logo
الهوية الوطنية بين الثابت الديني والانتماء السيادي

الهوية الوطنية بين الثابت الديني والانتماء السيادي

عمون٢٠-٠٧-٢٠٢٥
" قراءة في شعار الدولة ومنظومتها العقدية"..
في خضم ما تشهده الساحة الإقليمية من تحوّلات متسارعة، ومع ما يطرأ على الداخل الأردني من استحقاقات مصيرية، تبرز الحاجة إلى التمسك العميق بالهوية الوطنية كمرجعية جامعة، تتجاوز التعريفات الجغرافية أو المصلحية، لتتجلى في ارتباط عقدي بين الإنسان الأردني ووطنه، يستمد مشروعيته من الإيمان بالله، والانتماء للأرض، والولاء للقيادة الهاشمية الشرعية. إن الهوية الوطنية في الأردن ليست حالة طارئة فرضتها الأحداث، بل هي ثمرة تاريخ ممتد وتجربة إنسانية ودينية وسياسية متكاملة، ارتكزت على شعار لم يكن يومًا شعارًا فارغًا، بل منظومة إيمانية متكاملة، هو شعار "الله، الوطن، الملك".
لقد تربى أبناء الأردن على هذا الشعار منذ نشأتهم، فكان الإيمان بالله هو المنطلق الأول، لا على هيئة تنظير حزبي أو شعارات دينية مستهلكة، بل كعقيدة صافية تنأى بالدين عن الاستغلال والتسييس. الدين في الأردن لم يُختزل يومًا في حزب أو جماعة، ولم يكن سلعة للمزاودة أو وسيلة للوصول إلى السلطة، بل هو منطلق للسلوك القويم، ومصدر للرحمة، ودافع للدفاع عن الوطن. فحب الوطن من الإيمان، والذود عنه من صميم العقيدة، والحرص على استقراره مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون سياسية.
وقد أثبتت الدولة الأردنية، بقيادتها ومؤسساتها، أن المرجعية الدينية الحقيقية لا تُمنح لجماعة أو تيار، بل هي ملك للأمة، تحميها الدولة وتحفظ نقاءها من كل استغلال. وفي هذا السياق، جاء قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين كتعبير عن موقف وطني يرفض اختطاف الدين وتجييره لخدمة أجندات خارجية، تؤمن بالتنظيم قبل الوطن، وتوالى الخارج قبل الداخل. هذا القرار لم يكن مواجهة للدين، بل حماية له من أن يُستغل في إنتاج خطاب الكراهية والانقسام، وتجنيب المجتمع ويلات التفرقة والتحريض.
إن الأردن بقيادته الهاشمية قدّم نموذجًا فريدًا في التعامل مع الدين، لم يتماهَ مع التيارات المتشددة، ولم ينخرط في مشاريع التسييس الديني، بل أطلق واحدة من أهم الوثائق الفكرية والدينية في العصر الحديث، وهي رسالة عمّان، التي عبّرت عن جوهر الإسلام الحقيقي، إسلام التسامح والتعايش والاعتراف بالمذاهب، ورفض التكفير والتحزب والتعصب، لتؤكد أن الدين في الأردن ليس أداة للفرقة، بل جسرًا للوحدة. وهذه الرسالة لم تكن مجرد إعلان، بل تمثلت في واقع الدولة، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون وغيرهم في نسيج وطني واحد، يعتنقون القيم ذاتها، ويتشاركون في صناعة المستقبل ذاته.
وما يلفت النظر أن هذا النموذج الأردني في التعايش لا يقطع مع الإرث الإسلامي، بل يستلهمه من الجذور، من وثيقة المدينة التي وضعها النبي العربي الهاشمي محمد صلى الله عليه وسلم، حين أسس دولة قائمة على المواطنة، والتعدد، والعيش المشترك، حيث كانت الذمة واحدة، والولاء للدولة، والحماية مسؤولية الجميع، بغض النظر عن الدين أو الانتماء. هذا هو الفهم الحقيقي الذي يتماهى مع الهوية الوطنية الأردنية، التي تجعل من الانتماء للأردن قيمة عليا، لا تنازعها جماعة، ولا تحتكرها أيديولوجيا.
وفي ظل ما تتعرض له المنطقة من محاولات تفكيك وتشظٍ، تبقى الهوية الوطنية هي خط الدفاع الأول عن المجتمع، فهي التي توحّد، وتحول دون الانزلاق في مستنقعات الاستقطاب. إنها ليست هوية مؤقتة، ولا حالة مزاجية، بل عقيدة سياسية وأخلاقية وثقافية، تعبر عن ارتباط وجداني وفكري وروحي بين المواطن والدولة. وحين نقول "الله، الوطن، الملك"، فنحن لا نردد شعارًا، بل نُجدد عهدًا، نؤمن فيه بالله الذي يأمر بالعدل والرحمة، وننتمي إلى وطن هو مصدر عزتنا وكرامتنا، ونُخلص لملك يمثل رمز وحدتنا وراية سيادتنا، ويحمل إرث الهاشميين في الدفاع عن الأمة ومقدساتها.
لهذا، فإن مسؤولية صيانة الهوية الوطنية تقع على عاتق الجميع، ولا تتحقق إلا بالوعي، والانتماء الصادق، ورفض المزاودات، وتجذير قيم المواطنة، والإيمان بأن هذا الوطن، بما فيه من تنوع، وما لديه من ثوابت، هو نعمة يجب الحفاظ عليها، وإرث يجب صونه، ومستقبل يجب أن نبنيه بإخلاص ويقين. فالأردن ليس محطة عابرة في التاريخ، بل هو نموذج للاستقرار في إقليم مضطرب، ومخزن للقيم في زمن الاضطراب، وتجسيد عملي لهوية تُحيا… لا تُدّعى.
*د. فاطمة العقاربة
علاقات دولية وادارة سياسية
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

