهائن، أو كسر حركة حماس". ويخلص إلى أن إسرائيل "تعاني من أزمة قيادة عميقة، حيث لا يبدو نتنياهو مستعدًا لتقديم تنازلات إستراتيجية، ولا قادرًا على كبح جماح وزرائه المتطرفين. وفي هذه الأثناء، تتعزز مواقع حماس على الأرض وفي المفاوضات، بينما تدفع إسرائيل ثمن الجمود السياسي، والتخبط التكتيكي، والتجاهل الطويل للأزمة الإنسانية في غزة".

الأسبوع في صور
الأسبوع في صور

الجزيرة

timeمنذ 3 ساعات

  • الجزيرة

الأسبوع في صور

شهد الأسبوع الأخير تصاعدا دراماتيكيا في المشهدين الإقليمي والدولي، مع استمرار المجاعة في غزة وتضاؤل فرص التوصل إلى تهدئة، بينما تحركت العواصم الكبرى في اتجاهات متباينة حيال الأزمة. حرب التجويع في غزة بالتوازي، برزت تحركات دبلوماسية واستثمارية لافتة في الشرق الأوسط، وظهرت مواقف أوروبية جديدة من القضية الفلسطينية، وسط تطورات أمنية خطيرة على حدود آسيا الجنوبية. وفي غزة تصاعدت الأزمة الإنسانية مع تفاقم الجوع وانقطاع المساعدات، في ظل اشتداد العدوان الإسرائيلي وتراجع الجهود الرامية إلى وقف إطلاق النار. وفرضت الأزمة معادلة جديدة من الانهيار الشامل، بعد أن بات الوصول إلى الغذاء والدواء أمرا بالغ الصعوبة، في حين حذّرت منظمات دولية من مجاعة جماعية تهدد ملايين المدنيين. ضغوط أوروبية على إسرائيل وتزامن ذلك مع ضغوط أوروبية متزايدة، إذ طالبت كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بإنهاء القيود المفروضة على المساعدات وتوفير ممرات إنسانية عاجلة. انفتاح اقتصادي في سوريا وحرّكت السعودية مسار الانفتاح الاقتصادي على سوريا عبر إرسال وفد رفيع المستوى إلى دمشق، أبرم مجموعة من الصفقات الاستثمارية بقيمة مليارات الدولارات في قطاعات حيوية. جاءت الخطوة امتدادا لجهود التقارب العربي مع الحكومة السورية، وسط تحولات متسارعة في خارطة العلاقات الإقليمية. الاعتراف بفلسطين وأثار إعلان الرئيس الفرنسي نية بلاده الاعتراف بالدولة الفلسطينية رسميا موجة من التوترات الدبلوماسية مع إسرائيل والولايات المتحدة. شكّل الموقف الفرنسي منعطفا في الموقف الأوروبي، خاصة في ظل الضغوط الداخلية المتصاعدة لمساءلة الحكومات عن مواقفها من الحرب على غزة، وتزايد الدعوات للاعتراف الفوري بفلسطين كدولة ذات سيادة. تحرك رياضي قطري وأطلقت قطر تحركا جديدا على المستوى الرياضي، عبر بدء مشاورات رسمية مع اللجنة الأولمبية الدولية للترشح لاستضافة أول دورة أولمبية في الشرق الأوسط عام 2036. وتواصل الدولة الخليجية تعزيز موقعها كقوة رياضية دولية، في سياق طموحاتها الممتدة بعد تنظيمها الناجح لكأس العالم. حرب بين تايلند وكمبوديا واندلعت مواجهات مسلحة بين القوات الكمبودية والتايلندية على الحدود المشتركة، في تصعيد هو الأشد منذ أكثر من عقد. وأعادت الاشتباكات إلى الواجهة المخاوف من تفجر نزاعات كامنة في جنوب شرق آسيا، في وقت تشهد فيه المنطقة توازنات حساسة وخلافات حدودية قديمة. هكذا تتقاطع المآسي الإنسانية في غزة مع التحولات السياسية والاستثمارية في الشرق الأوسط، وتتشكل ملامح مشهد عالمي مضطرب، تحكمه تحالفات متبدّلة، وقرارات كبرى تعيد رسم خطوط النزاع والتأثير.

