
... عن «المشرق العربي» و«العالم» وإسرائيل
«المشرق العربيّ والعالم» لم تكن علاقتهما، في الزمن الحديث، على ما يرام. بـ»العالم» كان يُقصد الغرب ودوله، أي عالم الأطلسيّ، وبـ «المشرق العربيّ» كانت تُقصد أساساً القضيّة الفلسطينيّة على النحو الذي رسمته الأنظمة العسكريّة والأمنيّة، ومعها لسنوات طويلة بدأت في أواخر الستينات، منظّمة التحرير الفلسطينيّة.
صحيح أنّ تلك الصيغة الثنائيّة انطوت على اختزالين كبيرين، إذ «العالم» ليس الغرب وحده، فيما «المشرق» أكثر وأكبر من القوى العربيّة المذكورة ومن همّها الأوحد المذكور. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ «العالم»، بالنسبة إلى العالم العربيّ، كان الغرب المؤثّر في سياساته، كما في اقتصاده وتعليمه وتقنيّته، وهذا فضلاً عن الماضي الاستعماريّ، وعن النماذج الحياتيّة والصور الثقافيّة المرغوبة. أمّا الصراع مع إسرائيل فكان أكثر ما يحدّد التوجّهات المعلنة في جوانب ليست بالضرورة متّصلة بهذا الصراع. هكذا سادت لعقود، عربيّاً وليس مشرقيّاً فحسب، نظريّة «التعامل مع العالم تبعاً لموقفه من قضيّة فلسطين»، وكان أهمّ ترجمات النظريّة هذه المقاطَعة النفطيّة لداعمي الدولة العبريّة مع نشوب حرب أكتوبر/ تشرين الأوّل 1973. ذاك أنّ خليطاً من التعاطف مع ضحايا المأساة الفلسطينيّة، وما ترسّب من رطانة قوميّة جامعة، ثمّ الخضوع للابتزاز بالعنف والإرهاب كما مارسهما غير طرف مسلّح، أفضى إلى تلك القراءة الإجماعيّة. ودائماً بدا هذا التمركز حول القضيّة الفلسطينيّة، وهي خارجيّة بالنسبة إلى دول عربيّة كثيرة، وإلى قطاعات كثيرة في تلك البلدان، على شيء من الغرابة، أقلّه عند الذين رأوا أنّ سياسات الدول الناشئة لا بدّ أن تتمحور حول داخلها.
والعلاقة، التي لم تكن على ما يرام بين «العالم» و»المشرق»، ذكّرت كثيرين بانتفاض أبناء الكيانات على أبيهم الذي أنشأ تلك الكيانات. فبعد الحرب العالميّة الأولى نفر الأوّلون من فكرة الانتداب ومن «وعد بلفور» واتفاقيّة سايكس بيكو، واستنتجوا أنّ ما جاء في مراسلات ماكماهون والشريف حسين لم يكن سوى خديعة. وبعد الحرب العالميّة الثانية ساءهم ما نزل بالفلسطينيّين فرفضوا تقسيم فلسطين الذي التقت حوله الكتلتان الشرقيّة والغربيّة. ولئن رأى «العالم» في تمرّد العرب القوميّ حدثاً مستهجَناً، إلاّ أنّه أدرجه في خانة التمردّات المشابهة التي عرفتها أفريقيا وجنوب شرق آسيا وبعض أميركا اللاتينيّة، واستوعبها إطار الحرب الباردة. لكنْ بعد ذاك، ومع تفسّخ الناصريّة وانحطاطها إلى أسديّة وصدّاميّة وقذّافيّة، صعد نجم بن لادن وإخوانه الكثيرين، ولم يعد مفهوماً هذا التمرّد الجذريّ الذي قُدّم كما لو أنّه شيء يختصّ به المسلمون وحدهم. ومع الطور هذا، فقد صلاحَه وصف الآباء والأبناء العصاة، إذ ارتدّ المتمردّون الجدد إلى قَدامة الجَدّ الذي يقطع كلّيّاً مع عالم أنشأه الأب الغربيّ وتصدّى له أب مشرقيّ فاشل.
