
تواصل الحراك الدولي لإبرام اتفاقات تجارية مع أميركا قبل انتهاء مهلة ترامب
يتجه مفاوضو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة نحو أسبوع جديد من المحادثات المكثفة، سعيًا للتوصل إلى اتفاق تجاري بحلول الأول من أغسطس/آب، وهو الموعد الذي هدد فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على معظم صادرات الاتحاد الأوروبي.
ويبدي المسؤولون في بروكسل استعدادهم لقبول اتفاق غير متوازن يصُب في مصلحة الولايات المتحدة إذا كان ذلك هو المطلوب لكسر الجمود قبل الموعد النهائي، لكن الجانبين لم يُحققا بعدُ اختراقًا حاسمًا رغم جولة مفاوضات سابقة في واشنطن الأسبوع الماضي، حسبما نقلت بلومبيرغ عن مصادر مطلعة.
ويُكثّف الاتحاد الأوروبي استعداداته للرد في حال عدم التوصل إلى اتفاق، ومن المقرر أن يجتمع مبعوثو الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع لصياغة خطة إجراءات للرد على احتمال عدم التوصل إلى اتفاق مع ترامب، الذي يُنظر إلى موقفه التفاوضي بشأن الرسوم الجمركية على أنه قد تصلب قبل الموعد النهائي.
وقال وزير المالية الفرنسي إيرك لومبارد، قبيل اجتماع مع اتحادات الأعمال في باريس: "هذه المفاوضات صعبة.. إذا لم نتوصل إلى اتفاق متوازن مع الولايات المتحدة الأميركية ، فإننا نحتفظ بالحق في اتخاذ تدابير مضادة متوازنة، بالطبع، لكنها تهدف إلى حماية مصالح الاتحاد الأوروبي".
وحسب مصادر مطلعة، طلبت من بلومبيرغ عدم نشر هويتها، فإن الولايات المتحدة تُدفع الآن نحو فرض تعريفة جمركية شبه شاملة على سلع الاتحاد الأوروبي بنسبة تزيد عن 10%، مع تقليص الإعفاءات بشكل متزايد، والتي تقتصر على الطيران، وبعض الأجهزة الطبية والأدوية، ومجموعة محددة من معدات التصنيع التي تحتاجها الولايات المتحدة.
وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية إنه ليس لديه أي تعليق على المفاوضات الجارية.
وأضافت المصادر أن الجانبين ناقشا كذلك سقفًا محتملًا لبعض القطاعات، بالإضافة إلى حصص للصلب والألمنيوم، وطريقة لحماية سلاسل التوريد من المصادر التي تُفرط في توريد المعادن، موضحةً أن التوصل لاتفاق محتمل، لا يغني عن موافقة ترامب ذي المواقف غير الواضحة.
وقال وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك في برنامج "واجه الأمة" على قناة "سي بي إس" يوم الأحد: "أنا واثق من أننا سنتوصل إلى اتفاق. أعتقد أن جميع هذه الدول الرئيسية ستدرك أنه من الأفضل فتح أسواقها أمام الولايات المتحدة الأميركية بدلًا من دفع رسوم جمركية باهظة".
وفي حديثه على قناة "سي إن بي سي" يوم الاثنين، قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إن الاتحاد الأوروبي "بدأ مفاوضاته التجارية بوتيرة بطيئة" قبل أن يصبح أكثر انخراطًا. وقال إنه بالنظر إلى العجز التجاري "الهائل" للولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي، ومستوى الرسوم الجمركية، "أتصور أنهم سيرغبون في التفاوض بشكل أسرع".
وحسب بلومبيرغ، تُهدد مساعي الرئيس ترامب لاستهداف الصين من خلال شركائها التجاريين عبر سلاسل التوريد العالمية بتراجع نمو البلاد ومعظم صادراتها إلى الولايات المتحدة.
واعتمدت الصين بشكل متزايد على دول ثالثة لتصنيع المنتجات النهائية أو المكونات، وهو اتجاهٌ تسارعَ في أعقاب الحرب التجارية الأولى لترامب وفرضه قيودًا أشد على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وارتفعت حصة الصين من إجمالي القيمة المضافة لتصنيع السلع الموجهة إلى الولايات المتحدة عبر دول مثل فيتنام والمكسيك إلى 22% في عام 2023، مقارنةً بـ 14% في عام 2017، وفقًا لبلومبيرغ إيكونوميكس.