هذا ما تخفيه إسرائيل خلف السماح بدخول المساعدات
هذا ما تخفيه إسرائيل خلف السماح بدخول المساعدات

الجزيرة

timeمنذ 4 ساعات

  • الجزيرة

هذا ما تخفيه إسرائيل خلف السماح بدخول المساعدات

أعلنت السلطات الإسرائیلیة -صباح اليوم الأحد- السماح بدخول مساعدات إنسانیة إلى قطاع غزة عبر عملیات إسقاط جوي وممرات إنسانیة مؤقتة، بعد شھور من الحصار العسكري الكامل وتوقف شبه تام لدخول الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع الفلسطيني المنكوب. ویأتي ھذا التطور في ظل تدھور غیر مسبوق للأوضاع المعیشیة بالقطاع، وتصاعد غیر مسبوق للضغوط الدولیة، وتحذیرات منظمات الإغاثة من خطر حدوث مجاعة جماعیة وشیكة. وإن بدا ھذا القرار إنسانیا من حیث الشكل، إلا أنه یحمل في طیاته أبعادا سیاسیة وإستراتیجیة تتعلق بالموقف الإسرائیلي الإقلیمي والدولي، وتوازنات الحرب التي تخوضھا حكومة بنيامين نتنياهو على جبھات متعددة. الضغوط الدولیة شكلت التحذیرات الدولیة المتكررة، من تفشي المجاعة بقطاع غزة، العامل الأبرز في الضغط على الحكومة الإسرائیلیة لاتخاذ خطوة تكتیكیة تتیح تدفقا جزئیا ومؤقتا للمساعدات. فقد أطلقت الأمم المتحدة واللجنة الدولیة للصلیب الأحمر ومنظمة الصحة العالمیة، بالإضافة إلى أكثر من 200 منظمة دولیة ومحلیة، سلسلة من التقاریر والتحذیرات خلال الأسبوعین الماضیین، تشیر إلى انھیار تام في القدرة على توفیر الغذاء والمیاه في مناطق واسعة من القطاع، لا سیما في دیر البلح وخان یونس وجنوب مدینة غزة. وفي تقریر نشرته شبكة "دویتشه فیله" الألمانیة نقل عن مسؤول في برنامج الغذاء العالمي قوله إن غزة تواجه كارثة إنسانیة مركبة، ومعدلات سوء التغذیة لدى الأطفال ارتفعت بنسبة 300% منذ یونیو/حزيران، وھناك مناطق لم تصلھا أي إمدادات منذ أسابیع. وقد طالبت 25 دولة إسرائيل بالرفع الفوري للقيود التي تفرضها على تدفق المساعدات إلى قطاع غزة، وشددت في الوقت ذاته على رفض أي إجراء لإحداث تغيير ديموغرافي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. واستنكرت هذه الدول التوزيع البطيء للمساعدات وقتل المدنيين بمن فيهم الأطفال، وطالبت إسرائيل برفع القيود عن تدفق المساعدات فورا. وفي السیاق نفسه، دعت منظمة أوكسفام الحكومة الإسرائیلیة إلى "الوقف الفوري لاستخدام الغذاء كسلاح في الحرب" معتبرة أن استمرار الحصار الشامل یرقى إلى "جریمة ضد الإنسانیة". وقد دفعت ھذه التصریحات -التي حظیت بتغطیة واسعة- بعدة أطراف أوروبیة، أبرزھا فرنسا وألمانیا، إلى ممارسة ضغوط دبلوماسیة مباشرة على إسرائیل، ملوحة بإعادة النظر في الاتفاقات التجاریة والعسكریة المشتركة ما لم تتخذ إجراءات عاجلة لمنع انھیار القطاع صحیاً وغذائیا. ووفق صحیفة فایننشال تایمز البریطانیة، فإن مسؤولین أوروبیین حذروا إسرائيل من أن "أزمة إنسانیة بھذا الحجم ستقوّض شرعیة أي دعم عسكري أو سیاسي غربي". الانكشاف الأخلاقي وتبييض