غير أنّه، وفي طوري التمرّد، ظلّت «أزمة الشرق الأوسط» من غير حلّ، كما لم تنجح اتّفاقيّة أوسلو، في 1993، في طيّ صفحة سوداء وفتح أخرى وُصفت بالبياض.
واليوم، على أيّة حال، تغيّر كلّ شيء تقريباً، وهذا فيما التغيّرات التي تتوالى تصيب معاني الأشياء الأصليّة والأوّليّة. فـ»العالم» انضافت إليه الصين، وإن كان حضورها لا يزال جزئيّاً ومحصوراً بقياس الحضور الغربيّ. أهمّ من ذلك، وخصوصاً في ظلّ رئاسة دونالد ترمب، أنّ الكون الأطلسيّ يتمزّق ما بين أميركا الشعبويّة والقوميّة وأوروبا التي تدافع بصعوبة عن ليبراليّتها، فيما تنشأ أعراف وطرق في النظر إلى الأمور، وإلى العلاقات الدوليّة، غريبة وغير معهودة.
و»المشرق العربيّ»، بدوره، يتمزّق على نحو قد لا يكون جديداً، لكنّه بالتأكيد من صنف غير مألوف. فقضيّة فلسطين لم تعد ما كانته من قبل، وأهمّ من ذلك أنّ المغرب والخليج والمشرق ومصر والسودان سلكت كلّ منها طريقها. وإذا كانت الطرق تتقاطع عند بعض المحطّات فإنّها مستقلّة بذاتها، تمضي واحدتها في توكيد تمايزها عن الأخرى.
بيد أنّ تنافر «العالم» و»المشرق لا يلغي اتّفاقاً حول تفوّق القرن التاسع عشر. فمنذ خطاب تنصيب ترمب رئيساً، ظهرت كتابات كثيرة تتناول تأثّره بالرئيس وليام ماكينلي الذي حكم الولايات المتّحدة بين 1897 و1901 حينما اغتيل. وماكينلي، المتحمّس للحمائيّة الضريبيّة، والذي وصفه ترمب بـ»العظيم»، عُرف، بين أمور أخرى، بخوضه الحرب الأميركيّة – الإسبانيّة واعتماده سياسة توسّع تأدّى عنها إلحاق الفيليبين وبورتو ريكّو وغوام وهاواي.
وفي المشرق، مع انفجار قضايا الأقلّيّات، وتشابُكها مع السياسات الإقليميّة والدوليّة، يزدهر التذكير بـ»المسألة الشرقيّة» التي فجّرها تفسّخ السلطنة العثمانيّة والتسابق على وراثتها، وهو ما افتتحته الانتفاضة اليونانيّة في عشرينات ذاك القرن، ليبلغ ذروته مع نزاع القرم (1853-6) وأزمة البلقان (1875-8) وصولاً إلى حروبه (1912-1913).
