
جسيمات "مهملة" تفاجئ علماء الفيزياء بحل أكبر تحديات الحوسبة الكمومية
تقدم الدراسة ، التي نُشرت مؤخرا في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز"، ما يسميه العلماء إطارا يضيف نوعا جديدا من الجسيمات أطلق عليه الباحثون اسم "النيجلكتون" والمشتقة من الكلمة الإنجليزية "نيجليكت" بمعنى "المهملة"، لتكون بمثابة القطعة المفقودة في الأحجية التي تجعل النظام المقترح قادرا على أداء أي عملية كمومية بشكل خال من الأخطاء تقريبا.
يقول آرون لاودا، أستاذ الرياضيات والفيزياء وعلم الفلك في جامعة جنوب كاليفورنيا، والمؤلف المراسل في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "تُعتبر هذه الجسيمات ذات وزن صِفري في الحسابات، لذا تُستبعد كما لو كانت بلا أهمية. في بعض الحالات، تجعل هذه الجسيمات العمليات الحسابية مرهقة وتتطلب القسمة على الصفر. أما في إطارنا، فنُبقيها ونعطيها معنى فيزيائيا جديدا."
ويضيف في بيان صحفي "الأمر المثير للاهتمام بشكل خاص هو أن هذا العمل يقربنا من الحوسبة الكمومية الشاملة باستخدام الجسيمات التي نعرف بالفعل كيفية إنشائها."
لغز الكيوبت!
في عالم الفيزياء، اكتشف العلماء جسيمات صغيرة جدا مثل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات والفوتونات. ثم صنفوها إلى مجموعتين رئيسيتين؛ الفرميونات، ومنها الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات، وبوزونات، ومنها الفوتونات، ويعتمد هذا التصنيف على طريقة دوران الجسيم حول نفسه وحالته الكمومية.
حواسيبنا العادية تعمل أساسا باستخدام الإلكترونات. داخل المعالجات واللوحات الإلكترونية، توجد أسلاك دقيقة جدا تحتوي على ترانزستورات، وهي أشبه بمفاتيح صغيرة تمر من خلالها الإلكترونات. هذه الإلكترونات تمثل البيانات في شكل بتات، فيكون وجود مرور الإلكترونات (التيار الكهربائي) يساوي الرقم 1، وغياب الإلكترونات يساوي الرقم 0.
هذا النظام هو ما نعرفه باسم النظام الثنائي. وتتم معالجة البيانات باستخدام بوابات منطقية، وهي دوائر إلكترونية تحدد نتيجة العمليات الحسابية. لكل عملية (مثل الجمع أو الضرب) ترتيب مختلف من هذه البوابات.
هذه البوابات المنطقية هي اللبنات الأساسية لكل الأجهزة الرقمية: من الحواسيب إلى الهواتف الذكية.
أما في الحوسبة الكمومية، فيتم استبدال البِت العادي بما يسمى الكيوبت (البت الكمومي). وبفضل خاصية التراكب الكمومي، يمكن للكيوبت أن يمثل 0 و1 في نفس الوقت، مما يفتح المجال لمعالجة كمية هائلة من البيانات بسرعة وكفاءة أكبر.
عوالم الجسيمات
يمكن استخدام الإلكترونات أو الأيونات أو الفوتونات لتشكيل الكيوبت في الحوسبة الكمومية، فالإلكترونات تستخدم حالة دورانها (اللف المغزلي) لتحديد قيمة الكيوبت، والأيونات يمكن إثارتها إلى مستويات طاقة مختلفة، وهذه المستويات تمثل القيم، والفوتونات، يتم الاعتماد على اتجاه استقطابها كمؤشر لقيمة الكيوبت.
ولكل نوع مميزاته وعيوبه، الفوتونات ممتازة لنقل المعلومات لمسافات طويلة، مثل الاتصالات الكمومية، لأنها لا تتأثر بسهولة بالبيئة. لكن التحكم فيها أصعب بسبب ضعف تفاعلها مع الوسط المحيط.
الإلكترونات والأيونات أسهل في التحكم باستخدام المجالات الكهربائية والمغناطيسية، مما يجعلها مناسبة للحواسيب الكمومية التي تحتاج دقة وسرعة. لكن مشكلتها أنها تتأثر بالبيئة بسرعة، وهذا قد يؤدي إلى فقدان حالة التراكب الكمومي، وهي أساس الكيوبت.
لكن في بعض الأنظمة الفيزيائية الخاصة جدا، وخصوصا في العوالم ثنائية الأبعاد (مثل سطح مادة فائقة النحافة)، قد تظهر أنواع جديدة من الجسيمات لا تتصرف كبوزونات ولا فرميونات، أي لا تتفق في طريقة دورانها أو تغير حالتها الكمومية مع البوزونات والفرميونات، بالتالي لا يمكن تصنيفها ضمن أي منهما، وسُميت هذه الجسيمات باسم "الأنيونات".