صورة إسرائيل أثار التدھور الإنساني المتسارع في قطاع غزة ردود فعل غاضبة على المستوى الدولي، وأعاد فتح ملف "المسؤولیة القانونیة" لإسرائیل كقوة محتلة وفق القانون الدولي. ومع تصاعد التغطیة الإعلامیة الدولیة التي أظھرت مشاھد الجوع والدمار، برزت خشیة إسرائیل من تعمیق عزلتھا السیاسیة في المحافل الدولیة، وخاصة مع اقتراب انعقاد الدورة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان في جنیف، والتي ستناقش حصار غزة كجریمة محتملة ضد المدنیین. وفي ھذا السیاق، ذكر موقع أكسيوس الأميركي أن مسؤولي مجلس الأمن القومي نصحوا إسرائيل بـ"خطوات فوریة لإظھار الاستجابة الإنسانیة" مؤكدین أن استمرار الحصار الكامل "یعقد الدعم الغربي ویعزز خطاب المعسكر المعارض لإسرائیل داخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي". ویقرأ قرار فتح الممرات الیوم على أنه محاولة لتخفیف ھذا الانكشاف الأخلاقي، عبر إظھار أن إسرائیل تسمح بدخول المساعدات "عندما تكون ھناك حاجة ملحة" في وقت تؤكد فیه قیادة الجیش أنھا لا تتخلى فیه عن أولویاتھا العسكریة. وفي بيان لها اليوم الأحد، اتهمت حركة حماس إسرائيل بمحاولة تبييض صورتها والتهرب من وقف سياسة التجويع ، مؤكدة أن الإجراءات الأخيرة لجيش الاحتلال ما هي إلا استمرار "لإدارة التجويع" ولن تنهي أزمة المجاعة التي أودت بحياة المئات بغزة. وأوضحت حماس أن إدخال الغذاء والدواء لغزة "حق طبيعي وضرورة إنسانية لوقف الكارثة التي فرضها الاحتلال النازي" ووصفت إسقاط المساعدات جواً بأنه إجراء "خادع" يستهدف تجاوز مطلب إنهاء الحصار ووقف التجويع الذي أدّى لاستشهاد مقتل أكثر من 1000 فلسطيني. وأضافت أن التحكم الإسرائيلي في المساعدات وتقييدها عبر الممرات أو الإنزال الجوي يعرض حياة المدنيين للخطر، وجددت التأكيد أن إنهاء المجاعة يقتضي وقف العدوان وفتح المعابر البرية تحت إشراف أممي، مع مواصلة الضغوط الدولية لكسر الحصار ووقف الإبادة، محذّرة من الانجرار وراء دعاية الاحتلال. ومن جهته، شدد مكتب الإعلام الحكومي بغزة على أن القطاع يحتاج إلى 600 شاحنة إغاثية يوميا، وأن الحل الجذري يكمن في فتح المعابر فورا وكسر الحصار. صورة الجیش الإسرائيلي في الداخل الإسرائیلي، شھدت الأسابیع الأخیرة انتقادات حادة للجیش والحكومة على خلفیة تأخر الحسم العسكري في غزة، وفشل الجھود لإعادة الأسرى المحتجزین لدى حماس. إعلان وفي محاولة لإعادة رسم صورة "جیش أخلاقي" في الوعي الدولي، جاء القرار بالإفراج عن قوافل المساعدات وتسھیل عملیات إسقاط جوي، وفتح ممرات بریة منسقة مع منظمات دولیة، مثل وكالة الأونروا وبرنامج الغذاء العالمي. ووفق تقریر نشرته صحیفة "یدیعوت أحرونوت" فإن القرار جرى اتخاذه في اجتماع أمني مصغر ترأسه نتنیاھو، وضم وزیر الأمن یسرائیل كاتس ورئیس الأركان إیال زامیر، حیث اتفُق على أن "السماح المحدود بالمساعدات لن یضر بالمجھود العسكري، بل قد یحُسّن