
بينهم شارون وسنو وايت و"الجميلة النائمة".. من هم الأطول غيابا عن الوعي في تاريخ البشرية؟
لم تكن حالة الأمير السعودي الوليد بن خالد بن طلال، الذي ظل في غيبوبة كاملة لمدة 20 عاماً حتى وفاته يوم السبت، هي الأولى من نوعها في العالم أو الأطول في التاريخ، بل سبقته حالات أكثر غرابة ومتعددة الأسباب. منهم من عاد إلى الوعي ومنهم من ظل غائباً إلى الأبد.
وقبل رصد حالات الغيبوبة المثيرة والأطول في التاريخ، سواء انتهت بالوفاة أو العودة من المجهول، نوضح أولا ماذا تعني الغيبوبة، وهل هي مثل النوم وما الفرق بينها وبين توقف الدماغ، طبيا.
هل الغيبوبة نوم عميق؟
تتفق حالتي النوم والغيبوبة في أن الإنسان يفقد خلالهما الوعي، لكن ما اختلاف شدته وأسبابه والمدة التي قد يقضيها الإنسان في هذه الحالة، كما أن التنفس يكون طبيعيا في الحالتين والقلب ينبض أيضا.
بحسب التعريف الطبي فإن الغيبوبة حالة فقدان وعي كامل، إلا أن الدماغ البشري لا يستجيب خلالها يمكن لأي مُحفِّز خارجي (كالأصوات أو الأحاسيس) التي يمكن أن تحفز الدماغ على الاستيقاظ واليقظة، وهي نتيجة تلف في مناطق الدماغ المسؤولة عن الوعي، والوعي بالذات والشخصية، نتيجة عوامل داخلية مثل نزيف في المخ أو تلف بالدماغ، بسبب حوادث خارجية أو أمراض.
بينما أثناء النوم يمكن الاستجابة للمحفزات الخارجية والانتباه لها واليقظة أيضا، والهدف منها هو الراحة واستعادة الطاقة، ولا تحتاج إلى أسباب داخلية أو خارجية لحدوثها، فهو من الاحتياجات الفسيولوجية للإنسان ويحدث بصورة طبيعية.
ومن مؤشرات تشخيص الغيبوبة:
الشخص الذي يعاني من غيبوبة لا يظهر أي رد فعل ذي معنى، مثل تتبع شيء ما بعينيه أو الاستجابة للأصوات، كما أنه لا يظهر أي انفعالات عاطفية.
حالة الغيبوبة المستمرة أو المتواصلة هي حينما يحدث ذلك لمدة تزيد عن أربعة أسابيع.
حالة الغيبوبة الدائمة تعرف بأنها أكثر من ستة أشهر، إذا نتجت عن إصابة في الدماغ ناتجة عن غير الصدمات، وأنها أكثر من 12 شهرا إذا كانت ناتجة عن الصدمات مثل كدمة بالرأس.
إذا كان الشخص في حالة غيبوبة دائمة يكون شفاؤه صعبا للغاية، لكن ليس مستحيلا.
وهناك حالة أخرى قد تؤدي لفقدان الوعي تسمى الموت الدماغي، وهي إصابة الشخص بتلف دماغي شديد لدرجة أنه يصبح غير قادر على التنفس بمفرده، ويحتاج إلى وضعه على جهاز التنفس الصناعي.
لكن وفقا لأطباء أمريكيين يمكن للإنسان القيام بوظائف حيوية أثناء الغيبوبة، منها الحمل مثلا، وهو ما حدث في الولايات المتحدة عام 2019، عندما أعلنت الشرطة في ولاية أريزونا الأمريكية، عن حمل سيدة وهي في الغيبوبة منذ 10 سنوات وتمت ولادة الطفل بنجاح.
وطلبت الشرطة تحليل الحامض النووي لأفرادها الذكور الذين عملوا في دار للرعاية الطبية، وكانوا يتولون حراسة السيدة، التي تعرضت لحادث كادت أن تغرق فيه.
وفي البرتغال أعلن الأطباء في 2019 عن ولادة طفل لسيدة كانت في غيبوبة لعدة أشهر وهي حامل، وكانت تعاني من موت دماغي، بعد تعرضها لأزمة ربو حادة في منزلها.
وولد الرضيع، الذي أطلق عليه اسم سالفادور، بعد فترة حمل لنحو 32 أسبوعاً، ويتلقى حاليا الرعاية في مستشفى لرعاية حديثي الولادة.
الغيبوبة الأطول في التاريخ
ومن أطول حالات الغيبوبة التي شجلها التاريح، بحسب موسوعة غينيس للأرقام القياسية، كانت بطلتها الأمريكية إدواردا أوبارا، التي عُرفت باسم "سنو وايت"، مواليد 1953، وظلت في غيبوبة لمدة 42 عاماً، ورغم أن أسرتها لم تفقد الأمل إلا أنها انتهت بالوفاة عام 2012، وعمرها 59 عاماً.
وبحسب التفاصيل الطبية فقد أصيبت إدواردا بغيبوبة نتيجة إصابة بمرض السكري، عام 1970، عندما كانت طالبة في المدرسة الثانوية، عندما مرضت فجأةً، وتقيأت دوائها، ودخلت في غيبوبة سكري.
وتمكست والدتها كاري بالأمل ورفضت كل محاولات قطع العلاج عنها، واستمرت بجوار ابنتها حتى توفيت الأم عام 2008، وعمرها 80 عاما، وبعدها تولت شقيقتها كوليين رعايتها.
