الجائزة العالمية للرواية العربية" إلى محمد سمير ندا
أعلنت اللّجنة المُنظِّمة لـ"الجائزة العالمية للرواية العربية" فوز رواية "صلاة القلق" للروائي المصري محمد سمير ندا (1978) بالدورة الثامنة عشرة من الجائزة للعام 2025.
ووصفت رئيسة لجنة التحكيم، الناقدة المصرية منى بيكر، الرواية، بأنها "توقظ في نفس القارئ أسئلة وجودية، وتجعل من القراءة تجربة حسّية، كما أنّ لها أبعاداً تتخطّى الجغرافيا لتلامس المشترك الإنساني".
وتدور أحداث الرواية في قرية "نجع المناسي" المنسية في قلب صعيد مصر، منفصلة عن العالم بما يعتقد أهلها أنه حقل ألغام من الخطر محاولة تعديّه. لا يعرف سكانها عن العالم إلا أن هناك حرباً بين مصر وإسرائيل مستمرة لعشر سنوات منذ العام 1967 وأن العدو الإسرائيلي يحاول التوغل إلى مصر عن طريق النجع، أي أن النجع خط دفاع أول على الحدود المصرية. لا يصلهم بالعالم غير خليل الخوجة، ممثل السلطة وصاحب المحل الذي يطبع صحيفة محلية بعنوان "صوت الحرب" ويتحكم في بيع وشراء جميع احتياجات ومنتجات سكان النجع، وهو أيضاً من يشرف على تجنيد أبناء القرية في الحرب.
يصيب النجع نيزك أو قمر صناعي، لا أحد يعرف، ثم وباء يشوه سكان القرية، بما فيهم المواليد الجدد. تكتب يد مجهولة خطايا الناس التي يخفونها على الجدران، ويخترع شيخ المسجد صلاة جديدة، صلاة القلق، فهي الطريق للخروج من الوباء وتخطي المحنة التي يعيشها أهل النجع.
تروي ثماني شخصيات مختلفة حادث الانفجار وما جرى قبله في العشرية القاسية الممتدة من نكسة حزيران 1967 إلى لحظة وقوع النيزك والوباء، بحيث تشكّل مروياتهم فسيفساء الحكاية تشكيلاً ساحراً. يمكن قراءة الرواية كمساءلة سردية لمرويات النكسة وما تلاها من أوهام بالنصر.
وكانت لجنة التحكيم قد اختارت رواية "صلاة القلق" من بين 124 رواية ترشّحت للجائزة لهذه الدورة باعتبارها أفضل رواية نُشرت بين تموز/يوليو 2023، وحزيران/يونيو 2024، وصل منها إلى اللائحة القصيرة - إلى جانب الرواية الفائزة - خمس روايات هي: "دانشمند" للموريتاني أحمد فال الدين، و"وادي الفراشات" للعراقي أزهر جرجيس، و"المسيح الأندلسي" للسوري تيسير خلف، و"ميثاق النساء" للبنانية حنين الصايغ، و"ملمس الضوء" للإماراتية نادية النجار.
وضمّت لجنة تحكيم الجائزة: الأكاديمي اللبناني بلال الأرفه لي، والمترجم الفنلندي وسامبسا بلتونن، والناقد المغربي سعيد بنكراد، والناقدة والأكاديمية الإماراتية مريم الهاشمي، بالإضافة إلى رئيس مجلس أمناء الجائزة ياسر سليمان - معالي، ومنسّقة الجائزة فلور مونتانارو.
الفائز:
محمد سمير ندا، كاتب مصري من مواليد 1978 في مدينة بغداد، حيث عاش سنوات طفولته الأُولى، قبل أن تستقرّ عائلته في مصر بين العامَين 1984 و1990، ثمّ في طرابلس الغرب حتى العام 1996. حاصل على بكالوريوس من كلّية التجارة. صدرت له ثلاث روايات؛ هي: "مملكة مليكة" (2016)، و"بوح الجدران" عن "منشورات إيبيدي" (2021)، و"صلاة القلق" عن "دار ميسكلياني" (2024). وهو ابن الكاتب الراحل سمير ندا (1938 - 2013).