وإذا كانت أزمنة استلهام الماضي تثير الكآبة عموماً، فثمّة أمر واحد شديد الترجيح ومؤلم، هو أنّ إسرائيل ستكون الأكثر إفادة من تباعد «العالم» و»المشرق» ومن تقاربهما سواء بسواء.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

العربية
منذ 5 أيام
- العربية
وسط تصاعد الخلاف مع ترامب.. استقالة رئيسة "سي بي إس نيوز"
فقدت شبكة "سي بي إس نيوز" الأميركية شخصية بارزة جديدة في ظل نزاعها المستمر مع الرئيس دونالد ترامب. فقد أعلنت الرئيسة التنفيذية للشبكة، ويندي ماكماهون، استقالتها الاثنين، حسب ما أفادت عدة وسائل إعلام أميركية نقلاً عن مذكرة داخلية وُجهت إلى الموظفين. ووصفت ماكماهون، في المذكرة، الأشهر الماضية بأنها كانت "صعبة"، وفق تقرير في صحيفة "واشنطن بوست". كما أشارت إلى أنه بات من الواضح وجود تباين في الرؤى بينها وبين الشركة بشأن التوجه المستقبلي للمؤسسة الإعلامية. برنامج "60 دقيقة" يذكر أن بيل أوينز، المنتج التنفيذي ل برنامج "60 دقيقة" الشهير، كان غادر "سي بي إس نيوز" الشهر الماضي، بعد أن رفع ترامب دعوى قضائية بمليار دولار ضد البرنامج الإخباري. ويتهم ترامب برنامج "60 دقيقة" بالتلاعب في تحرير مقابلة مع كامالا هاريس، منافسته الديمقراطية في حملة الانتخابات الرئاسية العام الماضي، "ما أدى إلى التأثير على مشاعر الناخبين"، وفق قوله. سعي للتوصل إلى تسوية فيما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن محامين يشككون في فرص نجاح هذه الدعوى. إلا أن شاري ريدستون، المساهم المسيطر في الشركة الأم لشبكة "سي بي إس نيوز"، وهي "باراماونت جلوبال"، لا تزال تسعى للتوصل إلى تسوية مع الرئيس. وقد يكون ذلك مرتبطاً أيضاً بخطط اندماج شركة "باراماونت" مع "سكاي دانس ميديا"، وهو اتفاق بمليارات الدولارات لا يزال بانتظار موافقة السلطات، حسب وكالة أسوشييتد برس.


Independent عربية
١٥-٠٥-٢٠٢٥
- Independent عربية
الوكالة اليهودية... "شبه دولة" أسست لإسرائيل قبل قيامها
قبل نحو عقدين من إعلان قيام دولة إسرائيل كانت "شبه دولة" أخرى تمهد الأرض للكيان المنتظر، هي "الوكالة اليهودية" التي ساعدت اليهود على الهجرة ودمجهم في مجتمع كان يتشكل على نسبة قليلة من أرض فلسطين، وما زالت حتى الآن تعمل للحفاظ على فكرة الدولة اليهودية بعد مرور أكثر من قرن على إنشائها. فكرة إنشاء هيئة سياسية تنفذ مشروع "الوطن اليهودي" ظهرت منذ المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، الذي أقر أن هدف الصهيونية هو إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين. وبعد تعهد بريطانيا تسهيل إنشاء الوطن اليهودي في فلسطين، المعروف باسم "وعد بلفور"، بدأ تأليف كيان تابع للحركة الصهيونية داخل فلسطين التي كانت لا تزال تحت حكم الدولة العثمانية، خلال وقت بدت فيه بوادر تفكك العثمانيين مع هزائمهم في الحرب العالمية الأولى. وبعد وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1920، بدأت بريطانيا تنفيذ وعدها بإقامة وطن قومي لليهود، إذ نصت المادة الرابعة من صك الانتداب على أنه "يعترف بوكالة يهودية ملائمة كهيئة عمومية لإسداء المشورة إلى إدارة فلسطين والتعاون معها في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وغير ذلك من الأمور التي قد تؤثر في إنشاء الوطن