logo
رسائل الحج للأمة الشاهدة على الناس

رسائل الحج للأمة الشاهدة على الناس

الجزيرةمنذ 2 أيام

يتوافد الحجيج قاصدين بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج هذا العام، ويتزامن هذا مع استمرار حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي على أهلنا وإخواننا في غزة، ومع استمرار ثباتهم وصمودهم وصبرهم الأسطوري، ومع استمرار حالة العجز والهوان التي تحياها الأمة في هذه المرحلة الدقيقة العصيبة من تاريخها المجيد، وهي الأمة المخرَجة للناس، وهي أمة الشهادة على الناس، التي قال تعالى فيها: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران: 110]، وقال: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143].. في هذا السياق يجدر بنا أن نتأمل في الحج ورسائله التي يحملها للأمة في هذا الظرف العصيب، عسى أن تفيق من غفلتها، وأن تنهض من رقدتها، وأن تتعافى مما أصابها.
خير من جسَّد معنى الانقياد لأمر الله هم أهل غزة؛ فقد رأينا تلك الطبيبة الثابتة الصامدة، المستسلمة لأمر الله، تستقبل أولادها التسعة شهداء، وقد تفحمت جثثهم تحت سمع العالم الذي فقد إنسانيته وأُخوَّته
وأهم رسائل الحج للأمة في هذه المحنة ما يلي:
أولا: الانقياد والاستسلام لأمر الله
الحج كله تدريب على الانقياد والاستسلام لأمر الله، والتحقق بالمعنى الحق للعبودية؛ فرغم أن مناسك الحج وأعماله كلها ليست أعمالاً مبهمة غير معقولة المعني، وإنما لها مقاصد ومعانٍ لو عقلها الحاج وغير الحج لكان لها أعظم الأثر في تغيير سلوك الحاج مع الله ومع الناس.. رغم ذلك فإن الحج تدريب على الانقياد والامتثال؛ ففي الحج يجب أن تحرم من مكان بعينه، وتُمنع من جملة من محظورات الإحرام التي كانت مباحة لك.
كذلك، في كل وقت هناك عمل ونسك وعبادة، فمطلوب منك أن تصلي هنا وأن لا تصلي هنا، هنا تطوف وهنا تسعى، هنا تقبل الحجر وهنا لا تقبل.. فقط تستلم، كل يوم وكل ساعة لها عمل وعبادة، تجمع أحجاراً من مزدلفة لترمي بها الجمار في منى، تجمع أحجاراً لترمي بها أحجاراً، وتطوف حول الكعبة وهي حجر، وتستلم الحجر الأسود وهو حجر، تعظم ما أمرك الله بتعظيمه، وتبذل المال الكثير وتترك وطنك وأهلك لتعيش بحق معنى العبودية لله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
وخير من جسَّد معنى الانقياد لأمر الله هم أهل غزة؛ فقد رأينا تلك الطبيبة الثابتة الصامدة، المستسلمة لأمر الله، تستقبل أولادها التسعة شهداء، وقد تفحمت جثثهم تحت سمع العالم الذي فقد إنسانيته وأُخوَّته، وأدنى درجات الغيرة على الحقوق والحرمات!!
ثانيا: شعار التوحيد وتنزيلاته
التوحيد هو شهادة المخلوق للخالق أنه الله الذي له الخلق والأمر، والحج شعاره التوحيد، فالحاج يقرأ في ركعتي سنة الإحرام وسنة الطواف بسورتي "الكافرون" و"الإخلاص"، وهما من السور التي تقرر معنى التوحيد، والتلبية في الحج هي أعلى مظاهر التوحيد.. "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك"، والطواف من مظاهر التوحيد، قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [الحج: 26]، والابتهال إلى الله السميع القريب المجيب في عرفة مظهر من مظاهر التوحيد.