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

المدن
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- المدن
فخاخ البوكر و"قلق" سمير ندا
ضجت القاعة بتصفيق حار وطويل، عقب الإعلان عن رواية "صلاة القلق" للكاتب المصري محمد سمير ندا ضمن القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. كان ندا حاضراً وقتها بقاعة مكتبة الإسكندرية التي احتضنت الحفل، ولمس لأول مرة التفاعل الكبير مع جمهور متحمس. لكنه بالتأكيد لم يكن ليتخيل حجم التفاعل الذي سيحدث بعد شهرين من هذه اللحظة، بالتحديد عقب إعلان فوز روايته بالجائزة فعلا مساء الخميس الماضي، ولا يتوقع بطبيعة الحال انقلاب قطاع من هذا الجمهور عليه وعلى روايته، ولا الأسئلة التي أثيرت، ولا إلى أين حلقت النقاشات حول نصه. متابعة الساعات الأخيرة التي أعقبت الإعلان تكشف طبيعة الفخاخ التي ألقيت في طريقه، وطريقته في تجاوزها وعبورها. في ظهور لم يتعد الدقائق الخمس عبر فيديو نشره على صفحته الشخصية بفيسبوك في اليوم التالي للإعلان، بدا ندا هادئا ومدركا للأسئلة التي كانت في بدايتها، ليس عن أحقيته، ولكن حول اعتبار جائزته فوزا لمصر، قياسا لرفض عدة دور مصرية نشر روايته واضطراره لنشرها مع ناشر تونسي، وتصريحاته القديمة التي جرى استعادتها. في الفيديو القصير قال ندا إنه لن يعلق على أي شيء ولا يحمل ضغينة لأي مخلوق، وأن ما يحدث ضريبة متوقعة للجائزة يتقبلها بكل رحابة صدر. شكر قراءه وأهدى الجائزة لوالده، وعبر الفخ الأول بنجاح، قال: "الأغلبية سعداء بفوز كاتب مصري بأكبر جائزة عربية في مجال الرواية" معتبرا أن النجاح لا يخصه وحده، بل لجيل كامل من الكتاب المصريين. ثم قفز على الفخ الثاني ببراعة مؤكدا أن فوزه لا يعني أنه أفضل من الآخرين الذين زاملوه في قوائم الجائزة، بل رفض حتى مساواته بمن فاز بها من المصريين من قبل "فوزي لا يعني أنني أجاور بهاء طاهر أو يوسف زيدان. من الضروري ألا نحلق عاليا، وأن نهبط على الأرض سريعا، حتى يكون الموضوع منطقيا ولا نفرط في السعادة، فالإفراط في الشعور بالتفرد والتميز ضار جدا لأي كاتب". في تصريحاته التالية تخلّى عن وعده بعدم التعليق، لأن التفاعل والهجوم فاق توقعاته، وربما لأنه انتبه لما يجري فعلا على الأرض، أو في الفضاء الإلكتروني إن شئنا الدقة، فقال بوضوح في تصريحات تلفزيونية إنه سعيد بفوز رواية "مصرية" بهذه الجائزة العربية الكبيرة، وزاد قائلا إن ارتباط اسمه بمصر يصيبه بالفخر و"القشعريرة". وردا على ما يقال حول مسألة النشر قال إن كثير من اللغط يثار حول هذا الموضوع، وأنه بات يستخدم لـ"جلد الذات" أو "لتخليص الحسابات مع دور النشر"، مؤكدا على أن قبول الأعمال أو رفضها حق أصيل لكل ناشر، لكن ما يؤلمه