ورأى محللون أنه إذا نجح ترامب في استهداف عمليات إعادة الشحن من خلال فرض رسوم أعلى أو متطلبات سلسلة التوريد، فسيُهدد ذلك 70% من صادرات الصين إلى الولايات المتحدة وأكثر من 2.1% من الناتج المحلي الإجمالي للصين.
وقالوا إن ثمة خطرًا من أضرار اقتصادية إضافية إذا أثرت القيود على رغبة الدول في التعامل مع الصين.
وكتب محللو بلومبيرغ إيكونوميكس، تشانغ شو، ورانا ساجدي، وديفيد كو، في مذكرة بحثية اليوم الثلاثاء: "تدفقت التجارة عبر دول ثالثة كبيرة، وقد ساعدت في تخفيف وطأة الرسوم الجمركية الأميركية الحالية".
وأضافوا أن تشديد الضوابط على هذه الشحنات من شأنه أن يزيد من أضرار الحرب التجارية، وقد يُضعف فرص النمو على المدى الطويل.
وتزيد الولايات المتحدة الضغط على الصين بشكل متزايد من خلال دول أخرى؛ ففي سلسلة من الرسائل الموجهة إلى الدول، والتي أعلنت فيها عن فرض رسوم بحلول الأول من أغسطس/آب المقبل ما لم يتم الاتفاق على اتفاقيات تجارية ثنائية، هددت الإدارة بفرض رسوم جمركية أعلى على السلع التي يُعاد شحنها.
ورغم عدم تقديم المزيد من التفاصيل، فإن هذا قد يسمح للبيت الأبيض باستهداف نطاق أوسع من صادرات الصين إلى الولايات المتحدة.
وتشمل أكبر الدول التي تعتمد عليها الصين لشحن البضائع إلى الولايات المتحدة المكسيك وفيتنام، كما يُعد الاتحاد الأوروبي مركزًا رئيسيًا، ويمكن لدور الصين في إمداد العالم من خلال أطراف ثالثة أن يُشكل اتفاقيات الولايات المتحدة مع شركائها التجاريين.
إعلان
وثمة دلائل على حدوث ذلك بالفعل، فاتفاقية التجارة الأميركية مع بريطانيا تتضمن متطلبات تتعلق بأمن سلسلة التوريد والملكية في القطاعات الحساسة.
في الوقت نفسه، صرّح تشانغ وخبراء اقتصاديون بأن "عدم اليقين يُلقي بظلاله على مدى صرامة الولايات المتحدة في فرض قيود إعادة الشحن. ولا تزال التعريفات الأميركية للسلع المحلية غامضة، وتفتقر إلى تفاصيل التحقق".
الهند
تضاءلت احتمالات التوصل إلى اتفاقية تجارية مؤقتة بين الهند والولايات المتحدة قبل الموعد النهائي الذي حددته واشنطن في الأول من أغسطس/آب، مع استمرار تعثر المحادثات حول تخفيض الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية ومنتجات الألبان، حسبما نقلت رويترز عن مصدرين لم تذكرهما.
وهدد الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية 26% على الواردات الهندية في أبريل/ نيسان الماضي، لكنه علق التنفيذ مؤقتا لإتاحة الفرصة لعقد محادثات، والموعد النهائي لانتهاء سريان هذا التعليق هو الأول من أغسطس/آب المقبل، لكن الهند لم تتلق خطابا رسميا بعد بشأن هذه الرسوم، على عكس أكثر من 20 دولة أخرى.
وعاد الوفد التجاري الهندي من واشنطن بعد عقد جولة خامسة من المحادثات دون إحراز أي تقدم يذكر.
وقال أحد المصادر "التوصل إلى اتفاق مؤقت قبل أول أغسطس يبدو صعبا، رغم تواصل عقد المناقشات عن بعد"، متوقعا أن يزور وفد أميركي نيودلهي قريبا لمواصلة المفاوضات.
وتعثرت المحادثات بسبب رفض نيودلهي تحرير قطاعي الزراعة والألبان بما لهما من حساسية سياسية، بينما ترفض واشنطن طلب الهند تخفيف الرسوم الجمركية المرتفعة على الصلب والألمنيوم والسيارات.
وقال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت لشبكة "سي إن بي سي" أمس الاثنين إن إدارة ترامب مهتمة بجودة اتفاقيات التجارة أكثر من توقيتها.
ولدى سؤاله حول إمكانية تمديد الموعد النهائي للدول التي تجري محادثات، أجاب بيسنت بأن الأمر متروك لترامب.