هذه الأنيونات لها خاصية مدهشة، حيث إذا قمنا بتحريكها حول بعضها أو بتبديل مواقعها مع بعضها البعض، تتغير حالتها الكمومية بطريقة فريدة لا تحدث مع الجسيمات العادية. هذه العملية تُسمى التضفير، وتشبه جدائل شعر فتاة صغيرة.
ميزة التضفير أن هذه العقد الكمومية تظل ثابتة ولا تتأثر بسهولة، مما يجعل الأنيونات المُضَفّرة خيارا مثاليا لتخزين ومعالجة المعلومات في الحوسبة الكمومية.
الحوسبة الكمومية الطوبولوجية
تخيل أنك تحاول بناء برج من مكعبات صغيرة على طاولة تهتز باستمرار. أي اهتزاز بسيط يمكن أن يسقط البرج. هذا هو ما يحدث في الحواسيب الكمومية العادية، حيث تكون الكيوبتات، وحدات المعلومات الكمومية، حساسة جدا لأي ضوضاء أو تداخل من البيئة.
أما الحوسبة الكمومية المحمية طوبولوجيًا، فهي نوع مقاوم بطبيعته للأخطاء التي تحدث بسبب الطبيعة الهشة للكيوبت والمُعرض للتأثر أو لتغير قيمته من 0 إلى 1 والعكس بسبب الضوضاء أو أي تداخل من البيئة، مما يدمر التماسك الكمومي للكيوبتات ويفسد العمليات الحسابية، ومن ثم يفسد الحاسوب كله.
في الحوسبة الكمومية الطوبولوجية، لا تُخزن المعلومات في حالة أنيون واحد، بل في الطريقة التي تتشابك بها مجموعة من الأنيونات مع بعضها البعض. وعندما يتحرك أنيونان حول بعضهما، فإن هذا التضفير لا يُغيّر هوية الأنيونات نفسها، ولكنه يُغيّر الحالة الكمومية الكلية للنظام بطريقة يمكن التنبؤ بها. هذا التغيير يمكن أن يمثل عملية حسابية، بالتالي يمكن أن يعمل بمثابة "بوابة منطقية كمومية".
هناك أنواع عديدة من الأنيونات، ولكل نوع قوانينه الخاصة في التفاعل والتأثير. وقد ركزت الدراسة هنا على نوع واحد فقط يعرف باسم أنيونات "آيزنج"، التي تسمح باستخدامها في الحوسبة الكمومية الطبولوجية.
يقول لاودا "القيود الرئيسية في الأنيونات من نوع آيزنج التقليدية هي أنه عند تضفيرها، فإن مجموع العمليات الممكنة صغير جدا. الأمر أشبه بمحاولة كتابة رسالة بريد إلكتروني باستخدام لوحة مفاتيح تحتوي على عدد قليل من الأزرار، يمكنك كتابة بعض الحروف أو الكلمات الصغيرة، لكنك لن تتمكن من كتابة الرسالة الكاملة التي تحتاجها للحوسبة الكمومية."
هذا النقص في "المفاتيح"، حرم الحواسيب الكمومية الطوبولوجية من تحقيق مبدأ "العالمية" الضروري، يعني أن النظام يحتاج إلى عمليات إضافية غير محمية طوبولوجيا، مما يجعله أكثر عرضة للأخطاء، وهو ما حاول الباحثون في هذه الدراسة التخلص منه.
جسيمات مُهملة
لكن الإطار الجديد الذي تفترضه الدراسة يأتي ليغيّر القواعد، ففي النماذج التقليدية، هناك جسيمات يتم تجاهلها في الحسابات لأنها ذات "وزن صِفري"، أي يُفترض أنها لا تؤثر على النتيجة، بل قد تسبب مشكلات رياضية مثل القسمة على الصفر مثلا.
يقول لاودا "أهم عنصر جديد هو أن الإطار يحتفظ بجسيمات تعتبرها النظرية التقليدية مُهمَلة. في إطارنا، نُعيد تعريفها بحيث يكون لها وزن غير صفري. أحد هذه الجسيمات، الذي نسميه نيجلكتون، يغيّر تماما ما يمكن للنظام فعله."
يشرح فيليبو إيوليانيلي، الباحث في قسم الفيزياء، في جامعة جنوب كاليفورنيا، والباحث الرئيسي في الدراسة: "بالعودة إلى تشبيه لوحة المفاتيح، فإن أيونات إيزينغ لا تمنحك سوى بضعة مفاتيح على لوحة المفاتيح. إضافة أيون مهمل واحد وربطه بالأنيونات القديمة يمنحك كل تلك المفاتيح التي لم تكن لديك من قبل، ويمكنك كتابة ما تريد". أي أن إضافة نيجلكتون واحد فقط إلى نظام آيزنج، وتركه ثابتا في مكانه، يمنح النظام القدرة على إجراء أي عملية كمومية عن طريق التضفير وحده، مع الحفاظ على الحماية الطوبولوجية من الأخطاء.