وحديث القرآن الكريم عن الحج كله ذكر وشكر لله تعالى، وهو توحيد.. تأمل قوله تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ﴾ [الحج: 27-28] ، وقوله: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: 203] والحديث هنا عن رمي الجمار في الحج. وتأمل أيضاً قوله تعالى: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الحج: 36].
إعلان
وخير من جسَّد معاني ودروس التوحيد والعقيدة حية هم أهل غزة بصبرهم وثباتهم بعد أن تخلى العالم عنهم؛ لأنهم يؤمنون أن الله الواحد هو ناصرهم ومؤيدهم، وهو وليهم وسندهم وإن حاربهم العالم بأسره، وهم يوقنون أن الله الواحد ابتلاهم في الدنيا وسيجزيهم في الآخرة، فهل وعت أمة التوحيد هذا المعنى فنصرت إخوانها وآزرتهم، وهل وعى قادة أمة التوحيد هذا المعنى حين دفعوا المليارات لمن يوقع قرار القتل والإبادة والتهجير لغزة وأهلها، والواجب عليهم إيقاف الحرب وإدخال الغذاء والدواء لئلا يموت الناس جوعاً وظلماً!
الحج تذكير باليوم الآخر للحاج وغير الحاج؛ فغير الحاج يعيش مع الحاج بالاجتهاد في عشر ذي الحجة، وبصيام يوم عرفة، وذبح الأضحية في أيام التشريق، والامتناع عن الأخذ من شعره وبشره إذا كان مضحياً على سبيل السنة إذا كان قادراً
ثالثا: اليوم الآخر واستنهاض الأمة
الحج أعماله كلها تذكير بيوم القيامة؛ فالمحرم بالحج يغتسل ويتجرد من المخيط والمحيط، ويصلي ركعتين سنة الإحرام تماماً كما يُفعل بالميت، ويلبس ثياب الإحرام التي تشبه كفن الميت، ولهذا نلحظ أن سورة الحج بدأت بالحديث عن اليوم الآخر ولم تبدأ بالحديث عن الحج ومناسكه ومعانيه.. قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: 1-2].
فالحج تذكير باليوم الآخر للحاج وغير الحاج؛ فغير الحاج يعيش مع الحاج بالاجتهاد في عشر ذي الحجة، وبصيام يوم عرفة، وذبح الأضحية في أيام التشريق، والامتناع عن الأخذ من شعره وبشره إذا كان مضحياً على سبيل السنة إذا كان قادراً. فمعاني الحج ومقاصده لا يخاطب بها الحاج وحده، وإنما الحاج وغير الحاج. وتذكُّر اليوم الآخر يجعل الإنسان يزهد في الدنيا، ويعمل للحياة الحقيقية والجزاء الأوفى في الآخرة.
ولولا يقين أهل غزة وإيمانهم بالآخرة ما رأينا منهم ثباتاً أو صموداً أسطورياً كما نرى، فما الذي يحمل امرأة على استقبال خبر استشهاد أولادها التسعة بالرضا والحمد إلا يقينها أنها ستلقاهم في الآخرة، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، ولو وعت الأمة في مجموعها هذا المعنى لما تعلقت بالدنيا، ولما خذلت أهل غزة على هذا النحو الذي ذهبت معه حمرة الخجل!
رابعا: ضرورة الاعتصام والوحدة
من مقاصد الحج ومظاهره الاعتصام ووحدة الأمة، فانظر إلى ملايين الحجيج على صعيد عرفة وهم بلباس الإحرام، يلبون ويضرعون إلى الله باكين، لترى عظمة الإسلام وقوة الأمة، وكيف أن بقية الأمة التي تتوق نفسها للحج تشارك الحجيج بالدعاء والصيام في يوم عرفة.. ثم تعود وتتساءل: أين أثر هذه الأمة وهذه الجموع في نصرة إخوانهم في غزة، وإيقاف الحرب الظالمة عليهم؟ فلا تجد جوابا!
إعلان
ومشهد الحج يدفعنا إلى التفكير في كيفية الخروج من هذه الغثائية إلى الفاعلية، ومن الفرقة والتشرذم إلى الوحدة والاعتصام بحبل الله، والمسلمون في الغرب أحوج الناس إلى الوحدة واجتماع الكلمة؛ لأنهم يملكون قرارهم إن تخلوا عن أهوائهم وذواتهم، وأخلصوا وجهتهم لله وحده، فالأخطار تحيط بهم، والسماء السياسية ملبدة بغيوم كثيرة، ولا نجاة منها إلا بالاتحاد والتكتل والوعي ثم السعي.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