ويتمسك المسؤولون الهنود بأمل التوصل إلى اتفاقية أشمل بحلول سبتمبر/أيلول أو أكتوبر/تشرين الأول المقبلين، بما يتماشى مع ما اتفق عليه رئيس الوزراء ناريندرا مودي وترامب في فبراير/شباط الماضي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
تأجيل اجتماع عسكري وتايلند تتهم كمبوديا بانتهاك وقف إطلاق النار
أعلن الجيش التايلندي تأجيل اجتماع بين قادة جيشي تايلند وكمبوديا كان من المقرر أن يعقد صباح اليوم الثلاثاء، متهما كمبوديا بانتهاك وقف إطلاق النار الذي توصل إليه البلدان بوساطة ماليزيا وبدأ سريانه منتصف ليل الاثنين لوقف الاشتباكات الحدودية الدائرة بينهما منذ 4 أيام. وأكد المتحدث باسم الجيش التايلندي -لوكالة رويترز- تأجيل اجتماع بين قادة جيشي تايلند وكمبوديا كان من المقرر عقده في الساعة العاشرة صباحا بالتوقيت المحلي (0300 بتوقيت غرينتش) اليوم، مضيفا أنه لم يتم تحديد موعد جديد للمحادثات حتى الآن. وبعد بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، قال نائب المتحدث باسم الجيش التايلندي إنه أُبلغ عن اضطرابات في منطقة فو ماكوا تسبب فيها الجانب الكمبودي، مما أدى إلى تبادل لإطلاق النار بين الجانبين استمر حتى صباح اليوم، كما وقعت اشتباكات في منطقة سام تايت. وقال المتحدث باسم الحكومة التايلندية إن بلاده ستخطر الولايات المتحدة والصين ، اللتين شاركتا في مفاوضات وقف إطلاق النار، بالانتهاكات التي ارتكبتها كمبوديا منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في منتصف الليل. لكن رئيس الوزراء التايلندي المؤقت فومتام ويتشايتشاي أكد بعد ذلك أن الحدود التايلندية الكمبودية هادئة بعد اشتباكات صغيرة شهدتها بين جيشي البلدين في أعقاب بدء سريان وقف إطلاق النار. نفي كمبودي بالمقابل، نفت المتحدثة باسم وزارة الدفاع الكمبودية مالي سوتشيتا وقوع "أي اشتباكات مسلحة بين الطرفين في أي من المناطق". كذلك أكد رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت أن "الجبهة هدأت منذ دخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ منتصف الليل". وأمس الاثنين، اجتمع رئيس الوزراء الكمبودي هون مانيت ورئيس الوزراء التايلندي المؤقت في ماليزيا بحضور وفدين أميركي وصيني يوم الاثنين واتفقا على "هدنة فورية وغير مشروطة" توقف أعنف صراع بينهما منذ أكثر من عقد، حول عدد من المعابد الأثرية في مناطق متنازع عليها على امتداد حدودهما البالغ طولها 800 كيلومتر. وأتى الاتفاق بعد 5 أيام من القتال العنيف الذي أدى إلى مقتل 38 شخصا ونزوح أكثر من 300 ألف شخص.


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
لماذا تعجز إسرائيل عن الانتصار حتى الآن؟
بعد ما يقرب من العامَين من الحرب على غزة والمنطقة، أظهرت "إسرائيل" تفوقًا ملحوظًا في المجالَين: العسكري، والأمني، مع دعم شبه مطلق من الولايات المتحدة، ما مكّنها من إنزال خسائر كبيرة بكل أعدائها، لكن ذلك لم يمنحها فرصة إعلان نصر واضح أو حاسم. التفوق الساحق منذ اللحظة الأولى، قررت دولة الاحتلال طي صفحة عملية طوفان الأقصى بكل تأثيراتها السلبية عليها والإيجابية لأعدائها، ضمن سياسة "كيّ الوعي" وفرض نسيان ما حصل يومها من انتكاسة كبيرة لها على كافة المستويات. كما ترسخت القناعة بالخطر الوجودي على دولة الاحتلال، ما فرض عليها تغيير تعاملها مع التهديدات التي تواجهها في المنطقة، إضافة إلى الرغبة في استعادة ثقة الجبهة