
"اختراع الكتب.. اللامتناهي في بَرْدِيَّة" كتاب يولد من رحم الدهشة
تخيل عالما بلا مكتبات، ولا كتب، ولا روايات، وبلا سطور تحفظ أصوات من رحلوا.
ماذا كان سيبقى منّا حينها؟
وماذا كنا سنعرف عن النابغة، وعن الجاحظ، وعن الثورات، وعن قصص الحب والوفاء؟
ومن الذي قرر أن يخترع الكتابة، وأن يصنع من الكلمات سدًّا في مواجهة النسيان؟
في كتاب "اختراع الكتب.. اللامتناهي في بَرديَّة"، تفتح لنا إيريني باييخو نافذة غير معتادة على تاريخ الكتاب، لا كما اعتدنا أن نقرأه في المراجع، بل كما يُروى في الأساطير، وهذا الكتاب ليس كتابًا عن الكتب فحسب، إنما عن الإنسان الذي لا يتوقف عن السرد والحكاية والطموح.
في زمن تتسارع فيه الخطى وتحيط بنا الشاشات، لا يعود فعل القراءة مجرّد عادة، بل مقاومة رفيعة. ومن بين مئات الكتب التي تتناول تاريخ الكتابة والقراءة، يبرز كتاب "اختراع الكتب.. اللامتناهي في بَردِيَّة" للكاتبة الإسبانية إيريني باييخو بوصفه عملاً استثنائيًّا يعيد إلينا الأنفاس الأُوَل للكتب.
وهو لا يقدم سردًا تاريخيًّا جافًّا، بل يسرد حكاية نابضة بالحياة، تسير بخطى شاعرية خلال العصور، وتتحدث عن الكتب كما لو كانت مخلوقات حيّة لها قدر ومصير، والكتاب في نظر المؤلفة عالم متّسعٌ لا تنضب معانيه، ومن هنا جاء العنوان "اللامتناهي في برديّة".
وُصف هذا العمل بأنه "أنشودة في حب الكتب"، ولم يكن هذا الوصف مجازًا، بل هو حقيقة تجلت في أكثر من 50 طبعة بالإسبانية، وجوائز أدبية مرموقة حازها، كل ذلك لأنه لامس شيئًا عميقًا في الوعي الإنساني؛ إذ إنَّ باييخو كتبت عن الكتب، ومن أجلها، وبها. ونسخته العربية صدرت عن دار الآداب بترجمة مارك جمال.
وإيريني باييخو كاتبة وأكاديمية إسبانية وُلدت في سرقسطة عام 1979، متخصصة في فقه اللغة الكلاسيكية والأدب اليوناني واللاتيني القديم. تمتاز كتاباتها بمزج فريد بين السرد الأدبي والتأمل الفلسفي، وتُعرف بقدرتها على إحياء التاريخ الثقافي بلغة إنسانية جذابة.
مكتبة الإسكندرية حيث بدأت الرحلة
تنطلق الكاتبة من مكتبة الإسكندرية، لا بوصفها مكانًا فحسب، بل رمزًا ومهدًا لفكرة الكتاب بوصفه موطنًا رمزيًا للمنفيين، كما تقول: "خلقت موطنًا من الورقِ لمَن لا موطن لهم". هناك حيث تعايشت الكلمات وتماهت، انطلقت رحلة البحث عن الكتب، تلك التي قادها فرسان بطليموس في مغامرة تكاد تشبه الأسطورة.
في مقدمتها، تسرد باييخو المشهد بتصوير حيّ: "فرسان يمتطون صهوات خيولهم جاؤوا من اليونان… الخطر يطاردهم من كلِّ جانب… عمَّ يبحثون؟ عن الكتب؛ إذ زوَّدهم حاكم مصر بطليموس بمبالغ كبيرة من المال، وأمرهم بعبور البحر للحصول على جميع كتب الأرض من أجل مكتبته العظيمة في الإسكندرية".
هكذا تبدأ الرحلة، لا من حبرٍ على ورق، بل من مغامرة تتقاطع فيها السياسة بالثقافة، والقوة بالمعرفة.
تعود بنا باييخو إلى أزمنة ما قبل الأبجدية، إلى الألواح الطينية في بلاد الرافدين، ومكتبات الفراعنة، ومدونات الفينيقيين، وأكاديميات اليونان، ومكتبات روما، وترسم تطور الكتاب من رقوق الجلد، إلى ورق القصب، فالورق المصنَّع، وصولاً إلى الكتاب الرقمي، مرورًا بكل تحولاته: من اللفائف إلى الصفحات، ومن النحت إلى الحبر، ومن الهمس إلى التوثيق.