لوتان: يجب التعرف على جريمة الإبادة الجماعية لمنح ما يحدث بغزة اسما مناسبا
لوتان: يجب التعرف على جريمة الإبادة الجماعية لمنح ما يحدث بغزة اسما مناسبا

الجزيرة

timeمنذ 21 دقائق

  • الجزيرة

لوتان: يجب التعرف على جريمة الإبادة الجماعية لمنح ما يحدث بغزة اسما مناسبا

تعجز الكلمات عن وصف ما عاناه أهل غزة على مدار 600 يوم الماضية، وقد حان الوقت لإعادة قراءة اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1946 بشأن جريمة الإبادة الجماعية ، لمنح ما يحدث اسما مناسبا. هكذا قدمت صحيفة لوتان لتقرير بقلم فريدريك كولر قال فيه إن الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت تعريف جريمة الإبادة الجماعية في ديسمبر/كانون الأول 1946 بهدف منع تكرار إبادة يهود أوروبا البشعة على يد ألمانيا النازية. وتنص المادة الثانية من اتفاقية منع هذه الجريمة والمعاقبة عليها -حسب الكاتب- على أن "الإبادة الجماعية تعني أيا من الأفعال التالية المرتكبة بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، على أساس صفتها هذه، كليا أو جزئيا، ونتقسم إلى: 1 قتل أعضاء من الجماعة. 2 إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأعضاء من الجماعة. 3 إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يقصد بها إهلاكها المادي كليا أو جزئيا. 4 منع الإنجاب داخل الجماعة. 5 نقل أطفال الجماعة قسرا إلى جماعة أخرى. منطق يتشكل تدريجيا ومنذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي نفذه مقاتلو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وأسفر عن مقتل نحو 1200 إسرائيلي، والجيش الإسرائيلي يقصف قطاع غزة يوميا، باستثناء هدنتين، متذرعا بحق الدفاع عن النفس ، ومتبنيا خطة للتدمير المنهجي للأرض، وإعلان نيته القضاء على سكانها أو تهجيرهم جميعا أو جزئيا، وقد تم تأكيد منطق الإبادة المتعمد هذا على مراحل. وذكر الكاتب بأن محكمة العدل الدولية أكدت، بموجب قراري جنوب أفريقيا الصادرين في 26 يناير/كانون الثاني و28 مارس/آذار 2024، وجود "خطر إبادة جماعية محتمل" في غزة، وألزمت إسرائيل بمنعها، ولكن تل أبيب لم تأخذ هذا الأمر في الاعتبار ولم تأخذه أي دولة أخرى. وبالفعل واصل حلفاء إسرائيل تزويدها بالأسلحة، واستمرت المجازر، ولكن المساعدات الإنسانية ظلت تصل غزة، قبل أن يتغير الأمر خلا 80 يوما الماضية، عندما اعتبرت الحكومة الإسرائيلية بعد عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أنها صاحبة الحق في حل قضية غزة، وأعلنت صراحة عزمها إقامة دولة إسرائيل الكبرى، مما يحرم الفلسطينيين من حقهم في الوجود، وتم التعبير رسميا عن نية "تدمير غزة بالكامل"، مع "خطة ترحيل". كما يقول الكاتب. ومنذ بداية مارس/آذار خضعت غزة لحصار شامل، مما أدى إلى غرق سكانها في المجاعة، وذلك بالتزامن مع تسارع الاستيطان في الضفة الغربية، ومع تحول المساعدات الإنسانية إلى أداة سياسية لتنفيذ خطة الحكومة الإسرائيلية. وقد وصلت المأساة في قطاع غزة إلى حد، عجز شهود العيان عن وصفه، إذ لم يشهد العاملون في المجال الإنساني قط دمارا مثل هذا في منطقة مغلقة، يستهدف داخلها المقاتلون والمدنيون عشوائيا، وتستهدف المستشفيات والمدارس وعمال الإنقاذ والأطباء والصحفيون. واستنادا إلى الحقائق الموثقة واللغة التي تستخدمها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، يدعي بعض المؤرخين الإسرائيليين الآن أن ما نشهده في غزة "إبادة جماعية"، وإن كان البعض يقول إنه ليس من اختصاص المؤرخين أن يقرروا ذلك. إعلان