الغيبوبة القاتلة
ومن أبرز الحالات التي انتهت بالموت أيضا بعد سنوات من الغيبوبة:
إيلين إسبوزيتو، أو "الجميلة النائمة" كما أطلقوا عليها، من مواليد 3 ديسمبر/كانون الأول 1934، وفي يوم اشتكت من الزائدة الدودية وعمرها ست سنوات، ودخلت المستشفى لعمل الجراحة عام1941، لكنها لم تخرج أبداً وظلت في غيبوبة لأكثر من 37 عاماً، وأُعلنت وفاتها رسمياً في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1978.
ومن أشهر من أصابتهم الغيبوبة وتوفى بسببها كان رئيس وزراء إسرائيل السابق أرييل شارون، وظل فاقدا للوعي طوال ثماني سنوات، حتى إعلان وفاته وعمره 85 عاما.
أُصيب شارون بجلطة دماغية بسيطة للمرة الأولى ودخل المستشفى في 18 ديسمبر/كانون الأول 2005 تعافى منها بسرعة، لكنها تحولت إلى سكتة دماغية حادة في 4 يناير/كانون الثاني 2006، دخل على إثرها في غيبوبة عميقة.
أبقاه أبناؤه على قيد الحياة بواسطة أجهزة طبية، ولكن لم يظهر أي علامات على تحسن أو خروجه من الغيبوبة.
وفي 2010 قال مدير المستشفى المشارك في رعاية شارون إنه لن يعود للوعي، لأن دماغه تقلص وصار في " حجم ثمرة الجريب فروت، وأجزاء كثيرة اضمحلت وصارت مادة خام سائلة"، وتم الإعلان عن الوفاة رسميا في 11 يناير/كانون الثاني 2014.
المليونيرة الأمريكية سوني فون بولو، كانت من مواليد سبتمبر/أيلول 1932 عاشت قرابة 28 عاماً في حالة غيبوبة دائمة، من ديسمبر/كانون الأول 1980 حتى وفاتها في دار رعاية في مدينة نيويورك في 6 ديسمبر/كانون الأول 2008.
أما أغرب حالات الغيبوبة التي انتهت بالوفاة فكان بطلها تيري واليس، الذي ظل غائباً عن الوعي 20 عاماً، من يوليو 1984، بسبب حادث سيارة، حتى 12 يونيو 2003 وأفاق ثم مات.
أما المراهق البريطاني أنثوني بلاند، فقد دخل في غيبوبة لمدة خمس سنوات بسبب تشجيع ليفربول، حيث كان من ضحايا كارثة هيلزبرة في 15 أبريل/نيسان 1989، الأكثر دموية في التاريخ البريطاني والتي سُحق فيها 95 مشجعًا حتى الموت في مدرجات الملعب.
وتعرض الشاب الذي لم يتجاوز عمره 17 عاما وقتها للدهس مما تسبب في تلف دماغي حاد تركه في حالة فقدان وعي دائمة، وظل على أجهزة التنفس الصناعي حتى توفى في 3 مارس/آذار 1993.
بعيدا عن الحوادث والأمراض، قد تؤدي بعض العادات الخاطئة إلى الغيبوبة الطويلة، وهو ما حدث مع الأمريكية كارين آن كوينلان، التي استمرت في غيبوبة لـ 10 سنوات.
ففي 14 أبريل/نيسان 1975، وبعد سهرة مع أصدقائها تناولت خلالها الكحول والمهدئات، دخلت الفتاة البالغة وقتها 21 عاماً في غيبوبة. والغريب أن والداها طلبا إنهاء المعاناة بعد خمسة أشهر، لكن الأطباء منحوها الحق في الاستمرار في الحياة، وبعد 10 سنوات توفيت بسبب الفشل الرئوي في 11 يونيو/حزيران 1985.
ومن الأسباب الأخرى للغيبوبة، الإصابة بالرصاص، وهو ما حدث مع الشرطي الأمريكي غاري دوكري، عندما أصابه شخص مخمور برصاصة في رأسه في 17 سبتمبر/أيلول 1988. وعاش في حالة أشبه بالغيبوبة لمدة ثماني سنوات، في دار رعاية. ولكن بعد خضوعه لجراحة في الرئة في أوائل عام 1996، استيقظ دوكري من الغيبوبة فجأة وبدأ يتحدث بلا توقف ، لكن المعجزة لم تدم طويلًا، ومات بعد 18 ساعة.
في أحد أفلام هوليوود أصيب الممثل البديل للنجوم (الدوبلير) إيفيل نيفيل، في 31 ديسمبر 1967 أثناء محاولته القفز فوق النوافير خارج قصر سيزرز في لاس فيغاس على دراجة نارية. ودخل في غيبوبة 29 يوماً، وتوفى بعدها.
عائدون من المجهول
ليس الموت دائماً هو النهاية الحتمية للغيبوبة فهناك أيضاً من أصيبوا بفقدان الوعي ثم عادوا مرة أخرى وتعافوا وعاشوا لسنوات إضافية، وأطول من دخل غيبوبة واستيقظ منها كان الأمريكي ليونارد لوي، مواليد 1939، وظل في غيبوبة أكثر من 30 عاماً، بداية من 1939 حتى 1969، بسبب التهاب الدماغ النوام. ونجح الدكتور أوليفر ساكس في إيقاظه هو وعدد من مرضى الغيبوبة المرتبطة بالإنفلونزا الإسبانية باستخدام دواء يُسمى ليفودوبا أو إل-دوبا.
ومن أبرز الحالات أيضا وأطولها الكندية آني شابيرو، مواليد 1913، ودخلت في غيبوبة 29 عاماً، بدأت بإصابتها بسكتة دماغية مفاجأة في متجرها لبيع الملابس عام 1973، وظلت حتى 1992، وعاشت بعدها 11 عاما حتى توفيت في 2003، وألهمت قصتها صناع السينما وتحولت إلى فيلم أمريكي بعنوان "الحب الأبدي" عام 1998.