لتقريب الفكرة أكثر يقول لاودا "تخيل أن تضفير الجسيمات مثل مجموعة يتراقص بعضها حول بعض على المسرح. في فرقة آيزنج التقليدية، مهما تغيرت الخطوات، يبقى العرض محدودا. أما بإضافة نيجلكتون واحد ثابت في مكانه، فإننا نضع علامة ثابتة على أرض المسرح تُغيّر هندسة كل حركة، وتفتح المجال لجميع العروض الممكنة."
رياضيا، وجد الباحثون أن تمرير أنيون من نوع آيزنج حول النيجلكتون يولد عملية كمومية جديدة توسّع مجموعة "البوابات المنطقية الكمومية" المحدودة إلى مجموعة شاملة قادرة على تنفيذ أي خوارزمية كمومية، مما يحوّل الحواسيب الكمومية الطوبولوجية من حواسيب محرومة من العالمية إلى حواسيب عالمية!
تجاوز عقبة السالب
لكن الطريق لم يكن بتلك السهولة، فأحد أكبر العقبات في النظرية الجديدة يكمن في ظهور احتمالات "سالبة" في بعض الحالات في الصيغ الرياضية، وهو أمر لا يمكن تفسيره فيزيائيا بشكل مباشر.
يوضح لاودا "تغلبنا على هذه العقبة عبر ترميز الكيوبتات في جزء من النظام حيث تكون جميع الاحتمالات طبيعية وموجبة، وضمان أن عمليات التضفير لا تتسرب إلى القطاع الذي يحتوي على الاحتمالات السالبة. بهذه الطريقة، تواصل العمليات الكمومية سلوكها الطبيعي، مع حفظ الاحتمالات كما هو متوقع."
إعلان
حتى الآن، لم يتحقق الباحثون من آلية عمل الجسيمات الجديدة، بما فيها النيجلكتون، في المختبر. ومع ذلك، توجد أنظمة تجريبية قريبة تظهر دلائل على دعمها لأنيونات آيزنج.
يقول لاودا "الأنظمة الأقرب هي حالات هول الكسرية، وربما يمكن تعديلها أو تطوير مواد جديدة بخصائص طوبولوجية مشابهة لإنتاج النيجلكتون. هناك أيضا تقدم ملحوظ يدعو للتفاؤل من مايكروسوفت في شريحة 'التوبوكوندكتور' [أي الموصل الطوبولوجي]، التي صُممت لاستضافة والسيطرة على أوضاع ماجورانا الصفرية، وهي تجسيد فيزيائي لأنيونات آيزنج. إذا استطعنا دمج النيجلكتون في هذا النظام، فقد يصبح ذلك مسارا عمليا لتجسيد نموذجنا."
ويضيف "بالنظر إلى المستقبل، أنا متفائل. يُظهر تاريخ تكنولوجيا الكم أن الأفكار التي كانت تُعتبر بعيدة المنال غالبا ما تصبح عملية أسرع بكثير مما هو متوقع بمجرد وجود هدف واضح. إذا استطعنا إدراك هذه الجسيمات، فقد تصبح الحواسيب الكمومية الطوبولوجية أكثر قوة مع الحفاظ على حمايتها من الأخطاء الطبيعية. وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام حل مشكلات تتجاوز بكثير قدرة آلات اليوم."
