
رسم الحدود برشاقة الدبلوماسية السعودية
يعد ترسيم الحدود أمراً بالغ الأهمية للدول لحفظ سيادتها ورعاية مواطنيها، ويزداد الأمر أهمية وتعقيداً إذا ما وجدت الخيرات الطبيعية، وهو ما ينطبق على حوض المتوسط خاصة مع اكتشافات العام ٢٠١٠، وقد سال اللعاب الغربي تحديداً مع العام ٢٠٢٢ والبحث الأوروبي الجاد عن مصادر بديلة للغاز الروسي.
ويتكوّن حوض شرق المتوسط الكبير من ثلاث مناطق فرعية بحسب كتاب جيوبوليتيك البحر المتوسط الصادر من مركز دراسات الوحدة العربية، وهي: حوض بحر إيجه، قبالة سواحل تركيا واليونان وقبرص، وحوض دلتا النيل، قبالة سواحل مصر، والذي يمتد شمالاً حتى سواحل قبرص، وأخيراً حوض المشرق، قبالة سواحل سورية ولبنان و«إسرائيل» وهو ما يعنينا في هذا المقال.
ولبنانياً تأخر لبنان كثيراً في ترسيم حدوده مع إسرائيل وقبرص لصعوبة تسويق هذا المنتج على جمهور المقاومة، رغم جولات المفاوضات على مدار السنين، حتى عاد أموس هوكشتاين، الذي مثّل الجانب الأمريكي في المفاوضات خلال العالم ٢٠١٣ ولم يحالفه التوفيق.
ونجح في ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٢ بإتمام اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، ولبنانياً ما أنضح الحل كانت الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت منذ ثورة ٢٠١٩ وتبخر أرصدة المودعين من المصارف اللبنانية، وبالطبع كارثة تفجير مرفأ بيروت.
الاتفاق تم إثر قبول لبنان بالخط 23 بدلاً من الخط 29 خلال المفاوضات. حيث كان الخط 29 ليتيح للبنان الحصول على قسم من حقل كاريش الذي تسعى إسرائيل إلى استخراج المواد الهيدروكربونية منه. ويُشار في هذا الصدد إلى أن الشركة الفرنسية «توتال» هي التي ستتولى عملية التنقيب واستخراج الغاز في حقل قانا، وهذا ما يفسّر المقاربة الفرنسية قبل الحرب الأخيرة ومساعي كسب ود حزب الله.
وعلى عكس المتوقع كان ترسيم الحدود اللبنانية الإسرائيلية أصعب عملياً من ترسيم الحدود اللبنانية السورية، وذلك لسبب بسيط وهو أن نظام حافظ الأسد اعتبر بيروت حديقته الخلفية وليست دولة ذات سيادة، خاصة بعد سقوط هضبة الجولان بيد إسرائيل والاتفاق معها في ١٩٧٤، ثم الدخول في أتون الحرب الأهلية اللبنانية في ١٩٧٥.
ولنا أن نتخيّل على سبيل المثال أن لبنان الكبير الذي تشكّل بعد الانتداب الفرنسي في العام ١٩٢٠ لم يتم التوافق بعده على سفارة سورية في بيروت إلا في ١٣ أغسطس ٢٠٠٨ بعد قمة الرئيسين بشار الأسد وميشال سليمان، وكان شعار الأسد الأب التليد لقضم لبنان «تلازم المسار».
اليوم يشهد لبنان وسوريا على نحو سواء تحديات كبيرة على مستوى العبور من نفق الماضي، كما يشهدان تحديات من أصحاب المصالح في التهريب والكبتاجون والتي تعد المعابر غير الشرعية الأكسجين الذي يتنفسون منه، ومن أطراف إقليمية يغضبها أن تصبح الدولتان دولتين وطنيتين لا تقومان على أسس إثنية أو طائفية.
كما يشير المنظر الأمريكي نيكولاس سبيكمان أن «الجغرافيا لا تجادل، فهي ما هي عليه، فهي العامل الأكثر أهميّة في السياسة الخارجيّة للدول، لأنّها أكثر ديمومة، وحتى الطّغاة يموتون، لكنّ السلاسل الجبلية تبقى».
