logo
لابوبو... أيقونة الفراغ الساحر

لابوبو... أيقونة الفراغ الساحر

العربي الجديدمنذ يوم واحد

أذنان طويلتان، وعينان دائريتان، وتكشيرة مفترسة... نقدّم إليكم لابوبو (LABUBU)، دمية الوحش الصغير، التي ابتكرها الفنان كاسينغ لونغ (من هونغ كونغ)، وقد اجتاحت حرفياً عالم البالغين فتجاوز بيع بعضها 50 ألف نسخة خلال أسابيع قليلة، فيما بيعت النسخ النادرة منها بأكثر من ألف يورو، وبلغت قيمتها 150 ألف دولار في أحد المزادات العلنية. توزّع الدمية شركة "بوب مارت" الصينية العملاقة، المتخصّصة في ما تُعرف بـ"ألعاب المصمّمين"، ضمن سلسلة رسوم مصوّرة بعنوان "الوحوش"، مستوحاة من الأساطير الاسكندنافية، لكن لابوبو ليست لعبةً للأطفال، بل أثر فيتشي للكبار، وهنا المفارقة، فخلف ابتسامتها المائلة ومظهرها البريء دميةٌ قطنيةٌ، تجسّد لابوبو زمناً متخماً فائضاً بالأشياء، جائعاً إلى المعنى، لذا ترى أنّ هذه اللعبة المخصّصة للكبار، التي تُجمَع بهوسٍ حقيقي، تقول كثيراً عن عصرنا الحالي.
والحال أن ألعاب الكبار ليست ظاهرةً جديدةً، لكنّها تجسّد انقلاباً في الدلالة، إذ لا ترمز لابوبو إلى الحنين إلى الطفولة، بقدر ما تمثّل جمالية الالتباس: كائن ليس جميلاً ولا قبيحاً، لا هو إنسان ولا حيوان، رقيق إنما مُقلق، يُلبسه خيالُنا رغباتٍ مبهمة. تُطمئن لابوبو بألوانها وأشكالها المستديرة، لكنّها تحمل، في الوقت نفسه، سخريةً خفيّةً في نظرتها. وحشٌ مصغّر تحوّل أيقونةَ زينةٍ، وهذا هو ربّما ما يخطف عقول محبّيها وقلوبهم.
أتأمّل شكل هذا المخلوق الدمية، وأتساءل عن الذي يعنيه، وعن أيّ شيء تمكّن من إرضائه أو ملئه في النفوس؟ لماذا يرغب فيه الإنسان المعاصر إلى هذا الحدّ، ولماذا يمارس عليه هذا الشكلُ المتأرجح بين الجمال والبشاعة، هذا السحر كلّه؟... دمية لابوبو لا تؤدّي وظيفةً بعينها، هي لا تسلّي، ولا تفيد، ولا تروي حكاية. إنها موجودةٌ فحسب، وتُصوَّر برغم ذلك كما لو أنها نجمة صامتة. وبسبب ما تثيره من ضجّةٍ واهتمام، قد ننزع إلى القول إنّ الفراغ الذي يخترقنا اليوم ليس غياباً، بل هو فيضان الفائض: في الرسائل، وفي الأغراض، وفي الشاشات، وفي المحفّزات. ومع هذا، ففي الداخل خواء. غياب للمعنى، وللوجهة، وللعمق، فتظهر لابوبو أشبه بضمادة لا نعرف ما غرضها، لكنّها تلهي، وتشغل الحواس، وتصرف الانتباه عن خواء هائل، هي لا تملأه، بل تؤكّده، لأن ما يملأ الفراغ، إنما يزيده اتساعاً.