لكنها لا تكتفي بالسرد الموضوعي، بل تضفي على كل مرحلة بُعدًا شعوريًّا، وتُلبس الوقائع لَبوس الأسطورة، فيغدو كل تحول في شكل الكتاب مشحونًا بالمعنى، كأن لكل مادة ذاكرة.
من أبرز ما يميّز هذا العمل اهتمامه بمن لم يروِ التاريخ أسماءهم؛ مثل الرواة الشفويين، والنُسّاخ، والرهبان، والعبيد، والبائعين، والمترجمين، والمعتقلين، والأطفال الذين حملوا الكتب خلسة، والأسرى الذين نسخوها في المنافي.
وهؤلاء هم أبطال الحكاية الحقيقيون في نظر باييخو، فهي لا تتوقف عند أعلام الفكر وحكّام المعرفة، بل تبحث عن أولئك الذين حموا الكتب في اللحظات الفارقة من التاريخ، وأولئك الذين أنقذوها وحفظوها، وبذلك فالكاتبة لا تسرد حكاية "اختراع الكتب" فحسب، بل حكاية اختراع طرائق حفظها أيضًا.
الكتاب -كما يصفه النقاد- ليس مما يُقرأ على عجل، بل هو كتاب يفرض إيقاعه ونظمه، كتاب لا تُقلب صفحاته كما تُقلب شاشة هاتف، بل يُصغي القارئ لنَفَسه حتى ينسجم مع نغمه.
وهذا ما يحدث مع "اللامتناهي في بردية"، فما إن يفتح القارئ صفحاته حتى يجد نفسه قد أُلزِم بسرده وقواعده الخاصة، فعليه تارة أن يتوقف ويتأمل، وتارة أن يتذكر طفولته الأولى مع الكتب، ويعيد تعريف علاقته بالكلمات.
مصير الكتب في العالم الرقمي
لا تُغفِل باييخو التحوّلات التي تشهدها الكتب في عصر الرقمنة، بل تتأمل بعمق في مصير الحرف أمام الشاشة، ولا تستطيع أن تخفي قلقها: "مواعيد زوال الأشياء تقترب أكثر فأكثر… أجهزتنا تطلب منَّا دائمًا تحديث التطبيقات والبرامج، وإن لم نتنبه ونستيقظ، فسيأخذ العالم منّا زمام المبادرة".
ومع ذلك فهي لا تستسلم لليأس، بل تُذكّرنا بأن "من الخطأ الاعتقاد بأن كل حداثة تمحو التقليد، لقد جاء الهاتف المحمول تقليدًا للوح الطين في بلاد ما بين النهرين، وفي شاشات هواتفنا نفكك النصوص كما هي الحال في لفائف البردي القديمة"، وأن التكنولوجيا ليست خصمًا للتقاليد، إنما امتداد لها.
تقول باييخو: "لطالما كانت القراءةُ ارتحالًا، سَفَرًا، رحيلًا في سبيلِ العثور على الذات".
في هذا الكتاب، تعيد الكاتبة للقراءة مكانتها الأصلية، لا بوصفها فعلا ثقافيا فحسب، بل حاجة روحية؛ ففي عالم يفيض بالمعلومات ويشحّ فيه المعنى، تصرّ باييخو على أن الكتاب لا يُقرأ فقط، بل يقرؤنا، ويعيدنا إلى ذواتنا، ويمنحنا أفقًا لا يحدّه زمان ولا يأسره مكان.
إيريني باييخو كاتبة تحوّلت إلى ظاهرة
منذ صدور الكتاب تحوّل إلى ظاهرة عالمية؛ تُرجم إلى أكثر من 40 لغة، وحاز جوائز كبرى، ونال إشادة واسعة من رموز الثقافة العالمية الذين رأوا أنه ليس كتابًا فحسب بل تجربة تفيض بالسحر والمعنى، فعلى سبيل المثال وصفت صحيفة لوموند الفرنسية الكتاب بأنه "أنشودة حب عظيمة موجهة إلى الكتب".
وأدرجته ذا إيكونوميست ضمن أفضل كتب الثقافة والأفكار لعام 2022، مبرزةً مهارة باييخو في تحويل التاريخ إلى سرد حي، بوصفه عملا أنيقا ينبض بالذكريات الشخصية ويُكتب بأسلوب معاصر آسِر.
وأشاد الروائي الكبير ماريو بارغاس يوسا به بعبارات مفعمة بالتقدير، قائلاً: "الحب للكتب والقراءة هو الأجواء التي تنبض بها صفحات هذه التحفة".