أما الإماراتية منيرة عبد الله، فقد ظلت في غيبوبة 27 عاما، بعد حادث سيارة في عام 1991، وبعد رحلة علاج طويلة ما بين الإمارات وألمانيا استعادت وعيها فجأة في يونيو/حزيران 2018، ومازالت على قيد الحياة.
دخل الأمريكي تيري واليس، في غيبوبة لمدة 19 عاما، وهو من مواليد 1964، وأُصيب في رأسه جراء حادث في 1984، واستيقظ في 2003، وتوفى في 2022.
وخلال فترة مرضه وتعافيه خضع لدراسات وأبحاث طبية معمقة حول قدرة الدماغ البشري على إصلاح نفسه واستعادة نشاط الخلايا مرة أخرى.
أما قصة توماس هيل، مع الغيبوبة فبدأت عندما حاول الانتحار في 2010، ورغم أنه فشل في الانتحار إلا أنه دخل في غيبوبة لمدة 12 عاما واستيقظ في 2022، وهو من مواليد 1988، ومازال على قيد الحياة.
دونالد هربرت، رجل إطفاء أمريكي من مواليد 1961، قضى في غيبوبة أكثر من 9 سنوات، بعد أن انهيار مبنى محترق وهو بداخله في 1996، وفي 30 أبريل/نيسان 2005، واستيقظ وتمكن من التحدث إلى أصدقائه وعائلته، وتوفي بسبب الالتهاب الرئوي في 21 فبراير/شباط 2006، عن عمر يناهز 44 عاماً.
كما نجا عامل السكك الحديدية البولندي يان جرزيبسكي، من غيبوبة استمرت أربع سنوات، بعد إصابته أثناء عمله في محطة قطارعام 1988، استيقظ عام 1991، وعاش حياته بعدها حتى وتوفى عام 2008.
أما الجنوب أفريقي ريان بولتو، فقد دخل في غيبوبة ثلاث سنوات، بعد الإصابة في حادث سيارة 2003، وظل غائباً عن الوعي حتى 2006، ومازال حيا حتى الآن.
أما مارتن بيستوريوس، من مواليد 1975، في عام 1994 دخل في غيبوبة كاملة لمدة 3 سنوات، جراء حادث، وفي السنة الرابعة استعاد وعيه جزئياً، وفي السنة الخامسة كان قادراً على تحريك عينيه، ليستعيد وعيه بالكامل في 1999، وتعافى بشكل كامل تحسنت قدراته العقلية بعد الغيبوبة حتى أنه أصبح مصمم مواقع ويب ومطوراً ومؤلفاً، وفي عام 2011، ألّف كتاباً عن سنوات الغيبوبة، بعنوان "الفتى الشبح."
ومن الأسباب الأخرى للغيبوبة أيضا الضرب، وهو ما حدث مع الأمريكية واندا بالمر، من مواليد 1970، وتعرضت لاعتداء وضرب من مجهول في يونيو/حزيران 2020، ومن شدة الضرب دخلت في غيبوبة لمدة عامين واستيقظت في 2022، وكانت المفاجأة بعد أن استيقظت أنها كشفت الجاني وكان شقيقها دانيال، وتم القبض عليه وتوفى في السجن بعد أيام، أما هي فمازالت على قيد الحياة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


BBC عربية
منذ 2 أيام
- BBC عربية
"أطفالي يحلمون بكيس طحين أو علبة حليب"، في غزة كيف يؤثر نقص الغذاء على مستقبل الأطفال؟
ولد نضال مع توأمه سليم في السابع والعشرين من فبراير/شباط 2025 في قطاع غزة، ولم تبصر عيونهما غير المدركة لما يجري، سوى الحرب، حتى حليب والدتهما، كان من الصعب أن توفره لهما في ظل شح الطعام وصعوبة الوصول إليه، مما أفقدها القدرة على الإرضاع الطبيعي، يقول والدهما منذر شراب. وفي السادس والعشرين من يونيو/حزيران، لم يتمكن جسد نضال الصغير من استكمال الحياة في ظل عدم سهولة توفر الحليب الطبيعي أو الصناعي "بسبب سوء التغذية الحاد"، يشرح منذر. ويوضح والد نضال لبي بي سي أنه حاول قبل أسبوعين من وفاة طفله أن يحصل على حليب من عدة مستشفيات وجهات طبية وجمعيات خيرية في القطاع لكن دون جدوى. في اللحظات الأخيرة من عمر نضال، في ذلك اليوم تحديداً تمكن الأب من الحصول على مساعدة وجدها غير كافية من إحدى الجهات الطبية الدولية، لكن وبعد منتصف الليل ساءت حالة طفله. يصف الأب تلك الليلة باكياً: "خرجت من خيمتي أحمل طفلي، لا يوجد وسائل نقل ولم أجد من يساعدني، حتى وصلت إلى المستشفى الكويتي، وهناك أخبروني أن طفلي فارق الحياة وعلي أن أحمل جسده إلى مستشفى ناصر الطبي لإتمام إجراءات الوفاة". يعيش منذر (34 عاماً) النازح مع عائلته، في خيمة في منطقة المواصي جنوب قطاع غزة. بعد وفاة الطفل نضال انتشر مقطع فيديو لعائلته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهم يبكون ابنهم الذي مات من الجوع، بسبب الحصار الخانق الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، وارتفاع أسعار الكميات النادرة من السلع الغذائية في القطاع - إن وُجدت. إلا أن ما حصل لاحقاً لا يقل سوءاً بالنسبة لمنذر، الذي لا يملك دخلاً منذ فقدانه عمله بعد بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023، ولا يستطيع حتى اليوم توفير الطعام الكافي لعائلته المكونة حالياً من زوجته وأطفاله الخمسة ووالدته وشقيقه الذي يعاني