لهذا الفراغ أصل، جذوره تمتدّ إلى ما سمّاه ماكس فيبر "نزع السحر عن العالم"، أي اختفاء المقدّس، والغامض، والماورائي، لصالح عقلنة شاملة. الفيلسوف داريوس شايغان، من جانبه أشار إلى ذلك أيضاً من خلال وصف عالم مُسطّح، وظيفيّ منزوع الرمزية. لقد اختفى السحر (!) ومعه تبخّرت المعاني والتأويلات والتخيّلات، وبقي النافع، القابل للبيع، الأملس ولطيف المظهر. في مواجهة هذا العالم المسطّح، من دون خفايا وثنايا، نشأت الحاجة إلى بدائل، وقد تكون دمية لابوبو واحدةً منها: طوطم صغير، خوف مروّض، أسطورة مصبوبة في بلاستيك ملوّن. نظرتها رقيقة، وأنيابها مستعدّة للعضّ، وحش آمن، رُعب منزلي، رمز قلق مغلّف باللطافة، وقد يكون هذا الالتباس بالتحديد هو سرّ الجاذبية. ما لا يُحتمل اليوم ليس الملل، بل الصمت، واللحظة التي لا تُشغل فيها الحواس. لابوبو تخنق هذا الصمت وتمنع الفراغ من أن يُقال، لكن خلف هذا الحضور الناعم، هذه الابتسامة المعلّقة: لا شيء. الفراغ من جديد، مُزيَّن، مُلوَّن، قابل للتداول التجاري.
وقد تُجسّد لابوبو أيضاً حساسيةً جديدةُ: حزناً مُزركشاً، كآبةً لطيفةً، أحلاماً مُصنّعةً، وبهذا هي تكشف بوصفها ظاهرةً عن توتّر عميق: الحاجة إلى السحر والرغبة في الغموض وسط زمن الشفافية في أسوأ معانيها. إنها "الشيء الانتقالي" لعصر ينتقل من نقص إلى آخر، مُخفياً الفقدَ بأشكال جذّابة، رمزٌ لفراغ لم يعُد يُقال، بل يُباع، وهذا الفراغ نريده مطمئناً، مرغوباً، شبه ساحر.
هكذا، ينتهي هذا الوحش الصغير المعاصر إلى تجسيد الرعب الأعمق فينا: عالم مسطّح يفتقد إلى سحر المعنى، إذ الفراغ يستدعي مزيداً من الفراغ.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ديوكوفيتش يفتح ملفات ماضيه: من أسرار والده إلى عالم التنس
ديوكوفيتش يفتح ملفات ماضيه: من أسرار والده إلى عالم التنس