تفاصيل "مجزرة المساعدات" يرويها غزيون للجزيرة نت
تفاصيل "مجزرة المساعدات" يرويها غزيون للجزيرة نت

الجزيرة

timeمنذ 21 دقائق

  • الجزيرة

تفاصيل "مجزرة المساعدات" يرويها غزيون للجزيرة نت

غزة- تتنقل سيدة مكلومة بين جثامين الضحايا في مشرحة مجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس جنوب غربي غزة ، باحثة عن بقية أفراد عائلتها الذين فرقتهم قذائف جيش الاحتلال أثناء محاولتهم الحصول على طرد غذائي في مركز لتوزيع المساعدات الإنسانية غرب مدينة رفح. السيدة التي بالكاد كانت تلتقط أنفاسها من هول الصدمة، قالت للجزيرة نت إنها انتظرت منذ ساعات الليل، مع آلاف الفلسطينيين في منطقة "مواصي رفح"، إلى أن سمحت الشركة الأميركية المشرفة على توزيع المساعدات لهم بالتوجه إلى نقطة التسليم عند الساعة الخامسة والنصف فجر اليوم الأحد. لكن ما إن تقدم الحشد المتلهف إلى المكان، حتى فتحت طائرات الاحتلال المُسيّرة نيرانها، تبعتها نيران القناصة والقذائف التي أطلقتها الدبابات، في مشهد دموي أسفر عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وإصابة آخرين بجروح متفاوتة، في واحدة من أبشع المجازر التي تُرتكب تحت غطاء ما يُسمى "المساعدات الإنسانية". مجزرة المساعدات الشاب فارس عبد الغني، الذي قطع أكثر من 25 كيلومترا من مدينة غزة باتجاه رفح بحثا عن الطعام، يروي للجزيرة نت تفاصيل ما جرى قائلا: "بعد ساعات من الانتظار، تحركنا في الطريق الذي حددته لنا الشركة الأميركية، وكان آلاف الجوعى محصورين في شارع واحد، ثم باغتتنا نيران الاحتلال من كل الاتجاهات". وأضاف عبد الغني أنه سمع عبر مكبر صوت مثبت على رافعة تابعة لقوات الاحتلال صوت جندي يصرخ بالعبرية "غزاوي جعان.. برّا!"، قبل أن تطلق النيران بكثافة عليهم من الطائرات المروحية والدبابات والقناصة المنتشرين في مواقع محصنة. ووصف ما جرى بـ"الكمين"، مشيرا إلى أن قوات الاحتلال منعت سيارات الإسعاف من الوصول إلى الموقع، مما اضطر الناجين إلى استخدام العربات التي تجرها الحيوانات، أو مركبات صغيرة أحضرها المواطنون لنقل المساعدات، في إخلاء الجثامين والمصابين. ويقول أحد المسنين، وقد غلبته الدموع وهو يروي اللحظات العصيبة "ذهبنا لنحصل على لقمة العيش فوجدنا الموت.. هذه ليست مساعدات إنسانية، أميركا تدفعنا للموت بدل أن تطعمنا". ابتزاز جماعي في مجمع ناصر الطبي، تملأ عشرات الإصابات أرضية المستشفى بعد أن امتلأت غرف العمليات بالحالات الحرجة، في وقت ناشد فيه المستشفى المواطنين في خان يونس التبرع بالدم، لإنقاذ الجرحى الذين أصيبوا في "مجازر المساعدات". وفي صباح اليوم نفسه، فتحت قوات الاحتلال نيران رشاشاتها تجاه حشود فلسطينية تجمعت قرب جسر وادي غزة عند نقطة توزيع تُعرف بـ" نتساريم"، مما أسفر عن استشهاد مواطن وإصابة 30 آخرين. وفي تصريح خاص للجزيرة نت، قال مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة، إن ما يحدث هو "ابتزاز جماعي منظم"، حيث تُستخدم المساعدات كأداة للحرب، وتُشرف عليها شركة أميركية-إسرائيلية بتنسيق كامل مع جيش الاحتلال، الذي ينصب كمائن القتل تحت غطاء "المناطق العازلة". وأضاف الثوابتة أن هذا النموذج القاتل يحول نقاط توزيع الغذاء إلى مصائد موت جماعي، مشيرا إلى أنه منذ بدء توزيع المساعدات عبر تلك الشركة في 27 مايو/أيار، استشهد أكثر من 49 فلسطينيا وأصيب أكثر من 305، مما يدل على أن الغرض منها ليس الإغاثة بل فرض سيطرة أمنية عبر القتل الجماعي. هندسة التجويع وتفرض إسرائيل حصارا شاملا على قطاع غزة منذ مطلع مارس/آذار الماضي، مانعة دخول المساعدات والمواد الغذائية لأكثر من مليوني فلسطيني، ولم تسمح بدخول بعض الشاحنات إلا بعد ضغوط أميركية في أعقاب إطلاق سراح الجندي الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر. وفي 27 مايو/أيار الجاري، بدأت مؤسسة "غزة الإنسانية" الأميركية توزيع طرود غذائية بكميات محدودة من مركز أقامته غرب مدينة رفح، وأعلنت أنها ستقيم 4 مراكز أخرى وسط وجنوب القطاع. لكن المؤسسة لا تملك قواعد بيانات خاصة بالسكان، ولا تنسق مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) أو أي من المنظمات الدولية المعتمدة، مما تسبب في فوضى كبيرة بمواقع التوزيع. وقال رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبده، إن المجازر المرتكبة بحق الجوعى تؤكد أن إسرائيل تطبق "منظومة هندسة التجويع" عمليا، مستخدمة المساعدات كمصيدة لقتل الفلسطينيين، وليس لإطعامهم. وأضاف عبده في حديثه للجزيرة نت "إسرائيل أرادت إيصال رسالة للفلسطينيين بأن رفضهم لمقترح ستيفن ويتكوف لا يعني فقط حجب المساعدات عنهم، بل قتل كل من يقترب من نقاط التوزيع". واتهم عبده المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية بـ"الاستسلام المعيب" للإرادة الإسرائيلية، محذرا من التعامل مع المجازر على أنها مجرد خلل إداري في آلية التوزيع. وشدد على أن تولي جيش الاحتلال ملف المساعدات الإنسانية هو من أبرز مظاهر الفشل الإنساني الدولي، مؤكدا أن من يرتكب إبادة جماعية لا يمكن أن يكون مؤتمنا على تحسين أوضاع من يُفترض أنهم ضحاياه.