الداخلية بالدولة والمؤسسة العسكرية والحكومة، فضلًا عن كون ما حصل فرصة غير مسبوقة لفرض وقائع ومسارات جديدة على المنطقة في إطار "تغيير خرائط الشرق الأوسط"، والتي كانت خطة معدة مسبقًا وُضعت في إطار التنفيذ. تفاعل كل ما سبق ليولّد "إسرائيل" جديدة، في ذروة العدوان والوحشية والدموية، بنظرية أمنية مختلفة، لا تنتظر حصول التهديد لتتعامل معه احتواءً أو إدارةً أو إفناءً، وإنما تسعى لمنع نشوئه، ومواجهة هذا الاحتمال/ الإمكانية بالقوة الغاشمة وبأقصى دموية ممكنة، بشكل متعمد، كبديل عن معادلة الردع التي تداعت يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. تبلور ذلك إبادةً جماعيةً في غزة، ذهب ضحيتها عشرات آلاف الشهداء، وأكثر منهم من الجرحى والمصابين، ونزوح معظم سكان القطاع، وتدمير شبه كامل لمؤسساته وبنيته التحتية، وخسائر كبيرة للمقاومة الفلسطينية في العتاد والرجال، وفي القطاعات العسكرية والسياسية والحكومية. وسعيًا للضغط بالقوة القصوى على المقاومة في المفاوضات، فرض الاحتلال حصارًا مطبقًا، وتجويعًا غير مسبوق، وتهجيرًا مستمرًّا لسكان القطاع؛ تمهيدًا لمشروع تهجير شامل إن استطاع. كل ذلك بغطاء أميركي كامل ساهم في قدرة "إسرائيل" على التعامل مع الضغوط الدولية. وفي لبنان، شنّت دولة الاحتلال حربًا ساحقة على حزب الله؛ بغية تدميره واجتثاثه، من خلال عمليات "البيجر" والاتصالات، ثم سلسلة الاغتيالات التي طالت قيادات عسكرية وأمنية وسياسية وازنة، على رأسها أمينه العام السابق حسن نصر الله، بكل ما يمثله من ثقل ورمزية وقدرات قيادية. وترافق ذلك مع مئات الغارات التي استهدفت أسلحته وصواريخه الإستراتيجية، وتبعها توقيع الاتفاق المجحف لوقف إطلاق النار، وإطلاق يد "إسرائيل" في لبنان قصفًا وتوغّلًا واغتيالًا، مع ضغط الجبهة الداخلية اللبنانية لتسليم سلاح الحزب. كما لا يمكن تجاهل آثار تغيير النظام في سوريا على خطوط إمداد الحزب وقدرته على التعافي. وفي إيران، وجّهت "إسرائيل" لها خلال "حرب الـ12 يومًا" ضربات موجعة، بالاغتيالات، واستباحة الأجواء، وتدمير منظومات الدفاع الجوي، وصولًا لاستهداف المنشآت النووية بالقصف الأميركي المنسق معها. كما استهدفت قوات الاحتلال اليمن مرات عديدة، مُوقعة خسائر فادحة في ميناء الحُديدة ذي الأهمية الإستراتيجية، فضلًا عن غارات جوية مستمرة، ومحاولات الاغتيال. وفي سوريا، ورغم غياب أي تهديد حقيقي لها، أعلنت "إسرائيل" إلغاء اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 من جانب واحد، واحتلت مساحات جديدة، وسيطرت على مصادر المياه، وقصفت قرب القصر الرئاسي، وهددت باغتيال الرئيس أحمد الشرع، وأعلنت جهارًا دعم الأقليات، وهددت بتقسيم البلاد، وفرضت واقعًا جديدًا في السويداء تفاوض دمشق بخصوصه، فضلًا عن تدمير معظم الأسلحة وقدرات الدولة السورية. لا انتصارَ ساحقًا يعطي كل ما سبق انطباعًا بأن "إسرائيل" هزمت كل أعدائها، بل وخصومها المحتملين مستقبلًا، وحقّقت الانتصار الكامل الذي طالما وعد به نتنياهو، وأنها أعادت فعلًا رسم خرائط المنطقة بالقوة والنار، على ما تبجّح به الأخير. والحقيقة أن هذا ليس مجرد انطباع خاطئ وحسب، بل هو إيحاء تعمل على ترسيخه البروباغندا "الإسرائيلية"، لتخدم أهدافًا داخلية وخارجية على حد سواء. في غزة، بؤرة الحرب الرئيسة والجبهة التي أذلّت الاحتلال يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وهزّت دعائم نظريته الأمنية وتفوّقه