من إعاقة. "كان عندي أربعة أولاد وابنتان، لكن بعد وفاة نضال أصبح لدي ثلاثة أولاد وابنتان"، يعاني سليم توأم نضال صحياً من سوء التغذية الحادة وكذلك الحال بالنسبة لطفلته البالغة من العمر سنة وستة أشهر إذ أخذت صحتها بالتراجع أيضاً، وفق والدهما. ويوضح منذر لـبي بي سي أن علبة الحليب سابقاً "كان سعرها بحدود 25 شيكل (العملة الإسرائيلية) -أي ما يعادل نحو 7 دولارات-، أما اليوم فسعرها يصل إلى نحو 200 شيكل -ما يعادل 60 دولاراً-". ويشير منذر إلى أنه حتى لو توفر ثمن الحليب في ظل قلة السيولة المالية، فإنه من الصعب أيضاً العثور عليه لندرته في القطاع. لم نتمكن من الحصول على تفسير من طبيب اطلع على حالة الطفل نضال قبل وفاته. إلا أن مديرة أنشطة التمريض في منظمة أطباء بلا حدود جاك لاتور التي تعمل في عيادتين للرعاية الصحية الأولية إضافة إلى مجمع ناصر الطبي جنوب القطاع، قالت إنها وثّقت حالات نقص تغذية شديد بين الأطفال. وتضيف أنه "يجب أن نتحدث عن حقيقة أن سوء التغذية في حد ذاته انتشر بشكل كبير في كامل قطاع غزة. كل مؤشر غذائي يظهر لنا أن هناك تراجعاً حاداً بين جميع الفئات العمرية من حيث الوزن المتوسط، ومحيط الذراع العلوي المتوسط، وهو المقياس الذي نستخدمه لقياس سوء التغذية". لاتور التي تقيم في غزة منذ قرابة 8 أسابيع، تقول إن "طفلان توفيا الأسبوع الماضي بسبب نقص تغذية حاد فور وصولهما إلى الطوارئ في مستشفى ناصر". وتوضح أنه لعلاج الطفل من نقص التغذية "نحتاج إلى بقائه في المستشفى من أسبوع إلى أسبوعين حتى تستقر حالته، مع توفير مكملات غذائية خاصة، وهذا علاج طبي عالمي معتمد من منظمة الصحة العالمية واليونيسيف. نوفر حليباً خاصاً ليس لزيادة الوزن بشكل سريع، بل لتثبيت الأيض، لأن تقديم كميات كبيرة بسرعة يمكن أن يرهق الجسم ويؤدي إلى رفض الحليب، مما يسبب إسهالاً وقيئاً قد يؤدي إلى جفاف حاد وخطر على حياة الطفل. ونعالج المضاعفات الطبية التي أدت إلى دخول الطفل للمستشفى، والتي غالباً ما تكون مرتبطة بالإسهال والقيء الناتجين عن سوء المياه والتلوث". كما ينقل تقرير حديث نشره برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة عن التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن غزة "تواجه خطر المجاعة الشديد، إذ وصلت مؤشرات استهلاك الغذاء، وسوء التغذية إلى أسوأ مستوياتها منذ بدء الصراع". وتشير البيانات إلى أن أكثر من ثلث الفلسطينيين في قطاع غزة يظلون لأيام متتالية دون طعام، في حين يعاني أكثر من 500 ألف شخص من "ظروف شبيهة بالمجاعة". ويضيف التقرير أن "تضاعف معدل سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة أربع مرات في غضون شهرين، ليصل إلى 16.5 في المئة، مما يشير إلى تدهور حاد في التغذية وارتفاع حاد في خطر الوفاة بسبب الجوع وسوء التغذية". ولا يذكر التقرير أعداد الأطفال الذين لقوا حتفهم بسبب الجوع ويعزو ذلك إلى صعوبة الحصول على بيانات موثوقة في ظل الظروف الحالية في غزة، وتعرض النظم الصحية للدمار. "خبز وماء" "لم نتناول اللحم أو الدجاج منذ اختراق وقف إطلاق النار الأخير، آخر مرة تناولناها في رمضان"، تقول هبة ويليام (36 عاماً) الأم لـ 3 أولاد وابنة، أكبرهم 14 عاماً وأصغرهم طفلتها ذات الخمسة أعوام. بقيت هبة مع أطفالها وزوجها في منزلهم في النصيرات الوسطى قرب محور نتساريم، لكن نزح عدد من أفراد العائلة الممتدة، وأصبح مجموع من يعيشون في المنزل 18 شخصاً. رغم ذلك تشرح هبة أن كل عائلة صغيرة داخل المنزل مسؤولة عن تحصيل الطعام الخاص بها، نظراً "لصعوبة توفير الطعام والغلاء الفاحش". وفي غالبية الأحيان، تكتفي عائلة هبة المكونة من 6 أفراد، بكيلو غرام من الطحين يومياً، بما يوفر رغيفي خبز لكل فرد طوال اليوم. وتضطر في بعض المرات هي وزوجها للتنازل عن حصتهم الثانية من الخبز تحسباً لشعور أحد الأطفال بالجوع في صباح اليوم التالي. "نصنع من الطحين خبزاً، أحياناً الأطفال يحمصونه ويأكلونه جافاً وأحياناً عند توفر الدقة [تشبه الزعتر المطحون] يضعونها في الخبز حسب المتاح. لكن المهم هو توفر الخبز. تقريباً نحن نعيش على الماء والخبز لأن باقي الأشياء حتى لو توفرت لا يوجد إمكانية مادية لشرائها"، تقول هبة. يشار أيضاً إلى أن قطاع غزة يعاني من أزمة في توفر المياه منذ بدء الحرب في أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتضيف هبة: أحياناً يتوفر العدس، نصنع منه ما هو شبيه بـ "الدقة