ويزعجه هو التجاهل أو عدم الرد "أرفع القبعة لكل من رفضوا روايتي وأعلنوا أسبابهم، ولهم كل الاحترام. تحدثت مع دور مصرية ولم نتفق على التعديلات المقترحة أو التحرير. لذلك وضعت الرواية في الدرج وبدأت في غيرها". لكن ربما ما أخرج الفائز عن صمته لم يكن مسألة النشر، ولا كون فوزه انتصارا لمصر أم لا، وإنما قلقه من العقبة الثالثة والأهم، إذ تدحرجت كرة الثلج حتى رأى البعض في فوزه "مؤامرة على مصر" مفسرا روايته باعتبارها إنكارا سافرا لنصر 1973 عبر رمزية واضحة، وهجوما لاذعا على جمال عبد الناصر! وهو ما دفعه للخروج لنفي التهمة فوقع مضطرًا في فخ التأويل، مغامرا بنصه لإنقاذ نفسه وسمعته، حتى لو جاء ذلك على حساب القارئ الذي صودر حقه في التأويل والتفسير. إذا عدنا مجددا لحفل الإسكندرية، سنجد أن الرمزية كانت أولى ملاحظات بلال الأرفه لي، الأكاديمي والباحث اللبناني، وعضو لجنة تحكيم الجائزة، في كلمته عن الرواية، والتي يصبح لها دلالة أكبر حاليا، إذ تأكد ما كانت توحي به من مؤشرات، باعتبارها حيثيات للصعود للقائمة القصيرة ثم الفوز النهائي. أشار بوضوح لرمزية الرواية التي تدور في "نجع المناسي" تلك القرية المعزولة في صعيد مصر، في مرحلة فارقة تمتد من نكسة 1967 إلى 1977، محملة بالتحولات السياسية والاجتماعية التي تركت بصمتها الواضحة في حياة الشخصيات. حيث تتجلى العزلة لا كواقع جغرافي فحسب، بل كـ"حالة فكرية ونفسية تغلف ساكنيها فتجعلها مسرحا لاستكشاف أسئلة السلطة والخوف والهروب من الحقيقة". بالتالي فالعالم الذي ينسجه ندا في روايته تتداخل فيه الحكاية بـ"الرمزية العميقة" في سرد متعدد الأصوات يعكس تعقيدات التجربة الإنسانية، ضمن سياق اجتماعي تاريخي نابض بالحياة. أشاد الأرفه لي كثيرا بلغة النص وبنيته السردية، لكنه يعود مجددا للمضمون، ليشير إلى الأسئلة التي تطرحها الرواية حول الهوية والحرية والمصير، عبر شخصيات تعيش أزمات نفسية "يتجلى ذلك بوضوح في حكيم الطفل مقطوع اللسان الذي يصبح الراوي الخفي للحكاية، كأنه صدى لصمت المجتمعات أمام الظلم والاضطهاد، وفى الوقت ذاته رمز لقوة الكتابة كأداة للتحرر". ويلخص المسألة بقوله إن "قيمة هذه الرواية تتجلى في قدرتها على استدعاء الأسئلة الكبرى في الحياة عبر سرد يبدو بسيطا في ظاهره لكنه مشحون بطبقات من المعاني والدلالات"، هذا التفاعل بين الواقع والخيال يمنح الرواية في نظره بعدا تاريخيا واجتماعيا يجعلها أكثر من مجرد نص أدبي، بل "شهادة على مرحلة محورية من تاريخ مصر والمنطقة". وفي النهاية أكدت الجائزة على المعاني نفسها فقالت في بيانها الرسمي الختامي إن السرد في الرواية "يتداخل مع الرمزية في نص مقلق ذي أصوات وطبقات متعددة، يصوّر فترة محورية في تاريخ مصر، العقد الذي تلا