بهذا، تفتح هذه الدراسة نافذة على جيل جديد من الحواسيب الكمومية الأكثر قوة والأقل عرضة للأخطاء، وربما أيضا على اكتشافات لم نتخيلها بعد في عالم الكم الغريب. وبينما تبقى الجسيمات الجديدة افتراضية، فإن تاريخ الفيزياء يعلمنا أن الأفكار التي كانت يوما بعيدة المنال قد تصبح واقعا أسرع مما نتوقع، خاصة حين تتضح الأهداف.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
جسيمات "مهملة" تفاجئ علماء الفيزياء بحل أكبر تحديات الحوسبة الكمومية
أعلن فريق من الفيزيائيين وعلماء الرياضيات في جامعة جنوب كاليفورنيا ومعاهد بحثية أخرى عن تطوير فرضية جديدة تمكّن من تحقيق الحوسبة الكمومية العالمية باستخدام جسيمات جديدة لم يلتفت لها الباحثون من قبل، وهو إنجاز طال انتظاره في مجتمع البحث الكمومي. تقدم الدراسة ، التي نُشرت مؤخرا في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز"، ما يسميه العلماء إطارا يضيف نوعا جديدا من الجسيمات أطلق عليه الباحثون اسم "النيجلكتون" والمشتقة من الكلمة الإنجليزية "نيجليكت" بمعنى "المهملة"، لتكون بمثابة القطعة المفقودة في الأحجية التي تجعل النظام المقترح قادرا على أداء أي عملية كمومية بشكل خال من الأخطاء تقريبا. يقول آرون لاودا، أستاذ الرياضيات والفيزياء وعلم الفلك في جامعة جنوب كاليفورنيا، والمؤلف المراسل في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "تُعتبر هذه الجسيمات ذات وزن صِفري في الحسابات، لذا تُستبعد كما لو كانت بلا أهمية. في بعض الحالات، تجعل هذه الجسيمات العمليات الحسابية مرهقة وتتطلب القسمة على الصفر. أما في إطارنا، فنُبقيها ونعطيها معنى فيزيائيا جديدا." ويضيف في بيان صحفي "الأمر المثير للاهتمام بشكل خاص هو أن هذا العمل يقربنا من الحوسبة الكمومية الشاملة باستخدام الجسيمات التي نعرف بالفعل كيفية إنشائها." لغز الكيوبت! في عالم الفيزياء، اكتشف العلماء جسيمات صغيرة جدا مثل الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات والفوتونات. ثم صنفوها إلى مجموعتين رئيسيتين؛ الفرميونات، ومنها الإلكترونات والبروتونات والنيوترونات، وبوزونات، ومنها الفوتونات، ويعتمد هذا التصنيف على طريقة دوران الجسيم حول نفسه وحالته الكمومية. حواسيبنا العادية تعمل أساسا باستخدام الإلكترونات. داخل المعالجات واللوحات الإلكترونية، توجد أسلاك دقيقة جدا تحتوي على ترانزستورات، وهي أشبه بمفاتيح صغيرة تمر من خلالها الإلكترونات. هذه الإلكترونات تمثل البيانات في شكل بتات، فيكون وجود مرور الإلكترونات (التيار الكهربائي) يساوي الرقم 1، وغياب الإلكترونات يساوي الرقم 0. هذا النظام هو ما نعرفه باسم النظام الثنائي. وتتم معالجة البيانات باستخدام بوابات منطقية، وهي دوائر إلكترونية تحدد نتيجة العمليات الحسابية. لكل عملية (مثل الجمع أو الضرب) ترتيب مختلف من هذه البوابات. هذه البوابات المنطقية هي اللبنات الأساسية لكل الأجهزة الرقمية: من الحواسيب إلى الهواتف الذكية. أما في الحوسبة الكمومية، فيتم استبدال البِت العادي بما يسمى الكيوبت (البت الكمومي). وبفضل خاصية التراكب الكمومي، يمكن للكيوبت أن يمثل 0 و1 في نفس الوقت، مما يفتح المجال لمعالجة كمية هائلة من البيانات بسرعة وكفاءة أكبر. عوالم الجسيمات يمكن استخدام الإلكترونات أو الأيونات أو الفوتونات لتشكيل الكيوبت في الحوسبة الكمومية، فالإلكترونات تستخدم حالة دورانها (اللف المغزلي) لتحديد قيمة الكيوبت، والأيونات يمكن إثارتها إلى مستويات طاقة مختلفة، وهذه المستويات تمثل القيم، والفوتونات، يتم الاعتماد على اتجاه استقطابها كمؤشر لقيمة الكيوبت. ولكل نوع مميزاته وعيوبه، الفوتونات ممتازة لنقل المعلومات لمسافات طويلة، مثل الاتصالات الكمومية، لأنها لا تتأثر بسهولة بالبيئة. لكن التحكم فيها أصعب بسبب ضعف تفاعلها