الغزاوية"، أما خبز العدس فلم يتقبله الأطفال. بالنسبة للفواكه والخضار فهي غير متوفرة أيضاً. تتذكر أنها تمكنت من الحصول على كيلو غرام من العنب لأطفالها الشهر الماضي، لكن فيما عدا ذلك فإنهم لم يتناولوا الفواكه منذ شهر رمضان، أي قبل نحو أربعة أشهر. وفي السوق لا تجد هبة أياً من الأجبان أو الحليب أو البيض، ومن النادر توفر الخضراوات التي يتمكنون من شرائها عند انخفاض سعرها، لافتة إلى أن زوجها تحول عمله من باحث اجتماعي قبل الحرب، إلى مراقب عمال نظافة في شركة خاصة بعد الحرب، ولا يتقاضى راتباً ثابتاً، فيما لا يتجاوز دخله 1200 شيكل شهرياً - أي ما يعادل 353 دولاراً - بينما لم يعد لدى هبة المختصة في مجال الإعلام أي عمل. يقول أستاذ التغذية العلاجية البروفيسور معز الإسلام فارس لـبي بي سي، إن الإنسان يحتاج لجميع العناصر الغذائية سواء "من العناصر الغذائية الكبرى: الكربوهيدرات، والبروتينات، والدهون. والعناصر الصغرى: الفيتامينات والمعادن. عدم توفر هذه العناصر يؤدي لاختلال وظيفي، وتعطل واحد أو أكثر من الوظائف الحيوية في الجسم". ويوضح فارس أن الاختلال قد يضرب الجهاز العصبي، أو القلب، أو المناعي وهو الأكثر تأثراً عند نقص التغذية المتوازنة، مما يعرض الجسم للعدوى والإصابة بأمراض سارية. ويُشير تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي عن غزة، الصادر في 12 مايو/أيار، إلى أن جميع السكان يعيشون في مرحلة الأزمة (المرحلة الثالثة) وما فوق. وتوقع التقرير أن يعاني ما يقرب من 469,500 شخص من انعدام الأمن الغذائي الكارثي (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) بين مايو/أيار، وسبتمبر/أيلول 2025. "صناديق المساعدات" وتخاف هبة على ابنها الأكبر البالغ من العمر 14 عاماً، لأنه في مرحلة المراهقة ويذهب أحياناً إلى أماكن المساعدات دون إخبارها. وتقول: "توجه لمركز المساعدات الإنسانية دون إبلاغي مع مجموعة من أبناء الحي، ثم تعرضوا هناك لإطلاق النار، خوفه دفعه للتراجع، دون الحصول على أي صندوق مساعدات. لكن في طريق العودة أخبرها أنه ساعد مجموعة من الأشخاص على حمل كيس طحين كبير، فمنحوه كنوع من الشكر كيلو غراماً من الطحين". ثم تتحدث عن قصة أخرى حين توجه ابنها قبل أيام لمشاهدة إنزال جوي وعند اقترابه من علبة حليب على الأرض، توجه أحد الموجودين هناك نحوه وهدده ليتركها. وتستذكر بحرقة ما قاله ابنها "عاد إلي خائفاً، أخبرني أنه تعرض للتهديد بعصا أو بسلاح، أعاد علبة الحليب، وقال لمن هدده (خذها يا عم)". تتابع: "الطفل يشعر بالجوع أنا لم أستثمر كل سنوات عمري من أجل أن يحلم أطفال بكيس طحين". لكن، هل تكفي محتويات صناديق المساعدات؟ حلل قسم تقصي الحقائق في بي بي سي - (BBC Verify)، قبل أيام ما يحتويه صندوق المساعدات الغذائية الذي توزعه مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) المثيرة للجدل، والمدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة. وذكرت المؤسسة لقسم تقصي الحقائق في بي بي سي أن صناديق المساعدات الغذائية تحوي ما يعادل 42,500 سعرة حرارية تكفي لـ "5.5 أشخاص لمدة 3.5 أيام". وتحتوي على أطعمة جاهزة للأكل مثل ألواح الحلاوة الطحينية (خليط من الطحينة أو معجون السمسم والسكر). وتحتوي أيضاً على العدس والزيت النباتي وأحياناً بعض البدائل مثل الشاي والشوكولاتة. وعمل أستاذ تنمية المعونة الدولية في كلية لندن للاقتصاد البروفيسور ستيوارت جوردون، على تحليل القائمة التي قدمتها مؤسسة غزة الإنسانية لفريق تقصي الحقائق، وقال إنه على الرغم من قدرتها على توفير السعرات الحرارية الكافية للبقاء على قيد الحياة، إلا أن فيها "نقاط ضعف خطيرة". وأوضح البروفيسور: "في جوهرها، توفر هذه السلة إحساساً بالشبع ومعدة خالية من الغذاء. العيب الأكبر في كونها سلة طعام للإسعافات الأولية، مصممة للتخفيف من الشعور بالجوع". وقال إن "اتباع نظام غذائي كهذا على مدى أسابيع سيزيد من خطر الإصابة بأمراض مثل فقر الدم ونقص فيتامين سي الحاد (الإسقربوط)". بينما شرح معز الإسلام فارس أستاذ التغذية العلاجية لـبي بي سي عربي أن صندوق المساعدات لمن يتمكن من الحصول عليه، يمنح الإنسان "الحد الأدنى للبقاء على قيد الحياة. ولكن لا يعطيه حاجته من الطاقة الكلية والعناصر الغذائية الكبرى والصغرى من البروتينات والمعادن والألياف. والكثير يعانون من مشاكل في الجهاز الهضمي بسبب ذلك". وأضاف أنه "يجب ان يكون هناك تنوع