نكسة 1967" وزاد البيان فاعتبر الرواية "مساءلة سردية لمرويات النكسة وما تلاها من أوهام بالنصر". وهو ما أكد عليه أيضا ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة، إذ اعتبر أن الرواية مؤهلة لأن تصبح "رواية مكرّسة من روايات الأدب العربي في المستقبل". حيث تنطلق في تأطير سرديتها الرمزية من حرب 1967 والسنوات العشر التي تلتها، "جاعلة منها مناسبة لنسج عالم من الديستوبيا المُطْبِقة، شخّصه الكاتب في نجع المناسي التي يتطابق "اسمها مع جسمها" أغلق الطغيان على قاطني النجع منافذ النجاة، فوقعوا ضحية لا تستطيع الفكاك من عواهن الاستغلال والتضليل والاستقطاب وحجب المعلومة، مع أنّ إمامهم حاول، فاشلًا، أن يستنّ لهم "صلاة للقلق" تساعدهم على الخلاص". كل تلك التفسيرات لم توقف حدة النقاش المستمر والمتصاعد منذ الإعلان وحتى الآن، بل ربما زادت من حدته وأكدت الهواجس الدائرة في نفوس البعض، وهو ما دفع ندا ليرد بنفسه في تصريحات تلفزيونية قال فيها إنه سيحاول قبول ما يجري باعتباره "سوء فهم" لا "سوء ظن". وقال بوضوح: "أنا لا أنتقد شخص جمال عبد الناصر"، بل يتحدث عن مرحلة مفصلية في تاريخ مصر، بالتحديد الفترة من 67 وحتى 77، والرواية قائمة بالأساس على فكرة فانتازية تصور تاريخا مغلوطا، وكأننا قد حررنا فلسطين في 67 وانتصرنا، ثم نتابع حياة الناس وفق هذا التصور في قرية معزولة اختطفها شخص ما "هذا الشخص ليس جمال عبد الناصر، بل يتاجر به ويستغل اسمه، لكن عبد الناصر ليس مستهدفا في الرواية، بل آخر، يحاول تغييب العقول لتحقيق هدف ومجد شخصي". أكد أيضا أن الرواية تقول إننا ومنذ 48 نصلي صلاة سادسة بخلاف الصلوات الخمس المفروضة، هي صلاة القلق، لأننا نعيش في قلق دائم ونمارس طقوسا تشبه طقوس الصلاة "أدعوا الشعوب العربية أن تتوقف عن أدائها لأنها ما تعطلنا". وهو الهدف الأساسي للرواية في نظره؛ البحث في الطريقة التي يتم بها تغييب الوعي الجمعي للشعوب، وكيف يزيف التاريخ وتتم السيطرة على المواطنين من خلال اختلاق حروب غير حقيقية "نحن لا ننتقد الحروب التي تدافع عن الأرض، ولكن الحروب الوهمية المصطنعة التي تهدف إلى خفض سقف الطموح عند المواطن". وهو ما دفعه مجددا لاستدعاء كلمة والده التي غص بها خلال حفل إعلان فوزه: "تحرير الأرض مرهون بتحرير العقل". محمد سمير ندا كاتب مصري، يعمل مديراً مالياً لأحد المشروعات السياحية. نشر العديد من المقالات في الصحف والمواقع العربية، وصدر له رواية "مملكة مليكة" عام 2016، ورواية "بوح الجدران" عام 2021. أدرج في قوائم الجائزة العالمية للرواية العربية لأول مرة هذا العام، وهي أيضًا المرة الأولى التي يفوز فيها كاتب مصري بالجائزة منذ عام 2009. صدرت "صلاة القلق" عن منشورات مسكلياني.