مع الوسط المحيط. الإلكترونات والأيونات أسهل في التحكم باستخدام المجالات الكهربائية والمغناطيسية، مما يجعلها مناسبة للحواسيب الكمومية التي تحتاج دقة وسرعة. لكن مشكلتها أنها تتأثر بالبيئة بسرعة، وهذا قد يؤدي إلى فقدان حالة التراكب الكمومي، وهي أساس الكيوبت. لكن في بعض الأنظمة الفيزيائية الخاصة جدا، وخصوصا في العوالم ثنائية الأبعاد (مثل سطح مادة فائقة النحافة)، قد تظهر أنواع جديدة من الجسيمات لا تتصرف كبوزونات ولا فرميونات، أي لا تتفق في طريقة دورانها أو تغير حالتها الكمومية مع البوزونات والفرميونات، بالتالي لا يمكن تصنيفها ضمن أي منهما، وسُميت هذه الجسيمات باسم "الأنيونات". هذه الأنيونات لها خاصية مدهشة، حيث إذا قمنا بتحريكها حول بعضها أو بتبديل مواقعها مع بعضها البعض، تتغير حالتها الكمومية بطريقة فريدة لا تحدث مع الجسيمات العادية. هذه العملية تُسمى التضفير، وتشبه جدائل شعر فتاة صغيرة. ميزة التضفير أن هذه العقد الكمومية تظل ثابتة ولا تتأثر بسهولة، مما يجعل الأنيونات المُضَفّرة خيارا مثاليا لتخزين ومعالجة المعلومات في الحوسبة الكمومية. الحوسبة الكمومية الطوبولوجية تخيل أنك تحاول بناء برج من مكعبات صغيرة على طاولة تهتز باستمرار. أي اهتزاز بسيط يمكن أن يسقط البرج. هذا هو ما يحدث في الحواسيب الكمومية العادية، حيث تكون الكيوبتات، وحدات المعلومات الكمومية، حساسة جدا لأي ضوضاء أو تداخل من البيئة. أما الحوسبة الكمومية المحمية طوبولوجيًا، فهي نوع مقاوم بطبيعته للأخطاء التي تحدث بسبب الطبيعة الهشة للكيوبت والمُعرض للتأثر أو لتغير قيمته من 0 إلى 1 والعكس بسبب الضوضاء أو أي تداخل من البيئة، مما يدمر التماسك الكمومي للكيوبتات ويفسد العمليات الحسابية، ومن ثم يفسد الحاسوب كله. في الحوسبة الكمومية الطوبولوجية، لا تُخزن المعلومات في حالة أنيون واحد، بل في الطريقة التي تتشابك بها مجموعة من الأنيونات مع بعضها البعض. وعندما يتحرك أنيونان حول بعضهما، فإن هذا التضفير لا يُغيّر هوية الأنيونات نفسها، ولكنه يُغيّر الحالة الكمومية الكلية للنظام بطريقة يمكن التنبؤ بها. هذا التغيير يمكن أن يمثل عملية حسابية، بالتالي يمكن أن يعمل بمثابة "بوابة منطقية كمومية". هناك أنواع عديدة من الأنيونات، ولكل نوع قوانينه الخاصة في التفاعل والتأثير. وقد ركزت الدراسة هنا على نوع واحد فقط يعرف باسم أنيونات "آيزنج"، التي تسمح باستخدامها في الحوسبة الكمومية الطبولوجية. يقول لاودا "القيود الرئيسية في الأنيونات من نوع آيزنج التقليدية هي أنه عند تضفيرها، فإن مجموع العمليات الممكنة صغير جدا. الأمر أشبه بمحاولة كتابة رسالة بريد إلكتروني باستخدام لوحة مفاتيح تحتوي على عدد قليل من الأزرار، يمكنك كتابة بعض الحروف أو الكلمات الصغيرة، لكنك لن تتمكن من كتابة الرسالة الكاملة التي تحتاجها للحوسبة الكمومية." هذا النقص في "المفاتيح"، حرم الحواسيب الكمومية الطوبولوجية من تحقيق مبدأ "العالمية" الضروري، يعني أن النظام يحتاج إلى عمليات إضافية غير محمية طوبولوجيا، مما يجعله أكثر عرضة للأخطاء، وهو ما حاول الباحثون في هذه الدراسة التخلص منه. جسيمات مُهملة لكن الإطار الجديد الذي تفترضه الدراسة يأتي ليغيّر القواعد، ففي النماذج التقليدية، هناك جسيمات يتم تجاهلها في الحسابات لأنها ذات "وزن صِفري"، أي يُفترض أنها لا تؤثر على النتيجة، بل قد تسبب مشكلات رياضية مثل القسمة على الصفر مثلا. يقول لاودا "أهم عنصر جديد هو أن الإطار يحتفظ بجسيمات تعتبرها النظرية التقليدية مُهمَلة. في إطارنا، نُعيد تعريفها بحيث يكون لها وزن غير صفري. أحد هذه الجسيمات، الذي نسميه نيجلكتون، يغيّر تماما ما يمكن للنظام فعله." يشرح فيليبو إيوليانيلي، الباحث في قسم الفيزياء، في جامعة جنوب كاليفورنيا، والباحث الرئيسي في الدراسة: "بالعودة إلى