القومي اليهودي ومصالح السكان اليهود في فلسطين، ولتساعد وتشترك في ترقية البلاد". إنشاء الوكالة وقيام الدولة وتزامناً مع مصادقة عصبة الأمم رسمياً على الانتداب البريطاني، أُنشئت "الوكالة اليهودية لأرض إسرائيل" عام 1922 لتكون كياناً معترفاً به لإنشاء الوطن القومي لليهود، تطبيقاً للمادة الرابعة من صك الانتداب، مما جعلها أشبه بحكومة للمستوطنين الصهيونيين في أرض فلسطين، وتمتعت بسلطات واسعة بالتعاون مع الإدارة البريطانية، وهو ما سيجعلها لاحقاً قادرة على تحدي سلطة الانتداب. نتائج عمل الوكالة في تشجيع الهجرات اليهودية ظهرت سريعاً، إذ ارتفع عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين ليبلغ 70 ألفاً بين عامي 1924 و1928، في مقابل نحو 40 ألفاً خلال الأعوام الأربع السابقة، حسب دراسة منشورة في موقع "الموسوعة التفاعلية للقضية الفلسطينية". ووفق المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية تركزت هذه الموجة من الهجرة داخل المدن، مما أدى إلى تضاعف سكان أول مدينة يهودية "تل أبيب" من 16 إلى نحو 40 ألف شخص خلال مدة قصيرة، وجرى إنشاء أول جامعة عبرية في فلسطين، وإقامة مزيد من المنشآت الصناعية والمدارس داخل المدن العبرية أو المختلطة مثل القدس وحيفا. وتعزز عمل الوكالة اليهودية إثر قرار المؤتمر الصهيوني الـ16 عام 1929 توسيع عملها بهدف زيادة الهجرة اليهودية وشراء الأراضي الفلسطينية لتمكين حركة الاستيطان، إلى جانب تشجيع الاستيطان الزراعي المبني على العمل اليهودي، ونشر اللغة والتراث العبريين داخل فلسطين. ومع نشوب الحرب العالمية الثانية كان للوكالة اليهودية دور كبير في تشكيل "اللواء اليهودي"، الذي تألف من 5 آلاف مقاتل يهودي تحت قيادة القوات البريطانية، لكن ذلك التحالف انقلب بعد نهاية الحرب إلى عداء، إذ بدأ اليهود في معاداة سلطة الانتداب البريطاني لما رأوا أنه إحباط لمساعيهم في الإسراع بإنشاء دولتهم، مما دفعهم إلى تشكيل قيادة موحدة للجماعات اليهودية شبه العسكرية، وذلك خلال أكتوبر (تشرين الأول) 1945. دور الوكالة اليهودية في تنظيم أمور اليهود على أرض فلسطين خلال الانتداب جعل رئيس الوكالة ديفيد بن غوريون هو من يعلن قيام دولة إسرائيل خلال الـ14 من مايو (أيار) 1948، ويصبح أول رئيس وزراء لها. وتحول دور الوكالة اليهودية بعد قيام دولة إسرائيل من كونها هيئة شبه حكومية تمثل اليهود في فلسطين إلى منظمة تركز على دعم الهجرة اليهودية، وتعزيز الارتباط بين إسرائيل والجاليات اليهودية حول العالم إضافة إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية. تنظيم الأدوار والتمويل خلال عام 1952، أقر الكنيست قانوناً ينظم أدوار كل من المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية لإسرائيل، وأوكل القانون للحكومة الإسرائيلية مسائل الأمن والتعليم والتوظيف، التي كانت الوكالة اليهودية تختص بها سابقاً، فيما استمرت ملفات الهجرة والاستيطان واندماج المهاجرين ضمن مسؤوليات الوكالة، وتقلصت تلك الأدوار عام 1968 بإنشاء وزارة لاستيعاب المهاجرين، مما جعل مهمة الوكالة التركيز على جلب المهاجرين من الخارج بينما تتولى الوزارة أمور استيعابهم داخل إسرائيل. ونص قانون 1952 على أن الوكالة اليهودية هي "وكالة معتمدة للدولة"، مما أسس لوضعها شبه