صبرًا يا مدينة الأحرار
صبرًا يا مدينة الأحرار

جو 24

timeمنذ ساعة واحدة

  • جو 24

صبرًا يا مدينة الأحرار

د. محمود المساد جو 24 : لأول مرة في تاريخ البشرية، تظهر للعيان المدينة المعجزة!! ناس المدينة، وشوارعها، ومبانيها، وأنفاقها، بل وعشرات الصور المركبة تداخلت فيها، وعلى أرضها، وتحت سمائها، وعلى رمال شواطئها، وفي مناطقها العازلة، وتحت خيام مواصيها ... حقّا، إنها مدينة المتناقضات، مدينة الله في أقدس تجلياتها، المدينة التي انتصرت فيها صور الكرامة على الخيانة، وعلى أباليس العمالة، وانتصر فيها الحق على الباطل، والفصائل على الجيوش، والذكاء على الغباء، والطهر على العُهر، والجوع على الشبع، والتحدي على الخنوع….وغيرها من صور النضال المشروع في مواجهة قوى البطش، والكراهية، والبلطجة، وكذلك قطعان المستوطنين. معجزة المدينة تكمن في أنها ليست جغرافيا بحدود، بل هي متسعة بفضاء الأرض، حرّكت أحرار العالم مع قضيتها، وقلبت الموازين المزيفة، وخلخلت معايير المنطق السائد. إنها عالم من الأحرار في مدينة واحدة، صدرها ساحة معركة، وقلبها شذرات محبة وإيمان، جمعت لصفّها كل مَن في قلبه بذرة خير في العالم، بغض النظر عن دينه، ومعتقده، ولونه، ومكان ميلاده!! كشفت هذه المدينة الحرة المجاهدة ألوان النفاق في هذا العالم ، وأثبتت للقاصي والداني أن المناصرة ليست حكرا على الدين، والدم، والجغرافيا، والتاريخ، واللغة،….بل هي في واقع الحال تجمعات من الناس حول طعم الحرية، و حول الجرأة من أجل التحرر، مقابل الثعابين من زمرة الفساد، والتجبر في كل مكان. لقد حاصرت مدينة الاحرار مدن البطش، والوحشية، وتركت قادتها الجلادين نهبًا للتقزيم، والنبذ، والكراهية، كما عرّزت رواياتهم في رعاية مفاهيم الحرية، والديمقراطية، والعدل أمام شعوب العالم، وأنهم وأنظمتهم التي نصّبوا أنفسهم حراس القيم الأخلاقية، هؤلاء الذين يصنفون عليها دول العالم الثالث والرابع ….وحتى مجتمعات الحيوان والنبات، معها أو ضدها، بحسب مصالحهم وأهوائهم . لكنهم وبدل أن يستمروا في زيفهم، باتوا قادة لدول وعواصم باهتة، بل كاذبة، وسخيفة، في الوقت نفسه الذي كسبت معه عاصمة الأحرار وتكسب كل يوم أفواجا تلو أفواج من طلاب الحرية والتحرر، والعدل على مدى جغرافيا الكرة الأرضية . شكرًا سيدتي الأرض؛ أيتها المدينة المعجزة، يا من انتفضت على عفن التاريخ الحديث المزيف، وكتبت بحروف من نور تاريخ الأمة الحاضر بمداد من دم، وكرامة…..لا تتوجعي سيدتي صاحبة العفة، ولا تتذمري!! فوالله أنك المستقبل المشرق، الحر، ولقد بدأت بوضع أساساته الصلبة، بكل كبرياء العز والكرامة، وسيكمل المشوار من زرعتهم في كل مكان، من أرض الله الرحبة، بما عليها من أحرار العالم، من أديان الأرض، وأعراقها، وألوانها كافة. يا مدينة الله، استمري على هذا النهج الطاهر … فتوأمك الداعم بقوة متجذر هنا في عمّان، فسيري على بركة الله، فلن يخذلك شعب عمّان النشامى . تابعو الأردن 24 على