في المساعدات بحيث يغطي المجموعات: كالنشويات (طحين، أرز)، واللحوم المعلبة أو المجففة ويفضل أن تكون معلبة لأن فترة صلاحيتها أطول، والحليب الجاف كمصدر عالي للبروتين والكالسيوم، ودهون مثل زيت الزيتون، وطحينية السمسم، وفواكه مجففة، وخضار مجففة، وخضار معلبة". ويرى فارس الذي نشر بحثاً عن الوضع الغذائي في السنة الأولى من حرب غزة بالتعاون مع أطباء وباحثين في القطاع، أن "الوضع لا يحتمل إلا شيئاً واحداً فقط وهو إنهاء الحرب، لأن أي حل آخر هو حل مجتزأ في ظل الحاجات الإنسانية الماسة في القطاع". وتتهم حركة حماس إسرائيل بـ"تحويل الغذاء إلى سلاح قتل بطيء، وتحويل المساعدات إلى أداة فوضى ونهب"، مشيرة إلى أن قطاع غزة "يواجه مجاعة كارثية بفعل حصار شامل ومستمر". بينما ترفض إسرائيل هذه الاتهامات وتنفي وجود مجاعة في القطاع. على المدى البعيد: ما أثر نقص التغذية المحتمل على الفلسطينيين؟ لا يقتصر أثر نقص التغذية على المدى القصير بل يمتد إلى "المدى البعيد حيث قد تتراجع معدلات النمو، كما قد تتراجع القدرات الذهنية والعقلية، إضافة للضعف الشديد في بنية الجسم، مع احتمالية استمرار الآثار السلبية على المدى البعيد، خاصة للأطفال الصغار، فكلما كان الطفل أصغر سناً، كلما كان أثر نقص التغذية أشد وأخطر ويؤدي إلى مشاكل مثل ضعف القدرات العقلية"، يقول فارس. في حين تقول جاك لاتور مديرة أنشطة التمريض من أطباء بلا حدود "عند الإصابة بنقص التغذية، نلاحظ انخفاضاً في المناعة، مما يجعل الجسم أضعف وأكثر عرضة للإصابة بالعدوى، ويصبح أقل قدرة على مقاومتها. الالتهاب الرئوي عند طفل يعاني من نقص تغذية شديد، يختلف كثيراً عن طفل سليم، إذ تكون التوقعات الطبية أسوأ، مع معدلات وفاة أعلى، وفترات علاج أطول". وتلفت لاتور إلى أن منظمة أطباء بلا حدود في غزة تعمل على رعاية الأطفال من سن ستة أسابيع وحتى خمس سنوات، إضافة للنساء الحوامل والمرضعات، وهذه هي الفئات الأكثر عرضة للوفاة، كما تقول. وتفيد بأن الأطفال الذين يعانون من نقص تغذية خلال فترات النمو الحرجة يتأثر تطورهم سلباً، بما يشمل التطور النفسي والاجتماعي والعقلي والعصبي. "فالطفل يصبح أكثر نعاساً، خمولاً، ولا يستجيب للمحفزات الاجتماعية حوله، مما يؤثر على الترابط بينه وبين الأم، خصوصاً وأن الأم نفسها غالباً ما تعاني من نقص تغذية وتعيش في خيمة، وتكافح من أجل البقاء يومياً". وتضيف: "وجود طفل يعاني نقص تغذية ويتفاعل أقل مع المحيط الاجتماعي قد يكون بمثابة حكم بالموت عليه، خاصة إذا تأثر الارتباط بين الأم والطفل. في هذه الظروف التي يحاول فيها الجميع البقاء على قيد الحياة، هناك خطر حقيقي أن يفقد الطفل رغبته في المقاومة، ويصبح لا مبالياً بكل ما حوله"، تقول. ساهمت الصحفية في بي بي سي نيوز، مالوري مينش، في التمكن من مقابلة وحوار منذر شراب والد الطفل نضال.


BBC عربية
٢٣-٠٧-٢٠٢٥
- BBC عربية
"لماذا يسمح العالم بتجويع أطفال غزة عمداً؟"
تتناول جولة الصحف، أبرز ما تصدّر الصحف البريطانية حول استمرار منع تدفق المساعدات إلى قطاع غزة، وأثره على سكّان القطاع، والسياسات البريطانية المتعلقة بالهجرة و"الإسلاموفوبيا"، إضافة إلى قدرة التكنولوجيا الحديثة على الكشف عن الكوارث الطبيعية. وبدأ جولتنا، من صحيفة الغارديان التي نشرت شهادة للجرّاح المتطوّع في مستشفى ناصر جنوب غزة نيك ماينارد، الذي تحدث عمّا سماه "التجويع المتعمّد" في القطاع، في مقال بعنوان "أشهد تجويعاً متعمداً لأطفال غزة، لماذا يسمح العالم بحدوث ذلك؟". ويصوّر الطبيب حجم المأساة الإنسانية من داخل المستشفى: "مراهقون يعانون سوء التغذية، ورُضّع أصبحوا جلداً وعظماً، وجراحات تفشل ليس بسبب حدة الإصابة بل لأن المصاب يعاني من سوء تغذية شديد يمنعه من النجاة من العمليات". ويشير الطبيب إلى وفاة أربعة أطفال رُضّع خلال الأسابيع الماضية في المستشفى الذي يعمل فيه، بسبب الجوع، معتبراً أن "التجويع يستخدم كسلاح ضد شعب بأكمله بشكل متعمّد" في غزة. ويقول الطبيب: "لا يوجد ما يكفي من الطعام في غزة. ولا نملك حليب أطفال تقريباً، وغالباً ما تعاني أمهاتهم من سوء التغذية الشديد الذي يمنعهن من الرضاعة الطبيعية. وعندما حاول زميل دولي إدخال حليب أطفال إلى غزة، صادرته السلطات الإسرائيلية". ويُلخص الطبيب سياسة التجويع بنقطتين؛ تتمثلان بـ"منع دخول الغذاء إلى غزة، وترك المدنيين اليائسين بلا خيار سوى زيارة نقاط التوزيع العسكرية للحصول على بعض