الحكومي. وإلى جانب حملات الترويج الخارجية لجذب اليهود إلى إسرائيل، أسهمت الوكالة اليهودية في موجات كبيرة من الهجرة، مثل عملية "بساط الريح" التي هجر فيها 49 ألفاً من يهود اليمن إلى إسرائيل بعد عام من إنشائها، و"عملية سليمان" التي نقل فيها 14400 يهودي من إثيوبيا خلال 36 ساعة فحسب، إضافة إلى المساهمة في استقبال أكثر من 300 ألف يهودي من الاتحاد السوفياتي عامي 1990 و1991 تزامناً مع انهياره. تعتمد الوكالة في تمويلها على التبرعات من داخل وخارج إسرائيل، وتعد الولايات المتحدة وكندا من أبرز مصادر تلك التبرعات، إذ سجلت الوكالة اليهودية كمنظمة غير ربحية مما يسهل التبرعات المعفاة من الضرائب من المتبرعين الأميركيين، لذلك تعد اتحادات الجاليات اليهودية في أميركا الشمالية من أهم المانحين للوكالة. وتعد منظمة كيرين هايسود (النداء الإسرائيلي المتحد) الذراع الرسمية لجمع التبرعات للوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية، وتعمل في أكثر من 40 دولة لجمع الأموال من الجاليات اليهودية خارج أميركا الشمالية، إضافة إلى ذلك تقدم مؤسسات يهودية وغير يهودية منحاً للوكالة اليهودية لدعم مبادرات محددة، مثل البرامج التعليمية وتنمية المجتمعات في أطراف إسرائيل، مثل النقب والجليل. تاريخياً، قدمت حكومة إسرائيل دعماً مالياً لأنشطة الوكالة اليهودية، إذ أسهمت بين عامي 1948 و1963 بنحو 170 مليون دولار، ما يساوي نحو 14 في المئة من إجمال الدخل خلال تلك الفترة، لكن التمويل الحكومي انخفض مع استقلال عمل الوكالة. وكانت التعويضات التي دفعتها ألمانيا عما يسمى الهولوكوست أحد أكبر مصادر الدخل للوكالة خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ولدى الوكالة اليهودية مجموعة من الأصول والاستثمارات وعوائد البرامج والخدمات تدر دخلاً كبيراً. ووفق تقرير الحساب المالي للوكالة الذي اطلعت عليه "اندبندنت عربية" بلغت أصولها لعام 2023 أكثر من 1.4 مليار دولار، ارتفاعاً من 1.28 مليار دولار خلال عام 2022. وتظهر موازنة الوكالة التي اطلعنا عليها عبر موقعها الإلكتروني أن 422 مليون دولار ستنفق خلال العام الحالي على أنشطة الوكالة، أكبر مصادرها ستكون قيمة الخدمات التي تقدمها الوكالة، بما في ذلك ما تقدمه لحكومتي إسرائيل والولايات المتحدة دون توضيح نوع هذه الخدمات بقيمة 228 مليون دولار. وفي قائمة المصروفات تبرز أنشطة ربط المجتمعات اليهودية باعتبارها الأكثر إنفاقاً بقيمة 142 مليون دولار ما يوازي 36 في المئة من موازنة الوكالة، ثم الهجرة بقيمة 121 مليوناً بقيمة 34 في المئة ودعم المجتمع الإسرائيلي بـ30 في المئة من الموازنة. الهجرة العكسية على عكس أهداف الوكالة اليهودية في تشجيع الهجرة إلى إسرائيل، أدت هجمات السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى موجة من الهجرة العكسية خارج إسرائيل، إذ قدر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي عدد المهاجرين عكسياً عام 2024 بأكثر من 82 ألف شخص، في زيادة كبيرة على الأعوام السابقة، وبخاصة أن 81 في المئة منهم تحت 49 سنة مما يعني خسارة قوة العمل في الاقتصاد الإسرائيلي. وتباطأت الهجرة إلى إسرائيل مسجلة 32.8 ألف يهودي عام 2024، انخفاضاً من 48 ألفاً خلال عام 2023. وفي مواجهة اتجاه أعداد متزايدة لمغادرة