العربي الجديد

timeمنذ 4 ساعات

  • العربي الجديد

ديوكوفيتش يفتح ملفات ماضيه: من أسرار والده إلى عالم التنس

لم تكن رحلة الصربي نوفاك ديوكوفيتش (38 عاماً)، في عالم كرة المضرب مفروشة بالورود، بعدما شق طريقه وسط صعوبات كبيرة واجهها مع عائلته، التي اتخذت قرارات قاسية وصلت إلى حد التعامل مع مجرمين ومطاردات في الشوارع من أجل تقديم المساعدة للطفل الصغير حينها، حتى استطاع أن يصبح خلال السنوات الماضية أحد أفضل نجوم التنس عبر التاريخ. وأكد نوفاك ديوكوفيتش، في حديثه الذي نقلته صحيفة ذا صن البريطانية أمس الثلاثاء، أن والده سردجان ديوكوفيتش كان مضطراً لأن يكون صديقاً لبعض من أسوأ الناس في صربيا، لأنه لم يكن يمتلك خيارات كثيرة ليتمكن من صناعة أحلام طفله الصغير، الذي أراد الدخول إلى عالم التنس، في تسعينيات القرن الماضي، وبخاصة أن وطنه خضع في تلك الفترة لعقوبات دولية. وقال نوفاك ديوكوفيتش: "لقد شاهدت والدي وهو يهرب في سيارته من مجموعات إجرامية معروفة في صربيا، لأنه أراد التضحية من أجلي، حتى أنه اقترض أموالاً وبفوائد خيالية وصلت أحياناً إلى ثلاثين بالمائة كي يُعطيني ثمن التذكرة التي حجزتها للسفر إلى الولايات المتحدة الأميركية للمشاركة في بطولة تنس للناشئين، وكل ذلك جاء بعد خسارته مطعم البيتزا ومنتجع التزلج بسبب التضخم وانهيار العملة". رياضات أخرى التحديثات الحية الأسطورة يعترف بخليفته.. نادال مندهش من ألكاراز بعد نهائي باريس واعترف ديوكوفيتش بأن والده لاحظ موهبته في التنس عندما بلغ سن العاشرة، لكن هذه الرياضة لم تكن لديها فرصة النجاح في صربيا حينها، نتيجة عدم امتلاك بنية تحتية خاصة بها، بالإضافة إلى المعاناة المالية الكبيرة، الأمر الذي دفع أباه إلى اتخاذ قرارات مؤلمة، ولا يزال يتذكرها، مثل اقتراض خمسة آلاف دولار من أحد الأشخاص الذين يطلق عليهم "سماسرة قروض" يعملون خارج إطار القانون، وكان عليه دفع 1500 دولار كل شهر فائدة، ودائماً ما كانوا يعملون على إرهابه وتهديده في حال تأخر عن الدفع. وختم ديوكوفيتش حديثه قائلاً "والدي سبب بروز اسمي في عالم التنس والحال الذي وصلت إليه الآن من شهرة بين الجماهير الرياضية، لأنه شخص لا يقهر من وجهة نظري، وفعل أشياء خارقة لأجلي، لأنه باختصار آمن بي وبموهبتي وشجعني على الدخول إلى عالم كرة المضرب، رغم الألم الكبير الذي كان يشعر به، والديون التي تراكمت عليه، لكنني في النهاية حققت حُلمه ولم أقصر معه نهائياً، لأنه الرجل الذي وقف معي وحارب كثيراً لأجلي".