النهار
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- النهار
سجال مصري حول تهنئة الفائز بـ"البوكر العربية": فوزٌ للكاتب أم لمصر التي لم تنشر روايته؟
أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية المشهورة باسم "البوكر العربية" فوز الكاتب المصري محمد سمير ندا لعام 2025 عن روايته "صلاة القلق"؛ ومنذ تلك اللحظة انطلقت المدافع الثقيلة بين أطياف الوسط الثقافي المصري! معظم المثقفين حرصوا على استهلال التهنئة بعبارات مثل: "مبروك لمصر"، و"مصر فازت بالبوكر"، أو كما كتبت الروائية صفاء النجار: "مصر أخذت البوكر". كان تبرير تلك التهنئة هو الشعور القومي العام المعروف لدى معظم المصريين، واعتبار أيّ إنجاز تحققه شخصية مصرية عربياً أو عالمياً إنجازاً مصرياً يمثل الجميع وينوب عنهم. هكذا احتفوا بفوز نجيب محفوظ وأحمد زويل بجائزة نوبل، وللسبب ذاته يشجعون محمد صلاح في الدوري الإنكليزي باعتبار ذلك واجباً قومياً. يُضاف إلى ذلك شعور آخر بالجدارة والاستحقاق وبأنه ليس منطقياً أن تفوز مصر بأول جائزتين في المسابقة عبر الراحل بهاء طاهر ثم يوسف زيدان، وبعدها يغيب اسمها عن منصّة التتويج منذ ستة عشر عاماً! لكن تلك المبالغة "القومية" تنطوي على شعور مضمر بالحاجة إلى "اعتراف" الآخر، وتختزل قيمة المنجز الأدبي المصري بالتتويج. فثمة من يتوهم أن عدم فوز كاتب مصري طوال هذه السنين يعني أن الأدب المصري كان متدنّياً، وانتظر "صلاة القلق" لرد الاعتبار إليه! هذا قطعاً توهم غير صحيح؛ فمنذ نشأة "البوكر" في صيغتها العربية، حضر المنجز الروائي بكثافة، ومن الأجيال كافة، في الفوز والترشح لجوائز عربية ومصرية لا حصر لها. ولا يمكن اختزاله في التتويج بجائزة معينة، كما لا يصح عموماً رهن الأدب بعملية التسويق الملازمة للجوائز، وافتراض أن الجائزة هي من تمنح الكتابة "قيمتها"، وإلا نسفنا إبداعات دوستويفسكي وكافكا وبورخيس وكازانتزاكيس وكونديرا، لأنها لم تحصل على "نوبل"، رغم أنها حية وعالمية أكثر من نصوص فازت بالجائزة! لا شك في أن الفوز تقدير محترم لكاتب ومنجزه، لكنه مجرّد تلويحة وإشارة محبّة؛ فإن لم تتوافرا فلا يعني ذلك عدم جدارة الأدب! بمعنى آخر، لا تصلح أي جائزة أن تصبح أهم من الأدب نفسه وهي التي تعطيه القيمة! كما أن الرواية التي تفوز ـ أياً كانت الجائزة ـ تنال عظمة تسويقية لكن ذلك لا يعني أنها "أعظم رواية" مكتوبة باللغة العربية، وإنما هي ببساطة "رواية مميزة" من وجهة نظر ثلاثة أو خمسة محكّمين، وتغيير عنصر واحد في التحكيم سوف يؤهل رواية غيرها. فمهما كانت قيمة الجائزة وشهرتها ـ حتى نوبل نفسها ـ فإن الجمهور يعيد الاستفتاء على الكتب الفائزة عبر التداول والقراءة، لأن الجدارة الحقيقية لأيّ كتاب أن يستمر مقروءاً عبر الأجيال. فالناس تقرأ "هاملت" منذ أربعة قرون، بينما روايات ومسرحيات كثيرة حصلت على جوائز ضخمة خسرت الاستفتاء الشعبي وأصبحت كأنها لم تكن. معارضون ممن عارضوا الزج باسم مصر في التهنئة للكاتب عماد الدين الأكحل، الذي قال: "صادفني الكثير من التهاني التي تنسب الفوز إلى