الإمدادات المحدودة"، متهماً بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويوضح أن السلطات الإسرائيلية قلّصت مراكز توزيع المساعدات الإنسانية من 400 موقع في مايو/ أيّار إلى 4 مناطق عسكرية، والتي يصفها بـ"الفخ المميت لمن يسعى للحصول على قوت يومه". وينقل ملاحظة أطباء في قسم الطوارئ "عن نمط مُقلق للإصابات، حيث تتركّز في أجزاء مُحددة من الجسم كالرأس، والساقين، والأعضاء التناسلية، ما يُشير إلى استهداف مُتعمد لتلك الأجزاء" على حد قوله. ويختتم الطبيب بقوله إن "استمرار تواطؤ حكومة المملكة المتحدة في فظائع إسرائيل أمرٌ لا يُطاق"، مشيراً إلى أنه "سيحكم التاريخ ليس فقط على مرتكبي هذه الجرائم، بل أيضاً على من وقفوا متفرجين" على حد تعبيره. قانون "الإسلاموفوبيا" هوس خطير وننتقل إلى مقال في صحيفة التايمز، بعنوان "قانون الإسلاموفوبيا هوس خطير"، للكاتبة ميلاني فيليبس. وتتحدّث فيليبس في مقالها عن وجود "فجوة عميقة بين النخبة الحاكمة وعامة الشعب"، فيما يتعلّق بالحاجة لإقرار تعريف "للإسلاموفوبيا" وتطبيقه في القطاع العام. وتُقارن هذا الانفصال بما حدث في قضية "بريكست"، حين تجاهلت النخبة رغبة الجماهير في الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتقول: "كما هو الحال مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يشعر البعض بأن وطنهم قد سُلب منهم من قِبل طبقة نخبوية تُلصق بهم اتهامات العنصرية والإسلاموفوبيا إذا اعترضوا". وترى أن تعريف "الإسلاموفوبيا" سيكون وسيلة لقمع حرية التعبير ومنع الناس من مناقشة مشاكل حقيقية، مثل "الجماعات التي تستغل الفتيات أو تهدد الأمن، معتبرة أن هذا التعريف "مصمّم لمنع أي انتقاد للإسلام أو العالم الإسلامي". وتنقل الكاتبة حالة الغضب الشعبي في بريطانيا بسبب شعور كثير من الناس بأن الحكومة البريطانية تتجاهل جرائم خطيرة ارتكبتها "عصابات من أصول باكستانية مسلمة، خوفاً من وصفهم بالعنصرية". وتشير إلى أن استطلاعات الرأي تُظهر إمكانية تقدّم حزب الإصلاح البريطاني على حزب العمّال الحاكم، إذا ما أقرّ حزب العمال تعريفاً "للإسلاموفوبيا"، مما يدل على مدى الغضب الشعبي من هذه السياسات. وتعتقد الكاتبة أن الحكومة البريطانية "تتجاهل الغضب الشعبي المتزايد تجاه هذه القضايا؛ إما بسبب خوفهم من العنف الإسلامي، أو بسبب الرضوخ لضغط لوبي إسلامي طائفي يسعى لفرض نفوذه". وتنهي الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أن النخبة الحاكمة تؤمن بأن "الهوية الوطنية البريطانية عنصرية بطبيعتها"، على حد وصفها، إذ "تبحث عن الشرعية الأخلاقية فقط في التعددية الثقافية"، الأمر الذي جعلهم عاجزين عن مواجهة الواقع أو الاعتراف بالأخطاء، كما تقول. "يمكن أن تنبهنا هواتفنا إلى الزلازل" وننهي جولتنا، مع مقال من صحيفة الفايننشال تايمز، بعنوان "يمكن أن تنبهنا هواتفنا إلى الزلازل، ولكن هناك مشكلة"، للكاتبة أنجانا أهوجا. وتستعرض الكاتبة إمكانية استخدام الهواتف الذكية - خاصة التي تعمل بنظام "الأندرويد" - كنظام لرصد الزلازل من خلال مجسات التسارع المدمجة فيها. وتقول إن "الهواتف الذكية تعتبر أداة مفيدة لرصد الزلازل، خاصة في المناطق المأهولة بالسكان التي تفتقر إلى أنظمة إنذار تقليدية". لكن في المقابل، ترى الكاتبة أن هذا الابتكار يثير إشكالات سياسية، نظراً لأن البيانات والخوارزميات تُعد ملكية خاصة، مما يحول دون وصول علماء الزلازل المستقلين إليها بسهولة. وتتساءل الكاتبة عما "إذا كانت السلطات المدنية والمنتخبة هي المسؤولة عن حماية المواطنين، فماذا يحدث عندما تمتلك جهات خاصة معلومات قد تُحدث فرقاً في إنقاذ الأرواح؟". وتشرح أهوجا آلية عمل النظام، بقولها "يعتمد النظام على رصد الزيادات المفاجئة في التسارع الناتج عن الموجات الزلزالية. وعند تشغيل العديد من الهواتف في منطقة ما، تُرسل المعلومات مع بيانات الموقع التقريبية، إلى خوادم جوجل. وإذا تطابق الاهتزاز مع نمط الزلزال، يُقدّر النظام قوته ووقت حدوثه ومركزه. وفي حالة الزلازل التي تبلغ قوتها 4.5 درجة أو أكثر، يُرسل تنبيه إلى مستخدمي الهواتف في المنطقة، على أمل تحذير الناس قبل وقوع هزة كبيرة". وتشير الكاتبة إلى أهمية حماية خصوصية المستخدم، لكنها تُلمح إلى أن هذا الحذر قد يعرقل التقدم العلمي والتعاون الأكاديمي في مجال الزلازل، مؤكدة أن هذه التكنولوجيا تمنح شركات خاصة مثل "غوغل" دوراً حيوياً كان من اختصاص الحكومات.