تشبيه لوحة المفاتيح، فإن أيونات إيزينغ لا تمنحك سوى بضعة مفاتيح على لوحة المفاتيح. إضافة أيون مهمل واحد وربطه بالأنيونات القديمة يمنحك كل تلك المفاتيح التي لم تكن لديك من قبل، ويمكنك كتابة ما تريد". أي أن إضافة نيجلكتون واحد فقط إلى نظام آيزنج، وتركه ثابتا في مكانه، يمنح النظام القدرة على إجراء أي عملية كمومية عن طريق التضفير وحده، مع الحفاظ على الحماية الطوبولوجية من الأخطاء. لتقريب الفكرة أكثر يقول لاودا "تخيل أن تضفير الجسيمات مثل مجموعة يتراقص بعضها حول بعض على المسرح. في فرقة آيزنج التقليدية، مهما تغيرت الخطوات، يبقى العرض محدودا. أما بإضافة نيجلكتون واحد ثابت في مكانه، فإننا نضع علامة ثابتة على أرض المسرح تُغيّر هندسة كل حركة، وتفتح المجال لجميع العروض الممكنة." رياضيا، وجد الباحثون أن تمرير أنيون من نوع آيزنج حول النيجلكتون يولد عملية كمومية جديدة توسّع مجموعة "البوابات المنطقية الكمومية" المحدودة إلى مجموعة شاملة قادرة على تنفيذ أي خوارزمية كمومية، مما يحوّل الحواسيب الكمومية الطوبولوجية من حواسيب محرومة من العالمية إلى حواسيب عالمية! تجاوز عقبة السالب لكن الطريق لم يكن بتلك السهولة، فأحد أكبر العقبات في النظرية الجديدة يكمن في ظهور احتمالات "سالبة" في بعض الحالات في الصيغ الرياضية، وهو أمر لا يمكن تفسيره فيزيائيا بشكل مباشر. يوضح لاودا "تغلبنا على هذه العقبة عبر ترميز الكيوبتات في جزء من النظام حيث تكون جميع الاحتمالات طبيعية وموجبة، وضمان أن عمليات التضفير لا تتسرب إلى القطاع الذي يحتوي على الاحتمالات السالبة. بهذه الطريقة، تواصل العمليات الكمومية سلوكها الطبيعي، مع حفظ الاحتمالات كما هو متوقع." إعلان حتى الآن، لم يتحقق الباحثون من آلية عمل الجسيمات الجديدة، بما فيها النيجلكتون، في المختبر. ومع ذلك، توجد أنظمة تجريبية قريبة تظهر دلائل على دعمها لأنيونات آيزنج. يقول لاودا "الأنظمة الأقرب هي حالات هول الكسرية، وربما يمكن تعديلها أو تطوير مواد جديدة بخصائص طوبولوجية مشابهة لإنتاج النيجلكتون. هناك أيضا تقدم ملحوظ يدعو للتفاؤل من مايكروسوفت في شريحة 'التوبوكوندكتور' [أي الموصل الطوبولوجي]، التي صُممت لاستضافة والسيطرة على أوضاع ماجورانا الصفرية، وهي تجسيد فيزيائي لأنيونات آيزنج. إذا استطعنا دمج النيجلكتون في هذا النظام، فقد يصبح ذلك مسارا عمليا لتجسيد نموذجنا." ويضيف "بالنظر إلى المستقبل، أنا متفائل. يُظهر تاريخ تكنولوجيا الكم أن الأفكار التي كانت تُعتبر بعيدة المنال غالبا ما تصبح عملية أسرع بكثير مما هو متوقع بمجرد وجود هدف واضح. إذا استطعنا إدراك هذه الجسيمات، فقد تصبح الحواسيب الكمومية الطوبولوجية أكثر قوة مع الحفاظ على حمايتها من الأخطاء الطبيعية. وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام حل مشكلات تتجاوز بكثير قدرة آلات اليوم." بهذا، تفتح هذه الدراسة نافذة على جيل جديد من الحواسيب الكمومية الأكثر قوة والأقل عرضة للأخطاء، وربما أيضا على اكتشافات لم نتخيلها بعد في عالم الكم الغريب. وبينما تبقى الجسيمات الجديدة افتراضية، فإن تاريخ الفيزياء يعلمنا أن الأفكار التي كانت يوما بعيدة المنال قد تصبح واقعا أسرع مما نتوقع، خاصة حين تتضح الأهداف.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
الجميع ينتظر "زلزال كاليفورنيا الكبير" لكنه قد يكون مفاجأة