الاستخباري والعسكري، في تلك الجبهة المحاصَرة تمامًا والمفتقدة للدعم الخارجي بالكامل، تكيّفت المقاومة بقيادة كتائب القسام بنيويًا ومؤسسيًا وميدانيًا بحيث ما زالت تُنازل الاحتلال رغم ضخامة الخسائر التي تعرضت لها. أثبتت الكتائب قدرتها على استنزاف العدو وإيقاع خسائر كبيرة فيه، بل وطوّرت عملها لمحاولة أسر جنود إضافيين في المعركة. وما زالت المقاومة ممسكة بورقة الأسرى، والتي هي ورقتها الأقوى في مسار التفاوض، الذي يؤكد بدوره أنها ما زالت عصية على الهزيمة والانْسحاق، بما يفرض على الطرف الآخر التفاوض معها حتى اللحظة. وفي لبنان، ورغم الخسائر صعبة التعويض، لم ينكسر حزب الله ولم يستسلم، ورغم مرونته الكبيرة- والمستغرَبة- في موضوع السلاح جنوب نهر الليطاني، حيث تتحدث التقارير عن مصادرة معظم سلاحه هناك، فإنه بعيد جدًّا عن فكرة تسليم السلاح، وما زال الرئيس جوزيف عون مصرًّا على سيناريو الحوار الداخلي بهذا الخصوص وليس المواجهة. كما ارتفعت وتيرة تصريحات الحزب مؤخرًا، بما في ذلك تصريح أمينه العام نعيم قاسم، بأنه يتعافى ورمّم الكثير من خسائره، وبات "مستعدًّا للمواجهة" إن اضطر لها. كما أن إيران استوعبت الصدمة الأولى وخاضت حرب استنزاف لاحقة، مستهدفة- كما كشفت تقارير لاحقة- الجبهة الداخلية "الإسرائيلية"، وبعض المواقع الحساسة بدقة فاقت التوقعات. كما فرضت صواريخها معادلات ردع جديدة دفعت نتنياهو للدعوة إلى وقف إطلاق النار بعد الضربة الأميركية للمنشآت النووية، وهذا- من البديهي- ليس موقف مَن حقق انتصارًا كاسحًا. كما أنه ليس من المعروف حتى اللحظة مدى الضرر الذي تعرض له المشروع النووي، بل تشير معظم التقديرات إلى عدم تدميره بالكامل، ما يعني إمكانية استعادته النشاط، وبشكل أسرع ربما، إن توفرت إرادة سياسية لذلك. ولعل اليمن أقل الجبهات التي تعرضت لضربات "إسرائيلية" كبيرة، وهي- للمفارقة- الجبهة التي ما زالت على نشاطها وفاعليتها، مع سقف خطاب أعلى بكثير اليوم، وبوعيد بتصعيد الاشتباك مع الاحتلال؛ بسبب حرب التجويع لأهل غزة. والخلاصة.. يتيح التفوق العسكري والاستخباري الكبير لدولة الاحتلال، والذي بنته لها الولايات المتحدة الأميركية على مدى عقود، وانخراط الأخيرة بشكل واسع في الحرب دعمًا وغطاءً ومشاركة فعلية (كما حصل في إيران وجبهات أخرى)، يتيح لها توجيه ضربات قاسية لأعدائها، بما يشمل الدمار الكبير، والاغتيالات الوازنة، والاختراقات العميقة، وبما يتسبب بخسائر بشرية كبيرة جدًّا، ولا سيما في غزة. لكن كل ذلك لم يمكّنها من تحقيق الانتصار، ولا حتى ادعائه. تحاول دولة الاحتلال أن تُصوّر الخسائر الكبيرة التي تسببت بها على أنها النتيجة النهائية للحرب، ويتساوق معها البعض أحيانًا، إما جهلًا بالوقائع، أو تحت ضغط الأزمة الإنسانية الخانقة، أو بسبب أجندات سياسية معروفة. لكن ذلك غير دقيق بالمرة، ليس تقليلًا من شأن الإنسان، شهيدًا وأسيرًا ومصابًا ومهجّرًا ومجوَّعًا، ولا تقزيمًا من قدرات "إسرائيل" وأثر الدعم الذي تحظى به، ولكن لأن ذلك جزء من تقييم المعركة/الحرب، وليس نتيجتها النهائية. لقد فصّلنا في مقالات سابقة العوامل التي تُقيّم نتائج الحروب على أساسها، والتي منها بالتأكيد الخسائر البشرية والمادية، ولكنها ليست الوحيدة، وفي أحيانٍ كثيرة ليست الأولى، فكم من دولة قدّمت خسائر أكبر بكثير من عدوّها ولكن انتصرت عليه في النهاية. فإذا كان ذلك حال الدول، فحركات التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال أولى وأجدر. فضلًا عن أن المبالغة في الوحشية مع المدنيين مقصودة لذاتها من قبل "إسرائيل"، ما يدفع للحذر من الوقوع في فخ التقييم الذي تنصبه. كل ذلك في حال وُضعت الحرب أوزارها واتضحت نتائجها بشكل كامل، فما بالنا والحرب مستمرة، وهي- بالمعنى الأشمل- طويلة الأمد، قد تقف مؤقتًا، لكن مسارها ومفاعيلها مرشحة دائمًا للانفجار والتوسع، ولا سيما في ظل النوايا المعلنة لنتنياهو وشركائه؟ والإشارة الأخيرة، أنه كلما أظهر طرف من الأطراف مرونة كبيرة وسعيًا ملحوظًا لوقف الحرب، تَصَلَّب الموقف "الإسرائيلي" أكثر، وبات أكثر عدوانية ودموية. وقد تكرر الأمر في غزة، ولبنان، وسوريا، وإيران. أخيرًا، ما زالت نتائج عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول قائمة، لم تُمحَ ولم تُنسَ، وسيُبنى عليها. وأما تفاعلاتها ومآلاتها طويلة الأمد، فما زالت لم تتبلور جميعها بشكل واضح وكامل. قد نكون اليوم أمام نصف الساعة الأخير من الجولة الحالية من الحرب، وقد نكون أمام جولة ممتدة، لذلك فالمنطق المُجدي تركيزُ كافة الجهود لتعزيز أوراق القوة، وزيادة الضغط على "إسرائيل"، وليس العكس. فالمطلوب حاليًّا الصمود وتعزيز الموقف، وإلّا تحوّلت الأزمة الإنسانية التي تسبب بها الاحتلال إلى انتصار إستراتيجي له، وهذا ما ينبغي منعه. إعلان


الجزيرة
منذ 9 ساعات
- الجزيرة
ماذا حدث في المفاوضات؟ ولماذا انقلبت إسرائيل؟
في ذروة الإشاعات والبيئة السلبية التي صنعها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، والرئيس ترامب الذي اتّهم حركة حماس بأنها لا تريد التوصّل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وهدّد بالقضاء عليها، كشف بيان لوزارة الخارجية القطرية 25 يوليو/ تموز- وبلسان قطري مصري مشترك- أن المفاوضات شهدت "تقدّمًا"، مؤكّدًا أن "التسريبات الإعلامية" لا تعكس واقع المفاوضات، وهي تهدف للتأثير عليها وتقويضها، وأن مغادرة الوفود للتشاور قد يعقبه استئناف للمفاوضات في وقت قريب. معلومات مهمّة ظهر بشارة بحبح- وهو رجل أعمال أميركي من أصل فلسطيني، عمل مع ستيف ويتكوف في تقريب وجهات النظر بين الأطراف- في مقابلة إعلامية 25 يوليو/ تموز، ليكشف ما سمعه من الوسيطين: القطري والمصري، قائلًا نقلًا عنهما: "رد حماس كان إيجابيًا، ويمكن البناء عليه، للتوصّل لاتفاق في وقت قريب". "رد حماس لم يكن متصلبًا، بمعنى أنها كانت مستعدّة للأخذ والعطاء في هذا الرد". "عندما أعطوا رد حماس للإسرائيليين، قالوا لهم (أي قال الإسرائيليون للقطريين والمصريين)؛ يمكن التعامل مع رد حماس بحذر وإيجابية". ويضيف بحبح؛ "أن حماس قالت إن موضوع الأسرى لن يكون عثرة أمام الاتفاق، فالخرائط أهم بكثير. حماس لا تريد تواجدًا إسرائيليًا داخل الأماكن السكنية في غزة". وفي هذا التوضيح من بحبح، ردٌ أيضًا على مصادر إسرائيلية تحدّثت عن أن سبب تعثّر المفاوضات هو شروط حماس، وتعنّتها في معايير إطلاق سراح الأسرى، وهو ما نفته حماس بتأكيدها أن ملف الأسرى لم ولن يتم مناقشته قبل الانتهاء من الاتفاق على محدّدات الاتفاق الإطاري المتعلقة بوقف الحرب، والانسحاب، والمساعدات أولًا. إضافة للمعلومات التي تحدّث عنها بحبح، أصدرت حماس بيانًا توضيحيًا بالخصوص قالت فيه: "كانت الأطراف الوسيطة، وخصوصًا قطر ومصر تعبّر عن ارتياحها وتقديرها لموقفنا الجاد والبنّاء". "حرصنا على تقليل عمق المناطق العازلة التي يبقى