مصر، وهذا مبرر ومدلل إلى اعتزازنا بمصريتنا، ولكنني صراحة أرى هذا النسب غير لائق، ولا بدّ من أن يكون النسب بالكامل للمبدع محمد سمير ندا. هو مصري الجنسية والأصل، وعربي الثقافة". وأضاف: "الرواية لم تصدر عن دار نشر مصرية لأسباب نعرفها، ولا نستطيع ذكرها صراحة، مما دفع الكاتب إلى نشرها من خلال دار نشر غير مصرية. هل هذا قصور من دور النشر المصرية أم فقر في آليات تقييم الأعمال لديها، أم تشدد في الرقابة الذاتية، أم توتر ورهبة في الأجواء الثقافية؟ أترك لكم الإجابة". كما تطرق الأكحل في تدوينته إلى الشعور القومي قائلًا: "هناك عادة مصرية نمارسها كل يوم، ولم تتبدل منذ عشرات السنين لأكثر من نصف قرن، وهي الاعتزاز وتبجيل المصري بعد أن ينجح دولياً، فنسارع ونتذكر مصريته، وننسب نجاحه إلينا جميعاً. وفي أمثلة كثيرة لم توفر مصر البيئة المناسبة لهذا المبدع للنجاح داخليًا". وختم بالقول: "إذا كنا نريد أن ننسب النجاح إلى مصر، فلا بد من أن ندعم كلّ ما هو مصري بدءاً من مبدعينا في كلّ المجالات داخل مصر ثم خارجها... وإن لم نوفر هذا الدعم وأوجدنا المعوقات، فلا يصح التبجح بنسب تميز أي منهم بعد نجاحه دولياً إلينا وكأننا من صنعنا هذا النجاح". منطق لا يخلو من وجاهة، يشير إلى التناقض بين التهليل في نسبة "الإنجاز" إلى مصر بينما الفائز نفسه لم يستطع نشر روايته في بلده! مثلما فشل محمد صلاح في اللعب للأهلي أو الزمالك، ولم يصبح نجماً عالمياً إلا بعد الخروج من وطنه. ولكي ننسب الإنجاز إلى البلد يفترض أن مؤسساته الراعية للفنون والآداب ترعاها حقاً ولا تتحول إلى أجهزة طرد للموهوبين! في السياق نفسه، رفض الروائي وجدي الكومي، المقيم في الخارج، في أكثر من تدوينة له، التهنئة "القومية"، وطالب بأن يتوجه الفرح إلى صاحبه الحقيقي وهو الكاتب، لأن ذلك بمثابة خطف لمنجزه من دون أن تقوم المؤسسات الثقافية بأيّ دور يُذكر فيه! والدليل أن تلك المؤسسات ـ حسبما أشار ـ لم تمنح ندا أي جائزة محلية، ولا حتى منحة التفرغ الهزيلة! قد يكون المعارضون على حق في ضرورة مساءلة مؤسسات الثقافة الرسمية لو قارنا ذلك بمرحلة طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ الذين تمتعوا بتقدير شعبي ورسمي هائل قبل أي تكريم خارجي. وفجر آخرون إشكالية إضافية حول طباعة الرواية لدى "دار مسكيلياني" التونسية، بسبب رفض أربع دور نشر مصرية لها، مما يعني أن "العجز" المؤسساتي يشمل القطاع الخاص أيضاً. من المؤكد أن لكل دار نشر خاصة سياسة تحريرية، وربما تبتعد عن نشر نص ما لأسباب رقابية أو تسويقية، أو تتعلق بعدم شهرة الكاتب نفسه، أو بسبب ضخامة حجم الرواية فيصعب تداولها بثمن يفوق القدرة الشرائية للقارئ المصري. صحيح أن هناك أزمة نشر يعاني منها العالم العربي كله، لكن اعتذار أكثر من ناشر مصري لا يعني أن هؤلاء الناشرين "جهلة" ولا يفقهون في الإبداع، كما زعم البعض، والدليل أنهم نشروا عشرات الروايات الجميلة، سواء أنالت جوائز أم لا. مأزق كانون الثاني/يناير تعلق السجال العام بمشروعية التهنئة هل هي للكاتب الشاب المكافح أم للدولة التي ينتمي إليها، وإن لم تفعل له شيئاً، وتخللته سجالات أخرى ثانوية كأن يصدر أحدهم تهنئته بعبارة "الله أكبر ولله الحمد"، وهو الشعار الإخواني المعروف، رغم أنه لا علاقة له بالجائزة ولا الرواية؛ وعندما يعترض البعض يتلقى هجوماً بزعم أنه يعترض على ذكر الله وحمده! هل تلك السجالات جديدة على الوسط الثقافي المصري؟ بالتأكيد لا.. لكنها باتت أكثر حدة وتطرفاً منذ ثورة كانون الثاني/ يناير وما تبعها. تحول كل موقف إلى تخندق فظيع تنصب فيه المشانق وتشهر البنادق، وكل المتمترسين هنا وهناك لن يتزحزحوا قيد أنملة عن مواقفهم، ما دام كل طرف يصرّ على تلوين كل حدث بما يناسب تصوره الخاص. من ثَمّ يغيب النقاش الحقيقي وتبادل الرأي والرأي الآخر، ويسهل مسبقاً توقع ماذا سيقول كل مثقف في أي موقف قادم. هذا المأزق الذي يعاني منه المثقفون المصريون يشوش على حيوية الثقافة المصرية وأدائها وإبداعاتها. لذلك تكتب آلاف الأطنان من الكلمات بشأن جواز التعزية بالبابا فرانسيس أو طريقة تهنئة محمد سمير ندا بجائزة عربية، لكن لن يهتم أحدهم بالنقاش الجدي حول مواقف البابا الراحل المناصرة للحقوق العربية، ولا أحد سيهتم بأن يخبرنا شيئاً عن تميز وجدارة رواية "صلاة القلق" نفسها! لأن وهج الترند وحدة الاستقطاب كانا أسوأ تعمية على الثقافة المصرية ذاتها.


الميادين
٢٥-٠٤-٢٠٢٥
- الميادين
محمد سمير ندا يفوز بجائزة "البوكر" العربية
عن روايته "صلاة القلق" الصادرة عن منشورات "ميسكلياني"، فاز الروائي المصري، محمد سمير ندا، أمس الخميس، بــ "الجائزة العالمية للرواية العربية" في دورتها الــ الــ 18. واختيرت الرواية الفائزة من بين 6 روايات وصلت للقائمة القصيرة في شباط/فبراير الماضي. وضمت القائمة القصيرة للجائزة روايات: "دانشمند" لأحمد فال الدين، و"وادي الفراشات" لأزهر جرجيس، و"المسيح الأندلسي" لتيسير خلف، و"ميثاق النساء" لحنين الصايغ، و"صلاة القلق" لمحمد سمير ندا، و"ملمس الضوء" لنادية النجار. وترشحت للجائزة هذا العام 124 رواية من 20 دولة وصلت 16 منها للقائمة الطويلة في كانون الثاني/ يناير 2025. رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر، قالت إن رواية "صلاة القلق"، نجحت في تحويل القلق إلى تجربة جمالية وفكرية، يتردد صداها في نفس القارئ وتوقظه على أسئلة وجودية ملحّة. أما رئيس مجلس أمناء الجائزة، ياسر سليمان، فأكد أن الرواية الفائزة "بديعة في بنيتها، جاذبة في أسلوبها، أخاذة في شاعرية لغتها، وآسرة في مضامينها المفتوحة التي تؤهلها، مجتمعة، لأن تصبح رواية مكرّسة من روايات الأدب العربي في المستقبل". وتنطلق رواية "صلاة القلق" في تأطير سرديتها الرمزية من حرب 1967 والسنوات العشر التي تلتها، جاعلة منها مناسبة لنسج عالم من الديستوبيا المُطْبِقة، شخّصه الكاتب في "نجع المناسي" التي يتطابق "اسمها مع جسمها". أغلق الطغيان على قاطني النجع منافذ النجاة، فوقعوا ضحية لا تستطيع الفكاك من عواهن الاستغلال والتضليل والاستقطاب وحجب المعلومة، مع أنّ إمامهم حاول، فاشلًا، أن يستنّ لهم "صلاة للقلق" تساعدهم على الخلاص.