كذلك لاقت الكاتبة إشادة من أدباء ونقاد آخرين مثل ألبرتو مانغيل فقد وصفه بأنه "بحث ساحر"، وغير هذا كثير.
ولم يكن هذا النجاح صدفة، فالكاتبة فضلا عن كونها حكّاءة بارعة، أستاذة فقه اللغة في جامعتي سرقسطة وفلورنسا، وتملك خلفية واسعة في الفلسفة والتاريخ والآداب، لكنها تعرف كيف تُقدّم كل ذلك بلغة دافئة شفافة لا تنفر القارئ بل تحتضنه.
"اختراع الكتب.. اللامتناهي في بردية" ليس محض عرضٍ لتاريخ طويل، بل إحياء لحكاية إنسانية ضاربة جذورها في عمق التاريخ والإنسان. إنه سيرة للكتاب، وهو قبل كل شيء سيرة للإنسان القارئ، الإنسان الذي قاوم النسيان بالحرف، وحمل في قلبه المكتبة التي لم تُبْنَ بعد.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
تخضع لحركة المد والجزر.. قصة إحدى أكثر بطولات التنس غرابة في العالم
تعد بطولة لوانكو للتنس الشاطئي فريدة من نوعها في العالم، وهي جوهرة رياضية حقيقية تجمع بين الأصالة والإبداع وبيئة طبيعية لا مثيل لها. وعلى عكس بطولات التنس الأخرى لا تقام مباريات بطولة لوانكو على الملاعب الترابية أو العشبية، وإنما على رمال شاطئ ريبيرا دي لوانكو (أستورياس) في شمال إسبانيا. يُضفي بحر كانتابريا لمسة ساحرة على البطولة عندما ينحسر المد بشكل كبير، وتبتعد الأمواج عن الشاطئ خلال فصل الصيف. فكرة البطولة بدأ كل شيء عام 1970 عندما أسست مجموعة من الأصدقاء، يجمعهم حب التنس، ما يُعرف الآن بنادي لوانكو للتنس في لوانكو. أنشأ الأصدقاء ملعبا عشوائيا على شاطئ ريبيرا، مستخدمين شبكة صيد، وأعمدة لتحديد الخطوط، وسلم ككرسي للحكم. ما بدا وكأنه فكرة صيفية بسيطة تحول مع مرور الوقت إلى مؤسسة رياضية، حيث تأسس نادي تنس الشاطئ رسميا عام 1972، ومنذ ذلك الحين، نمت البطولة تدريجيا، لتصبح تقليدا يجذب كل عام أبطال رولان غاروس، ونجوم رابطة محترفي التنس، وآلاف المتفرجين المنبهرين بتجربة لا يمكن فهمها إلا من خلال مشاهدتها على أرض الواقع. ومنذ عام 1995، شارك في البطولة بعض أفضل لاعبي التنس في العالم، أمثال كارلوس مويا، وألبرت كوستا، وفرناندو فيرداسكو، وتومي روبريدو، وديفيد فيرير، ويونس العيناوي، وخوان موناكو، وريتشارد غاسكيه. خصوصية فريدة تقام البطولة في الفترة من الرابع إلى السابع من أغسطس/آب من كل عام، ويكمن طابعها الفريد في ملعبها وجدولها، إذ يجهز الملعب على رمال الشاطئ بمجرد انحسار المد بما يكفي لإنشاء سطح جاف وصلب. عندها، يقوم العمال المحليون بتجريف الرمال، ووضع علامات على الخطوط، وتجهيز ملعب بالحجم القانوني. وعلى الشاطئ، وُضعت مدرجات تتسع لـ2000 متفرج. وتُرافقها أعمدة إنارة، مما يسمح بلعب التنس في وقت متأخر من الليل. يتغير الجدول يوميا، حيث يتأخر وقت الجزر بحوالي 50 دقيقة في كل دورة، وعادة ما تُلعب المباراة الأولى بعد الساعة 6:45 مساء بتوقيت إسبانيا، وفي حال تأخر المباراة لفترة طويلة، هناك خطر انقطاع المد. قوانين البطولة تُقام البطولة وفقا للقواعد الرسمية للاتحاد الملكي الإسباني للتنس، والتي تم تعديلها لتتناسب مع خصائصها الفريدة. تُلعب المباريات بنظام الأفضل من ثلاث مجموعات: في حال التعادل 1-1، تُحسم المباراة بشوط كسر التعادل، باستثناء المباراة النهائية، حيث تُلعب المجموعة الثالثة كاملة. جائزة البطولة في عام 1997، صنع صائغ المجوهرات بيدرو ألفاريز دي بينيتو نسخة فضية من برج ساعة لوانكو، كجائزة