إسرائيل، أعلن خلال فبراير (شباط) 2024 عن خطة حكومية إسرائيلية لتشجيع استقدام مزيد من اليهود من أنحاء العالم، لتوطينهم داخل المناطق الحدودية الشمالية بالجليل الأعلى وغلاف قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، وهي تقريباً المناطق التي تركزت فيها الهجمات بعد "السابع من أكتوبر". وبحسب مسؤولين حكوميين إسرائيليين فقد زادت حوادث ما يسمى "معاداة السامية" داخل أوروبا وأميركا بعد أحداث "السابع من أكتوبر"، مما دفع الوكالة اليهودية لفتح الباب أمام اليهود حاملي "شهادات الحق بالعودة" للهجرة إلى إسرائيل. وللتغلب على تلك المخاوف وضعت الحكومة الإسرائيلية خطة تسمى "سفينة اللاجئين" أعلنها وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الهجرة والاستيعاب أوفير سوفير بموازنة أولية 170 مليون شيكل (46 مليون دولار)، بهدف التحفيز لتنفيذ طلبات الهجرة، وتشجيع حملات هجرة كبيرة لليهود في العالم إلى إسرائيل. وذكر سموتريتش وسوفير أن طلبات الهجرة تضاعفت من فرنسا والولايات المتحدة، وزادت تلك الطلبات من كندا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، وفق ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، التي أضافت أن الخوف من الأوضاع الأمنية جعل معظم مقدمي الطلبات لا يتخذون خطوة الهجرة فعلياً. وترتكز المحفزات للمهاجرين الجدد التي تشملها الخطة على مكافآت مالية شهرية وامتيازات في المجالات التعليمية، وتوفير فرص العمل والمساعدة على الإيجار، على أن تكون الأولوية لمن يوافق على الاستيطان داخل الضفة الغربية والنقب والجليل الأعلى. لكن الهجمات على إسرائيل لم تثن بعض اليهود عن الهجرة، فوفق بيانات وزارة الشتات الإسرائيلية والمنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية، جرى استقدام 7 آلاف مهاجر جديد إلى إسرائيل، النسبة الأكبر منهم شباب تجندوا ضمن الجيش الإسرائيلي، خلال الفترة بين السابع من أكتوبر 2023 ونهاية يناير (كانون الثاني) 2024. وبعد أشهر من تراجع أعداد المهاجرين يبدو أن المحفزات الاقتصادية أتت ثمارها، إذ نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن المنظمة الصهيونية العالمية خلال أغسطس (آب) 2024 أن عدد المهاجرين إلى إسرائيل منذ أكتوبر 2023 بلغ 30 ألف شخص، بينما لم يتخط عدد المهاجرين 12 ألفاً خلال الفترة بين أكتوبر 2023 وأبريل 2024. وبموجب "قانون العودة" الذي أصدرته إسرائيل عام 1950، يحق لليهود وبعض أقاربهم الانتقال إلى البلاد والحصول على جنسيتها. ويبلغ عدد سكان إسرائيل حالياً نحو 10 ملايين بينهم 7.7 مليون يهودي. وكثيراً ما كانت الوكالة اليهودية والمنظمة الأم، المنظمة الصهيونية العالمية، جواز عبور المسؤولين إلى أعلى المناصب في الدولة العبرية، بدءاً من رئيس المنظمة الصهيونية (1920-1946) حاييم وايزمان، الذي اختير أول رئيس لإسرائيل، وديفيد بن غوريون الذي شغل منصب رئيس الوكالة اليهودية منذ 1935 وحتى اختياره أول رئيس لوزراء إسرائيل، وأفراهام بورج الذي شغل المنصب بين عامي 1995 و1999 وتولى رئاسة الكنيست، وآخرهم الرئيس الإسرائيلي الحالي إسحاق هرتسوج، الذي كان الرئيس الـ15 للوكالة اليهودية بين عامي 2018 و2021.


قاسيون
١١-٠٥-٢٠٢٥
- قاسيون
افتتاحية قاسيون 1226: عصر «اتفاقات أبراهام» انتهى ولن يعود!