من هنا تأتي أهمية خطوة السعودية كصانعة الاستقرار في المنطقة، عبر جمع وزيرَي دفاع البلدين في جدة، بحضور وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، حيث وقّع وزير الدفاع اللبناني ميشال منسّى ونظيره السوري مرهف أبو قصرة اتفاقاً أكدا فيه على الأهمية الإستراتيجية لترسيم الحدود بين البلدين، وتشكيل لجان قانونية متخصصة بينهما في عدد من المجالات، وتفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الأمنية والعسكرية وبخاصة فيما قد يطرأ على الحدود بينهما.
دبلوماسية الرياض الرشيقة والبعيدة عن الضوضاء لابد أنها تذكّر اللبنانيين باتفاق الطائف، الذي أقر معارضوه قبل مؤيديه أنه الحصن الذي منع انزلاق لبنان في حرب أهلية بالرغم من كل التهديدات في السنوات الماضية، ويأتي الإعلان عن الاتفاق على عقد اجتماع متابعة في السعودية في الفترة المقبلة، على إصرار الرياض على أخذ هذا المسار للنهاية.
إطلاق رصاصة سهل جداً لإشعال نزاع على الحدود السورية واللبنانية، أو في السودان، ولكن المهارة الأصعب هي إطلاق حبر الاتفاقيات التي تحفظ مقدرات اليوم والأجيال القادمة، وتمثّل نموذجاً مختلفاً يطرح التنمية كخيار تقدّمي في المنطقة.
أخبار ذات صلة

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


Independent عربية
منذ 8 ساعات
- Independent عربية
"شبكات الظل"... من يحاول تهريب السلاح مجددا من سوريا إلى "حزب الله"؟
على رغم الجهود المكثفة التي تبذلها السلطات السورية الجديدة لضبط الحدود مع لبنان، والإنجازات الملحوظة في تفكيك معامل "الكبتاغون" وشبكات التهريب، وعلى رغم التشدد المتصاعد من الجانب اللبناني على المعابر البرية والبحرية والجوية، لا تزال عمليات تهريب الأسلحة إلى "حزب الله" مستمرة، في ما يبدو أنه سباق مفتوح بين الدولة اللبنانية والسورية من جهة، وشبكات ميليشياوية منظمة من جهة أخرى. ففي عملية أمنية وصفت بأنها "الأولى من نوعها" منذ إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، أعلنت الأجهزة الأمنية السورية قبل ساعات ضبط مستودع ضخم يحوي كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر المتنوعة، كانت في طريقها إلى "حزب الله" في لبنان. وأيضاً أعلن الجيش اللبناني قبل أسابيع توقيف عصابة متورطة في تهريب الأسلحة والذخائر الحربية من الأراضي السورية إلى لبنان، في إطار عمليات أمنية متواصلة لمكافحة التهريب عبر الحدود الشرقية للبلاد. ومع توارد هذه الأخبار، طرحت تساؤلات حول الجهة التي لا تزال ترسل أسلحة من سوريا إلى لبنان على رغم المتغيرات الجذرية في كلا البلدين، ومن هي هذه الجهة التي لا تزال باستطاعتها تأمين السلاح وإرساله إلى الداخل اللبناني؟ ولمن ترسله؟. تفكيك البنية التهريبية بين سوريا ولبنان تتقاطع المعلومات التي نشرتها وسائل إعلام سورية وعربية قبل ساعات مع ما تكشفه مصادر أمنية سورية، ومفادها بأن وحدات من قوى الأمن الداخلي نفذت عملية مداهمة دقيقة، استمرت أياماً، في منطقة غرب العاصي بريف حمص الجنوبي المحاذية لبلدات شمالية شرقية في لبنان، إحدى أبرز النقاط المستخدمة تقليدياً للتهريب عبر الحدود بين البلدين. وأسفرت العملية عن ضبط أسلحة تشمل بنادق رشاشة وقذائف صاروخية وصواريخ "غراد" قصيرة المدى، تمت مصادرتها قبل وصولها إلى وجهتها. وتعد هذه العملية جزءاً من سلسلة تحركات أمنية تهدف إلى تفكيك البنية التهريبية التي طالما استخدمها "حزب الله" في نقل السلاح عبر المعابر غير الشرعية. فيما يقول متابعون إن الحزب، الذي تراجع وجوده العسكري العلني في سوريا، يسعى لاستعادة