للفائز ببطولة لوانكو للتنس الشاطئي، تحت اسم كأس خوان أفيندانيو. ويعد دي بينيتو أحد أكبر الداعمين للبطولة، وبعد وفاته في مارس/آذار 2020، ظل اسمه مرتبطا بتاريخ البطولة، لأن ابنته أليخاندرا ألفاريز حافظت على هذا الرمز التمثيلي للانتصار في بطولة لوانكو. تقدم بطولة لوانكو تجربة مختلفة، وعلى اللاعبين التكيف مع ما هو متاح: رمال رطبة، ورياح، وكرة لا ترتد دائما بالوتيرة نفسها، وأرضية صلبة غير مستوية. هناك، لا مجال للجدال حول المليمترات أو اللجوء إلى دقة التصويب. العب بما هو متاح، والبحر هو من يحدد المدة. يكمن سحر البطولة الحقيقي في هذه الفوضى الحقيقية.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
شاهد.. إيقاف مباراة ليفربول وبلباو في الدقيقة الـ20 تكريما للراحل جوتا
أوقفت مباراة ليفربول الودية التي جمعته بنظيره أتلتيك بلباو الإسباني أمس، على ملعب أنفيلد تكريما للاعبه الراحل ديوغو جوتا، علما أنها الأولى التي تقام على ملعب أنفيلد منذ رحيل المهاجم البرتغالي. وعند وصول المباراة إلى الدقيقة 20 وهو الرقم الذي وضعه اللاعب الراحل على قميصه طوال فترته مع "الريدز" والتي استمرت 5 مواسم، أُوقف اللعب في لحظة عاطفية مؤثرة. ووقفت جماهير ليفربول التي ملأت جنبات ملعب أنفيلد ورددت اسم جوتا مع موجة حارة من التصفيق، في وقت رفعت فيه صور اللاعب. كما انضم لاعبو الفريقين والجهازان الفنيان للجماهير في دقيقة تصفيق جماعي لتكريم اللاعب وشقيقه أندريه سيلفا الذي تُوفي معه في نفس الحادث "المروّع". وقال موقع "ليفربول إيكو" المختص بنشر أخبار الفريق، إن ليفربول حرص دائما على احترام وتكريم جوتا وما فعله أمام بلباو كان بمثابة "تجديد للوفاء". وقبل بداية المباراة دخل أسطورة ليفربول فيل تومسون رفقة جون أوريارتي رئيس أتلتيك بلباو إلى أرضية ملعب أنفيلد، ووضعا إكليلين من الزهور أمام المدرج الشهير "ذا كوب". وأكد الهولندي فيرجل فان دايك، قائد ومدافع ليفربول، أنه وزملاءه لن ينسوا جوتا وأنهم سيحرصون على تكريمه في كل ملعب. إعلان وقال فان دايك "سوف نفكر فيه خلال المباريات وفي كل ملعب نزوره. لأكون صريحا ما زلنا غير مصدقين ما حدث معه لكننا نبذل ما بوسعنا للتعامل مع هذه المأساة كفريق". وأضاف "من الغريب العودة لممارسة كرة القدم في ظل هذه الظروف. لن ننسى ديوغو أبدا وبالطبع علينا أن نكرّم ذكراه". وفي الوقت نفسه أكد فان دايك أهمية الوقوف إلى جانب عائلة جوتا، الذي كان أبا لـ3 أطفال. وتابع الهولندي "عائلته يجب أن تكون دائما في المقام الأول. لا يمكننا حتى تخيّل الألم الذي يعيشونه حاليا. علينا أن نرعى عائلته ووالديه. نحاول أن نكون بجانبهم قدر الإمكان". وتوفي جوتا وشقيقه في حادث سير مروّع في الثالث من يوليو/تموز 2025 أثناء تنقلّهما عبر إسبانيا في طريق عودتهما إلى إنجلترا، استعدادا لانطلاق فترة التحضيرات للموسم الكروي الجديد. وأعلن ليفربول في وقت سابق سحب القميص رقم 20 نهائيا من كافة فرق النادي تكريما لجوتا وتقديرا لإسهاماته ووفاء لذكراه. كما أعلن النادي أنه بصدد إقامة تمثال لجوتا سيتم وضعه خارج ملعب أنفيلد، وذلك باستخدام المواد التي أُعيد تدويرها من الهدايا والتكريمات التي وضعها المشجعون في محيط الملعب بعد وفاته.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
بيد واحدة اللاعب الإسباني سانشيز هزم الإعاقة وألهم الملايين