منذ سنوات طويلة، يسمع سكان كاليفورنيا عن "الزلزال الكبير المقبل"، الذي قد يضرب صدع سان أندرياس، وهو شق طويل في الأرض يمتد 1200 كيلومتر، يشكّل الحدود التكتونية بين صفيحة المحيط الهادي وصفيحة أميركا الشمالية. لكن ما معنى الصفائح التكتونية؟ لفهم الفكرة تخيل أن الأرض بحجم التفاحة، في هذه الحالة ستكون القشرة الأرضية بحجم قشرة التفاحة الرقيقة. ولكنْ هناك اختلاف، فقشرة الأرض مقسمة إلى "صفائح تكتونية" متداخلة كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية التي يطلب منك تجميعها للحصول على صورة جميلة، هذه الصفائح تمثل قطعا ضخمة من صخور القشرة الأرضية تطفو فوق طبقة منصهرة جزئيا تُسمى "الوشاح". وتتحرك هذه الصفائح ببطء بسبب تيارات حرارية في باطن الأرض، وقد تصطدم أو تبتعد أو تنزلق بجانب بعضها، وتسبب حركتها الزلازل والبراكين وتُشكّل الجبال والمحيطات على مدى ملايين السنين. ولهذا السبب، فإن المناطق الموجودة عند حدود الصفائح التكتونية تتعرض بشكل متكرر نسبيا إلى زلازل كبرى، ومن ثم فقد يتوقع العلماء أن زلزالا كبيرا سيحدث في هذه المنطقة أو تلك إذا مرت سنوات طويلة (عدة عقود) دون زلازل كبيرة، هذه التنبؤات تكون عادة احتمالية ولا تتقيد بموعد محدد. ليس بالضرورة والفكرة المشهورة هي أنه في يوم ما، سيحدث زلزال ضخم جدا يشبه ما حدث في الماضي في نفس المكان (صدع سان أندرياس)، بقوة معروفة ومدة معروفة ومكان متوقع، يسأل البعض: هل سيكون تكرارًا لما حدث عام 1857، عندما ضرب المكان زلزال قُدِّرت قوته بين 7.7 و7.9 درجات؟ هل سيكون أشبه بزلزال سان فرانسيسكو الكبير عام 1906، الذي بدأ قبالة سواحل مدينة كاليفورنيا مباشرةً، وامتد في اتجاهين، نحو مقاطعتي هومبولت وسانتا كروز؟ لكن الأبحاث الجديدة تقول إن ذلك ليس بالضرورة صحيحا، وربما يأتي الزلزال الكبير بشكل مختلف تمامًا، بحسب دراسة جديدة نشرت في دورية "بي إن إيه إس"، حيث فحص العلماء زلزالا ضرب دولة ميانمار في جنوب شرق آسيا في 28 مارس/آذار الماضي، على صدع يُعرف بتشابهه الكبير مع صدع سان أندرياس. انتهى الأمر بالزلزال إلى تصدع جزء من الفالق أطول بكثير مما توقعه العلماء، بالنظر إلى جيولوجيا المنطقة، والتنبؤ بالزلازل فيها، ما أشار للعلماء إلى أن الزلازل لا تعود أبدًا بنفس الطريقة تمامًا. الصدع أو الفالق الزلزالي (منطقة التحرك بين الصفيحتين) يشبه السحّاب الذي نغلق به السترة التي نرتديها، أحيانًا يعلق من نقطة معينة، وأحيانًا ينفتح من مكان آخر، وليس هناك طريقة واحدة دائمًا لحركته، مع تكرارها مئات المرات. ويشير الباحثون إلى أن بعض أجزاء الصدع تتحرك ببطء طوال الوقت، هذه الحركة البطيئة تعني اصطدامات أضعف بين الصفائح التكتونية، ومن ثم لا تخزن طاقة، فلا تمثل وقودا لزلزال ضخم. وهناك أجزاء أخرى من نفس الصدع، تظل تنضغط أثناء حركة الصفائح التكتونية لسنوات طويلة، فتجمع طاقة ضخمة وتتحرر فجأة، لتسبب زلزالا كبيرا. عوامل معقدة ولذلك فإن العلماء يقدرون أن زلزال كاليفورنيا الكبير المقبل قد لا يكون كبيرا جدا، بل هناك احتمالات متنوعة، فقد يكون زلزالا متوسط الحجم (ولكن يظل مدمرا) أكثر من مرة أو زلزالا ضخما يمتد لمسافة أطول مما نتوقع أو حتى سلسلة من الزلازل واحدًا تلو الآخر. كما يشير الباحثون إلى أن هذا الزلزال قد يكون متوسطا ولكنه أطول، وكلما طال الوقت، زادت الأضرار حتى لو لم تكن القوة في أعلى مستوياتها. وهناك عوامل أخرى تؤثر على قوة الزلزال المرتقب، منها اتجاهه، فإذا كان الصدع يتمزق باتجاه مدينة، تصل الموجات أقوى، كما أن بعض المناطق مثل الوديان والأحواض الترابية تعمل مثل مكبر الصوت، فتجعل الاهتزاز أقوى. والخلاصة أن الزلزال الكبير على سان أندرياس قادم يومًا ما، لكن ليس بالضرورة بالشكل النمطي الذي نحمله في أذهان العلماء، فالقوة، والمدة، واتجاه التمزق، وتضخيم الموجات، والترابط بين الصدوع، كلها عناصر تصنع الزلزال المقبل، وكلها عوامل متغيرة. ولذلك، بحسب الدراسة الجديدة، فإن العلماء ينصحون بالاستعداد لعدة سيناريوهات بدلا من سيناريو واحد فقط يمثل "الزلزال المرتقب الكبير"، منها أن تُبنى المباني أو تُعدل لتتحمل اهتزازات قوية وطويلة على سبيل المثال، وأن تعد المناهج التعليمية والتدريبية لسيناريوهات عدة لا لسيناريو واحد.