سلاحه من مستودعات مهجورة خلفها وراءه في مناطق انسحب منها. على رغم تشديد الرقابة لا تزال عمليات تهريب الأسلحة من سوريا إلى "حزب الله" مستمرة (إعلام حزب الله) تنسيق أمني بين دمشق وبيروت بالنظر إلى نوعية الأسلحة المضبوطة، والتي تتضمن وفق التقارير الأمنية صواريخ قصيرة المدى وقذائف صاروخية ورشاشات متوسطة وثقيلة ومضادات دروع من نوع "كورنيت" وعبوات ناسفة وطائرات استطلاع مسيرة بدائية، يعبر مصدر أمني لبناني عن قلقه من نوعية الأسلحة المضبوطة، موضحاً أن هذه الترسانة ليست بطبيعتها العسكرية مخصصة لمواجهة إسرائيل، بل موجهة أكثر في نطاق جغرافي ضيق وليس بعيد المدى. ويضيف أن نجاح العملية يعكس تطوراً في أداء الأجهزة الأمنية السورية، كما يبرز مستوى جديداً من التنسيق الأمني بين دمشق وبيروت، لا سيما في مجال مكافحة تهريب الأسلحة والمخدرات. ومنذ إسقاط النظام السوري السابق، كثفت السلطات الأمنية الجديدة جهودها لتفكيك شبكات التهريب وتنظيف الحدود. وتم إحباط محاولات تهريب عدة مشابهة منذ بداية العام، كلها مرتبطة بمواقع ومخازن كان "حزب الله" يستخدمها كمنصات خلفية لوجيستية. مخازن مهجورة بعد انهيار سلطة النظام السابق في دمشق وفرار بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، انسحب "حزب الله" من مواقع استراتيجية عدة داخل سوريا، أبرزها القصير والقلمون وريف دمشق وريف حلب، غير أن هذا الانسحاب لم يكن منظماً بالكامل. فيما تؤكد المعلومات والتقارير أن الحزب ترك خلفه مستودعات للأسلحة المتوسطة والخفيفة، بعضها تحت الأرض أو في مناطق جبلية يصعب الوصول إليها. هذه المستودعات أصبحت اليوم هدفاً لعصابات تهريب محلية، بعضها على ارتباط بعناصر سابقة في أجهزة النظام السابق باتت أشبه بـ "شبكات ظل"، وتعمل بالتنسيق مع أخرى ميدانية تابعة لـ"حزب الله"، بهدف استعادة تلك الأسلحة ومحاولة تهريبها مجدداً إلى الداخل اللبناني. ومن أبرز المناطق التي رصدت فيها عمليات تهريب مستجدة: منطقة القصير المحاذية للبقاع اللبناني (شرق)، جرود القلمون الغربي (قارة، يبرود، رأس المعرة)، الزبداني ومضايا، وريف دمشق الجنوبي، إضافة إلى بعض المعابر غير الرسمية شمال لبنان، خصوصاً المحاذية لوادي خالد. وعمليات التهريب هذه تنفذ عبر الطرق الجبلية الوعرة نفسها التي استخدمت في العقود الماضية لنقل مسلحين وسلاح ومخدرات، لكنها اليوم تعود إلى الحياة تحت إشراف شبكات أكثر تنظيماً وارتباطاً مباشراً بقيادات حزبية ومهربين سابقين نافذين. الإجراءات السورية شملت توقيف مهربين وضباط أمن سابقين وتفكيك المستودعات المهجورة (الوكالة الوطنية للإعلام) تفكيك الميليشيات السلطات السورية الجديدة أبدت إصراراً واضحاً على إنهاء الحقبة السابقة من الفوضى الأمنية، عبر إجراءات ميدانية صارمة شملت: تفكيك معامل لإنتاج "الكبتاغون" في ريف حمص وجنوب سوريا، وضبط شحنات سلاح من مستودعات مهجورة متجهة إلى لبنان، وتوقيف عناصر أمنية سابقة ومهربين على صلة بـ"حزب الله"، وتنفيذ مسح شامل للمناطق الخارجة سابقاً عن سيطرة الدولة. وهو ما قرأه كثيرون على أنه ترجمة لرغبة حقيقية في بناء علاقة متوازنة مع لبنان والمجتمع الدولي، وقطع العلاقة مع الميليشيات العابرة للحدود. على الجانب اللبناني، تؤكد الأجهزة الرسمية أنها حققت تقدماً ملحوظاً في مراقبة المعابر غير الشرعية، مع تسجيل إنجازات في إقفال ممرات تهريب في البقاع الشمالي، ومداهمة مستودعات أسلحة في مناطق الهرمل والقصر، وتعزيز التنسيق بين الجيش والجمارك على الحدود الرسمية، وضبط شحنات ذخيرة مخبأة ضمن شاحنات تجارية. وعلى رغم هذه