فيها الاحتلال خلال الـ 60 يومًا، وتجنّب المناطق السكنية الكثيفة، لضمان عودة معظم أهلنا إلى أماكنهم". هذه المعلومات من بحبح وحماس، تتقاطع مع بيان وزارة الخارجية القطرية لتؤكّد أن المفاوضات كانت تسير بشكل إيجابي، وأن رد حماس كان عاملًا محفّزًا للوصول لاتفاق قريب، وأن الموقف الإسرائيلي الأميركي ليس له ما يبرره موضوعيًا. هنا لا بد من الإشارة أيضًا إلى أن بيان مكتب رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو تعليقًا على سحب وفده من الدوحة، برّره في حينه أنه للتشاور لاتخاذ قرار، في وقت أثنى فيه على الدور القطري والمصري في هذا السياق، ولم يكن يحمل إشارة سلبية. أسباب الانقلاب يلاحظ ابتداء أن الموقف الأميركي على لسان الرئيس ترامب ومبعوثه ويتكوف، كان أكثر تطرفًا وسلبية ولا ينسجم مع دور واشنطن "الوسيط"، وإن كانت منحازة لإسرائيل كما هو معلوم، ما يؤكّد تكرارًا أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل ونتنياهو على كافة الأوجه والاحتمالات، وأن أي تباين ظاهر بينهما لا يعدو كونه تبادلًا للأدوار، أو اختلافًا في التكتيكات، وليس الأهداف الإستراتيجية. التناقض في السردية الأميركية الإسرائيلية السلبية من جهة، مع السردية القطرية المصرية الفلسطينية الإيجابية من جهة أخرى، يشير إلى عدة أمور منها: أولًا: نجاح حركة حماس في إعادة رسم خرائط الانسحاب لجيش الاحتلال الإسرائيلي (تموضع مؤقّت داخل قطاع غزة)، بتوافق فلسطيني وقبول مصري وقطري كوسطاء، وبدعم من بعض دول الإقليم، ما يحسب للحركة ولحسن إدارتها المفاوضات. ثانيًا: الخرائط التي قدّمتها حماس والتي حازت قبول الوسطاء، وهي خرائط لا تسمح باستمرار النزوح لمئات آلاف المدنيين، ولا تسمح للاحتلال باقتطاع مناطق واسعة لإقامة معسكرات اعتقال ضخمة تسمّى "مدنًا إنسانية" للتهجير، كانت سببًا كافيًا لاستفزاز الإسرائيليين الذين يريدون فرض رؤيتهم وخرائطهم بالقوّة. ثالثًا: الموقف الإسرائيلي السلبي المدعوم أميركيًا، يمكن أن يحمل في حد ذاته مناورة تفاوضية، لشراء الوقت وممارسة أقسى درجات الضغط على حماس عبر القصف والتجويع الذي بلغ حدًا كارثيًا، لتَقْبَل حماس بالشروط الإسرائيلية، التي تعني وفقًا لخرائط الانسحاب الإسرائيلية، احتفاظ إسرائيل بمناطق سكنية متعدّدة ومساحات واسعة، تُفضي لاستمرار نزوح مئات آلاف الفلسطينيين داخل قطاع غزة (700 ألف فلسطيني). ومن ثم إنشاء معسكرات اعتقال لهم ولغيرهم، تحت مسمى "مدن إنسانية" في مدينة رفح جنوب القطاع على الحدود المصرية، للتهجير التدريجي، كما جاء على لسان وزير الحرب يسرائيل كاتس، وبدعم من الحكومة الإسرائيلية. رابعًا: إذا لم تُفلح المناورة والضغوط الإسرائيلية، ولم تنجح إسرائيل في رسم اتفاق، بقبول فلسطيني يسمح لها بتهجيرهم تدريجيًا عبر سيطرتها على مساحات واسعة من القطاع والتحكّم في المساعدات، فهذا سيضع إسرائيل أمام احتمالين: القبول باتفاق وقف إطلاق نار، وفقًا لخرائط لا تسمح باستدامة نزوح الفلسطينيين داخل القطاع أو تهجيرهم خارجه، مع دخول المساعدات بإشراف الأمم المتحدة، ما يعدّ مقدّمة لانتهاء العدوان على غزة. استمرار تعنّت إسرائيل وتمسّكها بشروطها وبخرائطها لإعادة انتشار جيشها في مناطق واسعة من القطاع، بهدف تهجير الفلسطينيين، سيعقّد المشهد إنسانيًا وميدانيًا، ويُفضي لتوقّف المفاوضات، ويُبقي المشهد الحالي معلّقًا باستمرار الحرب والكارثة الإنسانية في غزة. العامل المشترك أو