الجزيرة
منذ يوم واحد
- الجزيرة
واشنطن بوست: سباق القوى الكبرى النووي نحو القمر يختبر حدود قوانين الفضاء
في مشهد يعكس عودة سباق القوى العظمى إلى الفضاء، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" تسريع خطتها لبناء مفاعل نووي صغير على سطح القمر بحلول عام 2030، وذلك في خطوة تفتح آفاقا جديدة ليس فقط على صعيد الفضاء، بل أيضا في مضمار القانون الفضائي، وفق تقرير بصحيفة واشنطن بوست. وأشار التقرير إلى أن القوانين الدولية التي تحكم الفضاء الخارجي قائمة منذ عقود، إلا أن أجزاء منها لم تختبر فعليا بعد، وحذر خبراء من أن جهود ناسا في هذا المجال تطرح أسئلة شائكة حول تلك القواعد، وإمكانية اندلاع نزاعات مع احتدام المنافسة للسيطرة على القمر. وذكرت الصحيفة أن القائم بأعمال مدير ناسا ووزير النقل الأميركي شون دوفي طلب، الشهر الماضي، من وكالة الفضاء تسريع جهودها لوضع مفاعل نووي على القمر بحلول عام 2030. وقال في توجيه رسمي -كُشف عنه أولا عبر موقع بوليتيكو- إن هذه التقنية "ستدعم اقتصادا قمريا مستقبليا، وتوليد طاقة عالية على كوكب المريخ، وتعزيز الأمن القومي الأميركي في الفضاء". وأشار دوفي في هذا الصدد إلى تنامي الضغوط من جانب الصين وروسيا ، إذ أكد البلدان مرارا منذ عام 2024 على خطتهما المشتركة لتركيب مفاعل على القمر بحلول منتصف ثلاثينيات القرن الحالي. وأضاف في توجيهه أن الدولة التي تضع أول مصدر للطاقة النووية على القمر "يمكنها إعلان الموقع منطقة محظورة". أول الواصلين ينتصر وبحسب ماهام جافيد، المراسلة المتخصصة في المشاريع البصرية بالصحيفة، فقد أثار الإعلان الأميركي جدلا في أوساط خبراء القانون الفضائي. وعلى الرغم من أن معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967 تحظر على الدول المطالَبَة بالسيادة على أي جزء من القمر، فإن بعض بنودها تمنح ميزة غير مباشرة للواصل الأول. الدولة التي تضع أول مصدر للطاقة النووية على القمر "يمكنها إعلان الموقع منطقة محظورة" بواسطة مدير ناسا ووزير النقل الأميركي شون دوفي وتقول ميشيل هانون، المديرة التنفيذية لمركز قانون الفضاء بجامعة ميسيسيبي، إن "من يصل أولا يمتلك ضمنا حقا أكبر في استبعاد الآخرين". إعلان كما أن اتفاقيات أرتميس، التي وضعتها واشنطن عام 2020 وتصف "مناطق الأمان" لحماية الأفراد والمعدات، لم تحدد بوضوح حجم هذه المناطق أو مدتها، مما يفتح الباب أمام تفسيرات واسعة قد تُستغل سياسيا. وتجدر الإشارة إلى أن الصين وروسيا ليستا طرفا في هذه الاتفاقيات، وهو ما يعقّد أي توافق قانوني مستقبلي، طبقا للمراسلة جافيد. بين الطموح والاحتكار تستهدف ناسا منطقة القطب الجنوبي للقمر، التي يُعتقد أنها تحتوي على كميات من المياه المتجمدة داخل حفر مظلمة، إلى جانب مناطق مشمسة نسبيا توفر بيئة مناسبة لتوليد الطاقة، حسب التقرير. لكن محدودية ضوء الشمس، حيث يدوم الليل القمري نحو أسبوعين، تجعل الطاقة النووية خيارا مغريا لدعم مركبات الاستكشاف أو حتى إقامة مستوطنة بشرية دائمة. ويرى خبراء أن فرض مناطق أمان واسعة على القمر قد يؤدي إلى احتكار الموارد، ويثير نزاعات دولية، ويخلق سباقا شبيها بـ"التهافت على الذهب" في القرن الـ19، مع ما يحمله من أخطار بيئية واستغلال للعمالة، خصوصا إذا دخلت شركات خاصة للتنقيب على الموارد القمرية بدافع الربح. ومع أن المفاعل المقترح بطاقة 100 كيلوواط لا يُعد ضخما، لكنه يمثل -برأي الصحيفة- سابقة تقنية وسياسية. ويحذر خبراء الطاقة النووية من أن التعجل في تطويره قد يؤدي إلى حوادث أمان أو مشاكل موثوقية، فضلا عن تحديات إدارة النفايات المشعة التي قد تبقى مئات السنين على سطح القمر. ويعكس المشروع الأميركي مزيجا من الطموح العلمي والرغبة في ترسيخ النفوذ الإستراتيجي في الفضاء. لكن الغموض القانوني، وتعارض المصالح بين القوى الكبرى، والمخاطر التقنية والبيئية، تجعل من سباق المفاعلات النووية على القمر ملفا مفتوحا على أسئلة شائكة حول مستقبل استغلال الفضاء الخارجي.