الجهود، تبقى الطبيعة الجغرافية الوعرة، وتعدد نقاط العبور غير الشرعية، وسلطة الأمر الواقع في بعض المناطق، عوائق أساسية أمام السيطرة الكاملة. ترسانة داخلية في ظل تصاعد الضغوط الدولية وتلويح بعض القوى بفرض تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بنزع سلاح "حزب الله"، ولا سيما 1559 و1701، يرى محللون أن الحزب يعيد تشكيل ترسانته الداخلية تحسباً لاحتمالات اضطراب داخلي كبير، سواء على خلفية انهيار اقتصادي أو صدام سياسي وشعبي. فما يهرب اليوم ليس سلاح جبهات، بل سلاح شوارع: ذخائر وقذائف وعبوات تصلح لفرض السيطرة على الداخل أكثر مما تصلح لمواجهة عدو خارجي. في هذا السياق، تطرح تساؤلات حول أهداف "حزب الله" الحقيقية، ومآلات سلاحه إذا ما قرر الشارع اللبناني، مدعوماً بغطاء دولي، المضي بمسار الدولة من دون ازدواجية السلاح والسلطة. وفي هذا السياق، ورداً على التقارير التي تحدثت عن ضبط شحنات أسلحة كانت متجهة إلى لبنان عبر الأراضي السورية، نفت مصادر مقربة من "حزب الله" أي علاقة للحزب بتلك الأسلحة، معتبرة أن "الحديث عن صلة مباشرة بين الحزب والمضبوطات الأخيرة أو غيرها، هو تضليل إعلامي هدفه التحريض السياسي وتبرير استمرار الغارات الإسرائيلية على لبنان وسوريا"، وقالت إن "الأسلحة التي تم ضبطها على الحدود قد تعود إلى تجار سلاح سوريين ولبنانيين، وربما إلى مجموعات أمنية مرتبطة بأحزاب لبنانية مشاركة في السلطة تسعى إلى تخزين السلاح أو تهريبه لأغراض تجارية أو سياسية داخلية"، مشددة على أن "الحزب لا يعتمد في تسليحه على هذا النوع من التهريب البدائي"، وأوضحت أن "حزب الله يملك ترسانة استراتيجية متكاملة، تكفيه لخوض أي مواجهة محتملة، ولا يحتاج إلى إعادة تجميع سلاح مخزن منذ سنوات داخل سوريا"، مشيرة إلى أن "ما يحكى عن تراجع قدراته بفعل الضربات الإسرائيلية هو جزء من الحرب النفسية التي تهدف إلى التأثير في بيئته الداخلية"، وذهبت المصادر إلى التأكيد أن "ما يجهله العدو، وبعض الأصدقاء، هو أن القدرات الحقيقية للحزب لا تزال محصنة وغير قابلة للكشف أو التدمير، وأن الحديث عن نهاية ترسانته أو فقدانه لمصادر تسليحه هو ضرب من الأوهام السياسية التي لا تغير شيئاً في موازين الردع القائمة". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) المسارات مراقبة يرى مدير "المعهد الجيوسياسي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا" الصحافي نوفل ضو أن ملف التهريب أصبح اليوم في أدنى مستوياته منذ سنوات، مشيراً إلى أن البيئة الإقليمية والأمنية لم تعد تسمح بمرور شحنات نوعية كما في السابق، موضحاً أن "مطار بيروت اليوم يخضع لرقابة صارمة، مستوى الأمن فيه يضاهي ما هو معتمد في أبرز المطارات العالمية"، و"ميناء بيروت أيضاً تحت رقابة محكمة، إضافة إلى أن المياه الإقليمية اللبنانية تخضع لمتابعة حثيثة من قوات حفظ السلام الدائمة، فضلاً عن دوريات البحرية اللبنانية التي ترصد أي حركة مشبوهة"، أما بالنسبة إلى الحدود البرية، فلفت ضو إلى أن "المعابر والمرافق اللبنانية أصبحت محكمة الإقفال بفعل سلسلة من الإجراءات والتدابير التي اتخذتها الدولة اللبنانية، لا سيما الجيش والقوى الأمنية، مما جعل عمليات التهريب أكثر صعوبة من أي وقت مضى". وفي شأن المسالك البرية عبر الحدود السورية أشار ضو إلى أن "التهريب من الداخل السوري بات شبه مستحيل، بخاصة عندما يتعلق الأمر بأسلحة نوعية أو مكونات صواريخ دقيقة ومسيرات"، مرجحاً أن تكون المسافة الممتدة من إيران عبر العراق وسوريا وحتى لبنان محفوفة بأخطار الرصد والكشف في أي لحظة، خصوصاً