الخيط الرفيع الذي يربط بين مخططات إسرائيل العسكرية في غزة، وحراكها التفاوضي في الدوحة طوال عامين ماضيين؛ هو محاولة كسر إرادة الفلسطينيين وهزيمتهم نفسيًا لقبولهم بسيناريو التهجير عبر المفاوضات، أو بالقوة العسكرية المباشرة. فشل إسرائيل في تحقيق ذلك، يفسّر سبب انقلابها وبدعم أميركي على بيئة المفاوضات الإيجابية التي تحدّث عنها بيان وزارة الخارجية القطرية، وما تحدّث عنه بشارة بحبح المقرّب من ستيف ويتكوف، وما تحدّثت عنه أيضًا حركة حماس. إسرائيل عودّتنا كلما أرادت أن تهرب من استحقاقات العملية التفاوضية، قامت بحملة إعلامية ضخمة وبدعم أميركي مباشر، بتحميل حركة حماس مسؤولية الفشل أو عدم نجاح المفاوضات، وبضخ معلومات كاذبة ومشوّهة على لسان مصادر مطّلعة وعلى لسان مسؤولين لا يتورّعون عن الكذب. عقدة إسرائيل اعتادت إسرائيل أن تفاوض لتُملي شروطها وتصوراتها بالقوّة وبدعم أميركي لا يصمد أحدٌ على الوقوف أمامه. لكنها في هذه المرة، تواجه مفاوِضًا يرفض الاستسلام لشروطها المجحفة أو الركوع لسيف قوّتها العاتية، فكيف ذلك وهذا المفاوِض هو حركة حماس وفصائل مقاومة فلسطينية محاصرة ومحدودة القوّة المادية؟ كيف يحدث هذا والفلسطيني يتعرّض لإبادة وتطهير عرقي قتلًا وتجويعًا وتعطيشًا، وما زال يصر على البقاء ويرفض الاستسلام والتهجير؟ هذا المشهد المعقّد والصعب يزيد في حيرة الإسرائيليين والأميركيين، ويضعهم في مأزق أمام محدودية الخيارات، لا سيّما أن المقاربة العسكرية فشلت منذ نحو عامين في تحقيق الأهداف، فإسرائيل لم تُبقِ وسيلة أو خطة شيطانية إلا واستخدمتها. العقل الإسرائيلي المتغطرس والمتبجّح لا يسعه الاعتراف بالهزيمة أمام إرادة الشعب الفلسطيني الأعزل، وهو يرى في ذلك استمرارًا لهزيمته المدوّية في معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، التي صفعت وجه الردع الإسرائيلي، وضربته سهمًا في قلبه. نتنياهو يبدو في موقفٍ ظاهره الظَفَر وباطنه فيه الخيبة، فهو لم يستطع تحقيق أهدافه السياسية بالقوّة العسكرية؛ فلا هو قضى على حركة حماس، ولا استطاع أن يكسر إرادة الفلسطينيين، أو أن يعيد الأسرى بالقوّة العسكرية، والجيش الإسرائيلي منهك ومتعب وقيادته تؤكّد عدم قدرتها على تحقيق الأهداف. الأسوأ لدى نتنياهو، إدراكه أن إطالة أمد المعركة في غزة لا تضمن له الانتصار قُبيل الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية المقبلة في العام القادم، وهو الذي يعوّل عليها للعودة مجددًا لحكم إسرائيل، وإذا لم يستطع الحسم سياسيًا عبر المفاوضات فقد يفقد الزخم الشعبي الذي حازه بعد الحرب على إيران، فغزة ستبقى ثَقبًا نازفًا في الذاكرة الإسرائيلية ما سينعكس سلبًا على حظوظه الانتخابية. استمرار الوضع الحالي، لن يتوقّف في تداعياته على مصير نتنياهو والخريطة السياسية الإسرائيلية الداخلية فقط، وإنما سينسحب سلبًا على صورة إسرائيل خارجيًا وبشكل عنيف، فإسرائيل خسرت سردية "الضحية"، وتحوّلت في نظر العالم إلى كيان مارق متوحّش ينهش قيم الإنسانية، كما يأكل أجساد الفلسطينيين وأطفالهم في غزة. الانهيار يبدأ من فقدان الشرعية والصورة، وهذا ما بدأت تعاني منه إسرائيل التي تقودها مجموعة متطرفين من اليمين، فاشلين سياسيًا وغير قادرين على تحقيق أوهامهم اللاهوتية، حيث الشعب الفلسطيني يتمسّك بالبقاء والحياة رغم الكارثة التي صنعها الاحتلال في غزة، ولسان حالهم يقول؛ رغم القتل والتجويع لا نكبة بعد النكبة.