لابوبو... أيقونة الفراغ الساحر
لابوبو... أيقونة الفراغ الساحر

العربي الجديد

timeمنذ يوم واحد

  • العربي الجديد

لابوبو... أيقونة الفراغ الساحر

أذنان طويلتان، وعينان دائريتان، وتكشيرة مفترسة... نقدّم إليكم لابوبو (LABUBU)، دمية الوحش الصغير، التي ابتكرها الفنان كاسينغ لونغ (من هونغ كونغ)، وقد اجتاحت حرفياً عالم البالغين فتجاوز بيع بعضها 50 ألف نسخة خلال أسابيع قليلة، فيما بيعت النسخ النادرة منها بأكثر من ألف يورو، وبلغت قيمتها 150 ألف دولار في أحد المزادات العلنية. توزّع الدمية شركة "بوب مارت" الصينية العملاقة، المتخصّصة في ما تُعرف بـ"ألعاب المصمّمين"، ضمن سلسلة رسوم مصوّرة بعنوان "الوحوش"، مستوحاة من الأساطير الاسكندنافية، لكن لابوبو ليست لعبةً للأطفال، بل أثر فيتشي للكبار، وهنا المفارقة، فخلف ابتسامتها المائلة ومظهرها البريء دميةٌ قطنيةٌ، تجسّد لابوبو زمناً متخماً فائضاً بالأشياء، جائعاً إلى المعنى، لذا ترى أنّ هذه اللعبة المخصّصة للكبار، التي تُجمَع بهوسٍ حقيقي، تقول كثيراً عن عصرنا الحالي. والحال أن ألعاب الكبار ليست ظاهرةً جديدةً، لكنّها تجسّد انقلاباً في الدلالة، إذ لا ترمز لابوبو إلى الحنين إلى الطفولة، بقدر ما تمثّل جمالية الالتباس: كائن ليس جميلاً ولا قبيحاً، لا هو إنسان ولا حيوان، رقيق إنما مُقلق، يُلبسه خيالُنا رغباتٍ مبهمة. تُطمئن لابوبو بألوانها وأشكالها المستديرة، لكنّها تحمل، في الوقت نفسه، سخريةً خفيّةً في نظرتها. وحشٌ مصغّر تحوّل أيقونةَ زينةٍ، وهذا هو ربّما ما يخطف عقول محبّيها وقلوبهم. أتأمّل شكل هذا المخلوق الدمية، وأتساءل عن الذي يعنيه، وعن أيّ شيء تمكّن من إرضائه أو ملئه في النفوس؟ لماذا يرغب فيه الإنسان المعاصر إلى هذا الحدّ، ولماذا يمارس عليه هذا الشكلُ المتأرجح بين الجمال والبشاعة، هذا السحر كلّه؟... دمية لابوبو لا تؤدّي وظيفةً بعينها، هي لا تسلّي، ولا تفيد، ولا تروي حكاية. إنها موجودةٌ فحسب، وتُصوَّر برغم ذلك كما لو أنها نجمة صامتة. وبسبب ما تثيره من ضجّةٍ واهتمام، قد ننزع إلى القول إنّ الفراغ الذي يخترقنا اليوم ليس غياباً، بل هو فيضان الفائض: في الرسائل، وفي الأغراض، وفي الشاشات، وفي المحفّزات. ومع هذا، ففي الداخل خواء. غياب للمعنى، وللوجهة، وللعمق، فتظهر لابوبو أشبه بضمادة لا نعرف ما غرضها، لكنّها تلهي، وتشغل الحواس، وتصرف الانتباه عن خواء هائل، هي لا تملأه، بل تؤكّده، لأن ما يملأ الفراغ، إنما يزيده اتساعاً. لهذا الفراغ أصل، جذوره تمتدّ إلى ما سمّاه ماكس فيبر "نزع السحر عن العالم"، أي اختفاء المقدّس، والغامض، والماورائي، لصالح عقلنة شاملة. الفيلسوف داريوس شايغان، من جانبه أشار إلى ذلك أيضاً من خلال وصف عالم مُسطّح، وظيفيّ منزوع الرمزية. لقد اختفى السحر (!) ومعه تبخّرت المعاني والتأويلات والتخيّلات، وبقي النافع، القابل للبيع، الأملس ولطيف المظهر. في مواجهة هذا العالم المسطّح، من دون خفايا وثنايا، نشأت الحاجة إلى بدائل، وقد تكون دمية لابوبو واحدةً منها: طوطم صغير، خوف مروّض، أسطورة مصبوبة في بلاستيك ملوّن. نظرتها رقيقة، وأنيابها مستعدّة للعضّ، وحش آمن، رُعب منزلي، رمز قلق مغلّف باللطافة، وقد يكون هذا الالتباس بالتحديد هو سرّ الجاذبية. ما لا يُحتمل اليوم ليس الملل، بل الصمت، واللحظة التي لا تُشغل فيها الحواس. لابوبو تخنق هذا الصمت وتمنع الفراغ من أن يُقال، لكن خلف هذا الحضور الناعم، هذه الابتسامة المعلّقة: لا شيء. الفراغ من جديد، مُزيَّن، مُلوَّن، قابل للتداول التجاري. وقد تُجسّد لابوبو أيضاً حساسيةً جديدةُ: حزناً مُزركشاً، كآبةً لطيفةً، أحلاماً مُصنّعةً، وبهذا هي تكشف بوصفها ظاهرةً عن توتّر عميق: الحاجة إلى السحر والرغبة في الغموض وسط زمن الشفافية في أسوأ معانيها. إنها "الشيء الانتقالي" لعصر ينتقل من نقص إلى آخر، مُخفياً الفقدَ بأشكال جذّابة، رمزٌ لفراغ لم يعُد يُقال، بل يُباع، وهذا الفراغ نريده مطمئناً، مرغوباً، شبه ساحر. هكذا، ينتهي هذا الوحش الصغير المعاصر إلى تجسيد الرعب الأعمق فينا: عالم مسطّح يفتقد إلى سحر المعنى، إذ الفراغ يستدعي مزيداً من الفراغ.