صورة إسرائیل عالمیاً". وأشار مصدر عسكري لصحیفة یدیعوت أحرونوت الإسرائيلية إلى أن "مناطق الإسقاط اختیرت بعنایة، بعیدة عن مواقع الاشتباك، ولن تكون غطاء لأي تفاھم سیاسي مع حماس". مناورة لتقویض دور الوسطاء من بین الأھداف، غیر المعلنة لھذا القرار أیضا، تقویض انفراد مصر وقطر بالدور التفاوضي الإنساني مع غزة، إذ سمحت إسرائیل بالمساعدات ھذه المرة خارج سیاق التفاھمات الثلاثیة التقلیدیة، وبشروط تحددھا ھي دون الرجوع إلى الوسطاء. ويمثل ذلك رسالة مزدوجة: فمن جهة، تسعى إسرائيل إلى إظهار استقلالية قرارها، ومن جهة أخرى، تهدف إلى إعادة تعريف دور الوكالات الدولية كأطراف محايدة في عمليات الإغاثة، بدلا من الاعتماد الحصري على ضغوط الوسطاء العرب. وفي تصریح نقلته صحیفة "تایمز أوف إسرائیل" قال مسؤول في ھیئة "كوغات" العسكریة الإسرائیلیة إن إسرائیل لم تمنع أي شاحنة مساعدات من الدخول، لكن الأمم المتحدة فشلت في التوزیع داخل القطاع "ونحن الآن نعید تعریف من ھو الشریك المسؤول في عملیات الإغاثة". سلاح التجويع رغم فتح ممرات إنسانیة، لم تعلن إسرائیل عن وقف دائم لإطلاق النار أو تعلیق للعملیات العسكریة. بل على العكس، أكدت القیادة العسكریة في بیان رسمي أن "الجیش سیواصل عملیاته ضد البنى التحتیة للإرھاب" وأن "الاستجابة الإنسانیة لا تعني تغییرا في قواعد الاشتباك". ویشیر هذا إلى أن قرار الیوم لا یفُھم باعتباره تحولا إستراتیجيا في إدارة الحرب، بل كمناورة تكتیكیة تستھدف إدارة الضغوط بأقل كلفة سیاسیة، مع الحفاظ على السیطرة المیدانیة والسیاسیة الكاملة. وبھذا المعنى، فإن إسرائیل تحاول الجمع بین الضغط العسكري المستمر والتخفیف الإنساني المحدود، في محاولة لتأجیل الانفجار الدولي، دون تقدیم تنازلات حقیقیة على مستوى الحلول السیاسیة أو المفاوضات غیر المباشرة. ويمكن تفسير سماح إسرائيل بإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة باعتباره خطوة اضطرارية فرضتها مجموعة من الضغوط والاعتبارات الإستراتيجية، وليس تحوّلا جوهريا في سياساتها القائمة، إذ يبقى التجويع سلاحا إستراتيجيا لا يمكن لجيش الاحتلال التنازل عنه. وعليه، من غير المتوقع أن تكون هذه المساعدات منظمة، بل من المرجح أن يحولها جيش الاحتلال إلى وسيلة لإحداث مزيد من الفوضى، الأمر الذي سيحول دون وصولها لمستحقيها الفعليين. وكان المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليبي لازاريني أكد أن إسقاط المساعدات على غزة عبر الجو مجرد تشتيت للانتباه ودخان للتغطية على حقيقة الكارثة الإنسانية، ولن يؤدي إلى وقف المجاعة، محذرا من أنه قد يودي بحياة المدنيين الجائعين. ولذا، ورغم أھمیة ھذه الخطوة في منع الانھیار الإنساني الكامل بالقطاع، فإنھا تظل محدودة وھشة، ویمكن التراجع عنھا في أي لحظة، ما لم تتوفر إرادة سیاسیة حقیقیة لتغییر قواعد اللعبة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store