التربية تنعى الطالب عبدالله العلاونة
التربية تنعى الطالب عبدالله العلاونة

الوكيل

timeمنذ 2 ساعات

  • الوكيل

التربية تنعى الطالب عبدالله العلاونة

الوكيل الإخباري- ينعى وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عزمي محافظة ،والامين العام للشؤون التعليمية الدكتور نواف العجارمة ،والامين العام للشؤون الادارية والمالية الدكتورة سحر شخاترة، ومدير التربية والتعليم للواءي الطيبة والوسطية الدكتور رعد خصاونة، بمزيد من الحزن والاسى وفاة الطالب عبد الله صالح العلاونة من طلبة الصف الرابع في مدرسة علي بن ابي طالب الأساسية للبنين. اضافة اعلان كما يتقدمون باحر مشاعر التعزية والمواساة إلى والده الزميل المعلم صالح العلاونة، سائلين المولى عز وجل ان يتغمد الفقيد بواسع رحمته وان يسكنه فسيح جناته وان يلهم اهله وذويه الصبر والسلوان. وكان قد انتقل الى رحمة الله الطالب عبدالله صالح العلاونة اثر حادث دهس تعرض له قبل 10 ايام مما تسبب بدخوله بغيبوبة وما لبث الا ان فارق الحياة. عبدالله هو احد مشجعي ولاعبي نادي الحسين -اربد وكان يطمح بان يصبح لاعبا كبيرا وفقا لما قال ابن عمه لـ "الوكيل الاخباري".

التربية تنعى الطالب عبدالله العلاونة
التربية تنعى الطالب عبدالله العلاونة

الوكيل

timeمنذ 3 ساعات

  • الوكيل

التربية تنعى الطالب عبدالله العلاونة

الوكيل الإخباري- ينعى وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي الدكتور عزمي محافظة ،والامين العام للشؤون التعليمية الدكتور نواف العجارمة ،والامين العام للشؤون الادارية والمالية الدكتورة سحر شخاترة، ومدير التربية والتعليم للواءي الطيبة والوسطية الدكتور رعد خصاونة، بمزيد من الحزن والاسى وفاة الطالب عبد الله صالح العلاونة من طلبة الصف الرابع في مدرسة علي بن ابي طالب الأساسية للبنين. اضافة اعلان كما يتقدمون باحر مشاعر التعزية والمواساة إلى والده الزميل المعلم صالح العلاونة، سائلين المولى عز وجل ان يتغمد الفقيد بواسع رحمته وان يسكنه فسيح جناته وان يلهم اهله وذويه الصبر والسلوان. وكان قد انتقل الى رحمة الله الطالب عبدالله صالح العلاونة اثر حادث دهس تعرض له قبل 10 ايام مما تسبب بدخوله بغيبوبة وما لبث الا ان فارق الحياة. عبدالله هو احد مشجعي ولاعبي نادي الحسين -اربد وكان يطمح بان يصبح لاعبا كبيرا وفقا لما قال ابن عمه لـ "الوكيل الاخباري".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store