إقليم الباسك الإسباني يجسد جثامين غزة في وقفة تضامنية
إقليم الباسك الإسباني يجسد جثامين غزة في وقفة تضامنية

الجزيرة

timeمنذ 34 دقائق

  • الجزيرة

إقليم الباسك الإسباني يجسد جثامين غزة في وقفة تضامنية

شهد مدينتا سان سيباستيان وإيرونيا في إقليم الباسك الإسباني فعاليات مناصرة لقطاع غزة ، منها وقفة تضامنية شهدت محاكاة لجثامين الضحايا، لاسيما أطفال القطاع الذين استشهدوا جراء العدوان الإسرائيلي. وأفاد مراسل الجزيرة بأن الوقفة طالبت بوقف الحرب في غزة، ووقف معاناة الشعب الفلسطيني، وكسر الحصار وإدخال المساعدات، وأعرب المشاركون فيها عن استغرابهم صمت العالم إزاء هذه الإبادة التي عاشتها غزة على مدى أكثر من 600 يوم. وتقام هذه الفعاليات تحت شعار أساسي هو "جميعنا يمكننا أن نفعل أكثر"، وتترافق مع استمرار المظاهرات التي تشهدها مدن أوروبية عدة تضامنا مع الفلسطينيين. وقد وثّق المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام أكثر من 34 ألفا و146 مظاهرة وفعالية تضامنية مع فلسطين في 644 مدينة في 20 دولة أوروبية، مع بلوغ حرب الإبادة على قطاع غزة يومها الـ600 الأربعاء الماضي. وبيّن المركز رصده تلك المظاهرات والفعاليات بأنواعها في عموم القارة الأوروبية خلال 20 شهرا نصرة للفلسطينيين وتنديدا بالحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، التي خلفت أكثر من 178 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store