في زمن تصعب فيه مواصلة الأحلام حتى لمن يمتلكون كل الإمكانيات، جاء أليخاندرو أليكس سانشيز ليكسر القواعد ويعيد تعريف معنى الإرادة. ولد الإسباني سانشيز بلا يد يمنى، لكن إعاقته لم تكن يوما عائقا أمام شغفه بكرة القدم، إذ نشأ في أسرة محبة منحته كل الدعم، وكان يرى نفسه طفلا طبيعيا سعيدا. ويقول "لم أواجه أي مشكلة مع إعاقتي، لأنني كنت دائما أتقبل نفسي كما أنا. كرة القدم كانت تحديا، لكنني كنت أمتلك قدمين لركل الكرة، وهذا كان كافيا". الحلم يبدأ من الشارع بدأت مسيرة سانشيز في ملاعب الأحياء بمدينة سرقسطة مسقط رأسه، حيث لعب من أجل المتعة فقط. لكن في سن 15 عاما، وبعد انضمامه إلى فريق جامعة سرقسطة بدأ يدرك أن كرة القدم قد تكون أكثر من مجرد تسلية. وتألق مع الفريق المحلي فجذب أنظار النادي الأكبر في المدينة ريال سرقسطة، وكانت تلك بداية الرحلة الحقيقية. ويستذكر سانشيز ذلك التحويل قائلا "تلقيت خبرا بأنني سألعب مع ريال سرقسطة، ولم أصدق في البداية. كانت لحظة غيرت حياتي بالكامل". من الهواة إلى الأضواء رغم تألقه مع الفريق الرديف، كانت رحلة الانتقال إلى الاحتراف مليئة بالتحديات النفسية والجسدية. فالعالم الاحترافي لم يكن دائما مرحّبا، وواجه سانشيز شكوكا وتحيزات من بعض الزملاء وحتى الإعلام. "في كرة القدم، عليك أن تجتاز امتحانا يوميا، والنجاح لا يكون هدف الجميع دائما" يقول سانشيز مضيفا "الصحة العقلية كانت أكبر تحد لي كلاعب بإعاقة في الدوري الإسباني". وجاءت لحظة التحول في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2009، عندما شارك بديلا ضد فالنسيا في ملعب "ميستايا" أمام أكثر من 50 ألف مشجع. ولم يكن مجرد دخول ملعب بل دخول التاريخ كأول لاعب بيد واحدة يشارك في مباراة ضمن الليغا. ولعل ما جعل اللحظة أكثر رمزية وتأثيرا أن سانشيز نزل إلى الملعب ليشارك أمام أحد أبطاله ديفيد فيا الذي يعد من أعظم المهاجمين في تاريخ إسبانيا. ويقول سانشيز "كنت أعشق فيا منذ طفولتي، وفجأة وجدت نفسي ألعب إلى جانبه في نفس المباراة. كان الأمر أشبه بالحلم، أتذكر كل لحظة من ذلك اليوم. كانت أفضل لحظة في حياتي". ولاحقا، تنقل بين عدة أندية في الدرجات الأدنى، وسجل أهدافا وقدم مستويات لافتة. لكن الأهم من ذلك أنه أصبح رمزا وقدوة للأطفال ذوي الإعاقة. ولا تزال رسائل الشكر والامتنان تصله حتى اليوم من أناس يرونه أملا حقيقيا لأبنائهم. وعن ذلك يقول سانشيز "أن تكون قدوة أمر رائع. لم يكن هناك أحد مثلي عندما كنت طفلا، لذا أشعر بالفخر أن أكون ذلك الشخص الآن". شغف يتجاوز الملاعب بعيدا عن الملاعب، حاز سانشيز على درجة الدكتوراه في القانون، وماجستير في السياسة، وكتب عن حقوق الإنسان في الرياضة. ويقول بهذا الصدد "عوملنا كلاعبي كرة قدم بشكل مختلف في عدة مجالات. هناك حقوق لا يحصل عليها اللاعب كما يحصل عليها المواطن العادي". واليوم، لا يزال سانشيز نشطا مع نادي بنغالورو بالدوري الهندي بعد ما قدم أداء رائعا الموسم الماضي مع فريق غوكولام كيرالا بعدما سجل 19 هدفا في 22 مباراة. ويختم سانشيز حديثه بابتسامة المنتصر "الحياة شغف وأنا شغوف بكرة القدم والقانون. سأواصل اللعب ما استطعت ثم أتابع حياتي في المجال القانوني وهو أمر أنا متحمس له للغاية". إن سانشيز ليس مجرد لاعب كرة قدم محترف، بل شهادة حية على أن الشغف قادر على هدم كل الحواجز.