توم كروز بعد الستين
توم كروز بعد الستين

العربي الجديد

timeمنذ 2 أيام

  • العربي الجديد

توم كروز بعد الستين

تتميّز أدوار الممثل الأميركي (ذي الشعبية الواسعة) توم كروز، بخفّة الجسد، أو بالحفاظ على الحدود العليا للقفز بهذا الجسد البشري للولوج إلى الخوارق، وهو، في جميع ما يمكن مشاهدته من أفلام له، مُطالَب بأن يكون جسده شاباً، حتى حين تجاوز عمر الستّين، أو هذا ما اجتهدت فيه المؤثّرات والتقنيات لكي يظهر عليه في آخر أفلامه "الحساب النهائي"، وهو واحد من سلسلة "مهمّة مستحيلة"، التي بدأها كروز منذ أكثر من 30 عاماً. يمكن الحديث هنا أيضاً أن التحوّل نحو أدوار الاستعراض العضلي والخفّة والغموض جاء بعد دوره في فيلم "رجل المطر"، الذي أُنتج في أواخر الثمانينيّات، برفقة الممثل داستن هوفمان، الذي حاز فيه جائزة أفضل ممثل عن دوره في تشخيص نفسية كهلٍ مصاب بالتوحّد، إذ أدّى كروز دور شاب مرفّه ابن ثري، اكتشف بعد موت والده أن لديه أخاً مريضاً مودعاً في مركز خاص لذوي الهمم، وعليه أن يعتني به، ولكنّه يفشل في تحمّل هذه المهمّة الإنسانية بعد مواقف عديدة في الفيلم المثير، فيُرجع في النهاية أخاه إلى مأواه الصحّي. ولا تتأتى إثارة "رجل المطر" من المشاهد العضلية الخارقة التي سارت عليها لاحقاً أفلام توم كروز، إنّما من تمازج المواقف الحياتية بالبعد الإنساني. تحوّل هذا الشاب الكسول الاتكالي في هذا الفيلم إلى ما يشبه متسلّق الجبال والمنزلقات في الأدوار اللاحقة. يدور الجزء الثامن من سلسلة "مهمّة مستحيلة"، من إخراج كريستوفر ماكويري، حول عالم الذكاء الاصطناعي، ولكن هذه المرّة في المنطقة الأكثرخطورة، أي منطقة الفناء البشري، حين يتطوّر الذكاء في غفلة من البشر وصراعاته، ويتمكّن من أن يستحوذ على جميع أزرار الأسلحة النووية في الدول التسع التي تمتلكها. ولأن أفلام توم كروز لا يمكن أن تخلو من دعاية عسكرية أميركية، فقد تكفّلت الحكومة الأميركية في هزيمة الذكاء الاصطناعي في هذا الجانب، وكلّفت الشاب "إيثان هانت"، الذي يتمتّع بقدرات عضلية وعقلية خاصّة، حولت توم كروز الستّيني (1962) إلى صاحب قدرات شابّة فتية، استطاع، نظراً إلى طبيعة المهمّة الصعبة المنوطة به، أن يغوض في أعماق المحيطات ويخوض في الكتل الثلجية ويقاتل هنا وهناك... وفي عديد من لقطات الفيلم، نرى أن المخرج تعمّد أن يظهر كروز شابّاً قويّاً، من طريق تعريض عضلات جسده لما يشبه الفحص المجهري من كاميرا التصوير، إذ كثيراً ما ظهر في لقطات الفيلم حتى بلا قميص داخلي، وكأنّ ضمن رسالة هذا الجزء من الفيلم، المبني على الغموض، أن يقول لنا ضمناً إن كروز ما زال في كامل حيويته وشبابه، ويستطيع من ثم أن يمثّل حتى تلك الأفلام التي تُخصَّص عادة لممثّلين شبابٍ (بين عقدَي العشرين والثلاثين). تدخّلات تقنية كثيرة، ولكن بدت مكشوفةً تركّز في هذا الجانب الزمني في جسد الممثل الأعلى أجراً في العالم (25 مليون دولار دفعة مقدّمة لبطولة أيّ فيلم). هذا الجزء من سلسلة "مهمّة مستحيلة" كلّف إنتاجه 400 مليون دولار، ولكنّه حقّق أرباحاً مهولة. ففي أوّل أسبوعين جنى 200 مليون دولار. وفي مسقط، حيث شاهدتُ الفيلم، كانت القاعة مليئةً رغم مرور وقت غير قصير على عرضه في مختلف قاعات العرض التجارية، التي عادة ما تكون في المجمّعات التجارية الكُبرى بالعاصمة. بدت الشحنات الميلودرامية لهذا الجزء واضحةً، إلى جانب الشحنات النفسية، إذ كان سادة السلاح النووي في العالم يتصارعون فيما بينهم (خاصّة أميركا وروسيا كما في الفيلم) للاستحواذ على قيادة العالم نووياً. وفي الخفاء، كان ما سمّي في الفيلم بـ"الكيان"، ويقصد به الذكاء الاصطناعي، يسعى هو الآخر إلى امتلاك زمام أزرار الفناء البشري، إذ تطوّر الذكاء بصورة مهولة ليستحوذ على المقدرات النووية في العالم. والتدخّل الأميركي، الذي يتخيّله الفيلم بصورة دعائية واضحة، هو من سيحسم الأمر، وذلك حين يتمكّن "إيثان" من تتبع آثار غواصة روسية نووية غارقة في القطب المتجمد ليدخل إليها في أعماق البحار، ويجلب من هناك ما يشبه المفتاح السحري، الذي بموجبه يمكن للحكومة الأميركية أن تهزم الذكاء الاصطناعي، وتتحكّم في مصير العالم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store