بعد ما تم الكشف عنه في منطقة البوكمال من إحباط محاولة تهريب شحنة أسلحة كانت معدة للوصول إلى لبنان. وختم ضو قائلاً "نحن أمام واقع جديد يجعل من تهريب الأسلحة الاستراتيجية إلى (حزب الله) مهمة شبه مستحيلة، بفضل الرقابة الدولية، وتغير الأولويات الإقليمية، والتطور الأمني في كل من سوريا ولبنان". الرهان على السلاح بدوره حذر الكاتب السياسي علي حمادة من خطورة المحاولات المتكررة التي يقوم بها "حزب الله" لإعادة إدخال ترسانة كانت مخزنة داخل الأراضي السورية، معتبراً أن ما يحصل هو جزء من خطة أوسع لاسترجاع سلاح استخدم خلال سنوات الحرب السورية. وأضاف "منذ سقوط نظام بشار الأسد، بدأت تتوارد معلومات موثوقة تفيد بأن (حزب الله) يسعى لإعادة إدخال أسلحة سبق أن خزنها في الداخل السوري، تشمل مكونات صواريخ وطائرات مسيرة، وآلات خاصة بتجميعها، إضافة إلى مدافع هاون ورشاشات متوسطة"، وأوضح أن هذه الأسلحة ليست قادمة من إيران عبر بادية الشام كما جرت العادة، بل هي مخزنة أساساً داخل سوريا، في مناطق كالساحل السوري، ريف حمص، والقصير، مشيراً إلى أن "محاولة تهريبها، هذه المرة، تمت من الداخل السوري وليس عبر الحدود الشرقية الطويلة مع العراق"، وأشار حمادة إلى أن هذه ليست المحاولة الأولى، بل سبقتها محاولات تم إحباطها سابقاً، إحداها تعرضت لغارة من طائرة مسيرة إسرائيلية، معتبراً أن ما يجري هو تأكيد إضافي على أن "حزب الله" لا يزال يراهن على خيار السلاح، ويستغل المرحلة الانتقالية في سوريا لإعادة التسلح، في وقت يطالب فيه المجتمع الدولي بوضع حد لاقتصاد السلاح في لبنان وضبط الحدود بالكامل.


Independent عربية
منذ 19 ساعات
- Independent عربية
توغل إسرائيلي في بلدة ميس الجبل جنوب لبنان
توغلت قوة مشاة إسرائيلية، مساء أمس الإثنين، إلى الأراضي اللبنانية، وتحديداً إلى شرقي بلدة ميس الجبل الجنوبية، متخطية الحدود بمسافة 100 متر، وفق ما ذكرته وسائل إعلام لبنانية. وتقدمت القوة الإسرائيلية بين بعض منازل البلدة، ونفذت انتشاراً في منطقة مفتوحة، بينما استخدم الجنود المصابيح أثناء تحركهم، من دون دخول الجرافات التي بقيت قرب الحدود. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول عسكري قوله إن "القوات الإسرائيلية تعمل حالياً في منطقة ميس الجبل جنوب لبنان". كما أقدم الجيش الإسرائيلي على إشعال حريق كبير في المساحات المفتوحة بين قرية الغجر وبلدة العباسية وسهل الماري. وعقب تنفيذ أعمال التجريف داخل الأراضي اللبنانية، توجه الجيش اللبناني نحو الأطراف الشرقية لبلدة ميس الجبل وقام بتسيير دوريات. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) من جانبه، أكد رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" (حزب الله) في البرلمان اللبناني، النائب محمد رعد، أن مساحة التفاهم مع رئيس الجمهورية، جوزاف عون، "واسعة ويعول عليها"، وذلك في تصريحات أدلى بها عقب زيارته الرئيس اللبناني في قصر بعبدا، الإثنين. وأضاف رعد أن "(حزب الله) لا يجد أنه ملزم بتوقيت أو أمكنة أو أساليب، طالما أن الأمور تسير بعناية من عون"، مشدداً على أن "لا أبواب مغلقة لتبادل الأحاديث والأفكار معه، في أي مستوى من المستويات، وهذه الأبواب ستبقى مفتوحة". وفي ما يتعلق باللقاء، فصرح رعد بأنه تم "تبادل وجهات النظر عن التحديات والألويات، وفي مقدمتها حفظ السيادة الوطنية". وأشار أيضاً إلى تناول ملف إعادة الإعمار، وتأكيد أهمية حفظ الاستقرار وتحرير المؤسسات، "عبر التزام الاستحقاقات الدستورية، كما حصل أخيراً في الانتخابات البلدية والاختيارية".