BBC عربية
٢٣-٠٧-٢٠٢٥
- BBC عربية
"أطلقوا النار على المرضى في أسِرّتهم" – بي بي سي ترصد مزاعم عن وقوع مذبحة في مستشفى السويداء الوطني
اتُهمت قوات الحكومة السورية بارتكاب مذبحة في مستشفى السويداء الوطني خلال الاشتباكات الطائفية التي اندلعت قبل أكثر من أسبوع في مدينة السويداء. وزارت بي بي سي المستشفى، حيث يزعم العاملون فيه أن المرضى قتلوا داخل أجنحة المستشفى. تحذير: هذه القصة تحتوي على وصف لأعمال عنف لقد صدمتني الرائحة الكريهة قبل أن أرى أي شئ. في موقف سيارات المستشفى الرئيسي في مدينة السويداء، صُفت عشرات الجثث المتحللة في أكياس بلاستيكية بيضاء. بعضها مفتوح، ويكشف عن بقايا منتفخة ومشوهة لأولئك الذين قتلوا هنا. والممر تحت قدمي دهني وعليه آثار لدماء. في الشمس الملتهبة، الرائحة الكريهة تعم المكان. قال لي الدكتور وسام مسعود، جراح الأعصاب في المستشفى: "لقد كانت مذبحة". "جاء الجنود إلى المدينة قائلين إنهم يريدون إحلال السلام، لكنهم قتلوا عشرات المرضى، من الصغار والكبار على حد سواء". في وقت سابق من هذا الأسبوع، أرسل لي الدكتور مسعود مقطع فيديو، قال إنه سجل مباشرة بعد غارة للقوات الحكومية، وتظهر فيه امرأة تقودك في جولة داخل المستشفى. وعلى الأرض في العنابر، يوجد العشرات من المرضى الموتى الذين ما زالوا ملفوفين في ملاءات أسِرّتهم الملطخة بالدماء. الجميع في المستشفى من أطباء وممرضات ومتطوعين يقولون نفس الرواية. يقولون إنه في مساء يوم الأربعاء الماضي، جاءت قوات الحكومة السورية، التي استهدفت الطائفة الدرزية، إلى المستشفى ونفذت عمليات قتل. ويقول كينيس أبو متعب، أحد المتطوعين في المستشفى، عن الضحايا: "ما هي جريمتهم؟" قال لي أسامة ملك، مدرس اللغة الإنجليزية في المدينة، خارج بوابات المستشفى: "إنهم مجرمون. إنهم وحوش. نحن لا نثق بهم على الإطلاق". وأضاف: "لقد أطلقوا النار على رأس طفل معاق يبلغ من العمر ثماني سنوات". "بموجب القانون الدولي، يجب حماية المستشفيات. لكنهم هاجمونا حتى في المستشفيات". ويقول: "دخلوا المستشفى. وبدأوا في إطلاق النار على الجميع. أطلقوا النار على المرضى في أسرتهم وهم نيام". وتتهم جميع الأطراف المنخرطة في اشتباكات السويداء بعضها البعض بارتكاب فظائع. فقد اتُهم مسلحون من عشائر البدو والدروز وكذلك الجيش السوري بقتل مدنيين والقيام بعمليات قتل خارج نطاق القانون. ولا توجد حتى الآن صورة واضحة عما حدث في المستشفى. ويقدر البعض عدد الأشخاص الذين قتلوا يوم الأربعاء الماضي بأكثر من 300 شخص، لكن لا يمكن التحقق من هذا الرقم بشكل مستقل. وقالت وزارة الدفاع السورية، مساء الثلاثاء، في بيان، إنها على علم بتقارير عن "انتهاكات مروعة" ارتكبها أشخاص يرتدون الزي العسكري في مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية في البلاد. وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أخبرني رائد الصالح، الوزير السوري لإدارة الكوارث والاستجابة لحالات الطوارئ، أنه سيتم التحقيق بشكل كامل في أي مزاعم عن الفظائع التي ارتكبتها جميع الأطراف. وقد فرضت قيود شديدة على الوصول إلى مدينة السويداء، ما يعني أن جمع الأدلة المباشرة كان أمراً صعباً. المدينة في الواقع محاصرة، حيث تفرض قوات الحكومة السورية قيوداً على من يسمح لهم بالدخول والخروج منها. وللدخول، كان علينا المرور عبر العديد من نقاط التفتيش. عندما دخلنا المدينة، مررنا بالمتاجر والمباني المحترقة، والسيارات التي دمرتها الدبابات. ومن الواضح أن هناك معركة شرسة شهدتها مدينة السويداء بين المقاتلين الدروز والبدو، وحينئذ تدخلت الحكومة السورية لأول مرة لمحاولة فرض وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من استعادة القوات الحكومية العديد من القرى الدرزية في محافظة السويداء، إلا أن المدينة التي يسكنها أكثر من 70 ألف شخص، لا تزال تحت السيطرة الدرزية الكاملة. وقبل أن نغادر المستشفى، وجدنا هالة الخطيب، البالغة من العمر ثماني سنوات، تجلس على مقعد مع خالتها. وجه هالة كان ملطخاً بالدماء ومضمداً. ويبدو أنها فقدت إحدى عينيها. وتخبرنا أن مسلحين أطلقوا النار على رأسها عندما كانت مختبئة في خزانة داخل منزلها. هالة لا تعرف حتى الآن أن والديها لقيا حتفهما.