إن مجرد الحديث في الموضوع، من شأنه إثارة حفيظة قسم كبير من السوريين، رغم كل الترويج الإعلامي المعاكس، خاصة وأن «إسرائيل» التي يجري الحديث عنها، وعن سلامٍ أو تطبيع معها، هي نفسها التي تقصف سورية بشكل شبه يومي، وتحتل أجزاءً من أراضيها، وتدعو لتقسيمها وتفتيتها وإنهائها كوحدة جغرافية سياسية، وتحرض أبناءها على بعضهم البعض باتجاه مقتلة طائفية لا تبقي ولا تذر. ولكن مع ذلك، فمن الضروري مناقشة الأمر بشكلٍ موضوعي، وانطلاقاً من المصالح الوطنية للشعب السوري. وبالرغم من أنه لا توجد أي تأكيدات رسمية سورية في هذا الاتجاه، إلا أنه ينبغي أن نثبت أولاً وقبل كل شيء، أن اتخاذ قرار من مستوى خوض الحرب أو الاتجاه نحو السلم، وخاصة مع عدوٍ تاريخي ومحتل لجزء من الأرض السورية هو «إسرائيل»، هو صلاحية حصرية لسلطة منتخبة انتخاباً شعبياً حراً ونزيهاً. والسلطة القائمة لا تحقق هذا الشرط، ولذا ليس من صلاحياتها إبرام أي اتفاق بهذا المستوى وبهذا التأثير. إضافة إلى هذا الأمر الأساسي، يمكن تثبيت النقاط التالية: أولاً: حقبة «اتفاقات أبراهام» وخرافة «الناتو العربي»، قد ولّت غير مأسوفٍ عليها، وإلى غير رجعة. ومنطقة غرب آسيا/الشرق الأوسط التي نعيش فيها، تتم صياغتها بشكلٍ جديدٍ فعلاً، ولكن ليس وفقاً للوصفة «الإسرائيلية» التفتيتية، بل على العكس من ذلك تماماً؛ الوصفة التي يجري تطبيقها هي وصفة التقارب والتعاون والتوافق بين القوى الإقليمية الأساسية: السعودية، تركيا، إيران، مصر، وبدعمٍ حثيث ومتواصل من الصين وروسيا، وبما يقود نحو استقرار حقيقي في المنطقة، يسمح بازدهار مشروعي الحزام والطريق والمشروع الأوراسي، وازدهار دول المنطقة بأسرها معهما، وفي اتجاه تاريخي معاكس للاتجاه المفروض عليها منذ اتفاقات سايكس بيكو التي تم استكمالها بزرع الكيان في منطقتنا. ثانياً: المبادرة التي أطلقها عملياً كل من عبد الله أوجلان ودولت بهتشلي وأردوغان، والخاصة بحل القضية الكردية في تركيا، والتي تسجل تقدماً مدروساً خلال الأسابيع والأيام الماضية، تشكل مؤشراً مهماً على اتجاه السير الفعلي المعاكس لوصفة سايكس بيكو/«إسرائيل»، التي كانت أساساً من أسس إبقاء منطقتنا مشتعلة وضعيفة ومسرحاً للدماء، وللتدخلات الخارجية الغربية طوال قرن من الزمن. ثالثاً: الوقائع الملموسة بما يخص المفاوضات الأمريكية مع إيران، والهدنة مع الحوثيين، والضغط نحو إنهاء الحرب على غزة، وانفتاح الأمريكي على صفقات كبرى مع السعودية بما في ذلك النووي السلمي، ودون شرط التطبيع مع «الإسرائيلي»، وبدء الانسحاب الأمريكي من سورية، تشير جميعها إلى أن الإحداثيات الواقعية، معاكسة تماماً للاتجاه «الإسرائيلي» التخريبي، وتثبت أن وزن الكيان في مختلف معادلات المنطقة ماضٍ في التراجع والتقهقر، رغم كل العنجهية والعجرفة التي يحاول تصوير نفسه بها. إن مصلحة سورية والسوريين، تتطلب القطع نهائياً مع أي أوهام بخصوص علاقات جيدة مع الغرب تؤدي لرفع العقوبات، وخاصة عبر «إسرائيل»، وتتطلب العمل على ملفين لا بديل عنهما: توحيد السوريين عبر مؤتمر وطني عام وحكومة وحدة وطنية، وتجاوز العقوبات عبر منظومة علاقات إقليمية ودولية غير خاضعة للابتزاز السياسي والوطني... وهما أمران قابلان للتحقيق، وليسا خياراً بين خيارات، بل اتجاهاً إجبارياً وحيداً في حال كنا نريد الحفاظ على سورية موحدة أرضاً وشعباً!