Independent عربية
منذ 2 أيام
- Independent عربية
خطوة إلى الوراء في انتخابات ديمقراطية
لن تسهم الانتخابات المحلية في لبنان قيد أنملة في تحقيق التغيير السياسي الذي طال انتظاره، بل هي ربما أعادت بعض الروح لكل تلك القوى المسؤولة عن كوارث الأعوام الماضية التي تواصل تمسكها بمنع أي إصلاح اقتصادي أو مالي اجتماعي وبرفض إمساك الدولة بقرارها السيادي بعيداً من سطوة سلاح الميليشيات وهيمنة مافيات المذاهب. لقد انفتحت آمال التغيير مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ثم اختيار رئيس جديد للحكومة من خارج الصندوق التقليدي لتحالف الميليشيات والفساد، لكن سرعان ما وجد الاثنان نفسيهما طاقماً جديداً على جثة متهالكة لا ينفع فيها وعظ أو إرشاد. والجثة هذه ثقيلة ومتجذرة تتمسك بقوة بكل مكاسبها وتجاوزاتها الماضية، لا تفيد فيها غير مراسم دفن لائقة إذا كان مقدراً للبلاد أن تعبر عنق الزجاجة. شكَّلت التطورات الهائلة في المنطقة، بدءاً من هزيمة "حزب الله" في حربه التي شنَّها تحت عنوان إسناد غزة و"مشاغلة" الجيش الإسرائيلي، وصولاً إلى سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد دفعاً قوياً لإرادة جموع اللبنانيين الذين يشكون ويرفضون منذ عقود هيمنة الحزب التابع لإيران وراعيه السوري المزمن على مقدراتهم وبلادهم، وهم عبروا عن ذلك، ومعهم قوى دولية وعربية أساسية، في فرضهم اختيار رأسي الجمهورية والحكومة ممن لم تكن تتوقعه القوى السياسية التقليدية. إلا أن سير السلطة التنفيذية الجديدة المنتخبة في فرض تدابير وسياسات جديدة، بدءاً من تنفيذ القرارات الدولية وحصر السلاح بيد الدولة وإقرار التشريعات والإصلاحات والتعيينات الإدارية البديلة، سرعان ما اصطدم بقوى الأمر الواقع المتجذرة. فلا "حزب الله" يقبل بالتخلي عن السلاح ولا أقطاب مافيا المال، الممثلين بقوة في مجلس النواب وإدارات الدولة يقرون بمسؤولياتهم عن الانهيار الكبير منذ 2019، وهم مع المستقوين بالسلاح لا يسمحون بقضاء فاعل، أولى مهامه كشف أبعاد جريمة العصر في تفجير مرفأ بيروت ومحاكمة المسؤولين عنها. كان يفترض أن تتحول مناسبة إجراء الانتخابات المحلية لاختيار مجالس البلديات والمخاتير في المدن والقرى اللبنانية إلى فرصة إضافية أساسية لإطلاق نقاش جاد حول المرحلة السابقة، تتحدد فيها المسؤوليات ويجري على أساسها التقدم خطوة جادة نحو فرض شروط التغيير الصعب، في ملاقاة عملية لخطاب القسم الذي أدلى به رئيس الجمهورية أمام مجلس النواب ولبيان الحكومة الجديدة أمام المجلس إياه. إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل، بل إن قوى "المنظومة" (كما يسميها اللبنانيون) على مختلف انتماءاتها قادت حشودها الانتخابية خطوات أخرى إلى الوراء. لم تتناول تلك القوى المتصارعة على الفوز بالمقاعد المحلية، في خطابها وحملاتها الانتخابية، مسائل الانهيار الاقتصادي المالي والاجتماعي، ولا تناولت المسؤولية عن الانفراد بحرب ضد إسرائيل أسفرت عن دمار مريع وآلاف القتلى والجرحى وعودة الاحتلال إلى مناطق في الجنوب اللبناني كان أخلاها قبل ربع قرن، بل انصرفت إلى حملات تجييش مذهبي انقسامي هدفها تعزيز نفوذها التقليدي وإمساكها برقاب جمهور أعمته العصبيات المحلية والانتماءات الطائفية عن رؤية المحنة التي يقاد إليها مجدداً. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) في المناطق البعيدة من نفوذ "حزب الله" ساد منطق تقاسم الحصص وتعزيزها من دون تقييم للمسؤوليات أو استشراف للمستقبل، وفي مناطق انتشار الطائفة الشيعية منع الحديث عما جرى في الحرب وقبلها باعتبار ألا صوت يعلو فوق صوت "الشهداء" الذين قضوا في حرب أرادتها إيران تعزيزاً لنفوذها الإقليمي وليس لتعزيز منعة لبنان وخيارات "شيعته" وشعبه. على مساحة الأراضي اللبنانية اقتيد مئات آلاف الناخبين إلى منافسات غابت عنها السياسة بما هي محاسبة ونقد واستنتاج واستشراف وخيارات للمستقبل. لم يناقش أحد في أسباب الحروب والمسؤولية عنها، ولم يتنطح طرف سياسي للبحث في أسباب الانهيار منذ عام 2019، لتوفير أساس لاصطفافات جديدة وإيصال أصوات مختلفة إلى مجالس المدن والقرى، بل إن جدلاً من هذا النوع جرى قمعه ومنعه بقوة التخوين والتزكية واستحضار العصبيات البدائية في مناطق انتشار "حزب الله" وحلفائه، فيما مارست مختلف القوى التقليدية الأخرى، على اختلاف انتماءاتها الطائفية والمذهبية والسياسية، أشنع أنواع التحريض المتبادل في نقاط نفوذها من دون أن تتوقف عن الانتظام في تحالفات انتخابية في مكان آخر مع الخصوم لتحقيق فوز لا معنى له. الحصيلة الطبيعية لعملية الانتخاب المحلي كانت التمديد لهيمنة قوى الأمر الواقع نفسها، على رغم اختراقات شجاعة ومعبرة، على حساب آمال التغيير التي بناها اللبنانيون مع قيام الإدارة الجديدة ممثلة برئيسي الجمهورية والحكومة، جوزاف عون ونواف سلام. وكشفت هذه الحصيلة، عشية انتخابات نيابية مقررة بعد عام من اليوم، صعوبة الاعتماد على عمليات الاقتراع، في ظل هيمنة قوى السلاح والمال والعصبيات، لإحداث خرق يلاقي متطلبات الانتقال اللبناني إلى مواكبة التغييرات الحاصلة في الإقليم، والدفع العربي والدولي نحو استعادة الدول لقرارها في حصر السلاح وإنهاء عصر الميليشيات التابعة، وإنجاز الإصلاحات التي تفرضها حاجات البلدان وضرورات انتظامها في الوقائع الدولية الجديدة. لا يعني ذلك أن الديمقراطية اللبنانية القائمة على الاقتراع يمكن استبدالها، وإنما يجب الحرص عليها والعمل على تطويرها وبناء وعي جديد يحاكي التحولات الإقليمية والدولية لإنتاج مراكز قرار مختلفة. لقد دخلت المنطقة عصر إنهاء حالات السلاح خارج الدولة من تركيا إلى سوريا إلى فلسطين نفسها، ولا يمكن للبنان بعد التجارب المرة التي عاشها أن يواصل بعض من فيه التمسك بالسلاح بديلاً للدولة. لقد أصبح كل ذلك عقبة من الماضي ووصفة لاختراق مديد آن الأوان للخلاص منه.